النوع الأول: تابع النوع الأول

المزهر في علوم اللغة

السيوطي

عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين المولود عام 849 هـ والمتوفي عام 911 هـ

 

تابع النوع الأول

قال الإمام فخر الدين والآمدي‏:‏ وأكثرُ ألفاظ القرآن من الأول أي المتواتر‏.‏

وقال ابنُ فارس في فقه اللغة‏:‏ باب القول في مأْخذ اللغة‏:‏ تُؤخَذ اللّغُة اعتياداً كالصبيِّ العربيِّ يسمعُ أبويه أو غيرهما فهو يأخذ اللغةَ عنهم على ممرِّ الأوقات وتؤخذ تلقُّناً من مُلَقِّن وتؤخذُ سماعاً من الرّواة الثّقات ذوي الصدق والأمانة ويُتَّقَى المظنون‏.‏

وستأتي بقيةُ كلامه في نوعِ مَنْ تُقْبَل روايته ومن تُرَدُّ وكذا كلامُ ابن الأنباري في ذلك ويؤْخذ من كلامهما أن ضابط الصحيح من اللغة ما اتََّصل سَنَدُه بنَقْل العَدْل الضابط عن مِثله إلى لاتلزمُ اللغةُ إلاّ بخمس شرائط‏:‏ وقال الزَّرْكَشِيّ في البحر المحيط‏:‏ قال أبو الفضل بن عبدان في شرائط الأحكام وتبعه الجيلي في الإعجاز‏:‏ لا تلزمُ اللغةُ إلاّ بخمس شرائط‏:‏ احدها ثبوت ذلك عن العرب بسنَدٍ صحيح يُوجِبُ العملَ‏.‏

الثاني عدالةُ الناقلين كما تُعْتَبَرُ عدالتُهم في الشَّرعيات‏.‏

الثالث أن يكون النقلُ عَمّن قولُه حجة في أصل اللغة كالعرب العاربة مثل قحطان ومعدّ وعدنان فأما إذا نقلوا عمَّن بعدهم بعد فَسَادِ لسانهم واختلاف المولّدين فلاَ‏.‏

قال الزركشي‏:‏ ووقع في كلام الزمخشري وغيره الاستشهادُ بشِعْر أبي تمام بل في الإيضاح للفارسي ووجّه بأنَّ الاستشهاد بتقرير النّقَلة كلامَهم وأنه لم يخرج عن قوانين العرب‏.‏

وقال ابنُ جنّي‏:‏ يُسْتَشْهَدُ بشِعر المولَّدين في المعاني كما يُستَشْهد بشِعر العرب في الألفاظ‏.‏

منهم حِسّاً وأمَّا بغيره فلا‏.‏

الخامس أن يسمع من الناقل حسّاً وقال ابنُ جنّي في الخصائص مَنْ قال إن اللغة لا تُعْرَف إلاّ نقلاً فقد أخطأ فإنها قد تُعَلمُ بالقرائن أيضاً فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر‏:‏ قومٌ إذا الشرُّ أَبْدَى نَاجِذيه لهم طارُوا إليه زَرَافات وَوُحْدَانا يعلم أن الزرافات بمعنى الجماعات‏.‏

وقال عبد اللطيف البغدادي في شرح الخطب النباتية‏:‏ اعلم أن اللّغوي شَأنُه أن يَنْقُل ما نطقت به العربُ ولا يتعدّاه وأما النَّحوي فشأنُه أن يتصرّف فيما ينْقُله اللّغوي ويقيس عليه ومِثَالُهما المحدِّث والفقيه فشأنُ المحدّث نقلُ الحديث برُمَّته ثم إن الفقيهَ يتلقَّاه ويتصرَّفُ فيه ويبسط فيه عِلَله ويقيسُ عليه الأمثال والأشباه‏.‏

قال أبو علي - فيما حكاه ابنُ جنّي‏:‏ يجوزُ لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم وشعرَنا على شعرهم‏.‏

في اللغة هل تثبت بالقياس قال الكِيَا الهرَّاسي في تعليقه الذي استقرّ عليه آراء المحققين من الأصوليين‏:‏ إن اللغة لا تَثْبت وقال كثيرٌ من الفقهاء‏:‏ القياسُ يجري في اللغة وعُزِي هذا إلى الشافعيّ رضي اللّه عنه ولم يدُل عليه نصُّه إنما دلَّت عليه مسائلُه فنُصدِّر المسألة بتصويرها فنقول‏:‏ أما أسماء الأعلام الجامدة والألقاب المحضة فلا يجري القياسُ فيها لأنه لا يُفيد وصفاً للمُسَمَّى وإنما وُضِعَت لمجرَّد التّعيين والتّعريف ولو قَلَبْتَ فَسَمَّيْت زيداً بعمرو وعكسه لصحّ إذ كلُّ اسمٍ منها لم يختص بمن سُمِّي به لمعنًى حتى لا يجوزَ أن يُعْدَل به إلى غيره فليست هذه الصورةُ من محلّ الخلاف‏.‏

ولا يجوزُ أيضاً أن يكونَ محلّ الخلاف المصادر التي يُقال هي مشتَقةٌ من الأفعال نحو ضرب ضرباً فهو ضارب وقتل قَتْلاً فهو قاتل فهذا ليس بقياس بل هو معلومٌ ضرورة من لغتهم ونُطْقِهم به على هذا الوجه ولكنّ محلّ الخلاف الأسماءُ المشتقَّة من المعاني كما يُقال في الخمر إنه مشتقٌّ من المُخَامرة أو التَّخْمير فإذا سُمِّي خَمْراً من هذا الاشتقاق كان ما وُجِد فيه ذلك خمراً كالنبيذ وغيره‏.‏

قال‏:‏ وهذا عندنا باطلٌ والدليل عليه أن إجراءَ القياس في اللغة لا يخلُو إما أن يُعْلَمَ عقلاً أو نقلاً أما العقلُ فلا مجالَ له في ذلك لأنه يجوزُ أن يكونَ واضعُ اللغة قد قصدَ بهذا الاسم أن يختصّ بما سُمِّي به ويجوز أن يكُونَ لم يقصد الاختصاص بل يُسمّى به كلّ ما في معناه وإذا كان الأمران جائزين في العقل لم يرجَّح أحدُهما على الآخر من غير مرجّح‏.‏

وإن كان بطريق النّقل فالنقل إما تَوَاتُر أو آحاد أما التواتر فلا مَطْمع فيه إذْ لو كان لَعَلِمْناه ولكان مُخَالِفُه مكابراً وأما الآحادُ فظنٌّ وتخمين لا يستندُ إلى أصلٍ مَقطوع به‏.‏

فإن قيل‏:‏ فالأقيسةُ الشّرعيةُ كلُّها مظنونةٌ ويُعْمَل بها‏.‏

قلنا‏:‏ تلك مستندة إلى سَمْعيّ مقطوعٍ به في وجوب العمل وهو إجماعُ الصحابة وليس في قياس اللغة شيءٌ من ذلك‏.‏

فإن قيل‏:‏ فالمعنى الظاهرُ في موضع الاشتقاق أصلٌ يُقاس عليه فكلُّ محَلٍّ يوجدُ فيه ذلك المعنى ينبغي أن يَجْري عليه ذلك الاسم‏.‏

قلنا‏:‏ قد بيَّنا أن ذلك ظنٌّ وتخمينٌ لا يَسْتَنِدُ العملُ به إلى أصلٍ مَقْطوع به فكيف يقاسُ عليه وقال أبو الفتح بن برهان في كتاب الوصول إلى الأُصول‏:‏ لا يجوزُ إجراءُ القياس في الأسامي اللغوية المشتقّة خلافاً للقاضي وابن شُرَيح وطوائفَ من الفقهاء فإنهم أثبتوا الأسَامِي بالقياس وقالوا‏:‏ النبيذُ يسمَّى خمراً لأن فيه شدة مُطْرِبة فهو كعصير العنب‏.‏

واللِّوَاط يسمى زناً لأنه وَطْء في فرج مُشتهى طبعاً محرّمٍ قطعاً فكان زناً كالوَطْءِ في القُبل‏.‏

وذَكَرَ الدليل على ردّه كما تقدم في كلام الكِيَا الهرّاسِي في تعليقه سواء‏.‏

ثم قال‏:‏ وعمدةُ الخَصْم أن العرب وَضعت اسمَ الفرس للحيوان الذي كان في زمانهم موجوداً ثم انقَرضَ وحدَث حيوانٌ آخرُ فسمِّي بذلك بطريق الإلحاق والقياس‏.‏

قلنا‏:‏ هذا ليس بصحيح بل قالوا‏:‏ إذا جاز إجراءُ القياسِ في الأحكام الشَّرعية عند فَهْم المعنى جاز إجراءُ القياس في الأسَامِي اللّغوية عند فَهْم المعنى‏.‏

قلنا‏:‏ هذا باطلٌ فإن القياس الشَّرعي إنما جاز إثباتُ الأحكام به بالإجماع المتَّفَق عليه وليس فيما تنَازعْنَا فيه إجماع وليس المقصودُ من إثبات الاسم اللّغوي إثباتَ الحكم فإن القياسَ يجري في الأسامي اللغوية قبل الشَّرع على رأي مُثْبتي القياس في اللغة ولأن المعنى في القياس الشَّرعي مطَّرِد وفي القياس اللغوي غيرُ مطَّرد فإن البَنْج لا يسمّى خمراً وإن كان يخامِرُ العقل والدار لا تسَمَّى قارُورة وإن كانت الأشياء تستقرّ فيها والغرابُ لا يسمى أَبْلَق وإن اجتمع فيه السوادُ والبياض فليس القياسُ الشرعي كالقياس اللغوي في المعنى وإن تمسّكوا بأنَّ القياسَ يجري في المصادر نحو ضرب يضرِب ضرباً وأكل يأكل أكلاً فلسنا نسلّم أن اللغة تثبت بالقياس وإنما تثبتُ نقلاً عن العرب‏.‏

- وقال إمامُ الحرَمين في البرهان‏:‏ ذهب بعضُ أصحابنا في طوائف من الفِرَق إلى أن اللغةَ لا يمتنعُ إثباتها قياساً وإنما قالوا ذلك في الأسماء المشتقّةِ كالخمر فإنها من التّخمير أو المخامرة فقال هؤلاء‏:‏ إن خَصّصَت العربُ في الوَضْع اسم الخمر بالخمر النّيئة العتيقة يجوزُ تسميةُ النبيذ المشتدّ خمراً لمشاركتِه الخمر النّيئة فيما منه اشتقاقُ الاسم‏.‏

والذي نرتضيه أن ذلك باطلٌ لِعلْمنا أن العربَ لا تلتزم طردَ الاشتقاق وأقربُ مُمَالٍ إليه أن الخمرَ ليس في معناها الإطراب وإنما هي المخامرة أو التّخمير فلو ساغ الاستمساكُ بالاشتقاق لكان كلُّ ما يَخْمِر العقل أو يُخامره ولا يُطْربُ خمراً وليس الأمر كذلك والقولُ الضابطُ فيه أن الذي يدّعي ذلك إن كان يزعمُ أن العربَ أرادته ولم تَبُح به فهو متحكّم من غير تثبّت وتوقيف فإن اللغاتِ على خلاف ذلك ولم يصح فيها ادّعاءُ نَقْل وإن كان يزعمُ أن العربَ لم تَعْن ذلك فَيُلْحِق فإلحاق شيءٍ بلسانها - وهي لم تُرِده - محال‏.‏

والقياسُ في حكم من يبتدئُ وضع صيغة‏.‏

فإن قيل‏:‏ الأقيسة الحكمية يدور فيها هذا التقسيم‏.‏

قلنا‏:‏ أَجَل ولكنْ ثَبَتَ قاطعٌ سمعيّ على أنها متعلَّق الأحكام‏.‏

فإن نقلتم قاطعاً من أهل اللسان اتَّبَعْنَاه‏.‏

ثم السرُّ فيه أن الإجماع انعقَد على وجوب العمل عند قيام ظنون القائسين فلم تكن الظنونُ موجبةً علماً ولا عملاً وليس في اللغات عَمل‏.‏

وإن كنتم تظنون شيئاً فلا نمنعكم من الظّن ولكن لا يسوغُ الحكمُ بالظن المجرّد‏.‏

فإن تعلّق هؤلاء بالأسماء المشتقَّة من الأفعال كأسماء الفاعلين والمفعولين التي تجري على قضيَّةٍ واحدة فقد ثبت في هذه الفنون من طريق النقل اطّرادُ القياس فاتَّبعناه ولا يجري هذا في محلّ النّزاع‏.‏

قال الغزَالي في المنخول‏:‏ اختلفوا في أن اللغات هل تثبتُ قياساً ووجهُ تنقيح محلّ النزاع أن صوغَ التصاريف على القياس ثابتٌ في كل مصدر نُقِل بالاتّفاق وهو في حكم المنقول وتبديلُ العبارات ممتنعٌ بالاتّفاق كتسمية الفرس داراً وتسميةِ الدار فرساً ومحلُّ النزاع القياسُ على عبارة تشير إلى معنى وهو حائدٌ عن منهج القياس كقولهم للخمر خمراً لأنه يُخامر العقل أو يَخْمِرُه فهل تسمَّى الأشربة المخامِرة للعقل خمراً وكذا قولهم للبعير إذا استحقَّ الحمل فهو حِقّ‏.‏

وجوَّز الأستاذُ أبو إسحاق مثلَ هذا القياس‏.‏

والمختار مَنْعه لنا إن كان إثبات هذا القياس مظنوناً فلا يُقبل إذ ليس هذا في مَظِنّة وجوبِ عمل وإن كان معلوماً فأثْبتوا مستنده ولا نَقْل من أهل اللغة في جواز ذلك ولا من الشارع ومسلكُ العقل ضروريّة ونظريّة منحسم في الأسامي واللغات وإن قاسوا على القياس في الشّرع فَتَحكُّم لأن مستند ذلك التأسّي بالصحابة فما مستندُ هذا القياس ثم أطبقوا على أن البَنْج لا يسمَّى خمراً مع كونه مخَمِّراً فإن سَمّوه فليسمُّوا الدار قارورة لمشاركتها القارورة في هذا المعنى وهذا محال‏.‏

في سعَة اللغة‏:‏ قال بعض الفقهاء‏:‏ كلامُ العرب لا يحيطُ به إلاّ نبيٌّ‏.‏

قال ابنُ فارس‏:‏ وهذا كلام حَرِيٌّ أن يكونَ صحيحاً وما بَلَغَنا أن أحداً ممنْ مَضَى ادَّعى حفظَ اللغة كلِّها فأما الكتابُ المنسوب إلى الخليل وما في خاتمته من قوله‏:‏ هذا آخرُ كلام العرب فقد كان الخليلُ أورعَ وأتقى للّه تعالى من أن يقول ذلك‏.‏

وقد سمعت عليّ بن محمد بن مِهْرُوَيه يقول‏:‏ سمعت هارون بن هزاري يقول‏:‏ سمعت سفيان بن عُيَيْنة يقول‏:‏ مَن أحبَّ أن ينظرَ إلى رجلٍ خُلِقَ من الذَّهب والمِسك فليَنْظُر إلى الخليل بن أحمد‏.‏

وأخبرني أبو داود سليمان بن يزيد عن ذلَل المَصاحفي عن النَّضْر بن شُمَيل قال‏:‏ كنا نُمَيِّل بين ابن عَوْنٍ والخليل بن أحمد أيهما نُقدّم في الزهد والعبادة فلا نَدْري أيهما نقدّم‏.‏

قال‏:‏ وسمعتُ النضر بن شُمَيل يقول‏:‏ ما رأيتُ أحداً أعلمَ بالسُّنَّة بعد ابن عوْن من الخليل بن أحمد‏.‏

قال‏:‏ وسمعتُ النضر يقول‏:‏ أُكِلَت الدنيا بأدَب الخليل وكُتُبِه وهو في خُصّ لا يُشْعَر به‏.‏

قال ابن فارس‏:‏ فهذا مكان الخليل من الدِّين أَفَتُرَاه يُقْدِم على أن يقول‏:‏ هذا آخرُ كلام العرب ثم إن في الكتابِ المَوْسُوم به من الإخلال ما لا خفاءَ به على علماء اللغة ومَنْ نظر في سائرِ الأصناف الصحيحة عَلِم صحَّةَ ما قُلْناه‏.‏

انتهى كلام ابنُ فارس‏.‏

وهذا الذي نَقَله عن بعض الفقهاءِ نصَّ عليه الإمامُ الشافعي رضي اللّه عنه فقال في أوائل الرسالة‏:‏ لسانُ العرب أوسعُ الألسنة مذهباً وأكثرُها ألفاظاً ولا نعلمُ أن يحيط بجميع عِلْمِه إنسان غير نبيّ ولكنه لا يذهبُ منه شيء على عامَّتها حتى لا يكونَ موجوداً فيها مَنْ يعرِفه والعلمُ به عند العرب كالعِلم بالسّنة عند أهلِ الفقه لا يعلمُ رجلٌ جميعَ السنن فلم يذهب منها عليه شيء وإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السّنن‏.‏

وإذا فرّق عِلْم كلِّ واحد منهم ذهب عليه الشيءُ منها ثم ما ذهب منها عليه موجودٌ عند غيره وهم في العلم طبقاتٌ منهم الجامعُ لأكْثَره وإن ذهب عليه بعضُه ومنهم الجامعُ لأقلَّ مما جمع غيرُه وليس قليلُ ما ذهب من السُّنن على مَنْ جمع أكثرَها دليلاً على أن يطلبَ عِلمه عند غير أهل طبقته من أهلِ العلم بل يَطلبُ عند نُظرائه ما ذهب عليه حتى يُؤتى على جميع سنن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي فتفرَّد جملة العلماء بجملتها وهم درجات فيما وعوا منها وهذا لسانُ العرب عند خاصّتِها وعامتها لا يذهبُ منه شيءٌ عليها ولا يُطْلبُ عند غيرها ولا يعلمُه إلاّ من قبله منها ولا يَشْرَكها فيه إلاّ من اتَّبعها وقبِله منها فهو من أهل لسانها وعِلْمُ أكثر اللسان في أكثر العرب أعمُّ من عِلْم أكثر السّنن في العلماءِ‏.‏

هذا نص الشّافعي بحُروفِه‏.‏

وقال ابن فارس في موضع آخر‏:‏ باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكلّيتها وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير وأن كثيراً من الكلام ذهب بِذهَاب أهله‏.‏

ذهب علماؤُنا أو أكثرُهم إلى أنَّ الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقلُّ ولو جاءَنا جميعُ ما قالوه لجاءنا شعرٌ كثيرٌ وكلامٌ كثير وأَحْرِ بهذا القول أن يكونَ صحيحاً لأنَّا نرى علماء اللُّغَة يختلفون في كثيرٍ مما قالَتْه العربُ فلا يكادُ واحدٌ منهم يُخبرُ عن حقيقةِ ما خُولف فيه بل يسلك طريقَ الاحتمال والإمكان ألا ترى أنَّا نسألهم عن حقيقةِ قَوْل العرب في الإغراء‏:‏ كَذَبك كذا‏.‏

وعما جاءَ في الحديث من قَوْله‏:‏ كَذَب عليكم الحجُّ‏.‏

وكَذَبك العسَلُ‏.‏

وعن قول القائل‏:‏ كذَبْتُ عليكم أَوْعِدُوني وعَلّلوا بِيَ الأرضَ والأقوامَ قِرْدانَ مَوْظَبا وعن قول الآخر‏:‏ كَذَبَ العَتِيقُ وماءُ شَنٍّ بارِدٌ إن كُنتِ سائِلتي غَبُُ وقاً فاذْهبي ونحن نعلم أن قول‏:‏ كذب يَبْعُدُ ظاهره عن باب الإغراء وكذلك قولهم‏:‏ عَنْكَ في الأرض وعَنْكَ شيئاً‏.‏

وقول الأفْوَه‏:‏ عنكُم في الأرض إنَّا مَذْحِجٌ ورُوَيداً يَفْضَح الليلَ النهارُ ومن ذلك قولهم‏:‏ أَعْمَدُ من سيِّدٍ قَتَله قومُه‏.‏

أي هل زاد على هذا فهذا من مُشْكِلِ الكلام الذي لم يُفَسَّر بعدُ وقال ابنُ مَيّادة‏:‏ وأعْمَدُ من قومٍ كَفَاهم أخُوهُمُ صِدامَ الأَعادي حين فُلَّتْ نُيوبُها وقال أبو ذؤيب‏:‏ صَخِبُ الشَّوَارِبِ لا يزالُ كأنَّه عبدٌ لآلِ أبي رَبيعةَ مُسْبَعُ فقوله مسبع ما فُسِّر حتى الآنَ تَفْسيراً شافياً‏.‏

ومن هذا الباب قولهم‏:‏ يا عِيد مالَك ويا هَيْء مالك ويا شيءَ مالك‏.‏

ولم يُفَسِّروا قولهم‏:‏ صَهْ‏.‏

وَوَيْهَك‏.‏

وإنيهْ‏.‏

ولا قول القائل‏:‏ بخاي بِكَ الحَقْ يَهْتِفون وحَيَّ هَلْ ويقولون‏:‏ خاءِ بكما وخَاء بكم‏.‏

فأما الزَّجْرُ والدُّعاءُ الذي لا يُفهَمُ موضوعُه فكثيرٌ كقولهم‏:‏ حيَّ وحيَّ هَلا وبعَيْنٍ ما أَرَيَنَّك في مَوْضعِ اعْجل وهَجْ وهَجَا ودَعْ وَدَعاً ولَعاً للعاثر يدعون له‏.‏

ويُروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لا تَقولوا دَعْدَعْ ولا لَعْلَعْ ولكن قولوا‏:‏ اللهمَّ ارْفَع وَانْفَعْ فلولا أن للكلمتين معنًى مفهوماً عند القومِ ما كَرِههما صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقولهم في الزَّجْرِ‏:‏ أخِّرْ وَأَخِّرِي وهَأْهَأْ وهَلاَ وهَابْ وَأَرْحِبْ وَأرْحِبي وَعَدْعَدْ وعاجِ وياعاطِ وِيَعَاطِ وإجِدْ واجْدَمْ وجِدِحْ‏.‏

لا نعلم أحداً فسَّر هذا‏.‏

وهو باب يكثرُ ويُصَحِّحُ ما قلناه‏.‏

ومن المشتَبَه الذي لا يقالُ فيه اليومَ إلاّ بالتّقريب والاحتمال وما هو بغريب اللفظ لكنَّ الوقوف على كُنهه مُعتَاصٌ قولنا‏:‏ الحِين والزمانُ والدهرُ والأوَان وبضع سنين والغِنَى والفَقْر والشريف والكريم واللئيم والسّفِيه والسِّفْلة وما أشبه ذلك مما يطول ولا وجه فيه غير التقريب والاحتمال وإلاّ فإن تحديدَه حتى لا يجوزَ غيرُه بعيد‏.‏

وقد كان لذلك كلِّه ناس يعرفونه وكذلك يعلمون معنى ما نَسْتَغْرِبه اليوم نحن من قولنا عُبْسور في الناقة وعَيْسَجُور وامرأة ضِناك وفرس أشقُّ أمَقُّ خِبَقُّ ذهب هذا كله بذهاب أهله ولم يبق عندنا إلاّ الرَّسمُ الذي نراه‏.‏

قال‏:‏ وعلماء هذه الشريعة وإن كانوا اقتصروا من علم هذا على معرفة رَسْمِه دون عِلْم حقائقه فقد اعتاضوا عنه دَقيقَ الكلام في أصول الدِّين وفروعه من الفقه والفرائض ومن دقيق النحو وجليله ومن عِلْم العَرُوض الذي يُربأْ بحُسْنِه ودقَّته واستقامته على كل ما تبجَّح به الناسبون أنفسهم إلى الفلسفة ولكلّ زمانٍ علم وأشرف العلوم علوم زماننا هذا وللّه الحمد هذا كلُّه كلام ابن فارس‏.‏

في عدة أبنية الكلام‏:‏ إذا أردت أن تُؤَلِّف بناءً ثُنائيّاً أو ثلاثيّاً أو رُباعيّاً أو خُماسيّاً فخذْ من كل جنس من أجناس الحروف المتباعدة ثم أَدِرْ دَارَةً فوّقع ثلاثة أحرف حَواليها ثم فُكَّها من عند كل حرفٍ يمنة ويسرة حتى تُفَكّ الأحرفُ الثلاثة فيخرج من الثلاثي ستة أبنية وتسعة أبنية ثنائية - وهذه الصورة‏:‏ فإذا فعلت ذلك استقصيتَ من كلام العرب ما تكلَّموا به وما رغبوا عنه‏.‏

قال‏:‏ وأنا مفسّر لك ما يرتفع من الأبنية الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية إن شاء اللّه تعالى بضَرْبٍ من الحِساب واضح‏.‏

فإذا أردت أن تستقصي من كلام العرب ما كان على حرفين مما تكلَّموا به أو رغبوا عنه مما يَأتَلف أو لا يأتلف مثل‏:‏ كم وقد وعن وأخواتها فانظر إلى الحروف المعجمة وهي ثمانيةٌ وعشرون حرفاً فاضْرب بعضها في بعض تبلغ سبعمائة وأربعة وثمانين حَرْفاً ولا يكون الحرف الواحد كلمة‏.‏

فإذا أزوجتهن حرفين حرفين صِرْن ثلاثمائة واثنتين وتسعين بناءً مثل دم وما أشبهه فإذا قَلَبْتَهُ عاد إلى سبعمائة وأربعة وثمانين بناء منها ثمانية وعشرون بناء مشتَبهة الحرفين مثله قلْبُه وغير قَلبه لفظٌ واحد‏.‏

ومنها مائة وخمسون بناء ثنائية ممزوجة بهذه الأحرف الثلاثة المعتلة‏:‏ الياء والواو والهمزة ويجمعها خمسة وسبعون بناءً ثنائياً قبل القلب ومنها ستة أبنية معتلّة يَجْمَعُها ثلاثة أبنية قبل القلْب ومنها ثلاثة أبنية مضاعفة وخمسة وعشرون بناء ثنائياً صحاحاً مضاعفة فافهم فقد بيَّنت لك عِدّة ما يخرج من الثنائي مما تكلَّموا به ورغبوا عنه‏.‏

وإذا أردت أن تؤلّف الثلاثي فاضرب ثلاثة أحرف معتَلات في التسعة الثنائية المعتلة فتصير سبعة وعشرين بناء ثلاثية معتلات كلها وتضرب الثلاثة المعتلات أيضاً في مائة وخمسين بناء ثنائياً حرف منها صحيح وحرف منها معتل فتصير أربعمائة وخمسين 450 بناء ثلاثياً حرفان منها معتلاَّن وحرف صحيح وتضرب الثلاثة المعتلات في ستمائة بناء صحيحة الحرفين فتصير ألفاً وثمانمائة 1800 بناء ثلاثي حرفان منها صحيحان وحرف معتل وتضرب خمسة وعشرين حرفاً صحيحاً في ستمائة بناء ثنائي صحاح الحروف فتصير خمسة عشر ألفاً وستمائة وخمسة وعشرين 15625 بناء ثلاثياً فهذا أكثرُ ما يخرج من البناء الثلاثي فإذا أردت أن تؤلِّف الرباعي فعلى القياس تضرب الثلاثة المعتلات في سبعة وعشرين بناء ثلاثياً ثم تضرب في أربعمائة وخمسين ثم في الألف والثمانمائة ثم تضرب الخمسة والعشرين الصحاح في الخمسة عشر ألف بناء ثلاثي صحاح الحروف فما بَلَغ فهو عدد الأبنية الرباعية وذكر حمزة الأصبهاني في كتاب الموازنة فيما نقله عنه المؤرخون قال‏:‏ ذَكَر الخليل في كتاب العَيْن أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المُسْتَعمَل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائيّ والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرار اثنا عشر ألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة آلاف وأربعمائة واثنا عشر‏:‏ الثنائيّ سَبعِمائة وستة وخمسون والثلاثي تسعة آلاف ألف وستمائة وخمسون والرباعي أربعمائة مائة ألف وواحد وتسعون ألفاً وأربعمائة والخماسي أحد عشر ألف ألف وسبعمائة ألف وثلاثة وتسعون ألفاً وسِتمائة‏.‏

وقال أبو بكر محمد بن حسن الزَّبَيدي في مختصر كتاب العَين‏:‏ عدّةُ مُسْتَعْمَلِ الكلام كلِّه ومُهمَلِه ستةُ آلاف ألف وسِتِّمائة ألف وتسعةٌ وخمسون ألفاً وأربعمائة المستعملُ منها خمسةُ آلاف وسِتمائة وعشرون والمهملُ ستة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وتسعون ألفاً وسبعمائة وثمانون عِدَّةُ الصحيح منه ستة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسون ألفاً وأربعمائة والمعتلَّ ستة آلاف‏.‏

المستعملُ من الصحيح ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربعة وأربعون والمهملُ منه ستة آلاف ألف وتسعة وثمانون ألفاً وأربعمائة وستة وخمسون المستعمل من المعتل ألف وستمائة وستة وسبعون والمهملُ منه أربعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وعشرون‏.‏

عدّة الثنائيّ سبعمائة وخمسون والمستعملُ منه أربعمائة وتسعة وثمانون والمهملُ مائتان وواحد وستون الصحيح منه ستّمائة والمعتل مائة وخمسون المستعمل من الصحيح أربعمائة وثلاثة والمهمل مائة وسبعة وتسعون والمستعمل من المعتل ستة وثمانون والمهملُ أربعة وستون‏.‏

وعدّة الثلاثي تسعة عشر ألفاً وستمائة وخمسون المستعمل منه أربعة آلاف ومائتان وتسعة وستون والمهملُ خمسة عشر ألفاً وثلاثمائة وواحد وثمانون‏.‏

الصحيح منه ثلاثة عشر ألفاً وثمانمائة والمعتلُّ سوى اللّفيف خمسة آلاف وأربعمائة واللَّفيفُ أربعمائة وخمسون‏.‏

المستعمل من الصحيح ألفان وستمائة وتسعة وسبعون والمهملُ أحد عشر ألفاً ومائة وواحد وعشرون‏.‏

والمستعملُ من المعتل سوى اللّفيف ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثون والمهملُ ثلاثة آلاف وتسعمائة وستة وستون‏.‏

والمستعملُ من اللفيف مائة وستة وخمسون والمهملُ مائتان وأربعة وتسعون‏.‏

وعدّة الرّباعيّ ثلاثمائة ألف وثلاثة آلاف وأربعمائة المستعمل ثمانمائة وعشرون والمهملُ ثلاثمائة ألف وألفان وخمسائة وثمانون‏.‏

وعدَّة الخماسيّ ستة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة وسبعون ألفاً وستمائة المستعمل منه اثنان وأربعون والمهملُ ستة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة وسبعون ألفاً وخمسمائة وثمانية وخمسون‏.‏

قال الزَّبيدي وهذا العددُ من الرباعي والخماسي على الخمسة والعشرين حرفاً من حروف المعجم خاصة دون الهمزة وغيرها وعلى ألاّ يتكرر في الرباعي والخماسيّ حرف من نَفْس الكلمة‏.‏

قال‏:‏ وعدّة الثنائي الخفيف والضربين من المضاعف على نحو ما ألحقناه في الكتاب‏:‏ ألفا حرف ومائتا حرف وخمسة وسبعون حرفاً المستعملُ من ذلك ألف حرف وثمانمائة وخمسة وعشرون والمعتل أربعمائة وخمسون المستعملُ من الصحيح تسعة وخمسون والمهمل ألف وسبعمائة وستة وستون والمستعملُ من المعتل ثلاثة وأربعون والمهمل أربعمائة وسبعة‏.‏

في أولُ مَنْ صَنَّف في جَمْع اللُّغَةِ الخليلُ بن أحمد ألّف في ذلك كتابَ العَين المشهور قال الإمام فخر الدين في المحصول‏:‏ أصلُ الكُتب المصنَّفَة في اللغة كتابُ العين وقد أَطْبَق الجمهور من أهل اللغة على القَدْح فيه‏.‏

وقال السِّيرافِي في طبقات النحاة - في ترجمة الخليل‏:‏ عملَ أوَّل كتاب العين المعروف المشهور الذي به يتهيّأ ضبطُ اللغة وهذه العبارةُ من السِّيرافي صريحةٌ في أن الخليلَ لم يُكَمِّلْ كتابَ العين وهو الظَّاهرُ لما سيأتي من نَقْل كلام الناس في الطَّعْن فيه بل أكثرُ الناس أنْكَرُوا كونَه من تصنيف الخليل‏.‏

قال بعضهم‏:‏ ليس كتابُ العين للخليل وإنما هو لِلَّيث بن نَصْر بن سيّار الخُرَاساني‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ كان الليثُ رجلاً صالحاً عمِل كتاب العين ونسبَه إلى الخليل ليَنْفُق كتابُهُ باسمِه ويَرْغب فيه من حوله‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ عَمِلَ الخليلُ من كتاب العين قطعةً من أوَّله إلى حرف الغين وكَمَّله الليث ولهذا لا يُشْبِهُ أولَه آخرُه‏.‏

وقال ابن المعتزّ‏:‏ كان الخليلُ منقطعاً إلى اللَّيْث فلما صنَّف كتابه العين خصَّه به فحظِيَ عنده جدّاً ووقع منه مَوْقِعاً عظيماً ووهَبَ له مائة ألف وأقبل على حِفْظِه ومُلاَزَمَتِهِ فحفظ منه النّصف واتَّفَق أنه اشترى جارية نفيسةً فَغَارَت ابنةُ عمه وقالت‏:‏ واللّه لأغيظنَّه وإن غِظْتُه في المال لا يُبَالي ولكني أراهُ مُكِبّاً ليلَه ونهارَه على هذا الكتاب واللّه لأفجَعَّنه به فأحْرَقتْهُ فلما عَلِمَ اشتدَّ أسفُه ولم يكن عند غيرِه منه نسخةٌ وكان الخليلُ قد مات فأمْلَى النِّصْفَ من حِفْظه وجمع علماءَ عصره وأمرهم أن يُكَمِّلُوه على نَمَطه وقال لهم‏:‏ مَثِّلوا واجتهدوا فعملوا هذا التَّصْنيف الذي بأيْدِي الناس أَوْرَدَ ذلك ياقوت الحموي في مُعجم الأُدباء‏.‏

وقال أبو الطيِّب عبد الواحد بن علي اللغوي في كتاب مراتب النحويين‏:‏ أبْدَعَ الخليلُ بَدائع لم يُسْبَق إليها فمن ذلك تأليفُه كلامَ العرب على الحروف في كتابه المُسمَّى كتابَ العين فإنه هو أخبرنا محمد بن يحيى قال‏:‏ سمعت أحمد بن يحيى ثعْلَبَ يقول‏:‏ إنما وقَع الغلطُ في كتاب العين لأَنَّ الخليلَ رسمَهُ ولم يَحْشه ولو كان هو حَشاه ما بقيَ فيه شيءٌ لأَن الخليل رجلٌ لم يُرَ مثلُه وقد حشا الكتاب أيضاً قومٌ علماء إلاّ أنه لم يُؤخذ منهم روايةً وإنما وُجد بنقل الورَّاقين فاختلَّ الكتابُ لهذه الجهة‏.‏

وقال محمد بن عبد الواحد الزاهد‏:‏ قال‏:‏ حدَّثني فتًى قَدِمَ علينا من خُراسان وكان يقرأ عليَّ كتاب العين قال‏:‏ أخبرني أبي عن إسحاق بن راهَويْه قال‏:‏ كان الليثُ صاحبُ الخليل بن أحمد رجلاً صالحاً وكان الخليلُ عَمِل من كتاب العين باب العين وحدَه وأحبَّ الليثُ أن يَنْفُق سوقُ الخليل فصنَّف باقي الكتاب وسمَّى نفسه الخليل وقال لي مرّةً أخرى‏:‏ فسمَّى لسانه الخليل من حبِّه للخليل بن أحمد‏.‏

فهو إذا قالَ في الكتاب‏:‏ قال الخليل بن أحمد‏:‏ فهو الخليل‏.‏

وإذا قال‏:‏ وقال الخليلُ مطلقاً فهو يحكي عن نفسه فكلُّ ما في الكتاب من خَلل فإنه منه لا من الخليل‏.‏

انتهى‏.‏

وقال النووي في تحرير التنبيه‏:‏ كتابُ العين المنسوبُ إلى الخليل إنما هو من جَمْع اللّيثِ عن الخليل‏.‏

ذِكْرُ قَدْحِ الناس في كتاب العين تقدَّمَ في كلام الإمام فخر الدين أنَّ الجمهورَ من أهل اللغة أَطْبَقُوا على القَدْح فيه وتقدَّم كلامُ ابن فارس في ذلك في المسألة الرابعة عشرة وقال ابنُ جني في الخصائص‏:‏ أما كتابُ العين ففيه من التَّخْلِيط والخَلَل والفَساد ما لا يَجُوزُ أن يُحْمَل على أصْغَر أتباع الخليل فَضْلاً عن نفسه ولا محالة أن هذا التَّخْليط لَحِق هذا الكتابَ من قِبَل غيره فإن كان للخليل فيه عَمَلٌ فلعلَّه أوْمَأ إلى عمل هذا الكتاب إيماءً ولم يَلِه بنفسه ولا قرَّره ولا حرَّره ويدلُّ على أنه كان نحَا نحْوَه أنني أجدُ فيه معاني غامضة ونَزَوَات للفكر لطيفة وصيغةً في بعض الأحوال مستحكمة وذاكرتُ به يوماً أبا عليّ فرأيتُه مُنْكِراً له فقلت له‏:‏ إن تصنيفَه مُنْساق متوجّه وليس فيه التعسُّف الذي في كتاب الجمهرة فقال‏:‏ الآن إذا صنَّف إنسان لغة بالتركية تصنيفاً جيداً يؤخذ به في العربية أو كلاماً هذا نحوه‏.‏

انتهى‏.‏

وقال أبو بكر محمد بن حسن الزَّبيدي اللّغوي مؤلّف مختصر العين في أول كتابه - اسْتِدْرَاكُ الغَلَطِ الواقع في كتاب العَين - وهو مجلَّد لطيف يخاطب بعضَ إخوانه‏:‏ وصل إلينا أَيَّدَكَ اللّه كتابَك تذكُرُ فيه ما أُولع به قومٌ من ضَعَفَة أهل النَّظر من التحامل علينا والتسرّع بالقول فينا بما نسبُوه إلينا من الاعتراض على الخليل بن أحمد في كتابه والتَّخْطِئَة له في كثير من فُضُوله وقلت‏:‏ إنهم قد استمالوا جماعةً من الحشوية إلى مذهبهم وعَدَلوا بهم إلى مقالتهم بما لبّسوا به وشنَّعوا القول فيه وسألتَ أن أَحْسم ما نَجَم من إفْكِهِم وأرد ما نَدَر من وقد كنتَ - أَيَّدَك اللّه في صحَّة تمييزك وعظيم النعمة عليك - في نظرك جديراً ألا تُعرِّج على قوم هم بالحال التي ذَكرتَ وأن يقعَ لهم العذرُ لديك بوجوه جَمَّة منها‏:‏ تخلّفهم في النظر وقلةُ مطالعتهم للكتب وجهلُهم بحُدُودِ الأدب مع أن العلَّة المُوجبة لمقالتهم والباعثةَ لتسرُّعِهم علةُ الحسد الذي لا يُدَاوى سَقَمه ولا يُؤْسَى جرحه فقد قال الحكيم‏:‏ كلُّ العَداوات قد تُرجى إفاقتها إلاَّ عداوةَ مَنْ عاداك من حَسدِ أوليسَ من العجب العجيب والنادِر الغريب أن يَتوهَّم علينا مَنْ به مُسْكَة من نظَرٍ أو رمَق من فَهْم تخطئةَ الخليل في شيءٍ من نظرِه والاعتراضَ عليه فيما دقَّ أو جلّ من مذهبه والخليلُ بنُ أحمد أَوْحَدُ العصر وقريعُ الدَّهر وجِهْبِذ الأُمة وأستاذُ أهل الفِطْنَة الذي لم يُرَ نظيرُه ولا عُرِف في الدنيا عديلُه وهو الذي بَسط النحوَ ومَدَّ أطنابَه وسبَّب عِلَلَه وفَتَقَ معانيه وأوضحَ الحِجاج فيه حتى بلغ أَقْصى حدودِه وانتهى إلى أبعدِ غاياته ثم لم يرضَ أن يؤلِّفَ فيه حرفاً أو يَرْسُمَ منه رَسْماً نَزَاهَةً بنفسه وتَرَفُّعاً بقَدْرِه إذ كان قد تقدّم إلى القول عليه والتأليف فيه فَكَرِهَ أن يكونَ لمن تقدّمه تالياً وعلى نظَرِ مَن سَبَقهُ مُحْتَذِياً واكتفى في ذلك بما أَوْحَى إلى سيبويه من عِلْمِه ولقَّنه من دقائقِ نَظره ونتائج فِكره ولطائفَ حكمته فحَمل سيبويه ذلك عنه وتقلّده وألفَّ فيه الكتاب الذي أعجَزَ من تقدَّم قبلَه كما امتنع على مَنْ تأخَّرَ بعده‏.‏

ثم ألَّف على مذهب الاخْتراع وسبيل الإبداعِ كتابي الفرش والمثال في العَروض فحصرَ بذلك جميعَ أوزانِ الشّعر وضمَّ كلَّ شيءٍ منه إلى حيِّزه وأَلْحَقَه بشَكْله وأقام ذلك عن دوائرَ أَعْجَزَتِ الأذهان وبَهَرَتِ الفِطَن وغمرتِ الألباب وكذلك ألَّف كتاب المُوسيقى فَزَمَّ فيه أصناف النَّغَم وحََصَر به أنواع اللّحون وحدَّد ذلك كلّه ولخّصه وذكر مَبَالغ أقسامه ونهاياتِ أعداده فصار الكتابُ عِبرةً للمُعتبرين وآيةً للمتوسِّمين‏.‏

ولما صنعَ إسحاق بن إبراهيم كتابَه في النَّغم واللّحون عَرضه على إبراهيم بن المهدي فقال له‏:‏ لقد أحسنتَ يا أبا محمد وكثيراً ما تُحْسِنُ فقال إسحاق‏:‏ بل أحسنَ الخليلُ لأَنه جعلَ السبيلَ إلى الإحسان فقال إبراهيم‏:‏ ما أحسن هذا الكلام فمِمَّنْ أخَذْتَهُ قال‏:‏ من ابن مُقْبِل إذ سمع حمامةً فاهْتاج فقال‏:‏ ولو قَبْلَ مَبْكاها بكيتُ صبابةً إذاً لشَفيت النفسَ قبل التندُّم ولكن بكَتْ قبلي فهاج ليَ البُكا بُكاها فقلت‏:‏ الفضلُ للمتقدِّم ثم ذهب بعد - في حَصْر جمع الكلام - مذهبَهُ من الإحاطة التي لم يتعاطاها غيرُه ولا تعرّضها أحدٌ سواه فثقَّف الكلام وزمَّ جميعه وبيّن قيامَ الأبنية من حروف المُعْجم وتعاقب الحروف لها بنظَرٍ لم يُتَقَدَّم فيه وإبْداعٍ لم يُسْبَق إليه ورَسَمَ في ذلك رُسُوماً أكملَ قياسها وأعطى الفائدةَ بها فكان هذا قدرَه في العِلم ومبلغَه من النفاذ والفَهْم حتى قال بعضُ أهل العلم‏:‏ إنه لا يجوزُ على الصِّراط بعد الأنبياءِ عليهم السلام أحدٌ أدقُّ ذِهْناً من الخليل ولو أن الطاعنَ علينا يتصفّحُ صَدْر كتابُنا المختصر من كتاب العين لَعَلِمَ أنَّا نَزَّهْنا الخليل عن نِسْبَة المُحال إليه ونَفَيْنا عنه من القَوْل ما لا يليقُ به ولم نَعْدُ في ذلك ما كان عليه أهلُ العلم وحذَّاق أهل النظر‏.‏

وذلك أنَّا قلنا في صَدْر الكتاب‏:‏ ونحن نَرْبأُ بالخليل عن نِسْبَة الخَلَل إليه أو التعرّض للمقاومة له بل نقول‏:‏ إن الكتاب لا يصحّ له ولا يثبتُ عنه وأكثرُ الظن فيه أن الخليل سَبَّب أصله وثقَّف كلام العرب ثم هلَك قبل كَماله فتعاطى إتمامَه من لا يقومُ في ذلك مقامه فكان ذلك سببَ الخَللِ الواقع فيه والخطأِ الموجود فيه‏.‏

هذا لفظُنا نصّاً وقد وافقْنا بذلك مقالةَ أبي العباس أحمد بن يحيى ثَعْلب قبل أن نُطالِعَها أو نسمعَ بها حتى ألفيناها بخطّ الصّولي في ذكر فضائل الخليل‏.‏

قال الصولي‏:‏ سمعتُ أبا العباس ثعلباً يقول‏:‏ إنما وقع الغلطُ في كتاب العين لأنَّ الخليل رسَمهُ ولم يحشه ولو أن الخليل هو حشاه ما بقّى فيه شيئاً لأن الخليلَ رجلٌ لم يُرَ مثلُه‏.‏

قال‏:‏ وقد حَشَا الكتاب قومٌ علماء إلاّ أنه لم يُؤْخذ عنهم رواية إنما وُجد بنقل الورَّاقين ومن الدليل على ما ذكره أبو العبّاس من زيادات الناس فيه اختلافُ نُسَخِه واضطرابُ رواياته إلى ما وقع فيه من الحكايات عن المتأخِّرِين والاستشهاد بالمرذول من أشعار المُحْدَثين فهذا كتابُ ابنُ مُنذر بن سعيد القاضي الذي كتبه بالقَيْروَان وقابلَه بمصر بكتابِ ابن وَلاّد وكتابُ ابن ثابت المُنتسَخ بمكّة قد طالعناهما فألفينا في كثير من أبوابهما‏:‏ أخبرنا المسعريّ عن أبي عُبيد وفي بعضها‏:‏ قال ابنُ الأعرابيّ وقال الأصمعي هل يجوزُ أن يكون الخليل يروي عن الأصمعي وابن الأعرابي أو أبي عُبيد فضلاً عن المسعري وكيف يروي الخليلُ عن أبي عبيد وقد تُوفِّيَ الخليل سنة سبعين ومائة وفي بعض الروايات سنة خمس وسبعين ومائة وأبو عبيد يومئذ ابنُ ست عشرة سنة‏.‏

وعلى الرواية الأخرى ابنُ إحدى وعشرين سنة لأنَّ مَوْلد أبي عبيد سنة أربع وخمسين ومائة ووفاتَه سنة أربع وعشرين ومائتين ولا يجوز أن يُسْمَع عن المسعري عِلُم أبي عُبيد إلاّ بعد مَوْتِه وكذلك كان سماعُ الخُشَني منه سنة سبع وأربعين ومائتين فكيف يُسْمَع الموتى في حالِ مَوْتهم أو يَنْقُلُون عمّن وُلِد مِن بعدهم وحدّثنا إسماعيل بن القاسم البغدادي - وهو أبو عليّ القالي - قال‏:‏ لما وَرَدَ كتابُ العَين من بلد خُراسان في زمن أبي حاتم أنكره أبو حاتم وأصحابه أشدّ الإنكار ودفعَهُ بأبْلَغِ الدَّفع وكيف لا ينكِرُهُ أبو حاتم على أن يكون بريئاً من الخَلَل سليماً من الزَّلل وقد غَبر أصحابُ الخليل بعدُ مدةً طويلة لا يعرفون هذا الكتابَ ولا يَسمعون به منهم النَّضر بن شُميل ومُؤَرِّج ونصر بن علي وأبو الحسن الأخفش وأمثالهم ولو أن الخليل ألَّف الكتاب لَحَمَله هؤلاءِ عنه وكانوا أَوْلَى بذلك من رجلٍ مجهول الحال غير مشهور في العلم انفرَدَ به وتوحَّدَ بالنقل له ثم دَرَجَ أصحابُ الخليل فتوفي النّضر بن شُمَيل سنة ثلاث ومائتين والأخفش سنة خمس عشرة ومائتين ومؤَرّج سنة خمس وتسعين ومضت بعدُ مدة طويلة ثم ظهر الكتابُ بأخَرَةٍ في زمان أبي حاتم وفي حال رياسته وذلك فيما قارب الخمسين والمائتين لأن أبا حاتم تُوُفِّي سنة خمس وخمسين ومائتين فلم يلتفت أحدٌ من العلماءِ إليه يومئذ ولا استجازوا روايةَ حرفٍ منه ولو صحَّ الكتابُ عن الخليل لبَدر الأصمعي واليَزِيديّ وابنُ الأعرابي وأشباههم إلى تزيين كُتُبهم وتَحْلِيَة علمهم بالحكاية عن الخليل والنَّقْلِ لِعِلْمِه وكذلك مَنْ بعدهم كأبي حاتم وأبي عُبيد ويعقوب وغيرهم من المصنّفين فما عَلِمنا أحداً منهم نَقَلَ في كتابه عن الخليل من اللغة حَرْفاً‏.‏  

ومن الدّليل على صحّة ما ذكرناه أن جميعَ ما وَقَع فيه من معاني النّحو إنما هو على مذهب الكوفيين وبخلاف مذهب البصريين فمن ذلك ما بُدِئَ الكتابُ به وبُني عليه من ذكر مَخارج الحروف في تقديمها وتأخيرها وهو على خلاف ما ذكره سيبيويه عن الخليل في كتابه وسيبويه حاملٌ علمَ الخليل وأوْثَقُ الناس في الحكاية عنه ولم يكن لِيَخْتَلِف قولُه ولا لِيتناقَض مذهبُه ولسنا نريدُ تقديم حرفِ العين خاصّة للوَجْه الذي اعتلَّ به ولكن تقديمَ غير ذلك من الحروف وتأخيرها‏.‏

وكذلك ما مضى عليه الكتابُ كلُّه من إدْخال الرُّباعي المضاعف في باب الثلاثي المضاعف وهو مذهبُ الكوفيين خاصة‏.‏

وعلى ذلك استمرَّ الكتابُ من أوّله إلى آخره إلى ما سنذكره من نحو هذا‏.‏

ولو أن الكتاب للخليل لما أَعْجَزَه ولا أشْكل عليه تثقيفُ الثنائيّ الخفيف من الصحيح والمعتل والثنائي المضاعف من المعتل والثلاثي المعتل بعِلّتين ولما جعل ذلك كله في باب سمَّاه‏:‏ اللفيف فأدْخَلَ بعضَه في بعض وخَلَط فيه خَلْطاً لا ينفصلُ منه شيءٌ عما هو بخلافه ولوَضع الثُّلاثي المعتل على أقسامه الثلاثة لِيسْتَبينَ معتلُّ الياءِ من معتل الواو والهمزة ولما خلَط الرباعيّ والخماسي من أولهما إلى آخرهما‏.‏

ونحن على قَدْرنا قد هذَّبْنا جميعَ ذلك في كتابنا المختصَر منه وجَعَلْنا لكلِّ شيءٍ منه باباً يحصُره وعدداً يجمعه‏.‏

وكان الخليلُ أَوْلَى بذلك وأَجْدَر ولم نحْكِ فيه عن الخليل حَرْفاً ولا نَسَبْنا ما وقع في الكتاب عنه توخِّياً للحق وقصْداً إلى الصدق وأنا ذَاكِرٌ الآنَ من الخطأ الواقع في كتاب العَيْن ما لا يذهب على َمنْ شَدَا شيئاً من النَّحو أو طالَع باباً من الاشتقاق والتّصريف ليقومَ لنا العُذْر فيما نَزَّهْنا الخليل عنه انتهى كلام الزَّبيدي في صَدْر كتاب قلت‏:‏ وقد طالعتُه إلى آخره فرأيتُ وَجْهَ التَّخْطِئَة فيما خُطّئ فيه غالبُه من جهة التصريف والاشتقاق كَذِكْرِ حرفٍ مَزِيدٍ في مادّة أصلية أو مادةٍ ثُلاثية في مادة رُباعية ونحو ذلك وبعضُه ادّعى فيه التصحيف وأما أنه يُخَطأ في لفظة من حيث اللغة بأن يقال‏:‏ هذه اللفظة كذبٌ أو لا تُعرف فمعاذَ اللّه لم يقع ذلك‏.‏

وحينئذ لا قَدْح في كتاب العين لأن الأولَ الإنكارُ فيه راجعٌ إلى الترتيب والوضْع في التأليف وهذا أمْرٌ هَيّن لأنَّ حاصله أن يقال‏:‏ الأَوْلَى نقلُ هذه اللفظة من هذا الباب وإيرادُها في هذا الباب وهذا أمرٌ سَهلٌ وإن كان مقامُ الخليل يُنزَّه عن ارتكاب مثل ذلك إلاَّ أنه لا يمنعُ الوثوقَ بالكتاب والاعتمادَ عليه في نقل اللغة‏.‏

والثاني إن سُلِّم فيه ما ادّعى من التصحيف يقال فيه ما قالته الأئمة‏:‏ ومَنْ ذا الذي سَلِمَ من التصحيف كما سيأتي في النوع الثالث والأربعين مع أنه قليل جداً وحينئذ يزول الإشكال الذي يأتي نَقْله عن الإمام فخر الدين في النوع الثالث‏.‏

فائدة - ممن ألَّف أيضاً الاستدراك على العين أبو طالب المُفَضَّل بن سَلَمَة بن عاصم الكُوفيّ من تلامذة ثعلب قال أبو الطيب اللغوي‏:‏ ردَّ أشياء من كتاب العين للخليل أكثرُها غيرُ مَردود وأبو طالب هذا متقدِّم الوفاة على الزَّبيدي‏.‏

قال أبو الحسن الشَّاري في فهرسته‏:‏ كان شيخُنا أبو ذرّ يقول‏:‏ المختصرات التي فُضِّلَت على الأمَّهات أربعة‏:‏ مختصر العين للزَّبيدي ومختصر الزَّاهر للزَّجاجي ومختصر سيرة ابن إسحاق لابن هِشام ومختصر الواضحة للفضل بن سلمة‏.‏

قال الشاري‏:‏ وقد لهج الناسُ كثيراً بمختصر العين للزَّبيدي فاستعملوه وفضَّلوه على كتاب العَين لكونه حَذَف ما أورده مؤلِّفُ كتاب العَيْن من الشواهد المختلقة والحروف المصحّفة والأبنية المختلّة وفضَّلوه أيضاً على سائر ما أُلِّف على حروف المعجم من كتب اللغة مثل جمهرة ابن دريد وكتب كُراع لأجل صِغَر حجمه وأَلْحَق به بعضُهم ما زاده أبو علي البغدادي في البارع على كتاب العين فكَثُرَت الفائدة‏.‏  

قال‏:‏ ومَذْهبي ومذهب شيخي أبي ذرّ الخُشَني وأبي الحسن بن خَرُوف أن الزَّبيدي أخلَّ بكتاب العَين كثيراً لِحَذْفه شواهدَ القرآن والحديث وصحيحَ أشعار العرب منه‏.‏

ولما عَلِمَ ذلك من مُخْتَصَر العين الإمام أبو غالب تَمّام بن غالب المعروف بابن التَّيَّاني عمل كتابه العظيم الفائدة الذي سمَّاه بفَتْح العين وأتى فيه بما في العَيْن من صحيح اللّغة الذي لا اختِلاف فيه على وجهه دون إخْلالٍ بشيء من شواهد القرآن والحديث وصحيحِ أشعار العرب وطرَح ما فيه من الشواهد المختلقة والحروف المُصَحَّفة والأبنية المختلّة ثم زاد فيه ما زاده ابنُ دُريد في الجمهرة فصار هذا الديوانُ محتوياً على الكتابين جميعاً وكانت الفائدةُ فيه فَصْلَ كتاب العين من الجمهرة وسِياقه بلفظه لِينْسب ما يحكى منه إلى الخليل إلاّ أن هذا الديوان قليلُ الوجود لم يعرّج الناسُ على نَسْخه بل مالوا إلى جمهرة ابن دريد ومُحكم ابن سيده وجامع ابن القَزَّاز وصِحَاح الجوهري ومُجْمَل ابن فارس وأفعال ابن القُوطيّة وابن طريف ولم يعرّجوا أيضاً على بارع أبي عليّ البغدادي ومُوعَبُ أبي غالب بن التَّيَّاني المذكور وهما من أصحِّ ما أُلِّف في اللغة على حروف المعجم والكتُب التي مالوا إلى الاعتناءِ بها قد تكلَّم العلماءُ فيها إلاّ أن الجمْهرة لابنِ دُريد أثنى عليه كثيرٌ من العلماءِ ويوجد منه النُّسَخُ الصحيحةُ المروِيَّة عن أكابر العلماء‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنه من أحسن الكتب المؤلَّفة على الحروف وأصحّها لغة وقد آخذه أبو علي الفارسي النحوي وأبو عليّ البَغدادي القَالِي وأبو سعيد السِّيرافي النحوي وغيرهم من الأئمة‏.‏

وأما كتاب العَيْن المنسوب إلى الخليل فهو أصلٌ في معناه وهو الذي نهج طريقةَ تأليف اللّغة على الحروف وقديماً اعتَنى به العلماء وقبِلَه الجهَابذة فكان المبرّد يَرْفع مِن قدره ورواه أبو محمد بن دَرَسْتويه وله كتاب في الردِّ على المفضَّل ابن سلمة فيما نسبَه من الخلَل إليه ويكادُ لا يوجدُ لأبي إسحاق الزّجاجي حكايةٌ في اللغة إلاّ منه وقد تكلَّم الناس فيه بما هو مشهور فائدة - ترتيب كتابُ العين ليس على التَّرتيب المعهود الآن في الحروف وقد أكْثرَ الأدباءُ من نَظْم الأبيات في بيان ترتيبه من ذلك قول أبي الفرج سلمة بن عبد اللّه المعَافِري الجزيري‏:‏ يا سائلي عن حروف العين دونكَهَا في رتبة ضمَّها وزنٌ وإحْصاء العين والحاء ثم الهاءُ والخاء والغين والقاف ثم الكاف أكْفاءُ والجيم والشين ثم الضادُ يتبعها صاد وسين وزاي بَعْدها طاء والدّال والتاء ثم الطاءُ متَّصِل بالظاءِ ذال وثاء بعدها راءُ واللام والنون ثم الفاء والباء والميم والواو والمهموز والياء قال أبو طالب المفضَّل بن سَلَمة الكوفي‏:‏ ذكر صاحبُ العين أنه بدأ كتابَه بحرف العين لأنها أَقْصى الحروف مَخْرجاً‏.‏

قال‏:‏ والذي ذكره ِسيبَويْه أن الهمزةَ أَقْصى الحروف مخرجاً‏.‏

قال‏:‏ ولو قال بدأتُ بالعين لأنها أكثرُ في الكلام وأشدُّ اختلاطاً بالحروف لكان أولى‏.‏

وقال ابن كَيْسان‏:‏ سمعتُ مَنْ يذكر عن الخليل أنه قال‏:‏ لم أبْدَأْ بالهمزة لأنها يلحقها النقصُ والتغييرُ والحذفُ ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداءِ كلمة ولا في اسم ولا فعل إلاّ زائدة أو مُبْدَلَةً ولا بالهاءِ لأنها مهموسة خفيَّة لا صوتَ لها فنزلتُ إلى الحيِّز الثاني وفيه العين والحاء فوجَدْت العين أنْصَعَ الحرفين فابتدأت به ليكون أحسنَ في التأليف وليس العلْمُ بتقدّم شيءٍ على شيء لأنه كلَّه مما يُحتاج إلى معرفته فبأيّ بدأت كان حَسناً وأولاها بالتقديم أكثرُها تصرُّفاً‏.‏

انتهى‏.‏

وقال أبو العباس أحمد بن ولاَّد في كتاب المقصور والممدود‏:‏ لعلَّ بعضَ مَنْ يقرأ كتابنا يُنْكِرُ ابتداءنا فيه بالألف على سائر حروف المعجم لأنها حرفٌ معتل ولأن الخليل تَرَك الابتداءَ به في كتاب العين لأنَّ كتاب العين لا يمكن طالب الحرفِ منه أن يَعلَمَ مَوْضعه من الكتاب من غير أن يقرأه إلاّ أن يكونَ قد نظر في التّصريف وعرفَ الزائد والأصلي والمعتلَّ والصحيح والثلاثيّ والرباعيّ والخماسيّ ومراتبَ الحروف من الحَلْق واللّسان والشَّفَة وتصريفَ الكلمة على ما يمكنُ من وُجوهِ تصريفها في اللّفظ على وجوه الحركات وإلحاقها ما تحتمل من الزائد ومواضع الزوائد بعد تصريفها بلا زيادةٍ‏.‏

ويحتاجُ مع هذا إلى أن يعلمَ الطريقَ التي وصلَ الخليل منها إلى حَصْر كلام العرب فإذا عرفَ هذه الأشياءَ عرفَ مَوْضع ما يطلُبُ من كتاب العين‏.‏

قال‏:‏ وكتابُنا قَصَدْنا فيه التّقريب على طالب الحَرْفَ وأن يستويَ في العلم منه بموضعه العالِم والمتعلّم‏.‏

انتهى‏.‏

تذنيب - قال تاج الدين أحمد بن مكتوم في تذكرته‏:‏ سُئل بعضُهم لِم سمِّيَ كتابُ الجيم - تصنيف أبي عمرو إسحاق بن مرار الشّيباني - بهذا الاسم فقال‏:‏ لأن أوله حرف الجيم كما سمِّي كتاب العين لأن أولَه حرفُ العين قال‏:‏ فاستحسنَّا ذلك ثم وقفنا على نسخةٍ من كتاب الجيم فلم نجده مبدوءاً بالجيم‏.‏

فائدة - روى أبو علي الغساني كتاب العين عن الحافظ أبي عمر بن عبد البر عن عبد الوارث بن سفيان عن القاضي مُنذر بن سعيد عن أبي العبّاس أحمد بن محمد بن ولاّد النّحوي عن أبيه عن أبي الحسن علي بن مهدي عن أبي معاذ عبد الجبار بن يزيد عن الليث بن المظفر بن نصر بن سيار عن الخليل‏.‏

فرع - ومِنْ مشاهير كُتب اللّغةِ التي نَسَجَت على مِنْوَال العين كتابُ الجَمْهَرَة لأبي بكر بن دُريد‏.‏

قال في خطبته‏:‏ قد ألَّف أبو عبد الرحمن الخليلُ بنُ أحمد الفَرْهُودِي رضوان اللّه عليه كتابَ العين فأَتْعَبَ مَنْ تَصَدَّى لغَايته وعَنَّى من سَما إلى نهايته فالمُنْصِفُ له بالغَلب مُعْترف والمُعَاند متكلِّف وكلُّ مَنْ بَعْدَه له تَبَع أقرَّ بذلك أم جَحَد ولكنَّه رحمه اللّه - ألَّف كتابَه مُشاكِلاً لِثُقُوب فَهْمِه وذَكَاءِ فِطْنَتِه وحِدَّةِ أذهان أهل دَهْرِه‏.‏

وأمْلينا هذا الكتاب والنَّقْص في الناس فاشٍ والعَجْزُ لهم شامل إلاّ خصائص كَدَرَارِيِّ النُّجوم في أَطْرَافِ الأُفق فسهَّلنا وَعْرَه ووطَّأْنا شَأْزَه وأَجْرَيْنَاه على تأليف الحروف المُعْجمة إذ كانت بالقلوب أَعْلَق وفي الأَسْماع أَنْفَذ وكان عِلْمُ العامَّة بها كعلم الخاصة وسَمَّيْناه كتاب الجمهرة لأنا اخْتَرْنا له الجمهور من كلام العرب وأَرْجَأْنا الوَحْشِيّ المستنكر‏.‏

انتهى‏.‏

وقال ابنُ جنِّي في الخصائص‏:‏ وأما كتابُ الجمهرة ففيه أيضاً من اضْطِراب التَّصْنيف وفسادِ التَّصْريف مما أَعْذِرُ واضعَه فيه لبُعْدِه عن معرفة هذا الأمر ولمَّا كتبتُه وقعتُ في مَتونه وحواشيه جميعاً من التنبيه على هذه المواضع ما اسْتَحْيَيْت من كَثْرَته ثم إنه لما طال عليّ أوْمَأْتُ إلى بعضه وضربتُ البَتَّةَ عن بعضه‏.‏

قلت‏:‏ مقصودُه الفسادُ من حيث أبنية التصريف وذكرُ الموادّ في غير محالّها كما تقدم في العَيْن ولهذا قال‏:‏ أعذر واضعَه فيه لِبُعْدِه عن معرفة هذا الأمر يعني أن ابنَ دُريد قصيرُ الباع في التصريف وإن كان طويلَ الباعِ في اللغة‏.‏

وكان ابنُ جنّي في التصريف إماماً لا يشُقُّ غبارُه فلذا قال ذلك‏.‏

وقال الأزهري ممن ألَّف الكتبَ في زماننا فَرُمِي بافتعالِ العربيَّةِ وتوليد الألفاظ أبو بكر بن دُريد وقد سألتُ عنه إبراهيمَ بن محمد عرفة - يعني - نِفْطَويه فلم يَعْبَأْ به ولم يُوَثِّقْه في روايته‏.‏

قلت‏:‏ معاذَ اللّه‏!‏ هو بَريءٌ مما رُمِي به وَمَنْ طالَع الجمهرة رأى تحرِّيه في روايته وسَأَذْكرُ منها في هذا الكتاب ما يُعْرَفُ منه ذلك ولا يُقْبل فيه طعنُ نِفْطَويه لأنه كانَ بينهما مُنافرةٌ عظيمةٌ بحيث إنَّ ابنَ دُرَيد هجاه بقَوْله‏:‏ لَوْ أُنْزِلَ الْوَحْيُ عَلَى نِفْطَويْه لكان ذاك الوَحْيُ سُخْطاً عَلََيه وشَاعِرٍ يُدْعَى بِنصْفِ اسْمِه مُسْتَأْهلٌ للصَّفْعِ في أَخْدَعَيْه أَحْرَقَهُ اللّهُ بنِصفِ اسْمِه وَصَيَّرَ الباقي صُرَاخاً عَلَيْه وهجا هو ابنَ دُرَيد بقوله‏:‏ ابنُ دُرَيْدٍ بَقَرَه وفيه عِيّ وَشَرَه وَيَدَّعِي مِنْ حُمْقِه وَضْعَ كِتَابِ الْجَمْهَرَه وهو كتابُ الْعَيْن إلاَّ أَنَّهُ قدْ غَيَّرَه وقد تقرّر في علم الحديث أنَّ كلامَ الأقرانِ في بعضهم لا يقدح‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أمْلَى ابنُ دُرَيْد الجمهرَة في فارس ثم أَمْلاها بالبَصْرة وببَغْداد مِنْ حِفْظه ولم يستَعِنْ عليها بالنظر في شيءٍ من الكُتُب إلاَّ في الهَمزةِ واللفيف فلذلك تختلف النسخ والنُّسْخَة المعوَّل عليها هي الأخيرة وآخرُ ما صحَّ نسخة عبيد اللّه بن أحمد جَخْجَخْ لأنه كتبها من عِدَّةِ نسخ وقَرَأَها عليه‏.‏

قلت‏:‏ ظَفِرْتُ بنسخة منها بخطِّ أبي النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس الطرابلسي اللُّغوي وقد قرأها على ابن خالويه بروايته لها عن ابن دُرَيد وكتب عليها حواشي من استدراك ابن خالويه على مواضع منها ونبَّه على بعض أوهامٍ وتصحيفات‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان لأبي عليّ القالي نسخةٌ من الجمهرة بخطِّ مؤلفها وكان قد أُعْطِي بها ثلاثمائة مثقال فأبى فاشتدَّت به الحاجةُ فباعها بأربعين مثقالاً وكتبَ عليها هذه الأبيات‏:‏ أَنِسْتُ بها عشرين عاماً وبعتُها وقد طال وَجْدِي بعدَها وحَنيني وما كان ظنِّي أنني سأبيعها ولو خَلَّدَتْني في السجون دُيوني ولكن لِعَجْزٍ وافتقارٍ وصِبْيَة صغارٍ عليهم تستهلّ شؤوني فقلت - ولم أملك سوابقَ عَبْرتي مقالةَ مكوى الفؤاد حَزين وقد تُخْرِجُ الحاجاتُ - يا أم مالك - كرائمَ من ربٍّ بِهِنَّ ضَنِين قال‏:‏ فأَرْسَلها الذي اشتراها وأرسل معها أربعين ديناراً أُخْرى رحمهم اللّه‏.‏

وجدت هذه الحكاية مكتوبةً بخطّ القاضي مجد الدين الفيروزابادي صاحبِ القاموس على ظَهْرِ نسخة من العُبَاب للصَّغَاني ونقلها من خَطِّه تلميذُه أبو حامد محمد بن الضياءِ الحنفي ونقلتُها من خطِّه‏.‏

لما فَرَغْنا من نِظَامِ الجَوْهره أعورت العَيْن ومات الجَمْهَرَه ووقف التَّصنيف عند القَنْطره وألَّفَ أتباعُ الخليل وأتباعُ أتباعه وهلّم جَرًّا كُتُباً شتى في اللّغة ما بين مُطَوَّلٍ ومختَصر وعامٍّ في أنْواع اللغة وخاصٍّ بنوع منها كالأجناس للأصمعي والنوادر واللُّغات لأبي زيد والنوادر للكسائي والنوادر واللغات للفرَّاءِ واللغات لأبي عبيدة مَعْمَر بن المُثَنَّى والجيم والنوادر والغريب لأبي عَمْرو إسحاق بن مرار الشيباني والغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام والنوادر لابن الأعرابي والبَارِع للمفضّل بن سلمة واليواقيت لأبي عمر الزاهد غلام ثعلب‏.‏

والمنضد لكُراع والتهذيب للأزهري والمُجْمَل لابنِ فارس وديوان الأدب للفارابي والمحيط للصاحب ابن عبَّاد والجامع للقزَّاز وغير ذلك مما لا يُحْصى حتى حُكِي عن الصاحب ابن عبّاد أن بعضَ الملوك أرسل إليه يسألهُ القدومَ عليه فقال له في الجواب‏:‏ أحتاجُ إلى ستين جمَلاً أنقل عليها كتبَ اللغة التي عندي وقد ذهب جلُّ الكتب في الفِتَنِ الكائنة من التَّتار وغيرهم بحيث إن الكتبَ الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدّمين والمتأخرين لا تجيء حِمْل جملٍ واحدٍ وغالبُ هذه الكتب لم يََلتزم فيها مؤلّفوها الصحيحَ بل جمعُوا فيها ما صحَّ وغيرَه وينبِّهون على ما لم يثبت غالباً‏.‏

وأولُ مِن التزمَ الصحيح مقتصراً عليه الإمامُ أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجَوْهَري ولهذا سمَّى كتابه بالصحاح وقال في خطبته‏:‏ قد أوْدَعْتُ هذا الكتاب ما صحَّ عندي من هذه اللغة التي شرَّف اللّه منزلتَها وجعل عِلْم الدِّين والدنيا مَنُوطاً بمعرفتها على ترتيبٍ لم أُسْبَق إليه وتهذيبٍ لم أُغلبْ عليه بعد تحصيلها بالعراق روايةً وإتقانها دِراية ومُشافهتي بها العربَ العاربة في ديارهم بالبادية ولم آل في ذلك نُصْحاً ولا ادَّخَرتُ وسعاً‏.‏

قال أبو زكريا الخطيب التِّبريزي اللّغوي‏:‏ يقال كتاب الصِّحاح بالكسر وهو المشهور وهو جمع صحيح كظريف وظراف ويقال‏:‏ الصَّحاح بالفتح وهو مفرد نعت كصحيح وقد جاءَ فَعال بفتح الفاءِ لغةً في فعيل كصحيح وصَحاح وشحيح وشَحاح وبريءٍ وبَراءٍ‏.‏

قال‏:‏ وكتاب الصّحاح هذا كتابٌ حسنُ الترتيب سَهلُ المطلبِ لِما يُراد منه وقد أتى بأشياءَ حسنة وتفاسير مشكلات من اللغة إلاّ أنه مع ذلك فيه تصحيفٌ لا يُشَكُّ في أنه من المصنِّف لا من الناسخ لأنَّ الكِتاب مبنيٌّ على الحروف قال‏:‏ ولا تخلو هذه الكتبُ الكِبار من سهْوٍ يقعُ فيها أو غلطٍ‏.‏

وقد رد على أبي عبيد في الغريب مواضع كثيرة منه غير أن القليل من الغَلط الذي يقع في الكُتب إلى جنبِ الكثير الذي اجتهدوا فيه وأتعبوا نفوسهم في تصحيحه وتنقيحه معفوٌّ عنه‏.‏

هذا كلام الخطيب أبي زكريا‏.‏

وقال أبو منصور عبد الملك بن أحمد بن إسماعيل الثعالبي اللغوي في كتابه يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر‏:‏ كان الجوهريُّ من أعاجيبِ الزمان وهو إمام في اللغة وله كتاب الصحاح وفيه يقول أبو محمد إسماعيل بن محمد بن عبدوسٍ النيسابوري‏:‏ هذا كتابُ الصِّحاح سيّدُ ما صُنِّف قبل الصحاح في الأدبِ تَشْمَلُ أبوابهُ وَتَجْمَعُ ما فُرِّق في غيره من الكُتُبِ وقال ابنَ برِّي‏:‏ الجوهري أَنْحَى اللغويين‏.‏

وقال ياقوت الحموي في معجم الأدباء‏:‏ كتاب الصحاح هو الذي بأيْدي الناس اليوم وعليه اعتمادُهم أحْسنَ الجوهري تصنيفَه وجوَّدَ تأليفَه هذا مع تصحيف فيه في عدّة مواضع تَتَبَّعَهَا عليه المحققون‏.‏

وقيل‏:‏ إن سببه أنه لما صنَّفَهُ سُمِع عليه إلى باب الضاد المعجمة وعَرَضَ له وسْوَسَة فألْقى نفسه من سَطْحٍ فمات وبقي سائر الكتاب مسوَّدة غيرَ مُنَقَّح ولا مبيَّض فبيَّضَه تلميذُه إبراهيم بن صالح الورَّاق فَغَلِطَ فيه في مواضع غلطاً فاحشاً وكان وفاة الجوهري في حدود الأربعمائة‏.‏

وقد ألَّف الإمام أبو محمد عبد اللّه بن برِّي الحواشيَ على الصِّحاح وصَلَ فيها إلى أثناء حرف الشين فأكملها الشيخ عبد اللّه بن محمد البسطي‏.‏

وألَّف الإمام رضيّ الدين حسن بن محمد الصَّغَاني التَّكْمِلَة على الصحاح ذَكَرَ فيها ما فاته من اللّغة وهي أكبرُ حجماً منه وكان في عَصْر صاحب الصَّحاح ابنُ فارس فالتزم أن يذكرَ في مُجْمَله الصحيح‏.‏

قال في أوله‏:‏ قد ذَكرنا الواضحَ من كلام العرب والصحيحَ منه دون الوَحْشيّ المُسْتَنْكر ولم نألُ في اجتباءِ المشهور الدَّالِّ على غُرَر وتفسير حديث أو شعر والمقصودُ في كتابنا هذا من أوّله إلى آخره التقريبُ والإبانةُ عما ائْتَلف من حروف العربية فكان كلاماً وذِكْرُ ما صحَّ من ذلك سماعاً أو من كتابٍ لا يشكُّ في صحَّةِ نَسَبه لأنَّ مَنْ عَلِم أن اللّه تعالى عند مَقَالِ كلِّ قائل فهو حَرِيٌّ بالتَّحَرُّج من تطويل المؤلَّفات وتكثيرها بمُسْتَنْكَرِ الأقاويل وشنيع الحكايات وبُنَيَّات الطُّرُق فقد كان يُقال‏:‏ مَنْ تتبَّع غرائبَ الأحاديث كَذَب ونحن نعوذ باللّه من ذلك‏.‏

وقال في آخر المجمل‏:‏ قد توخَّيْتُ فيه الاختصارَ وآثرتُ فيه الإيجازَ واقتصرتُ على ما صحَّ عندي سماعاً ومن كتابٍ صحيح النسب مشهورٍ ولولا توخِّي ما لم أشككّ فيه من كلام العرب لَوَجَدْتُ مقالاً‏.‏

وأعظمُ كتابٍ أُلِّفَ في اللغة بعد عَصْرِ الصّحاح كتابُ المُحْكَم والمحيط الأعظم لأبي الحسن علي بن سِيدَه الأندلسي الضَّرير ثم كتابُ العُباب للرضي الصَّغاني ووصل فيه إلى فصل بكم حتى إن الصّغاني الذي حاز العلوم والحكم كان قُصَارى أَمْرِه أن انتهى إلى بكم ثم كتابُ القاموس للإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفَيْرُوزَابادي شيخ شيوخنا ولم يصل واحدٌ من هذه الثلاثة في كَثرَة التَّدَاول إلى ما وصل إليه الصّحاح ولا نقصت رتبةُ الصحاح ولا شُهْرَته بوجود هذه وذلك لالتزامه ما صحَّ فهو في كُتب اللغة نظيرُ صحيح البخاري في كُتب الحديث وليس المَدَارُ في الاعتماد على كَثَرة الجمع بل على شرْط الصحة‏.‏

قال صاحبُ القاموس في خُطْبته‏:‏ وكنتُ بُرْهَةً من الدَّهْر أَلتْمسُ كتاباً جامعاً وصحيحاً بسيطاً ومُصَنَّفاً على الفُصُح والشوَارد مُحيطاً ولما أعياني الطّلاب شرعتُ في كتابي الموسوم باللامع المُعْلَم العُجَاب الجامعِ بين المُحْكَم والعُبَاب فهما غُرَّتا الكُتب المصنّفة في هذا الباب ونَيِّرَا بَرَاقِع الفضل والآداب وضَمَمْتُ إليهما زيادات امْتَلأَ بها الوطِاب واعْتَلَى منها الخِطَاب ففاقَ كلَّ مؤلف في هذا الفن هذا الكتابُ غيرَ أني خَمَّنْتُه في ستين سِفْراً يُعْجز تحصيلُه الطُّلاب وسُئِلْتُ تقديم كتاب وجيز على ذلك النظام وعَمَلٍ مُفَرَّغ في قالَبِ الإيجاز والإحكام مع التزام إتمام المعاني وإبرام المباني فصرفت صوبَ هذا القصد عِناني وألَّفتُ هذا الكتاب محذوفَ الشواهد مطروحَ الزوائد مُعْرِباً عن الفُصُحِ والشَّوارد وجعلت بتوفيق اللّه زُفَرَاً في زِفْر ولَخَّصتُ كلَّ ثلاثين سِفراً في سِفْر ثم قال‏:‏ ولما رأيت إقْبالَ الناس على صحاح الجوهري وهو جدير بذلك غيرَ أنه فاتَه ثلثا اللغة أو أكثر إما بإهمال المادة أو بترك المعاني الغريبة النَّادّة أردتُ أن يظهر للناظر بادئَ بدءٍ فَضْلَ كتابي عليه ونَبَّهْت فيه على أشياء ركب الجوهريّ رحمه اللّه فيها خلاف الصواب غير طاعنٍ فيه ولا قاصد بذلك تَنْدِيداً له وإزراءً عليه وَغضّاً منه بل استيضاحاً للصواب واسْتِرْباحاً للثواب وتحرّزاً وحذاراً من أن ينمى إليّ التصحيف أو يُعْزَى إليّ الغلط والتحريف‏.‏

واخْتَصَصْتُ كتابَ الجوهري من بين الكتب اللُّغَوية مع ما في غالبها من الأوهام الواضحة والأغلاط الفاضحة لِتَدَاوُله واشتهارِه بخصوصه واعتماد المدرسين على نُقُوله ونصوصه‏.‏

انتهى‏.‏

وفي القاموس يقولُ بعضُ الأُدبَاء‏:‏ مذ مدَّ مجدُ الدين في أيامه من بعض بحر علومه القاموسا ذهبت صحاح الجوهري كأنها سحر المدائن حين القى موسى قلت‏:‏ ومع كَثرةِ ما في القاموس من الجمع للنَّوادّ والشوارد فقد فاته أشياءُ ظفِرتُ بها في أثناء مطالعتي لكُتُب اللغة حتى هَمَمْتُ أن أجْمَعَها في جُزءِ مُذَيِّلاً عليه وهذا آخر الكلام في هذا النوع ونشرعُ بعده إن شاء اللّه تعالى في بقية الأنواع‏.‏

ولم يثبت هذا النوع يقابلُ النوعَ الأولَ الذي هو الصحيح الثابتُ والسبب في عدم ثبوت هذا النوع عدمُ اتصال سَنَدِه لسقوطِ راوٍ منه أو جهالته أو عدم الوثوق بروايته لفَقْدِ شَرْطِ القَبول فيه كما سيأتي بيانُه في نوع مَنْ تُقْبَلُ روايته ومَنْ تُرَدُّ أو للشكِّ في سَمَاعه‏.‏

أمثلة هذا النوع كثيرةٌ منها ما في الجمهرة لابن دُرَيد‏:‏ قال‏:‏ زَعموا أن الشَّطْشاط‏:‏ طائر وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ في بعض اللغات‏:‏ ثَبَطَت شفةُ الإنسان ثَبْطَاً إذا ورِمت وليس بثَبْت‏.‏

وفيها‏:‏ استعمل ضَبَجَ ضبجاً إذا ألقى نفسه بالأرض من كلال أو ضرب وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الجَبْجَاب‏:‏ الماء الكثير وكذلك ماءٌ جُبَاجب وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الرُفَف‏:‏ الرقَّة في الثوب وغيره وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ بتأ يَبْتَأُ بَتأً‏:‏ إذا أقام بالمكان وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ هَتأَ الشيء يَهْتَوُه إذا كسره وَطْأً برجله زعموا وليس يثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الخَثْوَاء‏:‏ المسترخيةُ أسفل البطن من النساء امرأة خثواء ورجل أخثى وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ ناقة رَجَّاء ممدود زعموا إذا كانت مرتجة السنام ولا أدري ما صحّته‏.‏

وفيها‏:‏ الدَّنْحَبَة‏:‏ الخِيانة وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ ذكر بعضُ أهل اللغة أن الكَسْحَبَة‏:‏ مَشْيُ الخائف المُخْفِي نفسه وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الحَبْشَقة والحُبْشُوقة‏:‏ دُويّبة وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ كَنْحَب قالوا‏:‏ نبت وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ يقال‏:‏ زَلْدَبْتُ اللُّقمة إذا ابتلعتُها وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ يقال‏:‏ رجل بُرْزُل‏:‏ إذا كان ضخماً وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ القَهْبَسَة‏:‏ الأتانُ الغليظةُ وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ القُشْلُب والقِشْلِب قالوا‏:‏ نبت وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ العَضْبَل‏:‏ الصُّلب وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الهَنْقب‏:‏ القصير وليس بثبت‏.‏

وفيها حَثْرَفْتُ الشيء‏:‏ زعزعته وليس بثبت‏.‏

الثُّخْروط‏:‏ نبت زعموا وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ العَنْطث زعموا‏:‏ نبت وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ القَنطَثَة زعموا العَدْوُ بفَزَع وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ السَّحْجَلَةُ زعموا صَقْلُك الشيء وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ سَبّود ذكر بعض أهل اللغة أنه الشَّعر وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ جَزالاء بمعنى الجزل وليس بثبت قال‏:‏ وجاء أيضاً مِمّا لا يُعْرَف قِصَاصَاء بمعنى القِصاص وزعموا أن أعرابيّاً وقف على بعض الأمراءِ بالعراق فقال‏:‏ القِصَاصاء أصلحك اللّه أي خُذْلِي بالقِصَاص‏.‏

وفيها‏:‏ في بعض اللغات حُسُن الشيء وحَسَن وصَلَح وصُلح وليس بثبت وفيها‏:‏ زعم قومٌ من أهل اللغة أن القِشْبَة‏:‏ ولدُ القِرْد ولا أدري ما صِحَّته‏.‏

وفيها‏:‏ العلب زعموا الذي لأُمه زوج ولا أعرف ما صحّة ذلك وفيها‏:‏ الهَبَق نبت زعموا ولا أدري ما صحّته‏.‏

وفيها‏:‏ اللَّقْعُ‏:‏ الضربُ وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ القَلْس‏:‏ حبل من ليفٍ أو خُوص ولا أدري ما صحَّتُه‏.‏

وفيها‏:‏ ما ذكر أبو مالك أنه سمع من العرب حِمْلاق وحُمْلاق وليس الضم بثبتَ وفيها‏:‏ يقال تَفَكَّن القوم إذا تندّموا وتفكهنُوا وليس بثبت فأما تفكَّهوا تعجَّبوا فصحيح وكذلك فسِّر في التنزيل قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فَظلْتُم تَفَكَّهُونَ ‏"‏ أي تَعْجَبون وتميم تقول‏:‏ وتَفَكَّنُونَ‏:‏ تندمون وفيها‏:‏ يقال إن الكُلاَم بضم الكاف‏:‏ أرضٌ غليظة وما أدري ما صحَّته‏.‏

وفيها‏:‏ الهَرْوُ لا أصل له في العربية إلاّ أن أبا مالك جاء بحرفٍ أنْكَرَه أهلُ اللغة قال‏:‏ هَرَوْتُ اللحم أنضجته وإنما هو هَرَأْتُه‏.‏

وفيها‏:‏ خَذَعْرَب‏:‏ اسمٌ جاء به أبو مالك ولا أدري ما صحَّته‏.‏

وفيها‏:‏ عذَج الماء يعذِجه عذْجاً جرَعه ولا أَدري ما صِحَّتها‏.‏

وفيها‏:‏ البَيْظُ‏:‏ زعموا مستعمل وهو ماء الفَحْل ولا أدري ما صِحَّته‏.‏

وفيها‏:‏ زعموا أن المِنْطَبَة‏:‏ مِصْفَاة يصفَّى بها الخمر ولا أدري ما صحَّته‏.‏

وفيها‏:‏ قال قوم‏:‏ الوَقْواق‏:‏ طائرٌ بَعيْنه وليس بثَبْت‏.‏

وفيها‏:‏ كرى‏:‏ نجم زَعموا من الأنواء وقالوا‏:‏ هو النسر الواقع لغة يمانية وليس بثبت‏.‏

وفيها يقال‏:‏ طِفْل بيِّن الطُّفولة وقال قوم‏:‏ الطَّفَالة وليس بثبت وصارم بيِّن الصَّرامة وحازم بيِّن الحزَامة وقال قوم‏:‏ الصُّرومة والحُزُومة وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الطائر الذي يسمى اللَّقْلق ما أدري ما صِحَّته‏.‏

وفيها‏:‏ الغُنْبُول والغُنْبُول‏:‏ طائر وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ البَغْز أَصْلُ بنْيَة البَاغِز وهو المُقْدِم على الفجور زعموا ولا أُحقِّه‏.‏

وفيها‏:‏ البَاغِز‏:‏ موضع تُنْسَب إليه الأكسِية والثياب ولا أعرف صحَّته ما هو‏.‏

وفيها‏:‏ قد اختُلف في المثل الذي يقال‏:‏ الكِرابَ على البقر فقالوا‏:‏ إنما هو الكلابُ على البقر ولا أدري ما صحَّته‏.‏

وفيها زعم قوم أنَّ بعض العرب يقولون في الأخِ والأُخت أخٌّْ وأخَة ذكره ابنُ الكلبي ولا أدري ما صحَّةُ ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ الخَلاة‏:‏ الأرض الكثيرة الشجر بغير هَمْزٍ وليس بثبت‏.‏

و فيها‏:‏ الخِضَاء‏:‏ تفتُّت الشيء الرَّطْب وانْشِدَاخُه خاصة وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ العَشْجَب‏:‏ الرجل المُسْتَرخي وقالوا‏:‏ الخبول من جُنون أو نحوه وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الفَظِيظُ‏:‏ زعم قوم أنه ماء الفَحْل أو ماء المرأة وليس بثبت‏.‏

وفيها‏:‏ الخُعْخُع‏:‏ ضربٌ من النبت وليس بثبت‏.‏

وقال‏:‏ زعم قومٌ من أهل اللغة أن الحرَّ - يعني خلاف البَرْد - يُجْمَعُ أَحَارِر ولا أعْرَف ما وقال‏:‏ المُحَاح في بعض اللغات‏:‏ الجوع ولا أدري ما صحته‏.‏

وقال‏:‏ قال بعض أهل اللغة‏:‏ العَلُّ مثل الزِّير‏:‏ الذي يُحِبُّ حديث النساء ولا أدري ما صحته‏.‏

وقال‏:‏ ذكر قوم أن الوَحْوح ضربٌ من الطير ولا أدري ما صحَّته‏.‏

وقال‏:‏ الزُّغْزُغ‏:‏ ضربٌ من الطير زعموا ولا أعرف ما صحَّته‏.‏

وقال ابن دريد قال أبو حاتم‏:‏ الأَتانُ‏:‏ مَقَامُ المُسْتَقِي على فَمِ الرَّكِيَّة فسألت عبد الرحمن فقال‏:‏ الإتان بكسر الألف قال ابنُ دُرَيد‏:‏ والكفُّ عنها أحبُّ إليّ لاختلافهما‏.‏

وقال‏:‏ سمعت عبد الرحمن بن أخي الأصمعي يقول‏:‏ أرض جِلْحِظاء - الظاء معجمة والحاء غير معجمة - وهي الصُّلْبَة التي لا شَجَرَ بها وخالفه أصحابُنا فقالوا‏:‏ الجِلْخِطَاء بالخاء معجمة فسألته فقال‏:‏ هذا رأيتُه في كتاب عمِّي قال ابنُ دريد‏:‏ وأنا أَوْجَل من هذا الحَرْف وأخافُ ألا يكون سَمِعه‏.‏

وقال سيبويه‏:‏ جِلْخِطاء بالجيم والخاء والطاء فلا أدري ما أقولُ فيه‏.‏

وقال‏:‏ زعم قومٌ من أهل اللغة أن الضُّؤْضُؤ هذا الطائر الذي يسمى الأَخْيَل ولا أدري ما صحَّته‏.‏

وقال‏:‏ الجُمُّ زعموا‏:‏ صَدف من صدَف البحر ولا أعرفُ حقيقته‏.‏

وقال‏:‏ الحَوْبَجَة زعموا‏:‏ وَرَمٌ يصيب الإنسان في جَسده لغة يمانية لا أدري ما صِحَّته‏.‏

وقال‏:‏ يقال للقناة التي يجري فيها الماءُ في باطن الأرض إرْدبّ ولا أدري ما صحَّته‏.‏

وقال‏:‏ البَيْقَرَان‏:‏ نَبْتٌ ذكره أبو مالك ولا أدري ما صحَّته‏.‏

وقال ابنُ دُريد قال بعض أهل اللغة‏:‏ تُسمى الفَأْرة غُفَّة لأنها قُوتُ السنَّوْر وأنشد هذا البيت عن يونس لا أدري ما صحَّته‏:‏ يديرُ النَّهَار بحَشْر له كما عَالَج الغُفَّة الخَيْطَل النهار‏:‏ وَلَدُ الحُبَارى والخَيْطل‏:‏ السِّنَّوْر والحَشْر‏:‏ سهم صغير‏.‏

وقال أبو عبيد في الغريب المصنّف‏:‏ قال الأموي‏:‏ المنيّ والمذيّ والوديّ ومشدَّادات الياء والصواب عندنا قول غيره أن المنيَّ وحده بالتشديد والآخران مخففان‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ البُصْع الجمع سمعتُه من بعض النَّحويين ولا أدري ما صحَّتُه‏.‏

والنحيجة‏:‏ زبد رقيق ويقال‏:‏ النَّجيحة بتقديم الجيم ولا أدري ما صحته‏.‏

وفي الصحاح يقول‏:‏ في فلان تَيْسِيَّةٌ وناس يقولون تَيْسُوسِيَّة وكَيفُوفِيّة ولا أدري ما صحتهما‏.‏

وفي التهذيب للأزهري‏:‏ قال الليث‏:‏ أَسَد قَصْقَاص نعْتٌ له في صوته وحيَّة قَصْقاص نعتٌْ لها في خُبْثِها قال الأزهري‏:‏ وهذا الذي في نَعْت الأسد والحيَّة لا أعرِفه وأنا بريء من عُهْدته‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ يقال‏:‏ وَرضَت الدَّجاجة إذا كانت مرخمة على البيض ثم قامت فذرقت بمَرَّةٍ واحدة ذرقاً كثيراً قال الأزهري في التهذيب بعد أن حكَى هذه المقالة عن الليث وزاد وكذلك التَّوْريض في كلِّ شيء‏:‏ هذا الحرفُ عندي مريب والذي يصحُّ فيه التَّوْريص بالصاد‏.‏

أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء ورَّص الشيخ بالصاد إذا استرخى حِتَار خَوْرَانِه فأبدى‏.‏

وحُكي عن ابن الأعرابي نحوه قال‏:‏ أَوْرَص ووَرَّص إذا رمى بغطائه قال الأزهريّ‏:‏ فهذا هو الصحيح ولا أعرف الحرف بالضاد‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ الضِّفة بالكسر‏:‏ جانب النهر ونقله الأزهري في التهذيب عن اللَّيث ثم قال‏:‏ لم أَسْمع ضِفَّة لغير اللَّيث والمعروف الضَّفة والضِّيفُ الجانب النهر‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ زَبَق شعره يزِبقُهُ زبقاً‏:‏ نتفه قال أبو زكريا التَّبريزي قال أبو سهل‏:‏ هكذا رواه أبو عبيد في الغريب المصنَّف عن أبي زيد بالباء‏.‏

وأخبرنا أبو أُسامة عن أبي منصور الأزهري عن أبي بكر الإيادي عن ابن حمدويه قال‏:‏ الصواب زَنقه بالنون يزنقه ومنه زنق ما تحت إبطِه من الشَّعر إذا نَتَفَه قال‏:‏ وأما زَبقه بالباء فمعناه حبَسه‏.‏

والزابوقاء‏:‏ الحبس‏.‏

وقال أبو أُسامة يصحِّح قولَ ابن حمدويه أن الأصمعي قال‏:‏ زَلَقَ رأسه إذا حلقه باللام والنون تُبْدَلُ من اللام في مواضع كثيرة فكأن زنقه بالنون بمعنى زَلَقه باللام‏.‏

وفي العين‏:‏ احْوَنْصَل الطائر إذا ثَنَى عُنقُه وأخرج حَوْصَلَته‏.‏

قال الزَّبيدي في كتاب الاستدراك‏:‏ احْوَنْصَلَ مُنْكَرَةٌ ولا أعلم شيئاً على مثال أفونعل من الأفعال‏.‏

وفي العَين‏:‏ التُّحْفة مُبَدلة من الواو وفلان يتوحَّف‏.‏

قال الزَّبيدي‏:‏ ليست التاء في التحفة مبدلة من الواو لوجودها في التصاريف‏.‏

وقوله‏:‏ يتوحَّف منكَر عندي‏.‏

وقال ابن القوطية‏:‏ في كتاب الأفعال‏:‏ أَنْهَبْتُ الشيءَ‏:‏ جعلته نهباً يغار عليه ونَهَبْتُه لغة ذكرها قُطْرب وهو غير ثِقَة‏.‏

انتهى‏.‏

و في المجمل لابن فارس‏:‏ الحَتْرُ‏:‏ ذكر الثّعالب وفيه نظر‏.‏

وقال‏:‏ العِلَّوش‏:‏ الذئب وفيه نظر لأن الشين لا تكون بعد اللام‏.‏

وقال‏:‏ الوَلاَّس‏:‏ الذئب فيما يقال وفيه نظر‏.‏

وقال‏:‏ يقولون‏:‏ القَلْخ‏:‏ الحمار والقلخ‏:‏ الفَحْل إذا هاج وفيهما نظر‏.‏

وقال‏:‏ يقال‏:‏ نَأَتَ الرجل‏:‏ إذا اجتهد وفيه نظر وقال‏:‏ رجل أَنْبَس‏:‏ كريه الوجهِ وفيهِ نظر وقال‏:‏ يقال النَّسْك‏:‏ المكان الذي تألفهُ وفيه نظر وقال‏:‏ يقال شيء وافلٌ أي وافر وفيه نظر‏.‏

وقال يقال‏:‏ المَعْفِس‏:‏ المَفْصِل من المفاصل وفي هذه الكلمة نظر‏.‏

وقال‏:‏ يقال إن غُنَجَة معرفة بلا ألف ولام‏:‏ القُنفذ لا تنصرف وفيه نظر‏.‏

وقال‏:‏ عَمَشْتُ الرجل بالعصا‏:‏ ضربتُه وفيه نظر‏.‏

وقال‏:‏ العتار قرحة لا تجفّ وفي ذلك نظر‏.‏

وقال يقال‏:‏ إن العَاذِرَة المرأة المستحاضة‏.‏

وقال‏:‏ حَكى بعض مَنْ في قوله نظَر أن الاعْتِذَال‏:‏ الاعتزام على الشيء يقال‏:‏ اعتذل على الأمر إذا اعتزم عليه‏.‏

وقال يقال‏:‏ عَرَّز عني أَمْرَه‏:‏ أي أخفاه واعْتَرَز‏:‏ أي انقبص وفيه نظر‏.‏

وقال‏:‏ قال ابن دريد‏:‏ القَزَب‏:‏ الصَّلاَبة والشدة قَزِبَ الشيء‏:‏ صلب لغة يمانية‏.‏

قال‏:‏ ولولا حُسْنُ الظنّ بأهل العلم لتُرك كثير مما حكاه ابنُ دريد‏.‏