النوع السابع: معرفة طرق الأخذ والتحمل

المزهر في علوم اللغة

السيوطي

عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين المولود عام 849 هـ والمتوفي عام 911 هـ

 

النوع السابع معرفة طرق الأخذ والتحمّل

هي ستة‏:‏ أحدها - السماعُ من لفظ الشيخ أو العَرَبيّ قال ابنُ فارس‏:‏ تُؤْخَذ اللغة اعتياداً كالصبيّ العربيّ يَسْمَعُ أبَوَيه وغيرَهما فهو يأخذُ اللغة عنهم على ممرِّ الأوقات وتُؤْخَذ تَلَقُّناً من مُلَقِّن وتُؤْخذ سَماعاً من الرُّواة الثِّقَاتِ وللمُتَحَمِّل بهذه الطرق عند الأداء والراوية صِيَغ‏:‏ أَعْلاها أن يقولَ أَمْلَى عليّ فلانٌ أو أَمَلّ على فلان‏.‏

قال أبو علي القالي في أماليه‏:‏ أَمْلى علينا أبو بكر بن دُريد قال أنشدنا أبو حاتم عن أبي عبيدة لِخِرْنق بنت هَفَّان تَرْثي زوجَها عمرو بن مَرْثد وابنَها عَلْقَمَة بن عمرو وأخويه حَسَّاناً وشُرَحْبيل‏:‏ لا يَبْعَدَنْ قومي الذين همُ سمُّ العُداة وآفَةُ الجُزر النازلون بكل مُعْتَرَك والطيِّبون مَعَاقِد الأُزر قال‏:‏ وأمْلى علينا أبو العهد صاحب الزّجّاج قال‏:‏ أنشدنا أبو خليفة الفضل بن الحُباب الجُمَحي قال‏:‏ أنشدنا أبو عثمان المازني للفرزدق‏:‏ لا خيرَ في حُبّ من تُرْجَى نَوَافِلُه فاسْتَمْطِرُوا من قريش كلَّ مُنْخَدِع تَخَال فيه إذا ما جئته بَلَهاً في ماله وهْو وَافي العَقْلِ والوَرَع قال القالي‏:‏ أولُ كلمة سمعتها من أبي بكر بن دريد دخلتُ عليه وهو يُملي على الناس‏:‏ العربُ تقول‏:‏ هذا أَعْلَق من هذا أي أمرّ منه وأنشدنا‏:‏ نَهارُ شَراحيلَ بن طَوْدٍ يَرِيبني ولَيْلُ أبي لَيْلَى أَمَرُّ وأَعْلَقُ أي أشدُّ مرارة‏.‏

ويلي ذلك سمعت‏:‏ قال ثعلب في أماليه‏:‏ حدثنا مَسلمة قال سمعت الفرَّاء يحكي عن الكِسَائي أنه سمع اسْقِني شَرْبَة ما يا هذا يريد شربة ماء فقصر وأخْرجه على لفظ من التي للاستفهام وهذا إذا مضى فإذا وقف قال‏:‏ شربة ماء‏.‏

وقال أبو حاتم سمع أبا زيد مائة مرة أو أكثر يقول‏:‏ بَصَّصَ الجِرْ وبالياء إذا فتح عَيْنَيْه كذا في نوادر أبي زيد‏.‏

قال القالي حدثني أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال سمعت أمّ الهيثم تقول‏:‏ شِيرَة وأنشدَتْ‏:‏ إذا لم يكن فيكُنَّ ظِلٌّ ولا جَنًى فأبْعَدَكُنَّ اللّه من شِيرَاتِ فقلتُ‏:‏ يا أمَّ الهيثم صغِّريها‏.‏

فقالت‏:‏ شُيَيْرة‏.‏

وقال القالي حدثنا أبو بكر بن دُرَيد حدثنا عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال‏:‏ سمعتُ أعرابياً يدعو لرجل فقال‏:‏ جنَّبك اللّه الأمَرَّين وكفاك شرَّ الأجوفين وأذاقك البردين‏.‏

قال القالي‏:‏ الأمَرَّان‏:‏ الفَقْر والعُري والأجوفان‏:‏ البَطْن والفرج والبردان‏:‏ برد الغنى وبرد العافية‏.‏

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر قال حدَّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ سمعتُ أعرابيّاً من غَنِّيٍ يذكر مطراً صاب بلادَهم في غِبِّ جَدْب فقال‏:‏ تَدَارَكَ رَبُّكَ خَلْقَه وقد كَلِبت الأَمْحَال وَتَقَاصَرَت الآمال وَعَكَفَ اليَاس وكُظِمَت الأَنفاس وأصبحَ الماشي مُصْرِماً والمُتْرب مُعْدِماً وجُفِيت الحَلاَئِل وامْتُهنَت العقَائل فأَنْشَأَ سحاباً رُكاماً كَنْهوراً سَجَّاماً بُرُوقُه متألِّقَةٌ ورُعُوده مُتَقَعْقِعَة فَسَحَّ سَاجياً راكِداً ثلاثاً غير ذي فُواق ثم أمَرَ ربُّكَ الشَّمَالَ فَطَحَرَت رُكامه وفَرَّقَتْ جَهَامه فَانْقَشَع محموداً وقد أَحْيَا وأَغْنى وجادَ فأَرْوى فالحمدُ للّه الذي لا تُكَتُّ نِعَمه ولا نَنْفَدُ قِسَمُه ولا يَخِيبُ سَائِلُه ولا يَنْزُر نَائِله‏.‏

صاب‏:‏ جاد‏.‏

كَلِبت‏:‏ اشتدَّت‏.‏

كُظِمَتْ‏:‏ رُدَّتْ إلى الأجواف‏.‏

الماشي‏:‏ صاحبُ الماشية‏.‏

مُصْرماً‏:‏ مُقِلاًّ‏.‏

المُتْربُ‏:‏ الغَنيُّ الذي له مالٌ مثل التراب‏.‏

امْتُهِنَتْ‏:‏ استُخْدِمت‏.‏

العقَائل‏:‏ الكرائم‏.‏

الكَنَهْوَر‏:‏ القِطَع كأنها الجبال واحدتها كَنَهْوَرة‏.‏

سجَّام‏:‏ صبَّاب‏.‏

متألقة‏:‏ لامِعَة‏.‏

سحَّ‏:‏ صبَّ‏.‏

ساجياً‏:‏ ساكناً‏.‏

طَحَرَت‏:‏ اذْهَبَتْ‏.‏

الرُّكام‏:‏ ما تَرَاكم منه‏.‏

الجَهَام‏:‏ السحاب الذي هَرَاق ويَلِي ذلك أن يقول‏:‏ حدَّثني فلان وحدَّثنا فلان ويستحسن حدَّثني إذا حدّث وهو وحدَه وحدَّثنا إذا حدّث وهو مع غيره‏.‏

وقال ثعلب في أماليه‏:‏ حدَّثنا ابنُ الأعرابي قال حدِّثني شيخٌ عن محمد بن سعيد الأمويّ عن عبد الملك بن عمير قال‏:‏ كنتُ عند الحجّاج بن يوسف فقال لرجل من أهل الشأم‏:‏ هل أصابك مطرٌ قال نعم أصابني مطر أسَال الآكام وأدْحض التلاع وخرق الرَّجْع فجئتك في مثل مَجَرِّ الضَّبع‏.‏

ثم سأل رجلاً من أهل الحجاز‏:‏ هل أصابك مطر قال‏:‏ نعم سقتني الأَسْمِية فغيبت الشِّفَار وأُطْفئت النار وتَشَكَّت النساء وتظالمت المِعْزى واحتلبت الدَّرَّة بالجرّة ثم سأل رجلاً من أهل فارس فقال‏:‏ نعم ولا أحسِنُ كما قال هؤلاء إلاّ أني لم أزل في ماءٍ وطين حتى وصلت إليك‏.‏

وقال حدّثني أبو بكر الأنباري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال‏:‏ يقال‏:‏ لَحَن الرجل يَلْحَن لَحْناً فهو لاحِن‏:‏ إذا أَخْطَأَ ولَحِنَ يَلْحَن لَحَناً فهو لَحِن‏:‏ أصاب وفطن‏.‏

وقال ثعلب في أماليه‏:‏ حدثنا أبو سعيد عبد اللهّّ بن شبيب حدثنا أبو العالية قال‏:‏ قلت للغنوي‏:‏ ما كان لك بنَجْد قال‏:‏ ساحات فِيح وعين هُزَاهِز واسعة مُرْتَكَض المحبر قلت‏:‏ فما أَخْرَجَك عنها قال‏:‏ إن بني عامر جعلوني على حِنْدِيرة أعينهم يريدون أن يحفظوا دَمِيَّةْ أي يقتلوني سراً‏.‏

وقال حدثنا عمر بن شيبة حدثنا إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت حدثنا محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال‏:‏ أول مَن قال‏:‏ أما بعد كعب بن لؤي وهو أول مَن سمَّى يوم الجُمُعة الجمعة وكان يقال له العَرُوبة‏.‏

وقال القالي في أماليه‏:‏ حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا الحسن بن عُلَيل العَنزي قال حدثني مسعود بن بِشْر عن وهب بن جرير عن الوليد بن يسارٍ الخزاعي قال‏:‏ قال عمرو بن معد يكرِب لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ يا أمير المؤمنين أأَبْرَامٌ بنو مَخْزُوم قال‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ تضيَّفْتُ خالد بن الوليد فأتى بقَوْسِ وثَوْرٍ وكَعْبٍ‏.‏

قال‏:‏ إن في ذلك لَشَبْعَة‏.‏

قلت‏:‏ لِيَ أو لَكَ قال‏:‏ لي ولك قال‏:‏ حِلاًّ يا أمير المؤمنين فيما تَقُول وإني لآكُلُ الجَذَع عن الإبل أَنْتَقِيه عَظْماً عظماً وأشرب التِّبْن من اللّبن رثيئة وصَريفاً‏.‏

قال القالي‏:‏ القَوْس‏:‏ البقيَّة من التمر تبقى في الجُلَّة والثَّوْر‏:‏ القطعة من الأقِط والكَعْب‏:‏ القطعة من السمن والعرب تقول‏:‏ حلاًّ في الأمر تَكْرَهُه بمعنى كَلاَّ والتِّبْن‏:‏ أعظمُ الأقداح‏.‏

وقال القالي حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد أنه قال‏:‏ أحجم وقال القالي‏:‏ حدَّثني أبو عمر الزاهد حدثنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي‏:‏ قال‏:‏ العرب تقول ماء قَرَاح وخبَز قَفَار لا أدم معه وسويق جافّ وهو الذي لم يلَتّ بسمن ولا زيت وحنظل مُبَسَّل وهو أن يُؤكَل وحدَه‏.‏

وقال‏:‏ حدَّثني غيرُ واحدٍ عن أصحاب أبي العباس ثعلب عنه أنه قال‏:‏ كلُّ شيء يعزُّ حين ينزر إلاّ العلم فإنه يعزُّ حين يغزر‏.‏

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن رواية كثير قال‏:‏ كنت مع جرير وهو يريد الشأم فطرب فقال‏:‏ أنشدني لأخي بنى مُلَيح - يعني كثيراً - فأنشدتُه حتى انتهيت إلى قولهِ‏:‏ وأَدْنَيْتِني حتى إذا ما اسْتَبَيْتني بقولٍ يُحِلُّ العُصْمَ سَهْلَ الأَباطحِ تولَّيْتِ عني حين لاَ لِيَ مَذْهَبٌ وغادرتِ ما غادَرْتِ بين الجوانِح فقال‏:‏ لولا أنه لا يَحْسن لشيخ مثلي النَّخِير لَنَخَرْتُ حتى يَسْمَع هشامٌ على سريره‏.‏

ويلي ذلك أخبرني فلان وأخبرنا فلان ويُسْتَحْسَن الإفراد حالَة الأفرد والجمع حالة الجمع كما تقدم‏.‏

قال ثعلب في أماليه أخبرنا أبو المنهال قال أخبرنا أبو زيد قال‏:‏ السانح الذي يليك مَيَامِنه إذا مرَّ من طير أو ظبيٍ أو غيره والبَارِح الذي يليك مَيَاسِره إذا مرَّ بك وإن استقبلك فهو ناطِح وإن استدبرك استدباراً فهو قَعِيد وإمرَّ مُعْتَرضاً قريباً فهو الذابح وأنشد للخطيم‏:‏ بَرِيحاً وشرُّ الطيْر ما كان بارحاً بشَؤمِي يديه والشَّواحج بالفجر يريد وشرها الشواحج بالفجر يريد الغِرْبان وقال في مصارد هذه الجواري وهي تمر به فيزجرها وكلها عندهم طائر في موضع الزجر وإن كان ظبياً أو غيره‏:‏ سَنَح يسْنَح سُنوحاً وسَنْحاً وبَرَح يبرُح بروحاً وبرحاً ونطح ينطح نَطْحاً وقَعِد الطائر مكسورة العين يقعد قعْداً وذبح يذبح ذبحاً قال أبو زيد‏:‏ وإنما قال الحظيم‏:‏ بَرِيحاً على لَفْظِ سنيح وذبيح وقَعِيد‏.‏

- ويلي ذلك أن يقول‏:‏ قال لي فلان قال ثعلب في أماليه‏:‏ قال لي يعقوب‏:‏ قال لي ابنُ الكلبي‏:‏ بيوتُ العرب ستةٌ‏:‏ قُبَّة من أَدَمَ ومِظلَّة من شعر وخباءٌ من صوف وبجَادَ من وَبَر وخَيْمَة من شَجَر وأُقْنة من حجر‏.‏

ويلي ذلك أن يقول‏:‏ قال فلان بدون لي قال ثعلب في أماليه‏:‏ قال أبو المنهال قال أبو زيد‏:‏ لستُ أقولُ‏:‏ قالت العربُ إلاّ إذا سمعتُه من هؤلاء‏:‏ بكر بن هوازن وبني كلاب وبني هلال أو من عالية السافلة أو سافلة العالية وإلاّ لم أقلْ‏:‏ قالت العرب‏.‏

قال‏:‏ وعرضتُ قوله على الأخفش صاحب الخليل وسيبويه في النحو فجعل يقول‏:‏ قال يونس‏:‏ حدّثني الثّقَةُ عن العرب قلت له‏:‏ مَنِ الثقة قال أبو زيد‏:‏ فقلتُ له‏:‏ فما لك لا تسمّيه قال‏:‏ هو حيٌّ بعدُ فأنا لا أسمّيه‏.‏

وقال ثعلب‏:‏ قال أبو نصر‏:‏ قال الأصمعي‏:‏ أشدُّ الناس الأعجف الضَّخم وأخبثُ الأفاعي أفاعي الجَدْب وأخبث الحيّات حيات الرِّمْت وأشد المواطئ الحصى على الصَّفا وأخبث الذئاب ذِئاب الغَضَى‏.‏

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو محمد قال‏:‏ قرأت على عليّ بن المهدي عن الزجاج عن الليث قال‏:‏ قال الحليل‏:‏ الجُعْسُوس‏:‏ القبيح الئيم الخُلُق والخَلْق‏.‏

ونحو ذلك أو مثله أن يقول زعم فلان‏:‏ قال القالي في أماليه‏:‏ قرأت على أبي عمر المطرّز حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال‏:‏ زعم الثقفيّ عثمان بن حَفْص أن خَلَفاً الأحمرَ أخبره عن مروان ابن أبي حفصة أن هذا الشِّعر لابن الدُّمَينة الثقفيّ‏:‏ ما بَالُ من أَسْعَى لأجْبُرَ عَظْمَه حِفَاظاً ويَنْوي من سَفَاهَتِه كَسْرى ‏.‏

الأبيات وقال ثعلب في أماليه‏:‏ حدثنا عمر بن شيبة حدثني محمد بن سلاَّم قال زعم يونس بن حبيب النحوي قال‏:‏ صنع رجلٌ لأعرابي ثَرِيدة ثم قال له‏:‏ لا تسقعها ولا تشرمها ولا تَقْعرها قال‏:‏ فمن أين آكل لا أبالك قال ثعلب‏:‏ تصقعها‏:‏ تأكلُ من أعلاها وتَشْرمها‏:‏ تخرقها وتَقْعرها تأكلُ من أسفلها قال ثعلب‏:‏ وفي غير هذا الحديث‏:‏ فمن أين آكل قال‏:‏ كلْ من جَوانبها‏.‏

قال القالي‏:‏ أخبرنا الغالبي عن أبي الحسن بن كيسان عن أبي العباس أحمد ابن يحيى قال‏:‏ زعم الأصمعي أن الغَرْز لغة أهل البحرين وأن الغَرَز بالفتح اللّغة العليا‏.‏

ويلي ذلك أن يقول عن فلان قال ثعلب في أماليه‏:‏ قال الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ قاتل اللّه أَمَّة بني فلان سألتها عن المطر فقالت‏:‏ غِثْنا ما شئنا‏.‏

وقال القالي في أماليه‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دريد حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ لقيتُ أعرابيّاً بمكة فقلت‏:‏ مِمَّنْ أنت قال‏:‏ أسديّ‏.‏

قلت‏:‏ ومِن أيّهم قال نمريّ قلت‏:‏ من أيِّ البلاد قال‏:‏ مِن عمان قلت‏:‏ فأَنَّى لك هذه الفَصاحة قال‏:‏ إنَّا سكَنَّا أرضاً لا نَسْمَعُ فيها ناجخة التَّيار قلت‏:‏ صِفْ لي أرضَك قال‏:‏ سِيفٌ أفيح وفضاء ضَحْضَحْ وجَبل صَرْدَح ورمل أَصْبَح قلت‏:‏ فما مالُك قال‏:‏ النخل قلت‏:‏ فأينَ أنتَ من الإبل قال‏:‏ إن النَّخل حِمْلُها غذاء وسَعفها ضياء وجِذْعها بناء وكَرَبها صلاء وليفها رِشاء وخوصها وِعاء قال القالي‏:‏ الناجخة‏:‏ الصوت والتيار‏:‏ الموج والسِّيف‏:‏ شاطئ البحر‏.‏

وأفيح‏:‏ واسع والفضاء الواسع من الأرض والضَّحْضَح‏:‏ الصحراء والصَّرْدح‏:‏ الصلب والأصبح‏:‏ الذي يعلو بياضه حُمرة والرشاء‏:‏ الحبل والقَرْو‏:‏ وعاء من جذع النخل ينبذ فيه‏.‏

ومثل عن إن فلاناً قال‏.‏

قال القالي في أماليه‏:‏ حدثني أبو عمر الزاهد عن أبي العباس - يعني ثعلباً - عن ابن الأعرابي أن غُلَيِّماً من بني دُبَيْر أنشده‏:‏ يا بنَ الكِرام حَسَباً ونَائلاَ حَقّاً ولا أقولُ ذاك باطلا إليك أشكو الدَّهْرَ والزَّلازلا وكلَّ عامٍ نَقَّحَ الحَمَائلا قال القالي‏:‏ التنقيح‏:‏ القَشر‏.‏

قال‏:‏ قشروا حمائلَ السيوف فباعوها لشدَّة زمانهم‏.‏

وقال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه أن أبا عثمان أنشدهم من التَّوَّزيَّ عن أبي عبيدة لأِعرابيٍّ طلَّق امرأته ثم ندم فقال‏:‏ نَدِمْتُ وما تُغْنِي الندامةُ بَعْدَما خرجنَ ثلاثٌ ما لهنَّ رُجُوع ثالثا يُحَرِّمْنَ الحلال على الفتى ويَصْدَ عْنَ شَمْلَ الدار وهو جَمِيعُ ومن غريب الرواية ما ذكره أبو العباس ثعلب في أماليه قال‏:‏ الذي أحقّه عن عبد اللّه بن شبيب أكثر وهمي قال أخبرنا الزبير بن بكار عن يعقوب بن محمد عن إسحاق بن عبد اللّه قال‏:‏ بينما امرأةٌ تَرْمي حَصَى الجِمار إذ جاءت حصاة فصكَّت يدها فَوَلْوَلَتْ وأَلْقَت الحصى فقال لها عمر بن أبي ربيعة‏:‏ تَعُودين صاغرة فتأخذين الحصى فقالت‏:‏ أنا واللّه يا عمر‏:‏ من اللاءِ لم يحججنَ يبْغِين حِسْبة ولكن لِيَقْتُلْنَ البريءَ المغَفَّلاَ فقال‏:‏ صانَ اللّه هذا الوجه عن النار‏.‏

ويقال في الشعر أنشدنا وأنشدني على ما تقدم‏.‏

قال القالي في أماليه‏:‏ أنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه قال‏:‏ أنشدنا أبو العباس بن مروان الخطيب لخالد الكاتب قال‏:‏ وسمعت شعر خالد من خالد‏:‏ رَاعَى النجومَ فقد كادت تُكَلِّمُه وانْهَلَّ بَعْدَ دُموعٍ يَالَهَا دَمُهُ أَشْفَى عَلَى سَقَمٍ يُشْفَي الرَّقيبُ به لو كان أَسْقَمَه مَنْ كان يَرْحَمُهُ يَا مَنْ تَجَاهَلَ عَمَّا كَانَ يَعْلَمُهُ عَمْداً وباحَ بِسِرٍّ كان يَكْتُمُهُ هذا خَلِيلُك نِضْواً لا حراكَ بهِ لم يَبْقَ من جسمه إلاّ تَوَهُّمُه قال القالي‏:‏ أنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدني عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال أنشدتي عِشْرقَةُ المحاربية - وهي عجوز حَيْزَبون زَوْلَةٌ‏:‏ فما لَبسَ العُشَّاق من حُلَل الهَوَى ولا خَلَعُوا إلاَّ الثِّيَابَ التي أُبْلي جَرَيْتُ مع العُشَّاقِ في حَلْبَةِ الهَوَى فَفُقْتُهُمُ سَبْقاً وجئتُ على رِسْلِي وقال القالي وأنشدني أبو عمرو عن أبي العباس عن ابن الأعرابي‏:‏ لقد عَلِمَتْ سَمْراءُ أنَّ حديثَهَا نَجِيعٌ كما ماءُ السماءِ نَجِيعُ إذا أمَرَتْني العَاذِلات بَصَرْمها أَبَتْ كَبِدٌ عما يَقُلْنَ صَدِيع وكيف أُطِيعُ العاذِلاتِ وحُبُّها يُؤرِّقني والعاذِلاتُ هُجوع قال القالي‏:‏ أنشد ابنُ الأعرابي البيتين الأولين وأنشدنا أبو بكر بالإسناد الذي تقدّم عن الأصمعي عن عشرقة البيت الثاني والثالث‏.‏

وقال ثعلب في أماليه أنشدنا عبد اللّه بن شبيب قال‏:‏ أنشدني ابن عائشة لأبي عبيد اللّه بن زياد الحارثي‏:‏ لا يَبْلُغُ المجدَ أقوامٌ وإن كَرُموا حتى يَذِلُّوا وإن عَزُّوا لأقوام ويُشْتَمُوا فَترَى الألْوَانَ مُسْفِرَةً لا عَفْوَ ذلٍّ ولكن عَفْوَ أَحْلامَ وقال الزجاجي في شرح أدب الكاتب أنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال أنشدني أعرابيّ من بني تميم ثم من بني حَنْظلة لنفسه‏:‏ مَنْ تصدَّى لأخيه بالغِنى فهو أخُوه يكرم المرء وإن أم لق أقْصَاه بَنُوه لو رأى الناسُ نبياً سائلاً ما وصَلُوه وهم لو طمعوا في زَادِ كَلْب أكلوه لا تراني آخرَ الدَّهْرِ بتسآل أفُوه إن من يَسأل سوى الرحمن يكْثر حارمُوه والذي قام بأرْزا قِ الورى طرّاً سلُوه وعن الناس بفضل اللّه فاغنوا واحْمَدوه تلْبَسوا أثوابَ عزّ فاسْمَعُوا قولي وَعُوه أنتَ ما اسْتَغْنَيتَ عن صا حِبَك الدَّهْرَ أخوه فإذا احتجتَ إليه ساعة مجَّك فُوه أهْنأ المعروف ما لم تُبْتَذَلْ فيه الوُجُوه إنما يَصْطَنِع المع روفَ في الناس ذَوُوه يحيى قال حدّثنا عبد اللّه بن شبيب عن ابن مِقَمَّة عن أمه قالت‏:‏ سمعتُ مَعْبداً بالأخْشَبَيْن وهو يُغَنِّي‏:‏ ليس بين الحياةِ والموتِ إلاّ أن يَرُدُّوا جِمَالَهُمْ فَتُزَمّا ولقد قلتُ مُخْفِياً لِغَرِيضٍ‏:‏ هَلْ ترى ذلك الغَزالَ الأجَمَّا هل تَرى فوقَه من الناس شَخْصاً أحسنَ اليومَ صورةً وأتَمّا إن تُنيلي أعِشْ بخيرٍ وإن لم تَبْدُ لِي الوُدَّ مُتُّ بالهمِّ غَمَّا ثانيها - القراءة على الشيخ ويقول عند الرواية‏:‏ قرأت على فلان‏.‏

قال القالي في أماليه قرأت على أبي بكر محمد بن أبي الأزهر قال حدثني حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني أبي قال‏:‏ قيل لعَقِيل بن عُلّفة وأراد سفراً أين غَيْرتك على مَنْ تُخَلِّف مِنْ أهلك قال‏:‏ أُخَلِّف معهم الحافِظِين‏:‏ الجوعَ والعُرْيَ أُجيعُهنَّ فلا يَمْرَحْن وأُعْرِيهن فلا يبْرَحن‏.‏

وقال قرأت على أبي بكر محمد بن أبي الأزهر وقال حدثنا الشونيزيّ قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسن المخزومي عن رجل من الأنصار نسي اسمَه قال‏:‏ جاء حسان بن ثابت إلى النابغة فوجدَ الخنساءَ حين قامت من عنده فأنشد قوله‏:‏ يَسْقُونَ مَنْ ورَدَ البَريصَ عليهم بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ يُغْشَوْن حتى لا تَهِرُّ كِلابهم لا يسألون عن السَّواد المُقْبلِ ‏.‏

الأبيات فقال‏:‏ إنك لشاعر وإن أُختَ بني سليم لَبَكَّاءَةٌ‏.‏

وقال القالي قرأت على أبي عمر الزاهد قال‏:‏ حدّثنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قال‏:‏ الطّاية والتاية والغاية والرَّاية والآية فالطايةُ‏:‏ السَّطْحُ الذي ينام عليه‏.‏

والتَّاية‏:‏ أن تَجْمَعَ بين رؤوس ثلاث شجرات أو شجرتين فَتُلْقى عليها ثوباً فيستظلُّ به‏.‏

والغاية‏:‏ أقصى الشيء وتكون من الطير التي تُغَيي على رأسك أي ترفرف‏.‏

والآية‏:‏ العلامة‏.‏

وقال القالي‏:‏ قرأت على أبي عمر الزاهد قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال يقال‏:‏ علَّ في المرض يَعِلُّ أي اعتلَّ وعلَّ في الشراب يَعِلُّ وَيعُلّ عَلاًّ‏.‏

وقال القالي قرأت على أبي بكر بن دريد قال‏:‏ قرأت على أبي حاتم والرياشي عن أبي زيد قال راجز من قيس‏:‏ بئس الغِدَاءُ للغلام الشاحبِ كَبْدَاء حُطَّتْ من صَفاَ الكَواكبِ أدارها النَّقَّاش كلَّ جانبِ حتى اسْتَوَتْ مُشْرِقة المَناكب يعني رحًى‏.‏

مِثْلُ السَّفاةِ دائمٌ طَنِينها رُكِّبَ في خُرْطُومها سِكِّينها ويستعمل في ذلك أخبرنا‏.‏

رأيت القالي في أماليه يذكر في الرواية عن ابن دريد حدّثنا لأنه أخذ عنه إملاء ويذكر عن أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش تارة أمْلى عليَّ فيما سمعه إملاءً عليه وتارة أخبرنا فيما قرأه عليه وتارة قرئ عليه وأنا أسمع وقد يستعمل فيه حدثنا‏.‏

قال الترميسي في نكت الحماسة‏:‏ حدثنا أبو العباس محمد بن العباس بن أحمد بن الفرات قراءة عليه قال قرأت على أبي الخطاب العباس بن أحمد حدثنا أبو أحمد محمد بن موسى بن حماد اليزيديّ أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة أنبأنا عمر بن محمد بن عبد الرزاق بن الأقيصر قال‏:‏ كان هريم بن مِرْداس أخو عباس بن مِرْداس يجاور إلى خراعة فذكر قصة وشعراً‏.‏

فرع - ويجوز في القراءة والتَّحْديث تقديمُ المَتْن أو بعضِه على السَّند‏.‏

قال القالي في أماليه‏:‏ قرأت على أبي عبد اللّه نِفْطَوَيه قال عثمان بن إبراهيم الخاطبي - فقال لي بعد أن قرأتُ قطعةً من الخبرَ فتبَيَّنه‏:‏ حدّثنا بها الخبر أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكَّار قال حدثني عمّي مصعب بن عبد اللّه عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي قال‏:‏ أتيت عمر بن أبي ربيعة فذَكر قِصَّةً طويلة وشعراً واْشعاراً وقد كانت الأئمةُ قديماً يتصدَّوْن لقراءة أشعار العربِ أخرج الخطيب البغدادي عن ابن عبد الحكم قال‏:‏ كان أصحابُ الأدَب يأتون الشافعيّ فيقرؤون عليه الشعرَ فيفسّره وكان يحفظُ عشرةَ آلاف بيت من شعرِ هُذَيل بإعرابها وغَرِيبها ومَعَانيها‏.‏

وقال السَّاجي‏:‏ سمعتُ جعفر بن محمد الخوارزمي يحدِّث عن أبي عثمان المازني عن الأصمعي قال‏:‏ قرأتُ شعرَ الشَّنفَرى عن الشافعي بمكة‏.‏

وقال ابن أبي الدنيا‏:‏ حدَّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال‏:‏ قلت لعمِّي‏:‏ عَلَى مَنْ قرأتَ شِعْرَ هُذَيل قال‏:‏ على رَجُلٍ من آلِ المطلب يقال له ابنُ إدْريس‏.‏

وقال ابن دريد في أماليه‏:‏ أخبرنا أبو حاتم قال‏:‏ جئت أبا عُبَيدة يوماً ومعي شعرُ عُرْوة بن الوَرْد فقال لي‏:‏ ما مَعَك فقلت‏:‏ شعر عروة‏.‏

فقال‏:‏ فارغٌ حَملَ شِعْر فقير ليقرأه على فَقِير‏.‏

وقال القالي‏:‏ حدَّثنا أبو بكر بن دريد قال‏:‏ جلس كاملٌ المَوْصِليّ في المسجد الجامع يُقْرِئ الشعر فصَعِد مَخْلَدٌ الموصلي المنارَة وصَاح‏:‏ تأهّبوا للحَدَثِ النَّازلِ قد قُرِئ الشِّعْرُ على كامِل ‏.‏

في أبيات أُخر‏.‏

ثالثها - السماع على الشيخ بقراءةِ غيره ويقول عند الرواية‏:‏ قُرِئ على فلان وأنا أسمَع‏.‏

قال القالي‏:‏ قرأتُ على أبي بكر بن الأنباري في كتابه وقرئ عليه في المعاني الكبير ليعقوب بن السكّيت وأنا أسمع فذكر أبياتاً وقال أنشدني أبو بكر بنُ الأنباري قال‏:‏ قُرِئ على أبي العباس أحمد بن يحيى لأبي حيّةَ النُّمَيْرِي وأنا أسْمع‏:‏ وخَبَّرَكِ الوَاشُون أن لَنْ أُحبَّكم بَلَى وسُتُورِ اللّهِ ذَاتِ المَحَارمِ ‏.‏

الأبيات‏.‏

وقال القالي‏:‏ قُرِئ على أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وأنا أسمع وذكر أنه قرأ جميعَ ما جاء عن أبي مُحَلِّم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين فذكر أبو جعفر أنه سَمِع ذلك مع أبيه من أبي محلّم قال أنشدني أبو محلم لخِنَّوْص أحد بني سعد‏:‏ ألا عائذٌ باللّه من سَرَفِ الغِنَى ومن رَغبْة يوماً إلى غير مَرْغَب ‏.‏

الأبيات‏.‏

وبهذا الإسناد عن أبي محلّم قال‏:‏ أنشدني مَكْوَزَة وأبو مَحْضَة وجماعة من ربيعة لسَيَّار بن هُبَيرة يُعَاتب خالداً أو زياداً أخويه ويمدح أخاه مُنَخِّلاً‏:‏ َنَاس هَوى أسماء إما نَأيْتَها وكيف تَناسِيك الذي لَسْت نَاسِيا ‏.‏

القصيدة بطولها‏.‏

ويستعمل في ذلك أيضا أخبرنا قراءة عليه وأنا أسمع وأخبرني فيما قرئ عليه وأنا أسمع وقد يسْتعمل في ذلك حدّثنا‏.‏

رأيت الترميسي في شرح نكت الحماسة يقول‏:‏ حدّثنا فلان فيما قُرئ عليه وأنا أسمع والترميسي هذا متقدمٌ أخذَ عن أبي سعيد السِّيرافي وأبي أحمد العسكري وطبقتهما‏.‏

رابعاً - الإجازة وذلك في رواية الكتب والأشعار المدوَّنة‏.‏

قال ابن الأنباري‏:‏ الصحيحُ جوازُها لأن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كتب كُتُباً إلى الملوك وأخبرت بها رسله ونُزِّل ذلك مَنْزلة قوله وخِطابه وكتب صحيفة الزكاة والدِّيات ثم صار الناسُ يُخْبرون بها عنه ولم يكن هذا إلا بطريق المناولة والإجازة فدلَّ على جوازها وذهب قومٌ إلى أنها غيرُ جائزة لأنه يقول‏:‏ أخبرني ولم يوجد ذلك‏.‏

وهذا ليس بصحيح فإنه يجوزُ لمَنْ كتب إليه إنسان كتاباً وذكر له فيه أشياء أن يقول‏:‏ أخبرني فلان في كتابه بكذا وكذا ولا يكون كاذباً فكذلك المرء ههنا‏.‏

انتهى‏.‏

وقال ثعلب في أماليه‏:‏ قال زبير‏:‏ ارْوِ عنِّي ما أخذته من حديثي فهذه إجازة‏.‏

وقال أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني‏:‏ أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرنا الزبير بن بكار إجازة عن هارون بن عبد اللّه الزبيري عن شيخ من الخُضْر بالسُّغْد قال‏:‏ جاءنا نُصَيب ألا يا عُقاَب الوَكْرِ وَكْرِ ضَرِيَّةٍ سُقيت الغَوَادي من عُقاَبٍ ومن وَكْرِ ‏.‏

القصيدة بتمامها‏.‏

وقال ابنُ دريد في أماليه‏:‏ أجاز لي عمي في سنة ستين ومائتين قال‏:‏ حدَّثني أبي عن هشام بن محمد بن السائب قال حدَّثني ثابت بن الوليد الزهري عن أبيه عن ثابت بن عبد اللّه بن سباع قال‏:‏ حدثني قيس بن مخرمة قال‏:‏ أوصى قصيّ بن كلاب بنيه وهم يومئذ جماعة فقال‏:‏ يا بني إنكم أصبحتم من قومكم موضع الخَرَزَةِ من القِلادة يا بني فأكرموا أنفسكم تُكْرمكم قومُكم ولا تَبْغُوا عليهم فتبوروا وإيَّاكم والغَدْر فإنه حُوَب عند اللّه عظيم وعارٌ في الدنيا لازمٌ مقيم وإياكم وشُرْبَ الخمر فإنها إن أصلَحَتْ بدَناً أفسدَتْ ذِهْناً وذكر الوصيّة بطولها‏.‏

قال ابن دريد وأجاز لي عمي عن أبيه عن ابن الكَلْبي قال‏:‏ أخبرني الشرفي وأبو يزيد الأوديّ قالا‏:‏ أوْصى الأفْوَه بن مالك الأوديّ فقال‏:‏ يا معشر مَذْحج عليكم بتقْوَى اللّه وصلةِ أرحامكم وحُسْنِ التعزِّي عن الدنيا بالصّبْر تَعِزُّوا والنظر في ما حوْلكم تُفلحوا ثم قال‏:‏ إنا مَعَاشِرُ لم يَبْنُوا لقومِهمُ وإنْ بَني قومُهم ما أفْسدوا عادُوا ‏.‏

القصيدة بطولها‏.‏

لا يَصْلحُ الناسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لهم ولا سَرَاةً إذا جُهَّالُهمْ سادُوا وقال ابن دُرَيد‏:‏ أجاز لي عمّي عن أبيه عن ابن الكَلْبي عن أبيه قال‏:‏ حدَّثني عبادة بن حصين الهمداني قال‏:‏ كانت مُرَاد تعبدُ نَسْراً يأتيها في كل عام فيضربون له خِباءً ويُقْرِعون بين فَتياتهم فأيتُهنّ أصابَتْها القرعةُ أخرجوها إلى النّسر فأدخلوها الخِباء معه فيمزِّقُها ويأكلُها ويُؤْتَى بخمر فَيَشْرَبه ثم يخبرهم بما يصنعون في عامهم ويطير ثم يأتيهم في عام قاَبل فيصنعون به مثلَ ذلك وإن النّسر أتاهم لعادته فأقْرعوا بين فَتياتهم فأصابت القُرعْة فتاة من مُراد وكانت فيهم امرأةٌ من همدان قد وَلَدت لرجل منهم جاريةً جميلة ومات المُرَاديّ وتيتَّمت الجارية فقال بعض المُرَاديّين لبعض‏:‏ لو فَدَيتُم هذا الفتاة بابنةِ الهمدانية فأجْمَع رأيُهم على ذلك وعَلِمت الفتاةُ ما يُرَاد بها ووافَقَ ذلك قدومُ خالها عمرو بن خالد بن الحصين أو عمرو بن الحصين بن خالد فلما قدم على أخته رأى انكسارَ ابنتها فسألها عن ذلك فَكَتَمتْه ودخلت الفتاة بعضَ بيوت أهلِها فجعلتْ تبكي على نفسها بهذه الأبيات لكي يسمَع خالُها‏:‏ أتثني مراد عامها عن فتاتها وتُهْدي إلى نَسْرٍ كريمة حَاشِد تُزَفُّ إليه كالعَرُوس وخالها فتى حيّ همدان عمير بن خالد فإن تنم الخَوْدُ التي فُدِيت بنا فما ليلُ مَنْ تُهْدَى لَنسْر بَرَاقِد ففطن الهمذاني فقال لأُخته‏:‏ ما بالُ ابنتك فقصَّت عليه القصَّة‏.‏

فلما أمسى الهمداني أخذ قَوْسَه وهيَّأ أسْهُمَه فلما اسوَدَّ الليلُ دخل الخِباء فكَمن في ناحِية وقال لأخته‏:‏ إذا جاؤوك فادْفَعي ابنتَك إليهم فأقبلتْ مُراد إلى الهمدانية فدفعت ابنَتها إليهم‏.‏

فأقبلوا بالفتاة حتى أدخلوها الخِباء ثم انصرفوا‏.‏

فحجَل النَّسْر نحوها فرماه الهمذانيّ فانتظَم قلبه ثم أخذ ابنةَ أخته وترك النَّسْر قتيلاً وأخذ أختَه وارْتَحل في ليلته وذلك بوادي حُراض ثم سرَى ليلته حتى قطَع بلادَ مُراد وأشرف على بلاد همذان فأغذَّت مراد السير فلم تُدركْه فعظُمت المصيبة عليها بقَتْل النّسر فكان هذا أولَ ما هاج الحرب بين همذان ومُراد حتى حَجر الإسلامُ بينهم فقال الهمذاني‏:‏ وما كان من نَسْرٍ هِجَفّ قتلته بوادي حُراض ما تغذ مراد أرَحْتُهم منه وأطفأت سُنَّة فإنْ باعَدُونا فالقلوب بعاد له كلّ عام من نِساء مخاير فتاة أناس كالبنية زادُ تُزَفّ إليه كالعروس ومالَهُ إليها سوى أكل الفتاة معاد فلما شكته حُرَّة حاشِديَّة أبوها أبي والأم - بَعْدَ سُهاد سددت له قَوْسِي وفي الكفّ أسهم مَرَاعِيس حرّات النِّصال حِداد وأنشأت الفتاة تقول‏:‏ جزء اللّه خالي خير الجزا بمتركه النَّسر زهفاً صَرِيعا زُفِفْتُ إليه زفاف العروس وكان بمثلي قديماً بلوعا فيرميه خالي عن رقبة بسهم فأنفذ منه الدَّسِيعا وأضْحت مراد لها مأتم على النَّسْرِ تَذْرى عليه الدُّمُوعا وقال الترميسي في نكت الحماسة‏:‏ أجاز لي أبو المنيب محمد بن أحمد الطبريّ قال أنشدنا اليزيدي لابن مخزوم‏:‏ إنّا لَنُرْخِص يَوْم الرَّوْع أنفُسَنا ولو نُسَامُ بها في الأمن أغلينا خامسها - المكاتبة قال ثعلب في أماليه‏:‏ بعث بهذه الأبيات إليّ المازنيّ وقال أنشدنا الأصمعي‏:‏ وقائلة ما بالُ دَوْسَر بعدنا صحا قلبه عن آل لَيْلَى وعن هِنْد ‏.‏

الأبيات‏.‏

وقال الترميسي في نكت الحماسة‏:‏ أخبرنا أبو أحمد الحسن بن سعيد العسكري فيما كتب به إليَّ وحدثنا المرزباني فيما قرئ عليه وأنا حاضر أسمع قالا‏:‏ أخبرنا محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي قال‏:‏ حدّثنا إبراهيم بن عمر قال‏:‏ سأل الرشيدُ أهلَ مجلسه عن صدر هذا البيت‏:‏ ومن يسألُ الصَّعْلوك أين مذاهبُه فلم يعرفه أحد فقال إسحاق المَوْصلي‏:‏ الأصمعي مريض وأنا أمضي إليه فأسألّه عنه فقال الرشيد‏:‏ احملوا إليه ألفَ دينار لنفقته واكتبُوا في هذا إليه‏.‏

قال‏:‏ فجاء جواب الأصمعي‏:‏ أنشدنا خلف لأبي النَّشْناش والنهشلي‏:‏ وسائلةٍ اينَ الرَّحيل وسائِل ومَن يسألُ الصعلوكَ أين مذاهبُه ودَاوِيَّة تَيْهاء يُخْشى بها الرَّدى سَرت بأبي النَّشْناش فيها رَكائبُه لِيُدرك ثاراً أو ليكسب مَغْنَماً جزيلاً وهذا الدَّهرُ جَمٌّ عَجائبه قال‏:‏ وذكر القصيدة كلها‏.‏

سادسها - الوجادة قال القالي في أماليه قال أبو بكر بن أبي الأزهر‏:‏ وجَدْت في كتاب أبي حدَّثنا الزبير بن عبّاد ولا أدري عمَّن هو قال‏:‏ حدَّثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن المغيرة بن عبد الرحمن قال‏:‏ خرجتُ في سفر فصَحِبني رجلٌ فلما أصبحْنا نزَلنا منزلاً فقال‏:‏ ألا أنشدك أبياتاً قلت‏:‏ أنشدني فأنشدني‏:‏ بانوا فَمُلْتَمِسٌ سوى أوْطانه وطَناً وآخرُ همُّه أوطانهُ قد زادني كلَفاً إلي ما كان بي رِئْمٌ عصى فأذابني عِصْيانُه إنْ كان شيءٌ كان منه ببابل فَلِسَانهُ قد كان أو إنسانه قال قلت‏:‏ إنك لأنتَ المُؤَمِّل قال‏:‏ أنا المؤمل بن طالوت‏.‏

وقال أبو عبيدة في كتاب أيام العرب‏:‏ وجدتُ في كتابٍ لبعِض ولد أب عمرو بن العلاء‏:‏ أخذ عن سليط بن سعد اليربوعي أن الحَوْفزان أغار على بني يَرْبوع فنَذِروا به فذكر قصة‏.‏

وقال القالي في أماليه قال أبو بكر بن الأنباري‏:‏ وجدتُ في كتاب أبيّ عن أحمد بن عبيد عن أبي نصر‏:‏ كان الأصمعي يقول‏:‏ الجَلَل‏:‏ الصغير اليسير ولا يقول‏:‏ الجلَل‏:‏ العظيم‏.‏

وقال الترميسي في نكت الحماسة‏:‏ وجدت بخط أبي رياش قال أخبرنا ابن مقسم عن ثَعْلب إجازة بقصيدة أبي كبِير الهُذَلي وهي من مَشْهُور الشِّعر ومذكوره‏:‏ أزهير هَلْ عن شيبة من معدل قال‏:‏ وقرأتها من طريق آخر على الشيخ أبي الحسن علي بن عيسى النحوي وكان يرويها عن ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي‏.‏

وقال ابنُ ولاّد في المقصور والممدود‏:‏ عُشُورا بضم العين والشين زعم سيبويه أنه لم يعلم في وقرأت بخط أهل العلم أنه اسم موضع ولم أسمع تفسيره من أحد‏.‏

قلت‏:‏ ذكر القالي في كتاب المقصور والممدود أن العشورا‏:‏ العاشوراء‏.‏

قال‏:‏ وهي معروفة‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ أحْقَد القومُ‏:‏ إذا طَلَبوا من المَعْدِن شيئاً فلم يجدوا‏.‏

هذا الحرف نقلتُه من كتابٍ ولم أسمْعه وفيه‏:‏ حكى السجستاني‏:‏ ماءٌ رَمِدٌ إذا كان آجنا‏.‏

نقلتُه من كتاب‏.‏

وفيه‏:‏ لَجِذ الكلب الإناء بالكسر لَجْذا ولَجَذا أي لحسَه حكاه أبو حاتم نقلتُه من كتاب الأبواب من غير سماع‏.‏

وفيه‏:‏ الكُظْر في سِيَة القوس وهو الفَرْض الذي فيه الوتر‏.‏

والكُظْر أيضاً‏:‏ ما بين التّرقوتين وهذا الحرفُ نقلته من كتابٍ من غير سماع‏.‏

وفيه‏:‏ هَرْهَرْتُ الشيء لغة في فَرْفَرْته إذا حرّكته وهذا الحرفُ نقلتُه من كتاب الاعتقاب لأبي تراب من غير سماع‏.‏

وقال أبو زيد في نوادره‏:‏ سمِعتُ أعرابيَّاً من بني تميم يقول‏:‏ فلان كِبْرَة ولد أبيه أي أكبرهم‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ وقع في كتابي إكْبِرَّة ولد أبيه أي أكبرهم فلا أدري أغلط هوأم صواب‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ تقول العرب‏:‏ فلان ساقطُ بنُ ماقِط بن لاقطِ تَتسابُّ بذلك فالساقط‏:‏ عبدُ الماقط والماقِط‏:‏ عبدُ الَّلاقط والّلاقط‏:‏ عبدٌ مُعْتق نقتله من كتابٍ من غير سماع‏.‏

وفيه‏:‏ قول الرّاجز‏:‏ تُبْدِي نَقِيّاً زانَهاَ خِمارُها وقُسْطَة ما شانَها غُفَارُها يقال‏:‏ القُسْطَة‏:‏ هي السَّاق نقلته من كتاب‏.‏

وفيه‏:‏ الطَّقْطَقَة‏:‏ صوتُ حوافر الدواب مثل الدَّقْدَقَة وربما قالوا‏:‏ حَبَطِقْطِقْ كأنهم حكَوا به صوت الجرى وأنشد المازني‏:‏ جَرت الخَيْلُ فَقالتْ حَبَطِقْطِقْ حَبَطِقْطِق ولم أرَ هذا الحرف إلا في كتابه‏.‏

وفي المجمل لابن فارس‏:‏ وجدت بخطّ سلمة‏:‏ أُمَّات البهائم وأُمَّهات الناس‏.‏

وفيه‏:‏ ذكر بعضهم أن النَّشحة‏:‏ القليل من اللبن يقال‏:‏ ما بقى في الإناء نشحة ولم أسمعها وفيها نظر‏.‏

وفيه‏:‏ إذا ضَرب الفحلُ الناقة ولم يكن أعدَّ لها قيل لذلك الولد‏:‏ الحلس‏.‏

كذا وجدته ولم أسمعه سماعا‏.‏

قال ابنُ فارس‏:‏ حدّثنا علي بن إبراهيم عن المعداني عن أبيه عن معروف ابن حسان عن الليث عن الخليل قال‏:‏ إن النَّحَارير ربَّما أدخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللَّبس والتَّعنيت‏.‏

وقال محمد بن سَلاّم الجَمحي في أول طبقات الشعراء‏:‏ في الشعر مصنوعٌ مُفْتَعل موضوعٌ كثيرٌ لا خيرَ فيه ولا حجةَ في عربيته ولا غريب يستفاد ولا مَثل يُضرب ولا مَدْح رائع ولا هجاء مقذع ولا فخر معجب ولا نسيب مُسْتَطرف وقد تداولَه قوم من كتابٍ إلى كتاب لم يأخذوه عن أهل البادية ولم يَعْرِضوه على العلماء وليس لأحدٍ إذا أجمع أهلُ العلم والرّواية الصحيحة على إبطال شيء منه أن يقبل من صحيفة ولا يَرْوي عن صحفي‏.‏

وقد اختلفت العلماءُ بعدُ في بعض الشعر كما اختلفت في سائر الأشياء فأما ما ااتّفقوا عليه فليس لأحدٍ أن يخرجَ منه وللشِّعر صناعة وثقافة يعرفُها أهلُ العلم كسائر أصناف العلم والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان‏.‏

من ذلك‏:‏ اللّؤلؤ والياقوت لا يُعْرَف بصفةٍ ولا وزْن دون المُعاينة ممن يُبْصره ومن ذلك الجهبذة فالدِّينار والدرهم لا يعرف جودتُهما بلونٍ ولا مسّ ولا طراق ولا جَسّ ولا صفة ويعرفُه الناقد عند المُعاينة فيعرف بَهْرَجها وزائفها ومنه البصر بغريب النّخْل والبصر بأنواع المتاع وضروبه واختلاف بلاده وتَشَابه لونه ومسه وذرعه حتى يضافَ كلُّ صنف منها إلى بلده الذي خرج منه وكذلك بصر الرقيق والدابة وحسن الصوت يعرفُ ذلك العلماء عند المعانية والاستماع له بلا صفة ينتهي إليها ولا علمٍ يُوقَف عليه وإنّ كثرة المداومة لتعين على العلم به فكذلك الشِّعْر يعرفُه أهلُ العلم به‏.‏

قال خلاّد بن يزيد الباهلي لخلف بن حيّان أبي مُحْرِز - وكان خلاد حسنَ العلم بالشعر يرويه ويقوله‏:‏ بأيّ شيء تردّ هذه الأشعار التي تروي قال له‏:‏ هل تعلم أنت منها ما إنه مصنوعٌ لا خيرَ فيه قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أفتعلم في الناسَ مَن هو أعلمُ بالشعر منك قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فلا تُنْكر أن يعْلموا من ذلك ما لا تَعْلَمُه أنت‏.‏

وقال قائل لخلف‏:‏ إذا سمعتُ أنا بالشعر واستحسنتُه فلا أبالي ما قلتَه أنتَ فيه وأصحابك‏.‏

قال له‏:‏ إذا أخذتَ أنت درهماً فاستحسنته فقال لك الصَّرَّاف‏:‏ إنه رديء هل ينفعُك استحسانك له وكان ممن هَجّن الشعرَ وافسده وحمل منه كل غُثاء محمد بن إسحاق بن يسار مولى آل مَخْرَمة بن المطّلب بن عبد مناف وكان من علماء الناس بالسِّير والمغازي قَبِل الناسُ عنه الأشعار وكان يتعذرُ منها ويقول‏:‏ لا عِلْمَ لي بالشّعر إنما أُوتَى به فأحْمِله ولم يكن له ذلك عذراً فكتب في السّيرة من أشعار الرجال الذين لم يقولوا شِعراً قط وأشعار النساء فضلاً عن أشعار الرجال ثم جاوز ذلك إلى عادٍ وثمود فكتب لهم اشعاراً كثيرة‏!‏ وليس بشعر إنما هو كلامٌ مؤلف معقود بقوافي‏!‏ أفلاَ يَرْجعُ إلى نفسه فيقول‏:‏ مَن حَمَل هذا الشعر وَمن أدَّاه منذُ ألوف من السنين واللّه تعالى يقول‏:‏ ‏"‏ فَقُطِع دَابِرُ القوْمِ الذين ظلموا ‏"‏‏.‏

أي لا بقيّة لهم‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ ‏"‏ وأنه أهْلِكَ عاداً الأُولى وثمودَ فما أبْقى ‏"‏‏.‏

وقال في عاد‏:‏ ‏"‏ فهلْ تَرَى لهم منْ باقية ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ وقُرُونا ًبين ذلك كثيراً ‏"‏‏.‏

وقال يونس بن حبيب‏:‏ أولُ من تكلّم بالعربية إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام‏.‏

وقال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ العربُ كلّها ولدُ إسماعيل إلا حِمْير وبقايا جُرهم ونحن لا نجد لأوَّليّة العرب المعروفين شعراً فكيف بعادٍ وثمود ولم يروِ عربيٌّ قط ولا رَاويةٌ للشعر بيتا منها مع ضعْفِ أمره وقلَّةِ طلاوته‏.‏

قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ ما لسانُ حِمْير وأقاصي اليمن لساننا ولا عربيتهم عربيتنا فكيف بها على عَهْدِ عاد وثمود مع تَدَاعيه ووَهْنِه فلو كان الشعر مثلَ ما وُضع لابن إسحاق ومثل ما يَرْوى الصَّحَفِيون ما كانت إليه حاجة ولا كان فيه دليل على علم‏.‏

هذا كله كلامُ ابن سلام‏.‏

ثم قال بعد ذلك‏:‏ لما راجَعَت العربُ في الإسلام روايةَ الشعر بعد أن اشتغلت عنه بالجهاد والغَزْو واستقلّ بعضُ العشائر شعرَ شعرائهم وما ذهب من ذِكْرِ وقائعهم وكان قومٌ قَلَّتْ وقائعهُم وأشعارُهم فأرادوا أن يلحقوا بمنْ له الوقائع والأشعار فقالوا على ألْسُن شعرائهم‏.‏

ثم كانت الروايةُ بعدُ فزادُوا في الأشعار التي قيلت وليس يُشْكِل على أهل العلم زيادةُ ذلك ولا ما وضعوا ولا ما وضَع المولّدون وإنما عَضَل بهم أن يقول الرجل من أهل بادية من ولد الشعراء أو الرجل ليس من ولدهم فيُشْكِل ذلك بعض الأشكال‏.‏

أخبرني أبو عبيدة أن ابن دؤاد بن متمم بن نويرة قدم البَصْرة في بعض ما يقدم له البَدَوِيّ من الجَلب والمِيرة فأتيتُه أنا وابن نوح فسألناه عن شِعْرِ أبيه متمم وقمْنا له بحاجته فلما فقد شعرَ أبيه جعل يزيد في الأشعار ويضعُها لنا وإذا كلامٌ دون كلامِ متمم وإذا هو يَحْتَذي على كلامه فيذكر المواضعَ التي ذكرها متمّم والوقائعَ التي شهدها فلما توالى ذلك علمنا أنه يفَتْعَله‏.‏

وقال أبو علي القالي في أماليه‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن أبي الأزهر حدّثنا الزبير بن بكار حدثنا محمد بن سلاّم الجمحي قال‏:‏ حدّثني يحيى بن سعيد القطان قال‏:‏ رُواةُ الشِّعْرِ أعقلُ من رُواة الحديث لأن رُواةَ الحديث يرْوُون مصنوعاً كثيراً ورُواة الشعر ساعةَ يُنْشِدون المصنوع ينتقدونه ويقولون‏:‏ هذا مصنوع‏.‏

وقال محمد بن سلاّم الجمحي‏:‏ كان أولُ مَن جَمَع أشعارَ العرب وساق أحاديثها حمّاد الرواية وكان غيرَ موثوق به وكان يَنْحَل شعرَ الرجل غيره ويزيد في الأشعار‏.‏

أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال‏:‏ قدم حمادٌ البَصْرة على بلال بن أبي بردة فقال‏:‏ ما أطرفتني شيئاً فعاد إليه فأنشده القصيدة التي في شعر الحطيئة مديح أبي موسى فقال‏:‏ ويحك يمدحُ الحطيئة أبا موسى ولا أعلمُ به وأنا أرْوي من شعر الحطيئة‏!‏ ولكن دعْها تذهب في الناس‏.‏

وأخبرني أبو عبيدة عن عمرو بن سعيد بن وهب الثقفيّ قال‏:‏ كان حمّاد الرّاوية لي صديقاً مُلْطِفاً فقلت له يوماً‏:‏ أمْل عليّ قصيدةً لأخوالي بني سعد بن مالك فأمْلَى عليّ لطرَفة‏:‏ إنّ الخليطَ أجدّ منتقَله ولذاك زمّت غُدوة إبِله عهدي بهم في العقْب قد سَنَدوا تهدي صعاب مطيّهم ذلله وهي لأعشى همدان‏.‏

وسمعت يونس يقول‏:‏ العجبُ لمن يأخذ عن حمّاد وكان يَلْحن ويكذِب ويكسر وفي طبقات النحويين لأبي بكر الزَّبيدي‏:‏ قال أبو علي القالي‏:‏ كان خلف الأحمر يقول القصائد الغرّ ويدخلها في دواوين الشعراء فيقال إن القصيدة المنسوبة إلى الشَّنْفَزى التي أولها‏:‏ أقيموا بَني أُمِّي صدورَ مَطِيِّكُم فإنّي إلى أهْل سِواكم لأمْيَلُ هي له‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ كان خلف الأحمر شاعراً وكان وضع على عبد القيس شِعراً مصنوعاً عبثاً منه ثم تَقَرَّأ فرجع عن ذلك وبيّنه‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ سمعتُ الأصمعي يقول‏:‏ سمعتُ خَلفاً الأحمر يقول‏:‏ أنا وضعتُ على النابغة هذه القصيدة التي فيها‏:‏ خيلٌ صِيامٌ وخيلٌ غير صائمة تحتَ العَجَاج وأُخْرى تَعْلِكُ اللُّجما وقال أبو الطيب في مراتب النحويين‏:‏ أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا محمد بن يزيد قال‏:‏ كان خلف الأحمر يُضْرَب به المثلُ في عَمل الشعر وكان يعمل على أ لْسنة الناس فيشبه كلَّ شعر يقوله بشعر الذي يضَعُه عليه ثم نَسَك فكان يختم القرآن في كلّ يوم وليلة فلما نَسك خرج إلى أهل الكوفة فعرَّفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس فقالوا له‏:‏ أنتَ كنتَ عندنا في ذلك الوقت أوثقَ منك الساعةَ فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم‏.‏

ذكر أمثلة من الأبيات المستشهد بها التي قيل إنها مصنوعة‏:‏ في نوادر أبي زيد أوس الأنصاري‏:‏ أنشدني الأخفش بيتاً مصنوعاً لطرفة‏:‏ اضْرِبَ عنك الهمومَ طارقَها ضَرْبَك بالسَّوْط قَوْنَس الفَرَس وقال ابنُ برِّي أيضاً‏:‏ هذا البيتُ مصنوعٌ على طَرفة بن العبد‏.‏

وقال أبو علي القالي في أماليه‏:‏ قرأتُ على أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد قصيدة كعب الغَنوى والمرثي بها يُكْنَى أبا المِغْوار واسمه هَرِم وبعضهم يقول‏:‏ اسمه شَبِيب ويحتجُّ ببيت رُوِي فيها‏:‏ أقامَ وخَلَّى الظاعِنين شَبِيبُ وهذا البيت مصنوع والأوَّل كأنه أصحّ لأنه رواه ثقة‏.‏

في أمالي ثَعْلب أنشد في وصف فرس‏:‏ ونَجا ابنُ خَضْراء العِجَانِ حُوَيْرِثٌ غَلَيانُ أُمِّ دِمَاغِه كالزِّبْرِجِ وقال لنا أبو الحسن المعيديّ‏:‏ هذا البيت مصنوع وقد وقفتُ عليه وفتَّشْتُ شِعْرَه كله فلم أجدْه فيه‏.‏

وفي شرح التسهيل لأبي حيّان‏:‏ أنشد خلف الأحمر‏:‏ قل لعَمْرو‏:‏ يا بنَ هند لو رأيت القومَ شَنّا لرأتْ عيناك منهم كلَّ ما كنتَ تَمَنّى إذْ أتتنا فَيْلَقٌ شَهْ باء من هَنَّا وهَنَّا وأتت دَوْسَر المَ لْحاء سيراً مُطَّمَئِنا وثلاثاً ورباعاً وخماساً فأطَعْنا وسُداساً وسُباعاً وثماناً فاجْتَلَدْنا وتُسَاعاً وعُشَاراً فأُصِبْنا وأصَبْناْ لا ترى إلاَّ كَمِيّاً قاتِلاً مِنْهُم ومنّا قال‏:‏ وذكر غيره أن هذه الأبيات مصنوعة لا يقوم بها حجة‏.‏

وقال محمد بن سلاّم‏:‏ زاد الناس في قصيدة أبي طالب التي فيها‏:‏ وأبْيَض يُسْتَسْقى الغمامُ بوَجْهِه وطُوِّلت رأيت في كتاب كتبه يوسف بن سعد صاحبنا منذ أكثر من مائة سنة‏:‏ وقد علمت أن قد زاد الناس فيها بحيث لا يدري أين منتهّاها‏.‏

وقد سألني الأصمعي عنها فقلتُ‏:‏ صحيحة‏.‏

قال‏:‏ أتَدْري أين منتهاها قلت‏:‏ لا‏.‏

وقال المرزوقي في شرح الفصيح‏:‏ حكى الأصمعي قال‏:‏ سألت أبا عمرو عن قول الشاعر‏:‏ أُمَّهتي خِنْدِف والياس أبي فقال‏:‏ هذا مصنوع وليس بحجّة‏.‏

وأنشد أبو عبيدة في كتاب أيام العرب لهند ابنة النعمان‏:‏ فليتَ الجيشَ كلّهم فِدَاكم ونفسي والسرير وذو السرير فإن تكُ نعمةٌ وظهور قومي فيا نعم البَشارَة للبَشِير ثم قال أبو عبيدة‏:‏ وهي مصنوعةٌ لم يعرفها أبو بُرْدة ولا أبو الزّعراء ولا أبو فِراس ولا أبو سُرَيرة ولا الأغطش وسألتهم عنها قبل مخرج إبراهيم بن عبد اللّه بسنتين فلم يعرفوا منها شيئاً وهي مع نقيضة لها أخذت عن حمّاد الراوية أنشد أبو عبيدة أيضاً لجرير‏:‏ وخُور مُجاشِع تَرَكوا لَقِيطاً وقالوا‏:‏ حِنْوَ عَيْنِكَ والغُراباَ ثم قال‏:‏ وهذا البيتُ مصنوع ليس لجرير‏.‏

وقال أبو العباس أحمد بن عبد الجليل التدميري في شرح شواهد الجمل‏:‏ أخبرنا غيرُ واحدٍ من أصحابنا عن أبي محمد بن السيد البطليوسي عن أخيه أبي عبد اللّه الحجازي عن أبي عمرو الطلمنكي عن أبي بكر الأدفوي عن أبي جعفر النَّحاس عن علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد المبرّد عن أبي عثمان المازني قال‏:‏ سمعتُ اللاحقي يقول‏:‏ سألني سيبويه‏:‏ هل تحفظُ للعربِ شاهداً على أعمال فَعِل قال‏:‏ فوضعتُ له هذا البيت‏:‏ حَذِر أموراً لا تضير وآمن ما لَيْسَ مُنْجيه من الأقْدَار وقال المبرّد في الكامل‏:‏ كان عموم سعيد بن العاصي بن أميّة يذكرون أنه كان إذا اعتمَّ لم يعتم أبُو أُحَيْحَة مَنْ يَعْتَمّ عِمَّتَهُ يُضْرَبْ وَإنْ كانَ ذَا مَالٍ وَذا عَدَدِ قال‏:‏ ويذكر الزُّبَيْرِيُّونَ أن هذا البيتَ باطلٌ موضوع‏.‏

وفي الجمهرة‏:‏ يقال دَسَّى فلان فلاناً إذا أغْواه ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏)‏وقَدْ خابَ مَن دَسَّاها‏(‏‏.‏

وقد أنشدوا في هذا بيتاً زعم أبو حاتم أنه مصنوع‏:‏ أنت الذي دَسَّيْتَ عمراً فأصبحتْ حَلائله عَنْه أرامِلَ ضيّعا وفيها‏:‏ الزِّنقِير‏:‏ القطْعَة من قُلامة الظُّفْر‏.‏

قال الشاعر‏:‏ فما جادتْ لَنا سَلْمَى بِزنْقِيرٍ ولا فُوفَهْ قال أبو حاتم‏:‏ أحسب هذا البيت مصنوعاً‏.‏

وأنشد المبرّد في الكامل‏:‏ أقْبلَ سَيْلٌ جاء من أمْرِ اللّه يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ وقال أبو إسحاق البطليوسي في شرحه يقال‏:‏ إن هذا الرجز لحنظلة بن مطيح ويقال‏:‏ إنه مصنوع صنعه قُطْرُب محمد بن المُسْتَنِير‏.‏

ذكر أمثلة من الألفاظ المصنوعة‏:‏ قال ابن دريد في الجمهرة قال الخليل‏:‏ أمّا ضَهِيد وهو الرجل الصُّلب فمصنوع لم يأت في وفيها‏:‏ عَفشَج‏:‏ ثقيل وخم زعموا وذكر الخليل أنه مصنوع‏.‏

وفيها‏:‏ زعم قوم أن اشتقاق شَراحيل من شرحل وليس بثبت وليس للشرحلة أصل‏.‏

وفيها‏:‏ قد جاء في باب فيعلول كلمتان مصنوعتان في هذا الوزن قالوا‏:‏ عَيْدَشُون‏:‏ دويَّبة وليس بثبت‏.‏

وصَيْخَدُون - قالوا‏:‏ الصَّلابة ولا أعرفها‏.‏

وفيها‏:‏ البُدُّ‏:‏ الصَّنَم الذي لا يُعْبَد ولا أصل له في اللغة‏.‏

وفيها‏:‏ مادة ‏"‏ بَ شْ بَ شْ ‏"‏ أهملت إلا ما جاء من البَشْبشة وليس له أصل في كلامهم‏.‏

وفيها‏:‏ البتش ليس في كلام العرب الصحيح‏.‏

وفيها‏:‏ خْطعٌ‏:‏ اسم وأحسبه مصنوعاً‏.‏

وفي المجمل لابن فارس‏:‏ الالط‏:‏ نبت أظنُّ أنه مصنوع‏.‏

فصل - قال محمد بن سلاَّم الجمحي في طبقات الشعراء‏:‏ سألت يونس عن بيت روَوْه للزبرقان بن بَدْر وهو‏:‏ تَعْدو الذّئاب على مَنْ لا كِلاب له وتَتَّقي مَرْبض المستثفر الحامي فقال‏:‏ هو للنابغة أظن الزبرقان استزاده في شعره كالمثل حين جاء موضعه لا مُجتْلِباً له‏.‏

وقد تفعل ذلك العرب لا يُريدون به السَّرقِة تلك المكارمُ لا قَعْبانٍ من لبن شِيباَ بماءٍ فعادَا بعدُ أبوالا وقال النابغة الجعدي في كلمةٍ فخر فيها ورد فيها على القشيري‏:‏ فإن يكن حاجِب ممن فخرت به فلم يَكُنْ حاجب عَمّاً ولا خالا هلا فخرت بيومي رَحْرَحان وقد ظَنَّتْ هوازن أن العِزَّ قد زالا تلك المكارمُ لا قَعْبانِ من لبن شيبا بماء فعادا بَعْدُ أبوالا ترويه بنو عامر للنابغة والرواة مُجمعون أن أبا الصلت ابن ابي ربيعة قاله‏.‏

وقال غير واحد من الرجاز‏:‏ عند الصَّبَاح يحمد القوم السرى إذا جاء موضعه جعلوه مكملاً‏.‏

وقال امرؤ القيس‏:‏ وقوفاً بها صحبي عليَّ مَطِيهم يقولون‏:‏ لا تهلك أسًى وتحَمّل وقال طرفة بن العبد‏:‏ قُوفاً بها صَحْبي عليَّ مطيهم يقولون لا تَهْلِك أسًى وتَجَلَّد