الفصل الخامس: ذكر الأمم من الصحاح

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

الفصل الخامس ذكر الأمم من الصحاح

الأمة الجماعة

هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة وفي الحديث ‏(‏لولا أنّ الكلاب أمة من الأممَ لأمرتُ بقتلها ‏)‏‏.‏

أمة السريان والصابئين

من كتاب أبي عيسى المغربي قال‏:‏ أمة السريان هي أقدم الأمم وكلام آدم وبنيه بالسرياني وملتهم هي ملة الصابئين ويذكرون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس ولهم كتاب يعزونه إِلى شيث ويسمونه صحف شيث يذكر فيه محاسن الأخلاق مثل الصدق والشجاعة والتعصب للغريب وما أشبه ذلك ويأمر به ويذكر الرذائل ويأمر باجتنابها وللصابئين عبادات منها سبع صلوات منهن خمس توافق صلوات المسلمين والسادسة صلاة الضحى والسابعة صلاة يكون وقتها في تمام الساعة السادسة من الليل وصلاتهم كصلاة المسلمين من النية وأن لا يخلطها المصلي بشيء من غيرها ولهم الصلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود ويصومون ثلاثين يوماً وإن نقص الشهر الهلالي صاموا تسعاً وعشرين يوماً وكانوا يراعون في صومهم الفطر والهلال بحيث يكون الفطر وقد دخلت الشمس الحمل ويصومون من ربع الليل الأخير إِلى غروب قرص الشمس ولهم أعياد عند نزول الكواكب الخمسة المتحيرة بيوت أشرافها والشمسة المتحيرة‏:‏ زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد‏.‏

ويعظمون بيت مكة ولهم بظاهر حران مكان يحجونه ويعظمون أهرام مصر ويزعمون أن أحدها قبر شيث بن آدم والآخر قبر إِدريس وهو حنوخ والآخر قبر صابي بن إِدريس الذي ينتسبون إِليه ويعظمون يوم دخول الشمس برج الحمل فيتهادون فيه ويلبسون أفخر ملابسهم وهو عندهم من أعظم الأعياد لدخول الشمس برج شرفها‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ والدين الذي انتحله الصابئون أقدم الأديان على وجه الدهر والغالب على الدنيا إِلى أن أحدثوا فيه الحوادث فبعث الله تعالى إِليهم إبراهيم خليله عليه السلام بالدين الذي نحن عليه الآن‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ والصابئون يقاتلون الحنيفية ومدار مذهبهم التعصب للروحانيين كما أن مدار مذهب الحنفات التعصب للبشر والجسمانيين‏.‏

أمة القبط

وهم من ولد حام بن نوح وكان سكناهم بديار مصر وكانوا أهل ملك عظيم وعز قديم واختلط بالقبط طوائف كثيرة من اليونان والعماليق والروم وغيرهم وإنما صاروا أخلاطاً لكثرة من تداول عليهم وَمَلَكَ مصر فإِن أكثر من تملك مصر الغرباء وكان القبط في سالف الدهر صابئة يعبدون الهياكل والأصنام وكان منهم علماء بضروب من علم الفلسفة وخاصة بعلم الطلسمات والنيرنجات والمرائي المحرقة والكيمياء‏.‏

وكانت دار ملكهم مدينة منف وهي على جانب النيل من غربيه وكانت ملوكهم تلقب الفراعنةِ وقد تقدم ذكرهم‏.‏

أمّة الفرس

ومساكنهم وسط المعمور ويقال لها أرض فارس‏.‏

ومنها‏:‏ كرمان والأهواز وأقاليم يطول ذكرها وجميع ما دون جيحون من تملك الجهات يقال له إِيران وهي أرض الفرس وأما ما وراء جيحون فيقال له توران وهو أرض الترك وقد اختلف في نسب الفرس فقيل أنهم من ولد فارس بن إِرم بن سام وقيل‏:‏ إِنهم من ولد يافث والفرس يقولون‏:‏ إِنهم من ولد كيومرت وكيومرت عندهم هو الذي ابتدأ منه النسل مثل آدم عندنا ويذكرون أن الملك لم يزل فيهم من كيومرت وهو آدم إِلى غلبة الإسلام خلا تقطع حصل في مدد يسيرة لا يعتد به مثل تغلب الضحاك وفراسياب التركي‏.‏

وملوك الفرس عند الأمم أعظم ملوك العالم وكان لهم العقول الوافرة والأحلام الراجحة وكان لهم منٍ ترتيب المملكة ما لم يلحقهم فيه أحد من الملوك وكانوا يولون ساقط البيت شيئاً من أمور الخاصة‏.‏

والفرس فرق كثيرة فمنهم الديلم وهم سكان الجبال ومنهم الجيل وهم يسكنون الوطاة التي لجبال الديلم وأرضهم هي ساحل بحر طبرستان‏.‏

ومنهم الكرد ومنازلهم جبال شهرزور وقيل‏:‏ إِن الكرد من العرب ثم تنبطوا‏.‏

وقيل‏:‏ إِنهم أعراب العجم‏.‏

وكان للفرس ملة قديمة وكان يقال للدائنين بها الكيومرتية أثبتوا إِلهاً قديماً وسموه يزدان وإلهاً مخلوقاً من الظلمة محدثاً وسموه أهرمن‏.‏

ويزدان عندهم هو الله تعالى وأهرمن هو إِبليس وكان أصل دينهم مبنياً على تعظيم النور وهو يزدان والتحرز من الظلمة وهو أهرمن ولما عظموا النور عبدوا النيران وكان الفرس على ذلك حتى ظهر زرادشت‏.‏

وكان على أيام بشتاسف فقبل دينه ودخل فيه ثم صارت الفرس على دينه وذكر لهم زرادشت كتاباً زعم أن الله تعالى أنزله عليه وزرادشت من أهل قرية من قرى أذربيجان ولهم في خلق زرادشت وولادته كلام طويل لا فائدة فيه فأضربنا عنه وقال زرادشت بإله يسمى أرمزد بالفارسي وأنه خالق النور والظلمة ومبدعهما وهو واحد لا شريك له وأن الخير والشر والصلاح والفساد إِنما حصل من امتزاج النور بالظلمة ولو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم ولا يزال المزاج حتى يغلب النور الظلمة ثم يتخلص الخير إِلى عالمه والشر إِلى عالمه وقُبْلَة زرادشت إِلى المشرق حيث مطلع الأنوار‏.‏

وللفرس أعياد ورسوم فمنها النوروز وهو اليوم الأول من فروردينماه واسمه يوم جديد لكونه غرة الحول الجديد وبعده أيام خمسة كلها أعياد ومن أعيادهم التيركان وهو ثالث عشر تيرماه ولما وافق اسم اليوم الثالث عشر اسم شهره صار ذلك اليوم عيداً وهكذا كل يوم يوافق اسمه اسم شهره فهو عيد ومنها المهرجان وهو سادس عشَر مهرماه وفيه زعموا أن أفريدون ظفر بالساحر الضحاك بيوراسب وحبسه في جبل دنياوند ومنها الفروردجان وهو الأيام الخمسة الأخيرة من أبان ماه يضع المجوس فيها الأطعمة والأشربة لأرواح موتاهم على زعمهم ومنها ركوب الكوسج وهو أنه كان يأتي في أول فصل الربيع رجل كوسج راكب حماراً وهو قابض على غراب وهو يتروّح بمروحة ويودع الشتاء وله ضريبة يأخذها ومتى وجد بعد ذلك اليوم ضرب ومنها الذق وهو العاشر من بهسنماه وليلته وتوقد في ليلته النيران ويضرب حولها‏.‏

ومنها الكنبهارات وهي أقسام لأيام السنة مختلفة في أول كل قسم منها خمسة أيام هي في الكنبهارات زعم زرادشت أن في كل يوم خلق الله تعالى نوعاً من الخليقة من سماء وأرض وماء ونبات وحيوان وإنس فتم خلق العالم في ستة أيام‏.‏

أمة اليونان

قال أبو عيسى‏:‏ المنقول عن أصحاب السير من اليونان أن اليونان نجموا من رجل اسمه اللن ولد سنة أربع وسبعين لمولد موسى النبي عليه السلام وكان أميرس الشاعر اليوناني موجوداً في سنة ثمان وستين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام وهو تاريخ ظهور أمة اليونان واشتهارهم ولم يُعلموا قبل ذلك‏.‏

قال‏:‏ وكانوا أهل شعر وفصاحة ثم صارت فيهم الفلسفة في زمان بخت نصر‏.‏

قال‏:‏ وهذا منقول من كتاب كوولبس الذي رد فيه على لليان الذي ناقض الإنجيل أقول وقد نقل الشهرستاني أن أبيدقليس كان في زمن داود النبي عليه السلام وكذلك فيثاغورس كان في زمن سليمان بن داود عليه السلام وأخذ الحكمة من معدن النبوة وكانت وفاة سليمان بن داود لمضي خمسمائة وثلاث وسبعين سنة من وفاة موسى وكان أبيدقليس وفيثاغورس فيلسوفين مشهورين من اليونانيين فقول أبي عيسى إِن الفلسفة إِنما ظهرت من اليونان في زمن بخت نصر غير مطابق لما نقله الشهرستاني فإِن بخت نصر بعد سليمان بأكثر من أربعمائة سنة‏.‏

ومن كتاب ابن سعيد المغربي‏:‏ أن بلاد اليونان كانت على الخليج القسطنطيني من شرقيه وغربيه إِلى البحر المحيط والبحر القسطنطيني هو خليج بين بحر الروم وبحر القرم واسم بحر القرم في القديم بحر نيطش - بكسر النون وياء مثناة من تحتها ساكنة وطاء مهملة لا أعلم حركتها وشين معجمة - قال‏:‏ واليونان فرقتان‏:‏ فرقة يقال لهم الإِغريقيون وهم اليونانيون الأول والفرقة الثانية يقال لهم اللطينيون‏.‏

وقد اختلف في نسب اليونان فقيل أنهم من ولد يافث وقيل أنهم من جملة الروم من ولد صوفر بن العيص بن يعقوب بن إِبراهيم الخليل عليهما السلام‏.‏

وكانت ملوك اليونان المقدم ذكرهم في الفصل الثالث من أعظم الملوك ودولتهم من أفخر الدول ولم يزالوا كذلك حتى غلبت عليهم الروم حسبما تقدم في ذكر أغسطس فدخلت اليونان في الروم ولم يبق لهم ذكر‏.‏

قال‏:‏ وكانت بلادهم في الربع الشمالي الغربي متوسطها الخليج القسطنطيني وجميع العلوم العقلية مأخوذة عنهم مثل العلوم المنطقية والطبيعية والإلهية والرياضية وكانوا يسمون العلم الرياضي جومطريا وهو المشتمل على علم الهيئة والهندسة والحساب واللحون والإيقاع وغير فلك وكان العالم بهذه العلوم يسمى فيلوسوفاً وتفسيره محب الحكمة لأن فيلو محب وسوفاً الحكمة‏.‏

فمن فلاسفتهم ثاليس الملطي قال أبو عيسى‏:‏ كان في زمن بخت نصر ومنهم أبيد قليس وفيثاغورس اللذين تقدم أنهما كانا في زمن داود وسليمان عليهما السلام وفيثاغورس من كبار الحكماء ويزعم أنه سمع حفيف الفلك وصل إِلى مقام الملك‏.‏

وقال‏:‏ ما سمعت شيئاً ألذ من حركات الأفلاك ولا رأيت شيئاً أبهى من صورتها‏.‏

ومنهم أبقراط الحكيم الطبيب المشهور ونجم في سنة مائة وست تسعين لبخت نصر فيكون أبقراط قبل الهجرة بألف ومائة وبضع وسبعين سنة‏.‏

ومنهم سقراط قال الشهرستاني في الملل والنحل‏:‏ إِنه كان حكيماً فاضلاً زاهداً واشتغل بالرياضة وأعرض عن ملاذ الدنيا واعتزل إِلى الجبل وأقام في غار ونهى الناس عن الشرك وعبادة الأوثان فثارت عليه العامة والجأوا ملكهم إِلى قتله فحبسه ثم سقاه سمّاً فمات‏.‏

ومنهم أفلاطون الإِلهي وكان تلميذاً لسقراط المذكور ولما اغتيل سقراط السم قام أفلاطون ومنهم أرسطوطاليس وكان تلميذاً لأفلاطون وكان أرسطو المذكور في زمن الإسكندر وبين الإِسكندر والهجرة تسعمائة وأربع وثلاثون سنة فيكون أفلاطون قبل ذلك بمدة يسيرة وكذلك يكون سقراط قبل أفلاطون بمدة يسيرة أيضاً فبالتقريب يكون بين سقراط والهجرة نحو ألف سنة ويكون بين أفلاطون والهجرة أقل من ألفي سنة‏.‏

ومنهم طيماوس وهو من مشايخ أفلاطون وأما أرسطوطاليس فهو المقدم المشهور والحكيم المطلق‏.‏

قال الشهرستاني‏:‏ ولما صار عمر أرسطو المذكور سبع عشر سنة أسلمه أبوه إِلى أفلاطون فمكث عنده نيفاً وعشرين سنة ثم صار حكيماً مبرزاً يعتمد عليه‏.‏

ومن جملة تلامذة أرسطو الملك الإسكندر الذي ملك غالب المعمور من الغرب إِلى الشرق وأقام الإسكندر يتعلم على أرسطو خمس سنين وبلغ فيها أحسن المبالغ ونال من الفلسفة ما لم ينل سائر تلاميذ أرسطو ولما لحق أباه فيلبس مرض الموت أخذ ابنه الإسكندر من أرسطو وعهده إِليه بالملك‏.‏

ومنهم يرقلس وكان بعد أرسطو وصنف كتاباً ورد فيه شبهاً في قدم العالم‏.‏

ومنهم الإسكندر الأفروديسي وكان بعد أرسطو وهو من كبار الحكماء‏.‏

ومما نقلناه من تاريخ ابن القفطي وزير حلب في أخبار الحكماء قال‏:‏ فمنهم طيموخارس وهو حكيم رياضي يوناني عالم بهيئة الفلك رصد الكواكب في زمانه وقد ذكره بطلميوس في المجسطي وكان وقته متقدماً لوقت بطلميوس بأربعمائة وعشرين سنة‏.‏

ومنهم فرفوريوس وكان من أهل مدينة صور على البحر الرومي بالشام وكان بعد زمن جالينوس الذي سنذكره وكان فرفوريوس المذكور عالماً بكلام أرسطو وقد فسر كتبه لمّا شكا إِليه الناس غموضها وعجزهم عن فهم كلامه‏.‏

ومنهم فلوطيس وكان فاضلاً حكيماً يونانياً وشرح كتب أرسطو ونقلت تصانيفه من الرومي إِلى السرياني قال‏:‏ ولا أَعلم أن شيئاً منها خرج إِلى العربي‏.‏

ومنهمٍ فولس الأجانيطي ويعرف بالقوابلي نسبة إِلى القوابل جمع قابلة وكان خبيراً بطب النساء كثير المعاناة له وكان القوابل يأتينه ويسألنه عن الأمور التي تحدث بالنساء عقيب الولادة فينعم السؤال لهن ويجيبهن بما يفعلنه وكان زمنه بعد زمن جالينوس وكان مقامه بالإسكندرية‏.‏

ومنهم لسلون المتعصب وكان حكيماً يونانياً يقرئ فلسفة أفلاطون وينتصر لها فسمي لذلك بالمتعصب‏.‏

ومنهم مقسطراطيس وكان فيلسوفاً يونانياً شرح كتب أرسطو وخرجت إلى العربي‏.‏

ومنهم منطر الإسكندري وكان إِماماً في علم الفلك واجتمع هو وأفطيمن بالإسكندرية وأحكما آلات الرصد ورصد الكواكب وحققاها وكان زمنهما قبل زمن بطلميوس صاحب المجسطي بنحو خمسمائة وإحدى وسبعين سنة‏.‏

ومنهم مورطس ويقال مورسطس حكيم يوناني له رياضة وحيل وصنف كتاباً في الآلة المسماة بالأرغن وهي آلة تسمع على ستين ميلاً‏.‏

ومنهم مغلس الحمصي من أهل حمص وكان من تلامذة أبقراط وله ذكر في زمانه وله تصانيف منها كتاب البول وغيره‏.‏

ومنهم مثرود يطوس ولم يذكر زمانه بل قال عنه‏:‏ إِنه كان طبيباً وحكيماً وهو الذي ركب المعجون المسمى مثرود يطوس سمّى معجونه باسمه وكان معتنياً بتجربة الأدوية وكان يمتحن قواها في شرار الناس الذين قد وجب عليهم القتل فمنها ما وجده موافقاً للدغة الرتيلاء ومنها ما وجده موافقاً للدغة العقرب وكذلك غير ذلك انتهى كلام ابن القفطي‏.‏

وأما بطلميوس وجالينوس فإِن زمانهما متأخر عن زمن اليونان وكانا في زمن الروم وأحدهما قريب من الآخر وكان بطلميوس متقدماً على جالينوس بقليلا‏.‏

قال ابن الأثير في الكامل وقد أدرك جالينوس زمن بطلميوس وكان بطلميوس مصنف المجسطي المذكور في زمن أنطونينوس ومات أنطونينوس في أول سنة اثنتين وستين وأربعمائة لغلبة الإسكندر وكان بين رصد بطلميوس ورصد المأمون ستمائة وتسعون سنة وكان رصد المأمون بعد سنة مائتين للهجرة فيكون بين الهجرة ورصد بطلميوس أربعمائة وتسعون سنة بالتقريب وكان جالينوس في أيام قوموذوس الملك وكان موت قوموذوس في سنة أربع وتسعين وأربعمائة للإسكندر فيكون بين جالينوس والهجرة أكثر من أربعمائة سنة بقليل وذلك كله بالتقريب‏.‏

ومن حكماء اليونان إِقليدس صاحب كتاب الاستقصات المسمى باسمه قال أبو عيسى‏:‏ وكان إِقليدس في أيام ملوك اليونان البطالسة فلم يكن بعد أرسطو ببعيد قال‏:‏ وليس هو مخترع كتاب إِقليدس بل هو جامعه ومحرره ومحققه ولذلك نسب إليه‏.‏

ومنهم ابرخس وكان حكيماً رياضياً ورصد الكواكب وحققها ونقل بطلميوس عنه في المجسطي وكان بين رصد برخس وبين رصد بطلميوس مائتان وخمس وثمانون سنة فارسية بالتقريب‏.

أمة اليهود

قد تقدم ذكر موسى صلوات الله وسلامه عليه وكذلك تقدم ذكر بني إسرائيل وإسرائيل هو يعقوب بن إِسحاق بن إِبراهيم الخليل عليهم السلام‏.‏

وكان لإسرائيل المذكور اثنا عشر ابناً وهم روبيل ثم شمعون ثم لاوي ثم يهوذا ثم يساخر ثم زبولون ثم يوسف ثم بنيامين ثم دان ثم نفتالي ثم كاذ ثم أشار أولاد إِسرائيل المذكور‏.‏

وهؤلاء الإثنا عشر منهم كانت أسباط بني إسرائيل وجميع بني إِسرائيل هم أولاد الإِثني عشر المذكورين‏.‏

وأمة اليهود أعمّ من بني إِسرائيل لأن كثيراً من أجناس العرب والروم والفرس وغيرهم صاروا يهوداً ولم يكونوا من بني إِسرائيل وإنما بنو إِسرائيل هم الأصل في هذه الملة وغيرهم دخيل فيها‏.‏

فلذلك قد يقال لكل يهودي إِسرائيلي‏.‏

وقد تقدم ذكر حكام بني إِسرائيل وملوكهم في الفصل الأول وأما اسم اليهود فقد قال الشهرستاني في الملل والنحل‏:‏ هاد الرجل أي رجع وتاب وإنما لزمهم هذا الاسم لقول موسى عليه السلام‏:‏ ‏)‏إِنا هدنا إِليك‏(‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 156‏)‏ أي رجعنا وتضرعنا‏.‏

قال البيروتي في الآثار الباقية‏:‏ ليس ذلك بشيء وإنما سميّ هؤلاء باليهود نسبة إِلى يهوذا أحد الأسباط فإِن الملك استقر في ذريته وأبدلت الذال المعجمة دالاً مهملة كما يوجد مثل ذلك في كلام العرب وكتابهم التوراة وقد اشتملت على أسفار فذكر في السفر الأول مبتدأ الخلق ثم ذكر الأحكام والحدود والأحوال والقصص والمواعظ والأذكار في سفر وأنزل على موسى عليه السلام الألواح أيضاً وهي شبه مختصر ما في التوراة انتهى‏.‏

كلام الشهرستاني من كتاب خير البشر بخير البشر قال فيه‏:‏ وليس في التوراة ذكر القيامة ولا الدار الآخرة ولا فيها ذكر بعث ولا جنة ولا نار وكل جزاء فيها إِنما هو معجل في الدنيا فيجزون على الطاعة بالنصر على الأعداء وطول العمر وسعة الرزق ونحو ذلك‏.‏

ويجزون على الكفر والمعصية بالموت ومنع القطر والحميات والجرب وأن ينزل عليهم بدل المطر الغبار والظلمة ونحو ذلك وليس فيها ذم الدنيا ولا الزهد فيها ولا وظيفة صلوات معلومة بل الأمر بالبطالة والقصف واللهو‏.‏

ومما تضمنته التوراة أن يهوذا بن يعقوب في زمان نبوته زنى بامرأة ابنه وأعطاها عمامته وخاتمه رهناً على جدي هو أجرة الزنا وهو لا يعرفها فأمسكت رهنه عندها وأرسل إِليها بالجدي فلم تأخذه وظهر حملها وأخبر يهوذا بذلك فأمر بها أنْ تحرق فأنفذت إِليه بالرهن فعرف يهوذا أنه هو الذي زنى بها فتركها وقال‏:‏ هي أصدق‏.‏

ومما تضمنته أيضاً أن روبيل بن يعقوب وطئ سرية أبيه وعرف بذلك أبوه ومما تضمنته أيضاً أن أولاد يعقوب من أمتيه كانوا يزنون مع نساء أبيهم وجاء يوسف وعرف أباه بخبر أِخوته القبيح‏.‏

ومما تضمنته‏:‏ أن راحيل أخت ليّا وكانت الأختان المذكورتان قد جمع بينهما يعقوب في عقد نكاحه وكان ذلك حلالاً في ذلك الزمان قال‏:‏ فاشترت راحيل من أختها وضرتها ليا مبيت بن ليا وهو روبيل عند راحيل ليِطأها بنوبتها من يعقوب ليبيت عند ليا وقد تضمنت من نحو ذلك كثيراً أضربنا عنه‏.‏

رجعنا إِلى كلام الشهرستاني قال‏:‏ واليهود تدعَّي أنّ الشريعة لا تكون إِلا واحدة وهي ابتدأت بموسى وتمت به وإما ما كان قبل موسى فإِنما كان حدوداً عقلية وأحكاماً مصلحية ولم يجيزوا النسخ أصلاً فلم يجيزوا بعده شريعة أخرى‏.‏

قالوا‏:‏ والنسخ في الأوامر بدا ولا يجوز البدا على الله تعالى‏.‏

وافترقت اليهود فرقاً كثيرة‏:‏ فالربانية منهم كالمعتزلة فينا والقراؤون كالمجبرة والمشبهة فينا ومن فرق اليهود العانانية نسبوا إِلى رجل منهم يقال له عانان بن داود وكان رأس جالوسَ ورأس الجالوت هو اسم للحاكم على اليهود بعد خراب بيت المقدس الخراب الثاني فاٍنه لما ذهب المُلك منهم بغزو بخت نصر صار الحاكم عليهم في القدس يسمى هرذوس أو هيروذس وكان والياً من جهة الفرس ثم صار من جهة اليونان كذلك ثم صار من جهة أغسطس ومن بعده من ملوك الروم كذلك حتى غزاهم طيطوس وأبادهم وخرب بيت المقدس الخراب الثاني على ما تقدم ذكره وتفرقت اليهود في البلاد ولم تعد لهم بعد ذلك رياسة يعتد بها وصار منهم بالعراق وتلك النواحي جماعة وكانوا يرجعون إِلى كبير منهم فصار اسم ذلك الكبير الذي يرجعون إِليه رأس الجالوت فمن مذهب العانانية المذكورين أنهم يصدقون المسيح في مواعظه وإشاراته ويقولون أنه لم يخالف التوراة البتة بل قررها ودعا الناس إِليها وهو من أنبياء بني إِسرائيل المتعبدين بالتوراة إِلا أنهم لا يقولون بنبوته ومنهم من يدعي أن عيسى لم يدعيّ أنه نبي مرسل ولا أنه صاحب شريعة ناسخة لشريعة موسى عليه السلام بل هو من أَولياء الله المخلصين وأنّ الإِنجيل ليس كتَاباً منزلاً عليه وحياً من الله تعالى بل هو جميع أحواله جمعه أربعة من أصحابه واليهود ظلموه أولاً حيث كذبوه ولم يعرفوا بعد دعواه وقتلوه آخراً ولم يعلموا محله ومغزاه وقد ورد في التوراة ذكر المشيحا في مواضع كثيرة وهو المسيح‏.‏

وأما السمرة فمنهم فرقة يقال لها الدستانية وتسمى الدستانية أيضاً الفانية ومنهم فرقة يقال لها كوشانية والدستانية يقولون‏:‏ إنما الثواب والعقاب في الدنيا وأما الكوشانية فيقرون بالآخرة ولليهود أعياد وصيام فمنها الفصح وهو اليوم الخامس عشر من نيسان اليهود وهو عيد كبير وهو أول أيام الفطير السبعة ولا يجوز لهم فيها أكل الخمير لأنهم أمروا في التوراة أن يأكلوا في

هذه الأيام فطيراً وآخر هذه الأيام الحادي والعشرون من الشهر المذكور والفصح يدور من ثاني عشر آذار إلى خامس عشر نيسان وسبب ذلك أن بني إِسرائيل لما تخلصوا من فرعون وحصلوا في التيه اتفق ذلك ليلة الخامس عشر من نيسان اليهود والقمر تام الضوء والزمان زمان ربيع فأمروا بحفظ هذا اليوم وفي آخر هذه الأيام غرق فرعون في بحر السويس وهو بحر القلزم‏.‏

ولهم عيد الّعنصرة وهو بعد الفطير بخمسين يوماً ويكون في السادس من شيون وفيه حضر مشايخ بني إسرائيل إِلى طور سيناء مع موسى عليه السلام فسمعوا كلام الله تعالى من الوعد والوعيد فاتخذوه عيداً‏.‏

ومن أعيادهم عيد الحنكة وسعناه التنظيف وهو ثمانية أيام أولها الخامس والعشرون من كسليو يَسْرجون في الليلة الأولى سراجاً وفي الثانية اثنين وكذلك حتى يسرجوا في الثامنة ثمانية سرج وذلك تذكار أصغر ثمانية أخوة قَتَلَ بعض ملوك اليونان فإنه كان قد تغلب عليهم ملك من اليونان ببيت المقدس وكان يفترع البنات قبل الإهداء إِلى أزواجهن وكان له سرداب قد أخرج منه حبلين عليهما جلجلان فإن احتاج إلى امرأة حرك الأيمن فتدخل عليه فإِذا فرغ منها حرك الأيسر فيخلى سبيلها وكان في بني إِسرائيل رجل له ثمانية بنين وبنت واحدة فتزوجها إِسرائيلي وطلبها فقال له أبوها‏:‏ إِن أهديتها إِليك افترعها هذا الملعون ووبخ بنيه بذلك فأنفوا من ذلك ووثب الصغير منهم فلبس ثياب النساء وخبأ خنجراً تحت قماشه وأتى باب الملك على أنه أخته فلما حُرّك الجرس أدُخِل عليه فحين خلا به قتله وأخذ رأسه وحرك الحبل الأيسر وخرج خلي سبيله فلما ظهر قتل الملك فرح بذلك بنو إسرائيل واتخذوه عيداً في ثمانية أيام تذكاراً للأخوة الثمانية‏.‏

ومن أعيادهم المظال وهي سبعة أيام أولها خامس عشر تشرين الأول يستظلون فيها بالخلاف والقصب وغير ذلك وهو فريضة على المقيم دون المسافر وأمروا بذلك تذكاراً لأظلال الله تعالى إِياهم بالغمام في التيه وآخر المظال وهو حادي عشرين تشرين يسمى عرابا وتفسيره شجر الخلاف وغدعرابا وهو اليوم الثاني والعشرون من تشرين يسمى التبريك وتبطل فيه الأعمال ويزعمون أن التوراة فيه استتم نزولها ولذلك يتبركون فيه بالتوراة وليس في صياماتهم فرض غير صوم الكبور هو عاشر يوم من تشرين اليهود وابتداء الصوم من اليوم التاسع قبل غروب الشمس بنصف ساعة إلى بعد غروبها من اليوم العاشر بنصف ساعة تمام خمس وعشرين ساعة وكذلك غيره من صياماتهم النوافل والسنن‏.‏

أمة النصارى

وهم أمة المسيح عليه السلام من كتاب الملل والنحل للشهرستاني قال‏:‏ وللنصارى في تجسد الكلمة مذاهب‏.‏

فمنهم من قال‏:‏ أشرقت على الجسد إشراق النور على الجسم المشف ومنهم من قال‏:‏ انطبعت فيه انطباع النقش في الشمعة ومنهم من قال تدرع اللاهوت بالناسوت ومنهم من قال‏:‏ مازجت الكلمة جسد المسيح ممازجة اللبن بالماء‏.‏

واتفقت النصارى على أن المسيح قتلته اليهود وصلبوه ويقولون أن المسيح بعد أن قُتل وصلب ومات عاش فرأى شخصه شمعون الصفا وكلمه وأوصى إليه ثم فارق الدنيا وصعد إلى السماء‏.‏

قال‏:‏ وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة وكبارهم ثلاث فرق الملكانية والنسطورية واليعقوبية‏.‏

أما الملكانية فهم أصحاب ملكا الذي ظهر ببلاد الروم واستولى عليها فصار غالب الروم ملكانية وهم يصرحون بالتثليث وعنهم أخبر الله تعالى بقوله‏:‏ ‏)‏لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة‏(‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 73‏)‏ وصرحت الملكانية أن المسيح ناسوت كلي وهو قديم أزلي من قديم أزلي وقد ولدت مريم إلهاً أزلياً والقتل والصلب وقعا على الناسوت واللاهوت معاً وأطلقوا لفظ الأبوة والبنوة على الله تعالى وعلى المسيح حقيقة وذلك لما وجدوا في الإنجيل‏:‏ إنك أنت الابن الوحيد ولما رووا عن المسيح أنه قال حين كان يصلب‏:‏ أذهب إلى أبي وأبيكم‏.‏

وحرموا أريوس لما قال‏:‏ القديم هو الله تعالى والمسيح مخلوق واجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة بالقسطنطينية بمحضر من قسطنطين ملكهم وكانوا ثلاثمائة ثلاثة عشر رجلاً واتفقوا على هذه الكلمة اعتقاداً ودعوة وذلك قولهم‏:‏ نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد بكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده اتفقت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا وأجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس وولد من مريم البتول وصلب ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية وبقيام أبداننا وبالجياة الدائمة أبد الآبدين‏.‏

هذا هو الاتفاق الأول على هذه الكلمات ووضعوا شرائع النصارى واسم الشريعة عندهم الهيمانوت‏.‏

وأما النسطورية فهم أصحاب نسطورس وهم عند النصارى كالمعتزلة عندنا خالفت النسطورية الملكانية في اتحاد الكلمة فلم يقولوا بالامتزاج بل إن الكلمة أشرقت على جسد المسيح كإشراق الشمس في كوة أو على بلور وقالت النسطورية أيضاً‏:‏ إن القتل وقع على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته خلافاً للملكانية‏.‏

وأما اليعقوبية وهم أصحاب يعقوب البردغادي وكان راهباً بالقسطنطينية فقالوا إن الكلمة انقلبت لحماً ودماً فصار الإله هو المسيح‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ واليعقوبية يقولون‏:‏ إن المسيح هو الله قتل وصلب ومات وإن العالم بقي ثلاث أيام بلا مدبر وعنهم أخبر القرآن العزيز بقوله تعالى‏:‏ )‏لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم‏(‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 72‏)‏ ومن كتاب ابن سعيد المغربي قال‏:‏ البطارقة للنصارى بمنزلة الأئمة أصحاب المذاهب للمسلمين والمطارنة مثل القضاة والأساقفة مثل المفتين والقسيسون بمنزلة القراء والجاثليق بمنزلة الإمام الذي يؤم في الصلاة والشمامسة بمنزلة المؤذنين وقومة المساجد وأما صلوات النصارى فإنها سبع عند الفجر والضحى والظهر والعصر والمغرب والعشاء ونصف الليل يقرؤون فيها بالزبور المنزل على داود تبعاً لليهود في ذلك والسجود في صلاتهم غير محدود قد يسجدون في الركعة الواحدة خمسين سجدة ولا يتوضؤون للصلاة وينكرون الوضوء على المسلمين واليهود ويقولون الأصل طهارة القلب‏.‏

ومما نقلناه من كتاب نهاية الإدراك في دراية الأفلاك للخرقي في الهيئة أن للنصارى أعياداً وصيامات فمنها صومهم الكبير وهو صوم تسعة وأربعين يوماً أولها يوم الاثنين وهو أقرب اثنين إلى الاجتماع الكائن فيما بين اليوم الثاني من شباط إلى اليوم الثامن من آذار فأي اثنين كان أقرب إليه إما قبل الاجتماع وإما بعده فهو رأس صومهم وفطرهم أبداً يكون يوم الأحد الخمسين من هذا الصوم وسبب تخصيصهم هذا الوقت بالصوم أنهم يعتقدون أن البعث والقيامة في مثل يوم الفصح وهو اليوم الذي قام فيه المسيح من قبره بزعمهم‏.‏

ومن أعيادهم الشعانين الكبير وهو يوم الأحد الثاني والأربعون من الصوم وتفسير الشعانين التسبيح لأن المسيح دخل يوم الشعنينة المذكورة إلى القدس راكب أتان يتبعها جحش فاستقبله الرجال والنساء والصبيان وبأيديهم ورق الزيتون وقرؤوا بين يديه التوراة إلى أن دخل بيت المقدس واختفى عن اليهود يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء وغسل في يوم الأربعاء أيدي صحابه الحواريين وأرجلهم ومسحها في ثيابه وكذلك يفعله القسيسون بأصحابهم في هذا اليوم ثم أفصح في يوم الخميس بالخبز والخمر وصار إلى منزل واحد من أصحابه ثم خرج المسيح ليلة الجمعة إلى الجبل فسعى به يهوذا وكان أحد تلامذته إلى كبراء اليهود وأخذ منهم ثلاثين درهماً رشوة ودلهم عليه فألقى الله شبه المسيح على المذكور فأخذوه وضربوه ووضعوا على رأسه إكليلاً من الشوك وأنالوه كل مكره وعذبوه بقية تلك الليلة أعني ليلة الجمعة إلى أن أصبحوا فصلبوه بزعمهم أنه المسيح على ثلاث ساعات من يوم الجمعة على قول متى ومرقوس ولوقا وأما يوحنا فإنه زعم أنه صلب على مضي ست ساعات من النهار المذكور ويسمى جمعة الصلوب وصلب معه لصان على جبل يقال له الجمجمة واسمه بالعبرانية كاكله وماتوا على ما زعموا في الساعة التاسعة ثم استوهب يوسف النجار وهو ابن عم مريم المسيح من قائد اليهود هيروذس واسمه فيلاطوس وكان ليوسف المذكور منزلة ومكانة عنده فوهبه إياه فدفنه يوسف في قبر كان أعده لنفسه وزعمت النصارى أنه مكث في القبر ليلة السبت ونهار السبت وليلة الأحد ثم قام صبيحة يوم الأحد الذي يفطرون فيه ويسمون النصارى ليلة السبت بشارة الموتى بقدوم المسيح‏.‏

ولهم الأحد الجديد وهو أول أحد بعد الفطر ويجعلونه مبدأ للأعمال وتاريخاً للشروط والقبالات‏.‏

ولهم عيد السلاقا ويكون يوم الخمسين بعد الفطر بأربعين يوماً وفيه تسلق المسيح مصعداً إِلى السماء من طور سيناء‏.‏

ولهم عيد الفنطي قسطي وهو يوم الأحد بعد السلاقا بعشرة أيام‏.‏

واسمه مشتق من الخمسين بلسانهم وفيه تجلى المسيح لتلامذته وهم السليحيون ثم تفرقت ألسنتهم وتوجهت كل فرقة إلى موضع لغتها‏.‏

ولهم الدنح وهو سادس كانون الثاني وهو اليوم الذي غمس فيه يحيى بن زكريا الميسح في نهر الأردن‏.‏

ولهم عيد الصليب وهو مشهور‏.‏

ولهم الميلاد ويصومون قبله أربعين يوماً أولها سادس عشر تشرين الآخر وكان الميلاد في ليلة الرابع والعشرين من كانون الأول‏:‏ وفي الليلة المذكورة ولدت مريم المسيح في قرية بالقرب من القدس تسمى بيت لحم‏.‏

وأما الإنجيل فهو كتاب يتضمن أخبار المسيح عليه السلام من ولادته إلى وقت خروجه من هذا العالم كتبه أربعة نفر من أصحابه وهم متى كتبه بفلسطين بالعبرانية ومرقوس كتبه ببلاد الروم باللغة الرومية ولوقا كتبه بالاسكندرية باللغة اليونانية ويوحناّ كتبه بالإسكندرية ولهم صوم السليحيين وهو ستة وأربعون يوماً أولها يوم الاثنين تالي الفنطي قسطي بعد الفطر الكبير بخمسين يوماً ولهم فيه خلاف‏.‏

ولهم صوم نينوى ثلاثة أيام أولها يوم الاثنين الذي قبل الصوم الكبير باثنين وعشرين يوماً‏.‏

ولهم صوم العذارى وهو ثلاثة أيام أولها يوم الاثنين يتلو الدنح وفطره يوم الخميس‏.‏

الأمم التي دخلت في دين النصارى

فمنها أمة الروم قال أبو عيسى‏:‏ وهذه الأمة على كثرتها وعظم ملوكها واتساع بلادها إنما نجمت من بني العيص بن إِسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام وكان أول ظهورهم في سنة ست وسبعين وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السلام وساروا إلى البلاد المعروفة ببلاد الروم وسكنوها وحينئذ ابتدأت الروم توجد‏.‏

ومن كتاب ابن سعيد المغربي إن الروم يعرفون ببني الأصفر والأصفر هو روم العيص بن إسحاق على أحد الأقوال من الكامل وغيره أن الروم كانت تدين بدين الصابئة ويعبدون أصناماً على أسماء الكواكب وما زالت الروم ملوكها ورعيتها كذلك حتى تنصر قسطنطين وحملهم على دين النصارى فتنصروا عن آخرهم ومن أمم النصارى الأرمن وكانت بلادهم أرمينية وقاعدة مملكتها خلاط فلما ملكها المسلمون صارت الأرمن رعية فيها ثم تغلبت الأرمن على الثغور وملكوا من المسلمين طرسوس والمصيصة واستولوا على تلك البلاد التي تعرف اليوم ببلاد سليس وسليس مدينة ولها قلعة حصينة وهي كرسي مملكة الأرمن في زماننا هذا‏.‏

ومنها الكرج وبلادهم مجاورة لبلاد خلاط آخذة إلى الخليج القسطنطيني وممتدة إلى نحو الشمال ولهم جبال منيعة والكرج خلق كثير وقد عليهم دين النصارى ولهم قلاع حصينة وبلاد متسعة وهم في زماننا هذا مصالحون للتتر وبيت الملك عندهم محفوظ متوارث يليه الرجال والنساء من ذلك البيت‏.‏

ومنها الجركس وهم على بحر نيطش من شرقيه وهم في شظف من العيش والغالب عليهم دين النصارى‏.‏

ومنها الروس ولهم بلاد في شمالي بحر نيطش وهم من ولد يافث وقد غلب عليهم دين النصارى‏.‏

ومنها البلغار منسوبون إِلى المدينة التي يسكنونها وهي في شرقي بحر نيطش وكان الغالب عليهم النصرانية ثم أسلم منهم جماعة‏.‏

ومنها الألمان وهي من أكبر أمم النصارى يسكنون في غربي القسطنطينية إلى الشمال وملكهم كثير الجنود وهو الذي سار إِلى صلاح الدين بن أيوب في مائة ألف مقاتل فهلك ملك الألمان المذكور وغالب عسكره في الطريق قبل أن يصلوا إِلى الشام على ما سنذكر ذلك إِن شاء الله تعالى مع أخبار صلاح الدين المذكور‏.‏

ومنها البرجان وهم أيضاً أمة كبيرة بل أمم كثيرة طاغية قد فشا فيها التثليث وبلادهم واغلة في الشمال وأخبارهم وسير ملوكهم منقطعة عنا لبعدهم‏.‏

وجفاء طباعهم‏.‏

ومنها الإفرنج وهم أمم كثيرة وأصل قاعدة بلادهم فرنجة ويقال فرنسه وهي مجاورة لجزيرة الأندلس من شماليها ويقال لملكهم الفرنسيس وهو الذي قصد ديار مصر وأخذ دمياط ثم أسره المسلمون واستنقذوا دمياط منه ومنوا عليه بالإِطلاق وكان ذلك بعيد موت الملك الصالح أيوب بن الملك الكامل محمد ابن أبي بكر بن أيوب على ما سنذكره في سنة ثمان وأربعين وستمائة للهجرة إِن شاء الله تعالى وقد غلب الفرنج على معظم جزيرة الأندلس ولهم في بحر الروم جزائر مشهورة مثل صقلية وقبرس وإقريطش وغيرها‏.‏

ومنهم الجنوية منسوبون إِلى جنوة وهي مدينة عظيمة وبلاد كثيرة وهي غربي القسطنطينية على بحر الروم‏.‏

ومنها البنادقة وهم أيضاً طائفة مشهورة ومدينتهم تسمى البندقية وهي على خليج يخرج من بحر الروم يمتد نحو سبعمائة ميل في جهة الشمال والغرب وهي قريبة من جنوة في البر وبينهما نحو ثمانية أيام وأما في البحر فبينهما أمد بعيد أكثر من شهرين لأنهم يخرجون من شعبة البحر التي على طرفها البندقية وقدرها سبعمائة ميل إِلى بحر الروم مشرقاً ثم يسيرون فيه مغرباً إلى جنوة وأما رومية فهي مدينة عظيمة تقع غربي جنوة والبندقية وهي مقر خليفتهم واسمه البابا وهي شمالي الأندلس بميلة إلى الشرق‏.‏

ومن أمم النصارى الجلالقة وهم أشد من الفرنج وهم أمة يغلب عليهم الجهل والجفاء ومن زيهم أنهم لا يغسلون ثيابهم بل يتركونها عليهم إِلى أن تبلى ويدخل أحدهم دار الآخر بدون استئذان وهم كالبهائم ولهم بلاد كثيرة في شمالي الأندلس ومنها الباشقرد وهم أمة كثيرة ما بين بلاد الألمان وبلاد إفرنجة وملكهم وغالبهم نصارى وفيه أيضاً مسلمون وهم شرسو الأخلاق‏.‏

أمم الهند

وهم فرق كثيرة قال الشهرستاني‏:‏ ومن فرقهم الباسوية زعموا أن لهم رسولاً ملكاً روحانياً نزل بصورة البشر فأمرهم بتعظيم النار والتقرب إِليها بالطيب والذبائح ونهاهم عن القتل والذبح لغير النار وسن لهم أن يتوشحوا بخيط يعقدونه من مناكبهم الأيامن إِلى تحت شمائلهم وأباح لهم الزناء وأمرهم بتعظيم البقر والسجود لها حيث رأوها ويتضرعون في التوبة إِلى التمسيح بها‏.‏

قال ومنهم اليهودية ومن مذهبهم أن لا يعافوا شيئاً لأن الأشياء جميعها صنع الخالق ويتقلدون بعظام الناس ويمسحون رؤوسهم وأجسادهم بالرماد ويحرمون الذبائح والنكاح وجمع الأموال ومنهم عبدة الشمس وعبدة القمر ومنهم عبدة الأصنام وهم معظمهم‏.‏

ولهم أصنام عدّة كل صنم لطائفة ويكون لذلك الصنم شكل غير شكل الصنم الآخر مثل أن يكون أحدها بأيد كثيرة أو على شكل امرأة ومعه حيات ونحو ذلك‏.‏

ومنهم عبّاد الماء ويقال لهم الجلهكينية ويزعمون أن الماء ملك وهو أصل كل شيء وإذا أراد الرجل عبادة الماء تجرد وستر عورته ثم دخل الماء حتى يصل إلى وسطه فيقيم فيه ساعتين أو أكثر ويأخذ مهما أمكنه من الرياحين فيقطعها صغاراً ويلقيها في الماء وهو يسبح ويقرأ وإذا أراد الانصراف حرّك الماء بيده ثم أخذ منه فنقّط على رأسه ووجهه ثم يسجد وينصرف‏.‏

ومنهمٍ عباد النار ويقال لهم الإكنواطرية وصورة عبادتهم لها أن يحفروا في الأرض أخدوداً مربعاً ويؤججوا النار فيه ثم لا يدعون طعاماً لذيذاً ولا شراباً لطيفاً ولا ثوباً فاخراً ولا عطراً فائحاً ولا جوهراً نفيساً إِلا طرحوه في تلك النار تقرّباً إِليها‏.‏

وحرموا إِلقاء النفوس فيها خلافاً لطائفة أخرى‏.‏

ومنهم البراهمة أصحاب الفكرة وهم أهل العلم بالفلك والنجوم ولهم طريقة في أحكام النجوم تخالف طريقة منجمي الروم والججم وذلك أن أكثر أحكامهم باتصالات الثوابت دون السيارات وإنما سموا أصحاب الفكرة لأنهم يعظمون أمر الفكرة ويقولون هو المتوسط بين المحسوس والمعقول ويجتهدون كل الجهد حتى يصرفوا الفكر عن المحسوسات فإِذا تجرد الفكر عن هذا العالم تجلى له ذلك العالم فربما يخبر عن المغيبات وربما يوقع الوهم على حي فيقتله وإنما يصرفون الفكر عن المحسوسات بالرياضة البليغة المجهدة وبتغميض أعينهم أياماً والبراهمة لا يقولون بالنبوات وينفونها بالكلية ولهم على ذلك شبه مذكورة في الملل والنحل لا تليق بهذا المختصر‏.‏

ومن كتاب ابن سعيد المغربي ونقله عن المسعودي‏:‏ أنّ الهنود لا يرون إِرسال الريح من بطونهم قبيحاً والسعال عندهم أقبح من الضراط والجشاء أقبح من الفساء ومما نقله عن المسعودي أيضاً‏:‏ إِن الهنود يحرقون أنفسهم وإذا أراد الرجل منهم ذلك أتى إِلى باب الملك واستأذنه في إحراق نفسه فإذا أذن له ألبس ذلك الرجل أنواع الحرير المنقوش وجعل على رأسه إِكليلاً من الريحان وضربت الطبول والصنوج بين يديه وقد أججت له النيران ويدور كذلك في الأسواق وحوله أهله وأقاربه حتى إِذا دنا من النار أخذ خنجراً بيده وشق به جوفه ثم يهوي بنفسه في النار‏.‏

قال والزناء فيما بينهم مباح قال ويعظمون نهر كنك وهو نهر عظيم يجري في حدود الهند من الشرق إِلى الغرب وهو حاد الانصباب وللهنود رغبة في إتلاف نفوسهم بالتغريق في هذا النهر ويقتلون أنفسهم على شطه أيضاً والهنود تتهادى ماء هذا النهر كما يتهادى المسلمون ماء بئر زمزم وللهند ممالك فمنها‏:‏ مملكة المانكير وهي من أعظم ممالك الهند وهي على بحر اللان الذي عليه السند ولا يدرك لهذا البحر قعر وهو أول بحار الهند من جهة الغرب وهذه المملكة أقرب ممالك الهند إِلى بلاد الإسلام وهي التي كان يكثر محمود بن سبكتكين غزوها حتى فتح منها بلاداً كثيرة ومن مدنها العظام مدينة لهاور وهي على جانبي نهر عظيم مثل بغداد‏.‏

قال‏:‏ ويلي مملكة المانكير مملكة القنوح وهي مملكة بلادها الجبال وهي منقطعة عن البحر وكل من ملكها يسمى نوده ولأهل هذه المملكة أصنام يتوارثون عبادتها ويزعمون أن لها نحو مائتي ألف سنة‏.‏

قال ويجاور هذه المملكة مملكة قمار وهي التي ينسب إِليها العود القماري وهي على البحر وأهل هذه المملكة يرون تحريم الزناء من بين أهل الهند قال ابن سعيد ورواه عن المسعودي أن الذي يملكها يسمى زهم قال ويحاربه من جهة البحر ملك الجزر المعروف بالمهراج‏.‏

قال وآخر ممالك الهند من جهة الشرق مملكة بنارس وهي تلي بلاد الصين وهي مملكة طويلة وعرضها نحو عشرة أيام وجزائر بحر الهند في نهاية الكثرة وهي في البحر قبالة هذه الممالك ولها ملوك وقد أكثر المصنفون فيها الكلام مما لا يليق بهذا المختصر‏.‏

أمة السند

وهم غربي الهند وبلاد السند قسمان قسم على جانب البحر ويقال لتلك البلاد اللان ومن مشاهير مدن هذا القسم المولتمان والمنصورة والدبيل والمسلمون غالبون على هذا القسم‏.‏

والقسم الثاني في البر إِلى جانب الجبل وبلاده كثيرة الوعر ويقال للبلاد التي في هذا القسم القشمير وهي في أيدي الكفار وأهلها يعبدون الأوثان مثل الهنود وكل من ملك السند يقال له رتبيل‏.‏

أمم السودان

وهم من ولد حام من كتاب ابن سعيد قال‏:‏ وأديان السودان مختلفة فمنهم مجوس ومنهم من يعبد الحيات ومنهم أصحاب أوثان قال‏:‏ وقد روي عن جالينوس أنهم يختصون بعشر خصال‏.‏

وهي تفلفل الشعر وخفة اللحا وانتشار المنخرين وغلظ الشفتين وتحدد الأسنان ونتن الجلد وسواد اللون وتشقق اليدين والرجلين وطول الذكر وكثرة الطرب‏.‏

فمن أعظم أممهم الحبش وبلادهم تقابل الحجاز وبينهما البحر وهي بلاد طويلة عريضة وبلادهم في جنوب النوبة وشرقيها وهم الذين ملكوا اليمن قبل الإسلام حسبما تقدم خبره عقيب ذكر ملوك اليمن من العرب وخصيان الحبشة أفخر الخصيان‏.‏

ويجاور الحبش من الجنوب الزيلع والغالب عليهم دين الإسلام‏.‏

ومن أمم السودان النوبة وهم يجاورون الحبشة من جهة الشمال والغرب والنوبة في جنوب حدود مصر وكثيراً ما يغزوهم عسكر مصر ويقال‏:‏ إِن لقمان الحكيم الذي كان مع داود النبي عليه السلام من النوبة وأنه ولده بأيلة‏.‏

ومنه ذو النون المصري وبلال بن حمامة‏.‏

ومن أممهم البجا وهم شديدو السواد عراة ويعبدون الأوثان وهم أهل أمن وحسن مرافقة للتجار في بلادهم الذهب وهم فوق الحبشة إِلى جهة الجنوب على النيل‏.‏

ومن أممهم الدمادم وبلادهم على النيل فوق بلاد الزنج والدمادم تتر السودان فإِنهم خرجوا عليهم وقتلوا فيهم كما جرى للتتر مع المسلمين وهم مهملون في أديانهم ولهم أوثان وأوضاع مختلفة وفي بلادهم الزرافات وفي أرض الدمادم يفترق النمل إلى جهة مصر وإلى الزنج‏.‏

ومن أممهم الزنج وهم أشد السودان سواداً ويحاربون راكبين البقر ويعبدون الأوثان وهم أهل بأس وقساوة والنيل ينقصم فوق بلادهم عند جبل المقسم‏.‏

ومن أممهم التكرور وهم على غربي النيل وبلادهم جنوبية غربية وببلادهم يتكون الذهب ومن أممهم الكانم وأكثرهم مسلمون وهم على النيل وهم على مذهب مالك وأما مدينة غانة فهي من أعظم مدن السودان وهي في أقصى جنوب المغرب ويسافر التجار من سجلماسة إِلى غانة وسجلماسة مدينة بالغرب الأقصى بعيدة عن البحر ويسيرون من سجلماسة إلى غانة في مفازة لا يوجد فيها الماء نحو اثني عشر يوماً ويحملون إِليهما التين والملح والنحاس والودع ولا يجلبون منها إِلا الذهب العين‏.‏

أمم الصين

وأما بلاد الصين فطويلة عريضةْ طولها من المشرق إِلى المغرب أكثر من مسيرة شهرين وعرضها من بحر الصين في الجنوب إِلى سد يأجوج ومأجوج في الشمال‏.‏

وقد قيل‏:‏ إِن عرضها أكثر من طولها ويشتمل عرضها على الأقاليم السبعة وأهل الصين أحسن الناس سياسة وأكثرهم عدلاً وأحذق الناس في الصناعات وهم قصار القدود عظام الرؤوس وهم أهل مذاهب مختلفة فمنهم مجوس وأهل أوثان وأهل نيران‏.‏

قال ومدينتهم الكبرى يقال لها جمدان يشقها نهرها الأعظم‏.‏

وأهل الصين أحذق خلق الله تعالى بالنقش والتصوير بحيث يعمل الرجل الصيني بيده ما يعجز عنه أهل الأرض والصين الأقصى ويقال له صين الصين هو نهاية العمارة من جهة الشرق وليس وراءه غير البحر المحيط ومدينته العظمى يقال لها السيلي وأخبارها منقطعة عنا‏.‏

بني كنعان

وهم أهل الشام قال ابن سعيد‏:‏ وإِنما سمي الشام شاماً لسكنى سام بن نوح به وسام اسمه بالعبرانية شام بشين معجمة وقيل تشأمت به بنو كنعان هو ابن مازيغ بن حام بن نوح وكان كنعان من جملة الذين اتفقوا على بناء الصرح فلما بلبل الله تعالى ألسنتهم في أواخر سنة ستمائة وسبعين للطوفان وتفرقوا نزل كنعان في الشام ونزل في جهة فلسطين وتوارثها بنوه وكان كل من ملك من بني كنعان يلقب جالوت إِلى أن قتل داود جالوت آخر ملوكهم وكان اسمه كلياد عن البيروني ذكر ذلك في أواخر كتاب الجواهر فتفرقت بنو كنعان وسار منهم طائفة إلى المغرب وهم البربر‏.‏

البربر

وقد اختُلِفَ في البربر اختلافاً كثيراً فقيل‏:‏ إِنهم من ولد فارق بن بيصر بن حام البربر يزعمون أنهم من ولد قيس غيلان وصنهاجة من البربر تزعم أنها من ولد إفريقس بن صيفي الحميري وزناتة منهم تزعم أنها من لخم والأصح أنهم من ولد كنعان حسبما ذكرنا وأنه لما قتل ملكهم جالوت وتفرقت بنو كنعان قصدت منهم طائفة بلاد المغرب وسكنوا تلك البلاد وهم البربر وقبائل البربر كثيرة جداً‏.‏

منهم كثامة وبلادهم بالجبال من الغرب الأوسط وكثامة الذين أقاموا دولة الفاطميين مع أبي عبد الله الشيعي‏.‏

ومنهم صنهاجة ومن صنهاجة ملوك أفريقية بنو بلكين بن زبري‏.‏

ومن قبائل البربر زناتة وكان منهم ملوك فاس وتلمسان وسجلماسة ولهم الفروسية والشجاعة المشهورة‏.‏

ومن البربر المصامدة وسكناهم في جبل درن وهم الذين قاموا بنصر المهدي بن تومرت وبهم ملك عبد المؤمن وبنوه بلاد المغرب‏.‏

وانفرق من المصامدة قبيلة هنتانة وملك منهم إفريقية والغرب الأوسط أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص ثم خطب لولده أبي عبد الله محمد ابن يحيى بالخلافة واستمر على ذلك إلى سنة اثنتين وخمسين وستمائة على ما سنذكرهم إن شاء الله تعالى‏.‏

ومن قبائل البربر المشهورة برغواطة ومنازلهم في نأمسنا وجهات سلا على البحر المحيط والبربر

مثل العرب في سكنى الصحارى ولهم لسان غير العربي قال ابن سعيد‏:‏ ولغاتهم ترجع إِلى أصول واحدة وتختلف فروعها حتى لا تفهم إِلا بترجمان‏.‏

أمة عاد

وهم من ولد عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح وكانت عاد في نهاية من عظم الأجساد والتجبر ونزل عاد لما تبلبلت الألسن في حضرموت وأرسل الله إِلَى بني عاد هوداً نبياً حسبما تقدم ذكره في الفصل الأول فلم يستجيبوا له وكانوا أهل قوة وبطش وكان لهم في الأرض آثار عظيمة حتى قال لهم هود ‏(‏أتبنون بكل ربع آية تعبثون‏ وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين‏)‏ ‏(‏الشعراء‏:‏ 128، 129، 130‏)‏ وبلاد عاد يقال لها الأحقاف وهي بلاد متصلة باليمن وبلاد عمان وصار الملك في بني عاد وأول من ملك منهم شداد بن عاد ثم ملك بعده من بنيه جماعة وقد كثر الاختلاف في ذكرهم وجميع ما ذكر من ذلك مضطرب غير قريب للصحة فأضربنا عنه‏.‏

العمالقة

وهم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام ولما تبلبلت الألسن نزلت العمالقة بصنعاء من اليمن ثم تحولوا إِلى الحرم وأهلكوا من قاتلهم من الأمم وكان من العمالقة جماعة بالشام وهم الذين قاتلهم موسى عليه السلام ثم يوشع بعده فأفناهم وكان منهم فراعنة مصر وكان منهم من قال صاحب الأغاني‏:‏ كان السبب في سكنى اليهود خيبر وغيرها من الحجاز أن موسى عليه السلام أرسل جيشاً إِلى قتال العمالقة أصحاب خيبر ويثرب وغيرهما من الحجاز وأمرهم موسى عليه السلام أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحداً فسار ذلك الجيش وأوقع بالعمالقة وقتلوهم واستبقوا منهم ابن ملكهم ورجعوا به إِلى الشام وقد مات موسى عليه السلام فقالت لهم بنو إِسرائيل قد عصيتم وخالفتم فلا نأويكم‏.‏

فقالوا‏:‏ نرجع إِلى البلاد التي غلبنا عليها وقتلنا أهلها فرجعوا إِلى يثرب خيبر وغيرها من بلاد الحجاز واستمرت اليهود بتلك البلاد حتى نزلت عليهم الأوس والخزرج لما تفرقوا من اليمن بسبب سيل العرم وقيل إِن اليهود إِنما سكنوا الحجاز لما تفرقوا اليمن حين غزاهم بخت نصر وخرب بيت المقدس واللّه أعلم‏.‏

أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام قال الشهرستاني في الملل والنحل‏:‏ والعرب الجاهلية أصناف فصنف أنكروا الخالق والبعث وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني كما أخبر عنهم التنزيل ‏)‏وقالوا ما هي إِلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا‏( ‏(‏الجاثية‏:‏ 24‏)‏ وقوله ‏)‏وما يهلكنا إِلا الدهر‏(‏ ‏(‏الجاثية‏:‏ 24‏)‏ وصنف اعترفوا بالخالق وأنكروا البعث وهم الذين أخبر الله عنهم بقوله تعالى ‏(‏أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد( ‏(‏ق‏:‏ 15‏)‏ وصنف عبدوا الأصنام وكانت أصنامهم مختصة بالقبائل فكان ود لكلب وهو بدومة الجندل وسواع لهذيل ويغوث لذحج ولقبائِل من اليمن ونسر لذي الكلاع بأرض حمير ويعوق لهمذان واللات لثقيف بالطائف والعزى لقريش وبني كنانة ومناة للأوس والخزرج وهبل أعظم أصنامهم وكان هبل على ظهر الكعبة وكان إِساف ونائلة على الصفا والمروة وكان منهم من يميل إلى اليهود ومنهم من يميل إِلى النصرانية ومنهم من يميل إِلى الصابئة ويعتقد في أنواء المنازل اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرك إِلا بنوء من الأنواء‏.‏

ويقول مطرنا بنوء كذا وكان منهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الجن وكانت علومهم علم الأنساب والأنواء والتواريخ وتعبير الرؤيا وكان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فيها يد طولى وكانت الجاهلية تفعل أشياء جاءت شريعة الإسلام بها فكانوا لا ينكحون الأمهات والبنات وكان أقبح شيء عندهم الجمع بين الأختين وكانوا يعيبون المتزوج بامرأة أبيه ويسمونه الضْيزن وكانوا يحجون البيت ويعتمرون ويحرمون ويطوفون ويسعون ويقفون المواقف كلها ويرمون الجمار وكانوا يكبسون في كل ثلاثة أعوام شهراً ويغتسلون من الجنابة وكانوا يداومون على المضمضة والاستنشاق وفرق الرأس والسواك والاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانةْ والختان وكانوا يقطعون يد السارق اليمنى‏.‏

أحياء العرب وقبائلهم

وقد قسمت المؤرخون العرب إلى ثلاثة أقسام بائدة وعاربة ومستعربة‏.‏

أما البائدة

فهم العرب الأول الذين ذهبت عنا تفاصيل أخبارهم لتقادم عهدهم وهم عاد وثمود وجرهم الأولى وكانت على عهد عاد فبادوا ودرست أخبارهم وأما جرهم الثانية فهم من ولد قحطان وبهم اتصل إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام ولم يبق من ذكر العرب البائدة إلا القليل على ما نذكره الآن‏.‏

وأما العرب العاربة

فهم عرب اليمن من ولد قحطان‏.‏

وأما العرب المستعربة فهم

ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام‏.‏

وهم طسم وجديس وكانت مساكن هاتين القبيلتين في اليمامة من جزيرة العرب‏.‏

وكان الملك عليهم في طسم واستمروا على ذلك برهة من الزمان حتى انتهى الملك من طسم إلى رجل ظلوم غشوم قد جعل سنّته أن لا تُهدى بكْر من جديس إلى بعلها حتى يدخل عليها فيفترعها ولما استمر ذلك على جديس أنفوا منه واتفقوا على أن دفنوا سيوفهم في الرمل وعملوا طعاماً للملك ودعوه إليه فلما حضر في خواصه من طسم عمدت جديس إلى سيوفهم وقتلوا الملك وغالبوا طسم فهرب رجل من طسم وشكا إلى تبع ملك اليمن وقيل هو حسان بن سعد واستنصر به وشكا ما فعله جديس بملكهم فسار ملك اليمن إلى جديس وأوقع بهم فأفناهم فلم يبق لطسم وجديس ذكر بعد ذلك‏.‏

العرب العاربة وهم بنو قحطان بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح فمنهم بنو جرهم بن قحطان وكانت مساكنهم بالحجاز ولما اسكن إبراهيم الخليل ابنه إسماعيل عليهما السلام مكة كانت جرهم نازلين بالقرب من مكة فاتصلوا بإسماعيل وتزوج منهم وصار من ولد إسماعيل العرب المستعربة لأن أصل إسماعيل ولسانه كان عبرانياً ولذلك قيل له ولولده العرب المستعربة‏.‏

ومن العرب العاربة بنو سبأ واسم سبأ عبد شمس فلما أكثر الغزو والسبي سمي سبأ وهو ابن يشحب بن يعرب بن قحطان وقد مر نسب قحطان وكان لسبأ عدّة أولاد فمنهم حمير وكهلان وعمرو وأشعر‏.‏

وعاملة بنو سبأ وجميع قبائل عرب اليمن وملوكها التبابعة من ولد سبأ المذكور وجميع تبابعة اليمن من ولد حمير بن سبأ خلا عمران وأخيه مزيقيا فإنهما ابنا عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد والأزد من ولد كهلان بن سبأ وفي ذلك خلاف أما التبابعة فقد تقدم ذكرهم في الفصل الرابع مع ملوك العرب فأغنى عن الإعادة و أمّا هنا فنذكر أحياء عرب اليمن وقبائلهم المنسوبين إلى سبأ المذكور ونبدأ بذكر بني حمير بن سبأ فإذا انتهوا ذكرنا كهلان بن سبأ وكذلك حتى نأتي على ذكر بني سبأ إن شاء الله تعالى‏.‏

بني حمير بن سبأ من بني حمير التبابعة ملوك اليمن وقد تقدم ذكرهم في الفصل الرابع ومنهم‏:‏ قضاعة وهو قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ وقيل قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ وكان قضاعة المذكور مالكاً لبلاد الشحر وقبر قضاعة في جبل الشحر‏.‏

ومن قضاعة أيضاً كلب وهم بنو كلب بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة وكانت بنو كلب في الجاهلية ينزلون دومة الجندل وتبوك وأطراف الشام‏.‏

ومن مشاهير كلب زهير بن جباب الكلبي وقد ذكره صاحب كتاب الأغاني وأورد له شعراً ومنهم‏:‏ زهير بن شريك الكلبي وهو القائل‏:‏ ألا أصبحت أسماء في الخمر تعذل وتزعم أني بالسفاه موكل فقلت لها كفى عتابك نصطبح وإلا فبيني فالتعزب أمثل ومنهم‏:‏ حارثة الكلب وهو أبو زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد أصاب ابنه زيداً شبي في الجاهلية فصار إِلى خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فوهبته من النبي عليه السلام وأنشد ابن عبد البر في كتاب الصحابة لحارثة المذكور يبكي ابنه زيد لما فقده‏:‏ بكيت على زيد ولم أدر ما فعل أحي يرجى أم أتى دونه الأجل تذكرنيه الشمس عند طلوعها ويعرض ذكراه إذا قارب الطفل وإن هبّت الأرواح هيجن ذكره فيا طول ما حزني عليه ويا وجل ثم اجتمع بزيد أبوه حارثة وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختاره على أبيه وأهله‏.‏

ومن قبائل قضاعة بلي ومن قبائل قضاعة تنوخ وكان بينهم وبين اللخميين ملوك الحيرة حروب ومن قضاعة بهرا ومن قضاعة جهينة وهي قبيلة عظيمة ينسب إليها بطون كثيرة وكانت منازلها بأطراف الحجاز الشمالي من جهة بحر جدة‏.‏

ومن قبائل قضاعة بنو سليح وكان لهم بادية الشام فغلبتهم عليها ملوك غسان وأبادوا بني سليح‏.‏

ومن قبائل قضاعة بنو نهد رمن مشاهيرهم الصقعب بن عمرو النهدي وهو أبو خالد بن الصقعب وكان رئيساً في الإسلام‏.‏

ومن قضاعة بنو عذرة ومنهم عروة بن حزام وجميل صاحب بثينة‏.‏

ومن بطون حمير بنو شعبان ومنهم الشعبي الفقيه واسمه عامر‏.‏

انتهى الكلام في بني حمير بن سبأ بني كهلان بن سبأ وصار من بني كهلان المذكور أحياء كثيرة والمشهور منها سبعة وهي‏:‏ الأزد وطي ومدحج وهمذان وكندة ومراد وأنمار أما الأزد فهم من ولد الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ‏.‏

ولنذكر قبائل الأزد حتى ينتهوا ثم نذكر قبائل طي ثم مذحج ثم أما قبائل الأزد فمنهم‏:‏ الغساسنة ملوك الشام وهم بنو عمرو بن مازن بن الأزد ومن الأزد الأوس والخزرج أهل يثرب والمسلمون منهم هم الأنصار رضي الله عنهم‏.‏

ومن الأزد‏:‏ خزاعة وبارق ودوس والعتيك وغافق فهؤلاء بطون الأزد‏.‏

أما خزاعة فإنها لما انخزعت عن غيرها من قبائل اليمن الذين تفرقوا بأيدي سبأ من سيل العرم ونزلت ببطن مر على قرب من مكة سميت خزاعة وحصل لهم سدانة البيت والرياسة ولما أصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش في عام الحديبية دخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده وقد اختلف في نسب خزاعة بين المعدية واليمانية والأكثر أنها يمانية والذي تنسب إليه خزاعة هو كعب ابن عمرو بن لحي بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وقد تقدم ذكر عمرو مزيقياء في الفصل الرابع مع تبابعة اليمن‏.‏

ما زالت سدانة البيت في خزاعة حتى انتهت إلى رجل منهم يقال له أبو عبثان وكان في زمان قصي بن كلاب فاجتمع مع قصي في الطائف على شرب فأسكره قصي وخدع أبا عبثان الخزاعي المذكور واشترى منه مفاتيح الكعبة بزق خمر وأشهد عليه فتسلم قصي المفاتيح وأرسل ابنه عبد الدار بن قصي بها إلى مكة فلما وصل إليها رفع صوته وقال‏:‏ معاشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل عليه السلام قد ردها الله عليكم من غير عار ولا ظلم فلما صحا أبو لبثان ندم حيث لا ينفعه الندم فقيل أخسر من أبي عبثان وأكثرت الشعراء القول في ذلك فمنه‏:‏ باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت بزق خمر فبئست صفقة البادي باعت سدانتها بالنزر وانصرفت عن المقام وظل البيت والنادي وجمع قصي أشتات قريش وظهر على خزاعة وأخرجها عن مكة إلى بطن مر‏.‏

ومن خزاعة‏:‏ بنو المصطلق الذين غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما بارق‏:‏ فهم من ولد عمرو مزيقياء الأزدي‏.‏

نزلوا جبلاً بجانب اليمن يقال له بارق فسموا به‏.‏

ومن مشاهيرهم معقر بن حمار البارقي ذكره صاحب الأغاني وهو صاحب القصيدة التي من جملتها البيت المشهور‏:‏ وألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عيناً بالإياب المسافر وأما دوس‏:‏ فهو ابن عدنان بن عبد الله بن وهزان بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد‏.‏

وسكنت بنو دوس إحدى الشروات المطلة على تهامه وكانت لهم دولة بأطراف العراق وأول من ملك منهم‏:‏ مالك بن فهم بن غنم ابن دوس‏.‏

وقد تقدم ذكر مالك بن فهم المذكور ومن ملك بعده في الفصل الرابع المشتمل على ذكر ملوك العرب‏.‏

ومن الدوس أبو هريرة وقد اختلف في اسمه والأكثر أن اسمه عمير بن عامر وأمّا العتيك وغافق فقبيلتان مشهورتان في الإسلام وهم من ولد الأزد‏.‏

ومن الأزد أيضاً بنو الجلندى ملوك عمان والجلندى لقب لكل من ملك منهم عمان وكان ملك عمان في أيام الإسلام قد انتهى إلى حبقر وعبد ابني الجلندى وأسلما مع أهل عمان على يد عمرو بن العاص‏.‏

انتهى الكلام في الأزد‏.‏

الحي الثاني من بني كهلان وهم قبائل طي ولما تفرقت اليمن بسبب سيل العرم نزلت طي بنجد الحجاز في جبلي أجأ وسلمى فعرفا بجبلي طي إلى يومنا هذا‏.‏

وأما طي فهو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ‏.‏

فمن بطون طي جديلة وتيهان وبولان وسلامان وهني وسدوس بضم السين‏.‏

وأمّا سدوس التي في قبائل ربيعة بن نزار فمفتوحة السين‏.‏

ومن سلامان بنو بحتر و من هني إياس بن قبيصة الذي ملك بعد النعمان ومن طي عمرو بن المشيح وهو من بني ثعل الطائي وكان عمرو أرمى وقته وفيه يقول امرؤ القيس‏:‏ رب رام من بني ثعله مخرج كفيه من ستره ومن طي حاتم طي المشهور بالكرم‏.‏

وأما الحي الثالث من بني كهلان فهم بنو مذحج مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ‏.‏

ولمذحج بطون كثيرة فمنها‏:‏ خولان وجنب ومن جنب معاوية الخير الجنبي صاحب لواء مذحج في حرب بني وائل وكان مع تغلب وكان مذحج أود قبيلة الأفوه الأودي الشاعر ومن مذحج بنو سعد العشيرة وسمي بذلك لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده ثلاثمائة رجل وكان إذا سئل عنهم يقول‏:‏ هؤلاء عشيرتي دفعاً للعين عنهم فقيل له سعد العشيرة لذلك ومن بطون سعد العشيرة جعف وزبيد قبيلة عمرو بن معدي كرب ومن بطون مذحج أيضاً النخع ومنهم الأشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن النخع سنان بن أنس قاتل الحسين ومنهم أيضاً القاضي شريك ومن مذحج عنس بالنون وهي قبيلة الأسود الكذاب الذي ادعى النبوة باليمن وعنس أيضاً رهط عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما الحي الرابع من بني كهلان وهم همدان فهم من ولد ربيعة بن حيان بن مالك بن زيد بن كهلان ولهم صيت في الجاهلية والإسلام‏.‏

وأما الحي الخامس من بني كهلان وهم كندة فهم بنو ثور وثور المذكور هو كندة بن عفير بن الحارث من ولد زيد بن كهلان وسمي كندة لأنه كندابا أي كفر نعمته وبلاد كندة باليمن تلي حضرموت وقد تقدم ذكر ملوك كندة في الفصل الرابع عند ذكر ملوك العرب ومن كندة حجر بن عدي صاحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الذي قتله معاوية صبراً ومنهم القاضي شريح ومن بطون كندة السكاسك والسكون بنو شرس بن كندة فمن السكون معاوية بن خديج قاتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما ومنهم حصين بن نمير السكوني الذي صار صاحب جيش يزيد بن معاوية بعد مسلم بن عقبة نوبة وقعة الحرة بظاهر مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما الحي السادس من أحياء بني كهلان وهم بنو مراد فبلادهم إلى جانب زبيد من جبال اليمن وإليه ينتسب كل مرادي من عرب اليمن‏.‏

وأما الحي السابع من أحياء بنو كهلان فهم بنو أنمار بن كهلان ولأنمار فرعان وهما بجيلة وخثعم وبجيلة هي رهط جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال لجرير المذكور يوسف الأمة لحسنه وفيه قيل‏:‏ لولا جرير هلكت بجيلة نعم الفتى وبئست القبيلة انتهى الكلام في بني كهلان بن سبأ‏.‏

أما القبائل المنتسبة إلى عمرو بن سبأ فمنهم‏:‏ لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ ومن لخم بنو الدار رهط تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لخم المناذرة ملوك الحيرة وهم بنو عمرو بن عدي بن نصر اللخمي وكانت دولتهم من أعظم دول ملوك العرب‏.‏

وقد تقدم ذكرهم في الفصل الرابع مع باقي ملوك العرب فأغنى عن الإعادة ومن القبائل المنتسبة إلى عمرو بن سبأ جذام وهو أخو لخم وجميع جذام من ابنيه حزام وجشم ابني جذام وكان في بني حزام العدد والشرف ومن بطون جشم بن جذام عثيب بن أسلم‏.‏

بني أشعر بن سبأ وأما بنو الأشعر فيقال لهم الأشعريون وهم رهط أبي موسى الأشعري واسم أبي موسى الأشعري عبد الله بن قس بني عاملة وأمّا بنو عاملة هم أيضاً من القبائل اليمانية التي خرجت إلى الشام عند سيل العرم ونزلوا بالقرب من دمشق في جبل هناك يعرف بجبل عاملة فمن عاملة‏:‏ عدي ابن الرقاع الشاعر انتهى ذكر أولاد سبأ وهم عرب اليمن‏.‏

العرب المستعربة وهم ولد إِسماعيل بن إبراهيم الخليل صلوات اللّه عليهما وقيل لهم العرب المستعربة لأن إِسماعيل لم تكن لغته عربية بل عبرانية ثم دخل في العربية فلذلك سمي ولده العرب المستعربة وقد تقدم عند ذكر إِبراهيم الخليل عليه السلام سبب سكنى إِسماعيل وأمه هاجر مكة وأن ذلك كان بسبب غيرة سارة رضي الله عنها من هاجر وابنها إسماعيل‏.‏

وأنّ الله تعالى أمره أن يطيع سارة وأن يخرج إِسماعيل عنها وأن الله تعالى يتكفله فخرج إِبراهيم من الشام بإِسماعيل وأمه هاجر وقدم بهما إِلى مكة وأنزلهما بموضع الحجر وقال‏:‏ ‏(‏رب إِني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع‏)‏ ‏(‏إبراهيم‏:‏ 37‏)‏ وأنزلهما إِبراهيم هناك وعاد إِلى الشام من كتب اليهود وكان عمر إسماعيل إِذ ذاك نحو أربع عشرة سنة وذلك لمضي مائة سنة من عمر إِبراهيم الخليل عليه السلام فمن سكنى إِسماعيل عليه السلام مكة إِلى الهجرة ألفان وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة‏.‏

وكان هناك قبائل جرهم فتزوج إِسماعيل منهم امرأة وولدت له اثني عشر ولداً ذكراً منهم‏:‏ قيذار وماتت هاجر ودفنت بالحجر ثم لما مات ابنها إِسماعيل بمكة دفن معها بالحجر أيضاً‏.‏

وقد اختلف المؤرخون اختلافاً كثيراً في أمر الملك على الحجاز بين جرهم وبين إِسماعيل فمن قائل كان الملك على الحجاز في جرهم ومفتاح الكعبة وسدانتها في يد ولد إِسماعيل ومن قائِل إِن قيذار توجته أخواله جرهم وعقدوا له الملك عليهم بالحجاز وأما سدانة البيت الحرام ومفاتيحه فكانت مع بني إِسماعيل بغير خلاف حتى انتهى ذلك إِلى نابت من ولد إِسماعيل فصارت السدانة بعده لجرهم ويدل على ذلك قول عامر بن الحارث الجرهمي من قصيدته التي منها‏:‏ وكنا ولاة البيت من بعد نابت نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر ومنها‏:‏ كأن لم يكن بين الحجون إِلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر إلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي والجدود العواثر ثم ولد لقيذار ابنه حمل بن قيذار ثم ولد لحمل نبت بن حمل ويقال له نابت وقيل نبت بن قيذار وقيل نبت بن إِسماعيل وفي ذلك خلاف كثير ثم ولد لنبت سلامان بن نبت ثم ولد لسلامان الهميسع بن سلامان بن نبت ثم ولد للهميسع اليسع بن الهميسع ثم ولد لليسع أدد بن اليسع بن الهميسع ثم ولد لأدد ابنه أد بن أدد ثم ولد لأد ابنه عدنان بن أد بن أدد وقيل عدنان بن أدد ثم ولد لعدنان معد ثم ولد لمعد نزار ثم ولد لنزار أربعة منهم مضر على عمود النسب النبوي وثلاثة خارجون عن عمود النسب أولهم إِياد وكان أكبر من مضر وإلى إِياد بن نزار المذكور يرجع كل إِيادي من بني معد وفارق إِياد الحجاز وسار بأهله إِلى أطراف العراق فمن بني إِياد كعب بن مامة الإيادي وكان يضرب بجوده المثل وقس بن ساعدة الإيادي وكان يضرب بفصاحته المثل‏.‏

والثاني من بني نزار ربيعة بن نزار ويعرف بربيعة الفرس لأنه ورث الخيل من ماله أبيه وولد لربيعة المذكور أسد وضبيعة ابنا ربيعة فولد لأسد جديلة وعنزة ومن جديلة وائل ومن وائل بكر وتغلب ابنا وائِل فمن تغلب كليب ملك بني وائِل الذي قتله جساس فهاجت بسبب قتله الحرب بين بني وائِل وبين بني بكر وبين بني تغلب حسبما تقدم ذكره في الفصل الرابع ومن بكر بن وائل بنو شيبان ومن رجالهم مرة وابنه جساس قاتل كليب وطرفة بن العبد الشاعر ومن بكر أيضاً المرقشان الأكبر والأصغر ومن بكر بن وائل أيضاً بنو حنيفة ومنهم مسيلمة الكذاب‏.‏

وأما عنزة بن أسد بن ربيعة المذكور فمنه بنو عنزة وهم أهل خيبر ومن بني عنزة القارظان‏.‏

وأما ضبيعة بن ربيعة فمن ولده المتلمس الشاعر ومن قبائِل ربيعة النمر ولجيم والعجل وبنو عبد القيس وهو من ولد أسد بن ربيعة ومن بني ربيعة سدوس واللهازم‏.‏

والثالث أنمار بن نزار ومضى أنمار إلى اليمن فتناسل بنوه بتلك الجهات وحسبوا من العرب اليمانية ثم ولد لمضر المقدم الذكر إِلياس بن مضر على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب قيس عيلان بن مضر ويقال‏:‏ قيس بن عيلان بن مضر وعيلان بالعين المهملة قيل إِن عيلان فرسه وقيل كلبه وقيل بل عيلان هو أخو إِلياس واسم عيلان إِلياس بن مضر وولد لعيلان قيس بن عيلان وقد جعل الله تعالى لقيس المذكور من الكثرة أمراً عظيماً فمن ولده‏:‏ قبائل هوازن ومن هوازن بنو سعد بن بكر بن هوازن الذين كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيعاً ومن قبائل قيس بنو كلاب وصار منهم أصحاب حلب وكان أولهم صالح بن مرادس ومن قيس قبائل عقيل الذين كان منهم ملوك المَوْصِل المقلد وقرواش وغيرهما ومن ولد قيس أيضاً بنو عامر وصعصعة وخفاجة وما زالت لخفاجة إِمرة العراق من قديم وإلى الآن ومن هوازن أيضاً بنو ربيعة بن عامر بن صَعْصَعة بن معاوية بنٍ بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان‏.‏

ومن هوازن أيضاً جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن ومن جشم دريد ابن الصمة ومن قيس أيضاً بكر وبنو هلال وثقيف واسم ثقيف عمرو بن منبه بن بكر بن هوازن وقد قيل‏:‏ إِن ثقيفاً من إِياد وقيل من بقايا ثمود وهم هل الطائف‏.‏

ومن قيس أيضاً بنو نمير وبأهلة ومازن وغطفان وهو ابن سعد بن قيس عيلان ومن قيس أيضاً بنو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان وكان بين عبس وذبيان حرب داحس المقدم ذكرها في الفصل الرابع ومن بني عبس أيضاً عنترة العبسي ودعاه أبوه شداد بعد الكبر ومن قيس أشجع وهم أيضاً من ولد غطفان‏.‏

ومن قيس أيضاً قبائل سليم ومن قيس أيضاً بنو ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان‏.‏

ومن بني ذبيان المذكورين بنو فزارة فمنهم حصن بن حذيفة بن بدر الذي يمدحه زهير بقوله شعر‏:‏ تراه إِذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله وأسلم حصن ثم نافق وكان بين بني ذبيان وبين عبس الحرب المشهورة بحرب داحس وهو اسم حصان تسابقوا به واختلفوا بسبب السباق فثارت الحرب بينهم أربعين عاماً ومن بني ذبيان أيضاً النابغة الذبياني الشاعر المشهور‏.‏

ومن قبائل قيس عدوان بن عمرو بن قيس عيلان وكانوا ينزلون الطائف قبل ثقيف ومنهَم ذو الإصبع العدواني الشاعر‏.‏

انتهى الكلام على قيس بن مضر الخارج عن عمود النسب‏.‏

ولنرجع إلى ذكر إلياس بن مضر‏.‏

وولد لإلياس مدركة على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب طابخة بن إِلياس وبعضهم ينسب مدركة وطابخة إِلى أمهما خندف واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن إِلحاف بن قضاعة وجميع ولد إلياس من خندف المذكورة وإليها ينسبون دون أبيهم فيقولون بنو خندف ولا يذكرون إِلياس بن مضر وصار من طابخة الخارج عن عمود النسب عدة قبائل فمنهم بنو تميم بن طابخة والرباب وبنو ضبة وبنو مزينة وهم بنو عمرو بن إِد بن طابخة نسبوا إِلى أمهم مزينة ابنة كلب بن وبرة ثم ولد لمدركة ابن إِلياس المذكور خزيمة بن مدركة على عمود النسب وولد لمدركة خارجاً عن عمود النسب هذيل بن مدركة ومن هذيل المذكور جميع قبائل الهذليين‏.‏

فمنهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو ذؤيب الهذلي الشاعر وغيره ثم ولد لخزيمة بن مدركة المذكور كنانة بن خزيمة على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب الهون وأسد ابنا خزيمة فمن الهون عضل وهي قبيلة أبوهم عضل بن الهون بن خزيمة ومنه أيضاً الديش بن الهون وهو أخو عضل ويقال لهاتين القبيلتين وهما عضل والديش القارة‏.‏

وأما أسد بن خزيمة فمنه الكاهلية ودودان وغيرهما وإليه يرجع كل أسدي ثم ولد لكنانة بن خزيمة المذكور النضر بن كنانة على عمود النسب وكان للنضر المذكور عدة أخوة ليسوا على عمود النسب وهم ملكان وعبد مناة وعمرو وعامر ومالك أولاد كنانة فصار من ملكان بنو ملكان وصار من عبد مناة عدة بطون وهم‏:‏ بنو غفار رهط أبي ذر‏.‏

وبنو بكر ومن بني بكر الدئل رهط أبي الأسود الدؤلي ومن بطون عبد مناة أيضاً بنو ليث وبنو الحارثة وبنو مدلج وبنو ضمرة وصار من عمرو ومن أخيث عامر العامريون‏.‏

ومن مالك ين كنانة بنو فراس‏.‏

ومن بطون كنانة الأحابيش وكان الحليس بن عمرو ريس الأحابيش نوبة أحد ومن لم يقف على ذلك إِذا سمع ذكر الأحابيش في نوبة أحد ظن أنهم من الحبشة وليس كذلك بل هم عرب من بني كنانة كذا ذكره في العقد وهؤلاء أخوة النضر بن كنانة وولدهم وأما النضر المذكور فقد قيل إِنه قريش والصحيح أن قريشاً هم بنو فهر الذي سنذكره وولد لنضر المذكور مالك بن النضر على عمود النسب ولم يشتهر له ولد غيره ثم ولد لمالك فهر بن مالك على عمود النسب‏.‏

وفهر المذكور هو قريش فكل من كان من ولده فهو قرشي ومن لم يكن من ولده فليس قرشياً وقيل سمي قريشاً لشدته تشبيهاً له بدابة من دواب البحر يقال لها القرش تأكل دواب البحر وتقهرهم وقيل إِن قصي بن كلاب لما استولى على البيت وجمع أشتات بني فهر سموا قُرَيشاً لأنه قرش بني فهر أي جمعهم حول الحرم فقيل لهم قريش‏.‏

- كذا نقله ابن سعيد المغربي - فعلى هذا يكون لفظة قريش اسماً لبني فهر لا لفهر نفسه ولم يولد لمالك غير فهر المذكور على عمود النسب وولد لفهر غالب على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب ولدان وهما محارب والحارث ابنا فهر فمن محارب بنو محارب ومن الحارث بنو الخلج ومنهم أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة رضي اللهّ تعالى عنهم ثم ولد لغالب لؤي على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب تيم الأدرم والأدرم الناقص الذقن‏.‏

ومن تيم المذكور بنو الأدرم ثم ولد للؤي المذكور ستة أولاد وهم كعب على عمود النسب وأخوته الخمسة خارجون عن عمود النسب وهم سعد وخزيمة والحارث وعامر وأسامة أولاد لؤي بن غالب ولكل منهم ولد

ينسبون إِليه خلا الحارث منهم ومن ولد عامر بن لؤي عمرو بن عبد ود فارس العرب الذي قتله علي بن أبي طالب ثم ولد لكعب مرة على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب هصيص وعدي ابنا كعب فمن هصيص بنو جمح ومن مشاهيرهم أمية بن خلف عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه أبي بن خلف وكان مثله في العداوة‏.‏

ومن هصيص أيضاً بنو سهم‏.‏

ومن بني سهم عمرو بن العاص ومن عدي بن كعب بنو عدي‏.‏

ومنهم عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد من العشرة رضي الله عنهما ثم ولد لمرة على عمود النسب كلاب وولد له خارجاً عن عمود النسب تيم ويقظة ابنا مرة فمن تيم بنو تيم ومنهم أبو بكر الصديق وطلحة من العشرة رضي الله عنهما ومن يقظة بنو مخزوم نسب خالد بن الوليد رضي الله عنه وأبي جهل بن هشام واسمه عمرو وبن هشامٍ المخزومي ثم ولد لكلاب قصي بن كلاب على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب زهرة بن كلاب ومنه بنو زهرة ونسب سعد بن أبي وقاص أحد العشرة ونسب آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وقصي المذكور كان عظيماً في قريش وهو الذي ارتجع مفاتيح الكعبة من خزاعة حسبما تقدم ذكر ذلك وهو الذي جمع قريشاً وأثل مجدهم ثم ولد لقصي المذكور عبد مناف بن قصي على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب عبد الدار وعبد العزى ابنا قصي فمن عبد الدار‏:‏ بنو شيبة الحجبة‏.‏

ومن ولد عبد الدار النضر بن الحارث وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً يوم بدر ومن ولد عبد العزى بن قصي الزبير بن العوام أحد العشرة ومن ولد عبد العزى أيضاً خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومن بني عبد العزى أيضاً ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وولد لعبد مناف هاشم على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب عبد شمس والمطلب ونوفل أولاد عبد مناف فمن عبد شمس أمية ومنه بنو أمية ومنهم عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس‏.‏

ومعاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية وسعيد بن العاص بن أمية وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس وبنت عتبة المذكور هند أم معاوية وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة صبراً يوم بدر ومن المطلب بن عبد مناف المطلبيون ومنهم الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى‏.‏

ومن نوفل النوفليون ثم ولد لهاشم عبد المطلب على عمود النسب ولم يعلم لهاشم ولد غيره وولد لعبد المطلب عبد الله على عمود النسب وولد له خارجاً عن عمود النسب جميع أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب والغيداق ومنهم من يقول هو حجل الذي سنذكره‏.‏

والحارث وحجل والمقوم وضرار والزبير وقثم درج صغيراً وعبد الكعبة ومنهم من يقول‏:‏ إِن عبد الكعبة هو المقوم ثم ولد لعبد الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفيل ولنذكر أولاً قصة الفيل ثم مولده صلى الله عليه وسلم‏.‏

من الكامل لابن الأثير قال‏:‏ إِنّ الحبشة ملكوا اليمن بعد حمير فلما صار الملك إِلى أبرهة منهم بنى كنيسة عظيمة وقصد أن يصرف حج العرب إِليها ويبطل الكعبة الحرام فجاء شخص من العرب وأحدث في تلك الكنيسة فغضب أبرهة لذلك وسار بجيشه ومعه الفيل وقيل كان معه ثلاثة عشر فيلاً ليهدم الكعبة فلما وصل إِلى الطائف بعث الأسود بن مقصود إِلى مكة فساق أموال أهلها وأحضرها إِلى أبرهة وأرسل أبرهة إِلى قريش وقال لهم‏:‏ لست أقصد الحرب بل جئت لأهدم الكعبة فقال عبد المطلب‏:‏ والله ما نريد حربه هذا بيت الله فإِن منع عنه فهو بيته وحرمه وإن خلا بينه وبينه فوالله ما عندنا من دفع ثم انطلق عبد المطلب مع رسول أبرهة إليه فلما استؤذن لعبد المطلب قالوا لأبرهة‏:‏ هذا سيد قريش فأذن له أبرهة وأكرمه ونزل عن سريره وجلس معه وسأله في حاجته فذكر عبد المطلب أباعره التي أخذت له فقال أبرهة‏:‏ إِني كنت أظن أنك تطلب مني أن لا أخرب الكعبة التي هي دينك‏:‏ فقال عبد المطلب‏:‏ أنا رب الأباعر فأطلبها وللبيت رب يمنعه فأمر أبرهة برد أباعره عليه فأخذها عبد المطلب وانصرف إِلى قريش ولما قارب أبرهة مكة وتهيأ لدخولها بقي كلما أقبل فيله مكة وكان اسم الفيل محموداً ينام ويرمي بنفسه إِلى الأرض ولم يسر فإِذا أقبلوه غير مكة قام يهرول وبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيراً أبابيل أمثال الخطاطيف مع كل طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه فقذفتهم بها وهي مثل الحمص والعدس فلم يصب أحداً منهم إلا هلك‏.‏

وليس كلهم أصابت ثم أرسل الله تعالى سيلاً فألقاهم في البحر والذي سلم منهم ولى هارباً مع أبرهة إِلى اليمن يبتدر الطريقَ وصاروا يتساقطون بكل منهل وأصيب أبرهة في جسده وسقطت أعضاؤه ووصل إِلى صنعاء كذلك ومات ولما جرى ذلك خرجت قريش إلى منازلهم وغنموا من أموالهم شيئاً كثيراً ولما هلك أبرهة ملك بعده ابنه يكسوم ثم أخوه مسروق بن أبرهة ومنه أخذت العجم اليمن‏.‏

انتهى الكلام في الفصل الخامس وهو آخر التواريخ القديمة ومن هنا نشرع في التواريخ الإسلامية‏.‏