بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عبد الله محمد بن الكتاني الطبيب: التشبيهات لأهل الأندلس
باب من التشبيهات في السَّماء والنُّجوم والقمرين
قال عبادة بن ماء السَّماء الأنصاري:
كأنَّ السَّماءَ قبَّةٌ من زمرُّدٍ |
|
وفيها الدَّراري من عقيقٍ مسامرُ |
وقال عباس بن ناصح يصف مغيب الشَّمس:
وشمسُ النَّهارِ قد هَوتْ لمغيبها |
|
كعذراءَ تبغي في الحجالِ التَّواريا |
وقال سعيد بن عمرون في الهلال:
والبدرُ في جوِّ السَّماءِ قد انطوى |
|
طرفاهُ حتَّى عاد مثلَ الزّورقِ |
فتراهُ من تحتِ المُحاقِ كأنما |
|
غرقَ الجميعُ وبعضُهُ لم يغرقِ |
وقال محمد بن خطّاب النحوي:
ربَّ ليلٍ جُبْتُهُ في فتيةٍ |
|
كسيوفِ الهند أوْ زُهْرِ النّجومِ |
طلع البدرُ به في صورةٍ |
|
تشبهُ التّاجَ علَى الشَّعر البهيمِ |
وقال يحيى بن هذيل في الهلال:
يحكي من الحاجبِ المقرونِ شُقْرَتهُ |
|
فانظرْ إليه فما أخطا ولا كادا |
لو التقى لحكى حِجْلاً ولو قطعوا |
|
من دارةِ الحجلِ ما أربى ولا زادا |
وقال جعفر بن عثمان في الثُّريَّا
سألتُ نجوم اللَّيل هل ينقضي الدُّجى |
|
فخطَّتْ جواباً بالثريا كخطِّ لا |
وما عن جوًى سامرتها غير أنَّني |
|
أنافسها المجرى إلى رُتَبِ العلا |
وقال عبادة:
ربَّ ليلٍ سهرتُ في قمرٍ |
|
مدَّ من فَرْحةٍ عليه حُلَى |
والثُّريَّا كأنها سُئِلتْ |
|
فأجابتْ عن الحبيبِ بلا |
وقال جعفر بن عثمان:
صفِ الثُّريَّا بمثلها صفةً |
|
فقلتُ قرطٌ فصولُهُ العنبرْ |
سماؤها في اعتدالِ خضرتها |
|
زمرُّدٌ والنُّجومُ فالجوهرْ |
وقال أيضاً:
وكأنَّ أثناءَ الثُّريَّا إذْ بدَتْ |
|
قرطٌ طريحٌ في بساط زمرُّدِ |
وكأنَّما لَبِسَ السَّماء ملاءةً |
|
خضراءَ تُرْصَف من جمال العَسجدِ |
وقال عيسى قرلمان، وكان القمر علَى الجوزاء:
أَرَى أرْجُلَ الجوزاءِ غيرَ بوارحٍ |
|
وأيدي الثُّريَّا كالسَّقيم صحيحُها |
وهمَّتْ ولم تمضِ السَّبيلَ كأنَّها |
|
من الأينِ صَرْعى أثخنتها جروحها |
وللبدرِ إشراقٌ عليها كأنه |
|
رقيبٌ علَى ألاَّ يتمَّ جنوحها |
وقال محمد بن الحسين:
والجوُّ أزرقُ والنُّجومُ كأنها |
|
ذهبٌ تسربلَ لا زورداً أزرقا |
وكأنما الجوزاءُ فيه تقلَّدَتْ |
|
سيفاً حمائلُهُ المجرّةُ مُعْرَقا |
وقال طاهر بن محمد يذكر جملة من النُّجوم:
وليلٍ بتُّ أكلؤُهُ بهيمٍ |
|
كأنَّ علَى مفارقه غرابا |
كأنَّ سماءهُ بحرٌ خضمٌّ |
|
كساه الموجُ ملتطماً حَبابا |
كأنَّ نجومَهُ الزُّهْرَ الهوادي |
|
وجوهٌ أخْضَلت تبغي الثوابا |
كأنَّ المستسرةَ في ذراه |
|
كمائنُ غارةٍ رَقَبتْ نهابا |
كأنَّ النّجمَ مُعترضاً وُشاةٌ |
|
تُسارقُ فيه لحظاً مسترابا |
كأنَّ كواكبَ الجوزاءِ شَرْبٌ |
|
تعاطيهمْ ولائدهُمْ شرابا |
كأنَّ الفرقدين ذوا عِتابٍ |
|
أجالا طولَ ليلهما العتابا |
كأنَّ المشتري لمّا تعالى |
|
طليعةُ عسكرٍ خَنَسوا ارتقابا |
كأنَّ الأحمرَ المرّيخَ مُغْضٍ |
|
علَى حنَقٍ يشبُّ به شهابا |
كأنَّ بقيةَ القمرِ المولِّي |
|
كئيبٌ مدنفٌ يشكو اجتنابا |
وقال يوسف بن هارون:
وآنسني فيك النُّجومُ برعيها |
|
فدرّيُّها حَلْيٌ وبدرُ الدُّجى إلفي |
كأنَّ سماءَ الأرضِ نِطْعُ زُمرُّدٍ |
|
وقد فَرِشتْ فيه الدّنانيرُ للصّرفِ
|
وقال المهزله:
وكأنَّما زُهْرُ النّجوم كواعبٌ |
|
حَسرتْ فأبدتْ في الشّعور بياضَها |
وكأنَّما فيها الخفيةُ أعينٌ |
|
نظرتْ وسابقَ فتحُها إغماضَها |
وقال محمد بن إبراهيم بن الحسين:
وسعى علينا بالكؤوسِ مُنطَّقٌ |
|
أجرى دمي فأعاضَ راحاً من دمِ |
حتَّى بدا لي المشتري وقرينُهُ |
|
المرّيخُ يرفلُ في غلالةِ عَنْدَمِ |
قال النَّديمُ فصفهما قلت استمعْ |
|
رمحانِ في كفَّيْ كميٍّ مُعْلَمِ |
تبعَ الكميُّ بذا فأخطا طعنهُ |
|
وأصابهُ هذا ففيه دمُ الكمي |
وقال ابن هذيل:
وكأنَّ المقاتلَ اغتاظ حتَّى |
|
أنفذَ الصُّبحَ بالتقحم طعنا |
والسّهى في بناتِ نعشٍ ضميرٌ |
|
بين أضلاعها تبوَّأ كِنَّا |
السهى: الكوكب الخفي في بنات نعش.
وقال سعيد بن عمرون في النّجوم:
وكأنَّها في الحسنِ روضةُ نَرْجِسٍ |
|
تفترُّ في رَوْضٍ من النمّامِ |
وكأنَّما أعلى البروجِ هياكلٌ |
|
محفوفةٌ بمصابح الإظلامِ |
وكأنَّما صغرى النّجومِ يواقتٌ |
|
يجري بهنَّ عُبابُ بحرٍ طامِ |
وقال أحمد بن درَّاج:
وقد حوَّمتْ زُهرُ النّجومِ كأنَّها |
|
كواعبُ في خُضْرِ الحدائقُ حورُ |
ودارتْ نجومُ القطبِ حتَّى كأنَّها |
|
كؤوس مهاً وافى بهنّ مديرُ |
وقد خيَّلتْ زُهْرُ المجرَّةِ أنَّها |
|
علَى مَفْرِقِ اللَّيل البهيمِ قتيرُ |
وقال سعيد بن عمرون:
واللَّيلُ في لونِ الغراب كأنه |
|
مُتَدرِّعٌ بمدارعٍ من قارِ |
وكأنَّما ذاتُ الخضابِ وقد هوَتْ |
|
رامشنةٌ رُصِدَتْ من النوارِ |
وكأنَّما الشعرى العبورُ وراءها |
|
ذهبٌ تدحرجَ فهو كالدّينارِ |
وكأنَّما أشخاصها قد أُفرِغَتْ |
|
في ماءِ ياقوتاً علَى بُلاَّرِ |
باب في انبلاج الصّبح
قال يوسف بن هارون:
وكم ليلة قد جمَّعَتْنا وأدْبَرتْ |
|
تنوحُ علَى تفريقنا وتلَهَّفُ |
إلى أن بدا وجهُ الصَّباحِ كأنَّما |
|
تحمَّلَ لقمانٌ وأقبلَ يوسفُ |
وقال المهند:
وكأنَّ وجهَ الفجرِ وسْطَ سمائهِ |
|
من سودِ أرديةِ الظّلام أعاضَها |
خودٌ ألمَّ بها الأسى في أزرقٍ |
|
برزتْ فشقَّقَ حُزنُها فضفاضها |
وقال علي بن أبي الحسين:
لاحظْ ظلام الدُّجى والصُّبحُ يخفرُهُ |
|
كأنه جيشُ رومٍ يهزِمُ الحَبَشا |
وقال حبيب بن أحمد:
قد أغتدي والظّلامُ منتشرٌ |
|
علَى جميع البلادِ عسكَرُهُ |
والصُّبحُ حيران فيه مستترٌ |
|
كمجرمٍ همُّهُ تستُّرُهُ |
وقال يوسف بن هارون:
بدا الصُّبحُ من تحتِ الظَّلام كأنه |
|
خوافي جناحَيْ هَيْقَلٍ باتَ حاضنا |
وإلاَّ فكالثَّوبِ السّماويِّ مُعْلَماً |
|
شقيقاً بدا في أسفلِ الثَّوب بائنا |
وقال أحمد بن عبد ربه:
حتَّى إذا ما اللَّيلُ قوَّ |
|
ضَ راحلاً عند الغَلَسْ |
وبدا الصَّباحُ كغُرَّةٍ |
|
تبدو علَى وجه الفرسْ |
وقال عباس بن فرناس:
فبتنا وأنواع النَّعيم ابتذالنا |
|
ولا غيرَ عينيها وعينيَ كالي |
إلى أن بدا وجهُ الصَّباحِ كأنه |
|
جبينُ فتاةٍ لاحَ بين حجالِ |
باب في الريح
قال وهيب بن البديهي:
وريحٍ جربياءٍ صابحتنا |
|
لها في الوجه رَشْقٌ كالنّبالِ |
تغوص علَى البراقع والحشايا |
|
كغَوْصِ الطيفِ في سِترِ الحجالِ |
وقال الحسن بن حسان:
فجبتُ بَساطَ الأرضِ لم أكُ سامعاً |
|
به عند شدوِ الجنِّ هتفاً إلى هتفِ |
كأن حنينَ الرِّيحِ في جَنباتهِ |
|
حنينُ المثاني والمثالثِ في العزفِ |
وقال ابن هذيل أيضاً:
ودَنتْ في هبوبها مشيةَ النّشوانِ حيرانَ بالمدامِ الشَّمولِ |
لصقتْ بالثّرى كما يخضعُ العاشقُ ذلاًّ إلى الحبيبِ المطولِ |
ولقد خلتُ أن بينهما عشقاً فصارا للضمِّ والتّقبيلِ |
واختفتْ عن فواطنِ الخلق حتَّى شبهوها ضآلةً بنحولِ |
وقال ابن هذيل:
للصَّبا منَّةٌ علَى الرّوضِ هادته |
|
بطيبِ الحبيبِ أيَّ ذمام |
وجرتْ بينه رواحاً ليرتاحَ |
|
ويبقى علَى رضًى والتئام |
كالشفيقِ الَّذي يؤلف ما بين |
|
حبيبين بعدَ قطْعِ الكلام |
وقال أيضاً:
ومُرِنَّةٍ بعد الرّواح كأنَّما |
|
في نحرها صوتُ القريع الهادرِ |
قربت من الأسماع وهي بعيدةٌ |
|
منها وغابتْ في الهبوبِ الحاضرِ |
فإذا التقى جمهورها في دوحةٍ |
|
فكأنَّ فيها كلَّ ليثٍ هاصرِ |
وإذا استقلَّ قتامها فكأنَّما |
|
فيه التفافُ عساكرٍ بعساكرِ |
وقال علي بن أبي الحسين:
خليليَّ ما لي كلَّما هبَّتِ الصَّبا |
|
أحنُّ إلى الأُفق الَّذي تتيمَّمُ |
مقابلاً للشَّمسِ |
|
غيرَ مُؤْتَلِ |
أوْ كابتسامٍ |
|
لكعابٍ عَيْطَلِ |
عن واضحٍ أش |
|
نبَ عذبِ المنهلِ |
أوْ مثلها في جي |
|
دها من الحلي |
أوْ نحوها ل |
|
احَ لعينِ المجتلي |
بدا يُنيرُ |
|
كشهابٍ مُشعلِ |
باب في السحاب والمطر
قال يوسف بن هارون:
وسُفْعٍ كأكبادِ العدا أوْ كأنَّها |
|
كتائبُ زَنْجٍ كُلُّهمْ فوقَ أدْهَمِ |
كأنَّ سلوكَ الغيثِ عند اتصالهِ |
|
بأسفلَ من أعلى سدًى غير ملحمِ |
سُلوكٌ كذَوْبِ الدُّرِّ تُعنى بفتلها |
|
الرياحُ ولكنْ فتلُها غيرُ مُبْرَمِ |
وقال عبد الرحمن بن المنذر في الطل:
ألستَ ترى حُسنَ الزَّمانِ وما يُبدي |
|
وحُسنَ انتثارِ الطلِّ في ورقِ الورْدِ |
كأنَّ حبابَ الماءِ في جنَباتهِ |
|
تناثُرُ دمعٍ جالَ في صفحةِ الخدِّ |
وقال يوسف بن هارون:
نورٌ وغيثٌ مُسْبَلُ |
|
وقهوةٌ تُسَلْسلُ |
فالغيثُ من سحابهِ |
|
طلٌّ ضعيفٌ ينزلُ |
كأنَّه بُرادةٌ |
|
من فضَّةٍ تُغَرْبلُ |
وقال أيضاً في سحابة:
ومُشْتَمَّةٍ للأرضِ حتَّى كأنَّها |
|
تقُصُّ مُحولاً في البِطاحِ المواحل |
فَجنَّتْ كما جنَّ الظّلامُ وأفرغَتْ |
|
علينا كإفراغِ الدِّلاءِ الحوافل |
أطلَّتْ غديراً في الهواء كأنَّه |
|
هو البحرُ يجري بالسّفينِ الحوامل |
فلو أنَّها صبَّتْ جميعاً لَغرَّقتْ |
|
ولكنما أرواحُها كالمناخل |
كأنَّ غديرَ الماءِ بين حبابه |
|
وبين شخوصٍ قُمْنَ مثلَ الأنامل |
مساميرُ درٍّ تعتلي برءوسها |
|
مراراً وطوراً تعتلي بالأسافل
|
وقال المهند:
وساريةٍ طوعَ إعصارها |
|
محملةٍ ثقلَ أوقارها |
مخايلها بالحيا جمَّةٌ |
|
فإظهارها مثلُ إضمارها |
طوَتْ صِفةَ الأرض أحشاؤها |
|
كطيِّ الجفونِ لأبصارها |
نأى غَيْمها ودنا غَيْثها |
|
دنُوَّ الشّموسِ بأنوارها |
وقال ابن هذيل:
وحنَّانةٍ في الجوِّ كدراءَ أقبلَتْ |
|
تبسَّمُ عن وَمْضٍ من البرق خاطفِ |
تزفُّ بها ريحُ الصَّبا غير أنَّها |
|
تهادى تهادي الخودِ بين الوصائفِ |
وقال محمد بن مطرف بن شخيص:
فكأنَّ السّحابَ في الأُفقِ رَكبٌ |
|
زَمَّ أحداجه وصفَّ قِطارَهْ |
يُذْكرُ الغيثُ والرّعودُ حجيجاً |
|
عَجّ أصواتَهُ وبثَّ جِمارَهْ |
وقال يوسف بن هارون:
وجاريةٍ جرْيَ السّفين تسوقُها |
|
الرّياحُ ولكنْ في الهواءِ غَديرُها |
رأيتُ بأحشاءِ البحورِ سفينها |
|
وتلكَ سفينٌ في حشاها بُحورها |
وقال أيضاً:
وساريةٍ كاللَّيلِ لكن نجومُها |
|
علَى إثر ما يَطْلُعْنَ فيها غوائرُ |
فلمّا استدارتْ في الهواءِ كأنَّها |
|
عُقابٌ مَتَى يخفقِ البرقُ كاسرُ |
وشمَّتْ دوانيها الرُّبى بأُنوفها |
|
كما شمَّ أكفالَ العذارى الضفائرُ |
هوَتْ مثلما تهوي العُقابُ كأنَّها |
|
تخافُ فواتَ المحل فهي تبادرُ |
كأنَّ انتثارَ القطرِ فيه ضوابط |
|
تُدارُ علَى الغُدْرانِ منه دوائرُ |
وقال أحمد بن فرج:
يا غيمُ أكبرُ حاجتي |
|
سَقْيُ الحمى إن كنتَ تُسْعِفْ |
رَشِّفْ صداه فطالما |
|
روَّى الصَّدى فيه الترشُّفْ |
واخلعْ عليه من الربي |
|
ع ووشيهِ ثوباً مُصَنّفْ |
حتَّى ترى أنهاءهُ |
|
وكأنَّها أعشارُ مُصْحَفْ |
وتخالُ مُرْفَضّ النَّدى |
|
في روضهِ شكلاً وأحرُفْ |
الأنهاء: جمع نهي ويقال نهي -بالكسر -
باب في الرَّبيع والزهر
قال مازن بن عمرو:
وروضةُ تدمارٍ يروقُكَ حسنُها |
|
عليها رياطُ الوَشْي والحللُ الصُّفْرُ |
ترى زَهراتِ النَّوْرِ فيها كأنَّها |
|
عيونٌ أجالَتْها بها الخرَّدُ الخفْرُ |
وقال عبد الملك بن نظيف:
في ليلةٍ كمُلاءِ الوَشْي يَمْنَتُها |
|
تحت النبات وثاب الغُرِّ والجونِ |
حُثَّ النّسيمُ عليها فانثنَتْ مرحاً |
|
مثلَ النّساءِ بتغريدٍ وتفنينِ |
تظلُّ ذاتَ ابتسامٍ نحو لامحها |
|
عن نَوْرِها كابتسامِ الخرَّدِ العينِ |
وقال أيضاً:
في روضةٍ رَشفَتْ لُعابَ غمامةٍ |
|
حتَّى ارتوتْ رشفَ الصَّدي الحرَّانِ |
طلعتْ عليها الشَّمسُ فابتسمتْ لنا |
|
عن مثلِ نظْم الردِّ والمرجانِ |
وتبسَّمتْ ريحُ الصَّبا فتعانقتْ |
|
أغصانُها كتعانقِ الولدانِ |
وتقابلتْ أحداقُها فكأنها |
|
حدَقٌ شكت وجداً علَى الكتمانِ |
وقال سليمان بن بطال المتلمس:
تبدَّتْ لنا الأرضُ مزهُوَّةً |
|
علينا ببهجةِ أثوابها |
كانَّ أزاهرَها أكؤسٌ |
|
حَوتها أناملُ شُرَّابها |
كأنَّ الغصونَ لها أذرعٌ |
|
تناولها بعضُ أصحابها |
ترى خَمْرُها من رُضابِ الهَوَى |
|
لآلئَ في عينِ مرتابها |
كأنَّ تعانُقها في الجنوبِ |
|
تعانُقَ خَوْدٍ لأترابها |
كأنَّ ترقرقَ أجفانِها |
|
بُكاها لِفُرقة أحبابها |
وقال يوسف بن هارون:
بكتِ السَّحابُ علَى الرِّياضِ فحسَّنَتْ |
|
منها غُروساً من دموعِ ثَكولِ |
فكأنَّها والطلُّ يُشرقُ فوقها |
|
وشيءٌ يُحاكُ بلؤلؤٍ مفْصولِ |
وقال أيضاً:
كأنَّ الرَّبيعَ الطَّلقَ أقبلْ مُهدياً |
|
لطلعةِ معشوقٍ إلى عينِ مُغْرم |
تعجَّبْتُ من غَوْصِ الحيا في حشا الثَّرى |
|
فأفشى الَّذي فيه ولم يتكلم |
كأنَّ الَّذي يَسْقي الثَّرى صوبُ قهوةٍ |
|
تنمُّ عليه بالضّميرِ المكتَّم |
وقال أيضاً: |
|
|
كأنَّ السَّحابَ الجَوْدَ أعرَسَ بالثَّرى |
|
فلاحَ شوارُ الأرضِ في كلِّ موضعِ |
كأنَّ سرورَ الأرضِ حُزْنُ سحابها |
|
إذا ما بكتْ لاحتْ لنا في تصنّعِ |
حبائبُ لا يسمحنَ إلاَّ بلحظةٍ |
|
وشمَّةِ أنفٍ كالحبيبِ الممنَّعِ |
وقال إسماعيل بن إسحاق المعروف بالمنادي:
وحاكتُ لهُ الأنداءُ وشياً منمنماً |
|
كأن نظمُهُ من فاخرِ التّبر والدرِّ |
تخالُ به نورَ الرَّبيع كواعباً |
|
عليها أكاليلُ اليواقيتِ فالشّذْر |
إذا ما نسيمُ الرِّيح هبَّتْ بصحنه |
|
فمِلْنَ كما مالَ النّزيفُ من السُّكْر |
يعانقُ بعضٌ بعضهنَّ تأوُّداً |
|
تعانقَ معشوقينِ كانا علَى هجْر |
ويسقين دمعاً من عيونٍ كأنَّها |
|
عيونُ مهاً يُرْعدنَ من شدَّة الذّعْر |
وقال عبيد الله بن يحيى بن إدريس الوزير:
يغازلُ عينَ الشَّمسِ حتَّى ترَى لها |
|
إليه حنينَ المستكينِ منَ الوجدِ |
إذا اشتهتِ الأنفاسُ طيبَ نسيمهِ |
|
أتاها به من نافحات الصَّبا مُهدِ |
فإنَّ مجالَ العينِ في رونقِ الضُّحَى |
|
عليه مجالُ اللّحظِ في زَهَرِ الخدِّ |
إذا ما جَنَينا منه حكَى لنا |
|
تورُّدُهُ ما في الخدودِ من الوردِ |
وقال أبو بكر ابن هذيل في قضبان الرِّياض وهبوب الرياح عليها:
هبَّتْ لنا ريحُ الصَّبا فتعانقتْ |
|
فذكرتُ جيدَك في العناقِ وجيدي |
وإذا تألفَ في أعاليها النَّدَى |
|
مالتْ بأعناقٍ ولطْفِ قدودِ |
وإذا التقتْ بالرِّيح لم تُبصرْ بها |
|
إلاَّ خدوداً تلتقي بخدودِ |
فكأنَّ عُذرةَ بينها تحكي لنا |
|
صفة الخضوعِ وحالةَ المعمودِ |
تيجانُها طلٌّ وفي أعناقِها |
|
منه نظامُ قلائدٍ وعقودِ |
فترشُّني منه الصَّبا فكأنَّهُ |
|
من ماءِ وردٍ ليس للتصعيدِ |
فكأنَّما فيها لطيمةُ عاطرٍ |
|
فتثيرُ ناراً في مجامر عودِ |
شُغلتْ بها الأنداءُ حتَّى خلتُها |
|
يَبسطنَ أنديةً بها للصيدِ |
وتجلببت زَهَراً فخلتُ بأنَّها |
|
فوقي نثائرُ نادفٍ مجهودِ |
ثمَّ وصف ذباب الروض فقال:
وتمتَّعتْ بذبابها فرياضُها |
|
لبستْ كمثلِ المرتعِ المورودِ |
غنَّى فأسمَعَني وغابَ فلم تَقَعْ |
|
عيني عليهِ في الكلا المنضودِ |
فكأنَّ وَتْرَ المَوْصليِّ وَمَعْبدٍ |
|
بيديه فهو يصوغُ كلَّ نشيدِ |
يرقة إلى ورقِ الكلا وكأنَّما |
|
حيزومهُ من لمَّةِ المولودِ |
فكأنَّه متشهدٌ أوْ حاسبٌ |
|
فَنِكٌ بعقدِ حسابه المكدودِ |
وقال عبيد الله بن إدريس الوزير:
قد حُلِّيتْ بأزاهرٍ مِن صَوغها |
|
نَوْرٌ حكين لآلئاً بنحورِ |
وَأَرتْكَ أعينَ خرَّدٍ مرموقةٍ |
|
خجلتْ وأعينَ آنساتٍ حورِ |
بيضاءَ ترفلُ في ملابسِ خُضرةٍ |
|
نُظمتْ بأحسنِ نَورها الممطورِ |
فكأنَّها عذراءُ في إجلائها |
|
تُهدَى إلى جذِلٍ بها مسرورِ |
وكأنَّما صبَغَ الحَيَا أثوابَهَا |
|
صبْغَ الحياءِ الخدَّ بالتَّخفيرِ |
وقال يونس بن عبد الله صاحب الردّ:
جادتُ ثغورُ السَّحابِ بالرِّيق |
|
فأتبعتْ خُلَّباً بتصديقِ |
فارتشفتهُ الرِّياضُ باكرةً |
|
ناظرةً نحوهُ بتحديقِ |
كأنَّما الرَّوضُ إذْ تعلِّلُهُ |
|
بالرّيق صبٌّ خلا بمعشوقِ |
تبسمُ عن نَوْرهٍ كما ابتسمتْ |
|
وامقةٌ بُشِّرتْ بموموقِ |
وقال ابن عبد ربه:
وجهُ ربيعٍ أتاكَ باكرُهُ |
|
يرفلُ في حلْيه وفي حُلَلهْ |
كأنَّ أيَّامهُ مُلبَّسةٌ |
|
أثوابَ غضِّ الشَّبابِ مُقتبلهْ |
وقال علي بن أبي الحسين:
علامَ أغدُو خليّاً |
|
مِن شدوِ عودٍ وراحِ |
وذا زمانُ ربيعٍ |
|
يدعو إلى الاصطباحِ |
كأنَّما الرَّوضُ هَيْفا |
|
في حلَّةٍ ووشاحِ |
تشيرُ غمزاً علينا |
|
بنرجسٍ وأقاحِ |
تقولُ مَنْ عافَ وصلي |
|
فما له مِنْ فَلاحِ |
فخُذْ فديتك كأساً |
|
ودعْ كلامَ اللّواحي |
وقال أيضاً:
ألستَ ترَى حسنَ الرَّبيع وما أبدَى |
|
فقد أَذكرتنا زهرُ أيَّامه الخلْدا |
تصدُّ عن الرَّوضِ الأَريض نزاهةً |
|
كأنَّكَ قد آثرتَ من بيننا الزُّهدا |
تأمَّلْ ترَى قُضبَ الزُّمُرُّدِ فوقها |
|
يواقيتُ حمرٌ نحو أقداحنا تُهدَى |
وقد نثرتْ فيه السَّحائبُ طلّها |
|
كما رشَّ ماءُ الوردِ بالعَنَم الخدا |
وقال أيضاً:
قد وطئنا دَرانِكَ الرَّوض حتَّى |
|
بلِيتْ بالصَّبوح بعد الغَبوقِ |
وكأنَّ النوّار يُشرقُ حُسناً |
|
فصرفناهُ في عدادِ الخلوقِ |
وكأنَّ الرِّياض جسمُ حبيبٍ |
|
كادَ يفنَى بالضّمِّ والتَّعنيقِ |
وقال مروان بن عبد الرحمن:
ربَّ يوم قد ظلَّ فيه نديمي |
|
يتغنى بروضة غناءَ |
وكأنَّ الرِّياضَ حسناً حبيبٌ |
|
عاطرٌ سامَهُ المحبُّ لقاءَ |
ضربتْ سحبُهُ رواقاً علينا |
|
وارتدينا من الغمامِ رداءَ |
قد تحلى بزهرِهِ وتبدَّى |
|
ماثلاً في غلالةٍ خضراءَ |
فأرتنا الرِّياضُ منه نجوماً |
|
وأرانا سنا العُقار ذَكاءَ |
فكأنَّا بها شربنا سناها |
|
وحللنا بما حللنا السَّماءَ |
وأنشد عبادة لأبيه في روضة:
وتمايلتْ أغصانُها ميَّادةً |
|
مثلَ انميادِ الخود حُلَّ خمارُها |
وتضوَّعتْ ريحُ الجنوبِ خلالها |
|
فحكى لك المسكَ الذكيَّ بهارها |
وكأنَّ شدوَ ذُبابها وغناؤهُ |
|
عزفُ القيانِ تناوَحَتْ أوتارُها |
وقال يحيى بن هذيل:
بمحلةٍ خضراءَ أفْرَغَ حليها الذ |
|
هبيَّ صاغةُ قطْرِها المسكوبِ |
بَسقَتْ علَى شرفِ البلاد كأنَّما |
|
قامتْ إلى ما تحتها بخطيبِ |
والرَّوضُ قد ألفَ النَّدى فكأنَّه |
|
عينٌ توقَّفَ دمعُها لرقيب |
متخالفُ الألوانِ يجمعَ شمْلَه |
|
ريحانِ ريحُ صبا وريح جنوبِ |
فكأنَّما الصَّفراءُ إذْ تومي إلى ال |
|
بيضاءِ صبٌّ جانحٌ لحبيبِ |
وقال المهند:
وكأنَّ السَّماءَ تنشرُ للأر |
|
ضِ وتُبدي طرائف الأنماطِ |
وكأنَّ الملوكَ أهْدَوا إليها |
|
غِبَّ إروائها نفيسَ الرِّياطِ |
وكأنَّ الجواهرَ انتجعتْها |
|
رغبةً عن بواطنِ الأسفاطِ |
في جميمٍ كأنَّه جمَمٌ بي |
|
نَ جِعادٍ ممشوطةٍ وسِباطِ |
فلها أسطرٌ من الرَّوضِ فاتتْ |
|
باعتدالٍ أناملَ الخطَّاطِ |
وحروفٌ قد نقَّطَ الزَّهرُ منها |
|
كلَّ مستعجمٍ علَى النقَّاطِ |
وقال محمد بن شخيص في المستنصر بالله:
أظنُّ جنانَ الخلدِ جُنَّتْ صبابةً |
|
إليه فدارتْ حين طالَ انتظارُها |
إذا ابتهلَ الحُجَّاجُ بالشِّعبِ من منًى |
|
وقد حانَ عن رميِ الجمارِ انحدارها |
حكى هَزَجَ الأطيارِ ليلاً عجيجُها |
|
ومستترَ النّوار صُبحاً جمارُها |
باب في الورد
قال عبد الرحمن بن عثمان الأصم: |
شكرتُ لنسيانٍ صنيعةَ منعمٍ |
|
لِما حاكَ عندي مِن صفوفِ البدائعِ |
درانيكُ أفوافٌ تجلَّتْ رُقُومها |
|
بأحمرَ قانٍ بينَ أصفرَ فاقعِ |
ورودٌ تباهي الشَّمسَ في رونقِ الضُّحَى |
|
بمطَّلعاتٍ كالنُّجومِ الطَّوالعِ |
مضرَّجةٌ أبشارهنَّ كأنَّها |
|
خدودٌ تجلَّتْ عن حُسُورِ البراقعِ |
وقال عبيد الله بن إدريس:
أهدَى إليك تحيَّةً من عندِهِ |
|
زمنُ الرَّبيع الطَّلقِ باكرَ وردِه |
يحكي الحبيبَ سرَى لوعدِ محبِّهِ |
|
في طيبِ نفحتهِ وحُمرةِ خدِّه |
وقال لبُّ بن عبيد الله:
صابَحْتها والرَّوضُ يسطعُ مسكُهُ |
|
فكأنَّهُ بالليلِ باتَ مُغلَّفا |
والوردُ يبدو في الغصونِ كأنَّما |
|
أضحَى يقارفُ من نداه قرقَفَا |
قال يوسف بن هارون يفضل الورد علَى سائر الأنوار:
للآسِ والسّوسنِ والياسمين |
|
الغضِّ والخيريِّ فضلٌ شديدْ |
سادتْ به الرَّوضُ ومن بينها |
|
وبين فضلِ الورد بون بعيدْ |
هل لك في الآسِ سوى شمَّةٍ |
|
تطرحهُ من بعدها في الوقودْ |
والوردُ إن يذبلْ ففي مائِهِ |
|
نسيمُ ضمّ الإلف بعدَ الصدودْ |
والسَّوءُ في السَّوسن عام وفي |
|
ساعةِ سوء قد تُزارُ اللّحودْ |
والياسمينُ الياسُ في بدئه |
|
فهو لمن يطمَعُ همٌّ عتيدْ |
أخلَّ بالخيريِّ خلْقٌ كخُلق |
|
اللصِّ يستيقظُ بعدَ الهجودْ |
فالوردُ مولى الرَّوضِ لكنَّه |
|
في قدره عبدٌ لوردِ الخدودْ |
وقال محمد بن شخيص:
كأنَّ انتثارَ الطلِّ في الوردِ أدمُعٌ |
|
تبدَّى علَى زهرِ الخدود انتثارُها |
كأنَّ جنيَّ الأُقحوانِ بروضِها |
|
ثغورُ العذارى حينَ راقَ اثّغارُها |
وقال:
واهاً لمتبول الفؤادِ متيَّمٍ |
|
جدَّ الغرامُ به وكانَ مزاحا |
وقال أحمد بن فرج في السفرجل:
أوالفُ أغصانٍ تركنَ فروعها |
|
ليقصدنَ أزكَى أفرُعاً وأُصولا |
حكتْ من حُلى العشَّاقِ لوناً وخالفتْ |
|
بنعمتها منهمْ ضنًى ونحولا |
باب في تغريد الطير في الرِّياض ووصف الحمام
قال محمد بن إسماعيل النحوي:
وهاجَ عليكَ الشوقَ نوحُ حمائمٍ |
|
فواقدَ أُلاَّفٍ أجابتْ حمائما |
لهنَّ عجيجٌ بالنَّشيج كأنَّها |
|
مآتمُ أملاكٍ تلاقتْ مآتما |
وقال ابن بطال المتلمّس:
ألا ربَّما سلَّيتُ نفسي فردَّها |
|
إلى الذِّكر وُرْقٌ في الغصونِ شوادِ |
يُرجِّعنَ تحنينَ الرَّنين كأنَّما |
|
لهنَّ كبودٌ قُطِّعتْ بكُبادِ |
ويبرزنَ في زيِّ الثكالى كأنَّما |
|
عليهنَّ من وجدٍ ثيابُ حدادِ |
الكباد: داء يصيب الكبد، وكثير من الأدواء يأتي علَى فعال بضم الفاء، مثل السكات والدوار والعطاس والهيام والخمار والصفار ونحوها، يقال: عطش عطشاً فإذا كان يعتريه كثيراً قيل له عطاش.
وقال يوسف بن هارون:
خُطَّافةٌ سبَّحتِ اللهَ |
|
بعُجمةٍ يفهَمُ معناها |
مديدةُ الصَّوْتِ إذا ما انتهتْ |
|
لكنَّها تُدمجُ مبداها |
كقارئٍ إن تأتِه وقفةٌ |
|
مدَّ بها الصَّوْتَ وجلاَّها |
وقال أيضاً في حمامة:
أذاتَ الطَّوقِ في التَّغريدِ أشهى |
|
إلى أُذُني من الوَتر الفصيحِ |
إذا هتفتْ علَى غصنٍ رفيعٍ |
|
ننوْحٍ أوْ علَى غصنٍ مريحِ |
تضمُّ عليه منقاراً ونحراً |
|
كما خرَّ الفجيعُ علَى الضَّريحِ |
وقال أيضاً في أم الحسن:
مُسمعةٌ مِن غيرِ أوتارِ |
|
إلاَّ ارتجالاً فوقَ أشجارِ |
يقترحُ الناسُ عليها وما |
|
يقترحُ الناسُ علَى الطَّاري |
تُبدلُ إن قيل لها بدِّلي |
|
طائعةً من غيرِ إصغارِ |
كأنَّها في حين تبديلها |
|
تأخذُ في أَهزاج أشعارِ |
عاشقة النوّارِ ما أقبلتْ |
|
إلاَّ بها آثارُ نوَّارِ |
وقال في أم الحسن أيضاً:
وخرساءَ إلاَّ في الرَّبيع فإنَّها |
|
نظيرةُ قسٍّ في العصورِ الذَّواهبِ |
أتتْ تمدحُ النوَّار فوق غصونها |
|
كما يمدحُ العشَّاقُ حُسنَ الحبائبِ |
تُبدِّلُ ألحاناً إذا قيل بدِّلي |
|
كما بدَّلتْ ضرباً أكفُّ الضَّواربِ |
تُغني علينا في عروضين شعرَهَا |
|
ولكن شعراً في قوافٍ غرائبِ |
إذا ابتدأتْ تُنشدكَ رجْزاً وإن تقلْ |
|
لها بدِّلي تُنشدكَ في المتقاربِ |
وليس لها تيه الطُّراءِ بصوتها |
|
ولكنْ تغنِّي كلَّ صاحٍ وشاربِ |
وقال أحمد بن عبد ربه:
وإنَّ ارتياحي مِن بكاءِ حمامةٍ |
|
كذي شجنٍ داويتهُ بشجونِ |
كأنَّ حمامَ الأيكِ حين تجاوبَتْ |
|
حزينٌ بكى من رحمةٍ لحزينِ |
وقال أيضاً:
ولرُبَّ نائحةٍ علَى فَنَنٍ |
|
تُشْجي الخليَّ وما به شجوُ |
وتَغَرَّدتْ في غصنِ أيكتِها |
|
فكأنَّما تغريدُها شدوُ |
وقال عبادة في قمري:
مطوَّقٌ جوَّدَ في شدوِهِ |
|
كأنَّما طوِّقَ إذْ جوَّدا |
مالَ علَى الخُوطِ فشبَّهتُهُ |
|
بشاربٍ لمَّا انتشَى عربدا |
كأنَّما الطلُّ علَى طوقِهِ |
|
دمعٌ علَى عقدِ فتاةٍ بدا |
وقال ابن هذيل في الحمام:
غنَّى وفوقَ جناحيهِ سَقيطُ ندى |
|
والغيمُ يُنجزُ للحَوْذان ما وَعَدا |
يهفو بهِ خُوطُ ريحانٍ تغازله |
|
في الجوِّ ريحٌ فتلوي متنَهُ أَوَدا |
إذا استقلَّ ومسَّ الأرضَ تحسبُهُ |
|
مُصلِّياً إن تلقَّى سجدةً سَجَدا |
لهُ ثلاثةُ ألوانٍ تخالُ بها |
|
زُمُرُّداً وعقيقاً جاوَرَا بَرَدا |
وقال أيضاً:
مُطوَّقةٌ يغدو النَّدَى في جَناحِها |
|
لآلئَ ليستْ منْ نظامٍ ولا سلكِ |
إذا انتقلتْ عن أيكها فكأنَّما |
|
قوادمُها أجفانُ والهةٍ تبكي |
وقال أيضاً:
قلْ لهذا الحمامِ إنْ جهلَ ال |
|
حبَّ أنا واقفٌ علَى عرفانِهْ |
لم تُصبْه النَّوى بفقدان خلٍّ |
|
فيُرى باكياً علَى فقدانهْ |
فشدا في قضيبِ أيكٍ يُعَلِّيه |
|
ويُدنيه أرضَهُ من لِيانهْ |
وكأنَّ الرذاذَ فوق جناحيه |
|
جمانٌ يروقُ عند اقترانهْ |
وقال أيضاً:
ترى قطراتِ الطلِّ كالدرِّ فوقها |
|
إذا انتفضت في الأيك تنثرُه نثرا |
إذا فرَّقَتْهُ ألفَ الغيمُ غيرهُ |
|
عليها فقد شبَّهْتُها قينةً سكرى |
تزاحمُ أخرى مثلها بعقودها |
|
ولم ترضَ باسترجاعِ منثورها كِبرا |
وقال أيضاً:
وقفَتْ علَى الغُصنِ الجديد كأنَّما |
|
تلهو به في الغيمِ أوْ يلهو بها |
وتسترت في سروةٍ ملتفَّةٍ |
|
حَجبتْ عن الأبصار شخصَ رقيبها |
فكأنَّما ريحُ الجنوبِ تغايرَتْ |
|
ألاَّ تُرى إلاَّ لوقتِ هبوبها |
باتتْ تُغازلها فلما أصبحتْ |
|
بَرزت لنا كالشَّمسِ قبلَ غروبها |
وقال أيضاً في القمري:
قد اختفى بين أغصانٍ وأوراقِ |
|
وحنَّ حنَّةً مشغوفٍ ومشتاقِ |
كأنَّما خافَ عذْلاً فهو مستترٌ |
|
أوْ خافَ واشيةً أوْدَتْ بميثاقِ |
وقال محمد بن الحسين الطبني:
قُمْريَّةٌ دعتِ الهَوَى فكأنَّما |
|
نطقَتْ وليس لها لسانٌ ناطقُ |
غنَّتْ فحببتِ الأراكَ كأنَّما |
|
فوق الغُصونِ حبابةٌ ومخارقُ |
وقال حسين بن الوليد:
وساجعٍ هاجَ لي الأحزانَ إذْ سجعا |
|
إذا انتهى غايةً في سجعه رجعا |
مُخضَّبٌ بخضابٍ لا نصولَ له |
|
كأنَّه في دموعي للنَّوى انتقعا |
وقال ابن محامس الكاتب:
فالطَّيرُ في ذروةِ أشجارها |
|
تشدو بشجو الطَّرِبِ الشائق |
من ذي تراجيعَ فصاحٍ وذي |
|
نبْرٍ كنجوى الدّنفِ العاشق |
وقال محمد بن الحسين:
لعمريَ إنِّي للحمائم في الضُّحى |
|
إذا غرَّدَتْ فوقَ الغصونِ لوامقُ |
وأسعدني منها صديقةُ أيكةٍ |
|
كما يُسعدُ الإلفَ الصديقُ المصادقُ |
وقال زيادة الله بن علي الطبني:
أدنتْ إليَّ صباباتي مُغرِّدةٌ |
|
أذكى الجوى بين أضلاعي ترنُّمها |
كأنَّما مكثتْ في عُشّها زمناً |
|
عُليَّةٌ بنتُ زريابٍ تعلِّمها |
وقال محمد بن الحسين:
تغنَّتْ علَى الأغصانِ يوماً حمائمٌ |
|
كما يتغنَّينَ القيانُ الأوانسُ |
يظنُّ الَّذي يُصغي إليهنَّ معبداً |
|
أوْ ابنَ سريج في ذرى الأيك جالسُ |
باب في الأنهار والجداول والمياه الجارية والأواجن
قال أحمد بن عبد ربه:
ربَّ بقيعٍ طامس المنهاجِ |
رضيعِ كلِّ أوطفٍ ثجَّاجِ |
حَبابُه كالنفخ في الزّجاجِ |
وقال ابن هذيل:
والأرضُ عاطرةُ النَّواحي غضَّةٌ |
|
خضراءُ في ثوبٍ أغرَّ جديد |
والماءُ تدفعهُ إليك مثاعبٌ |
|
شتَّى من الميثاءِ والجُلمود |
صافٍ علَى صفةِ المَهَا ومَذَاقُه |
|
شهْدٌ فخُذْ من طيِّبٍ وبرود |
ملأَ التِّلاعَ فأقبلتْ وكأنَّها |
|
هَجَماتُ حيَّاتٍ ذواتِ حُقود |
تنحُو إلى حالِ الغَطيط وربَّما |
|
زأَرَتْ فتسمعها زئيرَ أُسود |
وتثيرُ طافيةَ الحصَى فكأنَّها |
|
دلتْ علَى السَّاعاتِ فهْمَ بليد |
المثاعب: الغدران، والميثاء: التلعة تكون مثل نصف الوادي أو ثلثيه.
وقال أيضاً:
وماءٍ كمثلِ الرَّاحِ جارٍ يزيدني |
|
نشاطاً فيُجري كلّ معنًى علَى ذهني |
يمرُّ علَى حصبائِهِ فكأنَّه |
|
صَفَا الدَّمع في عقدِ الفتاةِ الَّتي أعني |
وقال محمد بن الحسين الطَّاري:
وكأنَّ مَجرى الماءِ بين سُطُوحه |
|
مجرَى مياهِ الوصلِ في كبدِ الصَّدي |
في مثلِ أصراحِ الزّجاج مُرخَّمٌ |
|
ومسطَّحٌ يحكي احمرارَ المجسدِ |
وقال محمد بن الحسين:
والنَّهرُ مكسوٌّ غلالةَ فضَّةٍ |
|
فإذا جرَى سيلٌ فثوبُ نضارِ |
وإذا استقامَ رأيتَ رونَقَ مُنصلٍ |
|
وإذا استدارَ رأيتَ عِطفَ سوارِ |
وقال لبّ بن عبيد الله يصف ماء آجناً:
ذَرْني وجوبَ القفْر آنسُ وسطهُ |
|
دونَ الأنام بكلِّ أغبسَ أطلسِ |
وأُبلُّ عَصبَ الريقِ فيه بآجنٍ |
|
كالغِسلِ سُؤر قطاً وأطحلَ عسعسِ |
يقال: ماجن وآجن وقد أجن يأجن أجوناً إذا أروح وتغير، والغسل: الخطمي والخطمي أيضاً بالكسر.
وقال علي بن أبي الحسين يصف أسداً يقذف الماء في صهريج ويصرف الصهريج وأشخاص الكواكب:
وهزبرٍ هادرٍ في غابةٍ |
|
يردعُ اللامحَ عنه بالزّؤُدْ |
فاغرٍ فاهَ فماً يُغلقهُ |
|
سائلِ الريقِ مشيحٍ ذي لَبَد |
لا يُرى منتقلاً منْ موضعٍ |
|
لا ولا مفترساً سِربَ نَقَد |
ريقُهُ فيه حياةُ للورى |
|
والثَّرى من فيضِ جدواه ثَئِد |
نَوْؤُهُ يُغنيك عن كلِّ حياً |
|
هل ترى أغزَرَ من نوءِ الأسَد |
فاضَ منهُ زاخرٌ مُلتطمٌ |
|
هو بحرٌ من لهاتَيْهِ يُمَد |
فإذا هبَّتْ به ريحُ الصَّبا |
|
خِلتَ في أعلاه وشياً أوْ زَرَد |
وإذا بتَّ عليهِ في الدُّجَى |
|
كنتَ للأفلاكِ فيه ممتَهِد |
وكأنَّ الأنجمَ الزُّهرَ بهِ |
|
زَهَرٌ بُدِّدَ في أرض بَدَد |
وقال أحمد بن درَّاج:
فكأنَّ ذاك الماءَ ذَوْبَ رُخامِها |
|
ورخامُها مُتجسِّدٌ مِن مائها |
وقال عبادة:
كأنَّ أديمَ الماءِ درٌّ مُذابُهُ |
|
يُصافحُ مِن خُضرِ الرِّياض زُمُرُّدا |
باب في القصور والبساتين والصهاريج والأشجار
قال مؤمن بن سعيد:
مجالسُ يُرضي العينَ إفراطُ حُسنها |
|
كأنَّ حناياها حواجبُ خرَّدِ |
علَى عُمُدٍ للدرِّ أبشارُ بعضها |
|
وأبشارُ بعضٍ حُسنها للزبرجدِ |
وأُخرى مُقاناةُ البَيَاضِ بحُمرةٍ |
|
كجمرِ الغَضَا في لونِهِ المتوقِّدِ |
ولابسةٌ وشياً كأنَّ رقيقَهُ |
|
رقيقُ الهشاميِّ العتيقِ المسرَّدِ |
وقال ابن هذيل:
مرأًى بديعٌ في مصانعِ مجلسٍ |
|
ذلَّتْ إليه مجالسُ الأشرافِ |
متألقٌ وكأنَّهُ متعلِّقٌ |
|
بالنَّجمِ دون قوادمٍ وخَوَافِ |
ثمَّ ذكر الصفصاف فقال:
وكأنَّ صفَّ وصائفٍ برزتْ إلى المنصو |
|
رِ عَن كللٍ منَ الصَّفصافِ |
قامتْ إليكَ كأنَّما أعناقُها |
|
أعناقُ نافرةٍ من الأخشافِ |
ريحُ الصَّبا من رَوْحها فغصونُها |
|
حركاتُ أيدٍ بالسَّلامِ لِطافِ |
وتعلَّقت أوراقها وتدافعتْ |
|
إنَّ السَّوالفَ ملعَبُ الأسيافِ |
عرضتْ عليكَ زمرُّداً وتحوَّلتْ |
|
فأرتْكَ لوناً كاللُّجينِ الصَّافي |
وكأنَّما قد أسبَلَتْ من نفسها |
|
سرّاً علي ذي ريبةٍ وخِلافِ |
وأظنُّهُ النَّهرَ الَّذي لم يستطعْ |
|
يحكيك في إرهامِكَ الوَكَّافِ |
وقال أحمد بن دراج يصف دار السرور بالزاهرة:
دارُ السُّرور المعتلي شُرفاتُها |
|
فوقَ النُّجوم الزُّهر في استعلائها |
وكأنَّ غُرَّ المُزنِ لما جادَهَا |
|
نشرتْ عليها من نفيسِ مُلائها |
وكأنَّما أيدي السُّعود تضمَّنتْ |
|
إبداعَهَا فبَنَتْ علَى أهوائها |
وكأنَّ ريحانَ الحياةِ وَرَوحها |
|
مستنشقٌ من نافحاتِ هوائها |
فكأنَّما اصْطُفيتْ طلاقةُ بشرها |
|
مِن أوجهِ الأحبابِ يوم لقائها |
قامتْ علَى عُمُد الرّخامِ كمثل ما |
|
نُسِقتْ نجومُ النّظمِ في جوزائها |
بمُقابلٍ من مُلتقَى أرواحها |
|
ومُشاكِهٍ من سِفلها وَعَلائها |
ككتيبتيْ رجلٍ ورَكْبٍ وافَقَتْ |
|
يومَ الوغَى مِثلَين منْ أكفائها |
وكأنَّما اختارَ السُّرورُ مكانَهَا |
|
وطناً فحلَّ مخيِّماً بفنائها |
وكأنَّما لمعتْ بوارقُ مُزنةٍ |
|
حُللَ الرِّياضِ الحُوِّ من عصرائها |
وكأنما أيدي الصباحا بينها |
|
هزت سيوف يوم جلائها |
وكأنَّها لما اعتَزَتْ في حِمْيَرٍ |
|
نشرتْ عليها من كريمِ ثنائها |
وقال عبد السلام في المباني بالزاهرة:
كأنَّما الوحيُ يأتيه بأَرسمها |
|
مِنَ الجنانِ فلا يعدو الَّذي أمرَهْ |
كأنَّما عُمدُ الأبهاءِ إذْ برزتْ |
|
سوقٌ تبدَّتْ من الأنوارِ مُنحسرهْ |
كأنَّما طُرَرُ الأقباءِ ماثلةً |
|
غيدٌ لوَى الحسنُ في لبَّاتها طُررهْ |
وقال عبد الله:
محاريبُ لو يبدو لبلقيسَ صَرْحها |
|
لما كشفتْ ساقاً لصرحٍ ممرَّدِ |
علَى عُمدٍ يحكي طُلى الغيدِ حُسنها |
|
كأنَّ حناياها أهلَّةُ أَسعُد |
تزانُ بأقباءٍ يغرِّدُ بينها |
|
صداها كتغريد الحمام المغرِّدِ |
إذا خفَضَ الشَّادي بها فكأنَّما |
|
يؤدِّي إلى الأسماعِ قاصفَ مُرعدِ |
كأنَّ السّطوحَ الحمرَ بين صحونها |
|
شقائقُ نعمانٍ غذاها الثَّرى النَّدي |
وقال عباس بن فرناس:
حنايا كأمثالِ الأهلَّةِ رُكبتْ |
|
علَى عمدٍ تُعتدُّ في جوهرِ البدرِ |
كأنَّ من الياقوت قيست رؤوسُها |
|
علَى كلِّ مسنونٍ مَقيضٍ منَ السِّدرِ |
ترى الباسقاتِ النَّاشراتِ فروعها |
|
موائسَ فيها من مُداولةِ الوقرِ |
كأنَّ صناعاً صاغَ بين غصونها |
|
من الذَّهب البادي عراجينَ من تمرِ |
نشَتْ لؤلؤاً ثمَّ استحالتْ زمرداً |
|
يؤولُ إلى العقيان قبلَ جنى البُسرِ |
وقال محمد بن الحسين الطاري:
عُقدتْ أهلَّةُ بهوه فكأنَّها |
|
عُقدُ الشُّنوفِ علَى خدودِ الخرَّد |
من تحتها عمدٌ كأنَّ فريدَها |
|
من جوهرٍ ولآلئٍ وزبرْجَد |
تحكي الحسانَ قدودها لكنَّها |
|
في خَلْقها ليست بذاتِ تأوُّد |
وكأنَّما قضبانهُ اللاتي سمتْ |
|
تبغي مناجاةَ النُّجوم الوقَّد |
وقال يوسف بن هارون:
فيها مجالسُ مثلُ الحور قد فُرشتْ |
|
فيها الرِّياضُ ولم يحللْ بها مطَرُ |
إلى سطوحِ ترى إفريزَها شَرَقاً |
|
مثلَ المرائي يُرى في مائها الصُّور |
كأنَّما خَفرتْ منْ طول ما لُحظتْ |
|
فقد تعدَّى إلى أبهائها الخفر |
وقبةٌ ما لها في حسنها ثمنٌ |
|
لو أنَّه بيعَ فيها العزّ والعمرُ |
كأنَّما فُرشتْ بالوردِ متّصلاً |
|
في الفرْش فاتُّخذتْ منه لها أُزرُ |
كأنَّما ذُعرتْ من خوفِ سقطتها |
|
في بحرها فبدا في لونها الذُّعر |
بحرٌ تفجَّرَ من لَيثينِ مُلتطِمٌ |
|
يا مَن رَأَى البحرَ مِن لَيثين ينفجرُ |
الخفر: شدة الحياء، والذعر: الفزع، وحرّك للضرورة.
وقال ابن عبد ربه في البستان:
تحفُّ به جنَّاتُ دنيا تعطَّفتْ |
|
لصائفهِ في الحَلْي شاتيةً عطْلى |
مطبَّقةُ الأفنانِ طيِّبةُ الثَّرى |
|
محمَّلةٌ ما لا تطيقُ له حملا |
عناقِدُها دُهمٌ تنوَّطُ بينها |
|
وقد أشرقتْ علْواً كما أظلمتْ سُفَلا |
كأنَّ بني حامٍ تدلتْ خِلالها |
|
فوافقَ منها شكلُها ذلك الشّكلا |
وإنْ عُصرتْ مجَّت رضاباً كأنَّها |
|
جنى النَّحلِ من طيبٍ وما تعرفُ النَّحلا |
ومحجوبة حجمَ الثديِّ نواهدٍ |
|
تميسُ بها الأغصانُ منْأدّةً ثقلا |
كأنَّ مذاقَ الطَّعم منها وطعمها |
|
لثاتُ عذارَى ريقها الشَّهدُ أوْ أحلى |
وقال ابن شخيص يصف الزهراء:
هذي مباني أمير المؤمنين غدتْ |
|
يُزري بها آخر الدُّنيا علَى الأُولِ |
كذا الدَّراري وجدْنا الشَّمسَ أعظمَها |
|
قدراً وإنْ قصُرتْ في العلْو عن زُحلِ |
لقد جلا مصنعُ الزَّهراءِ عن أثرٍ |
|
موَّحدِ القدر عن مثلٍ وعنْ مثلِ |
فاتتْ محاسنُها مجهودَ واصفها |
|
فالقولُ كالسَّكتِ والإيجازُ كالخطلِ |
بل فضلُها في مباني الأرض أجمعها |
|
كفضل دولةِ بانيها علَى الدُّولِ |
كادتْ قسيُّ الحنايا أنْ تضارِعها |
|
أهلَّةُ السَّعدِ لولا وصمةُ الأفلِ |
تألفتْ فغدا نقصانُها كملاً |
|
وربَّما تنقُصُ الأشياءُ بالكمَل |
أوْفى سناها علَى أعلى مفارقها |
|
من لؤلؤٍ حالياتِ الخَلْق بالعَطل |
كم عاشقين من الأطيار ما فتئا |
|
فيها يرودان من روضٍ إلى غلَل |
إذا تهادى حَبابُ الحوض حثّهما |
|
علَى التنقُّلِ من نهلٍ إلى عَلل |
كأنَّما أُفرغتْ ألواحُ مرمرِهِ |
|
من ماءِ عصراءَ لم يَجمدْ ولم يَسل |
أوْ قُدَّ من صفحاتِ الجوِّ يومَ صفا |
|
ورقَّ مِن أجلِ كونِ الشَّمس في الحمل |
يُزري برقةِ أبشار الخدود جرَى |
|
ماءُ الحياءِ بها في ساعة الخجل |
إذا استوفتْ فوقهُ زهرُ النُّجوم غدتْ |
|
تثورُ من مائِهِ بلا شُعَل |
وإن حداهُ نسيمُ الريحِ تحسبُهُ |
|
صفيحةَ السَّيفِ هزَّتها يدُ البطل |
وقال ابن هذيل في مباني الزاهرة وبساتينها:
قصورٌ إذا قامت ترى كلَّ قائمٍ |
|
علَى الأرضِ يستخذي لها ثمَّ يخشعُ |
كأنَّ خطيباً مُشرفاً من سموكها |
|
وشمُّ الرُّبى من تحتها تتسمَّعُ |
ترى نُورها من كلِّ بابٍ كأنَّما |
|
سنا الشَّمس من أبوابها يتقطَّعُ |
ومن واقفاتٍ فوقهنَّ أهلَّةٌ |
|
حنايا هي التّيجانُ أوْ هيَ أبدعُ |
علَى عمدٍ يدعوكَ ماءُ صفائها |
|
إليه فلولا جَمْدُها كنت تكرعُ |
تبوحُ بأسرارِ الحديثِ كأنَّها |
|
وشاةٌ بتنقيلِ الأحاديثِ تولعُ |
كأنَّ الدَّكاكين الَّتي اتصلتْ بها |
|
صفائحُ كافورٍ تضيءُ وتسطعُ |
كأنَّ الصَّهاريجَ الَّتي من أمامها |
|
بحارٌ ولكن جودُ كفَّيك أوسعُ |
كأنَّ الأُسودَ العامريَّةَ فوقها |
|
تهمُّ بمكروهٍ إليكَ فتفزعُ |
كأنَّ خريرَ الماءِ من لهواتها |
|
تبددُ درٍّ ذابَ لو يتجمعُ |
أُعدَّتْ لإحياءِ البساتين كلّما |
|
سقتْ موضعاً منها تأكَّدَ موضعُ |
دعتْها بصوبِ الماءِ فانتبهت لهُ |
|
عيونٌ كأمثالِ الدَّنانير تلمعُ |
فلمَّا نشا النوارُ فيها ظننتها |
|
قبابكَ يا منصور حين تُرفَّعُ |
ولمَّا اكتستْ أغصانُها خلتُ أنَّها |
|
قيانٌ بزيٍّ أخضرٍ تتقنّعِ |
ولمَّا تناهى طيبُها وتمايلتْ |
|
علينا حسبناها حبيباً يودّعُ |
وقال أيضاً في الزهراء:
كأنَّ حناياها جناحا مصفِّقٍ |
|
إذا ألهبتْهُ الشَّمسُ أرخاهما نشْرا |
كأنَّ سوَاريها شكتْ فترةَ الضَّنى |
|
فباتتْ هضيماتِ الحشا نُحَّلاً صُفرا |
كأنَّ الَّذي زانَ البياض نحورَها |
|
يُعذبِّها هجراً ويقطعها كبرا |
كأنَّ النَّخيلَ الباسقاتِ إلى العلا |
|
عذارى حجال رجَّلتْ لمماً شُقرا |
كأنَّ غصونَ الآس والريحُ بينها |
|
متونُ نَشاوَى كلّما اضطربتْ سُكرا |
كأنَّ جنيَّ الجلّنار وورده |
|
عشيقان لما استجمعا أظهرا خفرا |
وقال الحسن بن حسان:
مقاصيرُ تحتجُّ السَّماءُ وتدَّعي |
|
علَى الأرضِ فيها باحتجاجٍ موكَّدِ |
ومِن غُرفٍ فيها حنايا كأنَّها |
|
مثاني عبيرٍ فوقَ أصداغِ خرَّدِ |
ومن عمدٍ تُزهى بماءِ محاسنٍ |
|
يصوِّبُ عنه كلُّ طرفٍ مصعّدِ |
حكتْ حمرُها الياقوتَ والدرَّ بيضُها |
|
ومن خضرها اشتُقَّ اخضرارُ الزبرجدِ |
يجولُ السَّنا فيها مجالَ الشّعاع في |
|
صفيحةِ سيفِ الصَّيْقل المتقلِّدِ |
أيبْأى سليمانٌ بصرحٍ ممرّدٍ |
|
وقصرُك فيه كلُّ صرحٍ ممرَّدِ |
عشيقٌ ومعشوقٌ وبهوٌ وزاهرٌ |
|
إلى كاملٍ في حسنه ومحدَّدِ |
وعُلِّيَّةٌ تُدعى المنيفَ كأنَّما |
|
ذوائبُها نِيطتْ بنسرٍ وفرقدِ |
مجالسُ طالتْ في السَّماءِ وأشرقتْ |
|
مَتَى تبدُو للأبصارِ تقرُبْ وتبعُدِ |
ظلامُ الدُّجَى فيها نهارٌ كأنَّما |
|
تروحُ وتُمسي الشَّمسُ فيها وتغتدي |
كأنَّ صدى الأنفاسِ بين صحونها |
|
أهازيجُ ترنيم الحمامِ المغرِّدِ |
كأنَّ الهَوَى قد شفَّها وكأنَّما |
|
صداها شهيقٌ في جوابِ التنهُّدِ |
وقال ابن شخيص:
ولما امترى في جنَّةِ الخلدِ بعضهمْ |
|
أقامَ لأبصارِ الجميع مثالَها |
فللعينِ أنوارُ البساتينِ حولها |
|
وللسَّمع تفجيرُ المياه خلالها |
كأنَّ يواقيتاً أُذيبتْ فأُشربتْ |
|
سطوحُ المباني صِبغَهَا وصقالها |
كأنَّ حناياها الأهلَّةُ وافقتْ |
|
سعودَ المجاري فاستردَّتْ كمالها |
باب في الناعورة والرحى
وقال محمد بن الحسين الطاري
لحنينها حنَّ الفؤادُ التائقُ |
|
وبكى الكئيبُ المستهامُ الوامقُ |
أَنَّتْ أنينَ مغرَّبٍ عن إلفِهِ |
|
ودموعها مثلُ الجمان سوابقُ |
تبكي ويضحك تحتَ سيلِ دموعها |
|
زَهرٌ تبسَّمَ نورُهُ وشقائقُ |
يقال: ضحك ضَحكاً وضِحكاً بفتح الضاد وكسرها.
وقال أيضاً:
دمعُها وابلٌ كدَفق العزالي |
|
من جفونٍ ليستْ ترَى بشِحاحِ |
فلِكٌ دائرُ البروجِ فما ينف |
|
كُّ فيه سماكهُ مِن سباحِ |
وقال يوسف بن هارون في الناعورتين والنهر بينهما:
كيف لا يبردُ الهواءُ لنهرٍ |
|
بين غرَّافتينِ كالدِّيمتينِ |
ليستا فوقه من الرشِّ وال |
|
طشِّ علَى حالةٍ بمنفكَّتين |
وصَفَا الماءُ منهما إذْ هما |
|
للماءِ بالجريِ كالمُغَربلتينِ |
فهو رشاً درٌّ تساقطَ نثراً |
|
وهو طشّاً بُرادةٌ من لجينِ |
حسنُ الوجه شفَّهُ ألم الحرِّ |
|
فقد صارَ بين مِروحتينِ |
وقال أيضاً ابن هذيل في الناعورتين بالزهراء:
وأنتَ ابتدعت لناعورتين |
|
بدائعَ أعيتْ فما توصفُ |
هما ضرَّتانِ كمثلِ يَدَي |
|
كَ إذا جارتا والحيا مُغدفُ |
كأنَّهما طَلْعتا مُزنتين |
|
تكدُّهما شمألٌ حرْجفُ |
كأنَّهما منكبا يذبلٍ |
|
ولكنَّ يذبُلَ لا يدلفُ |
كأنَّهما هيبةٌ في العيونِ |
|
منكَ فتغضي ولا تطرفُ |
كأنَّهما صاحبا غِلظةٍ |
|
وبينهما عاشقٌ ملطفُ |
فمن هذه صولةٌ تُسترابُ |
|
ومن هذه يحلُمُ الأحنفُ |
كأنَّ الشَّفانين والمُفصِحات |
|
من الطير فوقهما تهتفُ |
وخافت علَى محدثات الثّمارِ |
|
مع السدِّ فهو الَّذي يرشفُ |
فمدَّت إلى أرضِها ثديها |
|
إذا النَّهرُ عن سقيها يضعفُ |
وبينهما مجلسٌ للملوكِ |
|
به من عَزازَتِهِ يُحلفُ |
علَى قاعِهِ لجَّةٌ من رخامٍ |
|
يغرَّقُ فيها ولا يتلفُ |
يلذُّون من طلِّها برشاشٍ |
|
يفيقُ بهِ الهائمُ المدنفُ |
ويُبطئُ عن بعضِهِ بعضُهُ |
|
ولكنْ معَ الرَّيثِ لا يخلِفُ |
يرفرفُ كالطَّائرِ المستديرِ |
|
عليهمْ ولكنَّه يكنفُ |
فليسَ يشكُّون من لينه |
|
بأنَّ نثائرهُ تندفُ |
وقال أيضاً في الرحى:
وسخيَّةٍ تُعطيكَ أقصى جهدها |
|
وبفعل خادِمها الخؤونِ تلومها |
قد أُهملتْ في حلبةٍ من خلقِها |
|
فإذا جرتْ رفَعَ العجاجَ هشيمها |
وكأنَّما تُعنى ليُدركَ بعضُها |
|
بعضاً فليس يخونها تدويمها |
وقال أيضاً في الناعورة:
وثقيلة الأوصالِ تحسبُ أنَّها |
|
فلكٌ يضيقُ بصبرِها حيزومها |
تجري إلى خلفٍ كأنَّ أمامها |
|
مَلَكٌ يلازم كبحها ويُسيمها |
فإذا تدلَّت خلتَ أنَّ غمامةً |
|
سوداءَ مقبلةٌ عليك غيومها |
وقال المرادي:
وحاملةٍ للماءِ محمولةٍ بهِ |
|
مقصِّرةٍ وصفَ البليغ المخبِّرِ |
تحنُّ حنينَ العودِ في نَغَماتِهِ |
|
وتزأرُ أحياناً زئيرَ المُزعفرِ |
فيبعثُ هذا كلَّ لهوٍ مُروِّحٍ |
|
ويبعثُ هذا كلَّ لهوٍ مصبِّرِ |
هي الفَلَكُ الموصوفُ في دَوَرانِهِ |
|
وإسبالِهِ صوبَ الحيا المتفجّرِ |
ولا فضلَ إلاَّ أن هذي تصوبُ في |
|
تَرَقٍّ وهذا صيِّبٌ في تحدُّرِ |
فتسقي الرِّياضَ المعجزَ الوصفَ كُنْهُها |
|
بأنجعَ من صوبِ السَّماءِ وأغزرِ |
ولعبد السلام يصف الرحى والناعورة والسدّ:
يا رُبَّ طائرةٍ في جِحرِ دائرةٍ |
|
قد قدِّرتْ فغَدَتْ في حلقِ مُقْتَدِرَهْ |
يكسو الغبارُ وجوهَ الصَّانعينَ كما |
|
يكسو وجوهَ العدا يومَ الوغَى غَبره |
وتعركُ الدَّهرَ عركاً أكرمَ الثَّمَرَهْ |
|
كعرك هيجائِهِ في المعركِ الفَجَرهْ |
كأنَّما قد غدتْ فينا معاقبةً |
|
لفعلها بأبينا آدمٍ لِتِرَهْ |
كأنَّ ناعرةَ النَّهرِ الَّتي نَعَرتْ |
|
أعارها الفَلَكُ الأعلى به نُعَرَهْ |
دارتْ فأبدتْ لنا منها استدارتُها |
|
أنينَ صبٍّ إذا ما إلفُهُ غَدَرهْ |
كأنَّما السدّ إذا ألوى بجريته |
|
عن حدِّها برزخُ البحر الَّذي قَصَرهْ |
أوْ عاشقٌ راغَ منه عند رحلتهِ |
|
معشوقُهُ فانتحاهُ مُتبعاً نَظَرهْ |
باب في المأكولات من الفواكه وغيرها
قال أحمد بن عبد ربه في عنب أبيض وأسود:
أهديتَ بيضاً وسوداً في تلوُّنها |
|
كأنَّها من بناتِ الرُّوم والحَبَشِ |
عذراءُ تُؤكلُ أحياناً وتُشربُ أحيا |
|
ناً فتعصِمُ من جوعٍ ومن عَطَشِ |
وقال ابن هذيل في العنب:
وبسلٍّ فيه من العنبِ الغضِّ |
|
شبيهُ العُنَّابِ في الاحمرارِ |
رقَّ منه أديمهُ فهو كالياقوتِ |
|
يُسْتامُ بين أيدي التِّجارِ |
وغَذَتْهُ الأيَّامُ فهو أنابيبُ |
|
طوالٌ علَى جِفانٍ قصارِ |
وقال علي بن أبي الحسين في التوث:
أبدى لنا التوثُ أصنافاً من الحَبَشِ |
|
جُعدَ الشُّعور من الأطباقِ في فُرُشِ |
كأنَّ أحمرَهَا من بينِ أسودِها |
|
بقيةُ الشَّفقِ البادي مع الغَبَشِ |
وقال أحمد بن فرج في رمَّان:
ولابسةٍ صَدَفاً أصفَرَا |
|
أَتَتْكَ وقد مُلئتْ جوهَرَا |
كأنَّكَ فاتحُ حُقٍّ لطيفٍ |
|
تضمَّنَ مرجانَهَا الأحمرا |
حُبوباً كمثلِ لثَاتِ الحبيبِ |
|
رُضاباً إذا شئتَ أوْ منظَرَا |
وقال في مثله:
ثمرٌ أتاكَ جَنَاهُ في غُلُفٍ |
|
كالجوهرِ المكنونِ في الصَّدفِ |
وقال ابن هذيل في خوخة:
في نِصفها من خَجلها حُمرةٌ |
|
وبينها طُرْقٌ لطافٌ دِقاق |
كأنَّها في بعضها عاشقٌ |
|
زاحمها للَّثمِ أوْ للعناقِ |
وقال أحمد بن عبد ربه في نعته سمكاً:
أهديتَ أزرقَ مَقروناً بزرقاءِ |
|
كالماءِ لم يغذُها شيءٌ سوى الماءِ |
ذَكاتُها الأخذُ لا تنفكُّ طاهرةً |
|
في البَرِّ والبحرِ أمواتاً كأحياءِ |
وقال محمد بن شخيص:
إنَّ حسنَ الرِّياضِ صاغَ لها ال |
|
ظلُّ بُروداً من ناضر الأقحوان |
من مجالِ الأكفِّ في سفرةٍ |
|
تحوي صنوفَ الحيتان والخرفان |
وكأنَّ الثَّريد والحِمَّصَ ال |
|
منثورَ تاجٌ مكلَّلٌ بجُمان |
وتخالُ الزَّيتونَ في قطعِ ال |
|
صِّينِ صُدوراً نُقِّطْنَ بالخيلان |
وقال ابن هذيل:
وممَّا يقطعُ الحيزومَ عندي |
|
مروري بالشِّواءِ علَى الخوانِ |
وتندَى بُردتي خَلفي إذا ما |
|
نظرتُ إلى الهرائسِ في الجفانِ |
كأنَّ الزَّيتَ والعسَلَ المصفَّى |
|
عبيرٌ خالصٌ في دُهنِ بانِ |
وباذنجانَ مثلِ كراتِ ضربٍ |
|
تضمَّنها لبابُ الجُلْجُلانِ |
وقد وقفَ الصّيامُ علَى فراغٍ |
|
ونفسي سوفَ تفرُغُ بالأماني |
وقال أحمد بن فرج في بعثه فاكهة:
بعثتُ بها أشباهَ أخلاقِكَ الزُّهرِ |
|
بخطَّينِ من طيبِ المَذَاقةِ والنَّشرِ |
ملوَّنةٌ لونين تحكيهما معاً |
|
بتلكَ الأيادي البيضِ والنِّعم الخضرِ |
وقال أيضاً في بعثه كمثرى:
جُنيتْ من القُضبِ النَّواضرْ |
|
فأتتكَ كالغيدِ العواطرْ |
يلبسنَ من بُرُدِ النَّعي |
|
مِ ملابساً غضَّ المكاسرْ |
ما بينَ نخضرِّ الرَّبيعِ |
|
وبين مصفرِّ الأزاهرْ |
وكأنَّ أصغَرَها دِقا |
|
قُ كواعبٍ في عينِ ناظرْ |
أوْ مثلَ صفراءِ المدا |
|
مةِ في أُكيَّاسٍ أصاغرْ |
متنفسات في الأُنو |
|
فِ بمثلِ أنفاسِ المجامرْ |
حلوٌ ضمائرها كما |
|
يحلو الهَوَى لكَ في الضَّمائرْ |
أوْ مثلما تجلو القوا |
|
في مِن لسانٍ فيك شاكرْ |
وكأنَّما هيَ مِنكَ في |
|
حسنِ المخابر والمناظرْ |
وكأنَّها من شُكرها |
|
تُملأُ البطون إلى الحناجر |
وقال عبد الله بن مغيث المعروف بابن الصفار في بقيارة:
بَعَثْتها بِقيارةً ضَخْمة |
|
كأنَّما أرؤسها أرؤس |
ظاهرُها شوكٌ ولكنَّه |
|
للموزِ في باطنها مَحبس |
من آثر الرَّاحَ بإحضارها |
|
نُقلاً لمنْ يشربها يَسْلَس |
باب في الشراب وأوصاف الخمر
قال أحمد بن عبد ربه:
ورادعةٍ بأنفاسِ العبيرِ |
|
مقنَّعةِ المفارقِ بالقتيرِ |
جَلَتها الكاسُ فاطَّلعتْ علينا |
|
طلوعَ البكرِ في حُللِ الحريرِ |
كأنَّ كؤوسها يحملنَ منها |
|
شُموساً أُلبستْ خِلَعَ البدورِ |
كأنَّ مِزاجها لمَّا تجلَّتْ |
|
بصحنِ زُجاجها نارٌ بنورِ |
كأنَّ أديمها ذَهَبٌ عليه |
|
أكاليلٌ من الدرِّ النَّثيرِ |
وقال عبد الله بن حسين بن عاصم:
راحٌ حكاها في صبيبِ مُجاجها |
|
نجمٌ هوى فاحتلَّ في كاساتها |
رقَّتْ فلولا أنَّها في كاسها |
|
لونٌ لأعْدَمَها ذوو إثباتها |
راحٌ تراها في الكؤوسِ حليمةً |
|
والجهلُ بالألبابِ مِن عاداتها |
وقال العتبي:
وعانِكَةٍ كعينِ الدِّيكِ بِكْرٍ |
|
تقضَّتْ في الدّنانِ لها دهورُ |
تَرَى بينَ المزاجِ لها حَباباً |
|
كأنَّ نثيرَهُ الدرُّ النَّثيرُ |
تخالُ كؤوسَها والليلُ داجٍ |
|
كواكبَ بين أيدينا تدورُ |
وقال محمد بن إسماعيل النحوي:
فتبسَّمتْ منهُ إليكَ مُدامةٌ |
|
كالبرقِ لاحَ بظلمةٍ فأنارَهَا |
وكأنَّها لمَّا زهتْ بِحَبابها |
|
خَوْدٌ تريكَ عقودَهَا وسوارَهَا |
وقال محمد بن خطاب النحوي:
كأس تجلِّي الهمومَ سَوْرتُها |
|
شاربُها في النديِّ كالملكِ |
كأنَّها والأكفُّ تحملها |
|
نجومُ ليلٍ تدورُ في الفلكِ |
وقال جعفر بن عثمان:
صفراءُ تُطرقُ في الزّجاج فإنْ سَرَتْ |
|
في الجسمِ هبَّتْ هبَّ صِلٍّ لادغِ |
خفِيَتْ علَى شُرَّابها فكأنَّما |
|
يجدونَ ريّاً من إناءٍ فارغِ |
وقال ابن بطال المتلمّس:
وصهباءَ في جسمِ الهواءِ وثوبُها |
|
سنا الشَّمسِ يبغي سُدفَةَ الليلِ بالذَّحْلِ |
صببنا عليها شكلَهَا فتعانقا |
|
تعانُقَ معشوقين عادا إلى الوصلِ |
فكانَ لها بعلاً وكانت حليلةً |
|
وكانَ سرورُ الشَّاربينَ من النَّسلِ |
وقال أيضاً:
يا صاحبي خُذها هوائيَّةً |
|
فيها هوى كلِّ فتًى ماجدِ |
تأخذْ هواءً سائلاً جسمُهُ |
|
جوفَ هواءٍ ساكنٍ راكدِ |
كالآلِ في الرقَّةِ لكنَّها |
|
تُنقعُ منها غلَّةُ الواردِ |
أوْ عَندَماً تُعهدُ في كاسها |
|
قانيةً مثلَ دمِ العاندِ |
كالذَّهبِ الذَّئبِ في قالبٍ |
|
من اللُّجين المفرَغِ الجامدِ |
وقال عبد الملك بن إدريس:
أُنظرْ إلى الكاسين كاسِ المها |
|
والرَّاحِ في راحةِ ساقيها |
تنظرْ إلى نارٍ سنا نورها |
|
يحملُها والماءُ يحويها |
كأنَّها نارُ الهَوَى في الحشا |
|
يُلهبُها الدَّمعُ ويُذكيها |
صديقةُ النَّفسِ ولكنَّها |
|
تصرعُها صرعَ أعاديها |
إذا دنا الإبريقُ من كاسها |
|
لصبّها قلتَ يُناجيها |
يودِعُها الأسرارَ شُرَّابها |
|
وشأنُها الغدرُ فتُفْشيها |
وقال يوسف بن هارون:
ألا اشربها علَى النَّاقوسِ صرفاً |
|
فذاك مؤذِّنُ الدينِ القديمِ |
وصرتُ إلى الخلاءِ فأدركتني |
|
به الأكواسُ في عدد النُّجومِ |
كأنَّ الكوسَ إذْ حُثَّثْ بإثري |
|
كواكبُ إثرَ شيطانٍ رجيمِ |
وقال أحمد بن عبد ربه:
ومدامةٍ صلَّى الملوكُ لوجهها |
|
من كثرةِ التبجيلِ والتَّعظيمِ |
رَقتْ حُشاشتها ورقَّ أديمها |
|
فكأنَّها شِيبتْ من التَّسنيمِ |
وكأنَّ عينَ السلسبيلِ تفجَّرتْ |
|
لك عن رحيقِ الجنَّةِ المختومِ |
راحٌ إذا اقترنتْ عليها كؤوسُها |
|
خلتَ النُّجومَ تقارَنَتْ بنجومِ |
تجري بأكنافِ الرِّياضِ وما لها |
|
فلكٌ سوى كفِّي وكفّ نديمي |
حتَّى تخال الشَّمسَ يُكسفُ نورها |
|
والأرض ترعدُ رعدَةَ المحمومِ |
وقال أيضاً:
مورَّدةٌ إذا دارتْ ثلاثاً |
|
يفتِّحُ وردُها وردَ الخدودِ |
فإنْ مُزجتْ تخالُ الشَّمسَ فيها |
|
مطبَّقةً علَى قمرِ السُّعودِ |
وقال إسماعيل بن بدر:
تَعَاطينا علَى الرَّيحانِ راحاً |
|
وواصلنا المساءَ بها الصَّباحا |
هببنا أن زَقَا ديكٌ صدوحٌ |
|
وصفَّقَ بالجناحِ لنا جناحا |
كأنَّ منادياً نادَى علينا |
|
ألا حيُّوا علَى الكاسِ الفلاحا |
فبادرتِ الأكفُّ سنا نجومٍ |
|
أنارَ بها الظَّلامُ لنا ولاحا |
ودبَّتْ في مفاصلنا دبيباً |
|
يُقتِّلنا وما نشكو جِراحا |
كأنَّ نوافجاً فُتِقتْ علينا |
|
فنمَّ نسيمها فينا وَفَاحا |
وقال مروان بن عبد الرحمن:
ظَلْتُ أسقيها رشاً في لحظِهِ |
|
سنَةٌ تورثُ عيني أرَقَا |
خَفِيتْ للعينُ حتَّى خلتُها |
|
تتَّقي من لحظِهِ ما يُتَّقى |
أشرقتْ في ناصعٍ من كفِّهِ |
|
كشعاعِ الشَّمسِ لاقَى الفَلَقا |
فكأنَّ الكاسَ في أنملِهِ |
|
صُفرَةُ النَّرجس تعلو الوَرَقا |
وقال المهند:
إذا انجلتْ في إناءٍ خلتَهَا عَرَضاً |
|
في جوهرٍ أوْ زُلالاً حابساً وَهَجا |
رقَّتْ فكادَ هواءُ الجوِّ يخطفُها |
|
لُطفاً وضاءتْ فكادتْ تخطفُ السُّرُجا |
كأنَّما اقتبستْ نورَ العيونِ فلمْ |
|
تبصرهُ أو يضربَ الديجورَ منبلجا |
يروعُها الماءُ في الياقوتِ بارزةً |
|
فيبرزُ التبرُ منها منظراً بَهِجا |
كأنَّها خدُّ خَوْدٍ فاضَ مدمَعها |
|
من روعةٍ فكَسَا بالصُّفرةِ الضَّرجا |
وكتب ابن هذيل إلى بعض إخوانه ببعثه مصطاراً حلواً:
من بناتِ الكرومِ ليس لها خم |
|
سُ ليالٍ بكرٌ من الأبكارِ |
يتغنى نشيشُها في الرَّواقيد |
|
فتنسيكَ نغمةَ الأوتارِ |
واستهلَّتْ رفقاً يقعُ الطلُّ |
|
علَى الوردِ في دُجى الأسحارِ |
تتبدَّى من حبِّها وهي صفراً |
|
كبدوِّ الخيريِّ في الاصفرارِ |
ثمَّ سلسلتها إلى جسدٍ مَيْتٍ |
|
فأحيتهُ فاعتبرْ باعتباري |
باتَ بعدَ الخشوعِ مستنِدَ الظَّهرِ |
|
حطيئاً إلى أساس الجدارِ |
ذو عَكاكينَ رُكِّبتْ كعكا |
|
كينِ الأوانسِ الأحرارِ |
وشَدَدْنا خِناقَهُ فهو كال |
|
معصمِ ريَّانُ في شدادِ السِّوارِ |
وقال جعفر بن عثمان في الثمل من الشراب:
عجبتُ لقومٍ ضيَّعوا كلَّ لذَّةٍ |
|
ولاموا ظريفاً شاطراً في طرائقهْ |
إذا ما شَكَا بالرَّاحِ في الثُّمْلِ سرَّهمْ |
|
وكم قائلٍ قولاً بغيرِ حقائقه |
وإنَّا لنشكوها إليها كما شَكَا |
|
مَشوقٌ علَى الإعجابِ عضَّةَ شائِقِهْ |
وقال ابن هذيل:
مالتْ علَى يدِهِ كاسٌ فملتُ لها |
|
سكرى معربدةٌ في كفِّ سكران |
لها هديرٌ إذا نُصَّتْ فتحسبها |
|
تَخَاصُمَ الشَّربِ عن إفكٍ وبهتان |
وقال في الشراب الأبيض:
لعبتْ بأيَّامِ الزَّمانِ وطاولتْ |
|
مُدَدَ اللَّيالي فهي جِرْمٌ صافِ |
فإذا استقرَّتْ في الكؤوسِ حسبتَهَا |
|
منها لرقَّةِ جرمها المتكافي |
عصرتْ كأنَّ منَ اللآلئ ذُوِّبتْ |
|
فشرابها من كلِّ ضُرٍّ شافِ |
قد أوهمتْ حكَمَ الحدودِ فظنَّها |
|
ماءً وقد حكمتْ بحُكمٍ خافِ |
وقال علي بن أبي الحسين:
وسقيمةِ الألحاظِ مرهفةِ الحَشَا |
|
نبَّهتُها ورواقُ ليلي مُنزلُ |
فكأنَّها والكاسُ تلثُمُ ثغرَهَا |
|
قمرٌ يقبِّلُهُ السِّماكُ الأعزَلُ |
وقال محمد بن إبراهيم:
ومُدامةٍ حمراءَ نصرانيَّةٍ |
|
زهراءَ جاءَ بها نديمٌ أزهَرُ |
صبُّوا عليها الماءَ حتَّى خلتها |
|
لمَّا أتتْهمْ مُسلماً يتطهَّرُ |
حمراءَ تَرجعُ ضدَّها بمزاجها |
|
فكأنَّ فيها عاشقاً يتستَّرُ |
وقال ابن الخطيب:
لياليَ تبدو الرَّاحُ في أُفقِ راحنا |
|
نجوماً كسوناها غلائلَها الزُّرقا |
إذا شجَّها السَّاقي رأيتَ بكفِّهِ |
|
ضرامَ شهابٍ ليس يشكو له حرْقا |
أروحُ وأغدو بين كاسٍ وقينةٍ |
|
ضجيعاً لها أو منْ مُدامتها مُلقَى |
باب في صفات الكؤوس والأقداح
قال يوسف بن هارون:
لنا حنتم فيها المدام كأنَّها |
|
بدورٌ لدى داجٍ من الليلِ أسفعِ |
بدورٌ متَى تطلُعْ كواملَ مُحِّقتْ |
|
بزُهرِ دراريٍّ علَى الرَّاحِ طُلَّعِ |
وقال إسماعيل بن بدر:
ما خرَّ إبريقُهُمْ لكاسِهمْ |
|
إلاَّ صبا جمعُهُمْ وإن حَلُموا |
كأنَّهُ ناطقٌ بحاجتِهِ |
|
سرّاً وإنْ كانَ شانَهُ البَكَمُ |
وقال عباس بن فرناس في كوز:
ومعمَّمٍ لم يبقَ في جثمانِهِ |
|
إلاَّ حُشاشَةُ مهجةٍ لن تُزهقِ |
حنيت علَى كشحَيْهِ من بُرَحائه |
|
عَضُدان فهو كموثقٍ لم يطلقِ |
حلَّتْ عمامَةُ رأسِهِ فتضوَّعتْ |
|
منه مفارقُهُ بمثلِ الزَّنبقِ |
وقال أحمد بن عبد ربه:
تَرَى الأباريقَ والأكواسَ ماثلةً |
|
وكلُّ طاسٍ من الإبريزِ ممتثلُ |
كأنَّها أنجمٌ يجري بها فلكٌ |
|
للرَّاحِ لا أَسَدٌ فيها ولا حَملُ |
وقال محمد بن عبد العزيز:
ومفدَّمٍ أرِجِ النِّقابِ كأنَّما |
|
أوفَى عليه من العبيرِ نقابُ |
فافترَّ عن شمسِ النَّهارِ وقد طوى |
|
شمسَ النَّهارِ من الظَّلامِ حجابُ |
وقال يحيى بن هذيل:
عقيقةٌ في مهاةٍ في يَدَيْ ساقي |
|
أضوا من البدرِ إشراقاً بإشراقِ |
إذا تطاطا له الإبريقُ تحسبه |
|
مصلِّياً خرَّ إعظاماً لخلاقِ |
قد نفَخَتْ فيه روحاً فهو مرتحل |
|
من النَّدامى إذا ما أمسكَ السَّاقي |
وقال علي بن أبي الحسين:
بأبي من زارني مكتتماً |
|
مُخفِيَ الحسنِ وما كانَ وَعَدْ |
فتناولتُ نجوماً منْ مهاً |
|
حشوُها الشَّمسُ من النورِ تقِدْ |
لم أزلْ أُطلعُها في راحتي |
|
وهيَ فيه غُرَّبٌ حتَّى سجدْ |
فتغنَّيتُ له مرتجلاً |
|
أنجَزَتْ عينا بخيلٍ ما وَعَدْ |
فتثنَّى وتراخى مائلاً |
|
كقضيبٍ في كثيبٍ مُلتبدْ |
ثمَّ أومَى والثُّريَّا يدُهُ |
|
وسُهيلٌ في سَنَاها يتَّقدْ |
كلّما حيا بكاسٍ قلتُ زدْ |
|
فإذا عاودني قلتُ أعدْ |
وقال أيضاً:
وكم ليلةٍ دارتْ عليَّ كؤوسُها |
|
بكفِّ غزالٍ ما يُذمُّ علَى العهدِ |
سقاني بعينيهِ وثنَّى بكفِّه |
|
فسكرٌ علَى سكرٍ ووجدٌ علَى وجدِ |
جعلتُ مكان النُّقْلِ تقبيلَ خدِّهِ |
|
ورشفَ ثناياهنَّ أحلى من الشَّهدِ |
وإبريقُنا ما يبرحُ الدَّهرَ راكعاً |
|
كأنْ قد جنى ذنباً فمالَ إلى الزُّهدِ |
وبتُّ ضجيعَ البدرِ والبدرُ غائبٌ |
|
كأنِّي من اللّذاتِ قد بتُّ في الخلدِ |
يذكِّرني حفظَ العهودِ وكفَّهِ |
|
وِسادي وقد أبدَى من الوجدِ ما أُبدي |
وقال صاعد بن الحسن يصف كأس بلور فيه شراب أصفر:
جلوتَ لنا قشراً من الصُّبح مترعاً |
|
من الشَّمسِ يعشَى دونها المتوسِّمُ |
فأعيُننا سكرَى لفرطِ شعاعِهِ |
|
وشاربها من شدَّةِ السُّكرِ مفحَمُ |
باب في السقاة والندامى
وقال عبد الله بن الشمر:
يا حبَّذا ليلةٌ نعمتُ بها |
|
بين رياضٍ وبين بستانِ |
في قبَّةٍ أحدَقَ السُّرورُ بنا |
|
فيها وغابتْ نحوسُ كيوانِ |
بكفِّ ساقٍ رَخْصٍ أناملُهُ |
|
مثل الغزالِ المروَّعِ الرَّاني |
فلي من الكاسِ واستدارتها |
|
سكرٌ ومن مقلتيهِ سكرانِ |
حسبتُ بَهرامَ فوقَ راحتهِ |
|
لمَّا أتاني بهِ فحيَّاني |
وقال أحمد بن عبد ربه:
يسعَى بها شادنٌ أناملُهُ |
|
ضَربان منها العنَّابُ والعَنَمُ |
تنسى بهِ العينُ طرفَهَا عَجَباً |
|
ويدركُ الوهمَ عِنْده الوَهِمُ |
كأنَّما لاحظتْ به صنماً |
|
يعبدُهُ من بهائِهِ الصَّنمُ |
وقال أيضاً:
بل رُبَّ مذهبةِ المزاجِ ومُذهبٍ |
|
راحا براحةِ ريمهِ وغزالِهِ |
وكأنَّ كفَّ مُديرها ومديرِهِ |
|
فلكٌ يدورُ بشمسِهِ وهلالِهِ |
وقال أيضاً:
ورديةٌ يحملُها شادنٌ |
|
من مشربِ الحُمرةِ ورديِّ |
كأنَّه والكاسُ في كفِّهِ |
|
بدرُ دجًى يسعَى بدرّيِّ |
وقال أيضاً:
أهدتْ إليكَ حُميَّاها بكاسينِ |
|
شمسٌ تَدَبَّرتها بالكفِّ والعينِ |
يسعَى بتلكَ وهذي شادنٌ غنجٌ |
|
كأنَّه قمرٌ يسعَى بنجمينِ |
كأنَّهُ حين يمشي في تأوُّدِهِ |
|
قضيبُ بانٍ تثنَّى بين ريحينِ |
وقال محمد بن إبراهيم بن أبي الحسين:
كم ليلةٍ عليَّ كواكبٌ |
|
للخمر تطلُعُ ثمَّ تغرُبُ في فمي |
قبَّلتُها من كفِّ مَنْ يسعَى بها |
|
وخلطتُ قُبلتها بقبلةِ مِعصمِ |
وكأنَّ حسنَ بنانِهِ مع كاسه |
|
غيمٌ تَنَشَّبَ فيه بعضُ الأنجمِ |
وقال مروان بن عبد الرحمن:
ربّ كاسٍ قد كستْ شمسَ الدُّجَى |
|
ثوبَ نُورٍ من سناها يَقَقا |
ظلتُ أسقيها رشاً في لحظهِ |
|
سنَةٌ تورثُ عيني أَرَقا |
خفِيتْ للعينِ حتَّى خلتُها |
|
تتَّقي من لحظهِ ما يُتَّقى |
أشرقتْ في ناصعٍ من كفِّهِ |
|
كشعاعِ الشَّمسِ لاقَى الفَلَقا |
فكأنَّ الكاسَ في أنملِهِ |
|
صُفرةُ النَّرجسِ تعلو الوَرَقا |
أصبحتْ شمساً وَفُوهُ مغرباً |
|
ويدُ السَّاقي المُحيِّي مَشرِقا |
فإذا ما غَرَبتْ في كفِّهِ |
|
تركتْ في الخدِّ منه شفقا |
وقال محمد بن هشام القرشي:
ربَّ كأسٍ بتُّ أشربُها |
|
وضياءُ الصُّبحِ ما وَضَحا |
قد سقانيها علَى قَدَمٍ |
|
رشأٌ لاحَ كشمسِ ضحَى |
دَمِيتْ منها أناملُهُ |
|
فحسبناه بها نُضِحا |
خلتُهُ لمَّا تناولها |
|
أنَّه في كفِّهِ جُرِحا |
باب في القيان والمغنين
قال أحمد بن عبد ربه:
رجعُ صوتٍ كأنَّه نظمُ درٍّ |
|
ما يَرَى سلكَهُ سوى الآذانِ |
تنفثُ السّحرَ بالبيانِ من القو |
|
ل ولا سحرَ مثلُ سحرِ البيانِ |
وقال يوسف بن هارون:
تلثمُ الأوتارَ منها بناناً |
|
يعدلُ الأفواهَ إلاَّ الرّضابا |
تسبقُ الأبصارَ من وحيِ صوتٍ |
|
تحسبُ التَّرجيعَ منهُ انتهابا |
مثلما طار الجفونُ اختلاجاً |
|
أوْ كما شقَّتْ بروقٌ سحابا |
وقال علي بن أبي الحسين:
واهاً لذاكَ الغناءِ منكِ لَقَد |
|
أباحَ للقلبِ منك ما خافا |
تاه بألحانِهِ علَى البصرِ ال |
|
سمعُ وهزَّ السُّرورُ أعطافا |
كأنَّه والقلوبُ تألفُهُ |
|
أُلِّفَ منها فسرَّ أضعافا |
وقال أيضاً:
أَحببْ ببدعةَ إذْ أحيتْ بدائعها |
|
ما ماتَ من لهوِ أيَّامي وأوْطاري |
كأنَّ عودكِ صبٌّ يشتكي |
|
ألَمَ البلوى وألفاظُهُ ترجيعُ أوتارِ |
مضرابُهُ باحثٌ عن شجونا أبداً |
|
بحثَ العواذلِ عن مكتومِ أسرارِ |
كأنَّهُ قلمٌ في كفِّ ذي أربٍ |
|
يواصلُ الضَّبطَ في تقييدِ أشعارِ |
وقال يوسف بن هارون:
علَى الوردِ منِّي إذْ تولَّى تحيَّةٌ |
|
وإن ما مضَى إقباله ورحيلُهُ |
لقد كنتُ أُسقَى فوقه الرَّاحَ فوقنا |
|
من اللَّهو ظلٌّ لا يزولُ ظليلُهُ |
وأوتارُ مخضوبِ البنانِ كأنَّها |
|
حَمامٌ وصبري حين ضلَّ هديلُهُ |
وقال أبو عثمان السرقسطي الملقب بالحمار:
لا عيشَ إلاَّ في المدامِ وقينةٍ |
|
تشدُو علَى وَتَرٍ فصيحٍ ألثغِ |
تُعنَى بتقديرِ الزَّمانِ ومسحِهِ |
|
فيجيء بين مُملأٍ ومُفرَّغِ |
وكأنَّما نغماتُها في لفظِها |
|
ذَهَبٌ أُسيلَ علَى لجينٍ مُفرَغِ |
وإذا نظرتَ إلى محاسنِ وجهِها |
|
ناديتَ يا قمرَ السَّما لا تبزُغِ |
قال ابن هذيل في العود:
ومؤلَّفِ الأوصالِ يختلفُ الصَّدى |
|
فيه فتحسبُ صوته تغريدا |
رقَّتْ معانيه برقَّةِ أربعٍ |
|
صارتْ عليهِ قلائداً وعُقُودا |
فكأنَّ بُلبلَ صائفٍ في صدرهٍ |
|
يصِلُ الأغاني مُبدياً ومُعيدا |
وقال عبد الملك بن جهور:
حَسَونا غُبارَ الغزوِ حتَّى أملَّنا |
|
ولا غاسلٌ إلاَّ المصفَّى المبرَّدِ |
وأضجرنا صوتُ النَّواقيسِ بُرهةً |
|
وناسِخُها في السَّمعِ وتْرٌ مُشدَّد |
إذا الكفُّ جالتْ فوقَهُ خلتَ طائراً |
|
يبدِّلُ ألحاناً به ويغرِّد |
وقال أحمد بن عبد ربه:
والعودُ يخفقُ مَثناه ومثلَثُهُ |
|
والصُّبحُ قد غرَّدتْ منه عصافرُهُ |
وللحجارةِ أهزاجٌ إذا نطَقَتْ |
|
أجابَهَا الكَيْثَرُ المُخفيه ناقرُهُ |
كأنَّما العودُ فيما بينها ملكٌ |
|
يمشي الهُوَينا وتتلوهُ عساكرُهُ |
كأنَّهُ إذا تمطَّى وهْيَ تسمعُهُ |
|
كسرى بن هُرمزَ تقفوهُ أساورُهُ |
وقال ابن هذيل في المزهر:
قامَ علَى اليُسرى خطيباً بها |
|
ينطقُ عن جُملةِ ألحانِ |
كأنَّما يفرقُ من فزعةٍ |
|
في أوَّلٍ من نقرِهِ الواني |
كأنَّه في فعلِهِ عاشقٌ |
|
روَّعهُ العشقُ بهجرانِ |
كأنَّما الأنقارُ في نحرِهِ |
|
ميازبٌ في طست عِقيانِ |
وقال في الرباب:
يخالفُ العودَ في تصرُّفِهِ |
|
وهو علَى خلقِهِ وإن صغُرا |
وإنَّما يحتَذي علَى نَغَمٍ |
|
من حكم الفُرْسِ كلّما حضرا |
كأنَّه في يَدَيْ محرِّكِهِ |
|
ينشُرُ قلبي به وما شعرا |
كأنَّ داودَ حين يوقظُهُ |
|
يقرأُ فيه الزَّبورَ والسُّوَرا |
وقال في الطنبور:
له لسانانِ من قرنٍ إلى قَدَمٍ |
|
لا ينطقانِ بغير السِّحرِ والحكمِ |
كأنَّ أوَّله مِن حيَّةٍ سكنتْ |
|
إلى ليانةِ كفٍّ غضَّةِ العنمِ |
وقال في المزهر:
صُنعتْ كأجنحةِ الحمائمِ خفَّةً |
|
كادتْ تطيرُ مع الرِّياحِ الخُفقِ |
وهَفَتْ علَى أيدي القيانِ كأنَّها |
|
رَخَمٌ تُرفرفُ في السَّماءِ وتلتقي |
وتكلَّمتْ تحتَ القضيبِ كأنَّما |
|
نَغماتها من حنَّةِ المتشوِّقِ |
يتكسَّرُ الماشي بها فترى له |
|
خُيلاءَ جبَّارٍ وخفَّةَ أوْلَقِ |
ويؤخِّرُ الأقدامَ بعد تقدُّمٍ |
|
رقْصَ الحبابِ علَى الغديرِ المتأَقِ |
وقال في عود:
علَى جيدِ الغزالةِ خَلْقُ جيدي |
|
وأطرافُ الكواعِبِ من عقودي |
يزيدُ الحنْوَ في نَفَسي ونفسي |
|
يقالُ لها بحقِّ اللهِ زيدي |
إذا هبَّتْ أهازيجي صَبَتْ لي |
|
قلوبٌ لسنَ من قلبِ العميدِ |
وللأوتارِ في صدري حنينٌ |
|
يهيجُ الشَّوقَ في نَفْسِ العميدِ |
واستهدى إسماعيل بن بدر عوداً من عبد الحميد بن بسيل فبعث إليه بعودٍ بالٍ، فكتب إليه إسماعيل:
جُدتَ لي منكَ حينَ جُدتَ بعودٍ |
|
كانَ فيما مضَى لآلِ الوليدِ |
رقَّعتْهُ الأكفُّ جيلاً فجيلاً |
|
فهو عندي فُسَيفِسا من عودِ |
نَسَجتْ فوقَه العناكبُ لمَّا |
|
حسبتْهُ رسماً عفا من بُرُودِ |
كدريسِ السُّطورِ أوْ كبقايا الحبرِ |
|
في الخطِّ أوْ رثيثِ البُرُودِ |
وقال في طنبور:
في آخري كفَلُ الرّشا ولأوَّلي |
|
عُنق الغزالةِ إنَّني معشوقُ |
فإذا نطقتُ فلا سبيلَ إلى التُّقى |
|
إنَّ التقيَّ إذا نطقتُ يتوقُ |
وتظنُّ أنَّ جوانحي مملُوَّةٌ |
|
طيراً تجيبُ الوترَ وهي تشوقُ |
وكأنَّما هاروتُ يأخُذُ من فمي |
|
أسحارَهُ وبيَ المجونُ يليقُ |
خُذها وشيِّعْ في سكرَةٍ |
|
فمشيِّعُ الطُّنبورِ ليس يُفيقُ |
لا والَّذي خلَقَ الخليقَةَ رحمةً |
|
ما في استماعِ المُحسنينَ فُسُوقُ |
باب في الشعر
قال عباس بن ناصح:
مُتقاربٌ متباعدٌ أبياتُهُ |
|
رُجُحٌ مثقَّفةُ البناءِ رزانُ |
وسماعُهُنَّ كطعمِ ماءٍ باردٍ |
|
عذبٍ أُغيثَ ببَرْدهٍ ظمآنُ |
بُنيتْ مباديها علَى أعجازِها |
|
فتنظَّمتْ يسمو بها البُنيانُ |
كقِداحِ مصطنعٍ أعَدَّ قِذاذَهَا |
|
لنِصالها قدْراً وهنَّ مِتانُ |
متلظياتٌ ما يُبلُّ رَمِيُّها |
|
ذُلُقٌ كأنَّ ظُباتِها الشُّهبانُ |
وقال المهند:
ودونَكَ أبكارَ المعاني فإنَّني |
|
تركتُ لأهلِ الشِّعر كلَّ عوانِ |
مُهُور المعاني في اختراعِ بَديعها |
|
فآخِذُها من دونِ ذلك زانِ |
تُزيلُ أبيَّ الهمِّ عن مستقرِّهِ |
|
كأنَّ المعاني للسُّرورِ مَغَانِ |
وقال محمد بن سعيد الصيقل:
كالماءِ بل هي كالهواءِ لطافةً |
|
لكنَّها كالطَّودِ في استمكانها |
وَكَرَونقِ الدرِّ المَصونِ تلألأتْ |
|
منه القلائدُ في نحورِ قيانها |
زُفَّتْ إليكَ علَى اتِّساقِ تشوُّق |
|
كالبكرِ نازعةً إلى غيرانها |
وقال جعفر بن عثمان:
درٌّ نفيسٌ من الإطراءِ صيَّرَهُ |
|
قلائداً فيك منظوماتٍ كالدُّررِ |
إذا جَوَى السَّفرِ المُضني أضرَّ بنا |
|
تُنُوشدتْ فَشَفَتْنا مِن جَوَى السَّفرِ |
وإنْ تطاوَلَ بي ليلي أَنِستُ بها |
|
فيه كما أنِسَ السَّارونَ بالقمرِ |
وقال علي بن أبي الحسين:
وافى غمامٌ من قريضِكَ صيِّبٌ |
|
بخلتْ بمثلِ غمامِهِ الأنواءُ |
فكأنَّهُ روضٌ وعلمُكَ نَوْرهُ |
|
وكأنَّه قطرٌ وأنتَ سماءُ |
أرتعتُ فكري منه في موشيَّةٍ |
|
ما أبدعتْ شكلاً لها صنعاءُ |
وقال محمد بن أبي الحسين:
وقريضٍ كوشيِ صنعاءَ في ال |
|
رَّقم ووشي الرِّياض في التَّنويرِ |
يتلالا عنه بياضُ المعاني |
|
حين تقراه في سوادِ السُّطورِ |
وقال محمد بن عبد العزيز:
إذا بلغتْ في الأرضِ أُفقاً تجاوزتْ |
|
إلى أُفقٍ عنه وليستْ تُزايلهْ |
يفتِّحُ نوْرَ الذّهنِ وابُلُ حسنِها |
|
كما فتَّحَ النَّوْرُ المكمَّمَ وابلهْ |
وقال جعفر بن عثمان يذكر شعراً أورده لإسماعيل بن بدر:
إذا انحدرتْ من بينِ فكَّيكَ خلتَهَا |
|
أساوِدَ رملٍ يحذَرُ الناسُ سمَّها |
وقد ورَدَتْني عنكَ غرٌّ شواردٌ |
|
تعالَينَ أن يمنحنَ غيرَكَ ضمَّها |
فخلتُ الثُّريَّا طالَعَتي وغادرتْ |
|
مطالعُها سودَ الذَّرا مُدْلهِمَّها |
مراسيلُ ألفاظٍ كما انسكبَ الحَيَا |
|
تطبِّقُ بُطنانَ البلادِ فأُكمها |
وقال أحمد بن عبد ربه:
منظومةٌ هُذِّبَ ألفاظُها |
|
ليستْ من الشِّعرِ الحجازيِّ |
لكنَّها في الصَّوغِ نجديَّةٌ |
|
صاحبها ليسَ بنجديِّ |
كوفيَّةُ الإبداعِ بصريَّةٌ |
|
لغيرِ كوفيٍّ وبصريِّ |
كأنَّها شاذورةٌ عُلِّقتْ |
|
بوجهِ دينارٍ هرقليِّ |
وقال سعيد بن العاصي
قد نُمِّقتْ كالرَّوضِ إلاَّ أنّها |
|
طابتْ كطيبِ المسكِ للمستنشِقِ |
فإذا تأمَّلَ حسنَهَا مُتأمِّلٌ |
|
فطنٌ تأمَّلَ روضةً في مُهرقِ |
لكنَّها تشكو إليك خُمولها |
|
شكوى الرِّياضِ إلى السَّحاب المغدقِ |
وقال سليمان بن بطال:
ومعانٍ كأنَّهنَّ عيونُ الخو |
|
دِ لم يلقَهَا سوى مفتونِ |
تَنثني نحوَهَا القلوبُ كما يُثنى |
|
لنفحِ الرِّياض لُدنُ الغصونِ |
وقال الحسن بن حسان:
من شاعرٍ يُزجي معانيَ فطنةٍ |
|
يَنبوعُها من ذهنِهِ لا كتبِهِ |
لو صافَحَت فلكَ السَّماءِ لخالها |
|
فلكُ السَّماءِ كواكباً من شُهبِهِ |
وقال عبيد الله بن إدريس:
ودونَكَها مقيَّدةً شروداً |
|
فأعجِبْ بالمقيَّدةِ الشَّرودِ |
إذا ما أُبرزتْ للسَّمعِ تحكي |
|
عروساً أُبرزتْ في يومِ عيدِ |
معان سُمِّيتْ بالخَوْدِ حسناً |
|
وألفاظٌ تُشبَّهُ بالبُرُودِ |
وقال العتبي:
وهجاءٍ كمثلِ صمصامِهِ الباترِ |
|
أوْ مثل كوكب المِرِّيدِ |
في معانٍ كأنَّهنَّ عذارى |
|
يتَمَشَّينَ في موَشَّى البُرُودِ |
وقال أيضاً:
لأُجهِّزنَّ إليك عنِّي شُرّداً |
|
تبقَى غوابرُها علَى الأيَّامِ |
شِعرٌ يفتِّتُ مسمَعَيْك كأنَّما |
|
وافاهما منه وقوعُ سِلامِ |
وقال درود:
تحلَّتْ بامتداحِكَ إذْ تحلَّتْ |
|
فما تركتْ لغانيةٍ حلِيَّا |
معانٍ كالأهلَّةِ لا تَشَكَّى |
|
دجًى منها ولا تَخشى خفِيَّا |
خوالصُ كالدنانيرِ استجيدتْ |
|
فكنتُ لها بمدحكَ صيرفِيَّا |
وقال طاهر بن حزم:
مخبَّأةٌ كانَ الضَّميرُ مهادَهَا |
|
إلى أنْ دَعَاها فضلُكَ المتكامِلُ |
فجاءتْ كما افترَّت عن الصُّبحِ سدْفةٌ |
|
إليك وفيها عن سواكَ تثاقُلُ
|
تم الجزء الأول من التشبيهات لأهل الأندلس بحمد الله وعونه ولطفه. يتلوه في الجزء الثاني: باب في الحسن.