الباب الخامس: في بيان اوصاف الفرقة الناجية وتحقيق النجاة لها وبيان محاسنه

    الباب الخامس من ابواب هذا الكتاب

في بيان اوصاف الفرقة الناجية وتحقيق النجاة لها وبيان محاسنها

     هذا باب يشتمل على فصول هذه ترجمتها

(1)        فصل في بيان أصناف فرق السنة والجماعه

(2)        فصل فى بيان تحقيق النجاة لاهل السنة والجماعة

(3)        فصل فى بيان الاصول التي اجتمع عليها اهل السنة والجماعه

(4)        فصل فى بيان قول اهل السنة فى السلف الصالح من الأمة

(5)        فصل في بيان عصمة أهل السنة عن تكفير بعضهم بعضا

(6)        فصل في بيان فضائل أهل السنة وأنواع علومهم وذكر أئمتهم

(7)        فصل في بيان آثار أهل السنة في الدين والدنيا وذكر مفاخرهم فيهما.

     فهذه فصول هذا الباب، وسنذكر فى كل منها مقتضاه بعون الله وتوفيقه.

 {الفصل الأول}

من فصول هذا الباب

في بيان أصناف أهل السنة والجماعة

     اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس:

    صنف منهم أحاطوا علما بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد، والثواب والعقاب، وشروط الإجتهاد، والإمامة، والزعامة، وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرءوا من التشبيه والتعطيل، ومن بدع الرافضة والخوارج والجهية والنجارية وسائر أهل الأهواء الضالة.

    والصنف الثاني منهم: أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث، من الذين اعتقدوا في أصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية، وتبرءوا من القدر والإعتزال، وأثبتوا رؤية الله تعالى بالأبصار من غير تشبيه ولا تعطيل، وأثبتوا الحشر من القبور، مع إثبات السؤال في القبر، زمع إثبات الحزض والصراط والشفاعة وغفران الذنوب التى دون الشرك.

     وقالوا: بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على الكفرة،

     وقالوا: بإمامة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة، ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرءوا من أهل الأهواء الضالة، وروأوا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن إجماع الصحابة، ورأوا جواز المسح على الخفين، ووقوع الطلاق الثلاث، ورأوا تحريم المتعة، ورأوا وجوب طاعة السلطان فيما ليس بمعصية.

     ويدخل في هذه الجماعة أصحاب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأصحاب أبي ثور وأصحاب أحمد بن حنبل وأهل الظاهر وسائر الفقهاء الذين اعتقدوا في الأبواب العقلية أصول الصفاتية، ولم يخلطوا فقهه بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.

    والصنف الثالث منهم: هم الذين أحاطوا علما بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي عليه السلام، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.      والصنف الرابع منهم قوم احاطوا علما باكثر ابواب الادب والنحو والتصريف وجروا على سمت أئمة اللغة كالخليل وابى عمرو بن العلاء وسيبويه والفراء والاخفش والأصمعى والمازنى وأبى عبيد وسائر ائمة النحو من الكوفيين والبصريين الذين لم يخلطوا علمهم بذلك بشىء من بدع القدرية او الرافضة او الخوارج ومن مال منهم الى شىء من الاهواء الضالة لم يكن من اهل السنة ولا كان قوله حجة فى اللغة والنحو.

     والصنف الخامس منهم هم الذين أحاطوا علما بوجوه قراءات القرآن وبوجوه تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفق مذاهب اهل السنة دون تأويلات اهل الاهواء الضالة

     والصنف السادس منهم الزهاد الصوفية الذين ابصروا فاقصروا واختبروا فاعتبروا ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور وعلموا ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك مسئول عن الخير والشر ومحاسب على مثاقيل الذر فاعدوا خير الاعتداد ليوم المعاد وجرى كلامهم فى طريقى العبارة والاشارة على سمت اهل الحديث دون من يشترى لهو الحديث لا يعملون الخير رياء ولا يتركونه حياء دينهم التوحيد ونفى التشبيه ومذهبهم التفويض الى الله تعالى والتوكل عليه والتسليم لامره والقناعة بما رزقوا والإعراض عن الاعتراض عليه {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.

     السابع منهم قوم مرابطون فى ثغور المسلمين فى وجوه الكفرة يجاهدون اعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين ويذبون عن حريمهم وديارهم ويظهرون فى ثغورهم مذاهب اهل السنة والجماعة وهم الذين انزل الله تعالى فيهم قوله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} زادهم الله تعالى توفيقا بفضله ومنه.

     والصنف الثامن منهم عامة البلدان التى غلب فيها شعائر اهل السنة دون عامة البقاع التى ظهر فيها شعار اهل الاهواء الضالة.

     وانما اردنا بهذه الصنف من العامة عامة اعتقدوا تصويب علماء السنة والجماعة فى ابواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد ورجعوا اليهم فى معالم دينهم وقلدوهم في فروع الحلال والحرام ولم يعتقدوا شيئا من بدع اهل الاهواء الضالة وهؤلاء هم الذين سمتهم الصوفية حشو الجنة.

     فهؤلاء اصناف اهل السنة والجماعة ومجموعهم اصحاب الدين القويم والصراط المستقيم ثبتهم الله تعالى بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة انه بالإجابة جدير وعليها قدير.

 {الفصل الثانى}

من فصول هذا الباب

فى بيان تحقيق النجاة لاهل السنة والجماعة

     قد ذكرنا فى الباب الاول من هذا الكتاب ان النبى عليه السلام لما ذكر افتراق امته بعده ثلاثا وسبعين فرقة وأخبر ان فرقة واحدة منها ناجية سئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها فأشار الى الذين هم على ما عليه هو واصحابه ولسنا نجد اليوم من فرق الامة من هم على موافقة الصحابة رضى الله عنهم غير اهل السنة والجماعة من فقهاء الامة ومتكلميهم الصفاتية دون الرافضة والقدرية والخوارج والجهمية والنجارية والمشبهة والغلاة والحلولية.

     اما القدرية فكيف يكونون موافقيه للصحابة وقد طعن زعيمهم النظام فى اكثر الصحابة وأسقط عدالة ابن مسعود ونسبه الى الضلال من اجل روايته عن النبى صلى الله عليه وسلم {ان السعيد من سعد فى بطن امه والشقى من شقى فى بطن امه} وروايته انشقاق القمر وما ذاك منه الا لانكاره معجزات النبى عليه السلام وطعن فى فتاوى عمر رضى الله عنه من اجل انه حد فى الخمر ثمانين ونفى نصر بن الحجاج الى البصرة حين خاف فتنته نساء المدينة به وما هذا منه الا لقلة غيرته على الحرم وطعن فى فتاوى على رضى الله عنه لقوله فى امهات الاولاد ثم رأيت أنهن يبعن وقال من هو حتى يحكم برأيه وثلب عثمان رضى الله عنه لقوله فى الخرقا بقسم المال بين الجد والام والاخت ثلاثا بالسوية ونسب ابا هريرة الى الكذب من اجل ان الكثير من رواياته على خلاف مذاهب القدرية وطعن فى فتاوى كل من افتى من الصحابة بالاجتهاد وقال ان ذلك منهم انما كان لأجل امرين إما لجهلهم بان ذلك لا يحل لهم وإما لانهم ارادوا ان يكونوا زعماء وارباب مذاهب تنسب اليهم فنسب اخيار الصحابة الى الجهل او النفاق والجاهل باحكام الدين عنده كافر والمتعمد للخلاف بلا حجة عنده منافق كافر او فاسق فاجر وكلاهما من أهل النار على الخلود فاوجب بزعمه على أعلام الصحابة الخلود فى النار التى هو بها أولى ثم انه أبطل اجماع الصحابة ولم ير حجة وأجاز اجتماع الامة على الضلالة فكيف يكون على سمت الصحابة مقتديا بهم من يرى مخالفة جميعهم واجبا اذا كان رأيه خلاف رأيهم.

     وكان زعيمهم واصل بن عطا الغزال يشك فى عدالة على وابنيه وابن عباس وطلحة والزبير وعائشة وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين ولذلك قال لو شهد عندي على وطلحة على باقة بقل لم احكم بشهادتهما لعلمى بان احدهما فاسق ولا أعرفه بعينه فجائز على اصله أن يكون على واتباعه فاسقين مخلدين فى النار وجائز ان يكون الفريق الآخر الذين كانوا أصحاب الجمل فى النار خالدين فشك فى عدالة على وطلحة والزبير مع شهادة النبى عليه السلام لهؤلاء الثلاثة بالجنة ومع دخولهم فى بيعة الرضوان وفى جملة الذين قال الله تعالى فيهم {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى بطونهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}.

     وكان عمرو بن عبيد يقول بقول واصل فى فريقي الجمل وزاد عليه القول بالقطع على فسق كل فرقة من الفرقتين وذلك ان واصلا إنما قطع بفسق أحد الفريقين ولم يحكم بشهادة رجلين أحدهما من أصحاب على والآخر من أصحاب الجمل وقبل شهادة رجلين من أصحاب على وشهادة رجلين من أصحاب الجمل وقال عمرو بن عبيد لا أقبل شهادة الجماعة منهم سواء كانوا من أحد الفريقين وكان بعضهم من حزب على وبعضهم من حزب الجمل فاعتقد فسق الفريقين جميعا.

     وواجب على أصله ان يكون على وابناه وابن عباس وعمار وأبو أيوب الانصارى وخزيمة بن ثابت الانصارى الذى جعل رسول الله شهادته بمنزلة شهادة رجلين عدلين وسائر أصحاب على مع طلحة والزبير وعائشة وسائر اصحاب الجمل فاسقين مخلدين فى النار وفيهم من الصحابة الوف وقد كان مع على خمسة وعشرون بدريا واكثر اصحاب أحد وستمائة من الانصار وجماعة من المهاجرين الاولين.

     وقد كان أبو الهذيل والجاحظ واكثر القدرية فى هذا الباب على رأى واصل بن عطا فيهم فكيف يكون مقتديا بالصحابة من يفسق اكثرهم ويراهم من أهل النار ومن لا يرى شهادتهم مقبولة كيف يقبل روايتهم ومن رد رواياتهم ورد شهاداتهم خرج عن سمتهم ومتابعتهم وانما يقتدى بهم من يعمل برواياتهم ويقبل شهاداتهم كدأب أهل السنة والجماعة فى ذلك.

     واما الخوارج فقد اكفروا عليا وابنيه وابن عباس وابا أيوب الانصارى واكفروا ايضا عثمان وعائشة وطلحة والزبير واكفروا كل من لم يفارق عليا ومعاوية بعد التحكيم واكفروا كل ذى ذنب من الامة ولا يكون على سمت الصحابة من يقول بتكفير اكثرها.

     واما الغلاة من الروافض كالسبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والجناحية والخطابية وسائر الحلولية فقد بينا خروجهم عن فرق الاسلام وبينا أنهم فى عداد عبدة الاصنام أو فى عداد الحلولية من النصارى وليس لعبدة الاصنام ولا للنصارى وسائر الكفرة بالصحابة اسوة ولا قدوة.

     واما الزيدية منهم فالجارودية منهم يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان واكثر الصحابة ولا يقتدى بهم من يكفر اكثرهم.

     والسليمانية والبترية من الزيدية يكفرون عثمان او يوقفون فيه ويفسقون ناصريه ويكفرون اكثر اصحاب الجمل.

     واما الامامية منهم فقد زعم اكثرهم أن الصحابة ارتدت بعد النبى سوى على وابنيه ومقدار ثلاثة عشر منهم.

     وزعمت الكاملية منهم أن عليا ايضا ارتد وكفر بتركه قتالهم فكيف يكون على سمت الصحابة من يقول بتكفيرهم.

     ثم نقول كيف يكون الرافضة والخوارج والقدرية والجهمية والنجارية والبكرية والضرارية موافقين للصحابة وهم بأجمعهم لا يقبلون شيئا مما روى عن الصحابة فى أحكام الشريعة لامتناعهم من قبول روايات الحديث والسير والمغازى من اجل تكفيرهم لأصحاب الحديث الذين هم نقلة الاخبار والآثار ورواه التواريخ والسير ومن اجل تكفيرهم فقهاء الامة الذين ضبطوا آثار الصحابة وقاسوا فروعهم على فتاوى الصحابة.

     ولم يكن بحمد الله ومنه فى الخوارج ولا فى الروافض ولا فى الجهمية ولا فى القدرية ولا فى المجسمة ولا فى سائر اهل الاهواء الضالة قط إمام فى الفقه ولا إمام فى رواية الحديث ولا إمام فى اللغة والنحو ولا موثوق به فى نقل المغازى والسير والتواريخ ولا إمام في الوعظ والتذكير ولا إمام فى التأويل والتفسير وانما كان أئمة هذه العلوم على الخصوص والعموم من اهل السنة والجماعة واهل الاهواء الضالة اذا ردوا الروايات الواردة عن الصحابة فى احكامهم وسيرهم لم يصح اقتداؤهم بهم متى لم يشاهدوهم ولم يقبلوا رواية اهل الرواية عنهم.

     وبان من هذا أن المقتدين بالصحابة من يعمل بما قد صح بالرواية الصحيحة في احكامهم وسيرهم وذلك سنة اهل السنة دون ذوى السنة وصح بصحة ما ذكرناه تحقيق نجاتهم كحكم النبى بنجاة المقتدين باصحابه والحمد لله على ذلك.  

 {الفصل الثالث}

من فصول هذا الباب

في بيان الاصول التى اجتمعت عليها اهل السنة

     قد اتفق جمهور اهل السنة والجماعة على اصول من اركان الدين

كل ركن منها يجب على كل عاقل بالغ معرفة حقيقته ولكل ركن منها شعب وفي شعبها مسائل اتفق اهل السنة فيها على قول واحد وضللوا من خالفهم فيها.

(1)        واول الاركان التى رأوها من اصول الدين اثبات الحقائق والعلوم على الخصوص والعموم

(2)        والركن الثانى هو العلم بحدوث العالم في اقسامه من اعراضه واجسامه

(3)        والركن الثالث فى معرفة صانع العالم وصفات ذاته

(4)        والركن الرابع في معرفة صفاته الازلية

(5)        والركن الخامس في معرفة اسمائه واوصافه

(6)        والركن السادس في معرفة عدله وحكمته

(7)        والركن السابع في معرفة رسله وانبيائه

(8)        والركن الثامن في معرفة معجزات الانبياء وكرامات الاولياء

(9)        والركن التاسع في معرفة ما أجمعت الامة عليه من اركان شريعة الاسلام

(10)      والركن العاشر في معرفة احكام الامر والنهى والتكليف

(11)      والركن الحادى عشر في معرفة فناء العباد وأحكامهم فى المعاد

(12)      والركن الثانى عشر في معرفة الخلافة والامامة وشروط الزعامة

(13)      والركن الثالث عشر كذا في احكام الايمان والاسلام في الجملة

(14)      والركن الرابع عشر في معرفة احكام الاولياء ومراتب الأئمة الاتقياء

(15)      والركن الخامس عشر في معرفة احكام الاعداء من الكفرة واهل الاهواء.

     فهذه اصول اتفق أهل السنة على قواعدها وضللوا من خالفهم فيها وفى كل ركن منها مسائل اصول ومسائل فروع وهم يجمعون على اصولها وربما اختلفوا فى بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا.

     فأما الركن الاول فى اثبات الحقائق والعلوم،

     فقد اجمعوا على اثبات العلوم معانى قائمة بالعلماء وقالوا بتضليل نفاة العلم وسائر الاعراض وبتجهيل السوفسطائية الذين ينفون العلم وينفون حقائق الاشياء كلها وعدوهم معاندين لما قد علموه بالضرورة وكذلك السوفسطائية الذين شكوا فى وجود الحقائق وكذلك الذين قالوا منهم بان حقائق الاشياء تابعة للاعتقاد وصححوا جميع الاعتقادات مع تضادها وتنافيها وهذه الفرق الثلاث كلها كفرة معاندة لموجبات العقول الضرورية.

     وقال أهل السنة ان علوم الناس وعلوم سائر الحيوانات ثلاثة انواع علم بديهى وعلم حسى وعلم استدلالى وقالوا من جحد العلوم البديهية او العلوم الحسية الواقعة من جهة الحواس الخمس فهو معاند ومن انكر العلوم النظرية الواقعة عن النظر والاستدلال نظر فيه فان كان من السمنية المنكرة للنظر في العلوم العقلية فهو كافر ملحد وحكمه حكم الدهرية لقوله معهم بقدم العالم وانكار الصانع مع زيادته عليهم القول بابطال الاديان كلها وان كان ممن يقول بالنظر في العقليات وينكر القياس في فروع الاحكام الشرعية كأهل الظاهر لم يكفر بانكار القياس الشرعى.

     وقالوا بان الحواس التى يدرك بها المحسوسات خمس وهى حاسة البصر لادراك المرئيات وحاسة السمع لادراك المسموعات وحاسة الذوق لادراك الطعوم وحاسة الشم لادراك الروائح وحاسة اللمس لادراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة بها.

     وقالوا ان الاوراكات الواقعة من جهة هذه الحواس معانى قائمة بالآلات التى تسمى حواس وضللوا ابا هاشم بن الجباى فى قوله ان الادراك ليس بمعنى ولا عرض ولا شىء سوى المدرك.

     وقالوا ان الخبر المتواتر طريق العلم الضرورى بصحة ما تواتر عنه الخبر اذا كان المخبر عنه مما يشاهد ويدرك بالحس والضرورة كالعلم بصحة وجود ما تواتر الخبر فيه من البلدان التى لم يدخلها السامع المخبر عنها او كعلمنا بوجود الانبياء والملوك الذين كانوا قبلنا فاما صحة دعاوى الانبياء في النبوة فمعلوم لنا بالحجج النظرية.

     واكفروا من انكر من السمنية وقوع العلم من جهة التواتر.

     وقالوا ان الاخبار التى يلزمنا العمل بها ثلاثة انواع تواتر وآحاد ومتوسط بينهما مستفيض.

     فالخبر المتواتر الذى يستحيل التواطؤ على وضعه يوجب العلم الضروري بصحة مخبره وبهذا النوع من الاخبار علمنا البلدان التى لم ندخلها وبها عرفنا الملوك والانبياء والقرون الذين كانوا قبلنا وبه يعرف الانسان والديه اللذين هو منسوب اليهما.

     وأما اخبار الآحاد فمتى صح اسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم فى انه يلزمه الحكم بها فى الظاهر وان لم يعلم صدقهم فى الشهادة.

     وبهذا النوع من الخبر اثبت الفقهاء اكثر فروع الاحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات وسائر ابواب الحلال والحرام وضللوا من اسقط وجوب العمل باخبار الآحاد في الجملة من الرافضة والخوارج وسائر اهل الاهواء.

     واما الخبر المستفيض المتوسط بين التواتر والآحاد فانه يشارك التواتر فى ايجابه للعلم والعمل ويفارقه من حيث ان العلم الواقع عنه يكون علما مكتسبا نظريا والعلم الواقع عن التواتر يكون ضروريا غير مكتسب.

     وهذا النوع من الخبر على اقسام:

     منها اخبار الانبياء فى انفسهم وكذلك خبر من أخبر النبى عن صدقه يكون العلم لصدقه مكتسبا

     ومنها الخبر المنتشر من بعض الناس اذا اخبر به بحضرة قوم لا يصح منهم التواطؤ على الكذب وادعى عليهم وقوع ما اخبر عنه بحضرتهم فاذا لم ينكر عليه احد منهم علمنا صدقة فيه.

     وبهذا النوع من الاخبار علمنا معجزة نبينا فى انشقاق القمر وتسبيح الحصا فى يده وحنين الجذع اليه لما فارقه واشباعه الخلق الكثير من الطعام اليسير ونحو ذلك من معجزاته غير القرآن المعجز نظمه فان ثبوت القرآن وظهوره عليه وعجز العرب والعجم عن المعارضة بمثله معلوم بالتواتر الموجب للعلم الضروري.

     ومنها أخبار مستفيضة بين ائمة الحديث والفقه وهم مجمعون على صحتها كالاخبار في الشفاعة والحساب والحوض والصراط والميزان وعذاب القبر وسؤال الملكين فى القبر.

     وكذلك الأخبار المستفيضة فى كثير من احكام الفقه كنصب الزكاة واخبار الهوا وحد الخمر فى الجملة والاخبار فى المسح على الخفين وفى الرجم وما أشبه ذلك مما اجمع الفقهاء على قبول الاخبار فيها وعلى العمل بمضمونها.

     وضللوا من خالف فيها من أهل الاهواء كتضليل الخوارج في انكارها الرجم وتضليل من انكر من النجدات حد الخمر وتضليل من انكر المسح على الخفين وتكفير من أنكر الرؤية والحوض والشفاعة وعذاب القبر.

     وكذلك ضللوا الخوارج الذين قطعوا يد السارق في القليل والكثير من الحرز وغير الحرز كردهم الاخبار الصحاح في اعتبار النصاب والحرز في القطع.

     وكما ضللوا من رد الخبر المستفيض ضللوا من ثبت على حكم خبر اتفق الفقهاء من فريقي الرأى والحديث على نسخه كتضليل الرافضة في المتعة التى قد نسخت إباحتها.

     واتفق أهل السنة على أن الله تعالى كلف العباد معرفته وأمرهم بها وأنه أمرهم بمعرفة رسوله وكتابه والعمل بما يدل عليه الكتاب والسنة وأكفروا من زعم من القدرية والرافضة أن الله تعالى ما كلف أحدا معرفته كما ذهب اليه ثمامة والجاحظ وطائفة من الرافضة.

     واتفقوا على أن كل علم كسبى نظرى يجوز أن يجعلنا الله تعالى مضطرين الى العلم بمعلومه واكفروا من زعم من المعتزلة أن المعرفة بالله عز وجل فى الآخرة مكتسبة من غير اضطرار الى معرفتة.

     واتفقوا على أن اصول احكام الشريعة القرآن والسنة وإجماع السلف واكفروا من زعم من الرافضة أن لا حجة اليوم في القرآن والسنة لدعواه فيها أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه واكفروا الخوارج الذين ردوا جميع السنن التى رواها نقلة الاخبار لقولهم بتكفير ناقليها واكفروا النظام في انكاره حجة الاجماع وحجة التواتر وقوله بجواز اجتماع الامة على الضلالة وجواز تواطؤ أهل التواتر على وضع الكذب.

     فهذا بيان ما اتفق عليه أهل السنة من مسائل الركن الأول.

     واما الركن الثانى وهو الكلام فى حدوث العالم،

     فقد أجمعوا على ان العالم كل شىء هو غير الله عز وجل وعلى ان كل ما هو غير الله تعالى وغير صفاته الازلية مخلوق مصنوع وعلى ان صانعه ليس بمخلوق ولا مصنوع ولا هو من جنس العالم ولا من جنس شىء من اجزاء العالم واجمعوا على ان اجزاء العالم قسمان جواهر واعراض خلاف قول نفاة الاعراض فى نفيها الاعراض واجمعوا على ان كل جوهر جزء لا يتجزأ واكفروا النظام والفلاسفة الذين قالوا بانقسام كل جزء الى أجزاء بلا نهاية لان هذا يقتضى الا تكون اجزاؤها محصورة عند الله تعالى وفي هذا رد قوله {وأحصى كل شىء عددا} وقالوا باثبات الملائكة والجن والشياطين في اجناس حيوانات العالم واكفروا من انكرهم من الفلاسفة والباطنية وقالوا بتجانس الجواهر والاجسام وقالوا إن اختلافها في الصور والالوان والطعوم والروائح انما هو لاختلاف الاعراض القائمة بها.

     وضللوا من قال باختلاف الاجسام لاختلاف الطبائع وضللوا ايضا من قال من الفلاسفة بخمس طبائع وزعم ان الفلك طبيعة خامسة لا تقبل الكون والفساد كما ذهب اليه ارسطاطاليس.

     وضللوا من قال من الثنوية إن الاجسام نوعان نور وظلمة وان الخير من النور والشر من الظلمة وان فاعل الخير والصدق لا يفعل الشر والكذب وفاعل الشر والكذب لا يفعل الخير والصدق.

     وسألناهم عن رجل قال أنا شرير وظلمة من القائل لهذا القول فان قالوا هو النور فقد كذب وان قالوا هو الظلمة فقد صدق وفي هذا بطلان قولهم ان النور لا يكذب والظلام لا يصدق

     وهذا الزم لهم على اصولهم فاما نحن فانا لا نثبت النور والظلمة فاعلين قديمين بل نقول انهما مخلوقان لا فعل لهما.

     واتفق أهل السنة على اختلاف اجناس الاعراض واكفروا النظام في قوله إن الاعراض كلها جنس واحد وانها كلها حركات لان هذا يوجب عليه ان يكون الايمان من جنس الكفر والعلم من جنس الجهل والقول من جنس السكوت وان يكون فعل النبى من جنس فعل الشيطان الرجيم وينبغى له على هذا الاصل الا يغضب على من لعنه وشتمه لان قول القائل لعن الله النظام عنده من جنس قوله رحمه الله.

     واتفقوا على حدوث الاعراض فى الاجسام واكفروا من زعم من الدهرية انها كامنة في الاجسام وانما يظهر بعضها عند كمون ضده في محله.

     واتفقوا على ان كل عرض حادث في محل وان العرض لا يقوم بنفسه واكفروا من قال من المعتزلة البصرية بحدوث ارادة الله سبحانه لا في محل وبحدوث فناء الاجسام لا فى محل واكفروا ابا الهذيل في قوله ان قول الله عز وجل للشىء كن عرض حادث لا في محل.

     واتفقوا على أن الاجسام لا تخلوا ولم تخل قط من الاعراض المتعاقبة عليها واكفروا من قال من أصحاب الهيولي ان الهيولي كانت في الازل خالية من الاعراض ثم حدثت فيها الاعراض حتى صارت على صورة العالم وهذا القول غاية في الاستحالة لان حلول العرض فى الجوهر يغير صفته ولا يزيد فى عدده فلو كان هيولى العالم جوهرا واحدا لم يصر جواهر كثيرة بحلول الاعراض فيها.

     وأجمعوا على وقوف الارض وسكونها وان حركتها انما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الارض تهوى أبدا ولو كانت كذلك لوجب الا يلحق الحجر الذى نلقيه من ايدينا الارض أبدا لان الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه فى انحداره.

     وأجمعوا على أن الارض متناهية الأطراف من الجهات كلها وكذلك السماء متناهية الاقطار من الجهات الست خلاف قول من زعم من الدهرية انه لا نهاية للارض من اسفل ولا عن اليمين واليسار ولا من خلف ولا من امام وانما نهايتها من الجهة التي تلاقى الهواء من فوقها وزعموا ان السماء ايضا متناهية من تحتها ولا نهاية لها من خمس جهات سوى جهة السفل وبطلان قولهم ظاهر من جهة عود الشمس الى مشرقها كل يوم وقطعها جرم السماء وما فوق الارض فى يوم وليلة ولا يصح قطع ما لا نهاية لها من المساقة فى الامكنة فى زمان متناه.

     وأجمعوا على ان السماوات سبع سماوات طباق خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين انها تسع واجمعوا انها ليست بكرية تدور حول الارض خلاف قول من زعم انها كرات بعضها فى جوف بعض وان الارض فى وسطها كمركز الكرة فى جوفها ومن قال بهذا لم يثبت فوق السماوات عرشا ولا ملائكة ولا شيئا مما يثبته الموجودون فوق السماوات عرشا ولا ملائكة ولا شيئا مما يثبته الموجودون فوق السماوات.

    وأجمعوا ايضا على جواز الفنا على العالم كله من طريق القدر والامكان وانما قالوا بتأييد الجنة ونعيمها وتأييد جهنم وعذابها من طريق الشرع واجازوا ايضا فناء بعض الاجسام دون بعض واكفروا ابا الهذيل بقوله بانقطاع نعيم الجنة وعذاب النار واكفروا من قال من الجهمية بفناء الجنة والنار واكفروا الجباي وابنه ابى هاشم في قولهما ان الله لا يقدر على افناء بعض الاجسام مع ابقاء بعضها وانما يقدر على افناء جميعها بفناء يخلقه لا في محل.

     وقالوا في الركن الثالث وهو الكلام فى صانع العالم وصفاته الذاتية التى استحقها لذاته ان الحوادث كلها لا بد لها من محدث صانع واكفروا ثمامة واتباعه من القدرية في قولهم ان الافعال المتولدة لا فاعل لها.

     وقالوا ان صانع العالم خالق الاجسام والاعراض واكفروا معمرا واتباعه من القدرية في قولهم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض وانما خلق الاجسام وان الاجسام هى الخالقة للاعراض في انفسها.

     وقالوا ان الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا اعيانا ولا جواهر ولا اعراضا خلاف قول القدرية في دعواها ان المعدومات في حال عدمها اشياء وقد زعم البصريون منهم ان الجواهر والاعراض كانت قبل حدوثها جواهر واعراضا وقول هؤلاء يؤدى الى القول بقدم العالم والقول الذى يؤدى الى الكفر كفر في نفسه.

     وقالوا ان صانع العالم قديم لم يزل موجودا خلاف قول المجوس في قولهم بصانعين احدهما شيطان محدث وخلاف قول الغلاة من الروافض الذين قالوا في على جوهر مخلوق محدث بانه صار الها صانعا بحلول روح الإله فيه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

     وقالوا بنفى النهاية والحد عن صانع العالم خلاف قول هشام بن الحكم الرافضى في دعواه ان معبوده سبعة اشبار بشبر نفسه وخلاف قول من زعم من الكرامية انه ذو نهاية من الجهة التى تلاقى منها العرش ولا نهاية له من خمس جهات سواها.

     واجمعوا على احالة وصفه بالصورة والاعضاء خلاف قول من زعم من غلاة الروافض ومن اتباع داوود الحوالى انه على صورة الانسان وقد زعم هشام بن سالم الجواليقى واتباعه من الرافضة ان معبودهم على صورة الانسان وعلى راسه وفرة سوداء وهو نور اسود وان نصفه الاعلى مجوف ونصفه الاسفل مصمت وخلاف قول المغيرية من الرافضة في دعواهم أن اعضاء معبودهم على صورة حروف الهجاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

     واجمعوا على انه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان خلاف قول من زعم من الشهامية والكرامية انه مماس لعرشه وقد قال امير المؤمنين على رضي الله عنه ان الله تعالى خلق العرش اظهارا لقدرته لا مكانا لذاته وقال ايضا قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان.

     واجمعوا على نفى الآفات والغموم والآلام واللذات عنه وعلى نفى الحركة والسكون عنه خلاف قول الهشامية من الرافضة في قولها بجواز الحركة عليه وفي دعواهم ان مكانه حدوث من حركته وخلاف قول من اجاز عليه التعب والراحة والغم والسرور والملالة كما حكى عن ابى شعيب الناسك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

     واجمعوا على ان الله تعالى غنى عن خلقه لا يجتلب بخلقه الى نفسه نفعا ولا يدفع بهم عن نفسه ضررا وهذا خلاف قول المجوس في دعواهم ان الله انما خلق الملائكة ليدفع بهم عن نفسه أذى الشيطان وأذى اعوانه.

     واجمعوا على ان صانع العالم واحد خلاف قول الثنوية بصانعين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وخلاف قول المجوس بصانعين احدهما اله قديم اسمه عندهم بزدان والآخر شيطان رجيم اسمه أهرمن وخلاف قول المفوضة من غلاة الروافض فى ان الله تعالى فوض تدبير العالم الى على فهو الخالق الثانى وخلاف قول الحايطية من القدرية اتباع احمد بن حايط فى قولهم إن الله تعالى فوض تدبير العالم على عيسى بن مريم وانه هو الخالق الثانى وقد استقصينا وجوه دلائل الموحدين على توحيد الصانع فى كتاب الملل والنحل.

     وقالوا في الركن الرابع وهو الكلام في الصفات القائمة بالله عز وجل أن علم الله تعالى وقدرته وحياته وارادته وسمعه وبصره وكلامه صفات له أزلية ونعوت له أبدية.

     وقد نفت المعتزلة عنه جميع الصفات الازلية وقالوا ليس له قدرة ولا علم ولا حياة ولا رؤية ولا ادراك للمسموعات واثبتوا له كلاما محدثا ونفى البغداديون عنه الارادة وأثبت البصريون منهم له ارادة حادثة لا في محل.

     وقلنا لهم في نفى الصفة نفى الموصون كما أن فى نفى الفعل نفى الفاعل وفي نفى الكلام نفى المتكلم.

     واجمع اهل السنة على ان قدرة الله تعالى على المقدورات كلها قدرة واحدة يقدر بها على جميع القدورات على طريق الاختراع دون الاكتساب خلاف قول الكرامية فى دعواها أن الله تعالى انما يقدر بقدرته على الحوادث التى تحدث فى ذاته فاما الحوادث الموجودة فى العالم فانما خلقها الله تعالى باقواله لا بقدرته وخلاف قول البصريين من القدرية فى دعواها ان الله سبحانه لا يقدر على مقدورات عباده ولا على مقدورات سائر الحيوانات.

     وأجمع اهل السنة على ان مقدورات الله تعالى لا تفنى خلاف قول أبى الهذيل واتباعه من القدر فى دعواه ان قدرة الله تعالى تنتهى الى حال تفنى بمقدوراته فيها ولا يقدر بعدها على شىء ولا يملك حينئذ لاحد على ضر ولا نفع وزعم ان أهل الجنة وأهل النار فى تلك الحال يبقون جمودا فى سكون ذاتهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

     وقد زعم الاسوارى واتباعه من المعتزلة أن الله تعالى إنما يقدر على أن يفعل ما قد علم انه يفعل فاما ما علم أنه لا يفعله أو اخبر عن نفسه بانه لا يفعله فانه لا يقدر على فعله تعالى الله عن قوله علوا كبيرا.

     واجمع اهل السنة على أن علم الله تعالى واحد يعلم به جميع المعلومات على تفصيلها من غير حس ولا بديهة ولا استدلال عليه وزعم معمر واتباعه من القدرية أن الله تعالى لا يقال انه عالم بنفسه ومن العجائب عالم بغيره ولا يكون عالما بنفسه.

     وزعم قوم من الرافضة ان الله تعالى لا يعلم الشىء قبل كونه.

     وزعم زرارة بن أعين واتباعه من الرافضة أن علم الله تعالى وقدرته وحياته وسائر صفاته حوادث وانه لم يكن حيا ولا قادرا ولا عالما حتى خلق لنفسه حياة وقدرة وعلما وارادة وسمعا وبصرا.

     وأجمعوا على ان سمعه وبصره محيطان بجميع المسموعات والمرئيات وان الله تعالى لم يزل رائيا لنفسه وسامعا لكلام نفسه وهذا خلاف قول القدرية البغدادية فى دعواهم ان الله تعالى ليس براء ولا سامع على الحقيقة وانما يقال يرى ويسمع على معنى انه يعلم المرئى والمسموع وخلاف قول المعتزلة فى دعواها ان الله تعالى يرى غيره ولا يرى نفسه وخلاف قول الجباى فى فرقه بين السميع والسامع وبين البصير والمبصر حتى قال انه كان فى الأزل سميعا بصيرا ولم يكن فى الازل سامعا ولا مبصرا وهذا الفرق يمكن عكسه عليه فلا يجد من لزوم عكسه انفصالا.

     وأجمع اهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئيا للمؤمنين في الآخرة وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حى من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة من طريق الخبر وهذا خلاف قول من أحال رؤيته من القدرية والجهمية وخلاف قول من زعم أنه يرى في الآخرة بحاسة سادسة كما ذهب اليه ضرار بن عمرو وخلاف قول من زعم ان الكفرة ايضا يرونه كما قاله ابن سالم البصرى وقد استقصينا مسائل الرؤية فى كتاب مفرد

     واجمع اهل السنة على ان ارادة الله تعالى مشيئته واختياره وعلى ان ارادته للشىء كراهة لعدمه كما قالوا ان امره بالشىء نهى عن تركه وقالوا ايضا ان ارادته نافذة في جميع مراداته على حسب علمه بها فما علم كونه منها اراد كونه في الوقت الذى علم انه يكون فيه وما علم انه لا يكون اراد ألا يكون وقالوا إنه لا يحدث في العالم شىء الا بارادته ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وزعمت القدرية البصرية ان الله تعالى قد شاء مالم يكن وزعمت القدرية البصرية ان الله تعالى قد شاء ما لم يكن وقد كان ما لم يشأ وهذا القول يؤدى الى ان يكون مقهورا مكرها على حدوث ما كره حدوثه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

     واجمع أهل السنة على ان حياة الإله سبحانه بلا روح ولا اغتذاء وأن الأرواح كلها مخلوقة خلاف قول النصارى في دعواها قدم أب وابن وروح.

     وأجمعوا على أن الحياة شرط في العلم والقدرة والإرادة والرؤية والسمع وان من ليس بحى لا يصح ان يكون عالما قادرا مريدا سامعا مبصرا خلاف قول الصالحي واتباعه من القدرية في دعواهم جواز وجود العلم والقدرة والرؤية والارادة في الميت.

     وأجمعوا على أن كلام الله عز وجل صفة له أزلية وانه غير مخلوق ولا محدث ولا حادث خلاف قول القدرية في دعواهم ان الله تعالى خلق كلامه في جسم من الاجسام وخلاف قول الكرامية في دعواهم ان أقواله حادثة في ذاته خلاف قول أبى الهذيل ان قوله للشىء كن لا في محل وسائر كلامه محدث في اجسام.

     وقلنا لا يجوز حدوث كلامه فيه لانه ليس بمحل للحوادث ولا في غيره لانه يوجب ان يكون غيره به متكلما آمرا ناهيا ولا في غير محل لان الصفة لا تقوم بنفسها فبطل حدوث كلامه وصح ان صفته له ازلية.

     وقالوا في الركن الخامس وهو الكلام في اسماء الله تعالى وأوصافه ان مأخذ اسماء الله تعالى التوقيف عليها إما بالقرآن واما بالسنة الصحيحة واما باجماع الامة عليه ولا يجوز اطلاق اسم عليه من طريق القياس وهذا خلاف قول المعتزلة البصرية في اجازتها اطلاق الاسماء عليه بالقياس وقد افرط الجباى في هذا الباب حتى سمى الله مطيعا لعبده اذا اعطاه مراده وسماه محبلا للنساء اذا خلق فيهن الحبل وضللته الامة في هذه الجسارة التى تورثه الخسارة.

     فقال اهل السنة قد جاءت السنة الصحيحة بان لله تعالى تسعة وتسعين اسما وان من احصاها دخل الجنة ولم يرد باحصائها ذكر عددها والعبارة عنها فان الكافر قد يذكرها حاكيا لها ولا يكون من اهل الجنة وانما اراد باحصائها العلم بها واعتقاد معانيها من قولهم فلان ذو حصاة واطإة كذا اذا كان ذا علم وعقل.

     وقالوا ان اسماء الله تعالى على ثلاثة اقسام قسم منها يدل على ذاته كالواحد والغنى والاول والآخر والجليل والجميل وسائر ما استحقه من الاوصاف لنفسه.

     وقسم منها يفيد صفاته الأزلية القائمة بذاته كالحى والقادر والعالم والمريد والسميع والبصير وسائر الاوصاف المشتقة من صفاته القائمة بذاته وهذا القسم من اسمائه مع القسم الذى قبله لم يزل الله تعالى بهما موصوفا وكلاهما من اوصافه الأزلية.

     وقسم منها مشتق من افعاله كالخالق والرازق والعادل ونحو ذلك وكل اسم اشتق من فعله لم يكن موصوفا به قبل وجود افعاله وقد يكون من اسمائه ما يحتمل معنيين أحدهما صفة ازلية والآخر فعل له كالحكيم إن أخذناه من الحكمة التى هى العلم كان من اسمائه الازلية وان أخذناه من احكام افعاله واتقانها كان مشتقا من فعله ولم يكن من أوصافه الازلية.

     وقالوا في الركن السادس وهو الكلام في عدل الاله سبحانه وحكمته ان الله سبحانه خالق الاجسام والاعراض خيرها وشرها وانه خالق اكساب العباد ولا خالق غير الله.

      وهذا خلاف قول من زعم من القدرية أن الله تعالى لم يخلق شيئا من اكساب العباد وخلاف قول الجهمية ان العباد غير مكتسبين ولا قادرين على اكسابهم فمن زعم ان العباد خالقون لاكسابهم فهو قدرى مشرك بربه لدعواه ان العباد يخلقون مثل خلق الله من الاعراض التى هى الحركات والسكون فى العلوم والارادات ولاقوال والاصوات وقد قال الله عز وجل فى ذم اصحاب هذا القول {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شىء وهو الواحد القهار} ومن زعم أن العبد لا استطاعة له على الكسب وليس هو معامل ولا مكتسب فهو جبرى والعدل خارج عن الخبر والقدر ومن قال أن العبد مكتسب لعمله والله سبحانه خالق لكسبه فهو سنى عدلى منزه عن الجبر والقدر.

     وأجمع اهل السنة على ابطال قول أصحاب التولد فى دعواهم ان الانسان قد يفعل فى نفسه شيئا يتولد منه فعل فى غيره خلاف قول اكثر القدرية بان الانسان قد يفعل فى غيره افعالا تتولد عن اسباب يفعلها فى نفسه وخلاف قول من زعم من القدرية ان المتولدات افعال لا فاعل لها كما ذهب اليه ثمامة.

     وأجمعوا على ان الانسان يصح منه اكتساب الحركة والسكون والارادة والقول والعلم والفكر وما يجرى مجرى هذه الاعراض التى ذكرناها وعلى انه لا يصح منه اكتساب الالوان والطعوم والروائح والادراكات خلاف قول بشر بن المعتمر واتباعه من المعتزلة في دعواهم ان الانسان قد يفعل الالوان والطعوم والروائح على سبيل التولد وزعموا ايضا انه يصح منه فعل الرؤية في العين وفعل ادرك المسموع فى محل السمع وأفحش من هذا قول معمر القدري بان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض وان الاعراض كلها من افعال الاجسام وكفاه بهذه الضلالة خزيا.

     وقال اهل السنة ان الهداية من الله تعالى على وجهين:

     احدهما من جهة ابانة الحق والدعاء اليه ونصب الادلة عليه وعلى هذا الوجه يصح اضافة الهداية الى الرسل والى كل داع الى دين الله عز وجل لانهم يرشدون اهل التكليف الى الله تعالى وهذا تأويل قول الله عز وجل في رسوله {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} اى تدعو اليه.

     والوجه الثانى من هداية الله سبحانه لعباده خلق الاهتداء في قلوبهم كما ذكره في قوله {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وهذا النوع من الهداية لا يقدر عليه الا الله تعالى.

     والهداية الاولى من الله تعالى شاملة لجميع المكلفين والهداية الثانية من خاصته للمهتدين وفى تحقيق ذلك نزل قول الله تعالى {والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم}.

     والاضلال من الله تعالى عند اهل السنة على معنى خلق الضلال في قلوب اهل الضلال كقوله {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}.

     وقالوا من أضله الله فبعدله ومن هداه فبفضله وهذا خلاف قول القدرية في دعواها ان الهداية من الله تعالى على معنى الارشاد والدعاء الى الحق وليس اليه من هداية القلوب شىء وزعموا ان الاضلال منه على وجهين احدهما التسمية بان يسمى الضلال ضلالا والثانى على معنى جزاء اهل الضلال على ضلالتهم ولو صح ما قالوا لوجب أن يقال انه اضل الكافرين لانه سماهم ضالين ولوجب ان يقال ان ابليس أضل الانبياء المؤمنين لانه سماهم ضالين ولزمهم ان يكون من أقام الحدود على الزناة والسارقين والمرتدين مضلا لهم لانه قد جازاهم على ضلالتهم وهذا فاسد فما يؤدى اليه مثله.

     وقال أهل السنة في الآجال ان كل من مات حتف انفه أو قتل فانما مات باجله الذى جعله الله أجلا لعمره والله تعالى قادر على ابقائه والزيادة في عمره لكنه متى لم يبقه الى مدة لم تكن المدة التى لم يبقه اليها أجلاله وهذا كما ان المراة التى يتزوجها من قبل موته وهذا كما أن المرأة التي يتزوجها قبل موته لم تكن امرأة له وان كان الله سبحانه قادرا على أن يزوجها من قبل موته وهذا خلاف قول من زعم من القدرية ان المقتول مقطوع عليه اجله وخلاف قول من زعم منهم أن المقتول ليس بميت وجحد فائدة قول الله تعالى {كل نفس ذائقة الموت} وهذه بدعة ذهب اليها الكعبى وكفى بها خزيا.

     وقال اهل السنة في الارزاق بما هى عليه الآن وان كل من أكل شيئا او شربه فانما تناول رزقه حلالا كان أو حراما خلاف قول من زعم من القدرية ان الانسان قد يأكل رزق غيره.

     وقالوا في ابتداء التكليف ان الله تعالى لو لم يكلف عباده شيئا كان عدلا منه خلاف قول من زعم من القدرية أنه لو لم يكلفهم لم يكن حكيما.

     وقالوا لو زاد في تكليف العباد على ما كلفهم او نقص بعض ما كلفهم كان جائزا خلاف قول من ابى ذلك من القدرية.

     وكذلك لو لم يخلق الخلق لم يلزمه بذلك خروج عن الحكمة وكان السابق حينئذ في علمه انه لا يخلق.

     وقالوا لو خلق الله تعالى الجمادات دون الاحياء جاز ذلك منه خلاف قول من قال من القدرية أنه لو لم يخلق الاحياء لم يكن حكيما.

     وقالوا لو خلق الله تعالى عباده كلهم في الجنة لكان ذلك فضلا منه خلاف قول من زعم من القدرية انه لو فعل ذلك لم يكن حكيما وهذا حجر منهم على الله سبحانه ونحن لا نرى الحجر عليه بل نقول له الامر والنهى وله القضاء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

     وقال في الركن السابع المفروض في النبوة والرسالة اثبات الرسل من الله تعالى الى خلقه خلاف قول البراهمة المنكرين لهم مع قولهم بتوحيد الصانع

     وقالوا في الفرق بين الرسول والنبى ان كل من نزل عليه الوحى من الله تعالى على لسان ملك من الملائكة وكان مؤيدا بنوع من الكرامات الناقضة للعادات فهو نبى ومن حصلت له هذه الصفة وخص ايضا بشرع جديد او بفسخ بعض احكام شريعة كانت قبله فهو رسول.

     وقالوا ان الانبياء كثير والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر واول الرسل ابو جميع البشر وهو آدم عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم خلاف قول المجوس في دعواهم ابو جميع البشر كيكومرت الملقب بكل شاة وخلاف قولهم ان اجزاء الرسل زراذست وخلاف قول من زعم من الخرمية ان الرسل تترى لا آخر لهم.

     وقالوا بنبوة موسى في زمانه خلاف قول منكريه من البراهمة والمانوية الذين انكروه مع اقرار المانوية بعيسى عليه السلام.

     وقالوا بنبوة عيسى عليه السلام خلاف قول منكريه من اليهود والبراهمة.

     وانكروا قتل عيسى واثبتوا رفعه الى السماء وقالوا انه ينزل الى الارض بعد خروج الدجال فيقتل الدجال ويقتل الخنزير ويريق الخمور ويستقبل في صلاته الكعبة ويؤيد شريعة محمد ويحيى ما احياه القرآن ويميت ما أماته القرآن.

     وقالوا بتكفير كل متنبئ سواء كان قبل الاسلام كزراذشت ويود اسف ومانى وديصان ومزفيورومزدك أو بعده كمسيلمة وستجارح والاسود ثم يزيد العنسى وسائر من كان بعدهم من المتنبين.

     وقالوا بتكفير من ادعى للانبياء الاهية او ادعى الائمة الخلافة نبوة او الاهية كالسبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والخطابية ومن جرى مجراهم.

     وقالوا بتفضيل الانبياء على الملائكة خلاف قول الحسين بن الفضل مع اكثر القدرية بتفضيل الملائكة على الانبياء.

     وقالوا بتفضيل الانبياء على الاولياء من امم الانبياء خلاف قول من زعم ان في الاولياء من هو افضل من الانبياء.

     وقالوا بعصمة الانبياء عن الذنوب وتأولوا ما روى عنهم من زلاتهم على انها كانت قبل النبوة خلاف قول من أجاز عليهم الصغائر وخلاف قول الهشامية من الروافض الذين أجازوا عليهم الذنوب مع قولهم بعصمة الامام من الذنوب.

     وقالوا في الركن الثامن المضاف الى المعجزات والكرامات ان المعجزة أمر يظهر بخلاف العادة على يدى مدعى النبوة مع تحديه قومه بها ومع عجز قومه عن معارضته بمثلها على وجه يدل على صدقة فى زمان التكليف.

     وقالوا لا بد للنبى من معجزة واحدة تدل على صدقه قاذا ظهرت عليه معجزة واحدة تدل على صدقه وعجزوا عن معارضته بمثلها فقد لزمتهم الحجة فى وجوب تصديقه ووجوب طاعته فان طالبوه بمعجزة سواها فالأمر الى الله عز وجل إن شاء أيده بها وان شاء عاقب المطالبين له بها لتركهم الايمان بمن قد ظهرت دلالة صدقه وهذا خلاف قول من زعم من القدرية ان النبى عليه السلام لا يحتاج الى معجزة اكثر من استقامة شريعته كما ذهب اليه ثمامة.

     وقالوا الصادق فى دعوى النبوة يجوز ظهور معجزة التصديق عليه ولا يجوز ظهور معجزة التصديق على المتنبى فى دعوى النبوة ويجوز أن يظهر عليه معجزة تدل على كذبه كنطق شجرة او عضو من أعضائه بتكذيبه وقالوا يجوز ظهور الكرامات على الاولياء وجعلوها دلالة على الصدق فى احوالهم كما كانت معجزات الانبياء دلالة على صدقهم فى دعاويهم.

     وقالوا على صاحب المعجزة إظهارها والتحدى بها وصاحب الكرامات لا يتحدى بها غيره وربما كتمها وصاحب المعجزة مأمون العاقبة وصاحب الكرامة لا يأمن تغيير عاقبته كما تغيرت عاقبة بلعم بن باعورا بعد ظهور كراماته وأنكرت القدرية كرامات الاولياء لانهم لم يجدوا من فرقهم ذا كرامة.

     وقالوا باعجاز القرآن في نظمه خلاف قول من زعم من القدرية ان لا إعجاز في نظم القرآن كما ذهب اليه النظام وقالوا في معجزات محمد بانشقاق القمر وتسبيح الحصا في يده ونبوع الماء من بين اصابعه واشباعه الخلق الكثير من الطعام اليسير ونحو ذلك وقد خالف النظام واتباعه من القدرية ذلك.

     وقالوا في الركن التاسع المضاف الى أركان شريعة الاسلام إن الاسلام مبنى على خمسة اركان شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام.

     وقالوا من اسقط وجوب ركن من هذه الأركان الخمسة أو تأولها على معنى موالاة قوم كما تأولوا عليها المنصورية والجناحية من غلاة الرافضة فهو كافر.

     وقالوا في الصلوات المفروصة انها خمس وأكفروا من اسقط وجوب بعضها وكان مسيلمة الكذاب قد أسقط وجوب صلاتى الصبح والمغرب وجعل سقوطها مهرا لامرأته سجاح المتنبية فكفر وألحد.

     وقالوا بوجوب عقد صلاة الجمعة واكفروا من الخوارج والروافض من قال لا جمعة اليوم حتى يظهر إمامهم الذى ينتظرونه.

     وقالوا بوجوب زكاة الاعيان فى الذهب والورق والإبل والبقر والغنم اذا كانت هذه الاصناف الثلاثة من النعم سائمة وأوجبوها في الحبوب المقتاتة التى يزرعها الناس ويتخذونها قوتا وأوجبوها في ثمار النخيل والأعناب فمن قال لا زكاة في هذه الاشياء التى ذكرناها كفر ومن أثبت زكاتها في الجملة وكان خلافه في نصبها على ما اختلف فيه فقهاء الامة لم يكفر.

     وقالوا بوجوب صوم رمضان وحرموا الفطر فيه إلا بعذر صغر أو جنون أو مرض او سفر أو نحو ذلك من الأعذار.

     وقالوا باعتبار شهر الصيام من رؤية هلال رمضان أو بكمال شعبان ثلاثين يوما ولم يفطروا في آخره الا برؤية هلال شوال او بكمال ايام رمضان ثلاثين يوما وضللوا من صام من الروافض قبل الهلال بيوم وافطر قبل الفطر بيوم.

     وقالوا بوجوب الحج في العمرة مرة واحدة على من استطاع اليه سبيلا واكفروا من أسقط وجوبها من الباطنية ولم يكفروا من أسقط وجوب العمرة لاختلاف الأمة في وجوبها.

     وقالوا من شرط صحة الصلوات الطهارة وستر العورة ودخول الوقت الوقت واستقبال القبلة على حسب الامكان ومن اسقط اعتبار هذه الشروط أو اعتبار شىء منها مع الامكان كفر وقالوا بوجوب الجهاد مع الاعداء للاسلام حتى يسلموا أو يؤدى الجزية منهم من يجوز قبول الجزية منه.

     وقالوا بجواز البيع وتحريم الربا وضللوا من اباح الربا فى الجملة.

     وقالوا بان الفروج لا تستباح إلا بنكاح صحيح او ملك يمين واكفروا المعبضية والمحمرة والخرمية الذين اباحوا الزنى واكفروا ايضا من تأول المحرمات على قوم زعم ان موالاتهم حرام.

     وقالوا بوجوب اقامة حد الزنى والسرقة والخمر والقذف واكفروا من اسقط حد الخمر والرجم من الخوارج.

     وقالوا اصول احكام الشريعة الكتاب والسنة واجماع السلف واكفروا من لم ير اجماع الصحابة حجة واكفروا الخوارج فى ردهم حجج الاجماع والسنن واكفروا من قال من الروافض لا حجة فى شىء من ذلك وانما الحجة فى قول الامام الذى ينتظرونه وهؤلاء اليوم حيارى فى التيه وكفاهم بذلك خزيا.

     وقالوا في الركن العاشر المضاف الى الامر والنهى أن افعال المكلفين خمسة اقسام واجب ومحظور ومسنون ومكروه ومباح.

     فالواجب ما أمر الله تعالى به على وجه اللزوم وتاركه مستحق للعقاب على تركه.

     والمحظور ما نهى الله عنه وفاعله يستحق العقاب على فعله.

     والمسنون ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.

     والمكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.

     والمباح ما ليس فى فعله ثواب ولا عقاب وليس فى تركه ثواب ولا عقاب.

     وهذا كله في افعال المكلفين فاما افعال البهائم والمجانين والاطفال فانها لا توصف بالاباحة والوجوب والخطر بحال.

     وقالوا ان كل ما وجب على المكلف من معرفة او قول او فعل فانما وجب عليه بامر الله تعالى اياه به وكل ما حرم عليه فعله فبنهى الله تعالى اياه عنه ولو لم يرد الامر والنهى من الله تعالى على عباده لم يجب عليهم شىء ولم يحرم عليهم شىء.

     وهذا خلاف قول من زعم من البراهمة والقدرية أن التكليف يتوجه على العاقل بخاطرين بقلبه.

     احدهما من قبل الله سبحانه يدعوه به الى النظر والاستدلال.

     والآخر من قبل الشيطان يدعوه به الى العصيان وينهاه به عن طاعة الخاطر الاول.

     وهذا يوجب عليهم ان يكون ذلك الشيطان مكلفا بخاطرين احدهما من قبل الله تعالى والآخر من قبل شيطان آخر ثم يكون القول فى الشيطان الآخر كالقول فى الاول حتى يتسلل ذلك بشياطين لا الى نهاية وهذا محال وما يؤدى الى المحال محال.

     وقالوا فى الركن الحادى عشر المضاف الى فناء العباد واحكامهم فى المعاد

ان الله سبحانه قادر على افناء جميع العالم جملة وعلى افناء بعض الاجسام مع بقاء بعضها خلاف قول من زعم من القدرية البصرية انه يقدر على افناء كل الاجسام بفناء يخلقه لا فى محل ولا يقدر على افناء بعض الاجسام مع بقاء بعضها.

     وقالوا ان الله عز وجل يعيد فى الآخرة الناس وسائر الحيوانات التى ماتت فى الدنيا خلاف قول من زعم انه انما يعيد الناس دون الاحياء الباقين.

     وقالوا بخلق الجنة والنار، خلاف قول من زعم انهما غير مخلوقتين.

     وقالوا بدوام نعيم الجنة على اهلها ودوام عذاب النار على المشركين والمنافقين خلاف قول من زعم انهما يفنيان كما زعم جهم وخلاف قول ابى الهذيل القدري بفناء مقدورات الله تعالى فيهما وفى غيرهما.

     وقالوا بان الخلود فى النار لا يكون الا للكفرة خلاف قول القدرية والخوارج بتخليد كل من دخل النار فيها.

     وقالوا بان القدرية والخوارج يخلدون في النار ولا يخرجون منها وكيف يغفر الله تعالى لمن يقول ليس لله ان يغفر ويخرج من النار من دخلها.

     وقالوا باثبات السؤال فى القبر وبعذاب القبر لأهل العذاب وقطعوا بان المنكرين لعذاب القبر يعذبون فى القبر.

     وقالوا بالحوض والصراط والميزان ومن انكر ذلك حرم الشرب من الحوض ودحضت قدمه من الصراط الى نار جهنم.

     وقالوا باثبات الشفاعة من النبى ومن صلحاء امته للمذنبين من المسلمين ولمن كان فى قلبه ذرة من الايمان والمنكرون للشفاعة يحرمون الشفاعة.

     وقالوا في الركن الثانى عشر المضاف الى الخلافة والامامة ان الامامة فرض واجب على الامة لاجل إقامة الامام ينصب لهم القضاة والامناء ويضبط ثغورهم ويغزى جيوشهم ويقسم الفىء بينهم وينتصف لمظلومهم من ظالمهم.

     وقالوا بأن طريق عقد الامامة للامام فى هذه الامة الاختيار بالاجتهاد وقالوا ليس من النبى نص على امامة واحد بعينه خلاف قول من زعم من الرافضة انه نص على امامة على رضى الله عنه نصا مقطوعا بصحته ولو كان كما قالوه لنقل ذلك نقل مثله ولا ينفصل من ادعى ذلك فى على مع عدم التواتر فى نقله ممن ادعى مثله فى أبى بكر او غيره مع دعم النقل فيه.

     وقالوا من شرط الامامة النسب من قريش وهم بنو النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان خلاف قول من زعم من الضرارية أن الامامة تصلح فى جميع أصناف العرب وفى الموالى والعجم وخلاف قول الخوارج بامامة زعمائهم الذين كانوا من ربيعة وغيرهم كنافع بن الازرق الحنفى ونجدة بن عامر الحنفى وعبد الله بن وهب الراسى وحرفوص بن زهير النجلى وشبيب بن يزيد الشيبانى وأمثالهم عنادا منهم لقول النبى صلى الله عليه وسلم {الائمة من قريش}.

     وقالوا من شرط الامام العلم والعدالة والسياسة وأوجبوا من العلم له مقدار ما يصير به من اهل الاجتهاد فى الاحكام الشرعية وأوجبوا من عدالته أن يكون ممن يجوز حكم الحاكم بشهادته وذلك بأن يكون عدلا في دينه مصلحا لماله وحاله غير مرتكب لكبيرة ولا مصر على صغيرة ولا تارك للمروءة في جل اسبابه وليس من شرطه العصمة من الذنوب كلها خلاف قول من زعم من الامامية أن الامام يكون معصوما من الذنوب كلها وقد اجازوا له في حال التقية أن يقول لست بامام وهو إمام وقد اباحوا له الكذب في هذا مع قولهم بعصمته من الكذب.

     وقالوا ان الامامة تنعقد بمن يعقدها لمن يصلح للامامة اذا كان العاقد من أهل الاجتهاد والعدالة.

     وقالوا لا تصح الامامة الا لواحد فى جميع ارض الاسلام الا أن يكون بين الصقعين حاجز من بحر أو عدو لا يطاق ولم يقدر أهل كل واحد من الصقعين على نصرة اهل الصقع الآخر فحينئذ يجوز لأهل صقع عقد الامامة لواحد يصلح لها منهم.

     وقالوا بامامة أبى بكر الصديق بعد النبى خلاف قول من اثبتها لعلى وحده من الرافضة وخلاف قول الروندية الذين أثبتوا إمامة العباس بعده

     وقالوا بتفضيل أبى بكر وعمر وعلى من بعدهما وإنما اختلفوا في التفاضل بين على وعثمان رضى الله عنهما.

     وقالوا بموالاة عثمان وتبرءوا ممن اكفره.

     وقالوا بامامة على في وقته وقالوا بتصويب على في حروبه بالبصرة وبصفين وبنهروان.

     وقالوا بان طلحة والزبير تابا ورجعا عن قتال على لكن الزبير قتله عمرو بن حرمون بوادى السباع بعد منصرفه من الحرب وطلحة لما هم بالانصراف رماه مروان بن الحكم وكان مع أصحاب الجمل بسهم فقتله.

     وقالوا إن عائشة رضي الله عنها قصدت الاصلاح بعد الفريقين فغلبها بنو ضبة والأزد على رايها وقاتلوا عليا دون اذنها حتى كان من الأمر ما كان.

     وقالوا في صفين إن الصواب كان مع على رضى الله عنه وأن معاوية وأصحابه بغوا عليه بتأويل أخطئوا فيه ولم يكفروا بخطئهم.

     وقالوا إن عليا أصاب في التحكيم غير أن الحكمين أخطأ في خلع على من غير سبب أوجب خلعه وخدع أحد الحكمين الآخر.

     وقالوا بمروق أهل النهروان عن الدين لان النبى صلى الله عليه وسلم سماهم مارقين لانهم اكفروا عليا وعثمان وعائشة وابن عباس وطلحة والزبير وسائر من تبع عليا بعد التحكيم واكفروا كل ذنب من المسلمين ومن اكفر المسلمين واكفر أخيار الصحابة فهو الكافر منهم.

     وقالوا في الركن الثالث عشر المضاف الى الايمان والاسلام إن اصل الايمان المعرفة والتصديق بالقلب وانما اختلفوا في تسمية الاقرار وطاعات الاعضاء الظاهرة ايمانا مع اتفاقهم على وجوب جميع الطاعات المفروضة وعلى استحباب النوافل المشروعة خلاف قول الكرامية الذين زعموا أن الايمان هو الاقرار الفرد سواء كان معه اخلاص او نفاق وخلاف قول من زعم من القدرية والخوراج ان اسم المؤمن يزول عن مرتكبى الذنوب.

     وقالوا ان اسم الايمان لا يزول بذنب دون الكفر ومن كان ذنبه دون الكفر فهو مؤمن وان فسق بمعصيته.

     وقالوا لا يحل قتل امرىء مسلم الا باحدى ثلاث من ردة او زنى بعد احصان او قصاص بمقتول هو كفره وهذا خلاف قول الخوارج فى اباحة قتل كل عاص لله تعالى.

     ولو كان المذنبون كلهم كفرة لكانوا مرتدين عن الاسلام ولو كانوا كذلك لكان الواجب قتلهم دون اقامة الحدود عليهم ولم يكن لوجوب قطع يد السارق وجلد القاذف ورجم الزانى المحصن فائدة لان المرتد ليس له حد الا القتل.

     وقالوا في الركن الرابع عشر المضاف الى الاولياء والأئمة أن الملائكة معصومون عن الذنوب لقول الله تعالى فيهم {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون}.  

     وقال اكثرهم بفضل الانبياء على الملائكة خلاف قول من فضل الملائكة على الانبياء والتزم من اجل ذلك فضل الزبانية على اولى العزم من الرسل.

     وقالوا بفضل الانبياء على الاولياء من الامم خلاف قول من فضل بعض الاولياء على بعض الانبياء من الكرامية.

     واختلف اهل السنة فى امامة المفضول فأباها شيخنا ابو الحسن الاشعرى وأجازها القلانسى.

     وقالوا بموالاة العشرة من اصحاب النبى عليه السلام وقطعوا بأنهم من اهل الجنة وهم الخلفاء الاربعة وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن ثقيل وعبد الرحمن وأبو عبيدة ابن الجراح.

     وقالوا بموالاة كل من شهد بدرا مع النبى عليه السلام وقطعوا بانهم من اهل الجنة وكذلك القول فيمن شهد معه احدا إلا رجلا اسمه قزمان فانه قتل باحد جماعة من المشركين وقتل نفسه وكان ينسب الى النفاق وكذلك كل من شهد بيعة الرضوان بالحديبية من اهل الجنة.

     وقالوا قد صح الخبر بان سبعين الفا من هذه الامة يدخلون الجنة بلا حساب وان كل واحد منهم يشفع فى سبعين الفا وقد دخل في هذه الجملة عكاشة بن محصن.

     وقالوا بموالاة كل من مات على دين الاسلام ولم يكن قبل موته على بدعة من ضلالات اهل الاهواء الضالة.

     وقالوا فى الركن الخامس عشر المضاف الى احكام أعداء الدين أن اعداء دين الاسلام صنفان صنف كانوا قبل ظهور دولة الاسلام وصنف ظهروا فى دولة الاسلام وتستروا بالاسلام فى الظاهر وكادوا المسلمين وابتغوا غوائلهم.

     فالذين كانوا قبل الاسلام اصناف تختلف فيهم الاوصاف.

     منهم عبدة الاصنام والاوثان.

     ومنهم عبدة انسان مخصوص كالذين عبدوا جمشيذ والذين عبدوا نمروذ بن كنعان والذين عبدوا فرعون ومن جرى مجراهم.

     ومنهم الذين عبدوا كل ما استحسنوا من الصور على مذاهب الحلولية فى دعواها حلول روح الإله بزعمهم فى الصور الحسنة.

     ومنهم الذين عبدوا الشمس أو القمر أو الكواكب جملة او بعض الكواكب خصوصا ومنهم الذين عبدوا الملائكة وسموها بنات الله وفيهم نزل قول الله تعالى {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى}.

     ومنهم من عبد شيطانا مريدا ومنهم قوم عبدوا البقر ومنهم الذين عبدوا النيران.

     وحكم جميع عبدة الاصنام والناس والملائكة والنجوم والنيران تحريم ذبائحهم ونكاح نسائهم على المسلمين.

     واختلفوا في قبول الجزية منهم فقال الشافعى لا تقبل منهم الجزية وانما يجوز قبولها من اهل الكتاب أو ممن له شبهة كتاب وقال مالك وابو حنيفة بجواز قبولها منهم غير أن مالكا استثنى القرشى منهم واستثنى أبو حنيفة العربى منهم.

     ومن أصناف الكفرة قبل الاسلام السوفسطائية المنكرة للحقائق ومنهم السمنية القائلون بقدم العالم مع انكارهم للنظر والاستدلال ودعواهم انه لا يعلم شىء الا من طرق الحواس الخمس ومنهم الدهرية القائلون بقدم العالم ومنهم القائلون بقدم هيولى العالم مع اقرارهم بحدوث الأعراض منها ومنهم الفلاسفة الذين قالوا بقدم العالم وأنكروا الصانع وبه قال منهم بيثاغورس وقاوذروس ومنهم الفلاسفة الذين أقروا بصانع قديم ولكنهم زعموا ان صنعه قديم معه وقالوا بقدم الصانع والمصنوع كما ذهب اليه ابن قلس ومنهم الفلاسفة الذين قالوا بقدم الطبائع الاربع والعناصر الاربعة التى هى الارض والماء والنار والهواء ومنهم الذين قالوا بقدم هذه الاربعة وقدم الافلاك والكواكب معها وزعم ان الفلك طبيعة خامسة وانها لا تقبل الكون والفساد لا فى الجملة ولا فى التفصيل.

     وقد اجمع المسلمون على ان هؤلاء الاصناف الذين ذكرناهم لا يحل للمسلمين اكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم واختلفوا في قبول الجزية منهم فمن قبلها من اهل الاوثان قبلها منهم ومن لم يقبلها من اهل الاوثان لم يقبلها منهم وبه قال الشافعى واصحابه.

     وقالوا فى المجوس انهم اربع فرق زروانية ومسخية وخرمدينية وبهافريدية وذبائح جميعهم حرام وكذلك نكاح نسائهم حرام وقد اجمع الشافعى ومالك وأبو حنيفة والأوزاعى والثورى على جواز قبول الجزية من الروزانية والمسخية منهم وانما اختلفوا في مقدار دياتهم فقال الشافعى دية المجوسى خمس دية اليهودى والنصرانى ودية اليهودى والنصرانى ثلث دية المسلم فدية المجوسى اذا خمس دية المسلم وقال ابو حنيفة دية المجوسى واليهودى والنصرانى كدية المسلم.

     واما المزدكية من المجوس فلا يجوز قبول الجزية منهم لانهم فارقوا دين المجوس الاصلية باستباحة المحرمات كلها وبقولهم ان الناس كلهم شركاء فى الاموال والنساء وفى سائر اللذات.

     وكذلك البهافريدية لا يجوز قبول الجزية منهم وان كانوا احسن قولا من المجوس الاصلية لان دينهم ظهر من زعيمهم بها فريد فى دولة الاسلام وكل كفر ظهر بعد دولة الاسلام فلا يجوز اخذ الجزية من اهله.

     واختلف الفقهاء في الصابئين من الكفرة فقال اكثرهم ان حكمهم في الذبيحة والنكاح والجزية كحكم النصارى في جواز ذلك كله ومنهم من قال إن من قال من الصابئين بقدم الهيولى فحكمه كحكم اصحاب الهيولى كما ذكرناه قبل هذا ومن قال منهم بحدوث العالم وكان الخلاف معه في صفات الصانع فحكمة حكم النصارى وبه نقول.

     واجمع اصحاب الشافعى على ان البراهمة الذين ينكرون جميع الانبياء والرسل لا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وان وافقوا المسلمين في حدوث العالم وتوحيد صانعه والخلاف في قبول الجزية منهم كالاخلاف في قبولها من اهل الاوثان.

     وأجمع فقهاء الاسلام على استباحة ذبائح اليهود والسامرة والنصارى وعلى جواز نكاح نسائهم وعلى جواز قبول الجزية منهم.

     وانما اختلفوا في مقدار الجزية فقال الشافعى ان بذل كل حالم منهم دينار واحدا حقن دمه وقال ابو حنيفة على الموسر منهم ثمانية واربعون درهما وعلى المتوسط اربعة وعشرون وعلى الفقير اثنا عشر.    

     واختلفوا في حدودهم فقال الشافعى انها كحدود المسلمين ويرجم الزانى منهم اذا كان محصنا وقال ابو حنيفة لا رجم عليهم.

     واختلفوا في ديانهم فقال الشافعى دية الرجل منهم ثلث دية المسلم ودية المرأة منهم ثلث دية المرأة المسلمة وقال مالك دية الكتابي نصف دية المسلم وقال ابو حنيفة كدية المسلم سواء.

     واختلفوا في جريان القصاص بينهم فقال الشافعى لا يقتل مؤمن بكافر بحال وقال ابو حنيفة يقتل المسلم بالذمى ولا يقتل المستأمن.

     واختلفوا ايضا في وجوب الجزية على الشيخ الفانى منهم فأوجبها الشافعى ولم يوجبها ابو حنيفة الا على من كان منهم ذا تدبير في الحروب.

     واختلفوا في الثنوية من المانوية والديصانية والمرقيونية الذين قالوا بقدم النور والظلمة وزعموا أن العالم مركب منهما وأن الخير والنفع من النور وأن الشر والضرر من الظلام فزعم بعض الفقهاء ان حكمهم كالمجوس واباح اخذ الجزية منهم مع تحريم ذبائحهم ونسائهم والصحيح عندنا ان حكمهم في النكاح والذبيحة والجزية كحكم عبدة الاصنام والاوثان وقد بينا ذلك قبل هذا.

     واما الكفرة الذين ظهروا في دولة الاسلام واستتروا بظاهر الاسلام واغتالوا المسلمين في السر كالغلاة من الرافضة السبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والجناحية والخطابية وسائر الحلولية والباطنية والمقنعية والمبيضة بما وراء نهر جيحون والمحمرة باذربيجان ومحمرة طبرستان والذين قالوا بتناسخ الارواح من اتباع ابن أبى العوجاء ومن قال بقول أحمد بن حايط من المعتزلة ومن قال بقول اليزيدية من الخوارج الذين زعموا أن شريعة الاسلام تنسخ بشرع نبى من العجم ومن قال بقول الميمونية من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنين وبنات البنات ومن قال بمذاهب العزاقرة من أهل بغداد وقال بقول الحلاجية الغلاة فى مذهب الحلولية او قال بقول البركوكية او الرزامية المفرطة فى ابى مسلم صاحب دولة بنى العباس او قال بقول الكاملية الذين اكفروا الصحابة بتركها بيعة علي واكفروا عليا بتركه قتالهم فان حكم هذه الطوائف التى ذكرناها حكم المرتدين عن الدين ولا تحل ذبائحهم ولا يحل نكاح المرأة منهم ولا يجوز تقريرهم فى دار الاسلام بالجزية بل يجب استتابتهم فان تابوا والا وجب قتلهم واستغنام اموالهم.

     واختلفوا في استرقاق نسائهم وذراريهم فأباح ذلك ابو حنيفة وطائفة من اصحاب الشافعى منهم ابو اسحاق المروزى صاحب الشرح واباح بعضهم ومن اباح ذلك استدل بان خالد بن الوليد لما قاتل بنى حنيفة وفرغ من قتل مسيلمة الكذاب صالح بنى حنيفة على الصفراء والبيضاء وعلى ربع السبى من النساء والذرية وانفذهم الى المدينة وكان منهم خولة أم محمد بن الحنيفة.

     وأما اهل الاهواء من الجارودية والهشامية والنجارية والجهمية والامامية الذين اكفروا أخيار الصحابة والقدرية المعتزلة عن الحق والبكرية المنسوبة الى بكر ابن اخت عبد الواحد والضرارية والمشبهة كلها والخوارج فانا نكفرهم كما يكفرون اهل السنة ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا ولا الصلاة خلفهم.

     واختلف أصحابنا في التوارث منهم فقال بعضهم نرثهم ولا يرثوننا وبناه على قول معاذ بن جبل ان المسلم يرث من الكافر والكافر لا يرث من المسلم والصحيح عندنا ان اموالهم فيء لا توارث بينهم وبين السنى وقد روى ان شيخنا أبا عبد الله الحرث بن اسد المحاسبى يأخذ من ميراث ابيه شيئا لان اباه كان قدريا.

     وقد أشار الشافعى الى بطلان صلاة من صلى خلف من يقول بخلق القرآن ونفى الرؤية.

     وروى هشام بن عبد الله الرازى عن محمد ابن الحسن انه قال فيمن صلى خلف من يقول بخلق القرآن انه يعيد الصلاة.

     وروى يحيى بن اكثم ان أبا يوسف سئل عن المعتزلة فقال هم الزنادقة.

     واشار الشافعى في كتاب الشهادات الى جواز شهادة اهل الاهواء إلا الخطابية الذين اجازوا شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم واشار في كتاب القياس الى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وسائر اهل الاهواء.

     ورد مالك شهادة اهل الاهواء في رواية اشهب عن ابن القسم والحرث بن مسكين عن مالك انه قال في المعتزلة زنادقة لا يستتابون بل يقتلون

     واما المعاملة معهم بالبيع والشراء فحكم ذلك عند اهل السنة كحكم عقود المفاوضة بين المسلمين الذين فى اطراف الثغور وبين اهل الحرب وان كان قتلهم مباحا ولا يجوز ان يبيع المسلم منهم مصحفا ولا عبدا مسلما في الصحيح من مذهب الشافعى.

     واختلف اصحاب الشافعى في حكم القدرية المعتزلة عن الحق فمنهم من قال حكمهم حكم المجوس لقول النبى عليه السلام في القدرية انهم مجوس هذه الامة فعلى هذا القول يجوز اخذ الجزية منهم ومنهم من قال حكمهم حكم المرتدين وعلى هذا لا تؤخذ منهم الجزية بل يستتابون فان تابوا والا وجب على المسلمين قتلهم.

     وقد استقصينا بيان احكام اهل الاهواء فى كتاب الملل والنحل وذكرنا في هذا الكتاب طرفا من احكامهم عند اهل السنة وفيه كفاية والله اعلم.

 {الفصل الرابع}

من فصول هذا الباب

قولنا في السلف الصالح من الامة

     أجمع اهل السنة على ايمان المهاجرين والانصار من الصحابة هذا خلاف قول من زعم من الرافضة أن الصحابة كفرت بتركها بيعة على وخلاف قول الكاملية فى تكفير على بتركه قتالهم.

     واجمع اهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم من كندة وحنيفة وفزارة وبنى اسد وبنى قشير وبنى بكر ابن وائل لم يكونوا من الانصار ولا من المهاجرين قبل فتح مكة وانما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر الى النبى صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة واولئك بحمد الله ومنه درجوا على الدين القويم والصراط المستقيم.

     وأجمع اهل السنة على أن من شهد مع رسول الله بدرا من اهل الجنة وكذلك كل من شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية.

     وقالوا بما ورد به الخبر بأن سبيعن الفا من امة الاسلام يدخلون الجنة بلا حساب منهم عكاشة بن محصن وأن كل واحد منهم يشفع في سبعين الفا.

     وقالوا بموالاة اقوام وردت الاخبار بأنهم من أهل الجنة وأن لهم الشفاعة في جماعة من الامة منهم اويس القرنى والخبر فيهم مشهور.

     وقالوا بتكفير كل من اكفر واحد من العشرة الذين شهد لهم النبى بالجنة.

     وقالوا بموالاة جميع ازواج رسول الله واكفروا من اكفرهن أو اكفر بعضهن.

     وقالوا بموالاة الحسن والحسين

     والمشهورين من اسباط رسول الله عليه السلام كالحسن بن الحسن وعبد الله بن الحسن وعلى بن الحسين زين العابدين ومحمد بن على بن الحسين المعروف بالباقر وهو الذى بلغه جابر بن عبد الله الانصارى سلام رسول الله عليه السلام عليه وجعفر بن محمد المعروف بالصادق وموسى بن جعفر وعلى بن موسى الرضا وكذلك قولهم في سائر اولاد على من صلبه كالعباس وعمر ومحمد بن الحنفية وسائر من درج على سنن آبائه الطاهرين دون من مال منهم الى اعتزال او رفض ودون من انتسب اليهم وأسرف في عداوته وظلمه كالبرقعى الذى عدا على اهل البصرة ظلما وعدوانا واكثر النسابين على أنه كان دعيا فيهم ولم يكن منهم.

     وقالوا بموالاة اعلام التابعين للصحابة باحسان وهم الذين قال الله تعالى فيهم {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.

     وقالوا في كل من اظهر اصول اهل السنة.

     وانما تبرءوا من اهل الملل الخارجة عن الاسلام ومن اهل الأهواء الضالة مع انتسابها الى الاسلام كالقدرية والمرجئة والرافضة والخوارج والجهمية والنجارية والمجسمة وقد تقدم بيان تفصيل هذه الجملة في الفصل الذى قبل هذا الفصل بما فيه كفاية.

 {الفصل الخامس}

من فصول هذا الباب

في بيان عصمة الله أهل السنة عن تكفير بعضهم بعضا

     أهل السنة لا يكفر بعضهم بعضا، وليس بينهم خلاف يوجب التبرى والتكفير. فهم إذن أهل الجماعة القائمون بالحق، والله تعالى يحفظ الحق وأهله، فلا يقعون في تنابذ وتناقض، وليس فريق من فرق المخالفين إلا وفيهم تكفير بعضهم لبعض، وتبرى بعضهم من بعض، كالخوارج، والروافض، والقدرية، حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضا، وكانوا بمنزلة اليهود والنصارى حين كفر بعضهم بعضا، حتى قالت اليهود: {لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}.

     وقد عصم الله أهل السنة من أن يقولوا في أسلاف هذه الأمة منكرا، أو يطعنوا فيهم طعنا، فلا يقولون في المهاجرين، والأنصار، وأعلام الدين، ولا في أهل بدر، وأحد، وأهل بيعة الرضوان، إلا أحسن المقال، ولا في جميع من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وأولاده، وأحفاده، مثل الحسن والحسين، والمشاهير من ذرياتهم، مثل عبد الله ابن الحسن، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضا عليهم السلام، ومن جرى منهم على السداد من غير تبديل ولا تغيير، ولا في الخلفاء الراشدين، ولم يستجيزوا أن يطعنوا في واحد منهم.

     وكذلك في أعلام التابعين، وأتباع التابعين الذين صانهم الله تعالى عن التلوث بالبدع، وإظهار شيء من المنكرات، ولا يحكمون في عوامّ المسلمين إلا بظاهر إيمانهم، ولا يقولون بتكفير واحد منهم إلا أن يتبين منه ما يوجب تكفيره، ويصدقون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لاَيَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، أخرجه البخاري، وقد ورد أنه يشفع كل واحد منهم في عدد ربيعة ومضر، ويوجبون على أنفسهم الدعاء لمن سلف من هذه الأمة، كمت أمر الله تعالى في كتابه حيث قال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِللاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.

 {الفصل السادس}

من فصول هذا الباب

في بيان فضائل أهل السنة وأنواع علومهم وأئمتهم

     اعلم أنه لا خصلة من الخصال التى تعدّ فى المفاخر لأهل الإسلام من المعارف والعلوم، وأنواع الإجتهادات، إلا ولأهل السهنة والجماعة في ميدانها القدح المعلى والسهم الأوفر، فدونك أئمة أصول الدين وعلماء الكلام من أهل السنة.

     فأول متكلميهم من الصحابة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيث ناظر الخوارج في مسائل الوعد والوعيد، وناظر القدرية في المشيئة والإستطاعة والقدر، ثم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تبرأ من معبد الجهني في نفيه القدر.

     وأول متكلمي أهل السنة من التابعين عمر بن عبد العزيز، وله رسالة بليغة في الردّ على القدرية، ثم زيد بن على زين العابدين، وله كتاب في الردّ على القدرية، ثم الحسن البصري، ورسالته إلى عمر بن عبد العزيز في ذم القدرية معروفة، ثم الشعبي، وكان أشد الناس على القدرية، ثم الزهري، وهو الذي أفتى عبد الملك بن مروان بدماء القدرية.

     ومن بعد هذه الطبقة جعفر بن محمد الصادق، وله كتاب الرد على القدرية، وكتاب الرد على الخوارج، ورسالة في الرد على الغلاة من الروافض.

     وأول متكلميهم من الفقهاء وأرباب المذاهب: أبو حنيفة، والشافعي، فإن أبا حنيفة له كتاب في الرد على القدرية سماه "كتاب الفقه الأكبر"، وله رسالة أملاه في نصرة قول أهل السنة إن الإستطاعة مع الفعل، ولكنه قال: إنها تصلح للضدين، وعلى هذا قوم من أصحابنا، وللشافعي كتابان في الكلام، أحدهما: في تصحيح النبوة والرد على الجهمية، والثاني: في الرد على أهل الأهواء.

     فأما المريسي من أصحاب أبي حنيفة فإنما وافق المعتزلة في خلق القرآن وأكفرهم في خلق الأفعال.

     ثم من بعد الشافعي تلامذته الجامعون بين علم الفقه والكلام، وكان أبو العباس بن سُريج أبرع الجماعة في هذه العلوم، وله نقض كتاب الجاروف على القائلين بتكافؤ الأدلة.

     ثم من بعده الإمام أبو الحسن الأشعري الذي صار شَجًى في حلوق القدرية.

     ومن تلامذته المشهورين أبو الحسن الباهلي، وأبو عبد الله بن مجاهد، وهما اللذان أثمرا تلامذتهم إلى اليوم شموس الزمان وأئمة العصر، كأبي بكر محمد بن الطيب [الباقلاني]، وأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرايني، وابن فورك.

     وقبل هذه الطبقة: أبو على الثقفي، وفي زمانه كان إمام السنة أبو العباس القلانسي الذي زادت تصانيفه في الكلام على مائة وخمسين كتابا، وقد أدركنا منهم في عصرنا ابنَ مجاهد، وابن الطيب، وابن فورك، وإبراهيم بن محمد رضي الله عن الجميع، وهم القادة السادة في هذا العلم.

    وأما أئمة الفقه في عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم فقد ملأوا العالم علما، وليس بينهم من يناصر السنة والجماعة، وهم أشهر من نار على علَم، ففي سرد أسمائهم طول.

     وأما أئمة الحديث والإسناد فهم سائرون على هذا المهيع الرشيد، لا يوصم أحد منهم ببدعة، وفي طبقاتهم كتب خاصة تغنى عن ذكر أسمائهم هنا، وآثرهم الخالدة لم تزل بأيدى حملة العلم مدى الدهر، وكذلك أئمة الإرشاد والتصوف كانوا على توالى القرون على هذا المنهج السديد في المعتقد.

     وكذلك جمهرة أهل النحو واللغة والأدب كانوا على معتقد أهل السنة، فمن الكوفيين: المفضل الضبي، وابن الأعرابي، والرؤاسي، والكسائي، والفراء، وأبو عبيد قاسم بن سلاّم، وعلي بن المبارك اللحياني، وأبو عمرو الشيباني، وإبراهيم الحربي، وثعلب، وابن الأنباري، وابن مقسم، وأحمد بم فارس، كانوا كلهم من أهل السنة.

     ومن البصريين: أبو الأسود الدؤلي، ويحيى بن معمر، وعيسى بن عمر الثقفي، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وبعدهم أبو عمرو بن العلاء الذي قال له عمرو بن عبيد القدري: وقد ورد من الله تعالى الوعد والوعيد، والله تعالى يصدق وعده ووعيده، فأراد بهذا الكلام أن ينصر بدعته التي ابتدعها في أن العصاة من المؤمنين خالدون مخلدون في النار، فقال أبو عمرو بن العلاء: فأين أنت من قول العرب: إن الكريم إذا أوعد عفا، وإذا وعد وفي، وافتخار قائلهم بالعفو عند الوعيد حيث قال:

وإني إذا أوعدته أو وعدته    لمخلف إبعادي ومنجز موعدي

    فعده من الكرم لا من الخلق المذموم، وكذا الخليل بن أحمد، وخلف الأحمر، ويونس بن حبيب، وسيبويه، والأخفش، والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، والزجاج، والمازني، والمبرد، وأبي حاتم السجستاني، وابن دريد، والأزهري، وغيرهم من أئمة الأدب، لم يكن بينهم أحد إلا وله إنكار على أهل البدعة شديد، وبُعْد عن بدعهم بعيد، ولم يكن في مشاهيرهم من تدنّس بشيء من بدع الروافض والخوارج والقدرية.

     وكذلك أئمة القراء وحملة التفسير بالرواية من عهد الصحابة إلى عهد محمد بن جرير الطبري وأقرانه ومن بعدهم، كانوا كلهم من أهل السنة، وكذلك المفسرون بالدراية إلا بعض أفراد من أهل البدعة.

     وكذلك مشاهير علماء المغازى، والسير، والتواريخ، ونقد الأخبار، وحملة الرواية من أهل السنة والجماعة.

     فيظهر بذلك أن جماه الفضل في العلوم في أهل السنة والجماعة، حشرنا الله سبحانه في زمرتهم.     

 {الفصل السابع}

من فصول هذا الباب

في بيان آثار أهل السنة في الدين والدنيا وذكر مفاخرهم فيهما

     ألمنا ببعض آثار أهل السنة فى شتى العلوم، بحيث يظهر من ذلك أنهم لا يلحقون فى هذا المضمار، ومؤلفاتهم في الدين والدنيا فخر خالد مدى الدهر للأمة المحمدية، وأما آثارهم العمرانية في بلاد الإسلام فمشهور ماثلة أمام الباحثين، خالدة في بطون التواريخ بحيث لا يلحقهم في ذلك لاحق، كالمساجد والمدارس والقصور والرباطات والمصانع والمستشفيات وسائر المبانى المؤسسة في بلاد السنة، وليس لسوى أهل السنة عمل يذكر في ذلك.

      وقد بنى الوليد بن عبد الملك المسجد النبوي، ومسجد دمشق على أبدع نظام، وكان سنيا، وبنى أخوه مسلمة المسجد بقسطنطينية، وكا سنيا، وكل ما في الحرمين وسائر الحواضر من شواهق الآثار فمن عمل أهل السنة. 

     وأما سعي بعض العبيديين في عمارات فشيء لا يذكر أمام أعمال ملوك السنة على اختلاف الدول، على أنه لاموقع لما كانوا يبنونه مع سوء اعتقادهم، كما قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْر}، ولا يتسع المقام لسرد ما لأهل السنة من الآثار الفاخرة في الدين والدنيا.

     وفي هذه الإلمامة كفاية في استذكار مآثر أهل السنة التي لا آخر لها في ناحيتي الدين والدنيا، ولله الحمد، وله الفضل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أحمعين.