الباب الثالث: الفصل الثالث: في بيان مقالات فرق الضلال من القدرية المعتزلة عن الحق

   الفصل الثالث من فصول هذا الباب

في بيان مقالات فرق الضلال من القدرية المعتزلة عن الحق

     وهم عشرون فرقة

      قد ذكرنا قبل هذا أن المعتزلة افترقت فيما بينها عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها وهن الواصلية والعمرية والهذيلية والنظامية والاسوارية والمعمرية والاسكافية والجعفرية والبشرية والمرادارية والهشامية والتمامية والجاحظية والحايطية والحمارية والخياطية واصحاب صالح قبة والمويسية والشحامية والكعبية والجبابية والبهشمية المنسوبة الى أبى هاشم بن الحبالى فهذه ثنتان وعشرون فرقة فرقتان منها من جملة فرق الغلاة في الكفر نذكرها فى الباب الذى نذكر فيه فرق الغلاة وهما الحايطية والحماريه وعشرون منها قدرية محضة يجمعها كلها فى بدعتها امور:

     منها نفيها كلها عن الله عز وجل صفاته الازلية وقولها بأنه ليس لله عز وجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزلية وزادوا على هذا بقولهم ان الله تعالى لم يكن له في الازل اسم ولا صفة.

     ومنها قولهم باستحالة رؤية الله عز وجل بالابصار وزعموا أنه لا يرى نفسه ولا يراه غيره واختلفوا فيه هل هو راء نغيره أم لا فأجازه قوم منهم وأباه قوم آخرون منهم.

     ومنها اتفاقهم على القول بحدوث كلام الله عز وجل وحدوث أمره ونهيه وخبره وكلهم يزعمون ان كلام الله عز وجل حادث واكثرهم اليوم يسمون كلامه مخلوقا.

     ومنها قولهم جميعا بأن الله تعالى غير خالق لأكساب الناس ولا لشىء من أعمال الحيوانات وقد زعموا ان الناس هم الذين يقدرون أكسابهم وانه ليس لله عز وجل فى اكسابهم ولا فى اعمار سائر الحيوانات صنع ولا تقدير ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية.

     ومنها اتفاقهم على دعواهم فى الفاسق من أمة الاسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهى انه فاسق لا مؤمن ولا كافر ولاجل هذا سماهم المسلمون معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها.

     ومنها قولهم ان كل ما لم يأمر الله تعالى به او نهى عنه من أعمال العباد لم يشأ الله شيئا منها.

     وزعم الكعبى فى مقالاته أن المعتزلة اجتمعت على أن الله عز وجل شىء لا كالاشياء وأنه خالق الأجسام والأعراض وأنه خلق كل ما خلقه لا من شىء وعلى أن العباد يفعلون أعمالهم بالقدر التى خلقها الله سبحانه وتعالى فيهم قال وأجمعوا على أنه لا يغفر لمرتكبى الكبائر بلا توبة.

     وفى هذا الفصل من كلام الكعبى غلط منه على أصحابه من وجوه:

     منها قوله إن المعتزلة اجتمعت على أن الله تعالى شيء لا كالاشياء وليست هذه الخاصية لله تعالى وحده عند جميع المعتزلة فإن الجبائى وابنه أبا هاشم قد قالا إن كل قدرة محدثة شىء لا كالاشياء ولم يخصوا ربهم بهذا المدح.

     ومنها حكايته عن جميع المعتزلة قولها بأن الله عز وجل خالق الأجسام والأعراض وقد علم أن الاصم من المعتزلة ينفى الأعراض كلها وأن المعروف منهم بمعمر يزعم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض وأن ثمامة يزعم أن الاعراض المتولدة لا فاعل لها فكيف يصح دعواه إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه خالق الأجسام والأعراض وفيهم من ينكر وجود الأعراض وفيهم من يثبت الأعراض ويزعم أن الله تعالى لم يخلق شيئا منها وفيهم من يزعم أن المتولدات أعراض لا فاعل لها والكعبى مع سائر المعتزلة زعموا أن الله تعالى لم يخلق أعمال العباد وهي أعراض عند من أثبت الأعراض فبان غلط الكعبى فى هذا الفصل على أصحابه.

     ومنها دعوى إجماع المعتزلة على أن الله خلق ما خلق لا من شىء وكيف يصح اجماعهم على ذلك والكعبى مع سائر المعتزلة سوى الصالحى يزعمون أن الحوادث كلها كانت قبل حدوثها أشياء والبصريون منهم يزعمون ان الجواهر والاعراض كانت فى حال عدمها جواهر وأعراضا وأشياء والواجب على هذا الفصل ان يكون الله خلق الشيء لا من شيء وإنما يصح القول بانه خلق الشىء لا من شىء على اصول اصحابنا الصفاتية الذين أنكروا كون المعدوم شيئا.

     واما دعوى إجماع المعتزلة على ان العباد يفعلون أفاعلهم بالقدر التي خلقها الله تعالى فيهم فغلط منه عليهم لان معمرا منهم زعم أن القدرة فعل الجسم القادر بها وليست من فعل الله تعالى والاصم منهم ينفى وجود القدرة لأنه ينفى الأعراض كلها.

     وكذلك دعوى إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه لا يغفر لمرتكبى الكبائر من غير توبة منهم غلط منه عليهم لان محمد بن شبيب البصرى والصالحى والخالدى هؤلاء الثلاثة من شيوخ المعتزلة وهم واقفية فى وعيد مرتكبى الكبائر وقد أجازوا من الله تعالى مغفرة ذنوبهم من غير توبة.

     فبان بما ذكرناه غلط الكعبى فيما حكاه عن المعتزلة وصح ان المعتزلة يجمعها ما حكيناه عنهم مما أجمعوا عليه.

     فاما الذى اختلفوا فيه فيما بينهم فعلى ما نذكره في تفصيل فرقهم إن شاء الله عز وجل.    

     ذكر الواصلية منهم:

     هؤلاء اتباع واصل بن عطا الغزال رأس المعتزلة وداعيهم الى بدعتهم بعد معبد الجهنى وغيلان الدمشقى.

     وكان واصل من منتابى مجلس الحسن البصرى فى زمان فتنة الازارقة وكان الناس يومئذ مختلفين فى أصحاب الذنوب من امة الاسلام على فرق.

(1)        فرقة تزعم أن كل مرتكب لذنب صغير او كبير مشرك بالله وكان هذا قول الازارقة من الخوراج وزعم هؤلاء ان اطفال المشركين مشركون ولذلك استحلوا قتل اطفال مخالفيهم وقتل نسائهم سواء كانوا من امة الاسلام او من غيرهم. وكانت الصفرية من الخوارج يقولون فى مرتكبى الذنوب بأنهم كفرة مشركون كما قالته الازارقة غير أنهم خالفوا الازارقة فى الاطفال.

(2)        وزعمت النجدات من الخوارج ان صاحب الذنب الذى اجمعت الامة على تحريمه كافر مشرك وصاحب الذنب الذى اختلفت الامة فيه حكم على اجتهاد اهل الفقه فيه وعذروا مرتكب مالا يعلم تحريمه بجهالة تحريمه الى ان تقوم الحجة عليه فيه.

(3)        وكانت الاباضية من الخوارج يقولون ان مرتكب ما فيه الوعيد مع معرفته بالله عز وجل وبما جاء من عنده كافر كفران نعمة وليس بكافر كفر شرك.

(4)        وزعم قوم من اهل ذلك العصر ان صاحب الكبيرة من هذه الامة منافق والمنافق شر من الكافر المظهر لكفره.

(5)        وكان علماء التابعين فى ذلك العصر مع أكثر الامة يقولون إن صاحب الكبيرة من أمة الاسلام مؤمن لما فيه من معرفته بالرسل والكتب المنزلة من الله تعالى ولمعرفته بأن كل ما جاء من عند الله حق ولكنه فاسق بكبيرته وفسقه لا ينفى عنه اسم الايمان والإسلام.

      وعلى هذا القول الخامس مضى سلف الامة من الصحابة وأعلام التابعين فلما ظهرت فتنة الأزارقة بالبصرة والأهواز واختلف الناس عند ذلك فى أصحاب الذنوب على الوجوه الخمسة التي ذكرناها خرج واصل بن عطا عن قول جميع الفرق المتقدمة وزعم أن الفاسق من هذه الامة لا مؤمن ولا كافر وجعل الفسق منزلة بين منزلتى الكفر والايمان فلما سمع الحسن البصرى من واصل بدعته هذه التى خالف بها أقوال الفرق قبله طرده عن مجلسه فاعتزل عند سارية من سوارى مسجد البصرة وانضم اليه قرينه فى الضلالة عمرو ابن عبيد بن باب كعبد صريخه امه فقال الناس يومئذ فيهماانهما قد اعتزلا قول الامة وسمى أتباعهما من يومئذ "معتزلة".

     ثم إنهما أظهرا بدعتهما فى المنزلة بين المنزلتين وضما اليها دعوة الناس الى قول القدرية على رأى معبد الجهنى فقال الناس يومئذ لواصل إنه مع كفره قدرى وجرى المثل بذلك فى كل كافر قدرى.

     ثم ان واصلا وعمرا وافقا الخوارج فى تأييد عقاب صاحب الكبيرة فى النار مع قولهما بأنه موحد وليس بمشرك ولا كافر، ولهذا قيل للمعتزلة إنهم مخانيث الخوارج لان الخوارج لما رأو لأهل الذنوب الخلود في النار سموهم كفرة وحاربوهم والمعتزلة رأت لهم الخلود فى النار ولم تجسر على تسميتهم كفرة ولا جسرت على قتال اهل فرقة منهم فضلا عن قتال جمهور مخالفيهم ولهذا نسب إسحاق بن سويد العدري واصلا وعمرو بن عبيد الى الخوارج لاتفاقهم على تأييد عقاب أصحاب الذنوب فقال فى بعض قصائده:

برئت من الخوارج لست منهم         من الغزال منهم وابن باب

ومن قوم اذا ذكروا عليا         يردون السلام على السحاب

     ثم ان واصلا فارق السلف ببدعة ثالثة وذلك أنه وجد اهل عصره مختلفين فى على وأصحابه وفى طلحة والزبير وعائشة وسائر أصحاب الجمل فزعمت الخوارج ان طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم يوم الجمل كفروا بقتالهم عليا وأن عليا كان على الحق فى قتال أصحاب الجمل وفى قتال اصحاب معاوية بصفين الى وقت التحكيم ثم كفر بالتحكيم وكان اهل السنة والجماعة يقولون بصحة إسلام الفريقين فى حرب الجمل وقالوا ان عليا كان على الحق فى قتالهم واصحاب الجمل كانوا عصاة مخطئين فى قتال على ولم يكن خطؤهم كفرا ولا فسقا يسقط شهادتهم وأجازوا الحكم بشهادة عذلين من كل فرقة من الفريقين وخرج واصل عن قول الفريقين وزعم ان فرقة من الفريقين فسقة لا بأعيانهم وأنه لا يعرف الفسقة منهما وأجازوا ان يكون ا لفسقة من الفريقين عليا واتباعه كالحسن والحسين وابن عباس وعمار بن ياسر وأبى أيوب الأنصارى وسائر من كان مع على يوم الجمل وأجاز كون الفسقة من الفريقين عائشة وطلحة والزبير وسائر اصحاب الجمل ثم قال فى تحقق شكه فى الفريقين لو شهد على وطلحة او على والزبير ورجل من أصحاب على ورجل من اصحاب الجمل عندى على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما لعلمى بأن احدهما فاسق لا بعينه كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمى بان احدهما فاسق لا بعينه ولو شهد رجلان من احد الفريقين ايهما كان قبلت شهادتهما.

     ولقد سخنت عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشك شيخ المعتزلة فى عدالة على واتباعه ومقالة واصل فى الجملة كما قلنا فى بعض أشعارنا:

مقالة ما وصلت بواصل         بل قطع الله به أوصالها

     وسنذكر تمام أبيات هذه القصيدةبعد هذا إن شاء الله غز وجل.

      ذكر العمرية منهم:

     هؤلاء أتباع عمرو بن عبيد بن باب مولى بنى تميم وكان جده من سبى كامل وما ظهرت البدع والضلالات فى الأديان إلا من ابناء السبايا كما روى فى الخبر.

     وقد شارك عمرو واصلا فى بدعة القدر وفى ضلالة قولهما بالمنزلة بين المنزلتين وفى ردهما شهادة رجلين أحدهما من أصحاب الجمل والآخر من أصحاب على وزاد عمرو على واصل فى هذه البدعة فقال بفسق كلتا الفرقتين المتقاتلتين يوم الجمل وذلك أن واصلا إنما رد شهادة رجلين أحدهما من أصحاب الجمل والآخر من أصحاب على رضى الله عنه وقبل شهادة رجلين كلاهما من أحد الفريقين وزعم عمرو أن شهادتهما مردودة وإن كانا من فريق واحد لأنه قال بفسق الفريقين جميعا.

     وقد افترقت القدرية بعد واصل وعمرو فى هذه المسألة فقال النظام ومعمر والجاحظ فى فريقى يوم الجمل بقول واصل وقال حوشب وهاشم الأوقص نجت القادة وهلكت الاتباع وقال أهل السنة والجماعة بتصويب على وأتباعه يوم الجمل وقالوا إن الزبير رجع عن القتال يومئذ تائبا فلما بلغ وادى السباع قتله بها عمرو بن حرمون غرة وبشر على قاتله بالنار وهم طلحة بالرجوع فرماه مروان بن الحكم وكان مع أصحاب الجمل بسهم قتله وعائشة رضى الله عنها قصدت الإصلاح بين الفريقين فغلبها بنو أزد وبنو ضبة على أمرها حتى كان من الأمر ما كان ومن قال بتكفير الفريقين أو أحدهما فهو الكافر دونهم هذا قول أهل السنة فيهم والحمد لله على ذلك. 

        ذكر الهذيلية منهم:

     هؤلاء أتباع أبى الهذيل محمد بن الهذيل المعروف بالعلاف كان مولى لعبد القيس وقد جرى على منهاج ابناء السبايا لظهور اكثر البدع منهم وفضائحه تترى تكفره فيها سائر فرق الامة من أصحابه فى الاعتزال ومن غيرهم وللمعروف بالمرداد من المعتزلة كتاب كبير فيه فضائح أبى الهذيل وفى تكفيره بما انفرد به من ضلالاته وللجبائى ايضا كتاب فى الرد على أبى الهذيل فى المخلوق ويكفره فيه ولجعفر بن حرب أيضا وهو المشهور فى زعماء المعتزلة كتاب سماه توبيخ أبى الهذيل وأشار الى تكفير أبى الهذيل وذكر فيه ان قوله يجر الى قول الذهرية.

     فمن فضائح أبى الهذيل قوله بفناء مقدورات الله عز وجل حتى لا يكون بعد فناء مقدوراته قادرا على شىء ولأجل هذا زعم ان نعيم أهل الجنة واهل النار يفنيان ويبقى حينئذ أهل الجنة وأهل النار خامدين لا يقدرون على شىء ولا يقدر الله عز وجل فى تلك الحال على إحياء ميت ولا على إماته حى ولا على تحريك ساكن ولا على تسكين متحرك ولا على إحداث شىء ولا على إفناء شىء مع صحة عقول الاحياء فى ذلك الوقت.

     وقوله فى هذا الباب شر من قول من قال بفناء الجنة والنار كما ذهب اليه جهم لان جهما وإن قال بفنائهما فقد قال بأن الله عز وجل قادر بعد فنائهما على ان يخلق أمثالهما وأبو الهذيل يزعم أن ربه لا يقدر بعد فناء مقدوراته على شىء.

     وقد شنع المعروف منهم بالمرداد على أبى الهذيل فى هذه المسألة فقال يلزمه اذا كان ولى الله عز وجل فى الجنة قد يناول باحدى يديه الكاس وبالاخرى بعض التحف ثم حضر وقت السكون الدائم ان يبقى ولى لله عز وجل ابدا على هيئة المصلوب.

     وقد اعتذر ابو الحسين الخياط عن أبى الهذيل فى هذا الباب باعتذارين:

     احدهما دعواه ان أبا الهذيل اشار الى أن الله عز وجل عند قرب انتهاء مقدوراته يجمع فى اهل الجنة اللذات كلها فيبقون على ذلك فى سكون دائم.

     واعتذاره الثانى دعواه ان ابا الهذيل انه كان يقول هذا القول مجادلا به خصومه البحث عن جوابه.

     واعتذاره الاول عنه باطل من وجهين:

     أحدهما أنه يوجب اجتماع لذتين متضادتين فى محل واحد فى وقت واحد وذلك محال كاستحالة اجتماع لذة وألم فى محل واحد.

     والوجه الثانى أن هذه الاعتذار لو صح لوجب ان يكون اهل الجنة بعد فناء مقدورات الله عز وجل أحسن من حالها فى حال كونه قادرا.

     وأما دعواه ان أبا الهذيل إنما قال بفناء المقدورات مجادلا به معتقدا لذلك فالفاضل بيننا وبين المعتذر عنه كتب أبو الهذيل وأشار فى كتابه الذى سماه بالحجج إلى ماحكيناه عنه وذكر فى كتابه المعروف بكتاب القوالب بابا فى الرد على الدهرية وذكر فيه قولهم للموحدين اذا جاز أن يكون بعد كل حركة حركة سواها لا إلى آخر وبعد كل حادث حادث آخر لا إلى غاية فهلا صح قول من زعم أن حركة الا وقبلها حركة ولا حادث إلا وقبله حادث لا عن أول لا حالت قبله وأجاب عن هذا الالزام بتسويته بينهما وقال كما أن الحوادث لها ابتداء لم يكن قبلها حادث كذلك لها آخر لا يكون بعده حادث ولاجل هذا قال بفناء مقدورات الله عز وجل وسائر المتكلمين من أصناف فرق الاسلام فرقوا بين الحوادث الماضية والحوادث المستقبلة بفروق واضحة لم يهتد اليها أبو الهذيل فارتكب لاجل جهله بها قوله بفناء المقدورات وقد ذكرنا تلك الفروق الواضحة فى باب الدلالة على حدوث العالم في كتبنا المؤلفة فى ذلك

     والفضيحة الثانية من فضائح أبى الهذيل قوله بأن أهل الآخرة مضطرون الى ما يكون منهم وان أهل الجنة مضطرون الى أكلهم وشربهم وجماعهم وأن أهل النار مضطرون الى أقوالهم وليس لأحد فى الآخرة من الخلق قدرة على اكتساب فعل ولا على اكتساب قول والله عز وجل خالق أقوالهم وحركاتهم وسائر ما يوصفون به وكانت القدرية يعيبون جهما فى قوله ان العباد فى الدنيا مضطرون الى ما يكون منهم وينكرون على أصحابنا قولهم بأن الله عز وجل خالق اكساب العباد ويقولون لاصحابنا اذا كان هو خالق ظلم العباد وجب ان يكون ظالما واذا خلق كذب الانسان وجب ان يكون كاذبا فهلا قالوا لأبى الهذيل اذا قلت أن الله عز وجل يخلق فى الآخرة كذب اهل النار فى قولهم {والله ربنا ما كنا مشركين} وجب ان يكون هو الكاذب بهذا القول ان كان الكاذب عندهم من فعل الكذب ولا يتوجه علينا هذا الالزام لأنا لا نقول ان الكاذب والظالم من خلق الكذب والظلم ولكنا نقول ان الظالم من قام به الظلم والكاذب من قام به الكذب لا من فعله.

     وقد اعتذر الخياط عن أبى الهذيل فى بدعته هذه بأن قال ان الآخرة دار جزاء وليست بدار تكليف فلو كان اهل الآخرة مكتسبين لاعمالهم لكانوا مكلفين ولوقع ثوابهم وعقابهم فى دار سواها فيقال للخياط هل ترضى بهذا الاعتذار من أبى الهذيل ام تسخطه فان رضيته فقل فيه بمثل قوله وذلك خلاف قولك وان سخطته فلا معنى لاعتذارك عنه فى شىء تكفره.

     وقلنا لابى الهذيل ما تنكر من كون أهل الآخرة مكتسبين لاعمالهم وان يكونوا فيها مأمورين للشكر لله عز وجل على نعمه ولا يكونوا مأمورين بصلاة ولا زكاة ولا صيام ولا يكونوا منتهين عن المعاصى ويكون ثوابهم على الشكر وترك المعصية دوام النعيم عليهم وما انكرت عليهم من أنهم يكونون فى الاخرة منهيين عن المعاصى ومعصومين منها كما قال أصحابنا مع أكثر الشيعة ان الانبياء عليهم السلام كانوا فى الدنيا منتهين عن المعاصى ومعصومين عنها وكذلك الملائكة منتهون عن المعاصى ومعصومون عنها ولذلك قال الله عز وجل فيهم {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.       

     والفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بطاعات كثيرة لا يراد الله عز وجل بها كما ذهب اليه قوم من الخوارج الاباضية وقد زعم أن ليس فى الارض هدى ولا زنديق الا وهو مطيع لله تعالى فى أشباه كثيرة وان عصاه من جهة كفره وقال أهل السنة والجماعة ان الطاعة لله عز وجل ممن لا يعرفه انما تصح فى شىء واحد وهو النظر والاستدلال الواجب عليه قبل وصوله الى معرفة الله فان يفعل ذلك يكن مطيعا لله تعالى لأنه قد أمره به وان لم يكن قصد بفعله لذلك النظر الاول التقرب به الى الله عز وجل ولا تصح منه طاعة لله تعالى سواها الا اذا قصد بها التقرب بها اليه لانه يمكنه ذلك اذا توصل بالنظر الاول الى معرفة الله تعالى ولا يمكنه قبل النظر الاول التقرب به اليه اذا لم يكن عارفا به قبل نظره واستدلاله.

     واستدل أبو الهذيل على دعواه صحة وقوع طاعات الله تعالى ممن لا يعرفه بأن قال ان أوامر الله تعالى بازائها زواجره فلو كان من لا يعرفه فعل ترك جميع أوامره وجب ان يكون قد صار الى جميع زواجره وان يكون من ترك جميع الطاعات قد صار الى جميع المعاصى ولو كان كذلك لصار الدهرى يهوديا ونصرانيا ومجوسيا وعلى اديان سائر الكفرة واذا صار المجوسى تاركا لكل كفر سوى المجوسية علمنا أنه عارض بمجوسيته التى قد نهى عنها ومطيع لله عز وجل بترك ما تركه من انواع الكفر لانه مأمور بتركها.

     فقلت له ليس الامر فى أوامر الله تعالى وزواجره على ما ظننته ولكن لا خصلة من الطاعة الا ويضادها معاص متضادة ولا خصلة من الايمان الا ويضادها خصال متضادة كل نوع منها يضاد النوع الآخر كما يضادها الطاعة وذلك بمنزلة القيام والقعود والاضطجاع والاستلقاء وقد يخرج عن القعود من لا يصير الى جميع اضداده وانما يخرج من القعود بنوع واحد من أضداده كذلك يخرج عن كل طاعة لله تعالى بنوع واحد من الكفر المضاد للطاعات كلها لان ذلك النوع من الكفر يضاد نوعا آخر من الكفر كما يضاد سائر الطاعات وهذا واضح فى نفسه وان جهله أبو الهذيل.     

     والفضيحة الرابعة من فضائحه قوله بأن علم الله سبحانه وتعالى هو الله وقدرته هى هو.

     ويلزمه على هذا القول أن يكون الله تعالى علما وقدرة ولو كان هو علما وقدرة لاستحال ان يكون عالما قادرا لان العلم لا يكون عالما والقدرة لا تكون قادرة.

     ويلزمه ايضا اذا قال ان علم الله هو الله وقدرته هى هو ان يقول ان علمه هو قدرته ولو كان علمه قدرته لوجب ان يكون كل معلوم له مقدورا له وهذا يوجب ان يكون رأيه مقدورا له لانه معلوم له وهذا كفر فما يؤدى اليه مثله.        

     والفضيحة الخامسة تقسيمه كلام الله عز وجل الى ما يحتاج الى محل والى مالا يحتاج الى محل وقد زعم ان قول الله سبحانه للشىء كن حادث لا فى محل وسائر كلامه حادث فى جسم من الاجسام وكل كلامه عنده اعراض وقد زعم ان قوله للشىء كن من جنس قول الانسان كن ففرق بين عرضين من جنس واحد فى حاجة احدهما الى محل واستغناء الآخر عن المحل فاما قوله بحدوث ارادة الله سبحانه لا فى محل وقد شاركه فيه المعتزلة البصرية مع قولهم بأنها من جنس واحد ارادتنا المفتقرة الى المحل.

     ووجود كلمة لا فى محل يوجب ان لا يكون بعض المتكلمين بان يتكلم بها أولى من بعض وليس لأبى الهذيل ان يقول ان فاعلها أولى بان يتكلم بها من غيره لانه قد قال بان الله تعالى يخلق فى الآخرة كلام أهل الجنة وكلام أهل النار ولا يكون متكلما بكلامهم فقد أداه قوله بوجود كلمة لا فى محل الى تصحيح كلام لا لمتكلم وهذا محال فما يؤدى اليه مثله.    

     والفضيحة السادسة من فضائحه قوله ان الحجة من طريق الاخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الانبياء عليهم السلام وفيما سواها لا تثبت بأقل من عشرين نفسا فيهم واحد من اهل الجنة او أكثر ولم يوجب بأخبار الكفرة والفسقة حجة وان بلغوا عدد التواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب اذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنة وزعم أن خبر ما دون الاربعة لا يوجب حكما ومن فوق الاربعة الى العشرين قد يصح وقوع العلم بخبرهم وقد لا يقع العلم بخبرهم وخبر العشرين اذا كان فيهم واحد من اهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة.

     واستدل على ان العشرين حجة بقول الله تعالى {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين}. وقال لم يبح لهم قتالهم الا وهم عليهم حجة.

     وهذا يوجب عليه ان يكون خبر الواحد حجة موجبة للعلم لأن الواحد فى ذلك الوقت كان له قتال العشرة من المشركين فيكون جواز قتاله لهم دليلا على كونه حجة عليهم.

     قال عبد القاهر ما أراد ابو الهذيل باعتباره عشرين فى الحجة من جهة الخبر اذا كان فيهم واحد من أهل الجنة إلا تعطيل الاخبار الواردة فى الاحكام الشرعية عن فوائدها لانه أراد بقوله ينبغي ان يكون فيهم واحد من أهل الجنة واحد يكون على بدعته فى الاعتزال والقدر وفى فناء مقدورات الله عز وجل لان من لم يقل بذلك لا يكون عنده مؤمنا ولا من أهل الجنة ولم يقل قبل أبى الهذيل أحد على بدعة أبى الهذيل حتى تكون روايته فى جملة العشرين على شرطه.

     والفضيحةالسابعة انه فرق بين أفعال القلوب وأفعال الجوارح فقال لا يجوز وجود أفعال القلوب من الفاعل مع قدرته عليه ولا مع موته وأجاز وجود أفعال الجوارح من الفاعل منا بعد موته وبعد عدم قدرته ان كان حيا لم يمت وزعم ان الميت والعاجز يجوز ان يكونا فاعلين لافعال الجوارح بالقدرة التي كانت موجودة  قبل الموت والعجز.

     وزعم الجبائى وابنه أبو هشام ان أفعال القلوب فى هذا الباب كأفعال الجوارح فى انه يصح وجودها بعد فناء القدرة عليها ومع وجود العجز عنها.

     وقول الجبائى وابنه فى هذا الباب شر من قول ابى الهذيل غير ان ابا الهذيل سبق الى القول باجازة كون الميت والعاجز فاعلين لأفعال الجوارح ونسج الجبائى وابنه على منواله فى هذه البدعة وقاسا عليه إجازة كون العاجز فاعلا لأفعال القلوب ومؤسس البدعة عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة من غير نقصان يدخل فى وزن العاملين بها    

     الفضيحة الثامنة من فضائحه إنما لما وقف على اختلاف الناس فى المعارف هل هى ضرورية أم اكتسابية ترك قول من زعم انها كلها ضرورية وقول من زعم أنها كلها كسبية وقول من قال ان المعلوم منها بالحواس والبداية ضرورية وما علم منها بالاستدلال اكتسابية واختار لنفسه قولا خارجا عن أقوال السلف فقال المعارف ضربان أحدهما باضطرار وهو معرفة الله عز وجل ومعرفة الدليل الداعى الى معرفته وما بعدها من العلوم الواقعة عن الحواس أو القياس فهو علم اختيار واكتساب.

     ثم انه بنى على ذلك قوله فى مهلة المعرفة فخالف فيها سائر الامة فقال فى الطفل انه لا يلزمه فى الحال الثانية من حال معرفته بنفسه أن يأتى بجميع معارف التوحيد والعدل بلا فصل وكذلك عليه ان يأتى مع معرفته بتوحيد الله سبحانه وعدله بمعرفة جميع ما كلفه الله تعالى بفعله حتى ان لم يأت بذلك كله فى الحال الثانية من معرفته بنفسه ومات فى الحال الثالثة مات كافرا وعدوا لله تعالى مستحقا للخلود فى النار واما معرفته بما لا يعرف الا بالسمع من جهة الاخبار فعليه ان يأتى بمعرفة ذلك فى الحال الثانية من سماعه للخبر الذى يكون حجة قاطعة للعذر.

     وكان بشر بن المعتمر يقول عليه ان يأتى بالمعارف العقلية فى الحال الثالثة مع معرفته بنفسه لان الحال الثانية حال نظر وفكر فان لم يأت بها فى الحال الثالثة ومات فى الحال الرابعة كان عدوا لله تعالى مستحقا للخلود فى النار.

     فهذان القدريان اللذان انكرا على الازارقة قولهما بان اطفال مخالفيهم فى النار وعلى من زعم ان أطفال المشركين فى النار قد زعما ان اطفال المؤمنين اذا ماتوا فى الحال الثالثة او الرابعة من معرفتهم بأنفسهم قبل اتيانهم بالمعارف العقلية كفرة مخلدون فى النار من غير كفر اعتقدوه.

     الفضيحة التاسعة من فضائحه انه أجاز حركة الجسم الكثير الاجزاء بحركة تحل فى بعض اجزائه ولم يخبر مثل هذا فى اللون

     وقال سائر المتكلمين ان الجزء الذى قامت به الحركة هو المتحرك بها دون غيره من اجزاء الجملة كما ان الجزء الذى يقوم به السواد هو الاسود به دون غيره من اجزاء الجملة وان تحركت الجملة كان فى كل جزء منها حركة كما لو اسودت الجملة كان فى كل جزء منها سواد.

     الفضيحة العاشرة من فضائحه قوله بان الجزء الذى لا يتجزأ لا يصح قيام اللون به اذا كان منفردا ولا تصح رؤيته اذا لم يكن فيه لون.

     وهذا يوجب عليه ان الله تعالى لو خلق جزءا منفردا لم يكن رائيا له.

     والحمد لله الذى انقذ اهل السنة من البدع التى حليناها فى هذا الباب من أبى الهذيل.    

      ذكر النظامية منهم:

     هؤلاء اتباع أبى اسحق ابراهيم بن سيار المعروف بالنظام والمعتزلة يموهون على الاغمار بديته يوهمون انه كان نظاما للكلام المنثور والشعر الموزون وانما كان ينظم الخرز في سوق البصرة ولاجل ذلك قيل له النظام وكان فى زمان شبابه قد عاشر قوما من الثنوية وقوما من السمتية القائلين بتكافؤ الادلة وخالط بعد كبره قوما من ملحدة الفلاسفة ثم خالط هشام بن الحكم الرافضى فاخذ عن هشام وعن ملحدة الفلاسفة قوله بابطال الجزء الذى لا يتجزأ ثم بنى عليه قوله بالطفرة التى لم يسبق اليها وهم احد قبله واخذ من الثنوية قوله بان فاعل العدل لا يقدر على فعل الجور والكذب واخذ من هشام بن الحكم ايضا قوله بان الالوان والطعوم والروائح والاصوات اجسام وبنى على هذه البدعة قوله بتداخل الاجسام فى حيز واحد ودلين مذاهب الثنوية وبدع الفلاسفة وشبه الملحدة فى دين الاسلام وأعجب بقول البراهمة بابطال النبوات ولم يجسر على اظهار هذا القول خوفا من السيف فانكر اعجاز القران فى نظمه وانكر ما روى فى معجزات نبينا من انشقاق القمر وتسبيح الحصا فى يده ونبوع الماء من بين اصابعه ليتوصل بانكار معجزات نبينا عليه السلام الى انكار نبوته ثم انه استثقل احكام شريعة الاسلام فى فروعها ولم يجسر على اظهار رفعها فابطل الطرق الدالة عليها فانكر لاجل ذلك حجة الاجماع وحجة القياس فى الفروع الشرعية وانكر الحجة من الاخبار التى لا توجب والعلم الضرورى.

     ثم انه علم اجماع الصحابة على الاجتهادفى الفروع الشرعية فذكرهم بما يقرؤه غدا من صحيفة مخازيه وطعن فى فتاوى اعلام الصحابة رضى الله عنهم وجميع فرق الامة من فريقى الرأى والحديث مع الخوارج والشيعة والنجارية واكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام وانما تبعه فى ضلالته شرذمة من القدرية كالاسوارى وابن حايط وفضل الحدثى والجاحظ مع مخالفة كل واحد منهم له فى بعض ضلالاته وزيادة بعضهم عليه فيها واعجاب هؤلاء النفر اليسير به كاعجاب الجعل بدحروجته

     وقد قال بتكفيره اكثر شيوخ المعتزلة منهم أبو الهذيل فانه قال بتكفيره فى كتابه المعروف بالرد على النظام وفى كتابه عليه فى الاعراض والانسان والجزء الذى لا يتجزأ.

     ومنهم الجبائى كفر النظام فى قوله ان المتولدات من افعال الله بإيجاب الخلقة والجبائى فى هذا الباب هو الكافر دون غيره غير انا أردنا أن نذكر تكفير شيوخ المعتزلة بعضها بعضا وكفره الجبائى فى احالته قدرة الله تعالى على الظلم وكفره فى قوله بالطبائع وله فى ذلك كتاب عليه وعلى معمر فى الطبائع.

     ومنهم الاسكافى له كتاب على النظام كفره فيه فى اكثر مذاهبه.

     ومنهم جعفر بن حرب صنف كتابا فى تكفير النظام بابطاله الجزء الذى لا يتجزأ.

     واما كتب اهل السنة والجماعة فى تكفيره فالله يحصيها ولشيخنا ابى الحسن الاشعرى رحمه الله فى تكفير النظام ثلاثة كتب وللقلانسى عليه كتب ورسائل.

     وللقاضى ابى بكر محمد بن أبى الطيب الاشعرى رحمه الله كتاب كبير فى بعض اصول النظام وقد أشار الى ضلالاته فى كتاب اكفار المتأولين ونحن نذكر فى هذا الكتاب ما هو المشهور من فضائح النظام:

     فاولها قوله بان الله عز وجل لا يقدر ان يفعل بعباده خلاف ما فيه صلاحهم ولا يقدر على ان ينقص من نعيم اهل الجنة ذرة لان نعيمهم صلاح لهم والنقصان مما فيه الصلاح ظلم عنده ولا يقدر ان يزيد فى عذاب اهل النار ذرة ولا على ان ينقص من عذابهم شيئا وزعم ايضا ان الله تعالى لا يقدر على ان يخرج احدا من اهل الجنة عنها ولا يقدر على ان يلقى فى النار من ليس من اهل النار.

     وقال لو وقف طفل على شفير جهنم لم يكن الله قادرا على القائه فيها وقدر الطفل على القاء نفسه فيها وقدرت الزبانية ايضا على القائه فيها.

     ثم زاد على هذا بان قال ان الله تعالى لا يقدر على ان يعمى بصيرا او يزمن صحيحا او يفقر غنيا اذا علم ان البصر والصحة والغنى اصلح لهم وكذلك لا يقدر على ان يغنى فقيرا او يصحح زمنا اذا علم ان المرض والزمانة والفقر اصلح لهم.

     ثم زاد على هذا ان قال انه لا يقدر على ان يخلق حية او عقربا او جسما يعلم ان خلق غيره اصلح من خلقه.

     وقد أكفرته البصرية من المعتزلة فى هذا القول وقالوا ان القادر على العدل يجب ان يكون قادرا على الظلم والقادر على الصدق يجب ان يكون قادرا على الكذب وان لم يفعل الظلم والكذب لقبحهما او غناه عنهما وعلم بغناه عنهما لان القدرة على الشيء يجب ان يكون قدرة على صده فاذا قال النظام ان الله تعالى لا يقدر على الظلم والكذب لزمه ان لا يكون قادرا على الصدق والعدل والقول بانه لا يقدر على العدل كفر فما يؤدى اليه مثله.

     وقالوا ايضا لا فرق بين قول النظام إنه يكون من الله تعالى مالا يقدر على صده ولا على تركه وبين قول من زعم انه مطبوع على فعل لا يصح منه خلافه وهذا كفر فما يؤدى اليه مثله.

     ومن عجائب النظام فى هذه المسألة انه صنف كتابا على الثنوية وتعجب فيه من قول المانوية بان النور يأمر اشكاله المختلفة بالظلمة يفعل الخير وهي مما لا تقدر على الشر ولا يصح منها فعل الشرور وتعجب من ذم الثنوية الظلمة على فعل الشر مع قولها بان الظلمة لا تستطيع فعل الخير ولا تقدر الا على الشر فيقال له اذا كان الله عندك مشكورا على فعل العدل والصدق وهو غير قادر على فعل الظلم والكذب فما وجه انكارك على الثنوية ذم الظلم على الشر وهى عندهم لا تعذر على خلاف ذلك.

     الفضيحة الثانية من فضائحه قوله ان الانسان هو الروح وهو جسم لطيف فداخل لهذا الجسم الكثيف مع قوله بان الروح هى الحياة المشابكة لهذا الجسد وقد زعم انه فى الجسد على سبيل المداخلة وانه جوهر واحد غير مختلف ولا متضاد وفى قوله هذا فضائح له:

     منها ان الانسان على هذا القول لا يرى على الحقيقة وانما يرى الجسد الذى فيه الانسان ومنها انه يوجب ان الصحابة ما رأوا رسول الله وانما رأوا قالبا فيه الرسول.

     ومنها يوجب ان لا يكون احد قد رأى اباه وامه وانما رأى قالبيهما.

     ومنها انه اذا قال فى الانسان انه ليس هو الجسد الظاهر وانما هو روح مداخل للجسد لزمه ان يقول فى الجماد ايضا انه ليس هو جسده وانما هو روح فى جسده وهو الحياة المشابكة للجسد وكذلك القول فى الفرس وسائر البهائم وجميع الطيور والحشرات واصناف الحيوانات وكذلك القول فى الملائكة والجن والانس والشياطين وهذا يوجب ان احدا ما رأى حمارا ولا فرسا ولا طيرا ولا نوعا من الحيوان ويوجب ايضا ان لا يكون النبى رأى ملكا ويوجب ان الملائكة لا يرى بعضهم بعضا وانما رأى الراؤون قوالب هذه الاشياء التى ذكرناها.

     ومنها انه اذا قال ان الروح التى في الجسد هى الانسان وهى الفاعلة دون الجسد الذى هو قالبه لزمه ان يقول ان الروح هى الزانية والسارقة والقاتلة فاذا جلد الجسد وقطعت يده صار المقطوع غير السارق والمجلود غير الزانى وفى هذا غنى ويقول الله عز وجل {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقوله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} وكفاه بعناد القرآن خزيا.

     الفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بان الروح التى هي الانسان بزعمه مستطيع بنفسه حى بنفسه وانما يعجز لآفة تدخل عليه والعجز عنده جسم ولا يخلو من ان يقول فى العاجز والميت انهما نفس الانسان الذى يكون حيا قادرا او يقول ان الميت العاجز جسده فان قال ان الانسان هو الذى يعجز ويموت أبطل قوله بأن الانسان حى بنفسه ومستطيع بنفسه لوجود نفسه فى حال موته وعجزه ميته او عاجزه وان زعم ان الروح هى قوى بنفسه وان الجسد هو الذى يموت ويعجز غير الذى كان حيا قادرا ويجب على هذا القول ان لا يكون الله تعالى قادرا على احياء ميت ولا على اماتة حى ولا على اقدار عاجز ولا على تعجيز قادر لان الحى عنده لا يموت والقوى لا يعجز وقد وصف الله تعالى نفسه بانه يحيى الموتى وان زعم ان الروح حى قوى بنفسه وانما تموت وتعجز لأنه تدخل عليه لم ينفصل ممن يزعم انها ميتة عاجزة بنفسها وانما تحيى وتقوى بحياة وقدرة تدخلان عليهما.

     الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله ان الروح جنس واحد وافعاله جنس واحد وان الاجسام ضربان حى وميت وان الحى منها يستحيل ان يصير ميتا والميت يستحيل ان يصير حيا وانما اخذ هذا القول من الثنوية والبرهانية الذين زعموا ان النور حي خفيف من شأنه الصعود ابدا وان الظلام موات ثقيل من شأنه التسفل ابدا وان الثقيل الميت محال ان يصير خفيفا وان الخفيف الحى محال ان يصير ثقيلا ميتا.

     الفضحية الخامسة من فضائحه دعواه ان الحيوان كله جنس واحد لاتفاق حمية منه فى تدريك الادراك وزعم ان العمل اذا اتفق دل اتفاقه على اتفاق ما ولده وزعم ايضا ان الجنس الواحد لا يكون منه عملان مختلفان كما لا يكون من النار تسخين وتبريد ولا من الثلج تسخين وتبريد وهذا تحقيق قول الثنوية ان النور يفعل الخير ولا يكون منه الشر والظلام يفعل الشر ولا يكون منه الخير لان الفاعل الواحد لا يفعل فعلين مختلفين كما لا يقع من النار تسخين وتبريد ولا من الثلج تسخين وتبريد.

     ومن العجب انه صنف كتابا على الثنوية ألزمهم فيه استحالة مزاج النور والظلمة اذا كانا مختلفين فى الجنس والعمل وكانت جهات تحركهما مختلفة ثم زعم مع ذلك ان الخفيف والثقيل من الاجسام مع اختلافهما فى جنسيهما واختلاف جهتى حركتهما تتداخلان والمداخلة فى حيز واحد اعظم من المزاج الذى انكره على الثنوية.

     الفضيحة السادسة من فضائحه قوله بان النار من شأنها ان تعلو بطباعها على كل شىء وانها اذا شملت من الشوائب الحابسة لها فى هذا العالم ارتفعت حتى تجاوز السماوات والعرش الا ان يكون من جنسها ما تتصل به فلا تفارقه.

     وقال فى الروح ايضا انه اذا كان فارق الجسد ارتفع ويستحيل منها غير ذلك وهذا بعينه قول الثنوية اذ الذى شاب من اجزاء النور باجزاء الظلمة اذا انفصل منها ارتفع الى عالم النور فان كان يثبت فوق السماء نورا تتصل به الارواح فهو ثنوى وان كان يثبت فوق الهواء نارا يخلص اليها النيران المرتفعة فى الهواء فهو من جملة الطبيعيين الذين زعموا ان مسافة الهواء فى الارتفاع عن الاعراض ستة عشر ميلا وفوقها نار متصلة بفلك القمر يلحق بها ما يرتفع من لهب النار فهو اما ثنوى واما طبيعي يدلس نفسه فى غمار المسلمين.

     الفضيحة السابعة من فضائحه قوله بان افعال الحيوان كلها من جنس واحد وهى كلها حركة وسكون والسكون عنده حركة اعتماد والعلوم والارادات عنده من جملة الحركات وهى الاعراض والاعراض كلها عنده جنس واحد وهى كلها حركات فاما الالوان والطعوم والاصوات والخواطر فهن عنده اجسام مختلفة به ومتداخلة ونتيجة قوله بان افعال الحيوان جنس واحد توجب عليه ان يكون الايمان مثل الكفر والعلم مثل الجهل والحب مثل البغض وان يكون فعل النبى عليه السلام بالمؤمنين مثل فعل ابليس بالكافرين وان يكون دعوة النبى عليه السلام الى دين الله تعالى مثل دعوة ابليس إلى الضلالة وقد قال فى بعض كتبه ان هذه الافعال كلها جنس واحد وانما اختلفت اسماؤها لاختلاف احكامها وهى فى الجنس واحد لانها كلها افعال الحيوانات ولا يفعل الحيوان عنده فعلين مختلفين كما لا يكون من النار تبريد وتسخين.

     ويلزمه على هذا الاصل ان لا يغضب على من شتمه ولعنه لان قول القائل لعن الله النظام عند النظام مثل قوله رحمه الله وقوله انه ولد زنى كقوله انه ولد حلال فان رضى لنفسه بمثل هذا المذهب فهو أهل له ولما يلزمه عليه.

     الفضيحة الثامنة من فضائحه قوله بان الالوان والطعوم والروائح والاصوات والخواطر أجسام واجازته تداخل الاجسام الكثيرة في حيز واحد وقد انكر على هشام بن الحكم قوله بان العلوم والارادات والحركات اجسام وقال لو كانت هذه الثلاثة اجساما لم يجتمع فى شىء واحد ولا فى حيز واحد وهو يقول ان اللون والطعم والصوت اجسام متداخلة فى حيز واحد وينقض بمذهب اعتلاله على خصمه ومن أجاز مداخلة الاجسام فى حيز واحد لزمه اجازة دخول الجمل فى سم الخياط.

     الفضيحة التاسعة من فضائحه قوله فى الاصوات وذلك انه زعم انه ليس فى الارض اثنان سمعا صوتا واحدا الا على معنى انهما سمعا جنسا واحدا من الصوت كما يأكلان جنسا واحدا من الطعام وان كان مأكول احدهما غير ماكول الآخر وانما ألجأه الى هذا القول دعواه ان الصوت لا يسمع الا بهجومه على الروح من جهة السمع ولا يجوز ان يهجم من قطعه واحدة على سمعين متباينين وشبه ذلك بالماء المصبوب على قوم يصيب كل واحد منهم غير ما يصيب الآخر.

     ويلزمه على هذا الاصل ان لا يكون احد سمع كلمة واحدة من الله تعالى ولا من رسوله لان مسموع كل واحد من السامعين خير من صوت المتكلم بالكلمة الواحدة والكلمة الواحدة ربما كانت من حرفين وبعض الحرفين لا يكون كلمة عنده وان زعم ان الصوت لا يكون كلاما مسموعا الا اذا كان من حروف لزمه ان لا يسمع الجماعة حرفا واحدا لان الحرف الواحد لا ينقسم حروفا كثيرة على عدد السامعين.

     الفضيحة العاشرة من فضائحه قول بانقسام كل جزء لا الى نهايةوفى ضمن هذا القول احالة كون الله تعالى محيطا بآخر العالم عالما بها وذلك قول الله تعالى {وأحاط بما لديهم وأحصى كل شىء عددا}.

     ومن عجائبه انه انكر على المانوية قولهم بان الهمامة التى هي روح الظلمة عندهم قطعت بلادها ووافت الفضيحة العليا من العليا حتى شاهدت النور وقال لهم ان كانت بلادها لا تتناهى من جهة السفل فكيف قطعتها الهمامة لان قطع ما لا نهاية له محال ثم زعم مع ذلك ان الروح اذا فارق البدن قطع العالم الى فوق مع قوله بان المقطوع من العالم غير متناهية الاجزاء بل كل قطعة منها غير متناهية الاجزاء فكيف قطعها الروح فى وقت متناه ولاجل هذا الالزام قال بالطفرة التى لم يسبق اليها من أهل الاهواء غيره.

     واعجب من هذا انه الزم الثنوية بتناهى النور والظلمة من كل جهة من الجهات الست من اجل قولهم بتناهى كل واحد منها من جهة ملاقاته للآخر فهل استدل بتناهى كل جسم من جميع جهات اطرافه على تناهى اجزائه فى الوسط واذا كان تناهى الجسم من جهاته الست لا يدل عنده على تناهيه فى الوسط لم ينفصل من الثنوية اذا قالوا ان تناهى كل واحد من النور والظلمة من جهة الملاقاة لا يدل على تناهيهما من سائر الجهات.

     الفضيحة الحادية عشرة من فضائحه قوله بالطفرة وهى دعواه ان الجسم قد يكون في مكان ثم يصير منه الى المكان الثالث او العاشر منه من غير مرور بالامكنة المتوسطة بينه وبين العاشر ومن غير ان يصير معدوما فى الأول ومعادا فى العاشر.

     ونحن نتحاكم اليه فى بطلان هذا القول ان انصف من نفسه وان كان التحكيم بعد أبى موسى الاشعرى وعمرو بن العاص تضييعا للحزم.

     الفضيحة الثانية عشرة من فضائحه هى التى تكاد السماوات يتفطرن منه وهى دعواه انه لا يعلم باخبار الله عز وجل ولا باخبار رسوله عليه السلام ولا باخبار اهل دينه شىء على الحقيقة ودعواه ان الاجسام والالوان لا يعلمان بالاخبار.

     والذى الجأه الى هذا القول الشنيع قوله بان المعلومات ضربان محسوس وغير محسوس والمحسوس منها اجسام ولا يصح العلم بها الا من جهة الحس والحس عنده لا يقع الا على جسم واللون والطعم والرائحة والصوت عنده اجسام قال ولهذا ادركت بالحواس واما غير المحسوس فضربان قديم وأعراض وليس طريق العلم بهما الخبر وانما يعلمان بالقياس والنظر دون الحس والخبر.

     فقيل له على هذا الاصل كيف عرفت ان محمدا كان فى الدنيا وكذلك سائر الانبياء والملوك وان كانت الاخبار عندك لا يعلم بها شىء.

     فقال ان الذين شاهدوا النبى عليه السلام اقتطعوا منه حين رأوه قطعة توزعوها بينهم وصلوها بارواحهم فلما اخبروا التابعين عن وجوده خرج منهم بعض تلك القطعة فاتصل بارواح التابعون لاتصال ارواحهم ببعضه وهكذا قصة الناقلون عن التابعين ومن نقلوا عنهم الى ان وصل الينا.

     فقيل فقد علمت اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة ان نبينا عليه السلام كان فى الدنيا أفتزعم ان قطعة منه اتصلت بارواح الكفرة فالتزم ذلك فالزم ان يكون أهل الجنة اذا اطلعوا على اهل النار ورآهم اهل النار وخاطب كل واحد من الفريقين الفريق الآخر ان تنفصل قطعة من ارواح كل واحد منهم فيتصل بأرواح الفريق الآخر فيدخل الجنة قطع كثيرة من ابدان اهل النار وارواحهم ويدخل النار قطع كثيرة من ابدان أهل الجنة وارواحهم وكفاه بالتزام هذه البدعة خزيا.

     الفضيحة الثالثة عشرة من فضائحه ما حكاه الجاحظ عنه من قوله تتجدد الجواهر والاجسام حالا بعد حال وان الله تعالى يخلق الدنيا وما فيها فى كل حال من غير ان يفنيها ويعيدها.

     وذكر ابو الحسين الخياط فى كتابه على ابن الروندى ان الجاحظ غلط فى حكاية هذا القول على النظام.

     فيقال له ان صدق الجاحظ عليه فى هذه الحكاية فاحكم بحبل النظام وحمقه والحادة فيه وان كذب عليه فاحكم بمجون الجاحظ وسفهه وهو شيخ المعتزلة وفيلسوفها ونحن لا ننكر كذب المعتزلة على أسلافها اذا كانوا كاذبين على ربهم ونبيهم.

     الفضيحة الرابعة عشر من فضائحه قوله بأن الله تعالى خلق الناس والبهائم وسائر الحيوان وأصناف النبات والجواهر المعدنية كلها فى وقت واحد وان خلق آدم عليه السلام لم يتقدم على خلق اولاده ولا تقدم خلق الامهات على خلق الأولاد وزعم أن الله تعالى خلق ذلك أجمع فى وقت واحد غير أن اكثر بعض الاشياء فى بعض فالتقدم والتأخر إنما يقع فى ظهورها من أماكنها وفى هذا تكذيب منه لما اجتمع عليه من سلف الامة مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى والسامرة من أن الله تعالى خلق اللوح والقلم قبل خلق السموات والارض وانما اختلفت المسلمون فى السماء والأرض أيتهما خلقت أولا فخالف النظام المسلمين وأهل الكتاب فى ذلك وخالف فيه أكثر المعتزلة لأن المعتزلة البصرية زعمت أن الله تعالى خلق إرادته قبل مرادته وأقر سائرهم بخلق بعض أجسام العالم قبل بعض وزعم أبو الهذيل أنه خلق قوله للشىء كن لا فى محل قبل أن خلق الأجسام والأعراض وقول النظام بالظهور والكمون فى الاجسام وتداخلها شر من قول الزهرية الذين زعموا أن الاعراض كلها كامنة فى الاجسام وإنما يتعين الوصف على الأجسام بظهور بعض الاعراض وكمون بعضها وفى كل واحد من المذهبين تطريق الدهرية الى إنكار حدوث الأجسام والأعراض بدعواهم وجود جميعها فى كل حال على شرط كمون بعضها وظهور بعضها من غير حدوث شىء منها فى حال الظهور وهذا إلحاد وكفر وما يؤدى الى الضلالة فهو مثلها.

     الفضيحة الخامسة عشرة من فضائحه قوله أن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس بمعجزة للنبى عليه السلام ولا دلالة على صدقه فى دعواه النبوة وإنما وجه الدلالة منه على صدقه ما فيه من الاخبار عن الغيوب فأما نظم القرآن وحسن تأليف آياته فإن العباد قادرون على مثله وعلى ما هو أحسن منه فى النظم والتأليف.

     وفى هذا عناد منه لقول الله تعالى {لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}. ولم يكن غرض منكر إعجاز القرآن إلا إنكار نبوة من تحدى العرب بأن يعارضوه بمثله.

     الفضيحة السادسة عشرة من فضائحه قوله بأن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيهم يجوز ان يقع كذب هذا مع قوله بأن من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضرورى.

     وقد كفره أصحابنا مع موافقيه فى الاعتزال فى هذا المذهب الذى صار اليه.     

     الفضيحة السابعة عشرة من فضائحه تجويزه إجماع الامة فى كل عصر وفى جميع الاعصار على الخطأ من جهة الرأى والاستدلال.

     ويلزمه على هذا الاصل ان لايثق بشىء مما اجتمعت الامة عليه لجواز خطئهم فيه عنده واذا كانت احكام الشريعة منها ما أخذه المسلمون عن خبر متواتر ومنها ما أخذوه عن أخبار الاحاد ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس وكان النظام واقعا لحجة التواتر ولحجة الإجماع وإبطل القياس وخبر الواحد اذا لم يوجد العلم الضرورى فكأنه أراد إبطال أحكام فروع الشريعة لإبطاله طرقها.

     والفضيحة الثامنة عشرة دعواه فى باب الوعيد أن من غصب أو سرق مائة وتسعة وتسعين درهما لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه او غصبه وخان فيه مائتى درهم فصاعدا.

     فان كان قد بنى هذا القول على ما يقطع فيه اليد فى السرقة فما جعل احد نصاب القطع فى السرقة مائتى درهم بل قال قوم فى نصاب القطع إنه ربع دينار او قيمته وبه قال الشافعى وأصحابه وقال مالك بربع دينار او ثلاثة دراهم وقال ابو حنيفة بوجوب القطع فى عشرة دراهم فصاعدا واعتبره قوم باربعين درهما او قيمتها وأوجبت الاباضية القطع في قليل السرقة وكثيرها وما اعتبر احد نصاب القطع بمائتى درهم ولو كان التفسيق معتبرا بنصاب القطع لما فسق الغاصب لألوف دنانير لأنه لا قطع على الغاصب المجاهر ولوجب أن لا يفسق من سرق الالوف من غير حرز او من الابن لأنه لا قطع فى هذين الوجهين.

     وان كان إنما بنى تحديد المائتين فى الفسق على ان المائتين نصاب للزكاة لزمه تفسيق من سرق اربعين شاة بوجوب الزكاة فيها وان كانت قيمتها دون مائتى درهم واذا لم يكن للقياس فى تحديده محال ولم يدل عليه نص من القرآن والسنة الصحيحة لم يكن مأخوذا الا من وسوسة شيطانه الذى دعاه الى ضلالته.

     الفضيحة التاسعة عشرة من فضائحه قوله فى الايمان ان اجتناب الكبيرة فحسب.

     ونتيجة هذا القول ان الأقوال والأفعال ليس شىء منها إيمانا والصلاة عنده أفعالها ليست بإيمان ولا من الايمان وانما الايمان فيها ترك الكبائر فيها.

     وكان يقول مع هذا ان الفعل والترك كلاهما طاعة والناس قبله فريقان فريق قالوا ان الصلاة كلها من الايمان وفريق قالوا ليس شىء من الصلاة ايمانا وقد فارق هو الفريقين فزعم ان الصلاة ليست من الايمان وترك الكبائر فيها من الايمان

     الفضيحة العشرون من فضائحه قوله فى باب المعاد بان العقارب والحيات والخنافس والذباب والذبان والجعلان والكلاب والخنازير وسائر السباع والحشرات تحشر الى الجنة وزعم أن كل من وكل ما تفضل الله عليه بالجنة لا يكون لبعضهم على بعض درجة فى التفضيل وزعم انه ليس لابراهيم بن رسول الله فى الجنة تفضيل درجة على درجات أطفال المؤمنين ولا لاطفال المؤمنين فيها تفضيل بدرجة او نعمة او مرتبة على الحيات والعقارب والخنافس لانه لا عمل لهم كما لا عمل لها فحجر على رب العالمين ان يتفضل على اولاد الانبياء بزيادة نعمة لا يتفضل بمثلها على الحشرات ثم لم يرض بهذا الحجر حتى زعم انه لا يقدر على ذلك وزعم ايضا انه لا يتفضل على الانبياء عليهم السلام الا بمثل ما يتفضل به على البهائم لأن باب الفضل عنده لا يختلف فيه العالمون وغيرهم وانما يختلفون فى الثواب والجزاء لاختلاف مراتبهم فى الاعمال.

     وينبغى للنظام على قول هذا الاصل ان لا يغضب على من قال له حشرك الله مع الكلاب والخنازير والحيات والعقارب الى مأواها ونحن ندعو له بهذا الدعاء رضى به لنفسه.

     الفضيحة الحادية والعشرون من فضائحه أنه لما ابتدع ضلالاته فى العلوم العقلية أدخل فى أبواب الفقه ايضا ضلالات له لم يسبق اليها.

     منها قوله إن الطلاق لا ينفع بشىء من الكنايات كقول الرجل لامرأته أنت خلية او برية او حبلك على غاربك او الحقي بأهلك او اغتدى او نحوها من كنايات الطلاق عند الفقهاء سواء نوى بها الطلاق او لم ينوه.

     وقد أجمع فقهاء الامة على وقوع الطلاق بها اذا قارنتها نية الطلاق وقد قال فقهاء العراق إن كنايات الطلاق فى حال الغضب كصريح الطلاق فى وقوع الطلاق بهما من غير نية.

     ومنها قوله فى الظهار ان من ظاهر من امرأته بذكر البطن او الفرج لم يكن مظاهرا.

     وهذا فيه خلاف قول الامة بأسرها.

     والشأن فى أنه كان يقول بتفسيق أبى موسى الاشعرى فى حكمه ثم اختار قوله فى أن النوم لا ينقض الطهارة اذا لم يكن معها حدث على قول الجمهور الأعظم بأن النوم مضطجعا ينقض الوضوء وانما اختلفوا فى النوم قاعدا وراكعا وساجدا وسامح فيه أبو حنفية وأوجبه اكثر اصحاب الشافعى من طريق القياس.

     ومنها أنه زعم أن من ترك صلاة مفروضة عمدا لم يصح قضاؤه لها ولم يجب عليه قضاؤها.

     وهذا عند سائر الامة كفر ككفر من زعم أن الصلوات الخمس غير مفروضة وفى فقهاء الامة من قال فيمن فاتته صلاة مفروضة أنه يلزمه قضاء صلوات يوم وليلة وقال سعيد بن المسيب من ترك صلاة مفروضة حتى فات وقتها قضى الف صلاة وقد بلغ من تعظيم شأن الصلاة أن بعض الفقهاء افتى بكفر من ينكرها عامدا وان لم يستحل تركها كما ذهب اليه احمد بن حنبل وقال الشافعى بوجوب قتل تاركها عمدا وان لم يحكم بكفره اذا تركها كسلا لا استحلالاتة وقال ابو حنيفة بحبس تارك الصلاة وتعذيبه الى ان يصلى.

     وخلاف النظام للامة فى وجوب قضاء المتروكة من فرائض الصلاة بمنزلة خلاف الزنادقة فى وجوب الصلاة ولا اعتبار بالخلافين.

     ثم ان النظام مع ضلالاته التى حكيناها عنه طعن فى اخبار الصحابة والتابعين من اجل فتاويهم بالاجتهاد فذكر الجاحظ عنه فى كتاب المعارف وفى كتابه المعروف بالفتيا أنه عاب اصحاب الحديث ورواياتهم احاديث ابى هريرة وزعم أن أبا هريرة كان اكذب الناس وطعن فى الفاروق عمر رضى عنه وزعم انه شك يوم الحديبية فى دينه وشك يوم وفاة النبى وانه كان فيمن نفر بالنبى عليه السلام ليلة العقبة وأنه ضرب فاطمة ومنع ميراث الفترة وانكر عليه تغريب نصر بن الحجاج من المدينة الى البصرة وزعم أنه ابدع صلاة التراويح ونهى عن متعة الحج وحرم نكاح الموالى للعربيات.

     وعاب عثمان بايوآئه الحكم بن العاص الى المدينة واستعماله الوليد بن عقبة على الكوفة حتى صلى بالناس وهو سكران وعابه بأن أعان سعيد بن العاص بأربعين الف درهم على نكاح عقده وزعم أنه استأثر بالحمى.

     ثم ذكر عليا رضى الله عنه وزعم انه سئل عن بقرة قتلت حمارا فقال اقول فيها برأيى ثم قال بجهله من هو حتى يقضى برأيه.

     وعاب ابن مسعود فى قوله فى حديث تزويج بنت واشتف اقول فيها برأيى فان كان صوابا فمن الله عز وجل وان كان خطأ فمنى وكذبه فى روايته عن النبى عليه السلام أنه قال {السعيد من سعد فى بطن أمه والشقى من شقى فى بطن أم} وكذبه ايضا فى روايته انشقاق القمر وفى رواية الجن ليلة الجن.

     فهذا قوله فى اخيار الصحابة وفى اهل بيعة الرضوان الذين انزل الله تعالى فيهم {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}. ومن غضب على من رضى الله عنه فهو المغضوب عليه دونه.

     ثم أنه قال فى كتابه ان الذين حكموا بالرأى من الصحابة اما ان يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائر لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأى فى الفتيا عليهم وإما ارادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء فى المذاهب فاختاروا لذلك القول بالرأى فنسبهم الى إبثار الهوى على الدين وما للصحابة رضى الله عنهم عند هذا الملحد الفرى ذنب غير أنهم كانوا موحدين لا يقولون بكفر القدرية الذين ادعوا مع الله خالقين كثيرين.

     وانما انكر على ابن مسعود روايته أن السعيد من سعد فى بطن أمه والشقى من شقى في بطن أمه لأن هذا اخلاف قول القدرية فى دعواها من السعادة والشقاوة ليستا من قضاء الله عز وجل وقدره.

     واما إنكاره انشقاق القمر فإنما كره منه ثبوت معجزة لنبينا عليه عليه السلام كما انكر معجزته فى نظم القرآن فإن كان أحال انشقاق القمر مع ذكر الله عز وجل ذلك فى القرآن مع قوله من طريق العقل فقد زعم أن جامع اجزاء القمر لا يقدر على تفريقها وان اجاز انشقاق القمر فى القدرة والإمكان فما الذى اوجب كذب ابن مسعود فى روايته انشقاق القمر مع ذكر الله عز وجل ذلك فى القرآن مع قوله {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} فقول النظام بانشقاق القمر لم يكن اصلا شر من قول المشركين الذين قالوا لما رأوا انشقاقه زعموا أن ذلك واقع بسحر ومنكر وجود المعجزة شر ممن تأولها على غير وجهها.

     وأما انكاره رؤية الجن اصلا لزمه أن لا يرى بعض الجن بعضا وان اجاز رؤيتهم فما الذى أوجب تكذيب ابن مسعود فى دعواه رؤيتهم.  

     ثم ان النظام مع ما حكيناه من ضلالاته كان افسق خلق الله عز وجل وأجرأهم على الذنوب العظام وعلى إدمان شرب المسكر وقد ذكر عبد الله بن مسلم بن قتيبه رحمه الله فى كتاب مختلف الحديث أن النظام كان يغدو على مسكر ويروح على مسكر وانشد قوله فى الخمر :

ما زلت آخذ روح الزق فى لطف         واستبيح دما من غير مذبوح    

حتى انتشيت ولى روحان فى بدن         والزق مطرح جسم بلا روح          

     ومثله فى طعنه على اخبار الصحابة مع بدعته مع بدعته فى أقواله وضلالته فى أفعاله كما قيل فى الامثال السائرة ان من كان فى دينه دميما وفى اصله لئيما لم يترك لنفسه عارا يهيما الا نحله كريما واستباح به حريما وهل يضر السحاب نباح الكلاب ؟ وكما لايضر السحاب نباح الكلاب كذلك لا يضر الأبرار ذم الأشرار، وما مثله في طعنه على أخيار الصحابة مع بدعته وضلالته إلا كما قال حسان بن ثابت:

ما أبالى أنبّ بالحزن تيسٌ >< أم لحاني بظهر غيب لئيم

     وقال غيره:

ما ضرّ تغلب وائلٍ أهجوتها >< أم بلتَ حيث تناطح البحران

      ذكر الأسوارية منهم:

     وهم أتباع على الأسواري، وكان من أتباع أبي الهذيل، ثم انتقل إلى مذهب النظام، وزاد عليه في الضلالة، بأن قال: إن ما علم الله أن لايكون لم يكن مقدورا لله تعالى، وهذا القول منه يوجب أن تكون قدرة الله متناهية، ومن كان قدرته متناهية كان ذاته متناهية، والقول به كفر من قائله.

      ذكر المعمرية منهم:

     وهم أتباع معمر بن عبّاد السلميّ، وكان رأسا للملحدة، وذنَبا للقدرية. وفضائحه على الأعداد كثيرة الأمداد.

     منها أنه كان يقول: إن الله تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض، من لون أو طعم، أو رائحة، أوحياة، أوموت، أوسمع، أوبصر، وإنه لم يخلق شيئا من صفات الأجسام، وهذا خلاف قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، وخلاف قوله تعالى في صفة نفسه: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

     وكان يزعم أن الله إنما خلق الأجسام، ثم إن الأجسام أحدثت الأعراض باعتبار أن كل ما سبق من حياة وموت وسمع وبصر ولون وطعم ورائحة ماهو إلا عرض فى الجسم من فعل الجسم بطبعه والاصوات عنده فعل الاجسام المصوبة بطباعها وفناء الجسم عنده فعل الجسم بطبعه وصلاح الزروع وفسادها من فعل الزروع عنده وزعم ايضا ان فناء كل فان فعل له بطبعه وزعم ان ليس لله تعالى في الاعراض صنع ولا تقدير

     وفى قوله ان الله تعالى لم يخلق حياة ولا موتا تكذيب منه لوصف الله سبحانه نفسه بأن يحيى ويميت وكيف يحيى ويميت من لا يخلق حياة ولا موتا.

     الفضيحة الثانية من فضائحه انه لما زعم أن الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض وانكر مع ذلك صفات لله تعالى الازلية كما أنكرها سائر المعتزلة لزمه على هذه البدعة أن لا يكون لله تعالى كلام اذ لم يمكنه أن يقول إن كلامه صفة له أزلية كما قال أهل السنة والجماعة لأنه لا يثبت لله تعالى صفة ازلية ولم يمكنه أن يقول إن كلامه فعله كما قاله سائر المعتزلة لأن الله سبحانه عنده لم يفعل شيئا من الاعراض والقرآن عنده فعل الجسم الذى حل الكلام فيه وليس هو فعلا لله تعالى ولا صفة له فليس يصح على اصله أن يكون له كلام على معنى الصفة ولا على معنى الفعل واذا لم يكن له كلام لم يكن له امر ونهى وتكليف وهذا يؤدى الى رفع التكليف والى رفع احكام الشريعة وما أراد غيره لأنه قال بما يؤدى اليه    

     الفضيحة الثالثة من فضائحه دعواه أن كل نوع من الأعراض الموجودة فى الاجسام لا نهاية لعدده وذلك أنه قال اذا كان المتحرك متحركا بحركة قامت به فتلك الحركة اختصت بمحله لمعنى سواها وذلك المعنى ايضا يختص بمحله لمعنى سواه وكذلك القول فى اختصاص كل معنى بمحله لمعنى سواه لا الى نهاية وكذلك اللون والطعم والرائحة وكل عرض يختص بمحله لمعنى سواه وذلك المعنى ايضا يختص بمحله لمعنى سواه لا الى نهاية.

     وحكى الكعبى عنه فى مقالاته أن الحركة عنده انما خالفت السكون لمعنى سواها وكذلك السكون خالف الحركة لمعنى سواه وان هذين المعنيين مختلفان لمعنيين غيرهما ثم هذا القياس معتبر عنده لا الى نهاية.

     وفى هذا القول إلحاد من وجهين:

     احدهما قوله بحوادث لا نهاية لها وهذا يوجب وجود حوادث لا يحصيها الله تعالى وذلك عناد لقول الله تعالى {وأحصى كل شىء عددا}.

     والثانى إن قوله بحدوث أعراض لا نهاية لها يؤديه الى القول بأن الجسم أقدر من الله لأن الله عنده أنه ما خلق غير الاجسام وهى محصورة عندنا وعنده والجسم اذا فعل عرضا فقد فعل عرضا فقد فعل معه مالا نهاية له من الاعراض ومن خلق ما لا نهاية له ينبغى أن يكون أقدر مما لا يخلق إلا متناهيا فى العدد.

     وقد اعتذر الكعبى عنه فى مقالاته بأن قال إن معمرا كان يقول إن الانسان لا فعل له غير الإرادة وسائر الاعراض أفعال الاجسام بالطباع.

     فان صحت هذه الرواية عنه لزمه ان يكون الطبع الذى نسب اليه فعل الاعراض اقوى من الله عز وجل لأن افعال الله اجسام محصورة وافعال الطباع أصناف من الاعراض كل صنف منها غير محصور العدد وعلى أن قول معمر بأعراض لا نهاية لها تطريق لاصحاب الظهور والكمون على المسلمين فى حدوث الأعراض وذلك أن المسلمين استدلوا على حدوث الاعراض فى الأجسام بتعاقب المتضادات منها على الاجسام وأنكر أصحاب الكمون والظهور حدوث الاعراض وزعموا أنها كلها موجودة فى الاجسام فاذا ظهر فى الجسم بعض الاعراض كمن فيه ضده واذا كمن فيه العرض ظهر ضده فقال لهم المقصدون لو كمن العرض تارة وظهر تارة لكان ظهوره بعد الكمون وكمونه بعد الظهور لمعنى سواه والا افتقر ذلك المعنى فى ظهوره وكمونه الى معنى سواه لا الى نهاية واذا بطل اجتماع ما لا نهاية له من الاعراض فى الجسم الواحد صح تعاقبها على الجسم من جهة حدوثها فيه لا من جهة الكمون والظهور واذا قال معمر يجوز اجتماع مالا نهاية له من الاعراض فى الجسم لم يصح له دفع اصحاب الكمون والظهور عن دعواهم وجود اعراض لا نهاية لها من اجناس الكمون والظهور فى محل واحد وسوق هذا الاصل يؤدى الى القول بقدم الاعراض وذلك كفر فما يؤدى اليه مثله.

     الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله فى الانسان إنه شىء غير هذا الجسد المحسوس وهو حى عالم قادر مختار وليس هو متحركا ولا ساكنا ولا متلونا ولا يرى ولا يلمس ولا يحل موضعا دون موضع ولا يحويه مكان دون مكان.

     فاذا قيل له أتقول إن الانسان فى هذا الجسد أم فى السماء أم فى الارض أم فى الجنة أم فى النار؟. 

     قال لا اطلق شيئا من ذلك ولكنى أقول إنه فى الجسد مدبر وفى الجنة منعم او فى النار معذب وليس هو فى شيء من هذه الاشياء حالا ولا متمكنا لأنه ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا ذى وزن فوصف الانسان بما يوصف به الاله سبحانه لأنه وصفه بأنه حى عالم قادر حكيم وهذه الاوصاف واجبة لله تعالى ثم نزه الانسان عن أن يكون متحركا او ساكنا او حارا او باردا او رطبا او يابسا او ذا لون او وزن او طعم او رائحة والله سبحانه منزه عن هذه الاوصاف وكما زعم أن الانسان فى الجسد مدبر له لا على معنى الحلول والتمكن فيه كذلك الاله عنده فى كل مكان على معنى أن مدبر له عالم بما يجرى فيه لا على معنى الحلول والتمكن فيه فكأنه أراد أن يعبد الانسان لوصفه إياه بما يوصف الاله به فلم يحسن على اظهار القول بذلك فقال بما يؤدى اليه ثم إن هذا القول يوجب عليه أن لا يرى إنسان إنسانا ويوجب أن لا يكون الصحابة رأوا رسول الله وكفاه بذلك خزيا.

     الفضيحة الخامسة من فضائحه قوله بأن الله لا يجوز أن يقول فيه انه قديم مع وصفه إياه بأنه موجود أزلي.

     الفضيحة السادسة من فضائحه امتناعه عن القول بأن الله تعالى يعلم نفسه لا من شرط المعلوم عنده ان يكون غير العالم به وهذا يبطل عليه بذكر الذاكر نفسه لأنه اذا جاز ان يذكر الذاكر نفسه جاز ان يعلم العالم نفسه وقد افتخر الكعبى فى مقالاته بان معمرا من شيوخه فى الاعتزال ومن افتخر بمثله وهبناه منه وتمثلنا بقول الشاعر:

هل مشتر والسعيد بايعه  هل بايع والسعيد من وهبا

      ذكر البشرية منهم:

     هؤلاء اتباع بشر بن المعتمر وقال اخوانه من القدرية بتكفيره فى امور هو فيها مصيب عند القدرية.

     فما كفرته القدرية فيه قوله بان الله تعالى قادر على لطف لو فعله بالكافر لآمن طوعا.

     وكفروه ايضا فى قوله بأن الله تعالى لو خلق العقلاء ابتداء فى الجنة وتفضل عليهم بذلك لكان ذلك أصلح لهم.

     وكفروه ايضا بقوله ان الله لو علم من عبد انه لو أبقاه لآمن كان إبقاؤه اياه اصلح له من ان يميته كافرا.

     وكفروه ايضا بقوله ان الله تعالى لم يزل مريدا.

     وفى قوله ان الله تعالى اذا علم حدوث شىء من افعال العباد ولم يمنع منه فقد أراد حدوثه.

     والحق فى هذه المسائل الخمس كفرت المعتزلة البصرية فيها بشرا مع بشر والمكفرون له فيها هم الكفرة ونحن نكفر بشرا فى أمور شعواها كذا كل واحد منها بدعة شنعاء.

     أولها قول بشر بان الله تعالى ما والى مؤمنا فى حال إيمانه ولا عادى كافرا فى حال كفره.

     ويجب تكفيره فى هذا على قول جميع الامة اما على قول أصحابنا فلأنا نقول إن الله تعالى لم يزل مواليا لمن علم أنه يكون وليا له اذا وجد ومعاديا لمن علم اذا وجد كفر ومات على كفره يكون معاديا له قبل كفره وفى حال كفره وبعد موته واما على اصول المعتزلة غير بشر فلأنهم قالوا ان الله لم يكن مواليا لاحد قبل وجود الطاعة منه فكان فى حال وجود طاعته مواليا له وكان معاديا للكافر فى حال وجود الكفر منه فإن ارتد المؤمن صار الله تعالى معاديا له بعد ان كان مواليا له عندهم.

     وزعم بشر أن الله تعالى لا يكون مواليا للمطيع فى حال وجود طاعته ولا معاديا للكافر فى حال وجود كفره وانما يوالى المطيع فى الحالة الثانية من وجود طاعته ويعادى الكافر فى الحالة الثانية من وجود كفره واستدل على ذلك بأن قال لو جاز ان يوالى المطيع فى حال طاعته وجاز ان يعادى الكافر فى حال وجود كفره لجاز ان يثيب المطيع فى حال طاعته ويعاقب الكافر فى حال كفره فقال اصحابنا لو فعل ذلك لجاز فقال لو جاز ذلك لجاز ان يمسخ الكافر فى حال كفره فقلنا له لو فعل ذلك لجاز.

     الفضيحة الثانية من فضائح بشر إفراطه بالقول فى التولد حتى زعم انه يصح من الانسان ان يفعل الالوان والطعوم والروائح والرؤية والسمع وسائر الادراكات على سبيل التولد اذا فعل اسبابها وكذلك قوله فى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.

     وقد كفره اصحابنا وسائر المعتزلة فى دعواه ان الانسان قد يخترع الألوان والطعوم والروائح والادراكات.

     الفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بأن الله تعالى قد يغفر للانسان ذنوبه ثم يعود فيما غفر له فيعذبه عليه اذا عاد الى معصيته فسئل على هذا عن كافر تاب عن كفره ثم شرب الخمر بعد توبته عن كفره من غير استحلال منه للخمر وغامضه الموت قبل توبته عن شرب الخمر هل يعذبه الله تعالى في القيمة على الكفر الذى قد تاب منه فقال نعم فقيل له يجب على هذا أن يكون عذاب من هو على ملة الاسلام مثل عذاب الكافر فالتزم ذلك.

     الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله بأن الله تعالى يقدر على ان يعذب الطفل ظالما له فى تعذيبه اياه فانه لو فعل ذلك لكان الطفل بالغا عاقلا مستحقا للعذاب.

     وهذا فى التقدير كأنه يقول ان الله تعالى قادر على ان يظلم ولو ظلم لكان بذلك الظلم عادلا واول هذا الكلام ينقض آخره.

     وأصحابنا يقولون ان الله تعالى قادر على تعذيب الطفل ولو فعل ذلك كان عدلا منه فلا يناقض قولهم فى هذا الباب وقوله بشر فيه متناقض.

     الفضيحة الخامسة من فضائحه قوله بان الحركة تحصل وليس بالجسم فى المكان الاول ولا فى المكان الثانى ولكن الجسم يتحرك به من الاول الى الثانى.

     وهذا قول غير معقول فى نفسه واختلف المتكلمون قبله فى الحركة هل هو معنى أم لا فنفاها بقاة الاعراض واختلف الذين اثبتوا الاعراض فى وقت وجود الحركة فمنهم من زعم انها توجد فى الجسم وهو فى المكان الأولى فينتقل بها عن الاول الى الثاني وبه قال النظام وأبو شمر الممرجئ ومنهم من قال ان الحركة تحصل فى الجسم وهو في المكان الثانى لانها اول كون فى المكان الثانى وهذا قول ابى الهذيل والجبائي وابنه أبي هاشم وبه قال شيخنا ابو الحسن الاشعرى رحمه الله ومنهم من قال ان الحركة كونان فى مكانين احدهما يوجد فى المتحرك وهو فى المكان الاول والثانى يوجد فيه وهو فى المكان الثانى وهذا قول الروندى وبه قال شيخنا ابو العباس القلانسى وقد خرج قول بشر بن المعتمر عن هذه الاقوال بدعواه ان الحركة تحصل وليس الجسم فى المكان الاول ولا فى الثانى مع علمنا بأنه لا واسطة بين حالى كونه فى المكان الاول وكونه فى المكان الثانى وقوله هذا غير معقول له فكيف يكون معقولا لغيره؟.

      ذكر الهشامية منهم:

     هؤلاء اتباع هشام بن عمرو القوطى وفضائحه بعد ضلالته بالقدر تترى.

     منها أنه حرم على الناس أن يقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل من جهة تسميته بالوكيل وقد نطق القرآن بهذا الاسم لله تعالى وذكر ذلك فى السنة الواردة فى تسعة وتسعين اسما من الله تعالى فاذا لم يجز اطلاق هذا الاسم على الله تعالى مع نزول القرآن به ومع ورود السنة الصحيحة به فأى اسم بعده يطلق عليه.

     وقد كان اصحابنا يتعجبون من المعتزلة البصرية فى اطلاقها على الله عز وجل من الاسماء مالم يذكر فى القرآن والسنة اذا دل عليه القياس وزاد هذا التعجب بمنع القوطى عن اطلاق الله تعالى بما قد نطق به القرآن والسنة.

     واعتذر الخياط عن القوطى بأن قال ان هشاما كان يقول حسبنا الله ونعم المتوكل بدلا من الوكيل وزعم ان وكيلا يقتضى موكلا فوقه وهذا من علامات جهل هشام والمعتذر عنه بمعانى الاسماء فى اللغة وذلك ان الوكيل فى اللغة بمعنى الكافى لانه يكفى موكله أمر ما وكله فيه وهذا معنى قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل ومعنى حسبنا كافينا وواجب ان يكون ما بعد نعم موافقا لما قبله كقول القائل الله رازقنا ونعم الرازق ولا يقال الله رازقنا ونعم الغافر ولأن الله تعالى قال {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} أى كافيه وقد يكون الوكيل ايضا بمعنى الحفيظ ومنه قوله تعالى {قل لست عليكم بوكيل} اى حفيظ ويقال فى نقيض الحفيظ رجل وكل ووكل اي بليد والوكال البلادة واذا كان الوكيل بمعنى الحفيظ وكان الله عز وجل كافيا وحفيظا لم يكن للمنع من إطلاق الوكيل فى اسمائه معنى.

     والعجب من هشام فى انه أجاز ان يكتب لله عز وجل هذا الاسم وان يقرأ به القرآن ولم يجز أن يدعى به فى غير قراءة القرآن.

     الفضيحة الثانية من فضائح القوطى امتناعه من اطلاق كثير مما نطق به القرآن فمنع الناس من ان يقولوا ان الله تعالى عز وجل الف بين قلوب المؤمنين وأضل الفاسقين وهذا عناد منه لقول الله عز وجل {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} ولقوله تعالى {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}   وقوله {وما يضل به الا الفاسقين}. ومنع ان يقول فى القرآن انه عمى على الكافرين.

     ووافقه صاحبه عباد بن سليمان العمرى فى هذه الضلالة فمنع الناس أن يقولوا ان الله تعالى خلق الكافر لأن الكافر اسم لشيئين إنسان وكفره وهو غير خالق لكفره عنده ويلزمه على هذا القياس ان لا يقول ان الله تعالى خلق المؤمن لان المؤمن اسم لشيئين انسان وايمان والله عنده غير خالق لإيمانه ويلزمه على قياس هذا الاصل ان لا يقول إن احدا قتل كافرا او ضربه لان الكافر اسم للانسان وكفره والكفر لا يكون مقتولا ولا مضروبا.

     ومنع عباد من ان يقال ان الله تعالى ثالث كل اثنين ورابع كل ثلاثة وهذا عناد منه لقول الله عز وجل {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيئ عليم}.

     وكان يمنع ان يقال ان الله عز وجل أملى الكافرين وفى هذا عناد منه لقوله عز وجل {إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}. فان كان عباد قد أخذ هذه الضلالة عن استاذه هشام فالعصا من العصية ولن تلد الحية الا الحية وان انفرد بها دونه فقد قاس التلميذ ما منع من اطلافه على ما منع استاذه من اطلاق اسم الوكيل والكفيل على الله تعالى.

     الفضيحة الثالثة من فضائح القوطى قوله بأن الأعراض لا يدل شىء منها على الله تعالى وكذلك قال صاحبه عباد وزعما ان فلق البحر وقلب العصا حية وانشقاق القمر ونجى السحر والمشى على الماء لا يدل شىء من ذلك على صدق الرسول فى دعواه الرسالة.

     وزعم القوطى ان الدليل على الله تعالى يجب ان يكون محسوسا والاجسام محسوسة فهى الأدلة على الله تعالى وهى اعراض معلوم بدلائل نظرية فلو دلت على الله تعالى لأحتاج كل دليل منها الى دليل سواه لا الى نهاية.

     فقيل له يلزمك على هذا الاستدلال أن تقول إن الاعراض لا تدل على شىء من الاشياء ولا على حكم من الاحكام لانها لو دلت على شىء او على حكم لاحتاجت فى دلالتها على مدلولها الى دلالة على صحة دلالتها عليه واحتاج كل دليل الى دليل لا الى نهاية.

     فان صار الى ان الاعراض لا تدل على شىء ولا على حكم ابطال دلالة كلام الله تعالى وكلام رسوله على الحلال والحرام والوعد والوعيد.

     على ان من الاعراض ما يعلم وجوده بالضرورة كالالوان والطعوم والروائح والحركة والسكون فيلزمه ان تكون هذه الاعراض المعلومة بالضرورة دلالة على الله سبحانه لانها محسوسة كما دلت الاجسام عليه لانها محسوسة فان قال ان الاعراض غير محسوسة لان نفاة الاعراض قد انكروا وجودها قيل فالنجارية والضرارية قد انكروا وجود جسم لا يكون عرضا لدعواهم ان الاجسام اعراض مجتمعة فيجب على قياس قولك ان لا تكون الاجسام معلومة بالضرورة وان لا سببحانه.

      الفضيحة الرابعة من فضائح القوطى قوله بالمقطوع والموصول وذلك قوله لو أن رجلا أسبغ الوضوء وافتتح الصلاة متقربا بها الى الله سبحانه عازما على اتمامها ثم قرأ فركع فسجد مخلصا لله تعالى فى ذلك كله غير انه قطعها فى آخرها ان اول صلاته وآخرها معصية قد نهاه الله تعالى عنها وحرمها عليه وليس له سبيل قبل دخوله فيها الى العلم بانها معصية فيجتنبها.

      واجتمعت الامة قبله على أن ما مضى منها كانت طاعة لله تعالى وإن لم تكن صلاة كاملة كما لو مات فيها كان الماضى منها طاعة وان لم تكن صلاة كاملة.

     الفضيحة الخامسة من فضائحه إنكاره حصار عثمان وقتله بالغلبة والقهر وزعم أن شرذمة قليلة قتلوه غرة من غير حصار مشهور.

     ومنكر حصار عثمان مع تواتر الاخباربه كمنكر وقعتى بدر وأحد مع تواتر الاخبار بهما وكمنكر المعجزات التى تواترت الاخبار بها.

     الفضيحة السادسة من فضائحه قوله فى باب الامة ان الامة اذا اجتمعت كلمتها وتركت الظلم والفساد احتاجت الى إمام بسوسها واذا عصت وفجرت وقتلت امامها لم تعقد الامامة لاحد فى تلك الحال.

     وانما أراد الطعن فى امامة على لانها عقدت له فى حال الفتنة وبعد قتل امام قبله.      وهذا قريب من قول الأصم منهم إن الامامة لا تنعقد الا بإجماع عليه وإنما قصد بهذا الطعن فى امامة على رضى الله عنه لأن الامة لم تجتمع عليه لثبوت أهل الشام على خلافه الى أن مات فانكر امامة على مع قوله بامامة معاوية لاجتماع الناس عليه بعد قتل على رضي الله عنه.

     وقرت عيون الرافضة المائلين الى الاعتزال بطعن شيوخ المعتزلة فى امامة على وبعد شك زعيمهم واصل فى شهادة على وأصحابه.

     الفضيحة السابعة من فضائح القوطى قوله بتكفير من قال ان الجنة والنار مخلوقتان وأخلافه من المعتزلة شكوا فى وجودها اليوم ولم يقولوا بتكفير من قال انهما مخلوقان.

     والمثبتون لخلقهما يكفرون من أنكرهما ويقسمون بالله تعالى ان من أنكرهما لا يدخل الجنة ولا ينجو من النار.

     الفضيحة الثامنة من فضائحه انكاره افتضاض الابكار فى الجنة ومن انكر ذلك يحرم ذلك بل يحرم عليه دخول الجنة فضلا عن افتضاض الابكار فيها.

     وكان الفوطى مع ضلالاته التى حكيناها عنه يرى قتل مخالفيه فى السر غيلة وان كانوا من أهل ملة الاسلام.

     فماذا على أهل السنة إذا قالوا فى هذا القوطى وأتباعه إن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين وفيه الخمس وليس على قاتل الواحد منهم قود ولا دية ولا كفارة بل لقاتله عند الله تعالى القربة والزافى والحمد لله على ذلك.

      ذكر المردادية منهم:

     هؤلاء اتباع عيسى بن صبيح المعروف بابى موسى المردار وكان يقال له راهب المعتزلة وهذا اللقب لائق به ان كان المراد به مأخوذا من رهبانية النصارى ولقبه بالمردار لائق به ايضا وهو فى الجملة كما قيل:

وقل ما أبصرت عيناك من رجل         الا ومعناه ان فكرت فى لقبه         

     وكان هذا المردار يزعم ان الناس قادرون على ان يأتوا بمثل هذا القرآن وبما هو افصح منه كما قاله النظام.

     وفى هذا عناد منهما لقول الله عز وجل {قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.

     وكان المردار مع ضلالته يقول بتكفير من لابس السلطان ويزعم انه لا يرث ولا يورث.

     وكان اسلافه من المعتزلة يقولون فيمن لابس السلطان من موافقيهم فى القدر والاعتزال انه فاسق لا مؤمن ولا كافر وافتى المردار بانه كافر.

     والعجب من من سلطان زمانه كيف ترك قتله مع تكفيره إياه وتكفير من خالطه.

     وكان يزعم ايضا ان الله قادر على ان يظلم ويكذب ولو فعل مقدوره من الظلم والكذب لكان الها ظالما كاذبا.

     وحكى ابو زفر عن المردار انه أجاز وقوع فعل واحد من فاعلين مخلوقين على سبيل التولد مع انكاره على أهل السنة ما أجازوه من وقوع فعل من فاعلين احدهما خالق والآخر مكتسب.

     وزعم المردار أيضا أن من أجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر والشاك فى كفره كافر وكذلك الشاك فى الشاك لا الى نهاية والباقون من المعتزلة انما قالوا بتكفير من أجاز الرؤية على جهة المقابلة او على اتصال شعاع بصر الرائى بالمرئى.

     والذين اثبتوا الرؤية مجمعون على تكفير المردار وتكفير الشاك في كفره وقد حكت المعتزله عن المردار انه لما حضرته الوفاة اوصى أن يتصدق بماله ولا يدفع شىء منه الى ورثته.

     وقد اعتذر أبو الحسين الخياط عن ذلك بأن قال كان فى ماله شبه وكان للمساكين فيه حق وقد وصفه فى هذا الاعتذار بانه كان غاصبا وخائنا للمساكين والغاصب عند المعتزلة فاسق مخلد فى النار وقد اكفره سائر المعتزلة فى قوله بتولد فعل واحد من فاعلين.

     وقد اكفر هو أبا الهذيل فى قوله بفناء مقدورات الله عز وجل وصنف فيه كتابا واكفر استاذه بشر بن المعتمر فى قوله بتوليد الالوان والطعوم والروائح والادراكات واكفر النظام فى قوله بأن المتولدات من فعل الله وقال يلزمه ان يكون قول النصارى المسيح ابن الله من فعل الله فهذا راهب المعتزلة قد قال بتكفير شيوخه وقال شيوخه بتكفيره وكلا الفريقين محق فى تكفير صاحبه.

      ذكر الجعفرية منهم:

     هؤلاء اتباع جعفر ابن احدهما جعفر ابن حرب والآخر جعفر بن مبشر وكلاهما للضلالة رأس وللجهالة اساس.

     اما جعفر بن مبشر فانه زعم ان فى فساق هذه الامة من هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة هذا مع قوله بأن الفاسق موحد وليس بمؤمن ولا كافر فجعل الموحد الذى ليس بكافر شرا من الثنوى الكافر.

     واقل ما نقابل به على هذا القول ان نقول له انك عندنا شر من كل كافر على جديد الارض.

     وزعم ايضا ان اجماع الصحابة على ضرب شارب الخمر الحد وقع خطأ لانهم أجمعوا عليه برأيهم فشارك ببدعته هطه نجدات الخوارج فى انكارها حد الخمر.

     وقد أجمع فقهاء الامة على تكفير من أنكر حد الخمر النىء وانما اختلفوا فى حد شارب النبيذ اذا لم يسكر منه فأما اذا سكر منه فعليه الحد عند فريقى الرأى والحديث على رغم من انكر ذلك.

     وزعم ابن مبشر ايضا ان من سرق حبة اوما دونها فهو فاسق مخلد فى النار وخالف بذلك اسلافه الذين قالوا بغفران الصغائر عند اجتناب الكبائر.

     وزعم ايضا ان تأييد المذنبين فى النار من موجبات العقول وخالف بذلك اسلافه الذين قالوا ان ذلك معلوم بالشرع دون العقل.

     وزعم ايضا ان رجلا لو بعث الى امرأة يخطبها ليتزوجها وجاءته المرأة فوثب عليها فوطئها من غير عقد انه لا حد عليها لأنها جاءته على سبيل النكاح واوجب الحد على الرجل لانه قصد الزنى ولم يعلم هذا الجاهل ان المطاوعة للزانى زانية اذا لم تكن مكرهة وانما اختلف الفقهاء فيمن اكره امرأة على الزنى فمنهم من أوجب للمرأة مهرا وأوجب على الرجل حدا وبه قال الشافعى وفقهاء الحجاز ومنهم من أسقط الحد على الرجل لأجل وجوب المهر عليه ولم يقل احد من سلف الامة بسقوط الحد عن المطاوعة للزانى كما قاله ابن مبشر وكفاه بخلاف الاجماع خزيا.

     واما جعفر بن حرب فانه جرى على ضلالات استاذه المردار وزاد عليه قوله بان بعض الجملة غير الجملة وهذا يوجب عليه ان تكون الجملة غير نفسها اذ كان كل بعض منها غيرها.

     وكان يزعم ان الممنوع من العقل قادر على العقل وليس يقدر على شىء وهكذا حكى عنه الشعبي فى مقالاته ويلزمه على هذا الاصل ان يجيز كون العالم بشيئ ليس غير عالم به.

     قال عبد القاهر لابن حرب كتاب فى بيان ضلالاته وقد نقضنا عليه وسمينا نقضنا عليه بكتاب الحرب على ابن حرب وفيه نقض اصوله وفصوله بحمد الله ومنه.

      ذكر الاسكافية منهم:

     هؤلاء اتباع محمد بن عبد الله الاسكافى وكان قد أخذ ضلالته فى القدر عن جعفر بن حرب ثم خالفه فى بعض فروعه وزعم ان الله تعالى يوصف بالقدرة على ظلم الاطفال والمجانين ولا يوصف بالقدرة على ظلم العقلاء فخرج عن قول النظام بأنه لا يقدر على الظلم والكذب وخرج عن قول من قال من أسلافه انه يقدر على الظلم والكذب ولكنه لا يفعلهما لعلمه بقبحهما وغناه عنهما وجعل بين القولين منزلة فزعم انه انما يقدر على ظلم من لا عقل له ولا يقدر على ظلم العقلاء واكفره اسلافه فى ذلك واكفرهم هو فى خلافه.

     ومن تدقيقه فى ضلالته قوله بانه يجوز ان يقال ان الله يكلم العباد ولا يجوز ان يقال انه يتكلم وسماه مكلما ولم يسمه متكلما وزعم ان متكلما يوهم ان الكلام قام به ومكلم لا يوهم ذلك كما ان متحركا يقتضى قيام الحركة به ومتكلما يقتضى قيام الكلام به فصحيح عندنا وكلام الله تعالى عندنا قائم به واما أسلافه من القدرية فانهم يقولون له ان اعتلالك هذا يوجب عليك ان يكون المتكلم من بدن الانسان لسانه فحسب لان الكلام عندك يحل فيه بل يوجب عليك احالة اجراء اسم المتكلم على شىء لان الكلام عندك وعند سائر المعتزلة له حروف ولا يصح ان يكون حرف واحد كلاما ومحل كل حرف من حروف الكلام غير محل الحرف الآخر فيعنى على اعتلالك ان لا يكون الانسان متكلما ولا جزء منه على قود اعتلالك ان الله تعالى لم يكن متكلما لان الكلام لا يقوم به عندك.

     وقد فخم بعض المعتزلة من الاسكافى بان زعم ان محمد بن الحسن رآه ماشيا فنزل عن فرسه وهذا كذب من قائله لان الاسكافى لم يكن فى زمان محمد بن الحسن ومات محمد بن الحسن بالرى فى خلافة هرون الرشيد ولم يدرك الاسكافى زمان الرشيد ولو أدرك زمان محمد لم يكن محمد ينزل لمثله عن فرسه مع تكفيره اياه وقد روى هشام بن عبيد الله الرازى عن محمد بن الحسن ان من صلى خلف المعتزلى يعيد صلاته وروى هشام ايضا عن يحيى ابن اكثم عن أبى يوسف انه سئل عن المعتزلة فقال هم الزنادقة وقد اشار الشافعى فى كتاب القياس الى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وأهل الاهواء وبه قال مالك وفقهاء المدينة فكيف يصح من ائمة الاسلام اكرام القدرية بالنزول لهم مع قولهم بتكفيرهم ؟

      ذكر الثمامية منهم:

     هؤلاء اتباع ثمامة بن اشرس النميرى من مواليهم وكان زعيم القدرية فى زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل انه هو الذى اغوى المأمون بان دعاه الى الاعتزال.

     وانفرد عن سائر اسلاف المعتزلة ببدعتين اكفرته الامة كلها فيها:

     احداهما انه لما شاركه اصحاب المعارف فى دعواهم ان المعارف ضرورية زعم ان من لم يضطره الله تعالى الى معرفته لم يكن مأمورا بالمعرفة ولا منهيا عن الكفر وكان مخلوقا للسحرة والاعتبارية فحسب كسائر الحيوانات التى ليست بمكلفة.

     وزعم لاجل ذلك ان عوام الدهرية والنصارى والزنادقة يصيرون فى الآخرة ترابا.

     وزعم ان الآخرة انما هى دار ثواب او عقاب وليس فيها لمن مات طفلا ولا لمن يعرف الله تعالى بالضرورة طاعة يستحقون بها ثوابا ولا معصية يستحقون عليها عقابا فيصيرون حينئذ ترابا اذ لم يكن لهم حظ فى ثواب ولا عقاب.

     والبدعة الثانية من بدع ثمامة قوله بان الافعال المتولدة افعال لا فاعل لها.

     وهذه الضلالة تجر الى انكار صانع العالم لانه لو صح وجود فعل بلا فاعل لصح وجود كل فعل بلا فاعل ولم يكن حينئذ من الافعال دلالة على فاعلها ولا كان فى حدوث العالم دلالة على صانعة كما لو أجاز انسان وجود كتابة لا من كاتب ووجود منسوخ ومبنى لا من بان أوناسخ.

     ويقال له اذا كان كلام الانسان عندك متولدا ولا فاعل له عندك فلم تلوم الانسان على كذبه وعلى كلمة الكفر وهو عندك غير فاعل للكذب ولا لكلمة الكفر ؟.

     ومن فضائح ثمامة ايضا انه كان يقول فى دار الاسلام انها دار شرك وكان يحرم السبى لان المسبى عنده ما عصى ربه اذا لم يعرفه وانما العاصى عنده من عرف ربه بالضرورة ثم جحده او عصاه.

     وفى هذا اقرار منه على نفسه بانه ولد زنى لانه كان من الموالى وكانت امه مسبية ووطء من لا يجوز سبيها على حكم السبى الحرام زنى والمولود منه ولد زنى فبدعة ثمامة على هذا التقدير لائق بنسبه.

     وقد حكى أصحاب التواريخ عن سخافة ثمامة ومجونة أمورا عجيبة:

     منها ما ذكره عبد الله بن مسلم عن قتيبة فى كتاب مختلف الحديث ذكر فيه ان ثمامة بن اشرس رأى الناس يوم جمعة يتعادون الى المسجد الجامع لخوفهم فوت الصلاة فقال لرفيق له انظر الى هؤلاء الحمير والبقر ثم قال ماذا صنع ذاك العربى بالناس يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

     وحكى الجاحظ فى كتاب المضاحك ان المأمون ركب يوما فرأى ثمامة سكران قد وقع فى الطين فقال له ثمامة قال أى والله قال ألا تستحى قال لا والله قال عليك لعنة الله قال تترى ثم تترى.

     وذكر الجاحظ ايضا ان غلام ثمامة قال يوما لثمامة قم صل فتغافل فقال له قد ضاق الوقت فقم وصل واسترح فقال انا مستريح إن تركتنى.

     وذكر صاحب تاريخ المراوزة ان ثمامة بن أشرس سعى الى الواثق باحمد بن نصر المروزى وذكر له ان يكفر من ينكر رؤية الله تعالى ومن يقول يخلق القرآن فاعتصم من بدعة القدرية فقتله ثم ندم على قتله وعاتب ثمامة وابن داوود وابن الزيات فى ذلك وكانوا قد أشاروا عليه بقتله فقال له ابن الزيات وان لم يكن قتله صوابا فقتلنى الله تعالى بين الماء والنار وقال ابن أبى داود حبسنى الله تعالى في جلدى ان لم يكن قتله صوابا وقال ثمامة سلط الله تعالى على السيوف ان لم تكن أنت مصيبا فى قتله فاستجاب الله تعالى دعاء كل واحد منهم فى نفسه أما ابن الزيات فانه قتل فى الحمام وسقط فى اثوابه فمات بين لماء والنار وأما ابن أبى داود فان المتوكل رحمة الله حبسه فاصابه فى حبسه الفالج فبقى فى جلده محبوسا بالفالج الى ان مات وأما ثمامة فانه خرج الى مكة فرآه الخزاعيون بين الصفا والمروه فنادى رجل منهم فقال يا آل خزاعة هذا الذى سعى بصاحبكم احمد بن فهر وسعى فى دمه فاجتمع عليه بنو خزاعة بسيوفهم حتى قتلوه ثم اخرجوا جيفتة من الحرم فاكلته السباع خارجا من الحرم فكان كما قال الله تعالى {فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا}.

      ذكر الجاحظية منهم:

     هؤلاء اتباع عمرو بن يحيى الجاحظ وهم الذين اغتروا بحسن بذله هكذا الجاحظ فى كتبه التى لها ترجمة تروق بلا معنى واسم يهول ولو عرفوا جهالاته فى ضلالاته لاستغفروا لله تعالى من تسميتهم اياه انسانا فضلا عن ان ينسبوا اليه احسانا.

     فمن ضلالاته المنسوبة اليه ما حكاه الكعبى عنه فى مقالاته مع افتخاره به من قوله ان المعارف كلها طباع وهى مع ذلك فعل للعباد وليست باختيار لهم.

     قالوا ووافق ثمامة فى ان لا فعل للعباد الا الارادة وان سائر الافعال تنسب الى العباد على معنى انها وقعت منهم طباعا وانها وجبت بارادتهم.

     قال وزعم ايضا انه لا يجوز ان يبلغ احد فلا يعرف الله تعالى والكفار عنده من معاند ومن عارف قد استغرقه حبه لمذهبه فهو لا يشكر بما عنده من المعرفة بخالقه وبصدق رسله.

     فان صدق الكعبى على الجاحظ فى أن لا فعل للانسان الا الارادة لزمه ان لا يكون الانسان مصليا ولا صائما ولا حاجا ولا زانيا ولا سارقا ولا قاذفا ولا قاتلا لانه لم يفعل عنده صلاة ولا صوما ولا حجا ولا زنى ولا سرقة ولا قتلا ولا قذفا لان هذه الافعال عنده غير الارادة.

     واذا كانت هذه الافعال التى ذكرناها عنده طباعا لا كسبا لزمه ان لا يكون للانسان عليها ثواب ولا عقاب لان الانسان لا يثاب ولا يعاقب على ما لا يكون كسبا له كما لا يثاب ولا يعاقب على لونه وتركيب بدنه اذا لم يكن ذلك من كسبه.

     ومن فضائح الجاحظ ايضا قوله باستحالة عدم الاجسام بعد حدوثها وهذا يوجب القول بان الله سبحانه وتعالى يقدر على خلق شىء ولا يقدر على افنائه وانه لا يصح بقاؤه بعد ان خلق الخلق منفردا كما كان منفردا قبل ان خلق الخلق.

     ونحن وان قلنا ان الله لا يفنى الجنة ونعيمها والنار وعذابها ولسنا نجعل ذلك بان الله عز وجل قادر على افناء ذلك كله وانما نقول بدوام الجنة والنار بطريق الخبر.

     ومن فضائح الجاحظ ايضا قوله بان الله لا يدخل النار احدا وانما النار تجذب اهلها الى نفسها بطبعها ثم تمسكهم فى نفسها على الخلود.

     ويلزمه على هذا القول ان يقول فى الجنة انها تجذب اهلها الى نفسها بطبعها وان الله لا يدخل احدا الجنة فان قال بذلك قطع الرغبة الى الله فى الثواب وابطل فائدة الدعاء وان قال {ان الله تعالى هو يدخل اهل الجنة الجنة} لزمه القول بان يدخل النار اهلها.

     وقد افتخر الكعبى بالجاحظ وزعم انه من شيوخ المعتزلة وافتخر بتصانيفه الكثيرة وزعم انه كنانى من بنى كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر.

     فيقال له ان كان كنانيا كما زعمت فلم صنفت كتاب مفاخر القحطانية على الكنانية وسائر العدنانية وان كان عربيا فلم صنف كتاب فضل الموالى على العرب وقد ذكر فى كتابه المسى بمفاخر قحطان على عدنان اشعارا كثيرة من هجاء القحطانية للعدنانية ومن رضى بهجو آبائه كمن هجا أباه وقد أحسن جحظة في هجاء ابن بسام الذى هجا اباه فقال من كان يهجو أباه فهجوه قد كفاه لو انه من أبيه ما كان يهجو اباه.

     واما كتبه المزخرفة فاصناف منها كتابة فى حيل اللصوص وقد علم بها الفسقة وجوه السرقة ومنها كتابه فى عشر الصناعات وقد افسد به على التجار سلعهم ومنها كتابه فى النواميس وهو ذريعة للمحتالين يجتلبون بها ودائع الناس واموالهم ومنها كتابه فى الفتيا وهو مشحون بطعن استاذه النظام على اعلام الصحابة ومنها كتبه فى القحاب والكلاب واللاطة وفى حيل المكدين ومعانى هذه الكتب لائقة به وبصفته واسرته ومنها كتاب طبائع الحيوان وقد سلخ فيه معانى كتاب الحيوان لارسطاطاليس وضم اليه ما ذكره المدائنى من حكم العرب وأشعارها فى منافع الحيوان ثم انه شحن الكتاب بمناظرة بين الكلب والديك والاشتغال بمثل هذه المناظرة يضيع الوقت بالغث ومن افتخر بالجاحظ سلمناه اليه.

     وقول اهل السنة فى الجاحظ  كقول الشاعر فيه:

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا         ما كان الا دون قبح الجاحظ    

رجل يتوب عن الجحيم بنفسه         وهو القذى فى كل طرف لاحظ          

      ذكر الشحامية منهم:

     هؤلاء اتباع أبى يعقوب الشحام وكان استاذ الجبائى وضلالاته كضلالات الجبائى غير انه أجاز كون مقدور واحد لقادرين وامتنع الجبائى وابنه من ذلك وقد ظن بعض أن الاغبياء قول الشحام كقول الصفاتية فى مقدور لقادرين وبين القولين فرق واضح وذلك ان الشحام اجاز كون مقدور واحد لقادرين يصح ان يحدثه كل واحد منهما على البدل وكذلك حكاه الكعبى فى كتاب عيون المسائل على أبى الهذيل والصفاتية لا يثبتون خالقين وانما يجيزون كون مقدور واحد لقادرين أحدهما خالقه والآخر مكتسب له وليس الخالق مكتسبا ولا المكتسب خالقا وفى هذا بيان الفرق بين الفرقين على اختلاف الطريقين.

      ذكر الخياطية منهم:

     هؤلاء اتباع ابى الحسين الخياط الذى كان استاذ الكعبى في ضلالته وشارك الخياط سائر القدرية فى اكثر ضلالاتها وانفرد عنهم بقول من لم يسبق اليه فى المعدوم وذلك ان المعتزلة اختلفوا فى تسمية المعدوم شيئا منهم من قال لا يصح ان يكون المعدوم معلوما ومذكورا ولا يصح كونه شيئا ولا ذاتا ولا جوهرا ولا عرضا وهذا اختيار الصالحى منهم وهو موافق لاهل السنة فى المنع فى تسمية المعدوم شيئا وزعم آخرون من المعتزلة ان المعدوم شىء ومعلوم ومذكور وليس بجوهر ولا عرض وهذا اختيار الكعبى منهم وزعم الجبائى ابنه ابو هاشم ان كل وصف يستحقه الحادث لنفسه او لجنسه فان الوصف ثابت له فى حال عدمه وزعم ان الجوهر كان فى حال عدمه جوهرا وكان العرض فى حال عدمه عرضا وكان السواد سوادا والبياض بياضا فى حال عدمهما وامتنع هؤلاء كلهم عن تسمية المعدوم جسما من قبل ان الجسم عندهم مركب وفيه تأليف وطول وعرض وعمق ولا يجوز وصف معدوم بما يوجب قيام معنى به.

     وفارق الخياط فى هذا الباب جميع المعتزلة وسائر فرق الامة فزعم ان الجسم فى حال عدمه يكون جسما لانه يجوز ان يكون فى حال حدوثه جسما ولم يجز ان يكون المعدوم متحركا لان الجسم فى حال حدوثه لا يصح ان يكون متحركا عنده فقال كل وصف يجوز ثبوته فى حال الحدوث فهو ثابت له فى حال عدمه.

     ويلزمه على هذا الاعتلال ان يكون الانسان قبل حدوثه انسانا لان الله تعالى لو احدثه على صورة الانسان بكمالها من غير نقل له فى الاصلاب والارحام ومن غير تغيير له من صورة الى صورة اخرى  يصح ذلك

     وكان هؤلاء الخياطية يقال لهم لمعدومية لافراطهم بوصفهم المعدوم باكثر اوصاف الموجودات وهذا اللقب لائق بهم.

     وقد نقض الجبائى على الخياط قوله بان الجسم جسم قبل حدوثه فى كتاب مفرد وذكر ان قوله بذلك يؤديه الى القول بقدم الاجسام.

     وهذا الالزام متوجه على الخياط ويتوجه مثله على الجبائى وابنه فى قولهما بان الجواهر والاعراض كانت فى حال العدم اعراضا وجواهر فاذا قالوا لم تزل اعيانا وجواهر واعراضا ولم يكن حدوثها لمعنى سوى اعيانها فقد لزمهم القول بوجودها فى الازل وصاروا فى تحقيق معنى قول الذين قالوا بقدم الجواهر والاعراض.

     وكان الخياطي مع ضلالته فى القدر وفى المعدومات منكر الحجة فى اخبار الآحاد وما اراد بانكاره الا انكار اكثر احكام الشريعة فان اكثر فروض الفقه مبنية على اخبار من اخبار الآحاد.

     وللكعبى عليه كتاب فى حجة اخبار الاحاد وقد ضلل فيه من انكر الحجة فيها وقلنا للكعبى يكفيك من الخزى والعار انتسابك الى استاذ تقر بضلالته    

      ذكر الكعبية منهم:

     هؤلاء اتباع ابى القاسم عبد الله بن احمد ابن محمود البنحى المعروف بالكعبى وكان حاطب قبل يدعى فى انواع العلوم على الخصوص والعموم ولم يحظ فى شىء منها باسراره ولم يحط بظاهره فضلا عن باطنه وخالف البصريين من المعتزلة فى احوال كثيرة منها ان البصريين منهم اقروا بان الله تعالى يرى خلقه من الاجسام والالوان وانكروا ان يرى نفسه كما انكروا ان يراه غيره وزعم الكعبى ان الله تعالى لا يرى نفسه ولا غيره الا على معنى علمه بنفسه وبغيره وتبع النظام فى قوله ان الله تعالى لا يرى شيئا فى الحقيقة.

     ومنها ان البصريين منهم مع اصحابنا فى ان الله عز وجل سامع للكلام والاصوات على الحقيقة لا على معنى انه عالم بهما وزعم الكعبى والبغداديون من المعتزلة ان الله تعالى لا يسمع شيئا على معنى الادراك المسمى بالسمع وتأولوا وصفه بالسميع البصير على معنى انه عليم بالمسموعات التى يسمعها غيره والمرئيات التي يراها غيره.

     ومنها ان البصريين منهم مع اصحابنا فى ان الله عز وجل مريد على الحقيقة غير ان اصحابنا قالوا انه لم يزل مريدا بارادة ازلية وزعم البصريون من المعتزلة انه يريد بارادة حادثة لا فى محل وخرج الكعبى والنظام واتباعهما عن هذين القولين وزعموا انه ليست لله تعالى ارادة على الحقيقة وزعموا انه اذا قيل ان الله عز وجل اراد شيئا من فعله فمعناه انه فعله واذا قيل انه اراد من عنده فعلا فمعناه انه امره به وقالوا ان وصفه بالارادة فى الوجهين جميعا مجاز كما ان وصف الجدار بالارادة في قول الله تعالى {جدارا يريد ان ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} مجاز وقد اكفرهم البصريون مع اصحابنا فى نفيهم ارادة الله عز وجل.

     ومنها ان الكعبى زعم ان المقتول ليس بميت وعاند قول الله تعالى {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} وسائر الامة مجمعون على ان كل مقتول ميت وان صح ميت غير مقتول.

     ومنها ان الكعبى على قول من اوجب على الله تعالى فعل الاصلح فى باب التكليف.

     ومنها ان البصريين مع اصحابنا فى ان الاستطاعة معنى غير صحة البدن والسلامة من الافات وزعم الكعبى انها ليست غير الصحة والسلامة.

     والبصريون من المعتزلة يكفرون البغداديين منهم والبغداديون يكفرون البصريين وكلا الفريقين صادق فى تكفير الفريق الاخر كما بيناه فى كتاب فضائح القدرية.

      ذكر الجبائية منهم:

     هؤلاء أتباع أبى على الجبائى الذى أهوى اهل خوزستان وكانت المعتزلة البصرية فى زمانه على مذهبه ثم انتقلوا بعده ألى مذهب ابنه أبى هاشم.

     فمن ضلالات الجبائى انه سمى الله عز وجل مطيعا لعبده اذا فعل مرادا لعبد وكان سبب ذلك انه قال يوما لشيخنا أبى الحسن الاشعرى رحمه الله ما معنى الطاعة عندك فقال موافقة الامر وسأله عن قوله فيها فقال الجبائى حقيقة الطاعة عندى موافقة الارادة وكل من فعل مراد غيره فقد اطاعه فقال شيخنا ابو الحسن رحمه الله يلزمك على هذا الأصل ان يكون الله تعالى مطيعا لعبده اذا فعل مراده فالزم ذلك فقال له شيخنا رحمه الله خالفت إجماع المسلمين وكفرت برب العالمين ولو جاز ان يكون الله تعالى مطيعا لعبده لجاز ان يكون خاضعا له تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

     ثم ان الجبائى زعم ان اسماء الله تعالى جارية على القياس وأجاز إشتقاق اسم له من كل فعل فعله والزمه شيخنا ابو الحسن رحمه الله ان يسميه بمحبل النساء لانه خالق الحبل فيهن فالتزم ذلك فقال له بدعتك هذه أشنع من ضلالة النصارى فى تسمية الله أبا لعيسى مع امتناعهم من القول بأنه محبل مريم.

     ومن ضلالات الجبائى ايضا انه أجاز وجود عرض واحد فى امكنة كثيرة وفى اكثر من الف ألف مكان وذلك انه أجاز وجود كلام واحد فى الف ألف محل.

     وزعم ان الكلام المكتوب فى محل اذا كتب لي غيره كان موجودا فى المحلين من غير انتقال منه غير المكان الأول الى الثانى ومن غير حدوث في الثانى وكذلك ان كتبت فى ألف مكان او الف ألف وزعم هو وابنه أبو هاشم أن الله تعالى اذا أراد أن يفنى العالم خلق عرضا لا فى محل أفنى به جميع الاجسام والجواهر ولا يصح فى قدرة الله تعالى ان يفنى بعض الجواهر مع بقاء بعضها وقد خلقها تفاريق ولا يقدر على إفنائها تفاريق.

     وقد حكى ان شيخنا أبا الحسن رحمه الله قال للجبائى اذا زعمت ان الله تعالى قد شاكل ما أمر به فما تقول فى رجل له على غيره حق يماطله فيه فقال له والله لاعطينك حقك غدا إن شاء الله ثم لم يعطه حقه فى غده فقال يحنث فى يمينه لان الله تعالى قد شاء ان يعطيه حقه فيه فقال له خالفت إجماع المسلمين قبلك لانهم اتفقوا قبلك على ان من قرن يمينه بمشيئة الله عز وجل لم يحنث اذا لم يقر به.

      ذكر البهشمية:

     هؤلاء اتباع أبى هاشم والجبائى واكثر معتزلة عصرنا على مذهبه لدعوة ابن عباد وزير آل بويه اليه ويقال لهم الدمية لقولهم باستحقاق الدم واالعقاب لا على فعل وقد شاركوا المعتزلة فى اكثر ضلالاتها وانفردوا عنهم بفضائح لم يسبقوا اليها.

     منها قولهم باستحقاق الدم والعقاب لا على فعل وذلك انهم زعموا ان القادر منها يجوز اان يخلو من الفعل والشرك مع ارتفاع الموانع من الفعل والذى الجأهم الى ذلك أن اصحابنا قالوا للمعتزلة اذا اجزتم تقدم الاستطاعة على الفعل لزمتكم التسوية بين الوقتين والاوقات الكثيرة فى تقدمها عليه فكانوا يختلفون في الجواب عن هذا الالزام فمنهم من كان يوجب وقوع الفعل او ضده بالاستطاعة في الحال الثانية من حال حدوث الاستطاعة الى وقت حدوث الفعل ويوجب وقوع الفعل او ضده عند عدم الموانع ويزعم مع ذلك ان القدرة لا تكون قدرته عليه فى حال حدوثه ومنهم من اجاز عدم القدرة مثل حدوث الفعل ومع حدوث العجز الذى هو ضد القدرة التي قد عدمت بعد وجودها ورأى أبو هاشم بن الجبائى توجه الزام أصحابنا عليهم في التسوية بين الوقتين والاوقات الكثيرة فى جواز تقدم الاستطاعة على الفعل ان جاز تقدمها عليه ولم يجد للمعتزلة عنه انفصالا صحيحا فالتزم التسوية وأجاز بقاء المستطيع ابدا مع بقاء قدرته وتوفر الآية وارتفاع الموانع عنه عاليها من الفعل والترك فقيل له على هذا الاصل أرأيت لو كان هذا القادر مكلفا ومات قبل ان يفعل بقدرته طاعة له معصية ماذا يكون حاله فقال يستحق الذم والعقاب الدائم لا على فعل ولكن من أجل أنه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه وتوفر الآية فيه وارتفاع الموانع منه فقيل له كيف استحق العقاب بأن لم يفعل ما أمر به وان لم يفعل ما نهى عنه دون ان يستحق الثواب بأن لم يفعل ما نهى عنه وان لم يفعل ما أمر به.

     وكان اسلافه من المعتزلة يكفرون من يقول إن الله تعالى يعذب العاصى على اكتساب معصية لم يخترعها العاصى وقالوا الآن إن تكفير أبى هاشم في قوله بعقاب من ليس فيه معصية لا من فعله ولا من فعل غيره اولى.

     والثانى انه سمى من لم يفعل ما أمر به عاصيا وان لم يفعل معصية ولم يوقع اسم المطيع الا على من فعل طاعة ولو صح عارض بلا معصية لصح مطيع بلا طاعة او لصح كافر بلا كفر.

     ثم إنه مع هذه البدع الشنعاء زعم ان هذا المكلف لو تغير تغيرا قبيحا لا يستحق بذلك قسطين من العذاب أحدهما للقبيح الذى فعله والثانى لأنه لم يفعل الحسن الذى أمر به ولو تغير تغيرا حسنا وفعل مثل أفعال الانبياء وكان الله تعالى قد أمره بشىء فلم يفعل ولا فعل ضده لصار مخلدا.

     وسائر المعتزلة يكفرونه في هذه المواضيع الثلاثة:

     أحدها استحقاق العقاب لا على فعل.

     والثانى استحقاق قسطين من العذاب اذا تغير تغيرا قبيحا.

     والثالث في قوله انه لو تغير تغيرا حسنا وأطاع بمثل طاعة الانبياء عليهم السلام ولم يفعل شيئا واحدا مما أمره الله تعالى به ولا ضده لا يستحق الخلود في النار.

     وألزمه اصحابنا في الحدود مثل قوله في القسطين حتى يكون عليه حدان حد الزنى الذى قد فعله والثانى لأنه لم يفعل ما وجب عليه من ترك الزنى وكذلك القول فى حدود القذف والقصاص وشرب الخمر وألزموه إيجاب كفارتين على المفطر في شهر رمضان إحداهما لفطرة الموجب للكفارة والثانية بأن لم يفعل ما وجب عليه من الصوم والكف عن الفطر.

     فلما رأى ابن الجبائى توجه هذا الالزام عليه في بدعته هذه ارتكب ما هو أشنع منها فرارا من ايجاب حدين وكفارتين في فعل واحد فقال إنما نهى عن الزنى والشرب والقذف فأما ترك هذه الافعال فغير واجب عليه.

     وألزموه ايضا القول بثلاثه أقساط واكثر لا الى نهاية لانه اثبت قسطين فيما هو متولد عنده قسطا لانه لم يفعله وقسطا لانه لم يفعل سببه وقد وجدنا من المسببات ما يتولد عنده من اسباب كثيرة يتقدمه كاصابة الهدف بالسهم فانها يتولد عنده من حركات كثيرة يفعلها الرمى في السهم وكل حركة منها سبب لما يليها الى الاصابة ولو كانت مائة حركة فالمائة منها سبب الاصابة فيبقى على أصله اذا أمره الله تعالى بالاصابة فلم يفعلها ان يستحق مائة قسط وقسطا آخر الواحد منها ان لم يفعل الاصابة والمائة لانه لم يفعل تلك الحركات.

     ومن اصله ايضا انه اذا كان مأمورا بالكلام فلم يفعله استحق عليه قسطين قسطا لانه لم يفعل الكلام وقسطا لانه لم يفعل سببه ولو انه فعل ضد سبب الكلام لا يستحق قسطين وقام هذا عنده مقام السبب الذي لم يفعله فقلنا له هل استحق ثلاثة اقساط قسطا لانه لم يفعل الكلام وقسطا لانه لم يفعل سببه وقسطا لانه ضد سبب الكلام.

     وقد حكى بعض أصحابنا عنه انه لم يكن يثبت القسطين إلا في ترك سبب الكلام وحده وقد نص في كتاب استحقاق الذمة على خلافه وقال فيه كل ماله ترك مخصوص فحكمه حكم سبب الكلام وما ليس له ترك مخصوص فحكمه حكم ترك العطية الواجبة كالزكاة والكفارة وقضاء الدين ورد المظالم واراد بهذا ان الزكاة والكفارة وما اشبههما لا تقع بجارحة مخصوصة ولا له ترك واحد مخصوص بل لو صلى او حج أو فعل غير ذلك كان جميعه تركا للزكاة والكلام سبب تركه مخصوص فكان تركه قبيحا فاذا ترك سبب الكلام استحق لاجله قسطا وليس للعطية ترك قبيح فلم يستحق عليه قسطا آخر اكثر من ان يستحق الذم لانه لم يود.

     فيقال له ان لم يكن ترك الصلاة والزكاة قبيحا وجب ان يكون حسنا وهذا خروج عن الدين فما يؤدي اليه مثله.

     ومن مناقضاته في هذا الباب انه سمى من لم يفعل ما وجب عليه ظالما وان لم يوجد منه ظلم وكذلك سماه كافرا وفاسقا وتوقف في تسميته إياه عاصيا فأجاز أن يخلد الله في النار عبدا لم يستحق اسم عاص وتسميته اياه فاسقا وكافرا يوجب عليه تسميته بالعاصى وامتناعه من هذه التسمية يمنعه من تسميته فاسقا وكافرا.

     ومن مناقضاته فيه ايضا ما خالف فيه الاجماع بفرقة بين الجزاء والثواب حتى انه قال يجوز ان يكون في الجنة ثواب كثير لا يكون جزاء ويكون في النار عقاب كثير لا يكون جزاء وانما امتنع من تسميته جزاء لان الجزاء لا يكون الا على فعل وعنده انه قد يكون عقاب لا على فعل وقيل له اذا لم يكن جزاء الا على فعل ما تنكر انه لا ثواب ولا عقاب إلا على فعل.

     والفضيحة الثانية من فضائح أبى هاشم قوله باستحقاق الذم والشكر على فعل الغير فزعم ان زيدا لو أمر عمرا بأن يعطى غيره فأعطاه استحق الشكر على فعل الغير من قابض العطية على العطية التى هى فعل غيره وكذلك لو أمره بمعصية ففعلها لا يستحق الذم على نفس المعصية التى هي فعل غيره وليس قوله في هذه كقول سائر فرق الامة انه يستحق الشكر او الذم على امره إباه به لا على الفعل المأمور به الذى هو فعل غيره وهذا المبتدع يوجب له شكرين أو ذمين أحدهما على الامر الذى هو فعله والآخر على المأمور به الذى هو فعل غيره وكيف يصح هذا القول على مذهبه مع انكاره على اصحاب الكسب قولهم بأن الله تعالى يخلق اكساب عباده ثم يثيبهم او يعاقبهم عليها ويقال له ما أنكرت على هذا الاصل الذى هو فعل غيره انفردت به من قول الازارقة ان الله تعالى يعذب طفل المشرك على فعل أبيه وقيل اذا أجزت ذلك فأجز أن يستحق العبد الشكر والثواب على فعل فعله الله تعالى عند فعل العبد مثل ان يسقى او يطعم من قد اشرف على الهلاك فيعيش ويحيى فيستحق الشكر والثواب على نفس الحياة والشبع والرى الذى هو من فعل الله تعالى.

     الفضيحة الثالثة من فضائحه قوله في التوبة لانها لا تصح مع ذنب مع الاصرار على قبيح آخر يعلمه قبيحا او يعتقده قبيحا وان كان حسنا وزعم ايضا ان التوبة من الفضائح لا تصح مع الاصرار على منع حبة تجب عليه وعول فيه على دعواه في الشاهد ان من قتل ابنا لغيره وزنى بحرمته يحسن منه قبوله توبة من احد الذنبين مع اصراره على الآخر وهذه دعوى غير مسلمة له في الشاهد بل يحسن في الشاهد قبوله التوبة من ذنب مع العقاب على الآخر كالإمام يعقه ابنه ويسرق أموال الناس ويزنى بجواريه ثم يعتذر الى أبيه في العقوق فيقبل توبته في العقوق عقوقه وفيما خانه فيه من ماله ويقطع يده في مال غيره ويجلده في الزنى.

     ومما عول عليه في هذا الباب قوله أنما وجب عليه ترك القبيح لقبحه فاذا اصر على قبح آخر لم يكن تاركا للقبح المتروك من أجل قبحه.

     وقلنا له ما تنكر ان يكون وجوب ترك القبيح لازالة عقابه عن نفسه فيصح خلاصه من عقاب ما تاب عنه وان عوقب على مال يتب عنه ؟

     وقلنا له اكثر ما فى هذا الباب أن يكون التائب عن بعض ذنوبه قد ناقض وتاب عن ذنبه لقبحه وأصر على قبيح آخر فلم لا تصح توبته من الذى تاب منه كما أن الخارجي وغيره ممن يعتقد اعتقادات فاسدة وعنده انها حسنة يصح عندك من التوبة عن قبائح يعلم قبحها مع اصراره على قبائح قد اعتقد حسنها ويلزمك على أصلك هذا اذا قلت انه مأمور باجتناب كل ما اعتقده قبيحا أن تقول في الواحد منا اذا اعتقد قبح مذاهب أبى هاشم وزنى وسرق أن لا يصح توبته الا بترك جميع ما اعتقده قبيحا فيكون مأمورا باجتناب الزنى والسرقة وباجتناب مذاهب أبى هاشم كلها لاعتقاده قبحها.

     وقد سأله أصحابنا عن يهودى اسلم وتاب عن جميع القبائح غير انه أصر على منع حبة فضة من مستحقها عليه من غير استحلالها ولا جحود لها هل صحت توبته من الكفر فان قال نعم نقض اعتلاله وان قال لا عاند اجماع الامة.

     ومن قوله أنه لم يصح اسلامه وانه كافر على يهوديته التى كانت قبل توبته ثم انه لم تجر عليه احكام اليهود فزعم انه غير تائب من اليهودية بل هو مصر عليها وهو مع ذلك ليس يهوديا.

     وهذه مناقضة بينة وقيل له ان كان مصرا على يهوديته فأبح ذبيحته وخذ الجزية منه وذلك خلاف قول الامة.

     والفضيحة الرابعة من فضائحه قوله في التوبة ايضا إنها لا تصح عن الذنب بعد العجز عن مثله فلا يصح عنده توبة من خرس لسانه عن الكذب ولا توبة من جب ذكره عن الزنى.

     وهذا خلاف قول جميع الامة قبله وقيل له أرأيت لو اعتقد أنه لو كان له لسان وذكر لكذب وزنى كان ذلك من معصيته فاذا قال نعم قيل فكذلك اذا اعتقد انه لو كان له آلة الكذب والزنى لم يعص الله تعالى بهما وجب ان يكون ذلك من طاعة وتوبة.

     وكان ابو هاشم مع افراطه في الوعيد أفسق أهل زمانه وكان مصرا على شرب الخمر وقيل انه مات في سكره حتى قال فيه بعض المرجئة:

يعيب القول بالإرجاء حتى         يرى بعض الرجاء من الجرائر    

واعظم من ذوي الارجاء جرما         وعبدي كذا أصر على الكبائر         

     والفضيحة الخامسة من فضائحه قوله في الارادة المشروطة واصلها عنده قوله بانه لا يجوز أن يكون شىء واحد مرادا من وجه مكروها من وجه آخر والذى الجأه الى ذلك أن تكلم على من قال بالجهات في الكسب والخلق فقال لا تخلو الوجهة التى هى الكسب من أن تكون موجودة أو معدومة فان كان ذلك الوجه معدوما كان فيه إثبات شىء واحد موجودا ومعدوما وإن كان موجودا لم يخل من أن يكون مخلوقا أم لا فان كان مخلوقا ثبت أنه مخلوق من كل وجه وان لم يكن مخلوقا صار العقل قديما من وجه خلقا من وجه آخر وهذا محال فألزم على هذا كون الشىء مرادا من وجه مكروها من وجه آخر.

     وقيل له إن الإرادة عندك لا تتعلق بالشىء إلا على وجهة الحدوث وكذلك الكراهة فاذا كان مرادا من جهة مكروها من جهة أخرى وجب أن يكون المريد قد اراد ما اراد وكره ما اراد وهذا متناقض فقال لا يكون المريد للشىء مريدا له إلا من جميع وجوهه حتى لا يجوز أن يكرهه من وجه فألزم عليه المعلوم والمجهول اذ لا ينكر كون شىء واحد معلوما من وجه مجهولا من وجه آخر.

     ولما ارتكب قوله بأن الشىء الواحد لا يكون مرادا من جهة مكروها من جهة أخرى حلت على نفسه مسائل فيها هدم اصول المعتزلة وقد ارتكب اكثرها.

     منها انه يلزمه ان يكون من القبائح العظام ما لم يكرهه الله تعالى ومن الحسن الجميل مالم يرده وذلك انه اذا كان السجود لله تعالى عبادة عبادة الصنم مع ان السجود للصنم قبيح عظيم وكذلك اذا اراد أن يكون القول بأن محمدا رسول الله إخبارا عن محمد بن عبد الله وجب أن لا يكرهه ان يكون إخبارا عن محمد آخر مع كون ذلك كفرا ولزمه اذا كره الله تعالى ان يكون السجود عبادة للصنم ان لا يريد كونه عبادة لله تعالى مع كونه عبادة لله طاعة حسنة وركب هذا كله وذكر فى جامعه الكبير أن السجود للصنم لم يكرهه الله تعالى وأبى ان يكون الشىء الواحد مرادا مكروها من وجهين مختلفين وقال فيه أما ابو على يعنى أباه فانه يجيز ذلك وهو عندى غير مستمر على الاصول لأن الارادة لا تتناول الشىء إلا على طريق الحدوث عندنا وعنده فلو اراد حدوثه وكره لوجب ان يكون قد كره ما اراد اللهم إلا أن يكون له حدوثان.

وهذا الذى عول عليه على اصلنا باطل لان الارادة عندنا قد تتعلق بالمراد على وجه الحدوث وعلى غير وجه الحدوث وليس اما اباه ما ألزمه وله عن إلزامه جواب وقلب.

     اما الجواب فان اباه لم يرد بقوله إن الإرادة تتعلق بالشىء على وجه الحدوث ما ذهب اليه أبو هاشم وانما أراد بذلك انها تتعلق به فى حال حدوثه بحدوثه او بصفة يكون عليها فى حال الحدوث مثل أن يريد حدوثه ويريد كونه طاعة لله تعالى وهى صفة عليها يكون فى حال الحدوث وهذا كقولهم إن الأمر والخبر لا يكونان امرا وخبرا إلا بالارادة إما إرادةالمأمور به على أصل أبى هاشم وغيره او إرادة كونه امرا وخبرا كما قاله ابن الاخشيد منهم لأن الله تعالى قد قال {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن} وقد اراد حدوث كلامه وأراد الأيمان منهم وليس قولهم فليؤمن مع ذلك امرا بل هو تهديد لأنه لم يرد كون هذا القول امرا وكذلك الخبر لا يكون خبرا عندهم وحتى يريد كونه خبرا عن زيد دون عمرو مع أن هذا السبب بإرادة لحدوث الشىء وبان بهذا أن كراهة الله تعالى ان يكون السجود عبادة للصنم غير ارادته لحدوثه فلم يلزم ما ذكره ابو هاشم من كونه مرادا من الوجه الذى كرهه.

     ووجه القلب عليه أن يقال إن الله تعالى قد نهى عن السجود للصنم وقد نص عليه وقد 2 ثبت من أصل المعتزلة أن الله تعالى لا يأمر إلا بحدوث الشىء ولا ينهى إلا عن حدوثه وقد ثبت أنه أمر بالسجود عبادة له فيلزمه ان يكون قد نهى عنه من الوجه الذى امر به لانه لا ينهى الا عن إحداث الشىء وليس للسجود الا حدوث واحد ولو كان له حدوثان لزمه أن يكون محدثا من وجه غير محدث من وجه آخر فلزمه فى الامر والنهى ما ألزم إياه والتجار فى الارادة والكراهة.

     والفضيحة السادسة من فضائحه قوله بالاحوال التى كفره فيها مشاركوه فى الاعتزال فضلا عن سائر الفرق والذى ألجأه اليها سؤال أصحابنا قدماء المعتزلة عن العالم منا هل فارق الجاهل بما علمه لنفسه او لعلة وأبطلوا مفارقته إياه لنفسه مع كونهما من جنس واحد وبطل ان تكون مفارقته إياه لا لنفسه ولا لعلة لانه لا يكون حينئذ بمفارقته له أولى من آخر سواه فثبت أنه إنما فارقه فى كونه عالما لمعنى ما ووجب ايضا ان يكون لله تعالى فى مفارقة الجاهل معنى او صفة بها فارقه فزعم أنه إنما فارقه لحال كان عليها فأثبت الحال فى ثلاثة مواضع أحدها الموصوف الذى يكون موصوفا لنفسه فاستحق ذلك الوصف لحال كان عليها والثانى الموصوف بالشىء لمعنى صار مختصا بذلك المعنى لحال والثالث ما يستحقه لا لنفسه ولا لمعنى فيختص بذلك الوصف دون غيره عنده لحال وأحوجه الى هذا سؤال معمر فى المعانى لما قال إن علم زيد اختص به دون عمر ولنفسه او لمعنى اولا لنفسه اولا لمعنى فان كان لنفسه وجب ان يكون لجميع العلوم به اختصاص لكونها علوما وان كان لمعنى صح قول معمر فى تعلق كل معنى بمعنى لا الى نهاية وان كان لا لنفسه ولا لمعنى لم يكن اختصاصه به أولى من اختصاصه بغيره وقال ابو هاشم انما اختص به لحال.

     وقال اصحابنا ان علم زيد اختص به لعينه لا لكونه علما ولا لكون زيدكما تقول ان السواد سواد لعينه لا لان له نفسا وعينا.

     ثم قالوا لابى هاشم هل تعلم الاحوال اولا تعلمها فقال لا من قبل انه لو قال انها معلومة لزمه اثباتها اشياء اذ لا يعلم عنده إلا ما يكون شيئا ثم ان لم يقل بانها احوال متغايرة لان التغاير إنما يقع بين الاشياء والذوات ثم انه لا يقول فى الاحوال انها موجودة ولا انها معدومة ولا انها قديمة ولا محدثة ولا معلومة ولا مجهولة ولا تقول انها مذكورة مع ذكره لها بقوله انها غير مذكورة وهذا متناقض.

     وزعم ايضا ان العالم له فى كل معلوم حال لا يقال فيها انها حالة مع المعلوم الآخر ولاجل هذا زعم ان احوال البارى عز وجل فى معلوماته لا نهاية لها وكذلك احواله فى مقدوراته لا نهاية لها كما ان مقدوراته لا نهاية لها.

     وقال له اصحابنا ما انكرت ان يكون لمعلوم واحد احوال بلا نهاية لصحة تعلق المعلوم بكل عالم يوجد لا الى نهاية وقالوا له هل احوال البارى من عمل غيره ام هى هو فاجاب بانها لا هى هو ولا غيره فقالوا له فلم انكرت على الصفاتية قولهم فى صفات الله عز وجل فى الازل انها لا هى ولا غيره.

     والفضيحة السابعة من فضائحه قوله نبغى جملة من الأعراض التى اثبتها اكثر مثبتى الأعراض كالبقاء والإدراك والكدرة والألم والشك وقد زعم ان الألم الذى يلحق الانسان عند المصيبة والألم الذى يجده عند شرب الدواء الكريه ليس بمعنى اكثر من ادراك ما ينفر عنه الطبع والادراك ليس بمعنى عنده ومثله ادراك جواهر اهل النار وكذلك اللذات عنده ليست بمعنى ولا هى اكثر من ادراك المشتهى والادراك ليس بمعنى وقال فى الألم الذى يحدث عند الوباء إنه معنى كالألم عند الضرب واستدل على ذلك بانه واقع تحت الحسن وهذا من عجائبه لأن ألم الضرب بالخشب والألم بسعوط الخردل والتلدع بالنار وشرب الصبر سواء فى الحسن ويلزمه اذا نفى كون الملذة معنى ألا يزيد لذات اهل الثواب فى الجنة على لذات الاطفال التى نالوها بالفضل لاستحالة ان يكون لا شىء اكثر من لا شىء وقد قال ان اللذة فى نفسها نفع وحسن فاثبت نفعا وحسنا ليس بشىء وقال كل ألم ضرر وجاء من هذا ان الضرر ما ليس شىء عنده.

     والفضيحة الثامنة من فضائحه قوله فى باب الفناء ان الله تعالى لا يقدر على ان يفنى من العالم ذرة مع بقاء السماوات والارض وبناه على اصله فى دعواه ان الاجسام لا تفنى الا بفناء يخلقه الله تعالى لا فى محل يكون ضدا لجميع الاجسام لأنه لا يختص ببعض الجواهر دون بعض اذ ليس هو قائما بشىء منها فاذا كان ضدا لها نفاها كلها وحسبه من الفضيحة فى هذا قوله بأن الله يقدر على إفناء جملة لا يقدر على افناء بعضها.

     والفضيحة التاسعة قوله بأن الطهارة غير واجبة والذى الجأه الى ذلك ان سأل نفسه عن الطهارة بماء مغصوب على قوله وقول ابيه بأن الصلاة فى الارض المغصوبة فاسدة واجاب بأن الطهارة بالماء المغصوب صحيحة وفرق بينها وبين الصلاة فى الدار المغصوبة بأن قال ان الطهارة غير واجبة وانما امر الله تعالى العبد بأن يصلى اذا كان متطهرا ثم استدل على ان الطهارة غير واجبة بان غيره لو طهره مع كونه صحيحا اجزاه ثم انه طرد هذا الاعتلال فى الحج فزعم ان الوقوف والطوف والسعى غير واجب فى الحج لان ذلك كله مجزيه اذا اتى به راكبا ولزمه على هذا الاصل ألا تكون الزكاة واجبة ولا الكفارة والنذور وقضاء الديون لان وكيله ينوب عنه فيها وفى هذا ارفع احكام الشريعة.

     وبان بما ذكرناه فى هذا الفصل تكفير زعماء المعتزلة بعضها لبعض واكثرهم يكفرون اتباعهم المقلدين لهم ومثلهم فى ذلك كما قاله الله تعالى {فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون} واما مثل اتباعهم معهم فقول الله تعالى {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا}.

     ومن مكابرات زعمائهم مكابرة النظام فى الطفرة وقوله بأن الجسم يصير من المكان الاول الى الثالث او العاشر من غير ضرورة بالوسط ومكابرة اصحاب التوالد منهم فى دعواهم ان الموتى يقتلون الاحياء على الحقيقهومكابرة جمهورهم في دعواهم ان الذى يقدر على ان يرتفع من الارض شبرا قادر على ان يرتفع فوق السماوات السبع وان المقيد المغلول يداه قادر على صعوده الى السماء وان البقه الصغيرة تقدر على شرب القران كذا بمثله وبما هو افصح منه.

     وزعم المعروف منهم بقاسم الدمشقى أن حروف الصدق هى حروف الكذب وان الحروف التى فى قول القائل لا أله إلا الله هى التى فى قول من يقول المسيح اله وان الحروف التى فى القران هى التي فى كتاب زردشت المجوس باعيانها لا على معنى انها مثلها ومن لم يعد هذه الوجوه مكابرات للعقول لم يكن له ان يعد انكار السوفسطائية للمحسوسات مكابرة.

     وقد حكى أصحاب المقالات ان سبعة من زعماء القدرية اجتمعوا فى مجلس وتكلموا فى قدرة الله تعالى على الظلم والكذب وافترقوا عن تكفير كل واحد منهم لسائرهم.

     وذلك ان قائلا منهم قال للنظام فى ذلك المجلس هل يقدر الله تعالى على ما وقع منه لكان جورا وكذبا منه فقال لو قدر عليه لم ندر لعله قد جار اوكذب فيما مضى او يجوز ويكذب فى المستقبل او جار فى بعض اطراف الارض ولم يكن لنا من جوره وكذبه امان الا من جهة حسن الظن به قال ما دليل يؤمننا من وقوع ذلك منه فلا سبيل اليه فقال له علي الاسوارى يلزمك على هذا الاعتلال ان لا يكون قادرا على ما علم انه لا يفعله أو أخبر بانه لا يفعله لانه لو قدر على ذلك لم يأمن وقوعه منه فيما مضى او فى المستقبل فقال النظام هذا الالزام فما قولك فيه فقال أنا أسوى بينهما وأقول انه لا يقدر على ما علم ان لا يفعله او اخبر بانه لا يفعله كما أقول أنا وأنت انه لا يقدر على الظلم والكذب فقال النظام للاسوارى قولك الحاد وكفر وقال أبو الهذيل للاسوارى ما تقول فى فرعون ومن علم الله تعالى منهم انهم لا يؤمنون هل كانوا قادرين على الايمان أم لا فان زعمت انهم لم يقدروا عليه فقد كلفهم الله تعالى ما لم يطيقوه وهذا عندك كفر وان قلت انهم كانوا قادرين عليه فما يؤمنك من ان يكون قد وقع من بعضهم ما علم الله تعالى ان لا يقع او اخبر بانه لا يقع منه على قول اعتلالك واعتلال النظام انكار كما انكر قدرة الله تعالى على الظلم والكذب فقال لابى الهذيل هذا الالزام لنا فما جوابك عنه فقال انا أقول ان الله تعالى قادر على ان يظلم ويكذب وعلى ان يفعل ما علم انه لا يفعله فقالا له أرأيت لو فعل الظلم والكذب كيف يكون مكنون حال الدلائل التى دلت على ان الله تعالى لا يظلم ولا يكذب فقال هذا محال فقالا له كيف يكون المحال مقدورا لله تعالى ولم احلت وقوع ذلك منه مع كونه مقدورا له فقال لانه لا يقع الا عن آفة تدخل عليه ومحال دخول الافات على الله تعالى فقالا له ومحال ايضا ان يكون قادرا على ما يقع منه الا عن آفة تدخل عليه فبهت الثلاثة فقال لهم بشر كل ما انتم فيه تخليط فقال له أبو الهذيل فما تقول أنت تزعم ان الله تعالى يقدر ان يعذب الطفل ام تقول هذا يقول هذا يعنى النظام فقال أقول بانه قادر على ذلك فقال أرأيت لو فعل ما قدر عليه من تعذيب الطفل ظالما له فى تعذيبه لكان الطفل بالغا عاقلا عاصيا مستحقا للعقاب الذي اوقعه الله تعالى به وكانت الدلائل بحالها فى دلالتها على عدله فقال له ابو الهذيل سخنت عينك كيف تكون عبادة لا تفعل ما تقدر عليه من الظلم فقال له المردار انك قد انكرت على استاذى فكرا وقد غلط الاستاذ فقال له بشر فكيف تقول قال اقول ان الله تعالى قادر على الظلم والكذب ولو فعل ذلك لكان الها ظالما كاذبا فقال له بشر فهل كان مستحقا للعبادة ام لا فان استحقها فالعبادة شكر للمعبود واذا ظلم استحق الذم لا الشكر وان لم يستحق العبادة فكيف يكون ربا لا يستحق العبادة فقال لهم الاشبح انا أقول انه قادر على ان يظلم ويكذب ولو ظلم وكذب لكان عادلا كما انه قادر على ان يفعل ما علم انه لا يفعله علم لو فعله كان عالما بان يفعله فقال له الاسكافى كيف ينقلب الجور عدلا فقال كيف تقول انت فقال أقول لو فعل الجور والكذب ما كان الفعل موجودا وكان ذلك واقعا لمجنون أو منقوص فقال له جعفر بن حرب كانك تقول ان الله تعالى انما يقدر على ظلم المجانين ولا يقدر على ظلم العقلاء فافترق القوم يومئذ عن انقطاع كل واحد منهم ولما انتهت نوبة الاعتزال الى الجبائى وابنه امسكا عن الجواب فى هذه المسألة بنصح

     وقد ذكر بعض أصحاب أبى هاشم فى كتابه هذه المسألة فقال من قال لنا ايصح وقوع ما يقدر الله تعالى عليه من الظلم والكذب قلنا له يصح ذلك لانه لو لم يصح وقوعه منه ما كان قادرا عليه لان القدرة على المحال محال فان قال أفيجوز وقوعه منه قلنا لا يجوز وقوعه منه لقبحه وغناه عنه وعلمه بغناه عنه فان قال أخبرونا لو وقع مقدوره من الظلم والكذب كيف كان يكون حاله فى نفسه هل كان يدل وقوع الظلم منه على جهله او حاجته قلنا محال ذلك لانا قد علمناه عالما غنيا فان قال فلو وقع منه الظلم والكذب هل كان يجوز ان يقال ان ذلك لا يدل على جهله وحاجته قلنا لايوصف بذلك لانا قد عرفنا دلالة الظلم على جهل فاعله او حاجته فان قال فكانكم لا تجيبون عن سؤال من سألكم عن دلالة وقوع الظلم والكذب ممن على جهل وحاجة باثبات ولا نفى قلنا كذلك تقول.

     فهؤلاء زعماء قدرية عصرنا قد اقروا بعجزهم وعجز أسلافهم عن الجواب فى هذه المسألة ولو وفقوا للصواب فيها لرجعوا الى قول أصحابنا بان الله قادر على كل مقدور وان كل مقدور له لو وقع منه لم يكن ظلما منه ولو احالوا الكذب عليه كما أحاله أصحابنا لتخلصوا عن الالزام الذى توجه عليهم فى هذه المسألة.

     وكان الجبائى يعتذر فى امتناعه عن الجواب فى هذه المسألة بنعم او لا بان يقول مثال هذا ان قائلا لو قال اخبرونى عن النبى لو فعل الكذب لكان يدل على انه ليس بنبى او لا يدل على ذلك وزعم ان الجواب فى ذلك مستحيل وهذا ظن منه على اصله فاما على أصل أهل السنة فان النبى كان معصوما عن الكذب والظلم ولم يكن قادرا عليهما والمعتزلة غير النظام والاسوارى قد وصفوا الله تعالى بالقدرة على الظلم والكذب فلزمهم الجواب عن سؤال من سألهم عن وقوع مقدوره منهما هل يدل على الجهل والحاجة أولا يدل على ذلك بنعم اولا وأيهما أجابوا به نقضوا به أصولهم.

     والحمد لله الذى أنقذنا من ضلالتهم المؤدية الى مناقضاتهم