الفصل السابع: خلفاء بني أمية

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

خلفاء بني أمية

وهم أربعة عشر خليفة أولهم معاوية بن أبي سفيان وآخرهم مروان الجعدي وكان مدة ملكهم نيفاً وتسعين سنة وهي ألف شهر تقريباً قال القاضي جمال الدين ابن واصل رحمه الله‏:‏ إِن ابن الأثير قال في تاريخه إِنه لما سار الحسن من الكوفة عرض له رجل فقال‏:‏ يا مسِّود وجوه المؤمنين‏.‏

فقال لا تعذلني فإِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري في منامه أن بني أمية ينزّون على منبره رجلاَ فرجلا فساءه ذلك فأنزل الله تعالى ‏)‏إِنا أعطيناك الكوثر‏( ‏(‏الكوثر‏:‏ 1‏)‏ ‏(‏إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر‏)‏ ‏(‏القدر‏:‏1-3 ‏)‏ يملكها بعد بنو أمية‏.‏

أخبار معاوية بن أبي سفيان ابن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وأمه هند بنت عتبة ويكنى أبا عبد الرحمن وبويع بالخلافة يوم اجتماع الحكمين وقيل ببيت المقدس بعد قتل علي وبويع البيعة التامة لما خلع الحسن نفسه وسلم الأمر إِليه واستمر معاوية في الخلافة‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وسنة ثلاث وأربعين

فيها توفي عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي وعمرو المذكور هو أحد الثلاثة الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عمرو بن العاص وأبو سفيان بن حرب وعبد الله بن الزبعري وكان يجيبهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيضاً وهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وكانت مصر طمعة لعمرو من معاوية بعد رزق جندها حسب ما كان شرطه له لمعاوية عند اتفاقه معه على حرب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي ذلك يقول عمرو‏:‏ معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل به منك دنيا فانظرن كيف تصنعُ فإِن تعطني مصرا ربحت بصفقة أخذت بها شيخاً يضر وينفع ولما مات عمرو ولى معاوية مصر ابنه عبد الله بن عمرو ثم عزله عنها

ثم دخلت سنة أربع وأربعين

استلحاق معاوية زياداً وفي هذه السنة استلحق معاوية زياد بن سمية وكانت سمية جارية للحارث بن كلدة الثقفي فزوجها بعبد له رومي يقال له عبيد فولدت سمية زياداً على فراشه فهو ولد عبيد شرعاً‏.‏

وكان أبو سفيان قد سار في الجاهلية إلى الطائِف فنزل على إِنسان يبيع الخمر يقال له أبو مريم أسلم بعد ذلك وكانت له صحبة فقال له أبو سفيان‏:‏ قد اشتهيت النساء فمال أبو مريم‏:‏ هل لك في سمية فقال أبو سفيان‏:‏ هاتها على طول ثدييها وذفرة بطنها‏.‏

فأتاه بها فوقع عليها فيقال إِنها علقت منه بزياد ثم وضعته في السنة التي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ونشأ زياد فصيحاً وحضر زياد يوماً بمحضر من جماعة من الصحابة في خلافة عمر فقال عمرو بن العاص لو كان أبو هذا الغلام من قريش لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان لعلي بن أبي طالب‏:‏ إِني لأعرف من وضعه في رحم أمه‏.‏

فقال علي فما يمنعك من استلحاقه قال‏:‏ أخاف الأصلع يعني عمر أن يقطع إِهابي بالدرة‏.‏

ثم لما كان قضية شهادة الشهود على المغيرة بالزنا وجلدهم ومنهم أبو بكرة أخو زياد لأمه وامتناع زياد عن التصريح كما ذكرنا اتخذ المغيرة بذلك لزياد يداً ثم لما ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة استعمل زياداً على فارس فقام بولايتها أحسن قيام ولما سلم الحسن الأمر إلى معاوية امتنع زياد بفارس ولم يدخل في طاعة معاوية وأهمل معاوية أمره وخاف أن يدعو إِلى أحد من بني هاشم ويعيد الحرب وكان معاوية قد ولى المغيرة بن شعبة الكوفة فقدم المغيرة على معاوية سنة اثنتين وأربعين فشكا إِليه معاوية امتناع زياد بفارس فقال المغيرة‏:‏ أتأذن لي في المسير إِليه‏:‏ فأذن له‏.‏

وكتب معاوية لزياد أماناً فتوجّه المغيرة إِليه لما بينهما من المودة وما زال عليه حتى أحضره إِلى معاوية وبايعه وكان المغيرة يكرم زياداً ويعظمه من حين كان منه في شهادة الزنا ما كان‏.‏

فلما كانت هذه السنة أعني سنة أربع وأربعين استلحق معاوية زياداً فأحضر الناس وحضر من يشهد لزياد بالنسب وكان ممن حضر لذلك أبو مريم الخمار الذي أحضر سمية إلى أبي سفيان بالطائف فشهد بنسب زياد من أبي سفيان قال‏:‏ إني رأيت اسكتي سمية يقطران من مني أبي سفيان فقال زياد‏:‏ رويدك طلبت شاهداً ولم تطلب شتاماً فاستلحقه معاوية وهذه أول واقعة خولفت فيها الشريعة علانية لصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ وأعظمَ الناس ذلك وأنكروه خصوصاً بنو أمية لكون زياد بن عبيد الرومي صار من بني أمية بن عبد شمس وقال عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان في ذلك‏:‏ ألا أبلغ معاوية بن صخر لقد ضاقت بما تأتي اليدان أتغضبُ أن يقال أبو عف وترضى أن يقال أبوك زاني وأشهد أن رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتان ثم ولى معاوية زياداً البصرة وأضاف إِليه خراسان وسجستان ثم جمع له الهند والبحرين وعُمان‏.‏

وفيها أعني سنة أربع وأربعين توفيت أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وأربعين

فيها قدم زياد إِلى البصرة فشدد أمر السلطنة وأكد الملك لمعاوية وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة فخاف الناس خوفاً شديداً وذكر أنه لم يخطب أحد بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل زياد‏.‏

ولما مات المغيرة سنة خمسين وكان عاملا لمعاوية على الكوفة ولى معاوية الكوفة أيضاً زياداً فسار زياد إِليها واستخلف على البصرة سمرة بن جندب فحذا حذو زياد في سفك الدماء وكان زياد يقيم بالكوفة ستة أشهر وفي البصرة مثلها وهو أول من سير بين يديه بالحراب والعمد واتخذ الحرس خمس مائة لا يفارقون مكانه‏.‏

وكان معاوية وعماله يدعون لعثمان في الخطبة يوم الجمعة ويسبون علياً ويقعون فيه ولما كان المغيرة متولي الكوفة كان يفعل ذلك طاعة لمعاوية فكان يقوم حجر وجماعة معه فيردون عليه سبّه لعليٍ رضي الله عنه وكان المغيرة يتجاوز عنهم فلما ولي زياد دعا لعثمان وسب علياً وما كانوا يذكرون علياً باسمه وإنما كانوا يسمونه بأبي تراب وكانت هذه الكنية أحب الكنى إِلى علي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناه بها فقام حجر وقال‏:‏ كما كان يقول من الثناء على علي فغضب زياد وأمسكه وأوثقه بالحديد وثلاثة عشر نفراً معه وأرسلهم إِلى معاوية فشفع في ستة منهم عشائِرهم وبقي ثمانية منهم‏:‏ حجر فأرسل معاوية من قتلهم بعذرا وهي قرية بظاهر دمشق رضي الله عنهم وكان حجر من عظم الناس ديناً وصلاة وأرسلت عائشة تتشفع في حجر فلم يصل رسولها إِلا بعد قتله‏.‏

قال القاضي جمال الدين بن واصل وروى ابن الجوزي بإِسناده عن الحسن البصري أنه قال‏:‏ أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه إِلا واحدة لكانت موبقة وهي أخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضيلة واستخلافه ابنه يزيد وكان سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش والعاهر للحجر وقتله حجر بن عدي وأصحابه فيا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر‏.‏

وروي عن الشافعي رحمة الله عليه أنه أسرّ إِلى الربيع أنّه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد‏.‏

وفيها أعني سنة خمسٍ وأربعين توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان أهل الشام قد مالوا إليه جداً فدس إليه معاوية سماً مع نصراني يقال له أثال فاغتاله به‏.‏

ثم دخلت سنة ست وأربعين وسنة سبع وأربعين

فيها توفي قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر وإليه ينسب فيقال المنقري وفد على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في وفد بني تميم فأسلم وكان قيس المذكور موصوفاً بمكارم الأخلاق‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين

غزوة القسطنطينية

في هذه السنة أعني سنة ثمان وأربعين صبر معاوية جيشاً كثيفاً مع سفيان ابن عوف إلى القسطنطينية فأوغلوا في بلاد الروم وحاصروا القسطنطينية وكان في ذلك الجيش ابن عباس وعمرو بن الزبير وأبو أيوب الأنصاري‏.‏

وتوفي في مدة الحصار أبو أيوب الأنصاري ودفن بالقرب من سورها وشهد أبو أيوب مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً وشهد مع علي صفين وغيرها من حروبه‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وأربعين وسنة خمسين

فيها بنيت القيروان وكمل بناؤها في سنة خمس وخمسين وكان من حديثها أنَّ معاوية ولى عقبة بن نافع إفريقية وكان عقبة المذكور صحابياً من الصالحين فوضع السيف في هل إِفريقية لأنهم كانوا يرتدون إِذا فارقهم العسكر وكان مقام الولاة بزويلة وبرقة فرأى عقبة أن يتخذ مدينة بتلك البلاد تكون مقراً للعسكر واختار موضع وفيها أعني في سنة خمسين توفي دحية الكلبي وهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة منسوب إِلى كلب بن وبرة أسلم قديماً ولم يشهد بدراً قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أشبه من رأيت بجبريل دحية الكلبي ‏)‏‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى وخمسين

فيها توفي سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود له بالجنة رضي الله عنهم‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وسنة ثلاث وخمسين

فيها هلك زياد ابن أبيه في رمضان من أكلةِ في إِصبعه وكان مولده عام الهجرة‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وخمسين

وسنة خمس وخمسين وسنة ست وخمسين وفيها ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان فقطع نهر جيحون إلى سمرقند والصغدِ وهزم الكفار وسار إلى ترمذ ففتحها صلحاً‏.‏

وممن قتل معه في هذه الغزوة قثم بن العباس ودفن بسمرقند ومات أخوه عبد الله بن العباس بالطائف والفضل بالشام ومعبد بإِفريقية فيقال‏:‏ لم ير قبور أخوة أبعد من قبور هؤلاء الأخوة بني العباس‏.‏

وفي هذه السنة بايع معاوية الناس لابنه يزيد بولاية العهد بعده وبايعه أهل الشام والعراق وكان المتولي على المدينة من جهة معاوية مروان بن الحكم فأراد البيعة له فامتنع من ذلك الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وامتنع الناس لامتناعهم وآخر الأمر أن معاوية قدم بنفسه إِلى الحجاز ومعه ألف فارس وتحدث مع عائشة في أمرهم وآخر الأمر أنه بايع ليزيد أهل الحجاز وتأخر المذكورون عن البيعة‏.‏

ويروى أنّ معاوية قال لابنه يزيد‏:‏ إِني مهدت لك الأمور ولم يبق أحد لم يبايعك غير هؤلاء الأربعة فأمّا عبد الرحمن فرجل كبير تهابه اليوم وغداً وأما ابن عمر فرجل قد غلب عليه الورع وأمّا الحسين فله قرابة فإِن ظفرت به فاصفح عنه وأما ابن الزبير فإِن ظفرت به فقطعه إرْباً إِرْباً‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وخمسين وسنة ثمان وخمسين

فيها توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي اللّه عنها‏.‏

وفيها توفي أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وخمسين

فيها توفي سعيد بن العاص بن أمية ولد عام الهجرة وقتل أبوه العاص يوم بدر كافراً وكان سعيد من أجواد بني أمية‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة تسع وخمسين مات الحطيئة واسمه جرول بن مالك لقب الحطيئة لقصره أسلم ثم ارتد ثم أسلم وقال عند أطعنا رسول اللّه ما كان بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكر أيورثها بكراً إِذا مات بعده وتلك لعمر اللّه قاصمة الظهر وفيها توفي أبو هريرة واختلف في اسمه ونسبه وهو ممن لازم خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه الكثير فاتهمه بعض الناس لكثرة ما رواه من الأحاديث والأكثر يصححون روايته ولا يشكون فيها‏.‏

ثم دخلت سنة ستين

وفاة معاوية وفيها في رجب توفي معاوية بن أبي سفيان وكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وسبعة وعشرين يوماً منذ اجتمع له الأمر وبايعه الحسن بن علي وكان عمره خمساً وسبعين وقيل سبعين وقيل غير ذلك وأنشد معاوية وقد تجلد للعائدين‏:‏ وتجلدي للشامتين أريهُم ** أني لريبِ الدهرِ لا أتضَعْضَع

وإذا المنيّةُ أنشبتْ أظفارها ** ألفيت كلّ تميمةٍ لا تنفعُ

ولما توفي معاوية خرج الضحاك بن قيس حتى أتى المنبر فصعده ومعه أكفان معاوية فأثنى على معاوية وأعلم الناس بموته وأنّ هذه أكفانه ثم صلى عليه الضحاك وكان يزيد غائباً بقرية أخبار معاوية أسلم معاوية مع أبيه عام الفتح واستكتبه النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله عمر على الشام أربع سنين من خلافته وأقره عثمان مدة خلافته نحو اثنتي عشرة سنة وتغلب على الشام محارباً لعلي أربع سنين فكان أميراً وملكاً على الشام نحو أربعين سنة وكان حليماً حازماً داهية عالماً بسياسة الملك وكان حلمه قاهراً لغضبه وجوده غالباً على منعه يصل ولا يقطع‏.‏

ومما يحكى عن حلمه من تاريخ القاضي جمال الدين بن واصل أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم دخلت على معاوية وهي عجوز كبيرة فقال لها معاوية‏:‏ مرحباً بك يا خالة كيف أنت فقالت بخير يا ابن أختي لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك وكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاء حتى قبض الله نبيه مشكوراً سعيه مرفوعاً منزلته فوثبت علينا بعده تيم وعدي وأمية فابتزونا حقنا ووليتم علينا فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي بن أبي طالب بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى‏.‏

فقال لها عمرو بن العاص‏:‏ كفي أيتها العجوز الضالة واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك‏.‏

فقالت‏:‏ وأنت يا ابن النابغة تتكلم وأمك كانت أشهر بغي بمكة وأرخصهن أجرة وادعاك خمسة من قريش فسُئلتْ أمك عنهم فقالت‏:‏ كلهم أتاني فانظروا أشبههم به فالحقوه به فغلب عليك شبه العاص بن وائِل فألحقوك به‏.‏

فقال لها معاوية‏:‏ عفا الله عما سلف هاتي حاجتك‏.‏

فقالت‏:‏ أريد ألفي دينار لأشتري بها عيناً فوارة في أرض خرارة تكون الفقراء بني الحارث بن عبد المطلب‏:‏ وألفي دينار أخرى أزوّج بها فقراء بني الحارث وألفي دينار أخرى أستعين بها على شدة الزمان فأمر لها معاوية بستة آلاف دينار فقبضتها وانصرفت‏.‏

ومعاوية أول خليفة بايع لولده وأول من وضع البريد وأول من عمل المقصورة في مسجد وأول من خطب جالساً في قول بعضهم وكان عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ممن يرى سماع الأوتار والغناء وهو رأى أهل المدينة وكان معاوية ينكر ذلك عليه فدخل ابن جعفر يوماً على معاوية ومعه بديح المغني فقال ابن جعفر لبديح‏:‏ غنِّ فغنى بشعر كان يحبه معاوية وهو‏:‏ يا لُبينى أوقدي النارا إِن من تهوين قد حارا رب نار بِتُ أرمقها تقضم الهندي والغارا ولها ظبي يؤججها عاقد في الخصر زنارا فطرب معاوية وتحرك وضرب برجله الأرض فقال له ابن جعفر‏:‏ مَهْ يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال معاوية‏:‏ إِنّ الكريم لطروب وقال معاوية‏:‏ أعنت على علي بثلاث كان رجلاً ظهرت علته وكنت كتوماً لسري‏.‏

وكان في أخبث جند وأشده خلافاً وكنت في أطوع جند وأقله خلافاً‏.‏

وخلا بأصحاب الجمل فقلت‏:‏ إِن ظفر بهم أعددت ذلك عليه وَهْنا وإن ظفروا به كانوا أهوَنَ شوكهَ عليّ منه‏.‏

أخبار يزيد ابنه وهو ثاني خلفائهم وأم يزيد ميسون بنت بحدل الكليبة بويع بالخلافة لما مات أبوه في رجب سنة ستين ولما استقر يزيد في الخلافة أرسل إِلى عامله بالمدينة بإِلزام الحسين وعبد الله بن الزبير وابن عمر بالبيعة فأما ابن عمر فقال‏:‏ إِن أجمع الناس على بيعته بايعته وأما الحسين وابن الزبير فلحقا بمكة ولم يبايعا وأرسل عامل المدينة جيشاً مع عمرو بن الزبير أخي عبد الله بن الزبير وكان شديد العداوة لأخيه عبد اللّه لقتال أخيه عبد الله فانتصر عبد الله بن الزبير وهزم الجمع الذي مع أخيه وأمسك أخاه عمراً وحبسه حتى مات في حبسه‏.‏

مسير الحسين إِلى الكوفة وورد على الحسين مكاتبات أهل الكوفة يحثونه على المسير إِليهم ليبايعوه وكان العامل عليها النعمان بن بشير الأنصاري فأرسل الحسين إِلى الكوفة ابن عمه مسلم بن عقيلٍ بن أبي طالب ليأخذ البيعة عليهم فوصل إِلى الكوفة وبايعه بها قيل ثلاثون ألفاً وقيل ثمانية وعشرون ألف نفس‏.‏

وبلغ يزيد عن النعمان بن بشير ما لا يرضيه فولى على الكوفة عبيد الله بن زياد وكان والياً على البصرة فقدم الكوفة ورأى ما الناس عليه فخطبهم وحثهم على طاعة يزيد بن معاوية واستمر مسلم بن عقيل عند قدوم عبيد الله بن زياد على ما كان ثم اجتمع إِلى مسلم بن عقيل من كان بايعه للحسين وحصروا عبيد الله بن زياد بقصره ولم يكن مع عبيد اللّه في القصر أكثر من ثلاثين رجلاً ثم إِن عبيد الله أمر أصحابه أن يشرفوا من القصر ويمنّوا أهل الطاعة ويخذلوا أهل المعصية حتى أن المرأة ليأتي ابنها وأخاها فتقول‏:‏ انصرف إِن الناس يكفونك قتفرق الناس عن مسلم ولم يبق مع مسلم غير ثلاثين رجلاً فانهزم واستتر ونادى منادي عبيد الله ابن زياد من أتى بمسلم بن عقيل فله ديته فأمسك مسلم وأُحضر إِليه ولما حضر مسلم بين يدي عبيد اللّه شتمه وشتم الحسين وعلياً وضرب عنقه في تلك الساعة ورميت جيفته من القصر ثم أحضر هانئ بن عروة وكان ممن أخذ البيعة للحسين فضرب عنقه أيضاً وبعث برأسيهما إِلى يزيد بن معاوية وكان مقتل مسلم بن عقيل لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين‏.‏

وأخذ الحسين وهو بمكة في التوجه إِلى العراق وكان عبد الله بن عباس يكره ذهاب الحسين إلى العراق خوفاً عليه وقال للحسين‏:‏ يا ابن العم إِني أخاف عليك أهل العراق فإِنهم قوم أهل غدر وأقم بهذا البلد فإِنك سيد أهل الحجاز وإن أبيت إِلا أن تخرج فسر إِلى اليمن فإِن بها فقال الحسين‏:‏ يا ابن العم إِني أعلم والله أنك ناصح مشفق ولقد أزمعت وأجمعت ثم خرج ابن عباس من عنده وخرج الحسين من مكة يوم التروية سنة ستين واجتمع عليه جمائع من العرب ثم لما بلغه مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وتخاذل الناس عنه وأعلم الحسين من معه بذلك وقال‏:‏ من أحب أن ينصرف فلينصرف فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً ولما وصل الحسين إِلى مكان يقال له سراف وصل إِليه الحر صاحب شرطة عبد الله بن زياد في ألفي فارس حتى وقفوا مقابل الحسين في حرّ الظهيرة فقال لهم الحسين‏:‏ ما أتيت إلا يكتبكم فإن رجعتم رجعت من هنا فقال له صاحب شرطة ابن زياد‏:‏ إِنا أُمرنا أن لا نفارقك‏.‏

حتى نوصلك الكوفة بين يدي عبيد الله بن زياد فقال الحسين‏:‏ الموت أهون من ذلك وما زالوا عليه حتى سار مع صاحب شرطة ابن زياد‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى وستين

مقتل الحسين ولما سار الحسين مع الحر ورد كتاب من عبيد الله بن زياد إِلى الحر يأمره أن يُنزل الحسين ومن معه على غير ماء فأنزلهم في الموضع المعروف بكربلاء وذلك يوم الخميس ثاني المحرم من هذه السنة أعني سنة إِحدى وستين‏.‏

ولما كان من الغد قدم من الكوفة عمر بن سعد بن أبي وقاص بأربعة آلاف فارس أرسله ابن زياد لحرب الحسين فسأله الحسين في أن يُمكَّن إما من العود من حيثُ أتى وإمّا أن يجهّز إِلى يزيد بن معاوية وإما أن يُمكّن أن يلحق بالثغور‏.‏

فكتب عمر إِلى ابن زياد يسأل أن يجاب الحسين إِلى أحد هذه الأمور فاغتاط ابن زياد فقال‏:‏ لا ولا كرامة فأرسل مع شمّر بن ذي الجوشن إِلى عمر بن سعد إما أن تقاتل الحسين وتقتله وتطأ الخيل جثته وإِمّا أن تعتزل ويكون الأمير على الجيش شمر‏.‏

فقال عمر بن سعد بل أقاتله ونهض عشية الخميس تاسع المحرم هذه السنة والحسين جالس أمام بيته بعد صلاة العصر فلما قرب الجيش منه سألهم مع أخيه العباس أن يمهلوه إلى الغد وأنه يجيبهم إِلى ما يختارونه فأجابوه إِلى ذلك‏.‏

وقال الحسين لأصحابه إِني قد أذنت لكم فانطلقوا في هذا الليل وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم‏.‏

فقال أخوه العباس‏:‏ لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرنا الله ذلك أبداً ثم تكلم أخوته وبنو أخيه وبنو عبد الله بن جعفر بنحو ذلك وكان الحسين وأصحابه يصلون الليل كله ويدعون فلما أصبحوا ركب عمر بن سعد في أصحابه وذلك يوم عاشوراء من السنة المذكورة وعبأ الحسين أصحابه وهم اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ثم حملوا على الحسين وأصحابه واستمر القتال إلى وقت الظهر من ذلك اليوم فصلى الحسين وأصحابه صلاة الخوف واشتد بالحسين العطش قتقدم ليشرب فرُمي بسهم فوقع في فمه ونادى شمر‏:‏ ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه فضربه زرعة بن شريك على كفه وضربه آخر على عاتقه وطعنه سنان ابن أنس النخعي بالرمح فوقع فنزل إِليه فذبحه واحتز رأسه وقيل إِن الذي نزل واحتز رأسه هو شمر المذكور وجاء به إِلى عمر بن سعد فأمر عمر بن سعد جماعة فوطئوا صدر الحسين وظهره بخيولهم‏.‏

ثم بعث بالرؤوس والنساء والأطفال إلى عبيد الله بن زياد فجعل ابن زياد يقرع فم الحسين بقضيب في يده فقال له زيد بن أرقم‏:‏ ارفع هذا القضيب فوالذي لا إِله غيره لقد رأيت شفتي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين ثم بكى وروي أنّه قتل مع الحسين من أولاد علي أربعة هم العباس وجعفر ومحمد وأبو بكر ومن أولاد الحسين أربعة وقتل عدة من أولاد عبد الله بن جعفر ومن أولاد عقيل‏.‏

ثم بعث ابن زياد بالرؤوس وبالنساء وبالأطفال إلى يزيد بن معاوية فوضع يزيد رأس الحسين بين يديه واستحضر النساء والأطفال ثم أمر النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم وأن يبعث معهم أميناً يوصلهم إلى المدينة فجهزهم إِلى المدينة ولما وصلوا إليها لقيهم نساء بني هاشم ماذا تقولونَ إِنْ قالَ النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى وصرعى ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي واختلف في موضع رأس الحسين فقيل‏:‏ جهز إِلى المدينة ودفن عند أمه وقيل دفن عند باب الفراديس وقيل‏:‏ أن خلفاء مصر نقلوا من عسقلان رأساً إِلى القاهرة ودفنوه بها وبنوا عليه مشهداً يعرف بمشهد الحسين وقد اختلف في عمره والصحيح أنه خمس وخمسون سنة وأشهر وقيل حج الحسين خمساً وعشرين حجة وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة‏.‏

وأما عبد الله بن الزبير فإِنه استمر بمكة ممتنعاً عن الدخول في طاعة يزيد ابن معاوية‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وستين وسنة ثلاث وستين

فيها اتفق أهل المدينة على خلع يزيد بن معاوية وأخرجوا نائبه عثمان بن محمد بن أبي سفيان منها فجهز يزيد جيشاً مع مسلم بن عقبة وأمره يزيد أن يقاتل أهل المدينة فإِذا ظفر بهم أباحها للجند ثلاثة أيام يسفكون فيها الدماء ويأخذون ما يجدون من الأموال وأن يبايعهم على أنهم خوّل وعبيد ليزيد وإذا فرغ من المدينة يسير إِلى مكة‏.‏

فسار مسلم المذكور في عشرة آلاف فارس من أهل الشام حتى نزل على المدينة من جهة الحرة وأصر أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم على قتاله وعملوا خندقاً واقتتلوا فقتل الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بعد أن قاتل قتالاً عظيماً وكذلك قتل جماعة من الأشراف والأنصار ودام قتالهم ثم انهزم أهل المدينة وأباح مسلم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام يقتلون فيها الناس ويأخذون ما بها من الأموال ويفسقون بالنساء‏.‏

وعن الزهري أنّ قتلى الحرة كانوا سبعمائة من وجوه الناس من قريش والمهاجرين والأنصار وعشرة آلاف من وجوه الموالي وممن لا يعرف وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ثم إِنّ مسلماً بايع من بقي من الناس على أنهم خوّل وعبيد ليزيد بن معاوية ولما فرغ مسلم بن عقبة من المدينة سار بالجيش إلى مكة‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وستين

حصار الكعبة ولما فرغ مسلم من المدينة وسار إِلى مكة كان مريضاً فمات قبل أن يصل إِلى مكة وأقام على الجيش مقامه الحصين بن نمير السكوني وذلك في المحرم من هذه السنة فقدم الحصين مكة وحاصر عبد الله بن الزبير أربعين يوماً حتى جاءهم الخبر بموت يزيد بن معاوية على ما سنذكره بعد رمي البيت الحرام بالمنجنيق وإحراقه بالنار ولما علم الحصين بموت يزيد قال لعبد الله بن الزبير‏:‏ من الرأي أن ندع دماء القتلى بيننا وأقبل لأبايعك وأقدم إِلى الشام فامتنع عبد الله بن الزبير من ذلك فارتحل الحصين راجعاً إلى الشام ثم ندم ابن الزبير على عدم الموافقة وسار مع الحصين من كان المدينة من بني أمية وقدموا إِلى الشام‏.‏

وفاة يزيد بن معاوية بحوارين

من عمل حمص لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة أربع وستين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وكان مدة خلافته ثلاث سنين وستة أشهر وكان آدم جعداً أحور العينين بوجهه آثار جدري حسن اللحية خفيفها طويلا وخلف عدة بنين وبنات وكانت أمه ميسون بنت بحدل الكلبية أقام يزيد معها بين أهلها في البادية وتعلم الفصاحة ونظم الشعر هناك في بادية بني كلب وكان سبب إِرساله مع أمه هناك أن معاوية سمع ميسون بنت بحدل تنشد هذه الأبيات وهي‏:‏ للبس عباءة وتقر عيني أحبُّ إِليَّ من لبسِ الشفوفِ وبكر تتبع الأظعان صعب أحبّ إِلي من بغل زفوفِ وكلب ينبح الأضياف دوني أحب إِليّ من هر ألوفِ وخرق من بني عمي فقير أحبّ إلي من علج عنيفِ فقال لها معاوية‏:‏ ما رضيت يا ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً عنيفاً الحقي بأهلك فمضت إِلى بادية بني كلب ويزيد معها‏.‏

 أخبار معاوية بن يزيد بن معاوية

وهو ثالث خلفائهم ولما توفي يزيد بن معاوية بويع بالخلافة ولده معاوية في رابع عشر ربيع الأول من هذه السنة وكان شاباً ديناً فلم تكن ولايته غير ثلاثة أشهر وقيل‏:‏ أربعين يوماً ومات وعمره إِحدى وعشرون سنة وفي أواخر أيامه جمع الناس وقال‏:‏ قد ضعفت عن أمركم ولم أجد لكم مثل عمر بن الخطاب لأستخلفه ولا مثل أهل الشورى فأنتم أولى بأمركم فاختاروا من أحببتم ثم دخل منزله وتغيب فيه حتى مات وقيل إِنه أوصى أن يصلي بالناس الضحاك بن قيس حتى يقوم لهم خليفة‏.‏

البيعة لعبد اللّه بن الزبير

ولما مات يزيد بن معاوية بايع الناس بمكة ابن الزبير وكان مروان بن الحكم مدينة فقصد المسير إِلى عبد اللّه بن الزبير ومبايعته ثم توجّه مع من ترجّه من بني أمية إِلى الشام وقيل إِن ابن الزبير كتب إِلى عامله بالمدينة أن لا يترك بها من بني أمية أحداً‏.‏

ولو سار ابن الزبير مع الحصين إِلى الشام أو صانع بني أمية ومروان لاستقر أمره ولكن لا مرد لما قدره الله تعالى ولما بويع عبد الله بن الزبير بمكة كان عبيد الله بن زياد بالبصرة فهرب إِلى الشام وبايع أهل البصرة ابن الزبير واجتمعت له العراق والحجاز واليمن وبعث إِلى مصر فبايعه أهلها وبايع له في الشام سراً الضحاك ابن قيس وبايع له بحمص النعمان بن بشير الأنصاري وبايع له بقنسرين زفر بن الحارث الكلابي وكاد يتم له الأمر بالكلية وكان عبد الله بن الزبير شجاعاً كثير العبادة وكان به البخل وضعف الرأي‏.‏

أخبار مروان بن الحكم

وهو رابع خلفائهم وقام مروان بالشام في أيام ابن الزبير واجتمعت إِليه بنو أمية وصار الناس بالشام فرقتين اليمانية مع مروان والقيسية مع الضحاك بن قيس وهم يبايعون لابن الزبير وجرت مقاولات وأمور يطول شرحها‏.‏

وقعة مرج راهط وآخر ذلك أن الفريقين التقوا بمرج راهط في غوطة دمشق واقتتلوا وكانت الكرة على الضحاك والقيسية وانهزموا أقبح هزيمة وقتل الضحاك بن قيس وقتل جمع كثير من فرسان قيس‏.‏

ولما انهزمت قيس يوم المرج نادى منادي مروان بن الحكم ألا لا يتبع أحد ودخل دمشق مروان ونزل في دار معاوية بن أبي سفيان واجتمع عليه الناس وتزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية لخوفه من خالد‏.‏

ولما انهزمت القيسية وقتل الضحاك وبلغ ذلك أهل حمص وعليها النعمان ابن بشير الأنصاري خرج هارباً بامرأته وأهله فخرج أهل حمص وقتلوا النعمان بن بشير وردوا برأس النعمان وأهله ولما بلغ زفر بن الحارث وهو بقنسرين يدعو لابن الزبير خبر الهزيمة خرج من قنسرين وأتى قرقيسيا فغلب عليها واستوسق الشام لمروان بن الحكم ثم خرج إِلى جهة مصر وبعث قدامه عمرو بن سعيد بن العاص فدخل مصر وطرد عامل ابن الزبير عنها وبايع لمروان بن الحكم أهلها ولما ملك مروان مصر رجع إِلى دمشق وخرجت سنة أربع وستين ومروان خليفة بالشام ومصر وابن الزبير خليفة في الحجاز والعراق واليمن‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وستين هدم ابن الزبير الكعبة وكانت حيطانها قد مالت من ضرب المنجنيق فهدمها وحفر أساسها وأدخل الحجر فيها أعادها على ما كانت عليه أولاً‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وستين

وفاة مروان بن الحكم وتوفي بأن خنقته أم خالد بن يزيد بن معاوية زوجته وصاحت مات فجأة وذلك لثلاث خلون من رمضان من هذه السنة أعني سنة خمس وستين ودفن بدمشق وعمره ثلاث وستون سنة وكانت مدة خلافته تسعة أشهر وثمانية عشر يوماً‏.‏

شيء من أخباره كان النبي صلى الله عليه وسلم قد طرد أباه الحكم إِلى الطائف ولم يزل طريداً في أيام أبي بكر وعمر إِلى أن رده عثمان كما ذكرنا ومروان هو الذي قتل طلحة بسهم نشاب في حرب الجمل‏.‏

أخبار عبد الملك

وهو خامس خلفائهم لما مات مروان بويع ابنه عبد الملك بن مروان في ثالث رمضان من هذه السنة عني سنة خمس وستين عقب موت مروان واستثبت له الأمر بالشام ومصر وقيل إِنه لما أتته الخلافة كان قاعداً والمصحف في حجره فأطبقه وقال‏:‏ هذا آخر العهد بك‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وستين

خروج المختار بن أبي عبيد الثقفي وفي هذه السنة خرج المختار بالكوفة طالباً بثأر الحسين واجتمع إِليه جمع كثير واستولى على الكوفة وبايعه الناس بها على كتاب الله وسنة رسوله والطلب بدم أهل البيت وتجرد المختار لقتال قتلة الحسين وطلب شمر بن ذي الجوشن حتى ظفر به وقتله وبعث إِلى خولي الأصبحي وهو صاحب رأس الحسين فاحتاط بداره وقتله وأحرقه بالنار ثم قتل عمر بن سعد بن أبي وقاص صاحب الجيش الذين قتلوا الحسين وهو الذي أمر أن يداس صدر الحسين وظهره بالخيل وقتل ابن عمر المذكور واسمه حفص وبعث برأسهما إلى محمد بن الحنفية بالحجاز وذلك في ذي الحجة من هذه السنة ثم إِن المختار اتخذ كرسياً وادعى أن فيه سراً وأنه لهم مثل التابوت لبني إِسرائيل ولما أرسل المختار الجنود لقتال عبيد الله بن زياد خرج بالكرسي على بغل يحمله في القتال‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وستين

مقتل عبيد اللّه بن زياد وفي هذه السنة في المحرم أرسل المختار الجنود لقتال عبيد الله بن زياد وكان قد استولى على الموصل وقدم على الجيش إِبراهيم بن الأشتر النخعي فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزمت أصحاب ابن زياد وقتل عبيد اللّه بن زياد قتله إِبراهيم بن الأشتر في المعركة وأخذ رأسه وأحرق جثته وغرق في الزاب من أصحاب ابن زياد المنهزمين أكثر ممن قتل وبعث إِبراهيم برأس ابن زياد وبعدة رؤوس معه إِلى المختار وانتقم اللّه للحسين بالمختار وإن لم تكن نية المختار جميلة‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وستين

ولى ابن الزبير أخاه مصعباً البصرة ثم سار مصعب إِلى البصرة بعد أن طلب المهلب بن أبي صفرة من خراسان فقدم إِليه بمال وعسكر كثير فسارا جميعاً إلى قتال المختار بالكوفة وجمع المختار جموعه والتقيا فتمت الهزيمة بعد قتال شديد على المختار وأصحابه وانحصر المختار في قصر الإِمارة بالكوفة ودخل مصعب الكوفة وحاصر المختار وما زال المختار يقاتل حتى قتل ثم نزل أصحابه من القصر على حكم مصعب فقتلهم جميعهم وكانوا سبعة آلاف نفس وكان مقتل المختار في رمضان سنة سبع وستين وعمره سبع وستون سنة‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وستين للهجرة وقيل سنة إِحدى وسبعين وقيل سنة تسع وستين وقيل سنة ثمان وستين توفي بالكوفة أبو بحر الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة وكان يعرف الضحاك المذكور بالأحنف وهو الذي يضرب به المثل في الحلم وكان سيد قومه موصوفاً بالعقل والدهاء والعلم والحلم والذكاء أدرك عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يصحبه ووفد على عمر بن الخطاب في أيام خلافته وكان من كبار التابعين وشهد مع علي وقعة صفين ولم يشهد وقعة الجمل مع حد الفريقين والأحنف‏:‏ المائل سمي بذلك لأنه كان أحنف الرجل يطأ على جانبها الوحشي وقدِم الأحنف المذكور على معاوية في خلافته وحضر عنده في وجوه الناس فدخل رجل من أهل الشام وقال خطيباً وكان آخر كلامه أن لعن علي بن أبي طالب فأطرق الناس وتكلم الأحنف فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إِن هذا القائل لو يعلم أن رِضاك في لعن المرسلين للعنهم فاتق الله ودع عنك علياً فقد لقي ربه وأفرد في قبره وكان والله الميمونة نقيبته العظيمة مصيبته فقال معاوية‏:‏ يا أحنف لقد أغضيت العين على القذى فأيم الله لتصعدنّ المنبر ولتلعنه وطوعاً أو كرهاً فقال الأحنف‏:‏ أو تعفيني فهو خير لك فألح عليه معاوية فقال الأحنف‏:‏ أما والله لا نصفنك في القول قال‏:‏ وما أنت قائل قال أحمد الله بما هو أهله وأصلي على رسوله وأقول‏:‏ أيها الناس إِن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن علياً ألا وِإن علياً ومعاوية اختلفا فاقتتلا وادّعى كل منهما أنه مبغي عليه فإِذا دعوت فأمنوا‏.‏

ثم أقول‏:‏ اللهم العن أنت وملائكتك ملك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه والعن الفئة الباغية اللهم العنهم لعناً كثيراً أمنوا رحمكم الله‏.‏

يا معاوية أقوله ولو كان فيه ذهاب روحي فقال معاوية‏:‏ إِذن نعفيك من ذلك ولم يلزمه به‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وستين

فيها توفي عبد الله بن عباس بالطائف وكان محمد ابن الحنفية مقيماً بالطائف أيضاً فصلى على ابن عباس وأقام محمد بن الحنفية بالطائف إِلى أن قدم الحجاج بن يوسف إِلى مكة وكان مولد عبد الله بن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ اللهم فقهه في الدين وعلمه الكلمة والتأويل فكان كذلك وكان يسمى الحبر لكثرة علومه‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وستين وما بعدها إِلى سنة إِحدى وسبعين

مقتل مُصعب بن الزَّبير في هذه السنة أعني سنة إِحدى وسبعين تجهز عبد الملك وسار إِلى العراق وتجهز مصعب لملتقاه واقتتل الجمعان وكان أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك وصاروا معه في الباطن فتخلوا عن مصعب وقاتل مصعب حتى قتل هو وولده وكان مقتل مصعب بدير الجاثليق عند نهر دجيل وكان عمر مصعب ستاً وثلاثين سنة‏:‏ وكان مقتله في جمادى الآخرة سنة إِحدى وسبعين‏.‏

وكان مصعب صديق عبد الملك بن مروان قبل خلافته وتزوج مصعب سكينة الحسين وعائشة بنت طلحة وجمع بينهما في عقد نكاحه‏.‏

ثم دخل عبد الملك الكوفة وبايعه الناس واستوسق له ملك العراقين‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين

فيها جهز عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش إِلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير فسار الحجاج في جمادى الأولى من هذه السنة ونزل الطائف وجرى بينه وبين أصحاب ابن الزبير حروب كانت الكرة فيها على أصحاب ابن الزبير وآخر الأمر أنه حصر ابن الزبير بمكة ورمى البيت الحرام بالمنجنيق ودام الحصار حتى خرجت هذه السنة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين

والحجاج محاصر لابن الزبير وأبى ابن الزبير أن يسلم نفسه وقاتل حتى قتل في جمادى الآخرة من هذه السنة بعد قتال سبعة أشهر وكان عمر ابن الزبير حين قتل نحو ثلاث وسبعين سنة وهو أول من ولد من المهاجرين بعد الهجرة وكانت مدة خلافته تسع سنين لأنه بويع له سنة أربع وستين لما مات يزيد بن معاوية وكان عبد الله بن الزبير كثير العبادة مكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره‏.‏

وفي هذه السنة بعد مقتل ابن الزبير بويع لعبد الملك بالحجاز واليمن واجتمع الناس على طاعته‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة ثلاث وسبعين توفي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان موته بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر وعمره سبع وثمانون سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وسبعين

فيها هدم الحجاج الكعبة وأخرج الحجر عن البيت وبنى البيت على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك إلى الآن واستمر الحجاج أميراً على الحجاز‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وسبعين

فيها أرسل عبد الملك إِلى الحجاج بولاية العراق فسار من المدينة إِلى الكوفة وخرج في أيام ولاية الحجاج العراق شبيب الخارجي وكثرت جموعه وجرى له مع الحجاج حروب كثيرة آخرها أن جموع شبيب تفرقت وتردّى به فرسه من فوق جسر وسقط شبيب في الماء وغرق وكذلك خرج على الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث واستولى على خراسان ثم سار إِلى جهة الحجاج وغلب على الكوفة وكثرت جموعه وقويت شوكته شطب نوى من داره بالإِيوان إِيوان كسرى ذي القرى والزنجان من عاشق أضحى بزابلستان إِن ثقيفاً منهم الكذابات كذابها الماضي وكذاب ثان إنا سمونا للكفور الفتان حتى طغى في الكفر بعد الإِيمان بالسيد الغطريف عبد الرحمن سار بجمع كالدبا من قحطان بجحفل جم شديد الأركان فقل الحجاج ولي الشيطان يثبت لجمع مذحج وهمذان فإِنهم ساقوه كأس الديفان وملحقوه بقرى ابن مروان ثم أمد عبد الملك الحجاج بالجيوش من الشام وآخر الأمر أن جموع عبد الرحمن تفرقت وانهزم ولحق بملك الترك وأرسل الحجاج يطلبه من ملك الترك ويتهدده بالغزو إِن أخره فقبض ملك الترك على عبد الرحمن المذكور وعلى أربعين من أصحابه وبعث بهم إِلى الحجاج فلما نزل في مكان في الطريق ألقى عبد الرحمن نفسه من سطح فمات‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وسبعين

وما بعدها إلى إحدى وثمانين فيها توفي أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين

فيها توفي المهلب بن أبي صفرة الأزدي وكان من الأجواد المشهورين بالكرم والشهامة وكان الحجاج قد ولى المهلب خراسان ومات المهلب بمرو الرود واستخلفَ بعده ابنه يزيد بن المهلب ولما دنت من المهلب الوفاة أحضر السهام لأولاده وقال‏:‏ أتكسرونها مجتمعة قالوا‏:‏ لا قال أتكسرونها متفرقة قالوا‏:‏ نعم قال هكذا أنتم‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة اثنتين وثمانين توفي خالد بن يزيد بن معاوية وكان من المعدودين في بني أمية بالسخاء والفصاحة والعقل‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين

فيها بنى الحجاج مدينة واسط‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وسنة خمس وثمانين

 فيها أعني سنة خمس وثمانين توفي عبد العزيز بن مروان بمصر‏.‏

ثم دخلت سنة ست وثمانين

وفاة عبد الملك بن مروان وفي منتصف شوال من هذه السنة توفي عبد الملك بن مروان وعمره ستون سنة وكانت مدة خلافته منذ قتل ابن الزبير واجتمع له الناس ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر تنقص سبع ليال وكان شديد البخر وكنّي لذلك بأبي الذبّان وكان يلقب لبخله برشح الحجر وكان حازماً عاقلاً فقيهاً عالماً وكان ديناً فلما تولى الخلافة استهوته الدنيا فتغير عن ذلك وفيه يقول الحسن البصري ماذا أقول في رجل الحجاج سيئة من سيئاته‏.‏

 ولاية الوليد بن عبد الملك

وهو سادس خلفائهم لما توفي عبد الملك بويع الوليد بالخلافة في منتصف شوال من هذه السنة أعني سنة ست وثمانين بعهد من أبيه إِليه وكان مغرماً بالبناء واستوثقت له الأمور وفتحت في أيامه الفتوحات الكثيرة من ذلك جزيرة الأندلس وما وراء النهر وولى الحجاج خراسان مع العراقين فتغلغل في بلاد الترك وتغلغل مسلمة بن عبد الملك في بلاد الروم ففتح وسبى وفتح محمد بن القاسم الثقفي بلاد الهند‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة ست وثمانين ولى الوليد ابن عمه عمر بن عبد العزيز المدينة فقدم إِليها ونزل في دار جده مروان ودعا عشرة من فقهاء المدينة وهم عروة بن الزبير بن العوام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وأبو بكر ابن عبد الرحمن وأبو بكر بن سليمان وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد‏.‏

فقال لهم عمر بن عبد العزيز‏:‏ أريد أن لا أقطع أمراً إِلا برأيكم فما علمتموه من تعدي عامل أو من ظلامة فعرفوني به فجزوه خيراً‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وثمانين وسنة ثمان وثمانين

فيها كتب الوليد إِلى عمر بن عبد العزيز يأمره بهدم مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهدم بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأن يدخل البيوت في المسجد بحيث تصير مساحة المسجد مائتي ذراع في مائتي ذراع وأن يضع أثمان البيوت في بيت المال فأجابه أهل المدينة إِلى ذلك وقدمت الفعلة والصناع من عند الوليد لعمارة المسجد وتجرد لذلك عمر بن عبد العزيز‏.‏

وفي هذه السنة أيضاً أعني سنة ثمان وثمانين أمر الوليد ببناء جامع دمشق فأنفق عليه أموالاً عظيمة تجل عن الوصف‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وما بعدها

حتى دخلت سنة ثلاث وتسعين فيها عزل الوليد عمر بن عبد العزيز عن المدينة‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وتسعين

فيها قتل الحجاج سعيد بن جبير بسبب أن سعيداً كان خلع الحجاج وصار مع عبد الرحمن بن الأشعث وكان سعيد بن جبير قد هرب من الحجاج وأقام في مكة فأرسل الحجاج يطلب جماعة من الوليد قد التجأوا إِلى مكة فكتب الوليد إلى عامله على مكة وهو خالد بن عبد الله القسري يأمره بإِرسال من يطلبه الحجاج وطلب الحجاج سعيد بن جبير وغيره فبعث بهم إليه فضرب عنق سعيد بن جبير وسعيد بن جبير المذكور كان من أعلام التابعين أخذ العلم عن عبد اللّه بن عباس وعبد الله بن عمر وعنه روى القرآن أبو عمرو وقال أحمد بن حنبل‏:‏ قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا مفتقر إِلى علمه‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وتسعين

توفي سعيد بن المسيب وكان من كبار التابعين وفقهائهم‏.‏

وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين توفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين وكان مع أبيه الحسين لمّا قتل وسلم من القتل لأنه كان مريضاً على الفراش وكان كثير العبادة ولهذا قيل له زين العابدين وتوقي بالمدينة ودفن بالبقيع وعمره اثنان وخمسون سنة‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وتسعين

فيها توفي الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراقين وخراسان وعمره أربع وخمسون سنة وكانت مدة ولايته العراق نحو عشرين سنة وكان الحجاج أخفش رقيق الصوت في غاية الفصاحة قيل إِنه أحصي من جملة الذين قتلهم الحجاج فكانوا مائة ألف وعشرين ألف‏.‏

ثم دخلت سنة ست وتسعين

وفاة الوليد وفي جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة ست وتسعين توفي الوليد بن عبد الملك بن مروان وكانت مدة خلافته تسع سنين وسبعة أشهر وكانت وفاته بدير مران ودفن بدمشق خارج الباب الصغير وصلى عليه ابن عمه عمر بن عبد العزيز وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وستة أشهر وكان سائل الأنف جداً وكان له من الولد ثمانية عشر ابناً وهو الذي بنى مسجد دمشق واحتمل له الصناع من بلاد الروم ومن سائر بلاد الإسلام وكان في جانب الجامع كنيسة قد سلمت للنصارى بسبب أنها في نصف البلد الذي أخذ بالصلح وكانت تعرف بكنيسة ماريحنا فهدمها الوليد وأدخلها في الجامع وكان الوليد لحاناً دخل عليه أعرابي يشكو صهراً له فقال له الوليد‏:‏ ما شأنك بفتح النون‏.‏

فقال الأعرابي أعوذ بالله من الشين فقال له سليمان بن عبد الملك‏:‏ أمير المؤمنين يقول‏:‏ ما شأنك بضم النون‏.‏

فقال الأعرابي‏:‏ ختني ظلمني فقال الوليد‏:‏ من ختنَك بالفتح‏.‏

فقال الأعرابي‏:‏ إِنما ختنني الحجام ولست أريد ذا‏.‏

فقال سليمان بن عبد الملك‏:‏ أمير المؤمنين يقول من ختنُك بالضم فقال‏:‏ هذا وأشار إلى خصمه وكان أبوه عبد الملك فصيحاً وعرف بلحن ابنه فقال له‏:‏ إِنك يا بني لا تصلح للولاية على العرب وأنت تلحن وجعله في بيت وجعل معه من يعلمه الإعراب فمكث الوليد كذلك مدة ثم خرج وهو أجهل مما دخل‏.‏

أخبار سليمان بن عبد الملك بن مروان وهو سابعهم بويع بالخلافة لما مات أخوه الوليد في جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة ست وتسعين وكان سليمان لما مات الوليد في مدينة الرملة فلما وصل إِليه الخبر بعد سبعة أيام سار إلى دمشق ودخلها وأحسن السيرة وردّ المظالم واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز وزيراً‏.‏

وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وتسعين وسنة ثمان وتسعين

فيها خرج سليمان ابن عبد الملك بالجيوش لغزو قسطنطينية ونزل بمرج دابق وسير أخاه مسلمة إِلى قسطنطينية وأمره أن يقيم عليها حتى يفتحها فشتى مسلمة على قسطنطينية وزرع الناس بها الزرع وأكلوه وأقام مسلمة قاهراً لأهل قسطنطينية حتى جاءه الخبر بموت سليمان‏.‏

وفيها أعني سنة ثمان وتسعين فتح يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الوالي على خراسان من قبل سليمان بن عبد الملك جرجان وطبرستان‏.‏

وفاة سليمان بن عبد الملك وفي هذه السنة عني سنة تسع وتسعين توفي سليمان بن عبد الملك في صفر وكانت مدة خلافته سنتين وثمانية أشهر وعمره خمس وأربعون سنة ومات بدابق من أرض قنسرين مرابطاً وأخوه مسلمه منازل قسطنطينية وكان سليمان طويلاً أسمر جميل الصورة وكان به عرج وكان حسن السيرة وكان مُغْرماً بالنساء كثير الأكل حج مرة وكان الحر في الحجاز إِذ ذاك شديداً فتوجه إِلى الطائف طلباً للبرودة وأتي برمان فأكل سبعين رمانهَ ثم أتي بجدي وست دجاجات فأكلها ثم أتي بزبيب من زبيب الطائف فأكل منه كثيراً ونعس فنام ثم انتبه فأتوا بالغداء فأكل على عادته وقيل كان سبب موته أنه أتاه نصراني وهو نازل على دابق بزنبيلين مملوءين تيناً وبيضاً فأمر من يقشر له البيض وجعل يأكل بيضة وتينة حتى أتى على الزنبيلين ثم أتوه بمخ وسكر فأكله فاتخم ومرض ومات وصلى عليه عمر بن عبد العزيز ودفن وكان شديد الغيرة أمر بخصي المخنثين الذين كانوا بالمدينة فخصاهم عامله على المدينة وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو الأنصاري‏.‏

أخبار عمر بن عبد العزيز

بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏ وهو ثامن خلفائهم وأم عمر بن عبد العزيز بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وأوصى إِليه بالخلافة سليمان بن عبد الملك لما اشتد مرضه بدابق وبويع عمر بن عبد العزيز بالخلافة في صفر من هذه السنة أعني سنة تسع وتسعين بعد موت سليمان‏.‏

إبطال عمر سب علي إبطال عمر بن عبد العزيز سب علي بن أبي طالب على المنابر كان خلفاء بني أمية يسبون علياً رضي الله عنه من سنة إِحدى وأربعين وهي السنة التي خلع الحسن فيها نفسه من الخلافة إلى أول سنة تسع وتسعين آخر أيام سليمان بن عبد الملك فلما ولي عمر أبطل ذلك وكتب إِلى نوابه‏:‏ بإبطاله ولما خطب يوم الجمعة أبدل السب في آخر الخطبة بقراءة قوله تعالى ‏(‏إِن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون‏)‏ ‏(‏النمل‏:‏ 90‏)‏ فلم يسب علي بعد ذلك‏.‏

واستمرت الخطباء على قراءة هذه الآية ومدحه كثير بن عبد الرحمن الخزاعي فقال‏:‏ وقلتَ فصدقتَ الذي قلتَ بالذي فعلتَ فأضحى راضياً كل مسلم

ثم دخلت سنة مائة وسنة إِحدى ومائة

وفاة عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه

وفي هذه السنة أعني سنة إِحدى ومائة توفي عمر بن عبد العزيز لخمس بقين من رجب يوم الجمعة بخناصرة ودفن بدير سمعان وقيل‏:‏ توفي بدير سمعان ودفن به قال القاضي جمال الدين بن واصل مؤلف التاريخ المنقول هذا الكلام منه‏:‏ والظاهر عندي أن دير سمعان هو المعروف الآن بدير النقيرة من عمل معرة النعمان وأن قبره هو هذا المشهور وكان موته بالسم عند أكثر أهل النقل فإِن بني أمية علموا أنه إِن امتدت أيامه أخرج الأمر من أيديهم وأنه لا يعهده بعده إِلا لمن يصلح للأمر‏.‏

فعالجوه وما أمهلوه وكان مولده بمصر على ما قيل سنة إِحدى وستين وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وكان عمره أربعين سنة وأشهراً وكان في وجهه شجة من رمح دابة وهو غلام ولهذا كان يدعى بالأشج وكان متحرياً سيرة الخلفاء الراشدين‏.‏

أخبار يزيد بن عبد الملك

بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهو تاسعهم وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بويع بالخلافة لما مات عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إِحدى ومائة بعهد من سليمان بن عبد الملك إِليه بعد عمر‏.‏

وفي أيام يزيد بن عبد الملك خرج يزيد بن المهلب بن أبي صفرة واجتمع إِليه جمع وأرسل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فقاتله وقتل يزيد بن المهلب وجميع آل المهلب بن أبي صفرة وكانوا مشهورين بالكرم والشجاعة وفيهم يقول الشاعر‏:‏ نزلت على آل المهلب شاتياً غريباً عن الأوطان في زمن المحل فما زال بي إِحسانهم وافتقادهم وبرهم حتى حسبتهم أهلي

ثم دخلت سنة اثنتين ومائة

فيها أعني في سنة اثنتين ومائة توفي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وعبيد الله المذكور هو ابن أخي عبد الله بن مسعود الصحابي وهؤلاء الفقهاء السبعة هم الذين انتشر عنهم الفقه والفتيا وقد نظم بعض الفضلاء ألا كُلّ من لا يقتدي بأئمة فقسمته ضيزى عن الحق خارجه فخذهم عبيد الله عروة قاسم سعيد سليمان أبو بكر خارجه ولنذكرهم على ترتيبهم في النظم فأولهم عبيد الله المذكور وكان من أعلام التابعين ولقي خلقاً كثيراً من الصحابة‏.‏

الثاني عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي أبوه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأم عروة أسماء بنت أبي بكر وهي ذات النطاقين وهو شقيق عبد الله بن الزبير الذي تولى الخلافة وتوفي عروة المذكور في سنة ثلاث وتسعين للهجرة وقيل أربع وتسعين وكان مولده سنة اثنتين وعشرين‏.‏

الثالث قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكان من أفضل أهل زمانه وأبوه محمد بن أبي بكر الذي قتل بمصر على ما شرحنا‏.‏

الرابع سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر وتوفي في سنة إِحدى وقيل اثنتين وقيل ثلاث وقيل أربع وقيل خمس وتسعين‏.‏

الخامس سليمان بن يسار مولي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عباس وعن أبي هريرة وأم سلمة وتوفي في سنة سبع ومائة وقيل غير ذلك وعمره ثلاث وسبعون سنة‏.‏

السادس أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي وكنيته اسمه كان من سادات التابعين وسمي راهب قريش وجده الحارث هو أخو أبي جهل بن هشام وتوفي أبو بكر المذكور في سنة أربع وتسعين للهجرة وولد في خلافة عمر بن الخطاب‏.‏

السابع خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري وأبوه زيد بن ثابت من أكابر الصحابة الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه أفرضكم زيد‏.‏

وتوفي خارجة المذكور في سنة تسع وتسعين للهجرة وقيل سنة مائة بالمدينة وأدرك زمن عثمان ابن عفان فهؤلاء السبعة هم المعروفون بفقهاء المدينة السبعة وانتشرت عنهم الفتيا والفقه وكان في زمانهم من هو في طبقتهم في الفضيلة ولم يذكر معهم مثل سالم ابن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب وغيره وتوفي سالم المذكور في سنة ست ومائة وقيل غير ذلك وكان من أعلام التابعيين أيضاً وقد ذكر في موضع آخر وفاة بعض المذكورين وإنما ذكرناهم جملة لأنه أقرب للضبط

ثم دخلت سنة ثلاث وسنة أربع وسنة خمس ومائة

وفاة يزيد بن عبد الملك

وفيها أعني سنة خمس ومائة لخمس بقين من شعبان توفي يزيد بن عبد الملك وعمره أربعون سنة وقيل غير ذلك وكانت مدة خلافته أربع سنين وشهراً وكان يزيد المذكور قد عهد بالخلافة إِلى أخيه هشام ثم من بعده إِلى ابنه الوليد ابن يزيد بن عبد الملك‏.‏

وكان يزيد صاحب لهو وطرب وهو صاحب حبابة وسلامة القس وكان مغرماً بهما جداً وماتت حبابة فمات بعدها بسبعة عشر يوماً وإنما سميت سلامة القس لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمار كان يسمى القس لعبادته وكان فقيهاً فمرّ بمنزل أستاذ سلامة فسمع غناءها فهويها وهويته واجتمعا فقالت له سلامة‏:‏ إِني أحبك فقال‏:‏ وأنا أيضاً‏.‏

وقالت‏:‏ وأشتهي أن أقبلك‏.‏

قال‏:‏ وأنا أيضاً‏.‏

فقالت له‏:‏ ما يمنعك‏:‏ قال تقوى الله وقام وانصرف عنها فسميت سلامة القس بسبب عبد الرحمن المذكور‏.‏

أخبار هشام بن عبد الملك وهو عاشرهم وكان عمره لما ولي الخلافة أربعاً وثلاثين سنة وأشهراً وكان هشام بالرصافة لما مات يزيد بن عبد الملك في دويرة له صغيرة فجاءته الخلافة على البريد فركب من الرصافة وسار إِلى دمشق‏.‏

ثم دخلت سنة ست ومائة وما بعدها

حتى دخلت سنة عشر ومائة فيها توفي الإمام المشهور الحسن بن أبي الحسن البصري وكان مولده في خلافة عمر بن الخطاب وهو من أكابر التابعين‏.‏

وفيها توفي محمد بن سيرين وكان أبوه سيرين عبداً لأنس بن مالك فكاتبه أنس على مال وحمله سيرين وعتق وكان من سبي خالد بن الوليد وروى محمد بن سيرين المذكور عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وغيرهم وكان من كبار التابعين وله اليد الطولى في تعبير الرؤيا‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى عشرة ومائة

ودخلت سنة اثنتي عشرة ومائة وما بعدها حتى دخلت سنة ست عشرة ومائة فيها توفي الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المقدم ذكره وقيل كانت وفاته سنة أربع عشرة وقيل سنة سبع عشرة وقيل سنة ثماني عشرة ومائة وكان عمر الباقر المذكور ثلاثاً وسبعين سنة وأوصى أن يكفن بقميصه الذي كان يصلي فيه وقيل له الباقر‏:‏ لتبقره في العلم أي توسعه فيه وولد الباقر المذكور في سنة سبع وخمسين وكان عمره لما قتل جده الحسين ثلاث سنين وتوفي بالحميمة من الشراة ونقل ودفن بالبقيع‏.‏

ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة

فيها أعني في سنة سبع عشرة وقيل سنة عشرين ومائة توفي نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب أصابه عبد الله في بعض غزواته وكان نافع من كبار التابعين سمع مولاه عبد الله وأبا سعيد الخدري وروى عن نافع الزهري ومالك بن أنس وأهل الحديث يقولون‏:‏ رواية الشافعي عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب لجلالة كل واحد من هؤلاء الرواة‏.‏

ثم دخلت سنة ثماني عشرة ومائة وسنة تسع عشرة ومائة

فيها غزا المسلمون بلاد الترك فانتصروا وغنموا أشياء كثيرة وقتلوا من الأتراك مقتلة عظيمة وقتلوا خاقان ملك الترك وكان المتولي لحرب الترك أسد بن عبد الله القسري‏.‏

ثم دخلت سنة عشرين ومائة

فيها توفي أبو سعيد عبد الله بن كثير أحد القراء السبعة‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة

فيها غزا مروان بن محمد بن مروان وكان على الجزيرة وأرمينية بلاد صاحب السرير فأجاب صاحب السرير إِلى الجزية في كل سنة سبعين ألف رأس يؤديها‏.‏

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم فافتتح حصونها وغَنمَ‏.‏

وفيها غزا نصر بن سيار بلاد ما وراء النهر وقتل ملك الترك ثم مضى إِلى فرغانة فسبى بها سبياً كثيراً‏.‏

وفيها أعني سنة إِحدى وعشرين وقيل اثنتين وعشرين ومائة خرج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم بالكوفة ودعا إلى نفسه وبايعه جمع كثير وكان الوالي على الكوفة من قبل هشام يوسف بن عمر الثقفي فجمع العسكر وقاتل زيداً فأصاب زيداً سهم في جبهته فأدخل بعض الدور ونزعوا السهم من جبهته ثم مات‏.‏

ولما علم يوسف بن عمر بمقتله تطلبه حتى دل عليه واستخرجه وصلب جثته وبعث برأسه إِلى هشام بن عبد الملك فأمر بنصب الرأس بدمشق ولم تزل جثته مصلوبة حتى مات هشام وولي الوليد فأمر بحرق جثته فأحرقت وكان عمر زيد لما قتل اثنتين وأربعين سنة‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائة

فيها توفي إِياس بن معاوية بن قرة المزني المشهور بالفراسة والذكاء وكان ولي قضاء البصرة في أيام عمر بن عبد العزيز‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة

وسنة أربع وعشرين ومائة فيها وقيل غير ذلك توفي محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي وعمره ثلاث وسبعون سنة المعروف بالزُهري بضم الزاي المنقوطة وسكون الهاء وبعدها راء هذه النسبة إلى زهرة بن كلاب بن مرة وكان الزُهري المذكور من أعلام التابعين رأى عشرة من أصحاب النبي وروى عن الزهري المذكور جماعة من الأئمة مثل مالك وسفيان الثوري وغيرهما وكان الزهري إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله مشتغلا بها عن كل أحد فقالت له زوجته‏:‏ والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وعشرين ومائة

وفاة هشام وفي هذه السنة أعني سنة خمس وعشرين ومائة توفي هشام بن عبد الملك بالرصافة لست خلون من ربيع الأول فكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وكسراً وكان مرضه الذبحة وكان عمره خمساً وخمسين سنة ولما مات طلبوا له ما يسخنون فيه الماء فلم يعطهم عياض كاتب الوليد ما يسخنون فيه الماء فإِنه ختم على جميع موجوده للوليد فاستعاروا له من الجيران قمقساً لتسخين الماء ودفن بالرصافة وكان أحول بين الحول وخلف عدة بنين منهم معاوية أبو عبد الرحمن الذي دخل الأندلس وملكها لما زال ملك بني أمية وكان هشام حازماً سد يد الرأي غزير العقل عالماً بالسياسة واختار هشام الرصافة وبناها وإليه تنسب فيقال رصافة هشام وكانت مدينة رومية ثم خرجت وهي صحيحة الهواء وإنما اختارها لأن خلفاء بني أمية كانوا يهربون من الطاعون وينزلون في البرية فأقام هشام بالرصافة وهي في تربة صحيحة وابتنى بها قصرين وكان بها دير معروف‏.‏

أخبار الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان

وهو حادي عشر خلفاء بني أمية لما مات هشام نفذت الكتب إِلى الوليد وكان الوليد مقيماً في البريّة بالأزرق خوفاً من هشام وكان الوليد وأصحابه في ذلك الموضع في أسوأ حال ولما اشتد به الضيق أتاه الفرج بموت هشام وكانت البيعة للوليد يوم الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الآخر من هذه السنة أعني سنة خمس وعشرين ومائة وعكف الوليد على شرب الخمر وسماع الغناء ومعاشرة النساء وزاد الناس في أعطيتهم عشرات ثم زاد أهل الشام بعد زيادة العشرات عشرة أخرى ولم يقل في شيء سُئله لا‏.‏
انتهى اَلنقل من تاريخ القاضي جمال الدين بن واصل وابتدأت من هنا من تاريخ ابن الأثير الكامل وفي هذه السنة أعني سنة خمس وعشرين ومائة توفي القاسم بن أبي برة وهو من المشهورين بالقراءة‏.‏

ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائة

فيها سلم الوليد بن يزيد بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري‏.‏

إِلى يوسف بن عمر عامله على العراق فعذبه وقتله‏.‏

بن عبد الملك في هذه السنة قتل الوليد قتله يزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي يقال له يزيد الناقص وكان مقتله في جمادى الآخرة سنه ست وعشرين ومائة بسبب كثرة مجونه ولهوه وشربه الخمر ومنادمة الفساق فثقل ذلك على الرعية والجند وأذى بني عميه هشام والوليد فرموه بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه ودعا يزيد إلى نفسه واجتمعت عليه اليمانية ونهاه أخوه العباس بن الوليد بن عبد الملك عن ذلك وتهدده فأخفى يزيد الأمر عن أخيه وكان يزيد مقيماً بالبادية لوخم دمشق فلما اجتمع له أمره قصد دمشق متخفياً في سبعة نفر وكان بينه وبينها مسيرة أربعة أيام ونزل بجيرود على مرحلة من دمشق ثم دخل دمشق ليلاً وقد بايع له أكثر أهلها وكان عامل الوليد على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج وجاء الوباء بدمشق فخرج منها ونزل قرية قطنا وظهر يزيد في دمشق واجتمعت عليه الجند وغيرهم وأرسل إِلى قطنا مائتي فارس فأخذوا عبد الملك المذكور عامل الوليد على دمشق بالأمان ثم جهز يزيد جيشاً إِلى الوليد بن زيد بن عبد الملك ومقدمهم عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ولما ظهر يزيد بن الوليد بدمشق سار بعض موالي الوليد إِليه وأعلمه وهو بالأغذف من عمان فسار الوليد حتى أتى البحرة إِلى قصر النعمان بن بشير ونازله عبد العزيز وجرى بينه وبين الوليد قتال كثير وقصد العباس بن الوليد بن عبد الملك أخوه يزيد المذكور اللحوق بالوليد ونصرته على أخيه فأرسل عبد العزيز منصور بن جمهور إلى العباس فأخذه قهراً وأتى به إِلى عبد العزيز فقال له‏:‏ بايع لأخيك فبايع ونصب عبد العزيز راية وقال‏:‏ هذه راية العباس قد بايع لأمير المؤمنين يزيد فتفرق الناس عن الوليد فركب الوليد بمن بقي معه وقاتل قتالاً شديداً ثم انهزم عنه أصحابه فدخل القصر وأغلقه وحاصروه ودخلوا إِليه وقتلوه واحتزوا رأسه وسيروه إلى يزيد بن الوليد فسجد يزيد شكراً لله ووضع الرأس على رمح وطيف به في دمشق وكان قتله لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة فكانت مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وقيل غير ذلك وكان الوليد من فتيان بني أمية وظرفائهم منهمكاً في اللهو والشرب وسماع الغناء‏.‏

 أخبار يزيد بن الوليد بن عبد الملك

وهو ثاني عشر خلفائهم استقر يزيد الناقص في الخلافة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة وسمي يزيد الناقص لأنه نقص الناس العشرات التي زادها الوليد وقررهم على ما كانوا عليه أيام هشام ولما قتل الوليد وتولى يزيد الخلافة خالفه أهل حمص وهجموا دار أخيه العباس بحمص ونهبوا ما بها وسلبوا حرمه وأجمعوا على المسير إِلى دمشق لحرب يزيد فأرسل إِليهم يزيد عسكراً والتقوا قرب ثنية العقاب فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم أهل حمص واستولى عليها يزيد وأخذ البيعة عليهم‏.‏

ثم اجتمع أهل فلسطين فوثبوا على عامل يزيد فأخرجوه من فلسطين وأحضروا يزيد بن سليمان بن عبد الملك فجعلوه عليهم ودعا الناس إِلى قتال يزيد الناقص فأجابوه إِلى ذلك وبلغ يزيد ذلك فأرسل إِليهم جيشاً مع سليمان بن هشام ابن عبد الملك ووعد كبراء فلسطين ومناهم فتخاذلوا عن صاحبهم فلما قرب منهم الجيش تفرقوا وقدم جيش سليمان في أثر يزيد بن سليمان بن عبد الملك فنهبوه وسار سليمان بن هشام بن عبد الملك حتى نزل طبرية وأخذ البيعة بها ليزيد الناقص ثم سار حتى نزل الرملة وأخذ البيعة على أهلها أيضاً للمذكور‏.‏

ثم أن يزيداً عزل يوسف بن عمر عن العراق واستعمل عليه منصور بن جمهور وضم إِليه مع العراق خراسان فامتنع نصر بن سيار في خراسان ولم يجب إِلى ذلك ثم عزل يزيد بن الوليد منصور بن جمهور عن العراق وولاها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة ست وعشرين ومائة أظهر مروان بن محمد الخلاف ليزيد بن الوليد‏.‏

وفاة يزيد بن الوليد بن عبد الملك

وفي هذه السنة توفي يزيد الناقص المذكور لعشر بقين من ذي الحجة وكانت خلافته خمسة أشهر واثني عشر يوماً وكان موته بدمشق وكان عمره ستاً وأربعين سنة وقيل ثلاثون سنة وقيل غير ذلك‏.‏

وكان أسمر طويلاً صغير الرأس جميلاً ولما مات يزيد بن الوليد قام بالأمر بعده إبراهيم أخوه وهو ثالث عشر خلفائهم غير أنه لم يتم له الأمر وكان يسلم عليه بالخلافة تارة وتارة بالإمارة فمكث أربعة أشهر وقيل سبعين يوماً‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائة

فيها سار مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أمير ديار الجزيرة إِلى الشام لخلع إبراهيم بن الوليد ولما وصل إِلى قنسرين اتفق معه أهلها وساروا معه ولما وصل مروان إِلى حمص بايعه أهلها وصاروا معه أيضاً ولما قرب مروان من دمشق بعث إِبراهيم إِلى قتاله الجنود مع سليمان بن هشام بن عبد الملك وكانت عدتهم مائة وعشرين ألفاً وعدة عسكر مروان بن محمد ثمانين ألفاً فاقتتلوا من ارتفاع النهار إلى العصر وكثر القتل بينهم وانهزم عسكر إبراهيم ووقع القتل فيهم والأسر وهرب سليمان فيمن هرب إلى دمشق واجتمعوا مع إِبراهيم وقتلوا ابني الوليد بن يزيد وكانا في السجن ثم هرب إبراهيم واختفى ونهب سليمان بن هشام بيت المال وقسمه في أصحابه وخرج من دمشق‏.‏

بيعة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم

وهو رابع عشر خلفاء بني أمية وآخرهم وفي هذه السنة أعني سنة سبع وعشرين ومائة بويع لمروان المذكور في دمشق بالخلافة ولما استقر له الآمر رجع إِلى منزله بحران وأرسل إِبراهيم المخلوع بن الوليد وسليمان بن هشام فطلبا من مروان الأمان فأمنهما فقدما عليه ومع سليمان أخوته وأهل بيته فبايعوا مروان بن محمد‏.‏

وفي هذه السنة عصي أهل حمص على مروان فسار مروان من حران إلى حمص وقد سد أهلها أبوابها فأحدق بالمدينة ثم فتحوا له الأبواب وأظهروا طاعته ثم وقع بينهم قتال فقتل من أهل حمص مقتلة وهدم بعض سورها وصلب جماعة من أهلها‏.‏

ولما فتح حمص جاءه الخبر بخلاف أهل الغوطة وأنهم ولوا عليهم يزيد بن خالد القسري وأنهم قد حصروا دمشق فأرسل مروان عشرة آلاف فارس مع أبي الورد بن الكوثر وعمرو بن الصباح وساروا من حمص ولما وصلوا إلى قرب دمشق حملوا على أهل الغوطة وخرج من بالبلد عليهم أيضاً فانهزم أهل الغوطة ونهبهم العسكر وأحرقوا المزة وقرى غيرها‏.‏

ثم عقيب ذلك خالفت أهل فلسطين ومقدمهم ثابت بن نعيم فكتب مروان إِلى أبي الورد يأمره بالسير إليه فسار إِليه وهزمه على طبرية ثم اقتتلوا على فلسطين فانهزم ثابت بن نعيم وتفرق أصحابه وأسر ثلاثة من أولاده فبعث بهم أبو الورد إِلى مروان وأعلمه بالنصر‏.‏

ثم سار مروان بن محمد إِلى قرقيسيا فخلعه سليمان بن هشام بن عبد الملك واجتمع إِليه من أهل الشام سبعون ألفاً وعسكر بقنسرين وسار إِليه مروان من قرقيسيا والتقوا بأرض قنسرين وجرى بينهم قتال شديد ثم انهزم سليمان بن هشام وعسكره واتبعهم خيل مروان يقتلون ويأسرون فكانت القتلى من عسكر سليمان تزيد على ثلاثين ألفاً ثم إِن سليمان وصل إِلى حمص واجتمع إِليه أهلها وبقية المنهزمين فسار إِليهم مروان وهزمهم ثانية وهرب سليمان إلى تدمر وعصى أهل حمص فحاصرهم مروان مدة طويلة ثم طلبوا الأمان وسلموا إِلى مروان من كان عليهم من الولاة من جهة سليمان فأجابهم إِلى ذلك ومنهم‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وعشرين ومائة مات محمد بن واسع الأزدي الزاهد‏.‏

وفيها مات عبد الله بن إسحاق‏.‏

مولى الحضرمي من خلفاء عبد شمس وكنيته أبو بحر وكان إِماماً في النحو واللغة وكان يعيب الفرزدق في شعره وينسبه إلى اللحن فهجاه الفرزدق بقوله‏:‏ ولو كان عبد الله مولى هجوته ولكن عبد الله مولى مواليا

ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائة

فيها أرسل مروان بن محمد يزيد بن هبيرة إِلى العراق لقتال من به من الخوارج وكان بخراسان نصر بن سيار والفتنة بها قائمة بسبب دعاة بني العباس‏.‏

وفيها مات عاصم بن أبي النجود صاحب القراة والنجود الحمارة الوحشية‏.‏

ظهور دعوة بني العباس

ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة

فيها ظهرت دعوة بني العباس بخراسان وكان يختلف أبو مسلم الخراساني من خراسان إلى إِبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان يُسمى إِبراهيم الإمام ومنه إلى خراسان ليستلم منه إِبراهيم الأحوال فلما كانت هذه السنة استدعى إِبراهيم أبا مسلم من خراسان فسار إِليه ثم أرسل إليه إِبراهيم أن ابعث إِلي بما معك من المال مع قحطبة وارجع إلى أمرك من حيث وافاك كتابي ووافاه الكتاب بقومس فامتثل أبو مسلم ذلك وأرسل ما معه إِلى إِبراهيم مع قحطبة ورجع أبو مسلم إلى خراسان فلما وصل إِلى مرو أظهر الدعوة لبني العباس فأجابه الناس وأرسل إِلى بلاد خراسان بإظهار ذلك وذلك بعد أن كان قد سعى في ذلك سراً مدة طويلة ووافقه الناس في الباطن وأظهروا ذلك في هذه السنة وجرى بين أبي مسلم وبين نصر بن سيار أمير خراسان من جهة بني أمية مكاتبات ومراسلات يطول شرحها ثم جرى بينهما قتال فقتل أبو مسلم بعض عمال نصر بن سيار على بعض بلاد خراسان واستولى على ما بأيديهم وكان أبو مسلم من أهل خطرنية من سواد الكوفة وكان قهرماناً لإِدريس معقل العجلي ثم صار إِلى أن ولاه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمر في استدعاء الناس في الباطن ثم مات محمد فولاه ابنه إِبراهيم الإمام بن محمد ذلك ثم الأئمة من ولد محمد ولما قوى أبو مسلم على نصر بن سيار ورأى نصر أن أمر أبي مسلم كلما جاء في قوة كتب إلى مروان بن محمد يعلمه بالحال وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكتب أبيات شعر وهي‏:‏ أرى تحتَ الرماد وميضَ نارٍ وأوشك أن تكون لها ضرامُ فإِن لم يُطفها عقلاءُ قوم يكون وقودها جثث وهامُ فقلت من التعجب ليتَ شعري أأيقاظ أمية أم نيامُ وكان مقام إِبراهيم الإمام وأهله بالشراة من الشام بقرية يقال لها الحميمة والحميمة بضم الحاء المهملة وميم مفتوحة وياء مثناهْ من تحتها ساكنة ثم ميم وهاء هي عن الشوبك أقل من مسيرة يوم بينها وبين الشوبك وادي موسى وهي من الشوبك قبلة بغرب وتلك البقعة التي هي من الشوبك إِلى جهة الغرب والقبلة يقال لها الشراة‏.‏

ولما بلغ مروان الحال أرسل إِلى عامله بالبلقاء أن يسير إِليه إبراهيم بن محمد المذكور فشدّه وثاقاً وبعث به إِليه فأخذه مروان وحبسه في حران حتى مات إِبراهيم في حبسه وكان مولده في سنة اثنتين وثمانين‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة

في هذه السنة دخل أبو مسلم مدينة مرو ونزل في قصر الإمارة في ربيع الآخر وهرب نصر بن سيار من مرو ثم وصل قحطبة من عند الإمام إِبراهيم بن محمد إِلى أبي مسلم ومعه لواء كان قد عقده له إِبراهيم فجعل أبو مسلم قحطبة في مقدمته وجعل إِليه العزل والاستعمال وكتب إلى الجنود بذلك‏.‏

وفيها أعني سنة ثلاثين ومائة وقيل سنة ست وثلاثين توفي ربيعة الرأي ابن فروج فقيه أهل المدينة أدرك جماعة من الصحابة وعنه أخذ العلم الإمام مالك‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين ومائة

 فيها مات نصر بن سبار بساوة قرب الري وكان عمره خمساً وثمانين سنة وفيها أيضاً توفي أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال المعتزلي وكان مولده سنة ثمانين للهجرة وكان يشتغل على الحسن البصري ثم اعتزل عنه وخالف في قوله في أصحاب الكبائر من المسلمين أنهم ليسوا مؤمنين ولا كافرين بل لهم منزلة بين المنزلتين فسمي وأصحابه معتزلة وكان واصل المذكور يلثغ بالراء ويتجنب اللفظ بالراء في كلامه حتى ذكر نعم تجنب لا يوم العطاء كما تجنب ابن عطاء لثغة الراء ولم يكن واصل بن عطاء غزّالا وإنما كان يلازم الغّزالين ليعرف المتعففات من النساء فيحمل صدقته لهن‏.‏

وفيها أعني سنة إِحدى وثلاثين ومائة توفي بالبصرة مالك بن دينار من موالي بني أسامة بن ثور القرشي العالم الناسك الزاهد المشهور وما أحسن ما وري باسم مالك المذكور واسم أبيه دينار بعض الشعراء في ملك اقتتل مع أعدائه وانتصر عليهم وأسر الرجال وفرق الأموال فقال‏:‏ أعتقت من أموالهم ما استعبدوا وملكتُ رقهم وهم أحرارُ حتى غدا من كان منهم مالكا متمنياً لو أنه دينار

 ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائة

في هذه السنة سار قحطبة في جيش كثيف من خراسان طالباً يزيد بن هبيرة أمير العراق من جهة مروان آخر خلفاء بني أمية وسار حتى قطع الفرات والتقيا فانهزم ابن هبيرة وعدم قحطبة فقيل غرق وقيل وجد مقتولاً وقام بالأمر بعده ابنه الحسن بن قحطبة‏.‏