الباب الثالث: الفصل الخامس: فى ذكر مقالات الفرق النجارية

   الفصل الخامس

فى ذكر مقالات الفرق النجارية

     هؤلاء اتباع الحسين بن محمد النجار، وقد وافقوا أصحابنا فى أصول ووافقوا القدرية فى اصول وانفردوا باصول لهم.

     فالذى وافقوا فيه أصحابنا قولهم معنا بان الله تعالى خالق اكساب العباد وأن الاستطاعة مع الفعل وانه لا يحدث فى العالم الا ما يريده الله تعالى.

     ووافقونا ايضا فى أبواب الوعيد وجواز المغفرة لاهل الذنوب وفى اكثر أبواب التعديل والتحوبر.

     وأما الذى وافقوا فيه القدرية فنفى علم الله تعالى وقدرته وحياته وسائر صفاته الازلية وإحالة رؤيته بالابصار والقول بحدوث كلام الله تعالى.

     واكفرتهم القدرية فيما وافقوا فيه أصحابنا وأكفرهم أصحابنا فيما وافقوا فيه القدرية.

     والذى يجمع النجارية فى الايمان قولهم بان الايمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسله وفرائضه التى أجمع عليها المسلمون والخضوع له والإقرار باللسان فمن جهل شيئا من ذلك بعد قيام الحجة به عليه او عرفه ولم يقر به فقد كفر.

     وقالوا كل خصلة من خصال الأيمان طاعة وليست بايمان ومجموعها ايمان وليست خصلة منها عند الانفراد ايمانا ولا طاعة.

     وقالوا ان الايمان يزيد ولا ينقص.

     وزعم النجار أن الجسم اعراض مجتمعة وهى الأعراض التى لا ينفك الجسم عنها كاللون والطعم والرائحة وسائر مالا يخلو الجسم منه ومن ضده فأما الذى يخلو الجسم منه ومن ضده كالعلم والجهل ونحوهما فليس شىء منها بعضا للجسم.

     وزعم ايضا ان كلام الله تعالى عرض اذا قرىء وجسم اذا كتب وانه لو كتب بالدم صار ذلك الدم المقطع قطيع حروف الكلام كلاما لله تعالى بعد ان لم يكن كلاما حين كان دما مسفوحا فهذه اصول النجارية.

     وافترقوا بعد هذا فيما بينهم فى العبادة عن خلق القرآن وفى حكم أقوال مخالفيهم فرقا كبيرة كل فرقة منها تكفر سائرها والمشهورون منها ثلاث فرق وهى البرغوثية والزعفرانية والمستدركة من الزعفرانية.

      ذكر البرغوثية منهم:

     هؤلاء اتباع محمد بن عيسى الملقب ببرغوث وكان على مذهب النجار فى اكثر مذاهبه وخالفه فى تسمية المكتسب فاعلا فامتنع منه واطلقه النجار وخالفه فى تسمية المكتسب فاعلا فامتنع منه واطلقه النجار وخالفه ايضا فى المتوالدات فزعم انها فعل لله تعالى بايجاب الطبع على معنى ان الله تعالى طبع الحجر طبعا يذهب إذا وقع وطبع الحيوان طبعا يألم اذا ضرب وقال النجار فى المتولدات بمثل قول اصحابنا فيها انها من فعل الله تعالى باختيار لا من طبع الجسم الذى سموه مولدا.    

      ذكر الزعفرانية منهم:

     هؤلاء اتباع الزعفرانى الذى كان بالرى وكان يناقض بآخر كلامه اوله فيقول ان كلام الله تعالى غيره وكل ما هو غير الله تعالى مخلوق ثم يقول مع ذلك الكلب خير ممن يقول كلام الله مخلوق.

     وذكر بعض أصحاب التواريخ أن هذا الزعفرانى أراد أن يشهر نفسه فى الآفاق فأكترى رجلا على أن يخرج الى مكة ويسبه ويلعنه فى مواسم مكة ليشتهر ذكره عند حجيج الآفاق وقد بلغ حمق أتباعه بالرى أن قوما منهم لا يأكلون العنجد حرمة للزعفرانى ويزعمون انه كان يحب ذلك وقالوا لا نأكل محبوبه.

          ذكر المستدركة منهم:

     هؤلاء قوم من النجارية يزعمون انهم استدركوا ما خفى على اسلافهم لان اسلافهم منعوا اطلاق القول بأن القرآن مخلوق وزعمت المستدركة أنه مخلوق ثم افترقوا فيما بينهم فرقتين:

(1)        فرقة زعمت أن النبى عليه السلام قد قال ان كلام الله مخلوق على ترتيب هذه الحروف ولكنه اعتقد ذلك بهذه اللفظة على ترتيبه حروفها ومن لم يقل إن النبى عليه السلام قال ذلك على ترتيب هذه الحروف فهو كافر.

(2)        وقالت الفرقة الثانية منهم إن النبى عليه السلام لم يقل كلام الله مخلوق على ترتيب هذه الحروف ولكنه اعتقد ذلك ودل عليه ومن زعم أنه قال إن كلام الله مخلوق بهذه اللفظة فهو كافر.

     ومن هؤلاء المستدركة قوم بالرى يزعمون أن أقوال مخالفيهم كلها كذب حتى لو قال الواحد منهم فى الشمس انها شمس لكان كاذبا فيه.

     قال عبد القاهر ناظرت بعض هذه الطائفة بالرى فقلت له اخبرنى عن قولى لك أنت إنسان عاقل مولود من نكاح لا من سفاح هل أكون صادقا فيه فقال أنت كاذب فى هذا القول فقلت له أنت صادق فى هذا الجواب فسكت خجلا والحمد لله على ذلك