الفصل الأول: عمود التواريخ القديمة وذكر الأنبياء على الترتيب

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

الفصل الأول عمود التواريخ القديمة وذكر الأنبياء على الترتيب

ذكر آدم وبنيه إلى نوح

من الكامل لابن الأثير قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك ومنهم السهل والحزن وبين ذلك وإنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض وخلق الله تعالى جسد آدم وتركه أربعين ليلة وقيل‏:‏ أربعين سنة ملقى بغير روح وقال الله تعالى للملائكة‏:‏ ‏(‏فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين‏)‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 29‏)‏ فلما نفخ الروح فسجد له الملائكة كلهم أجمعون‏(‏ إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 4‏3)‏ ولم يسجد كبراً وبغياً وحسداً فأوقع الله تعالى على إبليس اللعنة والاياس من رحمته وجعله شيطاناً رجيماً وأخرجه من الجنة بعد أن كان ملكاً على سماء الدنيا والأرض وخازناً من خزان الجنة وأسكن الله تعالى آدم الجنة ثم خلق الله تعالى من ضلع آدم حواء زوجته وسميت حواء لأنها خلقت من شيء حي‏.‏

فقال الله تعالى له‏:‏ ‏)‏يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين( ‏(‏البقرة‏:‏ 35‏)‏ ثم إن إبليس وبعد قتل هابيل ولد لآدم شيث وكانت ولادة شيث لمضي مائتين وثلاثين سنة من عمر آدم وهو وصي آدم وتفسير شيث‏:‏ هبة الله وإلى شيث تنتهي أنساب بني آدم كلهم‏.‏

ولما صار لشيث من العمر مائتان وخمس سنين ولد له أنوش وكانت ولادة أنوش لمضي أربعمائة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم وتقول الصابية‏:‏ إنه ولد لشيث ابن آخر اسمه صابي بن شيث وإليه تنسب الصابية ولما صار لأنوش من العمر مائة وتسعون سنة ولد له قينان وذلك لمضي ستمائة وخمس وعشرين سنة من عمر آدم ولما صار لقينان مائة وسبعون سنة ولد له مهلائيل وذلك لمضي سبع مائة وخمس وتسعين سنة من عمر آدم ولما مضى من عمر مهلائيل مائة وخمسون وثلاثون سنة توفي آدم وذلك لمضي تسع مائة وثلاثين سنة من عمر آدم وهو جملة عمر آدم‏.‏

قال ابن سعيد ونقله عن ابن الجوزي‏:‏ إن آدم عند موته كان قد بلغ غدة ولده وولد ولده أربعين ألفاً‏.‏

ولما صار لمهلائيل من العمر مائة وخمسون وستون سنة ولد له يرد - بالدال المهملة والذال المعجمة أيضاً - ولما صار ليرد مائة واثنتان وستون سنة ولد له حنوخ بحاء مهملة ونون وواو وخاء معجمة‏.‏

ولمضي عشرين سنة من عمر حنوخ توفي شيث وعمره تسع مائة واثنتا عشرة سنة وكانت وفاة شيث لمضي سنة ألف ومائة واثنتين وأربعين لهبوط آدم‏.‏

واسم شيث عند الصابية عاديمون‏.‏

ولما صار لحنوخ مائة وخمس وستون سنة من العمر ولد له متوشلح - بتاء مثناة من فوقها وقيل بثاء مثلثة وآخره حاء مهملة - ولما مضى من عمر متوشلح ثلاث وخمسون سنة توفي أنوش بن شيث وكان عمر أنوش لما توفي تسعمائة وخمسين سنة‏.‏

ولما صار لمتوشلح من العمر مائة وسبع وستون سنة ولد له لامخ ويقال له لامك ولمك أيضاً‏.‏

ولما مضى إحدى وستون سنة من عمر لامخ توفي قينان بن أنوش وعمره تسع مائة وعشر سنين‏.‏

ولما صار للامخ من العمر مائة وثمان وثمانون سنة ولد له نوح وكانت ولادة نوح بعد أن مضى ألف وستمائة واثنتان وأربعون سنة من هبوط آدم‏.‏

ولما مضى من عمر نوح أربع وثلاثون سنة توفي مهلائيل بن قينان وكان عمر مهلائيل لما توفي ثمانمائة وخمساً وتسعين سنة‏.‏

ولما مضى من عمر نوح مائتان وست وستون سنة توفي يرد بن مهلائيل وكان عمر يرد لما توفي تسعمائة واثنتين وستين سنة‏.‏

وأما حنوخ وهو إدريس فإنه رفع لما صار له من العمر ثلاثمائة وخمس وستون سنة رفعه الله إلى السماء فكان ذلك لمضي ثلاث عشرة سنة من عمر لامخ قبل ولادة نوح بمائة وخمس وسبعين سنة ونبأ الله إدريس المذكور وانكشفت له الأسرار السماوية وله صحف منها‏:‏ لا تروموا أن تحيطوا بالله خيرة فإنه أعظم وأعلى أن تدركه فطن المخلوقين إلا من آثاره‏.‏

وأما متوشلح بن حنوخ فإنه توفي لمضي ستمائة سنة من عمر نوح وذلك عند ابتداء مجيء الطوفان‏.‏

وكان عمر متوشلح لما توفي تسعمائة وتسعاً وستين سنة ولما صار لنوح خمسمائة سنة من العمر ولد له‏:‏ سام وحام ويافث‏.‏

ولما مضى من عمر نوح ستمائة سنة كان الطوفان وذلك لمضي ألفين ومائتين واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم‏.‏

ذكر نوح وولده

من الكامل لابن الأثير أن الله تعالى أرسل نوحاً إلى قومه وقد اختلف في ديانتهم وأصح ذلك ما نطق به الكتاب العزيز بأنهم كانوا أهل أوثان‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏)وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً وقد أضلوا كثيراً‏(‏ ‏(‏نوح‏:‏ 23 - 24‏)‏ وصار نوح يدعوهم إلى طاعة الله تعالى وهم لا يلتفتون‏.‏

وكان قوم نوح يخنقون نوحاً حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال‏:‏ اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏.‏

وبقي لا يأتي قرن منهم إلا كان أخبث من الذي قبله وكانوا يضربونه حتى يظنوا أنه قد مات فإذا أفاق نوح اغتسل وأقبل إليهم يدعوهم إلى الله تعالى‏.‏

فلما طال ذلك عليه شكاهم إلى الله تعالى فأوحى الله إليه ‏)‏إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن‏(‏ ‏(‏هود‏:‏ 36‏)‏ فلما يئس نوح منهم دعا عليهم فقال‏:‏ ‏)رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً‏(‏ ‏(‏نوح‏:‏ 26‏)‏ فأوحى الله إلى نوح أن يصنع السفينة فصار قومه يسخرون منه ويقولون‏:‏ يا نوح قد صرت نجاراً بعد النبوة‏.‏

وصنع السفينة من خشب الساج فلما فار التنور - وكان هو الآية بين نوح وبين ربه - حمل نوح من أمره الله بحمله وكان منهم أولاد نوح الثلاثة وهم‏:‏ سام وحام ويافث ونساؤهم وقيل‏:‏ حمل أيضاً ستة أناسي وقيل ثمانين رجلاً أحدهم جرهم كلهم من بني شيث‏.‏

ثم أدخل ما أمره الله تعالى من الدواب وتخلف عن نوح ابنه يام - وكان كافراً - وارتفع الماء وطمى وجعلت الفلك تجري بهم في موج كالجبال وعلا الماء على رؤوس الجبال خمسة عشر ذراعاً فهلك ما على وجه الأرض من حيوان ونبات وكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن غاض ستة أشهر وعشر ليال وقيل إن ركوب نوح في السفينة كان لعشر ليال مضت من رجب وكان ذلك أيضاً لعشر ليال خلت من آب وخرج من السفينة يوم عاشوراء من المحرم وكان استقرار السفينة على الجودي من أرض الموصل‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وأما المجوس فلا يعرفون الطوفان وكان بعضهم يقر بالطوفان ويزعم أنه كان في إقليم بابل وما قرب منه وأن مساكن ولدخيومرث كانت بالمشرق فلم يصل ذلك إليهم وكذلك جميع الأمم المشرقية من الهند والفرس والصين لا يعترفون بالطوفان وبعض الفرس يعترف به ويقول‏:‏ لم يكن عاماً ولم يتعد عقبة حلوان‏.‏

والصحيح أن جميع أهل الأرض هم من ولد نوح لقوله تعالى‏:‏ ‏)‏وجعلنا ذريته هم الباقين‏(‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 77‏)‏ فجميع الناس من ولد سام وحام ويافث أولاد نوح فسام أبو العرب وفارس والروم‏.‏

وحام أبو السودان ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج والفرنج والقبط من ولد نوح ابن حام وولد لحام أيضاً مازيغ وولد لمازيغ كنعان وبنو كنعان كانوا أصحاب الشام حتى غزتهم وقد نقل ابن الأثير أن بني كنعان هم من ولد سام والله أعلم وولد لسام عدة أولاد منهم‏:‏ لاوذ بن سام وولد للاوذ فارس وجرجان وطسم وعمليق الذي هو أبو العماليق ومنهم كانت الجبابرة بالشام والفراعنة بمصر وسكنت بنو طسم اليمامة إلى البحرين‏.‏

ومن ولد سام أيضاً أرم بن سام وولد لأرم عدة أولاد فمنهم غاز بن أرم‏.‏

فمن ولد غاز ثمود وجديس‏.‏

وولد أيضاً لأرم عوض ومن عوض عاد وكان كلام ولد أرم العربية‏.‏

وسكنت بنو عاد الرمل إلى حضرموت وسكنت ثمود الحجر بين الحجاز والشام ولنرجع إلى ذكر من هو على عمود النسب من نوح إلى إبراهيم فنقول‏:‏ وولد لنوح سام وحام ويافث لمضي خمسمائة سنة من عمر نوح وكان الطوفان لستمائة سنة من عمر نوح‏.‏

وولد لسام أرفخشذ بعد أن مضى مائة وسنتان من عمر سام وذلك بعد الطوفان بسنتين‏.‏

ولما صار لأرفخشذ من العمر مائة وخمس وثلاثون سنة‏.‏

ولد له قينان فولادة قينان تكون لمضي مائة وسبع وثلاثين سنة للطوفان‏.‏

ولما صار لقينان مائة وتسع وثلاثون سنة ولد له شالح فتكون ولادة شالح لمضي مائتين وست وسبعين سنة من الطوفان‏.‏

ولما مضت سنة ثلاثمائة وخمسين للطوفان توفي نوح عليه السلام وعمره تسعمائة وخمسون سنة فتكون وفاة نوح لمضي أربع وسبعين سنة من عمر شالح‏.‏

ثم ولد لشالح عابر لما صار لشالح من العمر مائة وثلاثون سنة وذلك لمضي أربع مائة وست سنين للطوفان‏.‏

ثم ولد لعابر فالغ لما صار لعابر مائة وأربع وثلاثون سنة وذلك لمضي خمسمائة وأربعين سنة للطوفان‏.‏

ثم ولد لفالغ رعو ولفالغ مائة وثلاثون سنة وعند مولد رعو تبلبلت الألسن وقسمت الأرض وتفرقت بنو نوح وذلك لمضي ستمائة وسبعين سنة للطوفان‏.‏

ولما صار لرعو مائة واثنتان وثلاثون سنة ولد له ساروع - واسمه في التوراة سرور - وذلك بعد أن مضى ثمانمائة وسنتان للطوفان‏.‏

ولما صار لساروع مائة وثلاثون سنة ولد له ناحور وذلك لمضي سنة ثلاثين وتسعمائة للطوفان ولما صار لناحور تسع وسبعون سنة ولد له تارح وذلك لمضي ألف سنة وإحدى عشرة سنة للطوفان‏.‏

ولما صار لتارح سبعون سنة ولد له إبراهيم الخليل عليه السلام وذلك لمضي ألف وإحدى وثمانين سنة للطوفان‏.‏

وأما جملة أعمار المذكورين فعاش سام ستمائة سنة فتكون وفاته بعد وفاة نوح بمائة وخمسين سنة وعاش أرفخشذ أربعمائة وخمساً وستين سنة وعاش قينان أربع مائة وثلاثين سنة وعاش شالح أربعمائة وستين سنة وعابر أربعمائة وأربعاً وستين سنة وفالغ ثلاثمائة وتسعاً وثلاثين سنة ورعو ثلاثمائة وتسعاً وثلاثين سنة وساروع ثلاثمائة وثلاثين سنة وناحور مائتين وثمان سنين وتارح مائتين وخمس سنين‏.‏

وأما سبب تبلبل الألسن فقد ذكر أبو عيسي أن بني نوح الذين نشؤوا بعد الطوفان اجتمعوا على بناء حصن يتحرزون به خوفاً من مجيء الطوفان مرة ثانية والذي وقع رأيهم عليه أن يبنوا صرحاً شامخاً تبلغ رأسه السماء فجعلوا له اثنين وسبعين برجاً وجعلوا على كل برج كبيراً منهم يستحث على العمل فانتقم الله تعالى منه وبلبل ألسنتهم إلى لغات شتى‏.‏

ولم يوافقهم عابر على ذلك واستمر على طاعة الله تعالى فبقاه الله تعالى على اللغة العبرانية ولم ينقله عنها‏.‏

ولما افترقت بنو نوح صار لولد سام العراق وفارس وما يلي ذلك إلى الهند وصار لوالد حام الجنوب مما يلي مصر على النيل وكذلك مغرباً إلى منتهى المغرب الأقصى وصار لولد يافث مما يلي بحر الخزر وكذلك مشرقاً إلى جهة الصين وكانت شعوب أولاد نوح الثلاثة عند تبلل الألسن اثنين وسبعين شعباً‏.‏

وهما نبيان أرسلا بعد نوح وقبل إبراهيم الخليل عليه السلام أما هود فقد قيل أنه عابر بن شالح المذكور‏.‏

وأرسل الله هوداً إلى عاد - وكانوا أهل أصنام ثلاثة - وكان عاد وثمود جبارين طوال القامات كما أخبر الله في التنزيل عنهم قال الله تعالى ‏(‏واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 69‏)‏ ودعا هود قوم عاد فلم يؤمن منهم إلا القليل فأهلك الله الذين لم يؤمنوا بريح سبع ليال وثمانية أيام حسوماً - والحسوم الدائم - فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك غير هود والمؤمنين معه فإنهم اعتزلوا في حظيرة وبقي هود كذلك حتى مات وقبره بحضرموت وقيل بالحجر من مكة‏.‏

ويروى أنه كان من قوم عاد شخص اسمه لقمان وهو غير لقمان الحكيم الذي كان على عهد داود النبي عليه السلام وكان قد حصل لعاد - قبل أن يهلكهم الله - الجدب فأرسلوا جماعة منهم إلى مكة يستسقون لهم وكان من جملة الجماعة المذكورين لقمان المذكور‏.‏

فلما هلكت عاد كما ذكرنا بقي لقمان بالحرم فقال له الله تعالى‏:‏ اختر ولا سبيل إلى الخلود فقال‏:‏ يا رب أعطني عمر سبعة أنسر فكان يأخذ الفرخ الذكر يخرج من بيضته حتى إذا مات أخذ غيره وكان يعيش كل نسر ثمانين سنة وكان اسم النسر السابع لبداً فلما مات لبد مات وأما صالح فأرسله الله إلى ثمود وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشج ابن عبيد بن خادر بن ثمود فدعا صالح قوم ثمود إلى التوحيد - وكان مسكن ثمود بالحجر كما تقدم ذكره - فلم يؤمن به إلا قليل مستضعفون ثم إن كفارهم عاهدوا صالحاً على أنه إن أتى بما يقترحونه عليه آمنوا به واقترحوا عليه أن يخرج من صخرة معينة ناقة فسأل صالح الله تعالى في ذلك فخرج من تلك الصخرة ناقة وولدت فصيلاً فلم يؤمنوا وآخر الحال أنهم عقروا الناقة فأهلكهم الله تعالى بعد ثلاثة أيام بصيحة من السماء فيها صوت كالصاعقة فتقطعت قلوبهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين وسار صالح إلى فلسطين ثم انتقل إلى الحجاز يعبد الله إلى أن مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة‏.

ذكر إبراهيم الخليل صلوات الله عليه

وهو إبراهيم بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن رعو بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح‏.‏

وقد أسقط ذكر قينان بن أرفخشذ من عمود النسب قيل بسبب أنه كان ساحراً فأسقطوه وولد إبراهيم بالأهواز وقيل ببابل وهي العراق وكان آزر أبو إبراهيم يصنع الأصنام ويعطيها إبراهيم ليبيعها وكان إبراهيم يقول‏:‏ من يشتري ما يضره ولا ينفعه‏.‏

ثم لما أمر الله تعالى إبراهيم أن يدعو قومه إلى التوحيد دعا أباه فلم يجبه ودعا قومه فلما فشا أمره واتصل بنمرود بن كوش وهو ملك تلك البلاد وكان نمرود عاملاً على سواد العراق وما اتصل به للضحاك وقيل بل كان النمرود ملكاً مستقلاً برأسه فأخذ نمرود إبراهيم الخليل ورماه في نار عظيمة فكانت النار عليه برداً وسلاماً وخرج إبراهيم من النار بعد أيام ثم آمن به رجال من قومه على خوف من نمرود وآمنت به زوجته سارة وهي ابنة عمه هاران ثم إن إبراهيم ومن آمن معه وأباه على كفره فارقوا قومهم وهاجروا إلى حران وأقاموا بها مدة‏.‏

ثم سار إبراهيم إلى مصر - وصاحبها فرعون قيل كان اسمه سنان بن علوان وقيل طوليس - فذكر جمال سارة لفرعون - وهو طوليس المذكور - فأحضر سارة وسأل إبراهيم عنها فقال‏:‏ هذه أختي يعني في الإسلام فهم فرعون المذكور فأيبس الله يديه ورجليه فلما تخلى عنها أطلقه الله تعالى ثم هم بها فجرى له كذلك فأطلق سارة وقال‏:‏ لا ينبغي لهذه أن تخدم نفسها ووهبها هاجر جارية لها فأخذتها وجاءت إلى إبراهيم ثم سار إبراهيم من مصر إلى الشام وأقام بين الرملة وإيلياء‏.‏

وكانت سارة لا تلد فوهبت إبراهيم هاجر ووقع إبراهيم على هاجر فولدت له إسماعيل - ومعنى إسماعيل بالعبراني مطيع الله - وكانت ولادة إسماعيل لمضي ست وثمانين سنة من عمر إبراهيم فحزنت سارة لذلك فوهبها الله إسحاق وولدته سارة ولها تسعون سنة ثم غارت سارة من هاجر وابنها إسماعيل وقالت‏:‏ ابن الأمة لا يرث مع ابني‏.‏

وطلبت من إبراهيم أن يخرجهما عنها فأخذ إبراهيم هاجر وابنها إسماعيل وسار بهما إلى الحجاز وتركهما بمكة وبقي إسماعيل بها وتزوج من جرهم امرأة‏.‏

وماتت أمه هاجر بمكة وقدم إليه أبوه إبراهيم وبنيا الكعبة وهي بيت الله الحرام ثم أمر الله إبراهيم أن يذبح ولده وقد اختلف في الذبح هل هو إسحاق‏.‏

أم إسماعيل وفداه الله بكبش‏.‏

وكان إبراهيم في آخر أيام بيوراسب المسمى بالضحاك الذي سنذكره مع ملوك الفرس إن شاء الله تعالى وفي أول ملك أفريدون وكان النمرود عاملاً له بما ذكرناه وكان لإبراهيم أخوان وهما هاران وناحور أولاد آزر‏.‏

فهاران أولد لوطاً وأما ناحور فأولد بتويل وبتويل أولد لابان ولابان أولد ليا وراحيل زوجتي يعقوب‏.‏

ومن زعم أن الذبيح إسحاق يقول‏:‏ كان موضع الذبح بالشام على ميلين من إيلياء - وهي بيت المقدس - ومن يقول إنه إسماعيل يقول إن ذلك كان بمكة وقد اختلف في الأمور التي ابتلى الله إبراهيم بها فقيل‏:‏ هي هجرته عن وطنه والختان وذابح ابنه وقيل غير ذلك‏.‏

وفي أيام إبراهيم توفيت زوجته سارة بعد وفاة هاجر وفي ذلك خلاف - وتزوج إبراهيم بعد موت سارة امرأة من الكنعانيين وولدت من إبراهيم ستة نفر فكان جملة أولاد إبراهيم ثمانية إسماعيل وإسحاق وستة من الكنعانية على خلاف في ذلك‏.‏

ذكر بني إبراهيم الذين على عمود النسب إلى موسى عليه السلام

أما مولد إبراهيم فقد تقدم في ذكر نوح أن إبراهيم ولد لمضي ألف وإحدى وثمانين سنة من الطوفان‏.‏

ولما صار لإبراهيم مائة سنة ولد له إسحاق ولما صار لإسحاق ستون سنة ولد له يعقوب ولما صار ليعقوب ست وثمانون سنة ولد له لاوي‏.‏

ولما صار للاوي ست وأربعون سنة ولد له قاهاث ولما صار لقاهاث ثلاث وستون سنة ولد له عمران ولما صار لعمران سبعون سنة ولد له موسى عليه السلام فيكون ولادة موسى لمضي أربع مائة وخمس وعشرين سنة من مولد إبراهيم وعاش موسى مائة وعشرين سنة‏.‏

فيكون ما بين ولادة إبراهيم ووفاة موسى خمسمائة وأما جملة أعمار المذكورين فإن إبراهيم عاش مائة وخمساً وسبعين سنة وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة ويعقوب مائة وسبعاً وأربعين سنة ولاوي مائة وسبعاً وثلاثين سنة وعاش قاهاث مائة وسبعاً وعشرين سنة وعمران مائة وستاً وثلاثين سنة‏.‏

ومات إبراهيم ولإسحاق خمس وسبعون سنة ومات إسحاق وليعقوب مائة وعشرون سنة ومات يعقوب وللاوي ستون سنة ومات لاوي ولقاهاث إحدى وثمانون سنة ومات قاهاث ولعمران أربع وستون سنة ومات عمران ولموسى ست وستون سنة بناء على أن جملة عمر عمران مائة وست وثلاثون سنة‏.‏

وقد اختلف في معنى الصحف التي أنزلها الله تعالى على إبراهيم وقد روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها أمثال فمنها‏:‏ أيها المسلط المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه‏.‏

وإبراهيم أول من اختتن وأضاف الضيف ولبس السروايل‏.‏

ذكر لوط عليه السلام

أما لوط فهو ابن أخي إبراهيم الخليل وهو لوط بن هاران بن آزر آزر هو تارح وباقي النسب قد مر عند ذكر إبراهيم الخليل‏.‏

وكان لوط ممن آمن بعمه إبراهيم وهاجر معه إلى مصر وعاد إلى الشام‏.‏

وأرسل الله تعالى لوطاً إلى أهل سدوم وكانوا أهل كفر وفاحشة ودام لوط يدعوهم إلى الله تعالى وينهاهم فلم يلتفتوا إليه وكانوا على ما أخبر الله عنهم في قوله تعالى )إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر( ‏(‏العنكبوت‏:‏ 28 - 29 ‏)‏‏.‏

وكان قطعهم للطريق أنه إذا مر بهم المسافر أمسكوه وفعلوا فيه اللواط وكان لوط ينهاهم ويتوعدهم على الإصرار فلا يزيدهم وعظه إلا تمادياً‏.‏

فلما طال ذلك عليه سأل الله تعالى النصرة عليهم فأرسل الله الملائكة لقلب سدوم وقراها الخمس وكان بسدوم أربعمائة ألف بشري وأما قراها فهي صبعة وعمرة وأدما وصبويم وبالع‏.‏

وكان الملائكة قد أعلموا إبراهيم الخليل بما أمرهم الله تعالى به من الخسف بقوم لوط فسأل إبراهيم جبريل فيهم وقال له‏:‏ أرأيت إن كان فيهم خمسون من المسلمين فقال جبريل‏:‏ إن كان فيهم خمسون لا نعذبهم فقال إبراهيم‏:‏ وأربعون قال‏:‏ وأربعون قال إبراهيم وثلاثون قال‏:‏ وثلاثون وكذلك حتى قال إبراهيم‏:‏ وعشرة فقال جبريل‏:‏ وعشرة فقال إبراهيم‏:‏ إن هناك لوطاً فقال جبريل والملائكة‏:‏ نحن أعلم بمن فيها‏.‏

فلما وصلت الملائكة إلى لوط هم قومه أن يلوطوا بهم فأعماهم جبريل بجناحه وقال الملائكة للوط‏:‏ ‏(‏إنا رسل ربك فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد‏)‏ ‏(‏هود 81 ‏)‏‏.‏

فلما خرج لوط بأهله قال للملائكة‏:‏ أهلكوهم الساعة فقالوا لم نؤمر إلا بالصبح أليس الصبح بقريب فلما كان الصبح قلبت الملائكة سدوم وقراها الخمس بمن فيها وسمعت امرأة لوط الهدة فقالت‏:‏ واقوماه فأدركها حجر فقتلها أمطر الله الحجارة على من لم يكن بالقرى فأهلكهم‏.‏

ذكر إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام

وولد إسماعيل لإبراهيم لما كان لإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة ولما صار لإسماعيل ثلاث عشر سنة تطهر هو وأبوه إبراهيم ولما صار لإبراهيم مائة سنة وولد له إسحاق أخرج إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة بسبب غيرة سارة منها وقولها‏:‏ أخرج إسماعيل وأمه إن ابن الأمة لا يرث مع ابني وسكن مكة مع إسماعيل من العرب قبائل جرهم وكانوا قبله بالقرب من مكة‏.‏

فلما سكنها إسماعيل اختلطوا به وتزوج إسماعيل امرأة من جرهم ورزق منها اثني عشر ولداً ولما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة وهي البيت الحرام سار من الشام وقدم على ابنه إسماعيل بمكة وقال‏:‏ يا إسماعيل إن الله تعالى أمرني أن ابني له بيتاً فقال إسماعيل‏:‏ أطع ربك فقال إبراهيم‏:‏ وقد أمرك أن تعينني عليه قال‏:‏ إذن أفعل‏.‏

فقام إسماعيل معه وجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة وكانا كلما بنيا دعوا فقالا ‏)‏ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‏(‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 127‏)‏ وكان وقوف إبراهيم على حجر وهو يبني وذلك الموضع هو مقام إبراهيم واستمر البيت على ما بناه إبراهيم إلى أن هدمته قريش سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنوه‏.‏

وكان بناء الكعبة بعد مضي مائة سنة ونحو ثلاث وتسعين سنة وأرسل الله إسماعيل إلى قبائل اليمن وإلى العماليق وزوج إسماعيل ابنته من ابن أخيه العيص بن إسحاق وعاش إسماعيل مائة وسبعاً وثلاثين سنة ومات بمكة ودفن عند قبر أمه هاجر بالحجر وكانت وفاة إسماعيل بعد وفاة أبيه إبراهيم بثمان وأربعين سنة‏.‏

 ذكر إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام

قد تقدم مولد إسحاق عند ذكر أبيه ثم إن إسحاق تزوج بنت عمه فولدت له العيص ويعقوب ويقال ليعقوب إسرائيل ونكح العيص بنت عمه إسماعيل ورزق منها جملة أولاد ونكح يعقوب ليا بنت لابان بن بتويل بن ناحور بن آزروالد إبراهيم الخليل فولدت لياروبيل وهو أكبر أولاد يعقوب ثم ولدت شمعون ولاوي ويهود ثم تزوج يعقوب عليها أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وكذلك ولد ليعقوب من سريتين كانتا له ستة أولاد فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلاً هم آباء الأسباط وأقام إسحاق بالشام حتى توفي وعمره مائة وثمانون سنة ودفن عند أبيه إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما‏.‏

وأما أسماء آباء الأسباط الاثني عشر - أولاد يعقوب - فهم‏:‏ روبيل ثم شمعون ثم لاوي ثم يهوذا ثم يساخر ثم زبولون ثم يوسف ثم بنيامين ثم دان ثم نفتالي ثم كاذ ثم أشار‏.‏

ذكر أيوب عليه السلام

وهو رجل عده المؤرخون من أمة الروم لأنه من ولد العيص وهو أيوب بن موص بن رازح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل‏.‏

وكان لأيوب زوجة اسمها رحمة وكان صاحب أموال عظيمة وكان لأيوب البثنية جميعها من أعمال دمشق ملكاً فابتلاه الله تعالى بأن أذهب أمواله حتى صار فقيراً وهو مع ذلك على عبادته وشكره ثم ابتلاه الله تعالى في جسده حتى تجذم ودود وبقي مرمياً على مزبلة لا يطيق أحد أن يشم رائحته‏.‏

وكانت زوجته رحمة تخدمه وهي صابرة على حاله فتراءى لها إبليس وأراها ما ذهب لهم وقال لها‏:‏ اسجدي لي لأرد مالكم إليكم فاستأذنت أيوب فغضب وحلف ليضربنها مائة ضربة‏.‏

ثم إن الله تعالى عافى أيوب ورزقه ورد إلى امرأته شبابها وحسنها وولدت لأيوب ستة وعشرين ذكراً ولما عوفي أيوب أمره الله تعالى أن يأخذ عرجوناً من التخل فيه مائة شمراخ فيضرب به زوجته ليبر في يمينه ففعل ذلك‏.‏

وكان أيوب نبياً في عهد يعقوب في قول بعضهم وذكر أن أيوب عاش ثلاثاً وتسعين سنة ومن ولد أيوب ابنه بشر وبعث الله تعالى بشراً بعد أيوب وسماه ذا الكفل وكان مقامه بالشام‏.‏

ذكر يوسف

وولد يعقوب يوسف لما كان ليعقوب من العمر إحدى وتسعون سنة ولما صار ليوسف من العمر ثماني عشرة سنة كان فراقه ليعقوب وبقيا مفترقين إحدى وعشرين سنة ثم اجتمع يعقوب بيوسف في مصر وليعقوب من العمر مائة وثلاثون سنة وبقيا مجتمعين سبع عشرة سنة فكان عمر يوسف لما توفي يعقوب ستاً وخمسين سنة وعاش يوسف مائة وعشر سنين فيكون مولد يوسف لمضي مائتين وإحدى وخمسين سنة من مولد إبراهيم ويكون وفاته لمضي ثلاثمائة وإحدى وستين سنة من مولد إبراهيم ويكون وفاة يوسف قبل مولد موسى بأربع وستين سنة محققاً‏.‏

وأما قصة فراقه من أبيه فإنه لما كان يوسف من الحسن ومن حب أبيه على ما اشتهر حسدته أخوته وألقوه في الجب وكان في الجب ماء وبه صخرة فأوى إليها وأقام يوسف في الجب ثلاثة أيام ومرت به السيارة فأخرجته من الجب وأخذوه معهم وجاء يهوذا - أحد أخوته - إلى الجب بطعام ليوسف فلم يجده ورآه عند تلك السيارة وأخبر يهوذا أخوته بذلك فأتوا إلى السيارة وقالوا هذا عبدنا أبق منا‏.‏

وخافهم يوسف فلم يذكر حاله فاشتروه من أخوته بثمن بخس قيل عشرون درهماً وقيل أربعون وذهبوا به إلى مصر فباعه أستاذه فاشتراه الذي على خزائن مصر واسمه العزيز‏.‏

وكان فرعون مصر حينئذ الريان بن الوليد رجلاً من العماليق والعماليق من ولد عملاق بن سام بن نوح حسبما تقدم ذكره‏.‏

ولما اشترى العزيز يوسف هوته امرأته وكان اسمها راعيل وراودته عن نفسها فأبى وهرب منها ولحقته من خلفه وأمسكته بقميصه فانقد قميصه ووصل أمرهما إلى زوجها العزيز وابن عمها تبيان فظهر لهما براءة يوسف وأن راعيل هي التي راودته ثم بعد ذلك ما زالت تشكو إلى زوجها من يوسف وتقول‏:‏ إنه يقول للناس‏:‏ إنني راودته عن نفسه وقد فضحني بين الناس فحبسه زوجها ودام في السجن سبع سنين ثم أخرجه فرعون مصر بسبب تعبير الرؤيا التي أريها ثم لما مات العزيز الذي كان اشترى يوسف جعل فرعون يوسف موضعه على خزائنه كلها وجعل القضاء إليه وحكمه نافذاً ودعا يوسف الريان فرعون مصر المذكور إلى الإيمان فآمن به وبقي كذلك إلى أن مات الريان المذكور وملك بعده مصر قابوس بن مصعب من العمالقة أيضاً ولم يؤمن وتوفي يوسف عليه السلام في ملكه بعد أن وصل إليه أبوه يعقوب وأخوته جميعهم من أرض كنعان - وهي الشام - بسبب المحل وعاش معهم مجتمعين سبع عشرة سنة ومات يعقوب وأوصى إلى يوسف أن يدفنه مع أبيه إسحاق ففعل يوسف ذلك وسار به إلى الشام ودفنه عند أبيه ثم عاد إلى مصر وكان وفاة يوسف بمصر ودفن بها فلما سار موسى من مصر ببني إسرائيل إلى التيه نبش يوسف وحمله معه في التيه حتى مات موسى فلما قدم يوشع ببني إسرائيل إلى الشام دفنه بالقرب من نابلس وقيل عند الخليل عليه السلام‏.‏

ذكر شعيب

ثم أرسل الله تعالى شعيباً - عليه السلام - إلى أصحاب الأيكة وأهل مدين وقد اختلف في نسب شعيب فقيل‏:‏ إنه من ولد إبراهيم الخليل وقيل‏:‏ من ولد بعض الذين آمنوا بإبراهيم وكانت الأيكة من شجر ملتف فلم يؤمنوا فأهلك الله أصحاب الأيكة بسحابة أمطر عليهم ناراً الظلة وأهلك الله أهل مدين بالزلزلة‏.‏

ذكر موسى عليه السلام

أرسل الله تعالى موسى بن عمران بن قاهاث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل - عليه السلام - نبياً بشريعة بني إسرائيل وكان من أمره أنه لما ولدته أمه كان قد أمر فرعون مصر - واسمه الوليد - بقتل الأطفال فخافت عليه أمه وألقى الله تعالى في قلبها أن تلقيه في النيل فجعلته في تابوت وألقته والتقطته آسية امرأة فرعون وربته وكبر فبينما هو يمشي في بعض الأيام إذ وجد إسرائيلياً وقبطياً يختصمان فوكز القبطي فقتله ثم اشتهر ذلك وخاف موسى من فرعون فهرب وقصد نحو مدين واتصل بشعيب وزوجه ابنته واسمها صفورة وأقام يرعى غنم شعيب عشر سنين‏.‏

ثم سار موسى بأهله في زمن الشتاء وأخطأ الطريق وكانت امرأته حاملاً فأخذها الطلق في ليلة شاتية فأخرج زنده ليقدح فلم يظهر له نار وأعيا مما يقدح فرفعت له نار فقال لأهله‏:‏ ‏(‏إني آنست ناراً سأتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون‏)‏ ‏(‏النمل‏:‏ 7‏)‏ فلما دنا منه رأى نوراً ممتداً من السماء إلى شجرة عظمية من العوسج وقيل من العناب فتحير وخاف ورجع فنودي منها‏.‏

ولما سمع الصوت استأنس وعاد فلما أتاها نودي من جانب الطور الأيمن من الشجرة‏:‏ أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين‏.‏

ولما رأى تلك الهيبة علم أنه ربه فخفق قلبه وكل لسانه وضعفت بنيته ثم شد الله تعالى قلبه ولما عاد عقله نودي أن اخلع نعليك إنك بالواد المقدس وجعل الله عصاه ويده آيتين‏.‏

ثم أقبل موسى إلى أهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلاً واجتمع به هارون وسأله‏:‏ من أنت فقال أنا موسى فاعتنقا وتعارفا ثم قال موسى‏:‏ يا هارون إن الله أرسلنا إلى فرعون فانطلق معي إليه فقال هارون سمعاً وطاعة فانطلقا إليه وأره موسى عصاه ثعباناً فاغراً فاه حتى خاف منه فرعون فأحدث في ثيابه ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها وهي بيضاء لها نور تكل منه الأبصار فلم يستطع فرعون النظر إليها ثم ردها إلى جيبه وأخرجها فإذا هي على لونها الأول‏.‏

ثم أحضر لهما فرعون السحرة وعملوا الحيات وألقى موسى عصاه فتلقفت ذلك وآمن به السحرة فقتلهم فرعون عن آخرهم ثم أراهم الآيات من القمل والضفادع وصيرورة الماء دماً فلم يؤمن فرعون ولا أصحابه‏.‏

وآخر الحال أن فرعون أطلق لبني إسرائيل أن يسيروا مع موسى وسار موسى ببني إسرائيل ثم ندم فرعون وسار بعسكره حتى لحقهم عند بحر القلزم فضرب موسى بعصاه البحر فانشق ودخل فيه هو وبنو إسرائيل وتبعهم فرعون وجنوده فانطبق البحر على فرعون وجنوده وغرقوا عن آخرهم‏.‏

ومن جملة المعجزات التي أعطاها الله عز وجل موسى قضيته مع قارون - من الكامل - قال‏:‏ وكان قارون ابن عم موسى وكان الله تعالى قد رزق قارون المذكور مالاً عظيماً يضرب به المثل على طول الدهر قيل أن مفاتيح خزائنه كانت تحمل على أربعين بغلاً وبنى داراً عظيمة وصفحها بالذهب وجعل أبوابها ذهباً وقد قيل عن ماله شيء يخرج عن الحصر‏.‏

فتكبر هارون بسبب كثرة ماله على موسى واتفق مع بني إسرائيل على قذفه والخروج عن طاعته وأحضر امرأة بغياً وهي القحبة وجعل لها جعلاً وأمرها بقذف موسى بنفسها واتفق معها على ذلك‏.‏

ثم أتى موسى فقال‏:‏ أن قومك قد اجتمعوا فخرج إليهم موسى وقال‏:‏ من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى رجمناه‏.‏

فقال له قارون‏:‏ وإن كنت أنت قال موسى‏:‏ نعم وإن كنت أنا‏.‏

قال‏:‏ فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة‏.‏

قال موسى‏:‏ فادعوها فإن قالت فهو كما قالت‏.‏

فلما جاءت قال لها موسى‏:‏ أقسمت عليك بالذي أنزل التوراة إلا صدقت أأنا فعلت بك ما يقول هؤلاء قالت‏:‏ لا كذبوا ولكن جعلوا لي جعلاً على أن أقذفك فأوحى الله تعالى إلى موسى مر الأرض بما شئت تطعك فقال‏:‏ يا أرض خذيهم فجعل قارون يقول‏:‏ يا موسى ارحمني وموسى يقول‏:‏ يا أرض خذيهم فابتلعتهم الأرض ثم خسف بهم وبدار قارون‏.‏

ولما أهلك الله تعالى فرعون وجنوده قصد موسى المسير ببني إسرائيل إلى مدينة الجبارين وهي أريحا فقالت بنو إسرائيل‏:‏ ‏)‏يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها‏( ‏(‏المائدة‏:‏ 22‏)‏ يا موسى ‏(‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 4‏2)‏ فغضب موسى ودعا عليهم فقال‏:‏ ‏)‏رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين( ‏(‏المائدة‏:‏ 25‏)‏ فقال الله تعالى‏:‏ ‏)‏فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ‏(‏‏.‏

‏(‏المائدة‏:‏ 26‏)‏ فبقوا في التيه وأنزل الله عليهم المن والسلوى‏.‏

ثم أوحى الله تعالى إلى موسى أني متوف هارون فأت به إلى جبل كذا وكذا فانطلقا نحوه فإذا هما بسرير فناما عليه وأخذ هارون الموت ورفع إلى السماء ورجع موسى إلى بني إسرائيل فقالوا له‏:‏ أنت قتلت هارون لحبنا إياه‏.‏

قال موسى‏:‏ ويحكم أفتروني أقتل أخي‏.‏

فلما أكثروا عليه سأل الله فأنزل السرير وعليه هارون وقال لهم إني مت ولم يقتلني موسى‏.‏

ثم توفي موسى واختلف في صورة وفاته قيل‏:‏ كان هو ويوشع يتمشيان فظهرت غمامة سوداء فخافها يوشع واعتنق موسى فانسل موسى من قماشه وبقي يوشع معتنق الثياب وعدم موسى وأتى يوشع بالقماش إلى بني إسرائيل فقالوا أنت قتلت موسى‏.‏

ووكلوا به فسأل يوشع الله تعالى أن يبين براءته فرأى كل رجل كان موكلا عليه في منامه أن يوشع لم يقتل موسى فإنا رفعناه إلينا فتركوه وقيل‏:‏ بل تنبأ يوشع وأوحى الله تعالى إليه وبقي موسى يسأله فلم يخبره فعظم ذلك على موسى وسأل الله الموت فمات وقيل غير ذلك‏.‏

وكان وفاة موسى في التيه في سابع آذار لمضي ألف وستمائة وست وعشرين سنة من الطوفان في أيام منوجهر الملك وكان موت موسى بعد هارون أخيه بأحد عشر شهراً وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين‏.‏

وكان مولد موسى لمضي أربعمائة وخمس وعشرين سنة من مولد إبراهيم وكان بين وفاة إبراهيم ومولد موسى مائتان وخمسون سنة‏.‏

وولد موسى لمضي ألف وخمسمائة وست سنين من الطوفان وكان عمره لما خرج ببني إسرائيل من مصر ثمانين سنة وأقام في التيه أربعين سنة فيكون عمر موسى مائة وعشرين سنة وأما بنو إسرائيل وكانوا قبل أن يخرجهم موسى تحت حكم فراعنة مصر رعية لهم وكانوا على بقايا من دينهم الذي شرعه يعقوب ويوسف عيهما السلام وكان أول قدومهم إلى مصر لمضي تسع وثلاثين سنة من عمر يوسف فأقاموا في مصر بقية عمر يوسف وهو إحدى وسبعون سنة لأن عمر يوسف كان مائة وعشر سنين فإذا أنقصنا منها تسعاً وثلاثين سنة بقي إحدى وسبعون سنة وأقاموا أيضاً مدة ما كان بين وفاة يوسف ومولد موسى وهو أربع وستون سنة وأقاموا أيضاً ثمانين سنة من عمر موسى حتى خرج بهم فيكون جملة مقام بني إسرائيل بمصر حتى أخرجهم موسى مائتين وخمس عشرة سنة‏.‏

ذكر حكام بني إسرائيل

ثم ملوكهم لما مات موسى عليه السلام لم يتول على بني إسرائيل ملك بل كان لهم حكام سدوا مسد الملوك ولم يزالوا على ذلك حتى قام فيهم طالوت فكان أول ملوكهم على ما ستقف عليه - إن شاء الله تعالى - وهذا الفصل أعني فصل حكام بني إسرائيل وملوكهم قد كثر الغلط فيه لبعد عهده ولكونه باللغة العبرانية فتعسر النطق بألفاظه على الصحة ولهم أجد في نسخ التواريخ التي وقعت لي في هذا الفن ما أعتمد على صحته لأن كل نسخة وقفت عليها في هذا الفن وجدتها تخالف الأخرى إما في أسماء الحكام وإما في عددهم وإما في مدد استيلائهم‏.‏

ولليهود الكتب الأربعة والعشرون وهي عندهم متواترة قديمة ولم تعرب إلى الآن بل هي باللغة العبرانية فأحضرت منها سفري قضاة بني إسرائيل وملوكها وأحضرت إنساناً عارفاً باللغة العبرانية والعربية وتركته يقرأها وأحضرت بها ثلاث نسخ وكتبت منها ما ظهر عندي صحته وضبطت الأسماء بالحروف والحركات حسب الطاقة والله الموفق للصواب‏.‏

ولما مات موسى عليه السلام قام بتدبير بني إسرائيل يوشع بن نون بن اليشاماع بن عميهوذ بن لعدان بن تاحن بن تالح بن راشف بن رافح بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب وأقام ببني إسرائيل في التيه ثلاثة أيام ثم ارتحل يوشع ببني إسرائيل وأتى بهم إلى الشريعة وهي النهر الذي بالغور واسمه الأردن في عاشر نيسان من السنة التي توفي فيها موسى فلم يجد للعبور سبيلا فأمر يوشع حاملي صندوق الشهادة الذي فيه الألواح بأن ينزلوا إلى حافة الشريعة فوقفت الشريعة حتى انكشف أرضها وعبر بنو إسرائيل ثم بعد ذلك عادت الشريعة إلى ما كانت عليه‏.‏

ونزل يوشع ببني إسرائيل على أريحا محاصراً لها وصار في كل يوم يدور حولها مرة واحدة وفي اليوم السابع أمر بني إسرائيل أن يطوفوا حول أريحا سبع مرات وأن يصوتوا بالقرون فعند ما فعلوا ذلك هبطت الأسوار ورسخت وتساوت الخنادق بها ودخل بنو إسرائيل أريحا بالسيف وقتلوا أهلها‏.‏

وبعد فراغه من أريحا سار إلى نابلس إلى المكان الذي بيع فيه يوسف فدفن عظام يوسف هناك وكان موسى قد استخرج يوسف من نيل مصر واستصحبه معه إلى التيه فبقي معهم أربعين سنة وتسلمه يوشع فلما فرغ من سار به ودفنه هناك‏.‏

وملك يوشع الشام وفرق عماله فيه واستمر يوشع يدبر بني إسرائيل نحو ثمان وعشرين سنة ثم توفي يوشع ودفن في كفر حارس وله من العمر مائة وعشر سنين‏.‏

ورأيت في تاريخ ابن سعيد المغربي أن يوشع مدفون في المعرة فلا أعلم هل نقل ذلك أم أثبته على ما هو مشهور الآن أقول‏:‏ فكانت وفاة يوشع سنة ثمان وعشرين لوفاة موسى وبعد وفاة يوشع قام بتدبيرهم فيخاس بن العزر بن هارون بن عمران وكالاب بن يوفنا وكان فيخاس هو الإمام وكان كالأب يحكم بينهم وكان أمرهما في بني إسرائيل ضعيفاً‏.‏

ودام بنو إسرائيل على ذلك سبع عشرة سنة ثم طغوا وعصوا الله فسلط الله عليهم كوشان ملك الجزيرة قيل إنها جزيرة قبرس وقيل بل كان كوشان المذكور ملك الأرمن وكان من ولد العيص بن إسحاق فاستولى على بني إسرائيل واستعبدهم ثماني سنين فاستغاثوا إلى الله تعالى‏.‏

وكان لكالاب أخ من أمه يقال له عثنيال بن قناز فأقام كالأب المذكور أخاه عثنيال على بني إسرائيل أقول فكان خلاص بني إسرائيل من كوشان المذكور في سنة اثنتين وخمسين لوفاة موسى عليه السلام لأن كوشان حكم عليهم ثماني سنين وفيخاس بفاء مشربة بتاء موحدة ثم ياء مثناه من تحتها ممالة ثم نون ساكنة ثم جاء مهملة ثم آلف ممالة وسين مهملة - ثم قام فيهم بعد استيلاء كوشان عثنيال بن قناز من سبط يهوذا وأزال ما كان على بني إسرائيل لصاحب الجزيرة من القطيعة وأصلح حال بني إسرائيل‏.‏

وكان عثنيال رجلا صالحاً واستمر يدبر أمر بني إسرائيل أربعين سنة وتوفي أقول‏:‏ فتكون وفاته في أواخر سنة اثنتين وتسعين لوفاة موسى - عثنيال بعين مهملة وثاء مثلثة ساكنة ونون مكسورة وياء مثناه من تحتها مهموزة وألف ولام - ثم من بعد وفاة عثنيال أكثر بنو إسرائيل المعاصي وعبدوا الأصنام فسلط الله عليهم عغلوان ملك موآب من ولد لوط واستعبد بني إسرائيل فاستغاثت بنو إسرائيل إلى الله أن ينقذهم من عغلون المذكور واستمر بنو إسرائيل تحت مضايقة عغلون ثماني عشرة سنة فيكون خلاصهم منه في أواخر سنة عشر ومائة لوفاة مرسى - عغلون‏.‏

بفتح العين المهملة وسكون الغين المعجمة وضم اللام وسكون الواو ثم نون

أهوذ ثم أقام الله لبني إسرائيل أهوذ من سبط بنيامين وكف أهوذ عنهم أذية عغلون ومضايقته وأقام أهوذ يدبرهم ثمانين سنة فيكون وفاة أهوذ في أواخر سنة تسعين ومائة لوفاة موسى - أهوذ بفتح الهمزة وضم الهاء وسكون الواو ثم ذال معجمة - ولما مات أهوذ قام بتدبيرهم بعده شمكار بن عنوث دون سنة أقول فتكون ولاية شمكار ووفاته في سنة إحدى وتسعين ومائة لوفاة موسى عليه السلام - شمكار بفتح الشين المثلثة وسكون الميم وكاف وألف وراء مهملة - ثم طغى بنو إسرائيل فأسلمهم الله تعالى في يد بعض ملوك الشام واسمه يابين فاستعبدهم عشرين سنة حتى خلصوا منه فيكون خلاصهم من يابين المذكور في أواخر سنة إحدى عشرة ومائتين لوفاة موسى‏.‏

باراق بن أبي نعيم ثم قام فيهم رجل من سبط نعتالي يقال له‏:‏ باراق بن أبي نعم وامرأة يقال لها دبورا فقهر يابين ودبرا أمور بني إسرائيل أربعين منه أقول فيكون انقضاء مدتهما في أواخر سنة إحدى وخمسين ومائتين لوفاة موسى عليه السلام - باراق‏:‏ بباء موحدة من تحتها وألف وراء مهملة وألف وقاف‏.‏

كذعون بن يواش ثم إن بني إسرائيل أخطأوا وارتكبوا المعاصي لغير مدبر لهم من بني إسرائيل مدة سبع سنين واستولى عليهم أعداؤهم من أهل مدين في تلك المدة أقول‏:‏ فيكون آخر مدة هذه الفترة في أواخر سنة ثمان وخمسين ومائتين من وفاة موسى عليه السلام فاستغاثوا إلى الله فأقام فيهم كذعون بن يواش فقتل أعداءهم وأقام منار دينهم واستمر فيهم كذلك أربعين سنة أقول فيكون وفاته في أواخر سنة ثمان وتسعين ومائتين لوفاة موسى - كذعون بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة وضم العين المهملة وواو ونون - ثم قام فيهم بعد كذعون ابنه أبيمالخ ثلاث سنين فيكون وفاته في أواخر سنه إحدى وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السلام - أبيمالخ بهمزة وباء موحدة من تحتها ثم ياء مثناه من تحتها وميم وألف ولام وخاء معجمة‏.‏

أبيمالخ ثم قام فيهم بعد أبيمالخ المذكور رجل من سبط يشسوخر يقال له يؤاإير الجرشي اثنتين وعشرين سنة فيكون وفاته لمضي ثلاثمائة وثلاث وعشرين سنة من وفاة موسى - يوءاإير‏:‏ بضم الياء المثناه من تحتها وهمزة مفتوحة ثم ألف ثم همزة مكسورة وياء مثناه من تحتها وراء مهملة - ثم إن بني إسرائيل أخطأوا وارتكبوا المعاصي فسلط الله تعالى عليهم بني عمون وهم من ولد لوط وكان ملك بني عمون إذ ذاك يقال له‏:‏ أمونيطو فاستولى على بني إسرائيل ثماني عشرة سنة حتى خلصوا منه فيكون انقضاء مدته في أواخر سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة لوفاة يفتح الجرشي ثم استغاث بنو إسرائيل إلى الله تعالى فأقام فيهم رجلا اسمه يفتح الجرشي من سبط منشا فكفاهم شر بني عمون وقتل من بني عمون خلقاً كثيراً ودبرهم ست سنين فتكون وفاته في أواخر سنة ثلاثمائة سبع وأربعين - يفتح بضم الياء المثناة من تحتها وسكون الفاء وضم التاء المثناة من فوق وحاء مهملة‏.‏

أبصن ثم قام فيهم من بعد بفتح رجل من سبط يهوذا اسمه أبصن سبع سنين فتكون وفاته في أواخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السلام - أبصن‏:‏ بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة من تحتهما وضم الصاد المهملة ثم نون‏.‏

آلون ثم دبرهم بعد أبصن رجل اسمه آلون من سبط زبولون عشر سنين فيكون وفاته في سنة أربع وستين وثلاثمائة لوفاة موسى - آلون بهمزة ممدودة ممالة وضم اللام ثم واو ونون‏.‏

ثم دبرهم بعد آلون رجل اسمه عبدون بن هلال من سبط أفرايم بن يوسف ثماني سنين فيكون وفاته في أواخر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة لوفاة موسى - عبدون بفتح العين المهملة‏.‏

وسكون الياء الموحدة وضم الدال المهملة ثم واو ونون‏.‏

شمشون بنمانوح ثم أخطأوا وعملوا بالمعاصي فسلط الله أهل فلسطين واستولوا عليهم أربعين سنة فيكون آخر استيلاء أهل فلسطين عليهم في أواخر سنة اثنتي عشرة وأربعمائة لوفاة موسى فاستغاثوا إلى الله عز وجل فأقام فيهم رجلا اسمه شمشون ابن مانوح من سبط دان‏.‏

وكان لشمشون المذكور قوة عظيمة ويعرف بشمشون الجبار فدافع أهل فلسطين ودبر بني إسرائيل عشرين سنة ثم غلبه أهل فلسطين وأسروه ودخل إلى كنيستهم وكانت مركبة على أعمدة فأمسك العواميد وحركها بقوة حتى وقعت الكنيسة فقتلته وقتلت من كان فيها من أهل فلسطين وكان منهم جماعة من كبارهم فيكون انقضاء مدة تدبير شمشون المذكور لهم في أواخر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة لوفاة موسى - شمشون بفتح الشين المعجمة وسكون الميم شين معجمة مضمومة ثم واو ونون -‏.‏

إيثامور بن هارون ثم كانت فترة وصار بنو إسرائيل بغير مدبر منهم عشر سنين فيكون انقضاء مدة الفترة في أواخر سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة لوفاة موسى‏.‏

ثم قام فيهم رجل من ولد إيثامور بن هارون بن عمران اسمه عالي الكاهن وأصل الكاهن في لغتهم كوهن ومعناه الإمام وكان عابي المذكور رجلا صالحاً فدبر بني إسرائيل أربعين سنة وكان عمره لما ولي ثمانياً وخمسين سنة فيكون مدة عمره ثمانياً وتسعين سنة‏.‏

وفي أول سنة من ولايته ولد شمويل النبي بقرية النبي على باب القدس يقال لهما شيلو وفي السنة الثالثة والعشرين من ولاية عالي المذكور ولد داود النبي عليه السلام‏.‏

فيكون وفاة عالي المذكور في أواخر سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة لوفاة موسى - عالي بعين مهملة على وزن فاعل -‏.

شمويل النبي

ثم دبر بني إسرائيل شمويل النبي وكان قد تنبأ لما صار له من العمر أربعون سنة وذلك عند وفاة عالي فدبر شمويل بني إسرائيل إحدى عشرة سنة ومنتهى هذه الإحدى عشرة هي آخر سني حكام بني إسرائيل وقضاتهم فإن جميع من ذكر من حكام بني إسرائيل كانوا بمنزلة طالوت بن قيش وبعد الإحدى عشرة سنة التي دبرهم شمويل المذكور قام لبني إسرائيل ملوك على ما سنذكره إن شاء الله تعالى فيكون انقضاء سني حكامهم في سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة لوفاة موسى ثم حضر بنو إسرائيل إلى شمويل وسألوه أن يقيم فيهم ملكاً فأقام فيهم شاول وهو طالوت بن قيش من سبط بنيامين ولم يكن طالوت من أعيانهم قيل‏:‏ إنه كان راعياً وقيل‏:‏ سقاء وقيل‏:‏ دباغاً ملك طالوت سنتين واقتتل هو وجالوت‏.‏

وكان جالوت من جبابرة الكنعانيين وكان ملكه بجهات فلسطين وكان من الشدة وطول القامة بمكان عظيم‏.‏

فلما برز للقتال لم يقدر على مبارزته أحد فذكر شمويل علامة الشخص الذي يقتل جالوت فاعتبر طالوت جميع عسكره فلم يكن فيهم من يوافقه تلك العلامة‏.‏

وكان داود عليه السلام أصغر بني أبيه وكان يرعى غنم أبيه وأخوته فطلبه طالوت واعتبره شمويل بالعلامة وهي دهن كان يستدير على رأس من يكون فيه السر وأحضر أيضاً تنور حديد وقال‏:‏ الشخص الذي يقتل جالوت يكون ملء هذا التنور فلما اعتبر داود ملء التنور واستدار الدهن على رأسه ولما تحقق ذلك العلامة أمره طالوت بمبارزة جالوت فبارزه وقتل داود جالوت وكان عمر داود إذ ذاك ثلاثين سنة‏.‏

ثم بعد ذلك مات شمويل فدفنته بني إسرائيل في الليل وناحوا عليه وكان عمره اثنتين وخمسين سنة وأحب الناس داود ومالوا إليه فحسده طالوت وقصد قتله مرة بعد أخرى فهرب داود منه وبقي متحرراً على نفسه وفي آخر الحال إن طالوت ندم على ما كان منه من قصد قتل داود وغير ذلك مما وقع منه وقصد أن يكفر لله تعالى عنه ذنوبه بموته في الغزاة فقصد الفلسطينيين وقاتلهم حتى قتل هو وأولاده في الغزاة فيكون موت طالوت في أواخر سنة خمس وتسعين وأربعمائة لوفاة موسى‏.‏

ولما قتل طالوت افترقت الأسباط فملك على أحد عشر سبطاً إيش بوشت بن طالوت واستمر إيش بوشت ملكاً على الأسباط المذكورين في ثلاث سنين وانفرد عن إيش بوشت سبط يهوذا فقط وعلك عليهم داود بن بيشار ابن عوفيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عمينوذب بن رم بن حصرون بن بارص يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام وحزن داود على طالوت ولعن موضع مصرعه‏.‏

وكان مقام داود بحبرون فلما استوثق له الملك ودخلت جميع الأسباط تحت طاعته وذلك في سنة ثمان وثلاثين من عمر داود انتقل إلى القدس‏.‏

ثم إن داود فتح في الشام فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وبلد عمان ومؤاب وحلب ونصيبين وبلاد الأرمن وغير ذلك‏.‏

ولما أوقع داود بصاحب حلب وعسكره وكان صاحب حماة إذ ذاك اسمه ثاعو وكان بينه وبين صاحب حلب عداوة فأرسل صاحب حماة ثاعو المذكور وزيره بالسلام والدعاء إلى داود وأرسل معه هدايا كثيرة فرحاً بقتل صاحب حلب‏.‏

ولما صار لداود ثمان وخمسون سنة وهي السنة الثامنة والعشرون من ملكه كانت قصته مع أوريا وزوجته وهي واقعة مشهورة وفي سنة ستين من عمر داود خرج عليه ابنه ابشولوم بن داود فقتله بعض قواد بني إسرائيل وملك داود أربعين سنة‏.‏

ولما صار لداود سبعون سنة توفي فيكون وفاة داود في أواخر سنة خمس وثلاثين وخمس مائة لوفاة موسى وأوصى داود قبل موته بالملك إلى سليمان ولده وأوصاه بعمارة بيت المقدس سليمان فلما مات داود ملك سليمان وعمره اثنتا عشرة سنة وآتاه الله من الحكمة والملك ما لم يؤته لأحد سواه على ما أخبر الله عز وجل به في حكم كتابه العزيز‏.‏

وفي السنة الرابعة من ملكه في شهر أيار وهي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى ابتدأ سليمان عليه السلام في عمارة بيت المقدس حسبما تقدمت به وصية أبيه إليه وأقام سليمان في عمارة بيت المقدس سبع سنين وفرغ منه في السنة الحادية عشرة من ملكه فيكون الفراغ من عمارة بيت المقدس في أواخر سنة ست وأربعين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام‏.‏

وكان ارتفاع البيت الذي عمره سليمان ثلاث ذراعاً وطوله ستين ذراعاً في عرض عشرين ذراعاً وعمل خارة البيت سوراً محيطاً به امتداده خمسمائة ذراع في خمس مائة ذراع‏.‏

ثم بعد ذلك شرع سليمان في بناء دار مملكة بالقدس واجتهد في عمارتها وتشييدها وفرغ منها في مدة ثلاث عشرة سنة وانتهت عمارتها في السنة الرابعة والعشرين من ملكه‏.‏

وفي السنة الخامسة والعشرين من ملكه جاءته بلقيس ملكة اليمن ومن معها وأطاعه جميع ملوك الأرض وحملوا إليه نفائس أموالهم واستمر سليمان على ذلك حتى توفي وعمره اثنتان وخمسون سنة فكانت مدة ملكه أربعين سنة فيكون وفاة سليمان عليه السلام في أواخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة لوفاة موسى‏.‏

رحبعم ولما توفي سليمان ملك بعده ابنه رحبعم وكان رحبعم المذكور رديء الشكل شنيع المنظر فلما تولى حضر إليه كبراء بني إسرائيل وقالوا له‏:‏ إن أباك سليمان كان ثقيل الوطأة علنا وحملنا أموراً صعبة فإن أنت خففت الوطأة عنا وأزلت عنا ما كان أبوك قد قرره علينا سمعنا لك وأطعناك فأخر رحبعم جوابهم إلى ثلاثة أيام واستشار كبراء دولة أبيه في جوابهم فأشاروا بتطييب قلوبهم وإزالة ما يشكونه‏.‏

ثم إن رحبعم استشار الأحداث ومن لم يكن له معرفة فأشاروا بإظهار الصلابة والتشديد على بني إسرائيل لئلا يحصل لهم الطمع‏.‏

فلما حضروا إلى رحبعم ليسمعوا جوابه قال لهم‏:‏ أنا خنصري أغلظ من ظهر أبي وما كنتم تخشونه من أبي فإنني أعاقبكم بأشد منه فعند ذلك خرج عن طاعته عشرة أسباط ولم يبق مع رحبعم غير سبطي يهوذا وبنيامين فقط وملك على الأسباط العشرة رجل من عبيد أبيه يربعم وكان يربعم المذكور فاسقاً كافراً وافترقت حينئذ مملكة بني إسرائيل واستقر لولد داود الملك على السبطين فقط أعني سبطي يهوذا وبنيامين وصار للأسباط العشرة ملوك تعرف بملوك الأسباط واستمر الحال على ذلك نحو مائتين وإحدى وستين سنة وكانت ولد سليمان في بني إسرائيل بمنزلة الخلفاء للإسلام لأنهم أهل الولاية وكانت ملوك الأسباط مثل ملوك الأطراف والخوارج‏.‏

وارتحلت الأسباط إلى جهات فلسطين وغيرها بالشام واستقر ولد داود ببيت المقدس ونحن نقدم ذكر بني داود إلى حيث اجتمعت لهم المملكة على جميع الأسباط ثم بعد ذلك نذكر ملوك الأسباط متتابعين إن شاء الله تعالى فنقول‏:‏ واستمر رحبعم ملكاً على السبطين حسبما شرح حتى دخلت السنة الخامسة من ملكه فيها غزاه فرعون مصر واسمه شيشاق ونهب مال رحبعم المخلف عن سليمان‏.‏

واستمر رحبعم على ما استقر له من الملك وزاد في عمارة بيت لحم وعمارة غزة وصور وغير ذلك من البلاد وكذلك عمر أيلة وجددها وولد لرحبعم ثمانية وعشرون ولداً ذكراً غير البنات وملك رحبعم سبع عشرة سنة وكانت مدة عمره إحدى وأربعين سنة أقول‏:‏ فيكون وفاة رحبعم في أواخر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة لوفاة موسى - رحبعم براء مهملة لم أتحقق حركتها وضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وضم العين المهملة ثم ميم‏.‏

أفيا ولما توفي رحبعم ملك بعده وعلى قاعدته ابنه أخيا ثلاث سنين فيكون وفاة أفيا في أواخر سنة خمس وتسعين وخمس مائة لوفاة موسى - وأفيا بفتح الهمزة وكسر الفاء التي هي بين الفاء والذال على مقتضى اللغة العبرانية وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف -‏.‏

أسا ولما توفي أفيا ملك بعده ابنه أسا إحدى وأربعين سنة وخرج على أسا عدو فهزم الله العدو بين يدي أسا وقيل‏:‏ إن العدو كان من الحبشة وقيل‏:‏ من الهنود أقول فكانت وفاة أسا في أواخر سنة ست وثلاثين وستمائة لوفاة موسى - أسا بضم الهمزة وفتح السين المهملة ثم ألف يهوشافاط ثم ملك بعد أسا ابنه‏:‏ يهوشافاط خمساً وعشرين سنة‏.‏

وكان عمر يهوشافاط لما ملك خمساً وثلاثين سنة وكان يهوشافاط رجلا صالحاً كثير العناية بعلماء بني إسرائيل وخرج على يهوشافاط من ولد العيص وجاءا في جمع عظيم وخرج يهوشافاط لقتالهم فألقى الله بين أعدائه الفتنة واقتتلوا فيما بينهم حتى انمحقوا وولوا منهزمين فجمع يهوشافاط منهم غنائم كثيرة وعاد بها إلى القدس مؤيداً منصوراً واستمر في ملكه خمساً وعشرين سنة وتوفي فتكون وفاته في أواخر سنة إحدى وستين وستمائة - ويهوشافاط بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبعدها ألف ثم فاء وألف ثم طاء مهملة‏.‏

يهورام ثم ملك بعد يهوشافاط ابنه يهورام وكان عمر يهورام لما ملك اثنتين وثلاثين سنة وملك ثماني سنين فيكون وفاته في أواخر سنة تسع وستين وستمائة - ويهورام بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو وراء مهملة ثم ألف وميم‏.‏

أحزياهو ولما مات يهورام ملك بعده ابنه أحزياهو وكان عمره لما ملك اثنتين وأربعين سنة وملك سنتين فيكون وفاته في أواخر سنة إحدى وسبعين وستمائة - وأحزياهو بفتح الهمزة والحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها ثم ألف وهاء وواو‏.‏

عثليا هو ثم كان بعد أحزياهو فترة بغير ملك وحكمت في الفترة المذكورة امرأة ساحرة أصلها من جواري سليمان عليه السلام واسمها عثليا هو وتتبعت بني داود فأفنتهم وسلم منها طفل أخفوه عنها وكان اسم الطفل يؤاش بن أحزيو واستولت عثليا هو كذلك سبع سنين فيكون آخر الفترة‏.‏

عثليا هو يؤاش وعدم عثليا هو في أواخر سنة ثمان وسبعين وستمائة لوفاة موسى عليه السلام ثم ملك بعد عثليا هو يؤاش وهو ابن سبع سنين وفي السنة الثالثة والعشرين من ملكه رمم بيت المقدس وجدد عمارته وملك يؤاش أربعين سنة فيكون وفاته في أواخر سنة ثماني عشرة وسبع مائة لوفاة موسى - ويؤاش‏:‏ بضم المثناة من تحتها ثم همزة وألف وشين معجمة-‏.‏

أمصيا ثم ملك بعد يؤاش ابنه أمصيا هو وكان عمره لما ملك خمساً وعشرين سنة وملك تسعاً وعشرين سنة وقيل‏:‏ خمس عشرة وقتل فيكون موته في أواخر سنة سبع وأربعين وسبعمائة لوفاة موسى عليه السلام - وأمصيا هو بفتح الهمزة وفتح الميم وسكون الصاد المهملة ومثناة من تحتها وألف وهاء وواو‏.‏

عزياهو ثم ملك بعده عزياهو وكان عمره لما ملك ست عشرة سنة وملك اثنتين وخمسين سنة ولحقه البرص وتنغصت عليه أيامه وضعف أمره في آخر وقت وتغلب عليه ولده يوثم فيكون وفاة عزياهو في أواخر سنة تسع وتسعين وسبع مائة لوفاة موسى - وعزياهو‏:‏ بضم العين المهملة وتشديد الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها وألف وهاء وواو‏.‏

يوثم ثم ملك بعد عزياهو ابنه يوثم وكان عمر يوثم لما ملك خمساً وعشرين سنة وملك ست عشرة سنة فيكون وفاته في سنة خمس عشرة وثمانمائة لوفاة موسى - ويوثم‏:‏ بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وقح الثاء المثلثلة ثم ميم - وقيل‏:‏ إن في أيامه كان يونس النبي عليه السلام على ما آحز ولما توفي يوثم ملك بعده ابنه آحز وكان عمر آحز لما ملك - عشرين سنة وملك ست عشرة سنة‏.‏

وفي السنة الرابعة من ملكه قصده ملك دمشق واسمه رصين وكان أشعيا النبي في أيام آحز فبشر آحز أن الله تعالى يصرف رصين بغير حرب فكان كذلك فيكون وفاة آحز في أواخر سنة إحدى وثلاثين وثمان مائة - وآحز بهمزة ممدودة ممالة وحاء مهملة ممالة أيضاً ثم زاي معجمة‏.‏

حزقيا ولما توفي آحز المذكور ملك بعده ابنه‏:‏ حزقيا وكان رجلا صالحاً مظفراً ولما دخلت السنة السادسة من ملكه انقرضت دولة الخوارج ملوك الأسباط الذين قدمنا ذكرهم عند ذكر رحبعم بن سليمان ونحن نذكرهم الآن مختصراً من أولهم إلى حين انتهوا في هذه السنة أعني‏:‏ السنة السادسة من ملك حزقيا ثم إذا فرغنا من ذكرهم نعود إلى ذكر حزقيا ومن ملك بعده فنقول‏:‏ إن ملوك الأسباط المذكورين خرجوا - بعد وفاة سليمان - على رحبعم بن سليمان في أوائل سنة ست وسبعين وخمسمائة وانقرضوا في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة فيكون مدة ملكهم مائتين وإحدى وستين سنة وعددهم سبعة عشر ملكاً وهم‏:‏ يربعم ونوذب وبعشو وإيلا وزمري وبني وعمري وآحؤب وأحزيو وياهورا وياهو ويهوياحاز ويؤاش ويربعم آخر وبقحيوء وياقح وهو شاع وملك المذكورون في المدة المذكورة أعني مائتين وإحدى وستين سنة تقريباً وقد ذكر لكل واحد منهم المدة التي هلك فيها وجمعنا تلك المدد فلم يطابق ذلك التفصيل هذه الجملة المذكورة فأضربنا عن ذكر تفصيل مدة ما ملك كل واحد منهم ونذكر شيئاً من أخباره فنقول‏:‏ أما أولهم‏(‏ فهو يربعم فكان من عبيد سليمان بن داود وكان يربعم المذكور كافراً فلما ملك أظهر الكفر وعبادة الأوثان وفي السنة الثامنة عشر من ملك يربعم توفي رحبعم بن سليمان‏.‏

وأما ثانيهم نؤذب فهو ابن يربعم المذكور‏.‏

وأما ثالثهم بعشو فهو ابن آخيا من سبط يشوخر‏.‏

وأما رابعهم‏:‏ إيلا فهو ابن بعشو المذكور وكان مقدم جيشه زمري فقتل إيلا وتولى زمري مكانه‏.‏

وخامسهم‏:‏ زمري المذكور أحرق في قصره‏.‏

وأما سادسهم تبني‏:‏ فإنه ولي الملك خمس سنين بشركة عمري‏.‏

وأما سابعهم عمري‏:‏ فإنه بعد موت تبني استقل بالملك بمفرده‏.‏

وعمري المذكور هو الذي بني صبصطية وجعلها دار ملكه‏.‏

وأما ثامنهم أحؤب‏:‏ فهو ابن عمري وقتل في حرب كانت بينه وبين صاحب دمشق‏.‏

وأما تاسعهم أحزبو‏:‏ فهو ابن أحؤب المذكور وكان موته بأن سقط من روشن له فات‏.‏

وأما عاشرهم ياهورام‏:‏ فهو وأخو أحزيو المذكور وكان في أيامه الغلاء‏.‏

وأما حادي عشرهم ياهو‏:‏ فهو ابن نمشي‏.‏

وأما ثاني عشرهم يهوياحاز‏:‏ فهو ابن ياهو المذكور‏.‏

وأما‏:‏ ثالث عشرهم يؤاش‏:‏ فهو ابن يهوياحاز‏.‏

وأما رابع عشرهم يربعم الثاني‏:‏ فهو ابن يؤاش وقوي في مدة ملكه وارتجع عدة من قرى بني إسرائيل كانت قد خرجت عنهم من حماة إلى كنسر وعلى عهده كان يونس النبي عليه السلام‏.‏

وأما خامس عشرهم يقحيوء فإن مدته لم تطل وأما سادس عشرهم باقح فعلى أيامه حضر ملك الجزيرة وغزا الأسباط المذكورين وأخذ منهم جماعة إلى بلده وأجلى بعضهم إلى خراسان وأما سابع عشرهم هو شاع فهو ابن إيلا ولما تولى أطاع صاحب الجزيرة واسمه سلمناصر وقيل فلنصر وبقي هو شاع في طاعته تسع سنين ثم عصاه فأرسل صاحب الجزيرة المذكور وحاصره ثلاث سنين وفتح بلده صبصطية وأجلاه وقوه إلى بلد خراسان وأسكن موضعهم السامرة وكان ذلك في السنة السادسة من ملك حزقيا فانضم من سلم من الأسباط إلى حزقيا ودخلوا تحت طاعته‏.‏

سنحاريب وملك حزقيا تسعاً وعشرين سنة وكان عمره لما ملك عشرين سنة وكان من الصلحاء الكبار وكان قد فرغ عمره قبل موته بخمس عشرة سنة فزاده الله تعالى في عمره خمس عشرة سنة وأمره أن يتزوج وأخبره بذلك نبي كان في زمانه‏.‏

وفي أيام ملك حزقيا قصده سنحاريب ملك الجزيرة فخذله الله تعالى ووقعت الفتنة في عسكره فولى راجعاً ثم قتله اثنان من أولاده في نينوى وكان أشعيا النبي قد أخبر بني إسرائيل أن الله تعالى يكفيهم شر سنحاريب بغير قتال ثم إن ولديه اللذين قتلاه في نينوى هربا إلى جبال الموصل ثم سار إلى القدس فأمنا بحزقيا وكان اسمهما اذرمالخ وشراصر‏.‏

أسرحدون وملك بعد سنحاريب ابنه الآخر واسمه اسرحدون وعظم بذلك أمر حزقيا وهادنته الملوك وملك حسبما ذكرنا تسعاً وعشرين سنة وتوفي فيكون وفاة حزقيا في أواخر سنة ستين وثمانمائة لوفاة موسى عليه السلام - حزقيا بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة وكسر القاف وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف -‏.‏

منشا ثم ملك بعده ابنه منشا وكان عمره لما ملك اثنتي عشرة سنة فعصى لما تملك وأظهر العصيان والفسق والطغيان مدة اثنتين وعشرين سنة من ملكه غزاه صاحب الجزيرة‏.‏

ثم إن منشا أقلع عما كان منه وتاب إلى الله توبة نصوحاً حتى مات وكانت مدة ملكه خمساً وخمسين سنة فيكون وفاته في أواخر سنة تسعمائة وخمس عشرة - منشا بميم لم يتحقق حركتها ونون مفتوحة وشين معجمة مشددة وألف - ثم ملك بعده ابنه آمون سنتين فيكون وفاته في أواخر سنة سبع عشرة وتسع مائة لوفاة موسى - آمون بهمزة ممالة وميم مضمومة ثم واو ونون - ثم ملك بعده ابنه يوشيا ولما ملك أظهر الطاعة والعبادة وجدد عمارة بيت المقدس وأصلحه‏.‏

وملك يوشيا المذكور إحدى وثلاثين سنة فيكون وفاته في أواخر سنة ثمان وأربعين وتسعمائة - يوشيا بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة من تحتها ثم ألف‏.‏

ثم ملك بعده ابنه يهوياحوز ولما ملك يهوياحوز غزاه فرعون مصر وأظنه فرعون الأعرج وأخذ يهوياحوز أسيراً إلى مصر فمات بها وكانت مدة ملكه ثلاثة أشهر فيكون انقضاء مدة ملكه في السنة المذكورة - أعني سنة ثمان وأربعين وتسعمائة أو بعدها بقليل -‏.‏

يهوياقيم ولما أسر يهوياحوز ملك بعده أخوه يهوياقيم وفي السنة الرابعة من ملكه تولى بخت نصر على بابل - وهي سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة لوفاة موسى - وذلك على حكم ما اجتمع لنا من مدد ولايات حكام بني إسرائيل والفترات التي كانت بيتهم وأما ما اختاره المؤرخون فقالوا‏:‏ إن من وفاة موسى عليه السلام إلى ابتداء ملك بخت نصر تسعمائة وثمانية وسبعين سنة ومائتين وثمانية وأربعين يوماً وهو يزيد على ما اجتمع لنا من المدد المذكورة فوق ست وعشرين سنة وهو تفاوت قريب وكأن هذا النقص إنما حصل من إسقاط اليهود كسورات المدد المذكورة فإنه من المستبعد أن يملك الشخص عشرين سنة أو تسع عشرة سنة - مثلا - بل لا بد من أشهر وأيام مع ذلك‏.

بخت نصر

فلما ذكروا لكل شخص مدة صحيحة سالمة من الكسر نقصت جملة السنين القدر المذكور - أعني ستاً وعشرين سنة وكسوراً - وحيث انتهينا إلى ولاية بخت نصر فنؤرخ منه ما بعده - إن شاء الله تعالى - وكان ابتداء ولاية بخت نصر في سنة تسع وسبعين وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام‏.‏

وفي السنة الأولى من ولاية بخت نصر سار إلى نينوى - وهي مدينة قبالة الموصل بينهما دجلة - ففتحها وقتل أهلها وخربها‏.‏

وفي السنة الرابعة من ملكه - وهي السابعة من ملك يهوياقيم - سار بخت نصر بالجيوش إلى الشام وغزا بني إسرائيل فلم يحاربه‏.‏

يهوياقيم ودخل تحت طاعته فبقاه بخت نصر على ملكه وبقي يهوياقيم تحت طاعة بخت نصر ثلاث سنين ثم خرج عن طاعته وعصى عليه فأرسل بخت نصر وأمسك يهوياقيم وأمر بإحضاره إليه فمات يهوياقيم في الطريق من الخوف فتكون مدة يهوياقيم نحو إحدى عشرة سنة ويكون انقضاء ملك يهوياقيم في أوائل سنة ثمان لابتداء ملك بخت نصر - يهوياقيم بفتح المثناة من تحتها وضم الهاء وواو ساكنة وياء مثناة من تحتها وألف وقاف مكسورة وياء مثناة من تحتها ساكنة وميم‏.‏

لما أخذ يهوياقيم المذكور إلى العراق استخلف مكانه ابنه - وهو يخنيو - فأقام يخنيو موضع أبيه مائة يوم ثم أرسل بخت نصر من أخذه إلى بابل - يخنيو بفتح المثناة من تحتها وفتح الخاء ولما أخذ بخت نصر يخنيو إلى العراق أخذ معه أيضاً جماعة من علماء بني إسرائيل من جملتهم دانيال وحزقال النبي وهو من نسل هارون وحال وصول يخنيو سجنه بخت نصر ولم يبرح مسجوناً حتى مات بخت نصر ولما أمسك بخت نصر يخنيو نصب مكانه على بني إسرائيل عم يخنيو المذكور وهو صدقيا‏.‏

صدقيا واستمر صدقيا تحت طاعة بخت نصر وكان إرميا النبي في أيام صدقيا فبقي يعظ صدقيا وبني إسرائيل ويهددهم ببخت نصر وهم لا يلتفتون‏.‏

وفي السنة التاسعة من ملك صدقيا عصى على بخت نصر فسار بخت نصر بالجيوش ونزل على بارين ورفنية وبعث الجيوش مع وزيره واسمه نبو زرذون - بفتح النون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الزاي والراء المهملة وسكون الألف وضم الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخرها نون - إلى حصار صدقيا بالقدس فسار الوزير الكذكور بالجيش وحاصر صدقيا مدة سنتين ونصف أولها عاشر تموز من السنة التاسعة لملك صدقيا وأخذ بعد حصاره المدة المذكورة القدس بالسيف وأخذ صدقيا أسيراً وأخذ معه جملة كثيرة من بني وأحرق القدس وهدم البيت الذي بناه سليمان وأحرقه وأباد بني إسرائيل قتلا وتشريداً‏.‏

فكان مدة ملك صدقيا نحو إحدى عشرة سنة وهو آخر ملوك بني إسرائيل‏.‏

وأما من تولى بعده من بني إسرائيل بعد إعادة عمارة بيت المقدس - على ما سنذكره - فإنما كان له الرئاسة بيت المقدس فحسب لا غير ذلك فيكون انقضاء ملوك بني إسرائيل وخراب بيت المقدس على يد بخت نصر سنة عشرين من ولاية بخت نصر تقريباً وهي السنة التاسعة والتسعون وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام وهي أيضاً سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة مضت من عمارة بيت المقدس وهي مدة لبثه على العمارة واستمر بيت المقدس خراباً سبعين سنة ثم عمر على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وإلى هنا انتهى نقلنا عن كتب اليهود المعروفة بالأربعة والعشرين المتواترة عندهم وقربنا في ضبط هذه الأسماء غاية ما أمكننا فإن فيها أحرفاً ليست من حروف العربية وفيها إمالات ومدات لا يمكن أن تعلم بغير مشافهة لكن ما ذكرناه من الضبط هو أقرب ما يمكن فليعلم ذلك‏.‏

ومن تجارب الأمم لابن مسكويه قال‏:‏ إن بخت نصر لما غزا القدس وخربه وأباد بني إسرائيل هرب من بني إسرائيل جماعة قاموا بمصر عند فرعون فأرسل بخت نصر إلى فرعون مصر يطلبهم منه وقال‏:‏ هؤلاء عبيدي وقد هربوا إليك فلم يسلمهم فرعون مصر وقال‏:‏ ليس هم بعبيدك وإنما هم أحرار وكان هذا هو السبب لقصد بخت نصر غزو مصر وهرب منهم جماعة إلى الحجاز وأقاموا مع العرب‏.‏

من كتاب أبي عيسى‏:‏ إن بخت نصر لما فرغ من خراب القدس وبني إسرائيل قصد مدينة صور فحاصرها مدة وإن أهل صور جعلوا جميع أموالهم في السفن وأرسلوها في البحر فسلط الله تعالى على تلك السفن ريحاً فغرقت أموالهم عن آخرها‏.‏

وجد بخت نصر في حصارها وحصل لعسكره منهم جراحات كثيرة وقتل وما زال على ذلك حتى ملكها بالسيف وقتل صاحب صور لكنه لم يجد فيها من المكاسب ماله صورة‏.‏

ثم سار بخت نصر إلى مصر والتقى هو وفرعون الأعرج فانتصر بخت نصر عليه ومتله وصلبه وحاز أموال مصر وذخائرها وسبا من كان بمصر من القبط وغيرهم فصارت مصر بعد ذلك خراباً أربعين سنة ثم غزا بلاد المغرب وعاد إلى بلاده ببابل وسنذكر أخبار بخت نصر ووفاته‏.‏

مع ملوك الفرس - إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما بيت المقدس فإنه عمر بعد لبثه على التخريب سبعين سنة وعمره بعض ملوك الفرس - واسمه عند اليهود كيرش - وقد اختلف في كيرش المذكور‏:‏ من هو‏.‏

فقيل‏:‏ دارا بن بهمن وقيل‏:‏ بل هو بهمن المذكور وهو الأصح ويشهد لصحة ذلك كتاب إشعيا على ما سنذكر ذلك عند ذكر أزدشير بهمن المذكور مع ملوك الفرس إن شاء الله تعالى‏.‏

ولما عادت عمارة بيت المقدس تراجعت إليه بنو إسرائيل من العراق وغيره وكانت عمارته في أول سنة سبعين لابتداء ولاية بخت نصر‏.‏

ولما تراجعت بنو إسرائيل إلى القدس كان من جملتهم عزير وكان بالعراق وقدم معه من بني إسرائيل ما يزيد على ألفين من العلماء وغيرهم وترتب مع عزير في القدس مائة وعشرون شيخاً من علماء بني إسرائيل‏.‏

وكانت التوراة قد عدمت منهم إذ ذاك فمثلها الله تعالى في صدر العزير ووضعها لبني إسرائيل يعرفونها بحلالها وحرامها فأحبوه حباً شديداً وأصلح العزير أمرهم وأقام بينهم على ذلك‏.‏

من كتب اليهود‏:‏ إن العزير لبث مع بني إسرائيل في القدس يدبر أمرهم حتى توفي بعد مضي أربعين سنة لعمارة بيت المقدس‏.‏

أقول‏:‏ فيكون وفاة العزير سنة ثلاثين ومائة لابتداء ولاية بخت نصر واسم العزير بالعبرانية عزرا وهو من ولد فتحاس بن العزر بن هارون بن عمران‏.‏

ومن كتب اليهود‏:‏ إن الذي تولى رئاسة بني إسرائيل ببيت المقدس بعد العزير شمعون الصديق وهو أيضاً من نسل هارون‏.‏

من كتاب أبي عيسى إن بني إسرائيل لما تراجعوا إلى القدر بعد عمارته‏.‏

صار لهم حكام منهم وكانوا تحت حكم ملوك الفرس واستمروا كذلك حتى ظهر الإسكندر في سنة أربع مائة وخمس وثلاثين لولاية بخت نصر‏.‏

وغلبت اليونان على الفرس ودخلت حينئذ بنو إسرائيل تحت حكم اليونان وأمام اليونان من بني إسرائيل ولاة عليهم وكان يقال للمتولي عليهم هرذوس وقيل هيروذس واستمر بنو إسرائيل على ذلك حتى خرب بيت المقدس الخراب الثاني وتشتت منه بنو إسرائيل على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ولنرجع إلى ذكر من كان من الأنبياء في أيام بني إسرائيل‏.‏

ذكر يونس بن متى عليه السلام

ومتى أم يونس عليه السلام ولم يشتهر نبي بأمه غير عيسى ويونس عليهما السلام‏.‏

كذا ذكره ابن الأثير في الكامل في ترجمة يونس المذكور وقد قيل إنه من بني إسرائيل وإنه من سبط بنيامين وقيل إن يونس المذكور كانت بعثته بعد يوثم ابن عزياهو أحد ملوك بني إسرائيل المقدم الذكر وكانت وفاة يوثم في سنة خمس عشرة وثمانمائة لوفاة موسى عليه السلام‏.‏

وبعث الله تعالى يونس المذكور في تلك المدة إلى أهل نينوى وهي قبالة الموصل بينهما دجلة - وكانوا يعبدون الأصنام فنهاهم وأوعدهم العذاب في يوم معلوم إن لم يتوبوا وضمن ذلك عن ربه عز وجل‏.‏

فلما أظلهم العذاب آمنوا فكشفه الله عنهم وجاء يونس لذلك اليوم ولم ير العذاب حل ولا علم بإيمانهم فذهب مغاضباً‏.‏

قال ابن سعيد المغربي‏:‏ ودخل في سفينة من سفن دجلة فوقفت السفينة ولم تتحرك فقال رئيسها‏:‏ فيكم من له ذنب وتساهموا على من يلقونه في البحر ووقعت المساهمة على يونس فرموه فالتقمه الحوت وسار به إلى الأبلة وكان من شأنه ذكر إرميا عليه السلام قد تقدم عند ذكر صدقيا أن إرميا كان في أيامه وبقي إرميا يأمر بني إسرائيل بالتوبة ويتهددهم ببخت نصر وهم لا يلتفتون إليه‏.‏

فلما رأى أنهم لا يرجعون عما هم فيه فارقهم إرميا واختفى حتى غزاهم بخت نصر وخرب القدس حسبما تقدم ذكره‏.‏

من تاريخ ابن سعيد المغربي‏:‏ إن الله تعالى أوحى إلى إرميا إني عامر بيت المقدس فاخرج إليها فخرج إرميا وقدم إلى القدس وهي خراب فقال في نفسه‏:‏ سبحان الله أمرني الله أن أنزل هذه البلدة وأخبرني أنه عامرها فمتى يعمره ومتى يحييها الله بعد موتها ثم وضع رأسة فنام ومعه حماره وسلة فيها طعام‏.‏

وكان من قصته ما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه العزيز في قوله تعالى ‏(‏أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها‏ قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال‏:‏ أعلم أن الله على كل شيء قدير‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 259‏)‏ وقد قيل إن صاحب القصة هو العزير والأصح أنه إرميا‏.‏

ذكر نفل التوراة وغيرها من كتب الأنبياء من اللغة العبرانية إلى اللغة اليونانية من كتاب أبي عيسى قال‏:‏ لما ملك الإسكندر وقهر الفرس وعظمت مملكة اليونان صار بنو إسرائيل وغيرهم تحت طاعتهم‏.‏

وتوالت ملوك اليونان بعد الإسكندر وكان يقال لكل واحد منهم بطلميوس - على ما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى في الفصل الثالث ولكن نذكر منهم هاهنا ما تدعو الحاجة إلى ذكره فنقول‏:‏ لما مات الإسكندر ملك بعده بطليموس بن لاغوس عشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس محب أخيه وهو الذي نقلت إليه التوراة وغيرها من كتب الأنبياء من اللغة العبرانية إلى اللغة اليونانية‏.‏

أقول‏:‏ فيكون نقل التوراة بعد عشرين سنة مضت لموت الإسكندر‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ إن بطلميوس الثاني محب أخيه المذكور لما تولى وجد جملة من الأسرى منهم نحو ثلاثين ألف نفس من اليهود فأعتقهم كلهم وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم ففرح بنو إسرائيل بذلك وأكثروا له من الدعاء والشكر وأرسل رسولا وهدايا إلى بني إسرائيل المقيمين بالقدس وطلب منهم أن يرسلوا إليه عدة من علماء بني إسرائيل لنقل التوراة وغيرها إلى اللغة اليونانية فسارعوا إلى امتثال أمره‏.‏

ثم إن بني إسرائيل تزاحموا على الرواح إليه وبقي كل منهم يختار ذلك واختلفوا ثم اتفقوا‏.‏

على أن يبعثوا إليه من كل سبط من أسباطهم ستة نفر فبلغ عددهم اثنين وسبعين رجلا‏.‏

فلما وصلوا إلى بطلميوس المذكور أحسن قراهم وصيرهم ستاً وثلاثين فرقة وخالف بين أسباطهم وأمرهم فترجموا له ستاً وثلاثين نسخة بالتوراة وقابل بطلميوس بعضها ببعض فوجدها مستوية لم تختلف اختلافاً يعتد به وفرق بطلميوس النسخ المذكورة في بلاده وبعد فراغهم من الترجمة أكثر لهم الصلات جهزهم إلى بلدهم‏.‏

وسأله المذكورون في نسخة من تلك النسخ فأسعفهم بنسخة فأخذها المذكورون وعادوا بها إلى بني إسرائيل ببيت المقدس‏.‏

فنسخة التوراة المنقولة لبطلميوس حينئذ أصح نسخ التوراة وأثبتهما وقد تقدمت الإشارة إلى هذه النسخة وإلى النسخة التي بيد اليهود الآن وإلى نسخة السامرية في مقدمة هذا الكتاب ذكر زكريا وابنه يحيى عليهما السلام من كتاب ابن سعيد المغربي‏:‏ زكريا من ولد سليمان بن داود عليهما السلام وكان نبياً ذكره الله تعالى في كتابه العزيز قال‏:‏ وكان نجاراً وهو الذي كفل مريم أم عيسى وكانت مريم بنت

عمران بن ماتان من ولد سليمان بن داود وكانت أم مريم اسمها حنة وكان زكريا متزوجاً أخت حنة‏.‏

واسمها إيساع فكانت زوج زكريا خالة مريم ولذلك كفل زكريا مريم‏.‏

فلما كبرت مريم بنى لها زكريا غرفة في المسجد فانقطعت مريم في تلك الغرفة للعبادة‏.‏

وكان لا يدخل على مريم غير زكريا فقط‏.‏

وأرسل الله تعالى جيريل فبشر زكريا بيحيى مصدقاً بكلمة من الله تعني عيسى بن مريم ثم أرسل الله تعالى جبريل و نفخ في جيب مريم فحبلت بعيسى وكانت قد حبلت خالتها إيساع بيحيى وولد يحيى قبل المسيح بستة أشهر ثم ولدت مريم عيسى‏.‏

فلما علمت اليهود أن مريم ولدت من غير بعل اتهموا زكريا بها وطلبوه فهرب واختفى في شجرة عظيمة فقطعوا الشجرة وقطعوا زكريا معها وكان عمر زكريا حينئذ نحو مائة سنة وكأن قتله بعد ولادة المسيح وكانت ولادة المسيح لمضي ثلاثمائة وثلاث سنين للإسكندر فيكون مقتل زكريا بعد ذلك بقليل‏.‏

وأما يحيى ابنه فإنه نبئ صغيراً ودعا الناس إلى عبادة الله ولبس يحيى الشعر واجتهد في العبادة حتى نحل جسمه وكان عيسى بن مريم قد حرم نكاح بنت الأخ وكان لهرذوس وهو الحاكم على بني إسرائيل بنت أخ وأراد أن يتزوجها حسبما هو جائز في دين اليهود فنهاه يحيى عن ذلك فطلبت أم البنت من هرذوس أن يقتل يحيى فلم يجبها إلى ذلك فعاودته وسألته البنت أيضاً وألحتا عليه فأجابهما إلى ذلك وأمر بيحيى فذبح لديهما‏.‏

وكان قتل يحيى قبل رفع المسيح بمدة يسيرة لأن عيسى عليه السلام إنما ابتدأ بالدعوة لما صار له ثلاثون سنة ولما أمره الله أن يدعو الناس إلى دين النصارى غمسه يحيى في نهر الأردن ولعيسى نحو ثلاثين سنة‏.‏

وخرج من نهر الأردن وابتدأ بالدعوة‏.‏

وجميع ما لبث المسيح بعد ذلك ثلاث سنين فذبح يحيى كان بعد مضي ثلاثين سنة من عمر عيسى وقبل رفعه وكان رفع عيسى بعد نبوته بثلاث سنين والنصارى تسمي يحيى المذكور يوحنا المعمدان لكونه عمد المسيح حسبما ذكر‏.‏

عليه السلام أما مريم فاسم أمها حنة زوج عمران وكانت حنة لا تلد واشتهت الولد فدعت بذلك ونذرت إن رزقها الله ولداً جعلته من سدنة بيت المقدس فحبلت حنة وهلك زوجها عمران وهي حامل فولدت بنتا وسمتها مريم ومعناه‏:‏ العابدة‏.‏

ثم حملتها وأتت بها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت‏:‏ دونكم هذه المنذورة فتنافسوا فيها لأنها بنت عمران - وكان من أئمتهم - فقال زكريا‏:‏ أنا أحق بها لأن خالتها زوجتي‏.‏

فأخذها زكريا وضمها إلى إيساع خالتها فلما كبرت مريم أفرد لها زكريا غرفة حسبما تقدم ذكره وأرسل الله جبريل فنفخ في مريم فحبلت بعيسى وولدته في بيت لحم وهي قرية قريبة من القدس سنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر‏.‏

ولما جاءت مريم بعيسى تحمله قال لها قومها‏:‏ ‏)‏لقد جئت شيئاً فرياً‏(‏ ‏(‏مريم 117‏)‏ وأخذوا الحجارة ليرجموها فتكلم عيسى وهو في المهد معلقاً في منكبها - فقال ‏(‏إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت‏)‏ ‏(‏مريم‏:‏ 30 - 31‏)‏ فلما سمعوا كلام ابنها تركوها‏.‏

ثم إن مريم أخذت عيسى وسارت به إلى مصر وسار معه ابن عمها يوسف ابن يعقوب بن ماتان النجار‏.‏

وكان يوسف المذكور نجاراً حكيماً ويزعم بعضهم أن يوسف المذكور كان قد تزوج مريم لكنه لم يقربها وهو أول من أنكر حملها ثم علم وتحقق براءتها وسار معها إلى مصر وأقاما هناك اثنتي عشرة سنة ثم عاد عيسى وأمه إلى الشام ونزلا الناصرة وبها سميت النصارى - وأقام بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة فأوحى الله تعالى إليه وأرسله إلى الناس‏.‏

من كتاب أبي عيسى ولما صار لعيسى ثلاثون سنة صار إلى الأردن وهو نهر الغور المسمى بالشريعة فاعتمد وابتدأ بالدعوة وكان يحيى بن زكريا هو الذي عمده وكان ذلك لستة أيام خلت من كانون الثاني لمضي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة للإسكندر‏.‏

وأظهر عيسى عليه السلام المعجزات

وأحيا ميتاً يقال له عازر بعد ثلاثة أيام من موته وجعل من الطين طائراً قيل هو الخفاش وأبرأ الأكمه والأبرص وكان يمشي على الماء‏.‏

وأنزل الله تعالى عليه المائدة وأوحى إليه الإنجيل‏.‏

من كتاب أبي عيسى المغربي وكان عيسى عليه السلام يلبس الصوف والشعر ويأكل من نبات الأرض وربما تقوت من غزل أمه‏.‏

وكان الحواريون الذين اتبعوه اثني عشر رجلاً وهم شمعون الصفا وشمعون القنابي ويعقوب بن زندي ويعقوب بن حلقي وقولوس ومارقوس وأندرواس وتمريلا ويوحنا ولوقا وتوما ومتى وهؤلاء الذين سألوه نزول المائدة فسأل عيسى ربه عز وجل فأنزل عليه سفرة حمراء مغطاة بمنديل فيها سمكة مشوية وحولها البقول ما خلا الكراث وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل ومعها خمسة أرغفة على بعضها زيتون وعلى باقيها رمان وتمر فأكل منها خلق كثير ولم تنقص ولم يأكل منها ذو عاهة إلا برئ وكانت تنزل يوماً وتغيب يوماً أربعين ليلة‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ ولما أعلم الله المسيح أنه خارج من الدنيا جزع من ذلك فدعا الحواريين وصنع لهم طعاماً وقال أحضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة فلما اجتمعوا بالليل عشاهم وقام يخدمهم فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويمسحها بثيابه فتعاظموا ذلك فقال‏:‏ من رد علي شيئاً مما أصنع فليس مني فتركوه حتى فرغ فقال لهم‏:‏ إنما فعلت هذا ليكون لكم أسوة بي في خدمة بعضكم بعضاً وأما حاجتي إليكم فأن تجتهدوا لي في الدعاء إلى الله أن يؤخر أجلي‏.‏

فلما أرادوا ذلك ألقى الله عليهم النوم حتى لم يستطيعوا الدعاء وجعل المسيح يوقظهم و يؤنبهم فلا يزدادون إلا نوماً وتكاسلاً وأعلموه أنهم مغلوبون عن ذلك فقال المسيح‏:‏ سبحان الله يذهب بالراعي ويتفرق الغنم ثم قال لهم‏:‏ الحق أقول لكم‏:‏ ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة ويأكلن ثمني‏.‏

وكانت اليهود قد جدت في طلبه فحضر أحد الحواريين إلى هرذوس الحاكم على اليهود وإلى جماعة من اليهود وقال‏:‏ ما تجعلون لي إذا دللتكم على المسيح فجعلوا له ثلاثين درهماً فأخذها ودلهم عليه فرفع الله تعالى المسيح إليه وألقى شبهه على الذي دلهم عليه‏.‏

قال ابن الأثير في الكامل‏:‏ وقد اختلفت العلماء في موته قبل رفعه فقيل‏:‏ رفع ولم يمت وقيل بل توفاه الله ثلاث ساعات وقيل‏:‏ سبع ساعات ثم أحياه وتأول قائل هذا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إني متوفيك‏)‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 55 ‏)‏‏.‏

ولما أمسك اليهود الشخص المشبه به ربطوه وجعلوا يقودونه بحبل ويقولون له‏:‏ أنت كنت تحيي الموتى أفلا تخلص نفسك من هذا الحبل ويبصقون في وجهه ويلقون عليه الشوك وصلبوه على الخشب فمكث على الخشب ست ساعات ثم استوهبه يوسف النجار من الحاكم الذي كان على اليهود وكان اسمه فيلاطوس ولقبه هرذوس ودفنه في قبر كان يوسف المذكور قد أعده لنفسه ثم أنزل الله المسيح من السماء إلى أمه مريم وهي تبكي عليه فقال لها‏:‏ إن الله رفعني إليه ولم يصبني إلا الخير وأمرها فجمعت له الحواريين فبثهم في الأرض رسلاً عن الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمر الله به ثم رفعه الله إليه وتفرق الحواريون حيث أمرهم وكان رفع المسيح لمضي ثلاثمائة وست وثلاثين سنة من غلبة الإسكندر على دارا‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ ثم إن أربعة من الحواريين وهم‏:‏ متى ولوقا ومرقس ويوحنا اجتمعوا وجمع كل واحد منهم إنجيلاً وخاتمة إنجيل متى أن المسيح قال‏:‏ إني أرسلتكم إلى الأمم كما أرسلني أبي إليكم فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن روح القدس‏.‏

وكان بين رفع المسيح ومولد النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة وخمس وأربعون سنة تقريباً وكانت ولادة المسيح أيضاً لمضي ثلاث وثلاثين سنة من أول ملك أغسطس ولمضي إحدى وعشرين سنة من غلبته على قلوبطرا لان أغسطس لمضي اثنتي عشرة سنة من ملكه سار من رومية وملك ديار مصر وقتل قلوبطرا ملكة اليونان‏.‏

وبعد إحدى وعشرين سنة من غلبته على قلوبطرا ولد المسيح عليه السلام وقيل غير ذلك ولكن هذا هو الأقوى وكانت مدة ملك أغسطس ثلاثاً وأربعين سنه‏.‏

وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون رفع المسيح بعد موت أغسطس بثلاث وعشرين سنة فيكون رفع المسيح في أواخر السنة الأولى من ملك غانيوس‏.‏

وأما أمة عيسى فهم النصارى وسيذكرون مع باقي الأمم في الفصل الخامس إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما مريم أم عيسى فإنها عاشت نحو ثلاث وخمسين سنة لأنها حملت بالمسيح لما صار لها ثلاث عشرة سنة وعاشت معه مجتمعة ثلاثاً وثلاثين سنة كسراً وبقيت بعد رفعه ست سنين‏.‏

الخراب الثاني وهلاك اليهود

وزوال دولتهم زوالاً لا رجوع بعده قد تقدم ذكر عمارة سليمان بن داود لبيت المقدس وأن سليمان عمره وفرغ منه في سنة ست وأربعين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام ثم ذكر ناغز وبخت نصر القدس مرة بعد أخرى حتى خربه وشتت بني إسرائيل في البلاد وأن ذلك كان لمضي تسع عشرة سنة من ابتداء ملك بخت نصر وهو لمضي سنة تسعمائة وسبع وتسعين لوفاة موسى عليه السلام وأن بيت المقدس استمر خراباً سبعين سنة ثم عمر فيكون ابتداء عمارته الثانية لمضي ألف وسبع وستين سنة أعني في سنة ثمان وستين بعد الألف لوفاة موسى ولمضي تسع وثمانين سنة من ابتداء ملك بخت نصر فتكون عمارته في سنة تسعين من ملك المذكور والذي عمره هو ملك الفرس أزدشير بهمن واسم أزدشير بهمن المذكور عند بني إسرائيل كيرش وقيل‏:‏ كورش وقيل‏:‏ إن كيرش ملك آخر غير أردشير بهمن‏.‏

ثم تراجعت إليه بنو إسرائيل وصاروا تحت حكم الفرس ثم لما غلبت اليونان‏.‏

على الفرس صارت بنو إسرائيل تحت حكمهم‏.‏

وكان اليونان يولون من بني إسرائيل عليهم نائباً وكان لقب كل من يتولى على بني إسرائيل هرذوس وقيل‏:‏ هيرذوس‏.‏

واستمرت بنو إسرائيل كذلك حتى قتلوا زكريا بعد ولادة المسيح حسبما تقدم ذكره‏.‏

ثم لما ظهر المسيح ودعا الناس بما أمره الله به أراد هرذوس قتله وكان اسمه هرذوس الذي قصد قتل المسيح فيلاطوس‏.‏

فرفع الله عيسى بن مريم إليه وكان منه ومنهم ما تقدم ذكره وكانت ولادة المسيح لإحدى وعشرين سنة مضت من غلبة أغسطس على قلوبطرا‏.‏

وكانت مدة ملك أغسطس ثلاثاً وأربعين سنة منها قبل ملك مصر اثنتي عشرة سنه وبعد ملك مصر إحدى وثلاثين سنة فيكون عمر المسيح عند موت أغسطس عشر سنين تقريباً وجملة ما عاشه المسيح إلى أن رفعة الله ثلاثاً وثلاثين سنة وثلاثة أشهر فيكون رفعه بعد موت أغسطس بنحو ثلاث وعشرين سنة والذي ملك بعد أغسطس طبياريوس وملك طبياريوس اثنتين وعشرين سنة ثم ملك بعد طبياريوس غانيوس فيكون رفع المسيح في السنة الأولى من ملكه وملك أربع سنين ثم ملك بعده قلوذيوس أربع عشرة سنة ثم ملك بعده نارون ثلاث عشرة سنة ثم ملك بعده ملك آخر قيل اسمه أوسباسيانوس وقيل أسفشيثوس عشر سنين ثم وفي السنة الأولى من ملكه قصد بيت المقدس وأوقع باليهود وقتلهم وأسرهم عن آخرهم إلا من اختفى‏.‏

ونهب القدس وخربه وخرب بيت المقدس وأحرق الهيكل وأحرق كتبهم وخلا القدس من بني إسرائيل كأن لم يكن بالأمس‏.‏

ولم تعد لهم بعد ذلك رئاسة ولا حكم وكان ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة لأن بعد رفع المسيح مضى ثلاث سنين من ملك غانيوس وأربع عشرة من قلوذيوس وثلاث عشرة من ملك نارون وعشر من أوسباسيانوس وجملة ذلك أربعون سنة فيكون خراب بيت المقدس الخراب الثاني‏.‏

وتشتت اليهود التشتت الذي لم يعودوا بعده لأربعين سنة مضت من رفع المسيح ولثلاثمائة وست وسبعين سنة مضت من غلبة الإسكندر ولثمانمائة وإحدى عشرة سنة مضت لابتداء ملك بخت نصر فيكون لبث بيت المقدس على عمارته الأولى إلى حين خربه بخت نصر أربعمائة وثلاثاً وخمسين سنة ثم لبثت على التخريب سبعين سنة ثم عمر ولبث على عمارته الثانية إلى حين خربه طيطوس التخريب الثاني سبعمائة وإحدى وعشرين سنة‏.‏

ثم إني وجدت في كتاب اسمه العزيزي تصنيف الحسن بن أحمد المهلبي في المسالك والممالك أن بيت القدس بعد أن خربه طيطوس التخريب الثاني حسبما ذكر تراجع إلى العمارة قليلا قليلا واعتنى به بعض ملوك الروم وسماه إيليا ومعناه بيت الرب فعمرة ورمم شعثه واستمر عامراً - وهي عمارته الثالثة - حتى سارت هلانة أم قسطنطين إلى القدس في طلب خشبة المسيح التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها ولما وصلت إلى القدس بنت كنيسة قيامة على القبر الذي تزعم النصارى أن عيس دفن به وخربت هيكل بيت المقدس إلى الأرض وأمرت أن يلقي في موضعه مقامات البلد وزبالته فصار موضع الصخرة مزبلة وبقي الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتح القدس فدله بعضهم على موضع الهيكل فنظفه عمر من الزبائل وبنى به مسجداً وبقى ذلك المسجد إلى أن تولى الوليد بن عبد الملك الأموي فهدم ذلك المسجد وبنى على الأساس القديم المسجد الأقصى وقبة الصخرة‏.‏

وبنى هناك قباباً أيضاً سمى بعضها قبة الميزان وبعضها قبة المعراج وبعضها قبة السلسلة‏.‏

والأمر على ذلك إلى يومنا هذا‏.‏

كذا نقله العزيزي والعهدة عليه أقول‏:‏ وينبغي أن يخص كلام العزيزي خراب هيكل بيت المقدس بالعمارة التي كانت على الصخرة خاصة لأن ذكر صفات المسجد الأقصى جاء في حديث معراج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وخلاصة ما ذكر أن هيكل بيت المقدس عمره سليمان بن داود وبقي عامراً حتى خربه بخت نصر وهو التخريب الأول ثم عمره كورش وهي عمارته الثانية وبقي عامراً حتى خربه طيطوس التخريب الثاني ثم تراجع للعمارة قليلا قليلا وبقي عامراً حتى خربتة هلانة أم قسطنطين وهو التخريب الثالث ثم عمره عمر بن الخطاب وهو عمارته الرابعة ثم خرب ذلك وعمره الوليد بن عبد الملك وهي عمارته الخامسة وهو على ذلك إلى يومنا هذا‏.