الباب الرابع: في بيان الفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منها

الباب الرابع من ابواب هذا الكتاب

في بيان الفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منها

     الكلام فى هذا الباب يدور على اختلاف المتكلمين فيمن يعد من امة الاسلام وملته وقد ذكرنا قبل هذا ان بعض الناس زعم ان اسم ملة الاسلام واقع على كل مقر بنبوة محمد وان كل ما جاء به حق كائنا قوله بعد ذلك ما كان وهذا اختبار الكعبى فى مقالته وزعمت الكرامية ان اسم امة الاسلام واقع على كل من قال لا اله الا الله محمد رسول الله سواء أخلص فى ذلك واعتقد خلافه وهذان الفريقان يلزمهما ادخال العيسوية من اليهود والشاذكانية منهم فى ملة الاسلام لانهم يقولون لا اله الا الله محمد رسول الله ويزعمون ان محمدا كان مبعوثا الى العرب وقد أقروا بان ما جاء به حق.

     وقال بعض فقهاء اهل الحديث اسم امة الاسلام واقع على كل من اعتقد وجوب الصلوات الخمس إلى الكعبة.

     وهذا غير صحيح لان اكثر المرتدين الذين ارتدوا باسقاط الزكاة فى عهد الصحابة كانوا يرون وجوب الصلاة الى الكعبة وانما ارتدوا باسقاط وجوب الزكاة وهم المرتدون من بنى كنده وتميم.

     فاما المرتدون من بنى حنيفة وبنى اسعد فانهم كفروا من وجهين احدهما اسقاط وجوب الزكاة والثانى دعواهم نبوة مسيلمة وطليحة واسقط بنو حنيفة وجوب صلاة الصبح وصلاة المغرب فازدادوا كفرا على كفر.

     والصحيح عندنا ان اسم ملة الاسلام واقع على كل من أقر بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وانه عادل حكيم مع نفى التشبيه والتعطيل عنه وأقر مع ذلك بنبوة جميع انبيائه وبصحة نبوة محمد ورسالته الى الكافة وبتأييد شريعته وبأن كل ما جاء به حق وبأن القرآن منبع احكام شريعته وبوجوب الصلوات الخمس الى الكعبة وبوجوب الزكاة وصوم رمضان وحج البيت على الجملة فكل من أقر بذلك فهو داخل في اهل ملة الاسلام وينظر فيه بعد ذلك فان لم يخلط ايمانه ببدعة شنعاء تؤدى الى الكفر فهو الموحد السنى وان ضم الى ذلك بدعة شنعاء نظر:

     فان كان على بدعة الباطنية او البيانية أو المغيرية أو المنصورية أو الجناحية أو السبابية أو الخطابية من الرافضة أو كان على دين الحلولية أو على دين اصحاب التناسخ أو على دين الميمونية أواليزيدية من الخوارج أو على دين الحايطية أو الحمارية من القدرية أو كان ممن يحرم شيئا مما نص القرآن على إباحته باسمه أو أباح ما حرم القرآن باسمه فليس هو من جملة امة الاسلام.

     وان كانت بدعته من جنس بدع الرافضة الزيدية أو الرافضة الامامية أو من جنس بدع اكثر الخوارج او من جنس بدع المعتزلة أو من جنس بدع النجارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسمة من الامة كان من جملة امة الاسلام في بعض الاحكام وهو ان يدفن في مقابر المسلمين ويدفع اليه سهمه من الغنيمة إن غزا مع المسلمين ولا يمنع من دخول مساجد المسلمين ومن الصلاة فيها ويخرج في بعض الاحكام عن حكم امة الاسلام وذلك أنه لا تجوز الصلاة عليه ولا الصلاة على خلفه ولا تحل ذبيحته ولا تحل المرأة منهم للسنى ولا يصح نكاح السنية من احد منهم.

     والفرق المنتسبة الى الاسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الامة عشرون فرقة هذه ترجمتها:

     سبابية وبيانية وحربية ومغيرية ومنصورية وجناحية وخطابية وغرابية ومفوضية وحلولية واصحاب التناسخ وحايطية وحمادية ومقنعية ورزامية ويزيدية وميمونية وباطنية وحلاجية وعذاقرية واصحاب اباحة ربما انشعبت الفرقة الواحدة من هذه الفرق اصنافا كثيرة نذكرها على التفصيل في فصول مهدية ان شاء الله عز وجل.  

 {الفصل الاول من فصول هذا الباب}

فى ذكر قول السبئية وبيان خروجها عن ملة الاسلام

     السبئية اتباع عبد الله بن سبا الذى غلا في على رضى الله عنه وزعم انه كان نبيا ثم غلا فيه حتى زعم انه إله ودعا الى ذلك قوما من غواة الكوفة ورفع خبرهم الى على رضى الله عنه فامر باحراق قوم منهم في حفرتين حتى قال بعض الشعراء في ذلك:

لترم بى الحوادث حيث شاءت         إذا لم ترم بى في الحفرتين         

      ثم ان عليا رضى الله عنه خاف من احراق الباقين منهم شماتة اهل الشام وخاف اختلاف اصحابه عليه فنفى ابن سبا الى ساباط المدائن فلما قتل على رضى الله عنه زعم ابن سبا ان المقتول لم يكن عليا وإنما كان شيطانا تصور للناس في صورة على وان عليا صعد الى السماء كما صعد اليها عيسى بن مريم عليه السلام وقال كما كذبت اليهود النصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل على وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى كذلك القائلون بقتل على رأوا قتيلا يشبه عليا فظنوا انه على على قد صعد الى السماء وانه سينزل الى الدنيا وينتقم من أعدائه.

     وزعم بعض السبابية أن عليا في السحاب وان الرعد صوته والبرق صوته ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال عليك السلام يا أمير المؤمنين.

     وقد روى عن عامر بن شراحبيل الشعبى ان ابن سبا قيل له ان عليا قد قتل فقال إن جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته لا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الارض بحذافيرها.

     وهذه الطائفة تزعم ان المهدى المنتظر إنما هو على دون غيره وفي هذه الطائفة قال اسحاق بن سويد العدوى قصيدته برىء فيها من الخوارج والروافض والقدرية منها هذه الابيات:

برئت من الخوارج لست منهم         من الغزال منهم وابن باب    

ومن قوم اذا ذكروا عليا         يردون السلام على السحاب    

ولكنى أحب بكل قلبى         واعلم ان ذاك من الصواب    

رسول الله والصديق حبا         به أرجو غدا حسن الثواب    

     وقد ذكر الشعبى ان عبد الله بن السوداء كان يعين السبابية على قولها وكان ابن السوداء فى الاصل يهوديا من اهل الحيرة فاظهر الاسلام واراد ان يكون له عند اهل الكوفة سوق ورياسة فذكر لهم انه وجد في التوراة ان لكل نبى وصيا وان عليا وصي محمد وانه خير الاوصياء كما ان محمدا خير الانبياء فلما سمع ذلك منه شيعه على قالوا لعلى انه من محبيك فرفع على قدره واجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه عنه غلوه فيه فهم بقتله فنهاه ابن عباس عن ذلك وقال له ان قتلته اختلف عليك اصحابك وانت عازم على العود الى قتال اهل الشام وتحتاج الى مداراة اصحابك فلما خشى من قتله ومن قتل ابن سبا الفتنة التى خافها ابن عباس نفاهما الى المدائن فافتتن بهما الرعاع بعد قتل على رضى الله عنه وقال لهم ابن السوداء والله لينبعن لعلى في مسجد الكوفة عينان تفيض إحداهما عسلا والاخرى سمنا ويغترف منهما شيعته.

     وقال المحققون من أهل السنة ان ابن السوداء كان على هوى دين اليهود واراد ان يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في على واولاده لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى عليه السلام فانتسب الى الرافضة السبابية حين وجدهم أعرف أهل الاهواء في الكفر ودلس ضلالته في تأويلاته.

     قال عبد القاهر كيف يكون من فرق الاسلام قوم يزعمون أن عليا كان آلها او نبيا ولئن جاز ادخال هؤلاء فى جملة فرق الاسلام جاز ادخال الذين ادعوا نبوة مسيلمة الكذاب فى فرق الاسلام قلنا للسبابية ان كان مقتول عبد الرحمن بن ملجم شيطانا تصور للناس في صورة على فلم لعنتم ابن ملجم وهلا مدحتموه فإن قاتل الشيطان محمود على فعله غير مذموم به وقلنا لهم كيف يصح دعواكم ان الرعد صوت على والبرق صوته وقد كان صوت الرعد مسموعا والبرق محسوسا في زمن الفلاسفة قبل زمان الاسلام ولهذا ذكروا الرعد والبرق في كتبهم واختلفوا في علتهما ويقال لابن السوداء ليس على عندك وعند الذين تميل اليهم من اليهود اعظم رتبة من موسى وهارون ويوشع بن نون وقد صح موت هؤلاء الثلاثة ولم ينبع لهم من الارض عسل ولا سمن بحال نبوع الماء العذب من الحجر الصلد لموسى وقومه في التيه فما الذى عصم عليا من الموت وقد مات ابنه الحسين واصحابه بكر بلاء عطشا ولم ينبع لهم ماء فضلا عن عسل وسمن

 {الفصل الثانى من فصول هذا الباب}

في ذكر البيانية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

     هؤلاء اتباع بيان بن سمعان التميمى وهم الذين زعموا ان الامامة صارت من محمد بن الحنفية الى ابنه ابى هاشم عبد الله ابن محمد ثم صارت من ابى هاشم الى بيان بن سمعان بوصيته اليه

     واختلف هؤلاء في بيان زعيمهم.

     فمنهم من زعم انه كان نبيا وانه نسخ بعض شريعة محمد ومنهم من زعم انه كان إلها وذكر هؤلاء ان بيانا قال لهم ان روح الإله تناسخت فى الانبياء والائمة حتى صارت الى ابى هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية ثم انتقلت اليه منه يعنى نفسه فادعى لنفسه الربوبية على مذهب الحلولية وزعم ايضا انه هو المذكور فى القرآن فى قوله {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} وقال انا البيان وانا الهدى والموعظة.

     وكان يزعم أنه يعرف الاسم الاعظم وانه يهزم به العساكر وانه يدعو به الزهرة فتجيبه.

     ثم انه زعم ان الاله الازلى رجل من نور وانه يفنى كله غير وجهه وتأول على زعم قوله {كل شىء هالك الا وجهه} وقوله {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك}.

     ورفع خبر بيان هذا الى خالد بن عبد الله القشري فى زمان ولايته فى العراق فاحتال على بيان حتى ظفر به وصلبه وقال له ان كنت تهزم الجيوش بالاسم الذى تعرفه فاهزم به اعوانى عنك.

     وهذه الفرقة خارجة عن جميع فرق الاسلام لدعواها الاهية زعيمها بيان كما خرج عابدو الاصنام عن فرق الاسلام ومن زعم منهم ان بيانا كان نبيا فهو كمن زعم ان مسيلمة كان نبيا وكلا الفريقين خارجان عن فرق الاسلام ويقال للبيانية اذا جاز فناء بعض الاله فما المانع من فناء وجهه فاما قوله {كل شىء هالك الا وجهه} فمعناه راجع الى بطلان كل عمل لم يقصد به وجه الله عز وجل وقوله {ويبقى} معناه ويبقى ربك لانه قال بعده {ذو الجلال والاكرام} بالرفع على البدل من الوجه ولو كان الوجه مضافا الى الرب لقال ذى الجلال بخفض ذى لان نعت المخفوض يكون مخفوضا وهذا واضح فى نفسه والحمد لله.

 {الفصل الثالث}:

فى ذكر المغيرية من الغلاة وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

     هؤلاء اتباع المغيرة بن سعيد العجلى وكان يظهر في بدء امره مولاة الامامية ويزعم ان الامامة بعد على والحسن والحسين الى سبطه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن على وزعم انه هو المهدى المنتظر واستدل على ذلك بالخبر الذى ذكر ان اسم المهدى يوافق اسم النبى واسم ابيه يوافق اسم ابن النبى عليه السلام وقتله الرافضة على دعوته اياهم الى انتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن ابن على.

     ثم انه أظهر لهم بعد رياسته عليهم انواعا من الكفر الصريح.

     منها دعواه النبوة ودعواه علمه بالاسم الاعظم وزعم انه يحيى به الموتى ويهزم به الجيوش.

     ومنها افراطه فى التشبيه وذلك انه زعم ان معبوده رجل من نور على رأسه تاج من نور وله اعضاء وقلب ينبع منه الحكمة.

     وزعم ايضا ان اعضاءه على صور حروف الهجاء وان الالف منها مثال قدميه والعين على صورة عينه وشبه الهاء بالفرج.

     ومنها انه تكلم في بدء الخلق فزعم ان الله تعالى لما اراد ان يخلق العالم تكلم باسمه الاعظم فطار ذلك الاسم ووقع تاجا على رأسه وتأول على ذلك قوله {سبح اسم ربك الاعلى} وزعم ان الاسم الاعلى انما هو ذلك التاج ثم انه بعد وقوع التاج على رأسه كتب باصبعه على كفه اعمال عباده ثم نظر فيها فغضب من معاصيهم فعرق فاجتمع من عرقه بحران احدهما مظلم مالح والآخر عذب نير ثم اطلع في البحر فابصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عينى ظله فخلق منهما الشمس والقمر وافنى باقى ظله وقال لا ينبغى ان يكون معى إله غيرى ثم خلق الخلق من البحرين فخلق الشيعة من البحر العذب النير فهم المؤمنون وخلق الكفرة وهم اعداء الشيعة من البحر المظلم المالح.

     وزعم ايضا ان الله تعالى خلق الناس قبل اجسادهم فكان اول ما خلق فيها ظل محمد قال فذلك قوله {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} قال ثم ارسل ظل محمد الى أظلال الناس ثم عرض على السماوات والجبال ان يمنعن على بن ابى طالب من ظالميه فأبين ذلك فعرض ذلك على الناس فامر عمر ابا بكر ان يتحمل نصره على ومنعه من اعدائه وان يغدر به فى الدنيا وضمن له ان يعينه على القدرية على شرط ان يجعل له الخلافة بعده ففعل ابو بكر ذلك قال فذلك تأويل قوله {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}. فزعم ان الظلوم الجهول ابو بكر وتأول فى عمر قول الله تعالى {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك} والشيطان عنده عمر.

     وكان المغيرة مع ضلالاته التى حكيناها عنه يأمر أصحابه بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على وسمع خالد بن عبد الله القشرى يخبره وضلالاته فطلبه.

     [فلما قتل المغيرة بقى اتباعه على انتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن فلما اظهر محمد هذا دعوته بالمدينة بعث اليها ابو جعفر المنصور بصاحب جيشه عيسى بن موسى مع جيش كثيف فقتلوا محمدا بعد غلبته على مكة والمدينة وكان اخوه ابراهيم بن عبد الله قد غلب على ارض المغرب فاما محمد بن عبد الله بن الحسن فقتل بالمدينة فى الحرب واما ابراهيم بن عبد الله يسير الرحال واتباعه من المعتزلة وضمنوا له النصرة على جند المنصور فلما التقى الجمعان بناحمرى وهي على ستة عشر فرسخا من الكوفة قتل ابراهيم وانهزمت المعتزلة عنه ولحقه شؤمهم وتولى قتالهم من اصحاب المنصور عيسى بن موسى وسلم ابن قتيبة واما أخوه الرئيس فانه مات بارض المغرب وقيل انه سم وذكر بعض اصحاب التواريخ ان سليمان بن جرير الزيدي سمه ثم هرب الى العراق فلما قتل محمد ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن اختلف المغيرية فى المغيرة فهربت منه فرقة منهم ولعنوه وقالوا انه كذب فى دعواه ان محمد بن عبد الله بن الحسن هو المهدى الذى يملك الارض لانه قتل ولم يملك الارض ولا عشرها وفرقة ثبتت على موالاة المغيرة وقالت ان صدق فى ان محمد بن عبد الله بن الحسن هو المهدى المنتظر وانه لم يقتل بل هو فى جبل من جبال حاجز مقيم الى ان يؤمر بالخروج فاذا خرج عقدت له البيعة بمكة بين الركن والمقام ويحيى له سبعة عشر رجلا يعطى كل رجل منهم حرفا واحدا من حروف الاسم الاعظم فيهزمون الجيوش ويملكون الارض وزعم هؤلاء ان الذى قتله جند] المنصور بالمدينة انما كان شيطانا تمثل للناس بصورة محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن وهؤلاء يقال لهم المحمدية من الرافضة لانتظارهم محمد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن.

     وكان جابر الجعفي على هذا المذهب وادعى وصية المغيرة بن سعيد اليه بذلك فلما مات جابر ادعى بكر الاعور الهجرى القتات وصية جابر اليه وزعم انه لا يموت واكل بذلك اموال المغيرية على وجه السخرية منهم فلما مات بكر علموا انه كان كاذبا في دعواه فلعنوه.

     قال عبد القاهر كيف يعد في فرق الاسلام قوم شبهوا معبودهم بحروف الهجاء وادعوا نبوة زعيمهم لو كان هؤلاء من الامة لصح قول من يزعم ان القائلين بنبوة مسيلمة وطلحة كانوا من الامة.

     ويقال للمغيرية ان انكرتم قتل محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على وزعمتم ان المقتول كان شيطانا تصور فى صورته فبم تنفصلون ممن يزعم ان الحسين بن على واصحابه لم يقتلوا بكر بلاء بل غابوا وقتل شياطين تصوروا بصورتهم فانتظروا حسينا فانه اعلى رتبة من ابن اخيه محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن وانتظروا عليا ولا تصدقوا بقتله كما انتظرته السبابية فان عليا اجل من بنيه وهذا مالا انفصال لهم عنه.  

 {الفصل الرابع من هذا الباب}

فى ذكر الحربية وبيان خروجهم عن فرق الامة

     هؤلاء اتباع عبد الله بن عمر بن حرب الكندى وكان على دين البيانية في دعواها ان روح الاله تناسخت فى الانبياء والائمة الى ان انتهت الى ابى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ثم زعمت الحربية ان تلك الروح انتقلت من عبد الله بن محمد بن الحنفية الى عبد الله بن عمرو بن حرب وادعت الحربيه في زعيمها عبد الله بن عمرو بن حرب مثل دعوى البيانية فى بيان بن سمعان وكلتا الفرقتين كافرة بربها وليست من فرق الاسلام كما ان سائر الحلولية خارجة عن فرق الاسلام.

 {الفصل الخامس من هذا الباب}

فى ذكر المنصورية وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

     هؤلاء اتباع أبى منصور العجلى الذى زعم ان الامامة دارت فى اولاد على حتى انتهت الى ابى جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على المعروف بالباقر وادعى هذا العجلى انه خليفة الباقر ثم الحد فى دعواه فزعم انه عرج به الى السماء وان الله تعالى مسح بيده على رأسه وقال له يا بنى بلغ عنى ثم انزله الى الارض وزعم انه الكسف الساقط من السماء المذكور فى قوله {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم}.

     وكفرت هذه الطائفة بالقيامة والجنة والنار وتأولوا الجنة على نعيم الدنيا والنار على محن الناس فى الدنيا واستحلوا مع هذه الضلالة خنق مخالفيهم.

     واستمرت فتنتهم على عادتهم الى ان وقف يوسف ابن عمر الثقفى وأتى العراق فى زمانه على عورات المنصورية فاخذ ابا منصور العجلى وصلبه.

     وهذه الفرقة ايضا غير معدودة في فرق الاسلام لكفرها بالقيامة والجنة والنار.

 {الفصل السادس من هذا الباب}

فى ذكر الجناحية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

     هؤلاء اتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب وكان سبب اتباعهم له ان المغيرية الذين تبرءوا من المغيرة بن سعيد بعد قتل محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على خرجوا من الكوفة الى المدينة يطلبون اماما فلقيهم عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر فدعاهم الى نفسه وزعم انه هو الامام بعد على واولاده من صلبه فبايعوه على امامته ورجعوا الى الكوفة وحكوا لاتباعهم ان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر زعم انه رب وان روح الاله كانت فى آدم ثم في شيث ثم دارت للناس بتلك الصورة وزعموا ايضا ان كل مؤمن يوحى اليه وتأولوا على ذلك قول الله تعالى {وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله} اي بوحى منه اليه واستدلوا ايضا بقوله {وإذ أوحيت الى الحواريين} وادعوا في انفسهم انهم هم الحواريون وذكروا قول الله تعالى     وأوحى ربك الى النحل.

     وقالوا اذا جاز الوحى الى النحل فالوحى الينا اولى بالجواز وزعموا ايضا ان فيهم من هو افضل من جبريل وميكائيل ومحمد وزعموا ايضا انهم لا يموتون وان الواحد منهم اذا بلغ النهاية في دينه رفع الى الملكوت وزعموا انهم يرون المرفوعين منهم غدوة وعشية والفرقة الثالثة منهم عجرية اتباع عمير بن بيان العجلى قالوا بتكذيب الذين قالوا منهم انهم لا يموتون وقالوا انا نموت ولكن لا يزال خلف منا في الارض ائمة انبياء وعبدوا جعفرا وسموه ربا

     والفرقة الرابعة منهم مفضلية لانتسابهم الى رجل كان يقال له مفضل الصيرفى قالوا بالاهية جعفر دون نبوته وتبرءوا من ابى الخطاب لبراءة جعفر منه

     والفرقة الخامسة منهم خطابية مطلقة ثبتت على موالاة أبى الخطاب في دعاويه كلها وانكرت امامة من بعده قال عبد القاهر ان الباضية والمنصورية والجناحية والخطابية قد اكفروا أبا بكر وعمر وعثمان واكثر الصحابة باخراجهم عليا من الامامة في عصرهم وهم قد أخرجوا الامامة عن اولاد على في اعصار زعمائهم فيقال لهم اذا كان على في وقته اولى بالامامة من سائر الصحابة فهلا كان اولاده اولى بها من زعمائهم في اعصارهم وليس العجب من هؤلاء الضالين وانا العجب من علوية قتلوا هؤلاء مع استبدادهم دونهم بالامامة.

 {الفصل السابع من هذا الباب}

في ذكر الغرابية والمفوضية والذمية وبيان خروجهم عن فرق الامة

      الغرابية قوم زعموا ان الله عز وجل ارسل جبريل عليه السلام الى على فغلط فى طريقه فذهب الى محمد لانه كان يشبهه وقالوا كان اشبه به من الغراب بالغراب والذباب بالذباب وزعموا ان عليا كان الرسول واولاده بعده هم الرسل وهذه الفرقة تقول لاتباعها العنوا صاحب الريش يعنون جبريل عليه السلام وكفر هذه الفرقة اكثر من كفر اليهود الذين قالوا لرسول الله من يأتيك بالوحى من الله تعالى فقال جبريل فقالوا انا لا نحب جبريل لانه ينزل بالعذاب وقالوا لو اتاك بالوحى ميخائيل الذى لا ينزل الا بالرحمة لآمنا بك فاليهود مع كفرهم بالنبى ومع عداوتهم لجبريل عليه السلام لا يلعنون جبريل وانما يزعمون انه من ملائكة العذاب دون الرحمة والغرابية من الرافضة يلعنون جبريل ومحمدا عليهما السلام وقد قال الله تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين}. فى هذا تحقيق اسم الكافر لمبغض بعض الملائكة ولا يجوز ادخال من سماهم الله كافرين فى جملة فرق المسلمين.

     واما المفوضة من الرافضة فقوم زعموا ان الله تعالى خلق محمدا ثم فوض اليه تدبير العالم وتدبيره فهو الذى خلق العالم دون الله تعالى ثم فوض محمد تدبير العالم الى على بن ابى طالب فهو المدبر الثالث.

     وهذه الفرقة شر من المجوس الذين زعموا ان الاله خلق الشيطان ثم ان الشيطان خلق الشرور وشر من النصارى الذين سموا عيسى عليه السلام مدبرا ثانيا فمن عد مفوضة الرافضة من فرق الاسلام فهو بمنزلة من عد المجوس والنصارى من فرق الاسلام.

     واما الذمية منهم فقوم زعموا ان عليا هو الله وشتموا محمدا وزعموا ان عليا بعثه ليثنى عنه فادعى الامر لنفسه وهذه خارجة عن فرق الاسلام لكفرها بنبوة محمد من الله تعالى.

 {الفصل الثامن من هذا الباب}

في ذكر الشريعية والنميرية من الرافضة

الشريعية اتباع رجل كان يعرف بالشريعي وهو الذى زعم ان الله تعالى حل في خمسة اشخاص وهم النبى وعلى وفاطمة والحسن والحسين وزعموا ان هؤلاء الخمسة آلهة ولها اضداد خمسة واختلفوا في اضدادها فمنهم من زعم انها محمودة لانه لا يعرف فضل الاشخاص التى فيها الاله الا باضدادها ومنهم من زعم ان الاضداد مذمومة وحكى عن الشريعى انه ادعى يوما ان الاله حل فيه.

     وكان بعده من اتباعه رجل يعرف بالنميرى حكى عنه انه ادعى في نفسه ان الله تعالى حل فيه

     فهذه ثمانى فرق من الروافض الغلاة خارجة عن جميع فرق الاسلام لاثباتهم الى غير الله

     ومن اعجب الاشياء ان الخطابية زعمت ان جعفر الصادق قد اودعهم جلدا فيه علم كل ما يحتاجون اليه من الغيب وسموا ذلك الجلد جعفرا وزعموا انه لا يقرأ ما فيه الا من كان منهم وقد ذكر ذلك هارون بن سعد العجلي في شعره فقال:

ألم تر ان الرافضين تفرقوا         فكلهم من جعفر قال منكرا    

فطائفة قالوا إله ومنهم         طوائف سمته النبى المطهرا    

ومن عجب لم اقضه جلد جعفر         برئت الى الرحمن ممن يجفعرا    

برئت الى الرحمن من كل رافض         يصير بباب الكفر في الدين اعورا    

اذا كف اهل الحق عن بدعة مضوا         عليها وان يمضوا الى الحق قصرا    

ولو قيل ان الفيل ضب لصدقوا         ولو قيل زنجى تحول احمرا    

واخلف من يوم البعير فانه         اذا هو للاقبال وجه ادبرا    

فقبح اقوام رموه بعزبة         كما قال فى عيسى القرا من تنصرا    

 {الفصل التاسع من هذا الباب}

في ذكر اصناف الحلولية وبيان خروجها عن فرق الاسلام

          الحلولية في الجملة عشر فرق كلها كانت في دولة الاسلام وغرض جميعها القصد الى افساد القول بتوحيد الصانع وتفضيل فرقها في الاكثر يرجع الى غلاة الروافض وذلك ان السبابية والبيانية والجناحية والخطابية والنميرية منهم باجمعها حلولية وظهر بعدهم المقنعية بما وراء نهر جيحون وظهر قوم بمرق يقال لهم رزامية وقوم يقال لهم بركوكية وظهر بعدهم قوم من الحلولية يقال لهم حلمانية وقوم يقال لهم حلاجيه ينسبون الى الحسين بن منصور المعروف بالحلاج وقوم يقال لهم العذاقرة ينسبون الى ابن ابى العذاقرى وتبع هؤلاء الحلولية قوم من الخرمية شاركوهم في استباحة المحرمات واسقاط المفروضات ونحن نذكر تفصيلهم على الاختصار.

     اما السبابية فانما دخلت في جملة الحلولية لقولها بان عليا صار الها بحلول روح الاله فيه.

     وكذلك البيانية زعمت ان روح الاله دارت فى الانبياء والائمة حتى انتهت الى على ثم دارت الى محمد بن الحنفية ثم صارت الى ابنه أبى هاشم ثم حلت بعده فى بيان بن سمعان وادعوا بذلك إلاهية بيان بن سمعان.

     وكذلك الجناحية منهم حلولية لدعواها ان روح الاله دارت فى على واولاده ثم صارت الى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فكفرت بدعواها حلول روح الاله فى زعيمها وكفرت مع ذلك بالقيامة والجنة والنار.

     والخطابية كلها حلولية لدعواها حلول روح الاله فى جعفر الصادق وبعده فى أبى الخطاب الاسدى فهذه الطائفة كافرة من هذه الجهة ومن جهة دعواها ان الحسن والحسين واولادهما ابناء الله واحباؤه ومن ادعى منهم فى نفسه انه من ابناء الله فهو اكفر من سائر الخطابية.

     والشريعية والنميرية منهم حلولية لدعواها ان روح الاله حلت فى خمس اشخاص النبي وعلى وفاطمة والحسن والحسين لدعواها ان هؤلاء الاشخاص الخمسة آلهة.

     واما الرزامية فقوم بمرو افرطوا فى موالاة ابى مسلم صاحب دولة بنى العباس وساقوا الامامة من أبى هاشم اليه ثم ساقوها من محمد ابن على الى أخيه عبد الله بن على السفاح ثم زعموا ان الامامة بعد السفاح صارت الى أبى مسلم واقروا مع ذلك بقتل ابى مسلم وموته الافرقة منهم يقال لهم ابو مسلمية افرطوا فى ابى مسلم غاية الافراط وزعموا انه صار الها بحلول روح الاله فيه وزعموا ان ابا مسلم خير من جبريل وميكائيل وسائر الملائكة وزعموا ايضا ان أبا مسلم حي لم يمت وهم على انتظاره وهؤلاء بمرو وهرات يعرفون بالبركوكية فاذا سئل هؤلاء عن الذى قتله المنصور قالوا كان شيطانا تصور للناس فى صورة أبى مسلم.

     واما المقنعية فهم المبيضة بماء وراء نهر جيحون وكان زعيمهم المعروف بالمقنع رجلا اعور فصاروا بمرو من أهل قرية يقال لهم كازه كيمن دات وكان قد عرف شيئا من الهندسة والحيل والنيرنجات وكان على دين الرزامية بمرو ثم ادعى لنفسه الإلهية واحتجب عن الناس ببرقع من حرير واغتر به أهل جبل ابلاق وقوم من الصعد ودامت فتنته على المسلمين مقدار اربع عشرة سنة وعاونه كفرة الاتراك الخلجية على المسلمين للغارة عليهم وهزموا عساكر كثيرة من عساكر المسلمين فى ايام المهدى بن المنصور وكان المقنع قد اباح لاتباعه المحرمات وحرم عليهم القول بالتحريم واسقط عنهم الصلاة والصيام وسائر العبادات وزعم لاتباعه انه هو الاله وانه كان قد تصور مرة فى صورة آدم ثم تصور فى وقت آخر بصورة نوح وفى وقت آخر بصورة ابراهيم ثم تردد فى صور الانبياء الى محمد ثم تصور بعده فى صورة على وانتقل بعد ذلك فى صور اولاده ثم تصور بعد ذلك فى صورة أبى مسلم ثم انه زعم أنه فى زمانه الذى كان فيه قد تصور بصورة هشام بن حكيم وكان اسمه هاشم بن حكيم وقال انى انما انتقل فى الصور لان عبادى لا يطيقون رؤيتى فى صورتى التى انا عليها ومن رآنى احترق بنورى وكان له حصن عظيم وثيق بناحية كثير ويحشب فى جبل يقال له سيام وكان عرض جدار سورها اكثر من مائة آجرة دونها خندق 100 كثيرة وكان معه أهل الصعد والاتراك الخلجية وجهز المهدى اليهم صاحب جيشه معاذ بن مسلم فى سبعين الف من المقاتلة واتبعهم لسعيد بن عمرو الحرش ثم افرد سعيدا بالقتال وبتدبير الحرب فقاتله سنين واتخذ سعيد من الحديد والخشب مائتى سلم ليضعها على عرض خندق المقنع ليعبر عليها رجاله واستدعى من مولتان الهند عشرة آلاف جلد جاموس وحشاها رملا وكبس بها خندق المقنع وقاتل جند المقنع من وراء خندقه فاستأمن منهم اليه ثلاثون الفا وقتل الباقون منهم واحرق المقنع نفسه فى تنور فى حصنه قد اذاب فيه النحاس مع السكر حتى ذاب فيه وافتتن به اصحابه بعد ذلك لما لم يجدوا له جثة ولا رمادا وزعموا انه صعد الى السماء واتباعه اليوم فى جبال ابلاق اكره اهلها ولهم فى كل قرية من قراهم مسجد لا يصلون فيه ولكن يكترون مؤذنا يؤذن فيه وهم يستحلون الميتة والخنزير وكل واحد منهم يستمتع بامرأة غيره وان ظفروا بمسلم لم يره المؤذن الذى فى مسجدهم قتلوه واخفوه غير انهم مقهورون بعامة المسلمين فى ناحيتهم والحمد لله على ذلك.

     واما الحلمانية من الحلولية فهم المنسوبون الى ابى حلمان الدمشقى وكان اصله من فارس ومنشؤه حلب واظهر بدعته بدمشق فنسب لذلك اليها وكان كفره من وجهين:

     احدهما انه كان يقول بحلول الاله فى الاشخاص الحسنة وكان مع اصحابه اذا رأوا صورة حسنة سجدوا لها يوهمون ان الاله قد حل فيها.

     والوجه الثانى من كفره قوله بالاباحة ودعواه ان من عرف الاله على الوصف الذى يعتقده هو زال عنه الخطر والتحريم واستباح كل ما يستلذه ويشتهيه.

     قال عبد القاهر رأيت بعض هؤلاء الحلمانية يستدل على جواز حلول الاله فى الاجساد بقول الله تعالى للملائكة فى آدم {فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين} وكان يزعم ان الاله انما أمر الملائكة بالسجود لآدم لانه كان قد حل فى آدم وانما حله لانه خلقه فى احسن تقويم ولهذا قال {ولقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم} فقلت له اخبرنى عن الآية التى استدللت بها فى امر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام والآية الناطقة بان الانسان مخلوق فى احسن تقويم هل اريد بهما جميع الناس على العموم ام اريد بهما انسان بعينه فقال ما الذى يلزمنى على كل واحد من القولين ان قلت به فقلت ان قلت ان المراد بهما كل الناس على العموم لزمك ان تسجد لكل انسان وان كان قبيح الصورة لدعواك ان الاله حل فى جميع الناس وان قلت ان المراد به انسان بعينه وهو آدم عليه السلام دون غيره فلم تسجد لغيره من اصحاب الصور الحسنة ولم تسجد للفرس الرابع والشجرة المثمرة وذوات الصور الحسنة من الطيور والبهائم وربما كان لهب الناس فى صورة فان استجزت السجود له فقد جمعت بين ضلالة الحلولية وضلالة عابدى النار واذا لم تسجد للنار ولا للماء ولا للهواء ولا للسماء مع حسن صور هذه الاشياء فى بعض الاحوال فلا تسجد للاشخاص الحسنة الصور.

     وقلت له ايضا ان الصور الحسنة في العالم كثيرة وليس بعضها بحلول الاله فيه اولى من بعض وان زعمت ان الاله حال فى جميع الصور الحسنة فهل ذلك الحلول على طريق قيام العرض بالجسم او على طريق كون الجسم فى الجسم به ويستحيل حلول عرض واحد فى محال كثيرة ويستحيل كون شىء واحد فى امكنة كثيرة واذا استحال هذا استحال ما يؤدى اليه.

     واما الحلاجية فمنسوبون الى أبى المغيث الحسين بن منصور المعروف بالحلاج وكان من ارض فارس من مدينة يقال لها البيضاء وكان فى بدء امره مشغولا بكلام الصوفية وكانت عباراته حينئذ من الجنس الذى تسميه الصوفية الشطح وهو الذى يحتمل معنيين احدهما حسن محمود والآخر قبح مذموم وكان يدعى انواع العلوم على الخصوص والعموم وافتتن به قوم من اهل بغداد وقوم من اهل طالقان خراسان.

     وقد اختلف فيه المتكلمون والفقهاء والصوفية فاما المتكلمون فاكثرهم على تكفيره وعلى انه كان على مذاهب الحلولية وقبله قوم من متكلمى السالمية بالبصرة ولسبوه الى حقائق معانى الصوفية وكان القاضى ابو بكر محمد بن الطيب الاشعرى رحمه الله نسبه الى معاطاة الحيل والمخاريق وذكر فى كتابه الذى أبان فيه عجز المعتزلة عن تصحيح دلائل النبوة على اصولهم مخاريق الحلاج ووجوه حيله.

     واختلف الفقهاء أيضا فى شأن الحلاج فتوقف فيه ابو العباس بن سريح لما استفتى فى دمه وافتى ابو بكر بن داود بجواز قتله.

     واختلف فيه مشايخ الصوفية فبرىء منه عمرو بن عثمان المكى وأبو يعقوب الاقطع وجماعة منهم وقال عمرو بن عثمان كنت اماشيه يوما فقرأت شيئا من القرآن فقال يمكننى ان اقول مثل هذا وروى ان الحلاج مر يوما على الجنيد فقال له انا الحق فقال الجنيد أنت بالحق اية خشبة تقسد فتحقق فيه ما قال الجنيد لانه صلب بعد ذلك وقبله جماعة من الصوفية منهم أبوالعباس بن عطا ببغداد وأبو عبد الله بن خفيف بفارس وأبو القاسم النصرابادى بنيسابور وفارس الدينورى بناحيته.

     والذين نسبوه الى الكفر والى دين الحلولية حكوا عليه انه قال من هذب نفسه فى الطاعة وصبر على اللذات والشهوات ارتقى الى مقام المقربين ثم لا يزال يصفو ويرتقى فى درجات المصافات حتى يصفو عن البشرية فاذا لم يبق فيه من البشرية حظ حل فيه روح الاله الذى حل فى عيسى بن مريم ولم يرد حينئذ شيئا الا كان كما اراد وكان جميع فعله فعل الله تعالى.

     وزعموا ان الحلاج ادعى لنفسه هذه الرتبة.

     وذكر انه ظفروا بكتب له الى اتباع عنوانها من الهو هورب الارباب المتصور فى كل صورة الى عبده فلان فظفروا بكتب اتباعه اليه وفيها {يا ذات اللذات ومنتهى غاية الشهوات تشهد انك المتصور فى كل زمان بصورة وفى زماننا هذا بصورة الحسين بن منصور ونحن نستجير لك ونرجو رحمتك يا علام الغيوب}.

     وذكروا انه استمال ببغداد جماعة من حاشية الخليفة ومن حرمه حتى خاف الخليفة وهو جعفر المقتدر بالله معرة فتنته فحبسه واستفتى الفقهاء فى دمه واستروح الى فتوى أبى بكر ابن داود بآباحة دمه فقدم الى حامد بن العباس بضربه الف صوت وبقطع يديه ورجليه وصلبه بعد ذلك عند جسر بغداد ففعل به ذلك يوم الثلاثاء لست بقين من ذى القعدة سنة تسع وثلثمائة ثم انزل من جذعه الذى صلب عليه بعد ثلاث واحرق وطرح رماده فى الدجلة.

     وزعم بعض المنسوبين اليه انه حي لم يقتل وانما قتل من ألقى عليه شبهه.

     والذين تولوه من الصوفية وزعموا انه كشف له احوال من الكرامة فاظهرها للناس فعوقب بتسليط منكرى الكرامات عليه لتبقى حاله على التلبيس.

     وزعم هؤلاء ان حقيقة التصوف حال ظاهرها تلبيس وباطنها تقديس واستدلوا على تقديس باطن الحلاج بما روى انه قال عند قطع يديه ورجليه حسب الواحد افراد الواحد وبأنه سئل يوما عن ذنبه فانشأ يقول:

ثلاثة احرف لا عجم فيها    ومعجومان وانقطع الكلام

     وأشار بذلك الى التوحيد.

     واما العذاقرة فقوم ببغداد اتباع رجل ظهر ببغداد فى ايام الراضى بن المقتدر فى سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وكان معروفا بابن أبى العذاقر واسمه محمد بن على السلمقانى وادعى حلول روح الاله فيه وسمى نفسه روح القدس ووضع لاتباعه كتابا سماه بالحاسة السادسة وصرح فيه برفع الشريعة واباح اللواط وزعم انه ايلاج الفاضل نوره فى المفضول واباح اتباعه له حرمهم طمعا فى ايلاجه نوره فيهن وظفر الراضي بالله به وبجماعة من اتباعه منهم الحسين بن القسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وابو عمران ابراهيم بن محمد بن احمد بن المنجم ووجد كتبهما اليه يخاطبانه فيها بالرب والمولى ويصفانه بالقدرة على ما يشاء واقروا بذلك بحضرة الفقهاء ومنهم ابو العباس احمد بن عمر بن سريج وابو الفرح المالكى وجماعة من الائمة فاعترفوا بذلك وامر المعروف منهم بالحسين بن القسم بن عبيد الله بالبراءة من ابن أبى العذاقر بأن يصفعه ففعل ذلك واظهر التوبة وافتى ابن سريج بجواز قبول توبته على مذهب الشافعي رحمه الله وافتى المالكيون برد توبة الزنديق بعد العثور عليه فامر الراضى بحبسه الى ان ينظر فى امره وأمر بقتل ابن ابى العذاقر وصاحبه ابى عون فقال له ابن ابي العذاقر امهلنى ثلاثة ايام لينزل فيها براءتى من السماء او نقمة على اعدائى وأشار الفقهاء على الراضى بتعجيل قتلهما فصلبهما ثم احرقهما بعد ذلك وطرح رمادهما فى الدجلة.

  {الفصل الحادي عشر}

من فصول هذا الباب

فى ذكر اصحاب الاباحة من الخرمية وبيان خروجهم عن جملة فرق الاسلام

     فهؤلاء صنفان، صنف منهم كانوا قبل دولة الاسلام كالمزدكية الذين استباحوا المحرمات وزعموا ان الناس شركاء فى الاموال والنساء ودامت فتنة هؤلاء الى ان قتلهم انوشروان فى زمانه.

     والصنف الثانى خرمدينية ظهروا في دولة الاسلام وهم فريقان بابكية وما زيارية وكلتاهما معروفة بالمحمرة.

     فالبابكية منهم اتباع بابك الخزى الذى ظهر في جبل اليدين بناحية اذربيجان وكثر بها اتباعه واستباحوا المحرمات وقتلوا الكثير من المسلمين وجهز اليه خلفاء بنى العباس جيوشا كثيرة مع الفشين الحاجب ومحمد بن يوسف التعرى وابى دلف العجلى واقرانهم وبقيت العساكر في وجهه مقدار عشرين سنة الى ان أخذ بابك واخوه اسحق بن ابرهيم وصلبا بعين من راى في ايام المعتصم واتهم الفشين الحاجب بممالأة بابك في حربه وقتل لأجل ذلك.

     واما المازبارية منهم فهم اتباعما زيار الذى اظهر دين المحمرة بجرجان.

     وللبابكيه في جبلهم ليلة عيد لهم يجتمعون فيها على الخمر والزمر وتختلط فيها رجالهم ونساؤهم فاذا أطفئت سرجهم ونيرانهم افتض فيها الرجال والنساء على تقدير من عزبز.

     والبابكية ينسبون أصل دينهم الى أمير كان لهم في الجاهلية اسمه شروين ويزعمون ان اباه كان من الزنج وامه بعض بنات ملوك الفرس ويزعمون ان شروين كان افضل من محمد ومن سائر الانبياء وقد بنوا في جبلهم مساجد للمسلمين يؤذن فيها المسلمون وهم يعلمون أولادهم القرآن لكنهم لا يصلون في السر ولا يصومون في شهر رمضان ولا يرون جهاد الكفرة.

     وكانت فتنة مازيار قد عظمت في ناحيته الى ان اخذ في ايام المعتصم ايضا وصلب بسر من رأى بحذاء بابك الخزى.

     واتباع مازيار اليوم في جبلهم اكرة من يليهم من سواد جرجان يظهرون الاسلام ويضمرون خلافه والله المستعان على اهل الزيغ والطغيان.

 {الفصل الثانى عشر}

من فصول هذا الباب

فى ذكر اصحاب التناسخ من اهل الاهواء وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

     القائلون بالتناسخ اصناف: صنف من الفلاسفة وصنف من السمنية وهذان الصنفان كانا قبل دولة الاسلام.

     وصنفان اخران ظهرا في دولة الاسلام أحدهما من جملة القدرية والآخر من جملة الرافضة الغالية.

     فاصحاب التناسخ من السمنية قالوا بقدم العالم وقالوا ايضا بابطال النظر والاستدلال وزعموا انه لا معلوم الا من جهة الحواس الخمس وانكر اكثرهم المعاد والبعث بعد الموت وقال فريق منهم بتناسخ الارواح في الصور المختلفة واجازوا ان ينقل روح الانسان الى كلب وروح الكلب الى انسان وقد حكى اقلوطرخس مثل هذا القول عن بعض الفلاسفة وزعموا ان من أذنب في قالب ناله العقاب على ذلك الذنب في قالب آخر وكذلك القول في الثواب عندهم ومن اعجب الاشياء دعوى السمنية في التناسخ الذى لا يعلم بالحواس مع قولهم انه لا معلوم الا من جهة الحواس.

     وقد ذهبت المانوية ايضا الى التناسخ وذلك ان مانيا قال في بعض كتبه إن الارواح التى تفارق الاجسام نوعان أرواح الصديقين وأرواح أهل الضلالة فأرواح الصديقين اذا فارقت أجسادها سرت في عمود الصبح الى النور الذى فوق الفلك فبقيت في ذلك العالم على السرور الدائم وأرواح أهل الضلال اذا فارقت الاجساد وأرادت اللحوق بالنور الأعلى ردت منعكسة إلى السفل فتتناسخ في أجسام الحيوانات الى ان تصفو من شوائب الظلمة ثم تلتحق بالنور العالى.

     وذكر أصحاب المقالات عن سقراط وافلاطن واتباعهما من الفلاسفة انهم قالوا بتناسخ الأرواح على تفصيل قد حكيناه عنهم فى كتاب الملل والنحل.

     وقال بعض اليهود بالتناسخ وزعم انه وجد في كتاب دانيال ان الله تعالى مسخ بختنصر في سبع صور من صور البهائم والسباع وعذبه فيها كلها ثم بعثه في آخرها موحدا.

     وأما أهل التناسخ في دولة الاسلام فان البيانية والجناحية والخطابية والروندية من الروافض الحلولية كلها قالت بتناسخ روح الاله في الائمة بزعمهم.

     وأول من قال بهذه الضلالة السبابية من الرافضة لدعواهم أن عليا صار الها حين حل روح الاله فيه

     وزعمت البيانية منهم ان روح الاله دارت في الانبياء ثم في الائمة الى ان صارت في بيان بن سمعان.

     وادعت الجناحية منهم مثل ذلك في عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.

     وكذلك دعوى الخطابية في ابن الخطاب وكذلك دعوى قوم من الروندية في ابى مسلم صاحب دولة بنى العباس.

     فهؤلاء يقولون بتناسخ روح الاله دون أرواح الناس تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

     واما أهل التناسخ من القدرية فجماعة منهم أحمد بن حايط وكان معتزليا منتسبا الى النظام وكان على بدعته في الفطرة وفي نفى الجزء الذى يتجزأ وفي نفى قدرة الله تعالى على الزيادة في نعيم أهل الجنة أو في عذاب أهل النار وزاد على النظام في ضلالته في التناسخ.

     ومنهم احمد بن ايوب بن يانوش وكان تلميذ احمد بن حايط في التناسخ لكنهما اختلفا بعد في كيفية التناسخ.

     ومنهم محمد بن احمد القطحي وافتخر بأنه كان منهم في التناسخ والاعتزال.

     ومنهم عبد الكريم بن ابى العوجاء وكان خال معن بن زائدة وجمع بين أربعة أنواع من الضلالة أحدها انه كان يرى في السردين المانوية من الثنوية والثانى قوله بالتناسخ والثلث ميله الى الرافضة في الامامة والرابع قوله بالقدر في ابواب التعديل والتحوير وكان وضع أحاديث كثيرة باسانيد يغتر بها من لا معرفة له بالجرح والتعديل وتلك الاحاديث التى وضعها كلها ضلالات في التشبيه والتعطيل وفي بعضها تغيير أحكام الشريعة وهو الذى أفسد على الرافضة صوم رمضان بالهلال وردهم عن اعتبار الاهلة بحساب وضعه لهم ونسب ذلك الحساب الى جعفر الصادق ورفع خبر هذا الضال الى أبى جعفر بن محمد بن سليمان عامل المنصور على الكوفة فامر بقتله فقال لن يقتلونى لقد وضعت أربعة ألف حديث أحللت بها الحرام وحرمت بها الحلال وفطرت الرافضة في يوم من أيام صومهم وصومتهم في يوم من أيام فطرهم.

     وتفصيل قول هؤلاء في التناسخ ان احمد بن حايط زعم ان الله تعالى ابدع خلقة أصحابه سالمين عقلاء بالغين في دار سوى الدنيا التي هم فيها اليوم واكمل عقولهم وخلق فيهم معرفته والعلم به واسبغ عليهم نعمه.

     وزعم ان الانسان المأمور المنهى المنعم عليه هو الروح التي في الجسم وان الاجسام قوالب للأرواح.

     وزعم ان الروح هي الحي القادر العالم وان الحيوان كله جنس واحد.

     وزعم ايضا ان جميع انواع الحيوان محتمل للتكليف وكان قد توجه الامر والنهي عليهم على اختلاف صورهم ولغاتهم وقال ان الله تعالى لما كلفهم في الدار التي خلقهم فيها شكره على ما انعم به عليهم أطاعه بعضهم في جميع ما امرهم به وعصاه بعضهم في جميع ما أمرهم به فمن اطاعه في جميع ما امره به أقره في دار النعيم التي ابتدأه فيها ومن عصاه في جميع ما أمره به أخرجه من دار النعيم الى دار العذاب الدائم وهى النار ومن أطاعه في بعض ما أمره به وعصاه في بعض ما أمره به أخرجه الى الدنيا وألبسه بعض هذه الاجسام التي هي القوالب الكثيفة وابتلاه بالبأساء والضراء والشدة والرجاء واللذات والآلام في صور مختلفة من صور الناس والطيور والبهائم والسباع والحشرات وغيرها على مقادير ذنوبهم ومعاصيهم في الدار الاولى التى خلقهم فيها فمن كانت معاصيه في تلك الدار أقل وطاعاته اكثر كانت صورته في الدنيا احسن ومن كانت طاعاته في تلك الدار أقل ومعاصيه اكثر صار قالبه في الدنيا أقبح.

     ثم زعم ان الروح لا يزال في هذه الدنيا يتكرر في قوالب وصور مختلفة ما دامت طاعاته مشوبة بذنوبه وعلى قدر طاعاته وذنوبه يكون منازل قوالبه فى الانسانية والبيهمية ثم لا يزال من الله تعالى رسول الى كل نوع من الحيوان وتكليف للحيوان ابدا الى ان يتمحض عمل الحيوان طاعات فيرد الى دار النعيم الدائم وهى الدار التى خلق فيها او يمحض عمله معاصى فينقل الى النار الدائم عذابها

     فهذا قول ابن حايط فى تناسخ الارواح.

     وقال احمد بن ايوب بن بانوش ان الله تعالى خلق الخلق كله دفعه واحدة وحكى عنه بعض اصحابه أن الله تعالى خلق أولا الاجزاء المقدرة التي كل واحد منها جزء لا يتجزأ وزعم ان تلك الاجزاء كانت أحياء عاقلة وان الله تعالى كان قد سوى بينهم فى جميع امورهم اذ لم يستحق واحد منهم تفضيلا على غيره ولا كان من احد منهم جناية يؤخر لاجلها عن غيره قال ثم انه خيرهم بين ان يمتحنهم بعد اسباغ النعمة عليهم بالطاعات ليستحقوا بها الثواب عليها لان منزلة الاستحقاق أشرف من منزلة التفضيل وبين ان يتركهم في تلك الدار تفضلا عليه بها فاختار بعضهم المحبة واباها بعضهم فمن اباها تركه فى الدار الاولى على حاله فيها ومن اختار الامتحان امتحنه فى الدنيا ولما امتحن الذين اختاروا الامتحان عصاه بعضهم وأطاعه بعضهم فمن عصاه حطه الى رتبة هى دون المنزلة التى خلقوا فيها ومن اطاعه رفعه الى رتبة اعلى من المنزلة التى خلق عليها ثم كررهم فى الاشخاص والقوالب إلى ان صار قوم منهم اناسا وآخرون صاروا بهائم أو سباعا بذنوبهم ومن صار منهم الى البهيمية ارتفع عنه التكليف وكان يخالف ابن حايط فى تكليف البهائم ثم قال فى البهائم انها لا تزال تتردد فى الصور القبيحة وتلقى المكاره من الذبح والتسخير الى ان تستوفى ما تستحق من العقاب بذنوبها ثم تعاد الى الحالة الاولى ثم يخبرهم الله تعالى تخييرا ثانيا فى الامتحان فان اختاروه اعاد تكليفهم على الحال التى وصنفاها وان امتنعوا منه تركوا على حالهم غير مكلفين وزعم ان من المكلفين من يعمل الطاعات حتى يستحق ان يكون نبيا او ملكا فيفعل الله تعالى ذلك به.

     وزعم القحطى منهم ان الله تعالى لم يعرض عليهم فى اول امرهم التكليف بل هم سألوه الرفع عن درجاتهم والتفاضل بينهم فاخبرهم بانهم لا يصفون بذلك الا بعد التكليف والامتحان وانهم وان كلفوا فعصوا استحقوا العقاب فابوا الامتحان قال فذلك قوله {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فابين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا}.

     وزعم ابو مسلم الحرانى ان الله تعالى خلق الارواح وكلف منها من علم انه يطيعه دون من يعصيه وان العصاة إنما عصوه ابتداء فعوقبوا بالنسخ والمسخ فى الاجساد المختلفة على مقادير ذنوبهم.

    فهذا تفصيل قول اصحاب التناسخ وقد نقضنا عللهم فى كتاب الملل والنحل بما فيه

 {الفصل الثالث عشر}

من فصول هذا الباب

فى بيان ضلالات الحايطية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الامة

     هؤلاء اتباع احمد بن حايط القدرى وكان من اصحاب النظام فى الاعتزال وقد ذكرنا قوله فى التناسخ قبل هذا ونذكر فى هذا الفصل ضلالاته فى توحيد الصانع.

     وذلك ان ابن حايط وفضلا الحدثى زعما ان للخلق ربين وخالقين احدهما قديم وهو الله سبحانه والآخر مخلوق وهو عيسى بن مريم وزعما ان المسيح ابن الله على معنى النبى دون الولادة وزعما ايضا ان المسيح هو الذى يحاسب الخلق فى الآخرة وهو الذى عناه الله بقوله {وجاء ربك والملك صفا صفا} وهو الذى يأتى {في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور} وهو الذى خلق آدم على صورة نفسه وذلك تأويل ما روى ان الله تعالى خلق الها على صورته وزعم انه هو الذى عناه النبى بقوله ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر وهو الذى عناه بقول ان الله تعالى خلق العقل فقال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال ما خلقت خلقا اكرم منك وبك اعطى وبك آخذ وقالا ان المسيح تذرع جسدا وكان قبل التذرع عقلا.

     قال عبد القاهر قد شارك هذان الكافران الثنوية والمجوس فى دعوى خالقين وقولهم شر من قولهم لان الثنوية والمجوس اضافوا اختراع جميع الخيرات الى الله تعالى وانما اضافوا فعل الشرور الى الظلمة والى الشيطان واضاف ابن حايط وفضل الحدثى فعل الخيرات كلها الى عيسى بن مريم واضافا اليه محاسبة الخلق فى الآخرة والعجب فى قولهما ان عيسى خلق جده آدم عليه السلام فيا عجبا من فرع يخلق اصله ومن عد هذين الضالين من فرق الاسلام كمن عد النصارى من فرق الاسلام  

 {الفصل الرابع عشر}

من فصول هذا الباب

في ذكر الحمارية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الأمة

     هؤلاء قوم من معتزلة عسكر مكرم اختاروا من بدع اصناف القدرية ضلالات مخصوصة.

     فاخذوا من ابن حايط قوله بتناسخ الأرواح في الاجساد والقوالب.

     واخذوا من عباد بن سليمان الضميري قوله بان الذين مسخهم الله قردة وخنازير كانوا بعد المسخ ناسا وكانوا معتقدين للكفر بعد المسخ.

     واخذوا من جعد بن درهم الذى ضحى به خالد بن عبد الله القسري قوله بان النظر الذى يوجب المعرفة تكون تلك المعرفة فعلا لا فاعل لها.

     ثم زعموا بعد ذلك ان الخمر ليست من فعل الله تعالى وإنما هي من فعل الخمار لأن الله تعالى لا يفعل ما يكون سبب المعصية.

     وزعموا ان الانسان قد يخلق أنواعا من الحيوانات كاللحم اذا دفنه الانسان او يضعه في الشمس فيدود زعموا ان تلك الديدان من خلق الانسان وكذلك العقارب التي تظهر من التبن تحت الآجر زعموا انها من اختراع من جمع بين الآجر والتبن.

     وهؤلاء شر من المجوس الذين اضافوا اختراع الحيات والحشرات والسموم الى الشيطان ومن عدهم من فرق الامة كمن عد المجوس من فرق الامة

 {الفصل الخامس عشر}

من فصول هذا الباب

في ذكر اليزيدية من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

     هؤلاء اتباع يزيد بن ابى أنيسة الخارجي وكان من البصرة ثم انتقل الى نون من ارض فارس وكان على رأي الاباضية من الخوارج ثم انه خرج عن قول جميع الامة لدعواه ان الله عز وجل يبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء وينسخ بشرعه شريعة محمد وزعم ان اتباع ذلك النبى المنتظر هم الصابئون المذكورون فى القرآن فاما المسمون بالصابئة من اهل واسط وحران فما هم الصابئون المذكورون في القرآن وكان مع هذه الضلالة يتولى من شهد لمحمد بالنبوة من اهل الكتاب وان لم يدخل في دينه وسماهم بذلك مؤمنين وعلى هذا القول يجب ان يكون العيسوية والرعيانية من اليهود مؤمنين لانهم أقروا بنبوة محمد عليه السلام ولم يدخلوا في دينه.

     وليس بجائز ان يعد في فرق الاسلام من يعد اليهود من المسلمين وكيف يعد من فرق الاسلام من يقول بنسخ شريعة الاسلام.

 {الفصل السادس عشر}

من فصول هذا الباب

فى ذكر الميمونية من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

     هؤلاء اتباع رجل من الخوارج الشخرية كان اسمه ميمونا وكان على مذهب العجاردة من الخوارج ثم انه خالف العجاردة فى الارادة والقدر والاستطاعة وقال في هذه الابواب الثلاثة بقول القدرية المعتزلة عن الحق وزعم مع ذلك أن أطفال المشركين فى الجنة.

     ولو بقى ميمون هذا على البدع التى حكيناها عنه ولم يزد عليها ضلالة سواها لنسبناه الى الخوارج لقوله بتكفير على وطلحة والزبير وعائشة وعثمان وقوله بتكفير أصحاب الذنوب والى القدرية لقوله فى باب الارادة والقدر والاستطاعة بأقوال القدرية فيها.

     ولكنه زاد على القدرية وعلى الخوارج بضلالة اشتقها من دين المجوس وذلك أنه أباح نكاح بنات الاولاد من الاجداد وبنات أولاد الاخوة والاخوات وقال انما ذكر الله تعالى فى تحريم النساء بالنسب الامهات والبنات والاخوات والعمات والخالات وبنات الاخ وبنات الاخوات ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين ولا بنات أولاد الاخوة ولا بنات أولاد الاخوات فان طرد قياسه فى امهات الامهات وامهات الآباء والأجداد المخض فى المجوسية وان لم يجر نكاح الجدات وقاس الجدات على الامهات لزمه قياس بنات الاولاد على بنات الصلب وان لم يطرد قياسه فى هذا الباب نقض اعتلاله.

     وحكى الكرابيسى عن الميمونية من الخوارج انهم انكروا أن تكون سورة يوسف من القرآن ومنكر بعض القرآن كمنكر كله.

     ومن استحل بعض ذوات المحارم فى حكم المجوس ولا يكون المجوسى معدودا فى فرق الاسلام.  

 الفصل السابع عشرمن فصول هذا الباب

فى ذكر الباطنية وبيان خروجهم عن جميع فرق الاسلام

     اعلموا اسعدكم الله ضرر الباطنية على فرق المسلمين اعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوز عليهم بل اعظم من مضرة الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم بل اعظم من ضرر الدجال الذى يظهر في آخر الزمان لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم الى يومنا اكثر من الذين يضلون بالدجال فى وقت ظهوره لان فتنة الدجال لا تزيد مدتها على اربعين يوما وفضائح الباطنية اكثر من عدد الرمل والقطر.

     وقد حكى أصحاب المقالات أن الذين أسسوا دعوة الباطنية جماعة منهم ميمون بن ديصان المعروف بالقداح وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق وكان من الاهواز ومنهم محمد بن الحسين الملقب بذيذان وميمون بن ديصان فى سجن والى العراق اسسوا فى ذلك السجن مذاهب الباطنية ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن من جهة المعروف بذيذان وابتدأ بالدعوة من ناحية فدخل فى دينه جماعة من اكراد الجيل مع اهل الجبل المعروف بالبدين ثم رحل ميمون بن ديصان الى ناحية المغرب وانتسب فى تلك الناحية الى عقيل بن ابى طالب وزعم انه من نسله فلما دخل فى دعوته قوم من غلاة الرفض والحلولية منهم ادعى انه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق فقيل الاغبياء ذلك منه على أصحاب الانتساب بان محمد بن اسماعيل بن جعفر مات ولم يعقب عند علماء الأنساب.

     ثم ظهر فى دعوته الى دين الباطنية رجل يقال له حمدان قرمط لقب بذلك لقرمطه فى خطه او فى خطوه وكان فى ابتداء أمره اكارا من اكرة سواد الكوفة واليه تنسب القرامطة.

     ثم ظهر بعده فى الدعوة الى البدعة ابو سعيد الجنابى وكان من مستجيبة حمدان وتغلب على ناحية البحرين ودخل فى دعوته بنو سنير.

     ثم لما تمادت الايام بهم ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين ابن احمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسم نفسه ونسبه وقال لاتباعه أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن اسماعيل ابن جعفر الصادق ثم ظهرت فتنته بالمغرب واولاده اليوم مستولون على أعمال مصر.

     وظهر منهم المعروف بابن كرويه بن مهرويه الدندانى وكان من تلامذة حمدان قرمط وظهر مأمون اخو حمدان قرمط بارض فارس وقرامطة فارس يقال لهم المأمونية لاجل ذلك.

     ودخل أرض الديلم رجل من الباطنية يعرف بابى حاتم فاستجاب له جماعة من الديلم منهم أسفار بن شرويه.

     وظهر بنيسابور داعية لهم يعرف بالشعرانى فقتل بها فى ولاية أبى بكر بن محتاج عليها وكان الشعرانى قد دعا الحسين بن على المروردى قام بدعوته بعده محمد بن احمد النسفى داعية أهل ما وراء النهر وابو يعقوب السجزلى المعروف ببندانه وصنف النسفى لهم كتاب المحصول وصنف لهم ابو يعقوب كتاب اساس الدعوة وكتاب تأويل الشرائع وكتاب كشف الاسرار وقتل النسفى والمعروف ببندانه على ضلالتهما.

     وذكر أصحاب التواريخ أن دعوة الباطنية ظهرت أولا فى زمان المأمون وانتشرت فى زمان المعتصم وذكروا انه دخل فى دعوتهم الافشين صاحب جيش المعتصم وكان مراهنا لبابك الخرمى وكان الخرمى مستعصيا بناحية البدين وكان أهل جبله خرمية على طريقة المزدكية فصارت الخرمية مع الباطنية يدا واحدة واجتمع مع بابك من أهل البدين وممن انضم اليهم من الديلم مقدار ثلثمائة الف رجل وأخرج الخليفة لقتالهم الافشين فظنه ناصحا للمسلمين وكان فى سره مع بابك وتوانى فى القتال معه ودله على عورات عساكر المسلمين وقتل الكثير منهم ثم لحقت الأمداد بالافشين ولحق به محمد بن يوسف الثغرى وابو دلف القسم بن عيسى العجلى ولحق به بعد ذلك قواد عبد الله ابن طاهر واشتدت شوكة البابكية والقرامطة على عسكر المسلمين حتى بنوا لانفسهم البلدة المعروفة ببيرزند خوفا من بيان البابكية ودامت الحرب بين الفريقين سنين كثيرة الى ان أظفر الله المسلمين بالبابكية فأسر بابك وصلب بسر من رأى سنة ثلاث وعشرين ومائتين ثم اخذ أخوه اسحاق وصلب ببغداد مع المازيار صاحب المحمرة بطبرستان وجرجان ولما قتل بابك ظهر للخليفة غدر الافشين وخيانته للمسلمين فى حروبه مع بابك فامر بقتله وصلبه فصلب لذلك.

     وذكر اصحاب التواريخ ان الذين وضعوا اساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس وكانوا مائلين الى دين اسلافهم ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين فوضع الأغمال منهم اساسا من قبلها منهم صار فى الباطن الى تفصيل اديان المجوس وتأولوا آيات القرآن وسنن النبى عليه السلام على موافقة اساسهم وبيان ذلك ان الثنوية زعمت ان النور والظلمة صانعان قديمان والنور منهما فاعل الخيرات والمنافع والظلام فاعل الشرور والمضار وان الاجسام ممتزجة من النور والظلمة وكل واحد منهما مشتمل على اربع طبائع وهى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والاصلان الاولان مع الطبائع الاربع مدبرات هذا العالم وشاركهم المجوس في اعتقاد صانعين غير أنهم زعموا ان أحد الصانعين قديم وهو الاله الفاعل للخيرات والآخر شيطان محدث فاعل للشرور وذكر زعماء الباطنية فى كتبهم ان الاله خلق النفس فالاله هو الاول والنفس هو الثانى وهما مدبرا هذا العالم وسموهما الاول والثانى وربما سموهما العقل والنفس ثم قالوا انهما يدبران هذا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الاول وقولهم ان الاول والثانى يدبران العالم هو بعينه قول المجوس باضافة الحوادث صانعين احدهما قديم والآخر محدث الا أن الباطنية عبرت عن الصانعين بالاول والثانى وعبر المجوس عنهما بيزدان وأهر من فهذا هو الذى يدور في قلوب الباطنية ووضعوا اساسا يؤدى اليه.

     ولم يمكنهم إظهار عبادة الثيران فاحتالوا بأن قالوا للمسلمين ينبغى ان تجمر المساجد كلها وأن تكون فى كل مسجد مجمرة يوضع عليها الند والعود فى كل حال وكانت البرامكة قد زينوا للرشيد أن يتخذ فى جوف الكعبة مجمرة يتبخر عليها العود أبدا فعلم الرشيد أنهم أرادوا من ذلك عبادة النار فى الكعبة وأن تصير الكعبة بيت نار فكان ذلك أحد أسباب قبض الرشيد على البرامكة.

     ثم ان الباطنية لما تأولت اصول الدين على الشرك احتالت ايضا لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدى الى رفع الشريعة أو الى مثل أحكام المجوس والذى يدل على ان هذا مرادهم بتأويل الشريعة أنهم قد اباحوا لاتباعهم نكاح البنات والاخوات وأباحوا شرب الخمر وجميع اللذات.

     ويؤكد ذلك ان الغلام الذى ظهر منهم بالبحر بن والاحساء بعد سليمان بن الحسين القرمطى سن لأتباعه اللواط وأوجب قتل الغلام الذى يمتنع على من يريد الفجور به وأمر بقطع يد من اطفأ نارا بيده وبقطع لسان من اطفأها بنفخة وهذا الغلام هو المعروف بابن أبى زكريا الطامى وكان ظهوره فى سنة تسع عشرة وثلثمائة وطالت فتنته الى أن سلط الله تعالى عليه من ذبحه على فراشه.

     ويؤكد ما قلناه من ميل الباطنية الى دين المجوس أنا لا نجد على ظهر الارض مجوسيا إلا وهو مواد لهم منتظر لظهورهم على الديار يظنون أن الملك يعود اليهم بذلك وربما استدل أغمارهم على ذلك بما يرويه المجوس عن زرادشت أنه قال لكتتاسب ان الملك يزول عن الفرس الى الروم واليونانية ثم يعود الى الفرس ثم يزول عن الفرس الى العرب ثم يعود الى الفرس وساعده جاماسب المنجم على ذلك وزعم ان الملك يعود الى العجم لتمام الف وخمسمائة سنة من وقت ظهور زرادشت.

     وكان فى الباطنية رجل يعرف بأبى عبد الله العردى يدعى علم النحوم ويتعصب للمجوس وصنف كتابا وذكر فيه ان القرن الثامن عشر من مولد محمد يوافق الالف العاشر وهو نوبة المشترى والقوس وقال عند ذلك يخرج انسان يعيد الدولة المجوسية ويستولى على الارض كلها وزعم انه يملك مدة سبع قرانات وقالوا قد تحقق حكم زرادشت وجاماسب فى زوال ملك العجم الى الروم واليونانية فى ايام الاسكندر ثم عاد الى العجم بعد ثلثمائة سنة ثم زال بعد ذلك ملك العجم الى العرب وسيعود الى العجم لتمام المدة التى ذكرها جاما سب وقد وافق الوقت الذى ذكروه ايام المكتفى والمقتدر وأخلف موعدهم وما رجع الملك فيه الى المجوس وكانت القرامطة قبل هذا الميقات يتواعدون فيما بينهم ظهور المنتظر فى القران السابع فى المثلثة النارية.

     وخرج منهم سليمان بن الحسين من الاحياء على هذه الدعوى وتعرض للحجيج وأسرف فى القتل منهم ثم دخل مكة وقتل من كان فى الطواف وأغار على استار الكعبة وطرح القتلى فى بئر زمزم وكسر عساكر كثيرة من عساكر المسلمين وانهزم فى بعض حروبه الى هجر فكتب للمسلمين قصيدته يقول فيها:

أغركم منى رجوعى الى هجر         عما قليل سوف يأتيكم الخبر    

اذا طلع المريخ فى ارض بابل         وقارنه النجمات فالحذر الحذر    

ألست أنا المذكور فى الكتب كلها         ألست أنا المبعوث فى سورة الزمر    

سأملك أهل الأرض شرقا ومغربا         الى قيروان الروم والترك والخزر         

     واراد بالنجمين زحل والمشترى وقد وجد هذا القران فى سنى ظهوره ولم يملك من الارض شيئا غير بلدته التى خرج منها وطمع فى ان يملك سبع قرانات وما ملك سبع سنين بل قتل بهيت رمته امرأة من سطحها بلبنة على رأسه فدمغته وقتيل النساء أخس قتيل واهون فقيد.

     وفى آخر سنة ألف ومائتين واربعين للاسكندر تم من تاريخ زرادشت ألف وخمسائة سنة وما عاد فيها ملك الارض الى المجوس بل اتسع بعدها نطاق الاسلام فى الأرض وفتح الله تعالى للمسلمين بعدها بلاد بلا ساعون وارض التيب واكثر نواحى الصين ثم فتح لهم بعدها جميع ارض الهند من لمفات الى قنوح وصارت أرض الهند الى سيتر سيقا بحرها من رقعة الاسلام فى أيام أمين الدولة أمين الملة محمود بن سبكتين رحمه الله وفى هذا زعم انوف الباطنية والمجوس الجاماسبية الذين حكموا بعود الملك اليهم فذاقوا وبال أمرهم وكان عاقبة امانيهم بوارا لهم بحمد الله ومنه.

     ثم ان الباطنية خرج منهم عبيد الله بن الحسن بناحية القيروان وخدع قوما من كتامه وقوما من المصامدة وشرذمة من أغنام بربر بحبل ونيرنجات آظهرها لهم كروية الخيالات بالليل من خلف الرداء والازار وظن الاغمار أنها معجزة له فتبعوه لاجلها على بدعته فاستولى بهم على بلاد المغرب ثم خرج المعروف منهم بابى سعيد الحسين بن بهرام على أهل الاحساء والقطيف والبحرين فأتى باتباعه على اعدائه وسبى نساءهم وذراريهم واحرق المصاحف والمساجد ثم استولى على هجر وقتل رجالها واستعبد ذراريهم ونساءهم ثم ظهر المعروف منهم بالصناديقى باليمن وقتل الكثير من اهلها حتى قتل الاطفال والنساء وانضم اليه المعروف منهم بابن الفضل فى اتباعه ثم ان الله تعالى سلط عليهما وعلى اتباعهما الاكلة والطاعون فماتوا بهما.

     ثم خرج بالشام حفيد لميمون بن ديصان يقال له ابو القاسم بن مهرويه وقالا لمن تبعهما هذا وقت ملكنا وكان ذلك سنة تسع وثمانين ومائتين فقصدهم سبك صاحب المعتضد فقتلوا سبكا فى الحرب ودخلوا مدينة الرصافة واحرقوا مسجدها الجامع وقصدوا بعد ذلك دمشق فاستقبلهم الحمامى غلام بن طيون وهزمهم الى الرقة فخرج اليهم محمد بن سليمان كاتب المكتفى فى جند من اجناد المكتفى فهزمهم وقتل منهم الالوف فانهزم الحسن بن زكريا بن مهرويه الى الرملة فقبض عليه والى الرملة فبعث به وبجماعة من اتباعه الى المكتفى فقتلهم ببغداد فى الشارع باشد عذاب.

     ثم انقطعت بقتلهم شوكة القرامطة الى سنة عشر وثلثمائة.

     وظهر بعدها فتنة سليمان بن الحسن فى سنة احدى عشرة وثلثمائة فانه كبس فيها البصرة وقتل اميرها سبكا المقلجى ونقل اموال البصرة الى البحرين.

     وفى سنة اثنتى عشرة وثلثمائة وقع على الحجيج فى المتهيبر لعشر بقين من المحرم وقتل اكثر الحجيج وسبى الحرم والذرارى ثم دخل الكوفة فى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة فقتل الناس وانتهب الاموال.

     وفى سنة خمس عشرة وثلثمائة حارب ابن أبى الساج وأسره وهزم أصحابه.

     وفى سنة سبع عشرة وثلثمائة دخل مكة وقتل من وجده فى الطواف وقيل انه قتل بها ثلاثة آلاف وأخرج منها سبعمائة بكر واقتلع الحجر الاسود وحمله الى البحرين ثم ردفها الى الكوفة ورد بعد ذلك من الكوفة الى مكة على يد ابى إسحاق إبراهيم بن محمد ابن يحيى مزكي نيسابور فى سنة تسع وعشرين وثلثمائة.

     وقصد سليمان ابن الحسن بغداد فى سنة ثمانى عشرة وثلثمائة فلما ورد هيت رمته امرأة من سطحها بلبنة فقتلته وانقطعت بعد ذلك شوكة القرامطة وصاروا بعد قتل سليمان بن الحسن مبدرقين للحجيج من الكوفة والبصرة الى مكة فحضاة ومال مضمون لهم إلى ان غلبهم الأصغر العقيلى على بعض ديارهم.

     وكانت ولاية مصر واعمالها للاخشادية وانضم بعضهم الى ابن عبيد الله الباطنى الذى كان قد استولى على قيروان ودخلوا مصر فى سنة ثلاث وستين وثلثمائة وابتنوا بها مدينة سموها القاهرة يسكنها اهل بدعته واهل مصر ثابتون على السنة الى يومنا وان اطاعوا صاحب القاهرة فى اداء خراجهم اليه.

     وكان ابو شجاع فناخسرو بن بويه قد تأهب لقصد مصر وانتزاعها من ايدي الباطنية وكتب على اعلامه بالسواد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين الطائع لله أمير المؤمنين ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين وقال قصيدة أولها:

أما ترى الاقدار  لى  طوائعا         قواضيا  لى  بالعيان   كالخبر

ويشهد   الانام   لى    بأنى         ذاك الذى يرجى وذاك المنتظر

لنصرة الاسلام والداعي الى         خليفة  الله   الإمام     المفتخر

     فلما خرج مضاربه للخروج الى مصر غامضه الاجل فمضى لسبيله فلما قضى فناخسرو نحبه طمع زعيم مصر فى ملوك نواحى الشرق فكاتبهم يدعوهم الى البيعة له فاجاب قابوس بن وشمكين عن كتابه بقوله انى لا اذكرك الا على المستراح وأجابه ناصر الدولة ابو الحسن محمد بن ابراهيم بن سيمجور بان كتب على ظهر كتابه اليه {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} الى آخر السورة وأجابه نوح بن منصور والى خراسان بقتل دعاته الى بدعته ودخل فى دعوته بعض ولاة الجرجانية من ارض خوارزم فكان دخوله فى دينه شؤما عليه فى ذهاب ملكه وقتله اصحابه ثم استولى يمين الدولة وامين الملة محمود بن سبكتكين على ارضهم وقتل من كان بها من دعاة الباطنية وكان ابو على بن سيمجور قد وافقهم فى السر فذاق وبال امره في ذلك وقبض عليه والى خراسان نوح بن منصور وبعث به الى سبكتكين فقتل بناحية غزنه.

     وكان ابو القسم الحسن بن على الملقب بد الشمند داعية ابى على بن سيمجور الى مذهب الباطنية وظفر به بكفوزن صاحاحب جيش السامانية بنيسابور فقتله ودفن فى مكان لا يعرف.

     وكان اميرك الطوسى والى ناحية ثارويه قد دخل فى دعوة الباطنية فأسر وحمل الى غزته وقتل بها فى الليلة التى قتل فيها ابو على بن سيمجور.

     وكان اهل مولتان من ارض الهند داخلين فى دعوة الباطنية فقصدهم محمود رحمه الله فى عسكره وقتل منهم الالوف وقطع ايدى ألف منهم وباد بذلك نصراء الباطنية من تلك الباطنية ومن هذا بيان شؤم الباطنية على منتحليها فليعتبر بذلك المعتبرون.

     وقد اختلف المتكلمون فى بيان اغراض الباطنية فى دعوتها الى بدعتها.

     فذهب اكثرهم الى ان غرض الباطنية الدعوة الى دين المجوس بالتأويلات التى يتأولون عليها القرآن والسنة واستدلوا على ذلك بان زعيمهم الاول ميمون بن ديصان كان مجوسيا من سبى الاهواز ودعا ابنه عبد الله بن ميمون الناس الى دين ابيه واستدلوا ايضا بان داعيهم المعروف بالبزدي قال فى كتابه المعروف بالمحصول ان المبدع الأول أبدع النفس ثم إن الأول والثانى مدبر العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأربع وهذا فى التحقيق معنى قول المجوس ان أليزدان خلق اهرمن وانه مع اهرمن مدبران للعالم غير ان أليزدان فاعل الخيرات واهرمن فاعل الشرور.

     ومنهم من نسب الباطنية الى الصابئين الذين هم بحران واستدل على ذلك بان حمدان قرمط داعية الباطنية بعد ميمون بن ديصان كان من الصابئة الحرانية واستدل ايضا بان صابئة حران يكتمون اديانهم ولا يظهرونها إلا لمن كان منهم والباطنية ايضا لا يظهرون دينهم الا لمن كان منهم بعد احلافهم اياه على ان لا يذكر اسرارهم لغيرهم.

     قال عبد القاهر الذى يصح عندي من دين الباطنية انهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلها الى استباحة كل ما يميل اليه الطبع.

     والدليل على انهم كما ذكرناه ما قرأته في كتابهم المترجم بالسياسة والبلاغ الاكيد والناموس الاعظم وهي رسالة عبيد الله بن الحسن القيرواني الى سليمان بن الحسن بن سعيد الجناني اوصاه فيها بان قال له ادع الناس بان تتقرب اليهم بما يميلون اليه وأوهم كل واحد منهم بأنك منهم فمن انست منه رشدا فاكشف له الغطاء واذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة معولنا وانا وإياهم مجمعون على ان نواميس الانبياء وعلى القول بقدم العالم لو ماما يخالفنا فيه بعضهم من ان للعالم مدبرا لا يعرفه.

     وذكر فى هذا الكتاب إبطال القول بالمعاد والعقاب وذكر فيها ان الجنة نعيم الدنيا وان العذاب انما هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والحج والجهاد.

     وقال ايضا فى هذه الرسالة إن اهل الشرائع يعبدون إلها لا يعرفونه ولا يحصلون منه إلا على اسم بلا جسم.

     وقال فيها ايضا اكرم الدهرية فانهم منا ونحن منهم وفى هذا تحقيق نسبة الباطنية الى الدهرية والذى يؤكد هذا ان المجوس يدعون نبوة زرادشت ونزول الوحي عليه من الله تعالى والصائبين يدعون نبوة هرمس وواليس ودوروتيوس وافلاطن وجماعة من الفلاسفة وسائر اصحاب الشرائع كل صنف منهم مقرون بنزول الوحي من السماء على الذين اقروا بنبوتهم ويقولون ان ذلك الوحى شامل للامر والنهى والخبر عن عاقبة بعد الموت وعن ثواب وعقاب وجنه ونار يكون فيها الجزاء عن الاعمال السالفة والباطنية يرفضون المعجزات وينكرون نزول الملائكة من السماء بالوحى والامر والنهى بل ينكرون ان يكون فى السماء ملك وانما يتأولون الملائكة على دعائهم الى بدعتهم ويتأولون الشياطين على مخالفيهم والابالسة على مخالفيهم.

     ويزعمون ان الانبياء قوم أحبوا الزعامة فساسوا العامة بالنواميس والحيل طلبا للزعامة بدعوى النبوة والامامة وكل واحد منهم صاحب دور مسبع اذا انقضى دوره سبعة تبعهم فى دور آخر واذا ذكروا النبى والوحى قالوا ان النبى هو الناطق والوحى اساسه الفاتق والى الفاتق تأويل نطق الناطق على ما تراه يميل اليه هواه فمن صار الى تأويله الباطن فهو من الملائكة البرره ومن عمل بالظاهر فهو من الشياطين الكفرة.

     ثم تأولوا لكل ركن من اركان الشريعة تأويلا يورث تضليلا فزعموا ان معنى الصلاة موالاة امامهم والحج زيارته وادمان خدمته والمراد بالصوم الامساك عن افشاء سر الامام دون الامساك عن الطعام والزنى عندهم افشاء سرهم بغير عهد وميثاق.

     وزعموا ان من عرف معنى العبادة سقط عنه فرضها وتأولوا فى ذلك قوله {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وحملوا اليقين على معرفة التأويل.

     وقد قال القيروانى في رسالته الى سليمان بن الحسن انى اوصيك بتشكيك الناس فى القرآن والتوراة والزبور والانجيل وبدعوتهم الى ابطال الشرائع والى ابطال المعاد والنشور من القبور وابطال الملائكة فى السماء وابطال الجن فى الارض واوصيك بان تدعوهم الى القول بانه قد كان قبل آدم بشر كثير فان ذلك عون لك على القول بقدم العالم.

     وفى هذا تحقيق دعوانا على الباطنية انهم دهرية يقولون بقدم العالم ويجحدون الصانع ويدل على دعوانا عليهم القول بابطال الشرائع ان القيروانى قال أيضا فى رسالته الى سليمان بن الحسن وينبغى ان تحيط علما بمخاريق الانبياء ومناقضاتهم فى اقوالهم كعيسى بن مريم قال لليهود لا ارفع شريعة موسى ثم رفعها بتحريم الاحد بدلا من السبت واباح العمل فى السبت وابدل قبلة موسى بخلاف جهتها ولهذا قتلته البلاد لما اختلفت كلمته.

     ثم قال له ولا تكن كصاحب الامة المنكوسة حين سألوه عن الروح فقال الروح من امر ربى لما لم يحضره جواب المسألة ولا تكن كموسى فى دعواه التى لم يكن له عليها برهان سوى المخرقة بحسن الحيلة والشعبذة ولما لم يجد المحق فى زمانه عنده برهانا قال له لئن اتخذت إلها غيرى وقال لقومه انا ربكم الاعلى لانه كان صاحب الزمان فى وقته.

     ثم قال فى آخر رسالته وما العجب من شىء كالعجب من رجل يدعى العقل ثم يكون له اخت او بنت حسناء وليست له زوجة فى حسنها فيحرمها على نفسه وينكحها من اجنبى ولو عقل الجاهل لعلم انه أحق باخته وبنته من الاجنبى ما وجه ذلك الا ان صاحبهم حرم عليهم الطيبات وخوفهم بغائب لا يعقل وهو الاله الذى يزعمونه واخبرهم بكون مالا يرونه ابدا من البعث من القبور والحساب والجنة والنار حتى استعبدهم بذلك عاجلا وجعلهم له فى حياته ولذريته بعد وفاته خولا واستباح بذلك بقوله {لا اسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى}    فكان امره معهم نقدا وأمرهم معه نسيئة وقد استعجل منهم بدل ارواحهم واموالهم على انتظار موعد لا يكون وهل الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها وهل النار وعذابها إلا ما فيه اصحاب الشرائع من التعب والنصب فى الصلاة والصيام والجهاد والحج.

     ثم قال لسليمان بن الحسن فى هذه الرسالة وانت واخوانك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس وفى هذه الدنيا ورثتم نعيمها ولذاتها المحرمة على الجاهلين المتمسكين بشرائع اصحاب النواميس فهنيئا لكم ما نلتم من الراحة عن امرهم.

     وفى هذا الذى ذكرناه دلالة على ان غرض الباطنية القول بمذاهب الدهرية واستباحة المحرمات وترك العبادات.

     ثم ان الباطنية لهم فى اصطياد الاغنام ودعوتهم الى بدعتهم حيل على مراتب سموها التفرس والتأنيس والتشكيك والتعليق والربط والتدليس والتأسيس والمواثيق بالايمان والعهود وآخرها الخلع والسلخ.

     فاما التفرس فانهم قالوا من شرط الداعى الى بدعتهم ان يكون قويا على التلبيس وعارفا بوجوه تأويل الظواهر ليردها الى الباطن ويكون مع ذلك مخبرا بين من يجوز من يطمع فيه وفى اغوائه وبين من لا مطمع فيه ولهذا قالوا فى وصاياهم للدعاة الى بدعتهم لا تتكلموا فى بيت فيه سراج بعنون بالسراج من يعرف علم الكلام ووجوه النظر والمقاييس وقالوا ايضا لدعاتهم لا تطرحوا بذركم فى ارض سبخة وارادوا بذلك منع دعاتهم عن اظهار بدعتهم عند من لا يؤثر فيهم بدعتهم كما لا يؤثر البذر فى الارض السبخة شيئا وسموا قلوب اتباعهم الاغنام ارضا زاكية لانها تقبل بدعتهم وهذا المثل بالعكس اولى وذلك ان القلوب الزاكية هى القابلة للدين القويم والصراط المستقيم وهى التى لا تصدأ بشبه اهل الضلال كالذهب الابريز الذى لا يصدأ فى الماء ولا يبلى فى التراب ولا ينقص فى النار والارض السبخة كقلوب الباطنية وسائر الزنادقة الذين لا يزجرهم عقل ولا يردعهم شرع منهم ارجاس أنجاس أموات غير أحياء  {ان هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا}  قد قسم لهم الحظ من الرزق من قسم رزق الخنازير فى مراعيها وأباح طعمه العنب فى براريها {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.   

     وقالوا ايضا من شرط الداعى الى مذهبهم ان يكون عارفا بالوجوه التي تدعى بها الاصناف فليست دعوة الاصناف من وجه واحد بل لكل صنف من الناس وجهه يدعى منه الى مذهب الباطن.

     فمن رآه الداعى مائلا الى العبادات حمله على الزهد والعبادة ثم سأله عن معانى العبادات وعلل الفرائض وشككه فيها.

     ومن رآه ذا مجون وخلاعة قال له العبادة باله وحماقته وانما الفطنة فى نيل اللذات وتمثل له بقول الشاعر:

من راقب الناس مات هما         وفاز باللذة الجسور          

ومن رآه شكا فى دينه او فى المعاد والثواب والعقاب صرح له بنفى ذلك وحمله على استباحة المحرمات واستروح معه الى قول الشاعر الماجن:

أأترك لذة الصهباء صرفا         لما وعدوه من لحم وخمر    

حياة ثم موت ثم نشر         حديث خرافة يا ام عمرو      

     ومن رآه من غلاة الرافضة كالسبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والخطابية لم يحتج معه الى تأويل الآيات والاخبار لانهم يتأولونها معهم على وفق ضلالتهم.

     ومن رآه من الرافضة زيديا او اماميا مائلا الى الطعن فى اخبار الصحابة دخل عليه من جهة شتم الصحابة وزين له بغض بنى تيم لأن ابا بكر منهم وبغض بنى عدى لان عمر بن الخطاب كان منهم وحثه على بغض بنى أمية لانه كان منهم عثمان ومعاوية وربما استروح الباطنى فى عصرنا هذا الى قول اسماعيل بن عباد:

دخول النار فى حب الوصى         وفى تفضيل أولاد النبى    

أحب الى من جنات عدن         اخلدها بتيم أو عدى      

     قال عبد القاهر قد أجبنا هذا القائل بقولنا فيه:

أتطمع فى دخول جنات عدن         وأنت عدو تيم أو عدى    

وهم تركوك أشقى من ثمود         وهم تركوك أفضح من دعى    

وفى نار الجحيم غدا ستصلى         اذا عاداك صديق النبي          

     ومن رآه الداعى مائلا الى أبى بكر وعمر مدحهما عنده وقال لهما حظ فى تأويل الشرعية ولهذا استصحب النبى أبا بكر الى الغار ثم الى المدينة وأفضى اليه فى الغار تأويل شريعته فاذا سأله الموالى لأبى بكر وعمر عن التأويل المذكور لأبى بكر وعمر اخذ عليه العهود والمواثيق فى كتمان ما يظهره له ثم ذكر له على التدريج بعض التأويلات فان قبلها منه اظهر له الباقى وان لم يقبل منه التأويل الاول ربطه فى الباقى وكتمه عنه وشك الغر من أجل ذلك فى اركان الشريعة.

     والذين يروج عليهم مذهب الباطنية أصناف احدها العامة الذين قتلت بصائرهم بأصول العلم والنظر كالنبط والاكراد وأولاد المجوس.

     والصنف الثانى الشعوبية الذين يرون تفضيل العجم على العرب ويتمنون عود الملك الى العجم.

     والصنف الثالث اغنام بنى ربيعة من اجل غيظهم على مضر لخروج النبى منهم ولهذا قال عبد الله بن خازم السلمى فى خطبته بخراسان ان ربيعة لم تزل غضابا على الله مذ بعث نبيه من مضر ومن أجل حسد ربيعة لمضر بايعت بنو حنيفة مسيلمة الكذاب طمعا فى ان يكون فى بنى ربيعة نبى كما كان من بنى مضر نبى فاذا استأنس الاعجمى الغر او الربعى الحاسد المطز يقول الباطنى له قومك أحق بالملك من مضر سأله عن السبب فى عود الملك الى قومه فاذا سأله عن ذلك قال له ان الشريعة المضرية لها نهاية وقد دنا انقضاؤها وبعد انقضائها يعود الملك اليكم ثم ذكر له تأويل إنكار شريعة الاسلام على التدريج فاذا قبل ذلك منه صار ملحدا خرسا واستثقل العبادات واستطاب استحلال المحرمات فهذا بيان درجة التفرس منهم.

     ودرجة التأنيس قربية من درجة التفرس عندهم وهى تزيين ما عليه الانسان من مذهبه فى عينه ثم سؤاله بعد ذلك عن تأويل ما هو عليه وتشكيكه اياه فى اصول دينه فاذا سأله المدعو عن ذلك قال علم ذلك عند الامام ووصل بذلك منه الى درجة التشكيك حتى صار المدعو الى اعتقاد ان المراد بالظواهر والسنن غير مقتضاها فى اللغة وهان عليه بذلك ارتكاب المحظورات وترك العبادات.

     والربط عندهم تعليق نفس المدعو بطلب تأويل اركان الشريعة فإما ان يقبل منهم تأويلها على وجه يؤول الى رفعها وإما ان يبقى على الشك والحيرة فيها.

     ودرجة التدليس منهم قولهم للغر الجاهل بأصول النظر والاستدلال ان الظواهر عذاب وباطنها فيه الرحمة وذكر له قوله فى القرآن {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} فاذا سألهم الغر عن تأويل باطن الباب قالوا جرت سنة الله تعالى فى أخذ العهد والميثاق على رسله ولذلك قال {واذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} وذكروا له قوله {ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}  فاذا حلف الغر لهم بالايمان المغلظة وبالطلاق والعتق وبسبيل الاموال فقد ربطوه بها وذكروا له من تأويل الظواهر ما يؤدى الى رفعها بزعمهم فان قبل الاحمق ذلك منهم دخل فى دين الزنادقة باطلا واستتر بالاسلام ظاهرا وان نفر الحالف عن اعتقاد تأويلات الباطنية الزنادقة كتمها عليهم لانه قد حلف لهم على كتمان ما اظهروه لهم من اسرارهم واذا قبلها منهم فقد حلفوه وسلخوه عن دين الاسلام وقالوا له حينئذ ان الظاهر كالقشر والباطن كاللب واللب خير من القشر.

     قال عبد القاهر حكى له بعض من كان دخل فى دعوة الباطنية ثم وفقه الله تعالى لرشده وهداه الى حل ايمانهم أنهم لما وثقوا منه بايمانه قالوا له ان المسمين بالانبياء كنوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد وكل من ادعى النبوة كانوا أصحاب نواميس ومخاريق احبوا الزعامة على العامة فخدعوهم بنيرنجات واستعبدوهم بشرائعهم.

     قال هذا الحاكى لى ثم ناقض الذى كشف لى هذا السر بان قال له ينبغى أن تعلم أن محمد بن اسماعيل بن جعفر هو الذى نادى موسى بن عمران من الشجرة فقال له {إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى} قال فقلت سخنت عينك تدعونى الى الكفر برب قديم الخالق للعالم ثم تدعونى مع ذلك الى الاقرار بربوبية انسان مخلوق وتزعم انه كان قبل ولادته الها مرسلا لموسى فان كان موسى عندك رازقا فالذى زعمت انه ارسله اكذب فقال لى انك لا تفلح أبدا وندم على افشاء اسراره الى وتبت من بدعتهم.

     فهذا بيان وجه حيلهم على اتباعهم وأما ايمانهم فان داعيهم يقول للحالف جعلت على نفسك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسله وما أخذ الله تعالى من النبيين من عهد وميثاق انك تستر ما تسمعه منى وما تعلمه من امرى ومن أمر الامام الذى هو صاحب زمانك وأمر أشياعه واتباعه فى هذا البلد وفى سائر البلدان وامر المطيعين له من الذكور والاناث فلا تظهر من ذلك قليلا ولا كثيرا ولا تظهر شيئا يدل عليه من كتابة او اشارة إلا ما أذن لك فيه الامام صاحب الزمان او أذن لك فى اظهاره المأذون له فى دعوته فتعمل فى ذلك حينئذ بمقدار ما يؤذن لك فيه وقد جعلت على نفسك الوفاء بذلك وألزمته نفسك فى حالتى الرضاء والغضب والرغبة والرهبة قال نعم فاذا قال نعم قال له وجعلت على نفسك أن تمنعنى وجميع من اسميه لك مما تمنع منه نفسك بعهد الله تعالى وميثاقه عليك وذمته وذمة رسله وتنصحهم نصحا ظاهرا وباطنا وألا تخون الامام وأولياءه واهل دعوته فى أنفسهم ولا فى أموالهم وأنك لا تتأول فى هذه الايمان تأويلا ولا تعتقد ما يحلها وإنك إن فعلت شيئا من ذلك فانت برىء من الله ورسله وملائكته ومن جميع ما أنزل الله تعالى من كتبه وانك ان خالفت فى شىء مما ذكرناه لك فلله عليك ان تحج الى بيته مائة حجة ماشيا نذرا واجبا وكل ما تملكه فى الوقت الذى أنت فيه صدقة على الفقراء والمساكين وكل مملوك يكون فى ملكك يوم تخالف فيه او بعده يكون حرا وكل امرأة لك الآن او يوم مخالفتك او تتزوجها بعد ذلك تكون طالقا منك ثلاث طلقات والله تعالى الشاهد على نيتك وعقد ضميرك فيما حلفت به فاذا قال نعم قال له كفى بالله شهيدا بيننا وبينك فاذا حلف الغر بهذه الايمان ظن انه لا يمكن حلها ولن يعلم الغر انه ليس لايمانهم عندهم مقدار ولا حرمة وانهم لا يرون فيها ولا فى حلها إثما ولا كفارة ولا عارا ولا عقابا فى الآخرة وكيف يكون لليمين بالله وبكتبه ورسله عندهم حرمة وهم لا يقرون بإله قديم بل يقرون بحدوث العالم ولا يثبتون كتابا منزلا من السماء ولا رسولا ينزل عليه الوحي من السماء وكيف يكون لايمان المسلمين عندهم حرمة ومن دينهم أن الله الرحمن الرحيم انما هو زعيمهم الذي يدعو اليه ومن مال منهم الى دين المجوس زعم أن الإله نور بازائه شيطان قد غلبه ونازعه فى ملكه وكيف يكون لنذر الحج والعمرة عندهم مقدار وهم لا يرون للكعبة مقدارا ويسخرون بمن يحج ويعتمر وكيف يكون للطلاق عندهم حرمة وهم يستحلون كل امرأة من غير عقد فهذا بيان حكم الايمان عندهم

     فأما حكم الايمان عند المسلمين فإنا نقول كل يمين يحلف بها الحالف ابتداء بطوع نفسه فهو على نيته وكل يمين يحلف بها عند قاض او سلطان يحلفه ينظر فيها فان كانت يمينا فى دعوى لمدع شيئا على الحالف المنكر وكان المدعى ظالما للمدعى عليه فيمن الحالف على نيته وان كان المدعى محقا والمنكر ظالما للمدعى فيمين المنكر على نية القاضى او السلطان الذي أحلفه ويكون الحالف خائنا فى يمينه.

     واذا صحت هذه المقدمة فالباحث عن دين الباطنية اذا قصد اظهار بدعتهم للناس او اراد النقض عليهم معذور فى يمينه وتكون يمينه على نيته فاذا استثنى بقلبه مشيئة الله تعالى فيها لم ينعقد عليه ايمانه ولم يحنث فيها باظهاره أسرار الباطنية للناس ولم تطلق نساؤه ولا تعتق مماليكه ولا تلزمه صدقة بذلك وليس زعيم الباطنية عند المسلمين إماما ومن اظهر سره لم يظهر سر امام وانما اظهر سر كافر زنديق وقد جاء فى ذكر الحديث المأثور اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس فهذا بيان حيلتهم على الاغمار بالايمان.

     فاما احتيالهم على الأغمار بالتشكيك فمن جهة أنهم يسألونهم عن مسائل من احكام الشريعة يوهمونهم فيها خلاف معانيها الظاهرة وربما سألوهم عن مسائل فى المحسوسات يوهمون ان فيها علوما لا يحيط بها إلا زعيمهم فمن مسائلهم قول الداعى منهم للغر لم صار للانسان أذنان ولسان واحد ولم صار للرجل ذكر واحد وخصيتان ولم صارت الأعصاب متصلة لدماغ والأوراد متصلة بالكبد والشرايين متصلة بالقلب ولم صار الانسان مخصوصا بنبات الشعر على جفنيه الأعلى والاسفل وسائر الحيوان ينبت الشعر على جفنه الأعلى دون الاسفل ولم صار ثدى الانسان على صدره وثدى البهائم على بطونها ولماذا لم يكن للفرس غدد ولا كرش ولا كعب وما الفرق بين الحيوان الذى يبيض ولا يلد ولا يبيض وبماذا يميز بين السمكة النهرية والسمكة البحرية ونحو هذا كثير يوهمون ان العلم بذلك عند زعيمهم.

     ومن مسائلهم فى القرآن سؤالهم عن معاني حروف الهجاء فى أوائل السور كقوله الم وحم وطس وبس وطه وكهيعص وربما قالو ما معنى كل حرف من حروف الهجاء ولم صارت حروف الهجاء تسعة وعشرين حرفا ولم عجم بعضها بالنقط وخلا بعض من النقط ولم جاز وصل بعضها بما بعدها بحرف وربما للغر ما معنى قوله {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}  ولم جعل الله تعالى أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة ؟ وما معنى قوله  {عليها تسعة عشر} ومافائدة هذا العدد ؟ وربما سألوا عن آيات أوهموا فيها التناقض، وزعموا انه لا يعرف تأويلها الا زعيمهم، كقوله {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} مع قوله فى موضع آخر {فوربك لنسألنهم أجمعين}.

     ومنها مسائلهم فى أحكام الفقه كقولهم لم صارت صلاة الصبح ركعتين والظهر اربعا والمغرب ثلاثا ولم صار فى كل ركعة ركوع واحد وسجدتان ولم كان الوضوء على اربعة اعضاء والتيمم على عضوين ولم وجب الغسل من المنى وهو عند اكثر المسلمين طاهر ولم يجب الغسل من البول مع نجاسته عند الجميع ولم أعادت الحائض ما تركت من الصيام ولم تعد ما تركت من الصلاة ولم كانت العقوبة فى السرقة بقطع اليد وفى الزنى بالجلد وهلا قطع الفرج الذى به زنى فى الزنى كما قطعت اليد التى بها سرق فى السرقة فاذا سمع الغر منهم هذه الاسئلة ورجع اليهم فى تأويلها قالوا له علمها عند امامنا وعند المأذون له فى كشف أسرارنا فاذا تقرر عند الغر ان امامهم او ما دونه هو العالم بتأويله اعتقد ان المراد بظواهر القرآن والسنة غير ظاهرها فاخرجوه بهذه الحيلة عن العمل باحكام الشريعة فاذا اعتاد ترك العبادة واستحل المحرمات كشفوا له القناع وقالوا له لو كان لنا اله قديم غنى عن كل شىء لم يكن له فائدة فى ركوع العباد وسجودهم ولا فى طوافهم حول بيت من حجر ولا فى سعى بين جبلين فاذا قبل منهم ذلك فقد انسلخ عن توحيد ربه وصار جاحدا له زنديقا.

     قال عبد القاهر والكلام عليهم فى مسائلهم التي يسألون عنها عند قصدهم الى تشكيك الاغمار فى اصول الدين من وجهين:

     أحدهما أن يقال لهم انكم لا تخلون من أحد أمرين اما أن تقروا بحدوث العالم وتثبتوا له صانعا قديما عالما حكيما يكون له تكليف عباده ما شاء كيف شاء وإما ان تنكروا ذلك وتقولوا بقدم العالم ونفى الصانع فان اعتقدتم قدم العالم ونفى الصانع فلا معنى لقولكم لم فرض الله كذا ولم حرم كذا ولم خلق كذا ولم جعل كذا على مقدار كذا اذا لم تقروا باله فرض شيئا أو حرمه او خلق شيئا او قدره ويصير الكلام بيننا وبينكم كالكلام بيننا وبين الدهرية فى حدوث العالم وإن أقررتم بحدوث العالم وتوحيد صانعه وأجزتم له تكليف عباده ما شاء من الاعمال كان جواز ذلك جوابا لكم عن قولكم لم فرض ولم حرم كذا لاقراركم بجواز ذلك منه إن أقررتم به ويجواز تكليفه وكذلك سؤالهم عن خاصية المحسوسات يبطل إن أقروا بصانع احدثها وان أنكرواالصانع فلا معنى لقولهم لم خلق الله ذلك مع انكارهم أن يكون لذلك صانع قديم.

     والوجه الثانى من الكلام عليهم فيما سألوا عنه من عجائب خلق الحيوان ان يقال لهم كيف يكون زعماء الباطنية مخصوصين بمعرفة علل ذلك وقد ذكرته الاطباء والفلاسفة فى كتبهم وصنف ارسطا طاليس فى طبائع الحيوان كتابا وما ذكرت الفلاسفة من هذا النوع شيئا إلا مسروقا من حكماء العرب الذين كانوا قبل زمان الفلاسفة من العرب القحطانية والجرهمية والطسمية وسائر الاصناف الحميرية وقد ذكرت العرب فى اشعارها وأمثالها جميع طبائع الحيوان ولم يكن فى زمانها باطنى ولا زعيم للباطنية وإنما أخذ ارسطاطاليس الفرق بين ما يلد وما يبيض من قول العرب فى أمثالها كل شرقاء ولود وكل صكاء بيوض ولهذا كان الخفاش من الطير ولودا لا يبوضا لان لها أذنا شرقاء وكل ذات أذن صكاء بيوض كالحية والضب والطيور البائضة.

     وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى وعبد الملك بن قريب الأصمعى أن العرب قالت بتحريمها فى الجاهلية أن كل حيوان لعينيه أهداب على الجفن الأعلى دون الاسفل لا الانسان فان اهدابه على الجفن الأعلى والاسفل وقالوا كل حيوان ألقى فى الماء يسبح فيه إلا الإنسان والقرد والفرس الاعسر فانه يغرق فيه إلا أن يتعلم الانسان السباحة.

     وقالوا في الانسان انه اذا قطع رأسه وألقى فى الماء انتصب قائما فى وسط الماء وقالوا كل طائر كفه فى رجليه وكف الانسان والقرد فى اليد وكل ذى أربع ركبته فى يده وركبتا الانسان فى رجليه وقالوا ليس للفرس غدد ولا كرش ولا طحال ولا كعب وليس للبعير مرارة وليس للظليم مخ وكذلك طير الماء وحيتان البحر ليس لها ألسن ولا أدمغة وقد يكون حوت النهر ذا لسان ودماغ وقالوا ان السموك كلها لا رئة لها كذلك ولا تتنفس وقالت العرب من تجاربها ان الضأن تضع فى السنة مرة وتفرد ولا تتيم والماعز تضع فى السنة مرتين وتضع الواحدة والاثنتين والثلاثة والعدد والنماء والبركة فى الضأن اكثر منها فى الماعز وقالوا ايضا اذا رعت الضان نبتا وفصيلا نبت ولا ينبت ما يأكله الماعز لأن الضأن تقرضه بأسنانها والماعز تقلعه من أصله وقالوا ان الماعز اذا حملت انزلت اللبن اول الحمل الى الضرع والضائنية لا تنزل اللبن الا عند الولادة وقالوا إن اصوات الذكور من كل جنس أجهر من اصوات الاناث الا المعزى فان اصوات اناثها اجهر من اصوات ذكورها.

     ومن امثال العرب فى الحيوان فهو لهم كل ثور افطس وكل بعير اعلم وكل ذى ناب افرج وقالوا بالتجربة ان الاسد لا يأكل شيئا حامضا ولا يدنو من النار ولا يدنو من الحامض وقالوا ان حمل الكلب ستون يوما فان وضعت حملها لأقل من ذلك لم تكد اولادها تعيش وقالوا ان اناث الكلاب يحضن لسبعة اشهر ثم ان الكلبة تحيض فى كل سبعة ايام وعلامة حيضها ورم اثغارها وقالوا فى الكلب انه لا يلقى من اسنانه شيئا الا الثامن وقالوا فى الذئب انه ينام باجدى عينيه ويحترس بالاخرى ولذلك قال فيه حميد بن ثور:

ينام باحدى مقلتيه ويتقى         باخرى المنايا فهو يقظان نائم      

     والارنب تنام مفتوحة العينين وقالوا ليس في الحيوان ما لسانه مقلوب الا الفيل وليس في ذوات الاربع ماثديه على صدره الا الفيل وقالوا ان الفيل تضع لسبع سنين والحمار لسنة والبقرة في ذلك كالمرأة وقالوا في قضيب الارنب والثعلب انه عظم وقالوا كل ذى رجلين اذا انكسرت احداهما قام على الاخرى وعرج الا الظليم فانه اذا انكسرت احدى رجليه جثم في مكانه ولهذا قال الشاعر فى نفسه واخيه:

فانى واياه كرجلى نعامة         على ما بنامن ذى غنى وذى فقر           

     يريد لا غنى لأحدهما عن صاحبه وقالوا في النعامة أنها تبيض من ثلاثين بيضة الى اربعين لكنها تخرج ثلاثين منها تحضن عليها كخيط ممدود على الاستواء وربما تركت بيضها وحضنت بيض غيرها ولهذا قال فيها ابن هرمة:

كتاركة بيضها بالعرا         وملبسة بيض اخرى جناحا    

     وقالوا فى الفرج والفروج انهما يخلقان من البياض والصفرة غذاؤهما وقالوا فى القطا انها لا تضع الا فردا وفى العقاب انها تضع ثلاث بيضات فتخرج بيضتين وتطرح واحدة فيخرجها الطير المعروف بكاسى العظام ولهذا قيل فى المثل أبر من كاسى العظام وقالوا فى الضب انها تضع سبعين بيضة ولكنها ولكنها تأكل ما خرج من الحسولة عن البيض إلا الحسل الذى يعدو ويهرب منها ولهذا قالوا فى المثل أعق من ضب والضب لا يرد الماء ولهذا قالوا فى المثل اروى من ضب وقالوا في الضب إنه ذو ذكرين وللأنثى من الضباب فرجان من قبل وقالوا في الحية لها لسانان ولسانها اسود على اختلاف الوان قشرها والحيات كلها تكره ريح السذاب والبنفسج وتعجب بريح التفاح والبطيخ والجرو والخرذل واللبن والخمر وقالوا في الضفادع انها لا تصيح الا وفي افواهها الماء ولا تصيح في دجلة بحال وان صاحت في الفرات وسائر الانهار وقال الشاعر فى الضفدع:

يدخل في الاشداق ما ينضفه         حتى ينق والنقيق يتلفه         

     يعنى ان نقيقها يدل عليها الحية فتصيدها فتأكلها وقالوا ان الضفادع لا عظام لها وقالوا في الجعل انه اذا دفن في الورد سكن كالميت فاذا اعيد الى الروث تحرك.

     فهذا وما جرى مجراه من خواص الحيوانات وغيرها قد عرفته العرب في جاهليتها بالتجارب من غير رجوع منها الى زعماء الباطنية بل عرفوها قبل وجود الباطنية في الدنيا باحقاب كثيرة وفي هذا بيان كذب الباطنية في دعواها أن زعماءها مخصصون بمعرفة أسرار الاشياء وخواصها وقد بينا خروجهم عن جميع فرق الاسلام بما فيه كفاية والحمد لله على ذلك.