الباب الثالث: الفصل الرابع: في بيان الفرق المرجئة وتفصيل مذاهبهم

   الفصل الرابع من فصول هذا الباب

في بيان الفرق المرجئة وتفصيل مذاهبهم

     والمرجئة ثلاثة أصناف:

     صنف منهم قالوا بالارجاء فى الايمان وما يقدر على مذاهب القدرية المعتزلة كغيلان وأبى شمر ومحمد ابن أبي شبيب البصرى وهؤلاء داخلون فى مضمون الخبر الوارد فى لعن القدرية والمرجئة يستحقون اللعنة من وجهين وصنف منهم قالوا بالارجاء بالايمان وبالخبر فى الاعمال على مذهب جهم ابن صفوان فهم اذا من جملة الجهمية والصنف الثالث منهم خارجون عن الخبر والقدرية وهم فيما بينهم خمس فرق اليونسية 2 والغسانية والثوبانية والتومنية والمريسية وانما سموا مرجئة لانهم أخروا العمل عن الايمان والارجاء بمعنى التأخير يقال ارجيت وارجائه اذا اخرته وروى عن النبى انه قال لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا قيل من المرجئة يا رسول الله قال الذين يقولون الايمان كلام يعنى الذين زعموا ان الايمان هو اقرار وحده دون غيره والفرق الخمس التى ذكرناها من المرجئة تضل كل فرقة منها اختها ويضللها سائر الفرق وسنذكرها على التفصيل ان شاء الله عز وجل.

      ذكر اليونسية منهم :

     هؤلاء اتباع يونس بن عون الذى زعم ان الايمان فى القلب واللسان وانه هو المعرفة بالله تعالى والمحبة والخضوع له بالقلب والإقرار باللسان أنه واحد ليس كمثله شىء مالم تقم حجة الرسل عليهم السلام فان قامت عليهم حجتهم بالتصديق لهم ومعرفة ما جاء من عندهم في الجملة من الايمان وليست معرفة تفصيل ما جاء من عندهم أيمانا ولا من جملته وزعم هؤلاء أن كل خصلة من خصال الايمان ليست بأيمان ولا بعض إيمان ومجموعها ايمان.

      ذكر الغسانية منهم:

     هؤلاء اتباع غسان المرجىء الذى زعم أن الايمان هو الإقرار او المحبة لله تعالى وتعظيمه وترك الاستكبار عليه وقال انه يزيد ولا ينقص وفارق اليونسية بأن سمى كل خصلة من الأيمان بعض الأيمان وزعم غسان هذا فى كتابه ان قوله فى هذا الكتاب كقول أبى حنيفة فيه وهذا غلط منه عليه لأن أبا حنيفة قال إن الايمان هو المعرفة والاقرار بالله تعالى وبرسله وبما جاء من الله تعالى ورسله فى الجملة دون التفصيل وانه لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه وغسان قد قال بأنه يزيد ولا ينقص.

      ذكر التومنية منهم:

     هؤلاء اتباع أبى معاذ التومنى الذى زعم ان الايمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال من تركها أو ترك خصلة منها كفر ومجموع تلك الخصال إيمان ولا يقال للخصلة منها أيمان ولا بعض أيمان.

     وقال كل ما لم تجتمع الامة على كفره بتركه من الفرائض فهو من شرع الأيمان وليس بأيمان.

     وزعم ان تارك الفريضة التى ليست بأيمان يقال له فسق ولا يقال له فاسق على الاطلاق اذا لم يتركها جاحدا.

     وزعم ايضا أن من لطم نبيا او قتله كفر لا من أجل لطمه وقتله لكن من أجل عداوته وبغضه له واستخفاقه بحقه     

      ذكر الثوبانية منهم:

     هؤلاء اتباع أبى ثوبان المرجىء الذى زعم ان الايمان هو الإقرار والمعرفة بالله وبرسله وبكل ما يجب فى العقل فعله وما جاز فى العقل ان لا يفعل فليست المعرفة من الايمان.

     وفارقوا اليونسية والغسانية بإيجابهم فى العقل شيئا قبل ورود الشرع بوجوبه.    

      ذكر المريسية منهم:

     هؤلاء مرجئة بغداد من أتباع بشر المريسى وكان فى الفقه على رأى أبى يوسف القاضى غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف وضللته الصفاتية فى ذلك ولما وافقوا الصفاتية فى القول بان الله تعالى خالق اكساب العباد وفى ان الاستطاعة مع الفعل اكفرته المعتزلة فى ذلك فصار مهجور الصفاتية والمعتزلة معا.

     وكان يقول فى الايمان انه هو التصديق بالقلب واللسان جميعا كما قال ابن الروندى فى ان الكفر هو الجحد والانكار وزعما ان السجود للصنم ليس بكفر ولكنه دلالة على الكفر.

     فهؤلاء الفرق الخمس هم المرجئة الخارجة عن الخبر والقدر واما المرجئة القدرية كأبى شمر وابن شبيب وغيلان وصالح قبة فقد اختلفوا فى الايمان.

     فقال أبو شمر الايمان هو المعرفة والاقرار بالله تعالى وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه الامة كالصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ووطء المحارم ونحو ذلك وما عرف بالعقل من عدل الايمان وتوحيد ونفى التشبيه عند وأراد بالعقل قوله بالقدر وأراد بالتوحيد نفيه عن الله تعالى صفاته الأزلية.

     قال كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر والشاك فى الشاك أيضا كافر ثم كذلك أبدا وزعم أن هذه المعرفة لا تكون ايمانا الا مع الاقرار.

     وكان أبو شمر مع بدعته هذه لا يقول لمن فسق من موافقيه في القدر انه فاسق مطلقا ولكنه كان يقول إنه فاسق فى كذا.

     وهذه الفرقة عند أهل السنة والجماعة أكفر أصناف المرجئة لانها جمعت بين ضلالتى القدر والارجاء والعدل الذى أشار اليه أبو شمر شرك على الحقيقة لانه اراد به اثبات خالقين كبيرين غير الله تعالى وتوحيده الذى اشار اليه تعطيل لانه اراد به نفى علم الله تعالى وقدرته ورؤيته وسائر صفاته الازلية وقوله فى مخالفيه إنهم كفرة وان الشاك فى كفرهم كافر مقابل بقول أهل السنة فيه إنه كافر وان الشاك فى كفره كافر.

     وكان غيلان القدرى يجمع بين القدر والارجاء ويزعم أن الايمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى والمحبة والخضوع والإقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من الله تعالى.

     وزعم ان المعرفة الاولى اضطرار وليس بايمان.

     وحكى زرقان فى مقالاته عن غيلان أن الايمان هو الاقرار باللسان وان المعرفة بالله تعالى ضرورية فعل الله تعالى وليست من الايمان.

     وزعم غيلان أن الايمان لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه وزعم محمد بن شبيب أن الايمان هو الاقرار بالله والمعرفة برسله وبجميع ما جاء من عند الله تعالى مما نص عليه المسلمون من الصلاة والزكاة والصيام والحج وكل ما لم يختلفوا فيه.

     وقال ان الايمان يتبعض ويتفاضل الناس فيه والخصلة الواحدة من الايمان قد تكون بعض الايمان وتاركها يكفر بترك بعض الايمان ولا يكون مؤمنا باصابة كله.

     وزعم الصالحى أن الايمان هو المعفرقة بالله تعالى فقط والكفر هو الجهل به فقط وأن قول القائل ان الله تعالى ثالث ثلاثة ليس بكفر لكنه لا يظهر الا من كافر ومن جحد الرسل لا يكون مؤمنا لا من أجل أن ذلك محال لكن الرسول قال {من لا يؤمن بى فليس مؤمنا بالله تعالى}.

     وزعم ان الصلاة والزكاة والصيام والحج طاعات وليست بعبادة لله تعالى وأن لا عبادة له الا الايمان به وهو معرفته والايمان عنده خصلة واحدة لا تزيد ولا تنقص وكذلك الكفر خصلة واحدة.

     فهذه اقوال المرجئة فى الايمان الذى تأخيرهم الاعمال عن الايمان سموا مرجئة.