الفصل الثامن: خلافة المهدي

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

خلافة المهدي محمد بن المنصور

وهو ثالثهم ووصل إِليه الخبر بموت أبيه وبالبيعة له في منتصف ذي الحجة لأن القاصد وصل من مكة إِلى بغداد في أحد عشر يوماً فباد أهل بغداد‏.‏

ثم دخلت سنة تسـع وخمسيـن ومائـة

وسنـة ستين ومائة فيها أمر المهدي برد نسب آل زياد الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان إِلى عبيد الرومي وأخرجهم من قريش فأخرجوا من ديوان قريش والعرب وردوهم إِلى ثقيف‏.‏

وفيها حج المهدي وفرق في الناس أموالاً عظيمة ووسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل الثلج إِلى مكة‏.‏

وفيها مات داود الطائي الزاهد وكان من أصحاب أبي حنيفة وعبد الرحمن ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي وفيها توفي الخليل بن أحمد البصري النحوي أستاذ سيبويه‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى وستين ومائة

فيها أمر المهدي باتخاذ المصانع في طريق مكة وبتجديد الأميـال والبرك وبحفر الركايا وبتقصير المنابر في البلاد وجعلها بمقدار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيها جعل المهدي يحيى بن خالد بن برمك مع ابنه هارون وجعل مع الهادي أبان بن صدقة وفيها توفي إِبراهيم بن أدهم بن منصور الزاهد وكان مولده ببلخ وانتقل إلى الشام فأقام به مرابطاً وهو من بكر بن وائل‏.‏

قال إِبراهيم بن يسار سألت إبراهيم بن أدهم كيف كان بدو أمرك حتى صرت إلى الزهد قـال‏:‏ غيـر هـذا أولـى بـك فما زال يلح عليه بالسؤال حتى قال‏:‏ إِني من ملوك خراسان وكان قد حبـب إِلي الصيد فبينما أنا راكب فرساً وكلبي معي إذ تحركت على صيد فسمعت نداء من ورائي‏:‏ يا إِبراهيم ليس لهذا خلقت ولا به أمرت فوقفت مقشعراً أنظـر يمنـة ويسـرة فلـم أر أحـداً قلـت‏:‏ لعن الله إِبليس‏.‏

ثم حركت فرسي فسمعت من قربوس سرجي‏:‏ يا إِبراهيم ليس لهـذا خلقـت ولا بـه أُمـرت فوقفـت وقلـت هيهـات‏!‏ جاءنـي النذير من رب العالمين واللّه لا عصيت ربي فتوجهت إِلى أهلي وجئت إِلى بعض رعاء أبي فأخذت جبته وكساءه وألقيت إِليه ثيابي ثم سرت حتى صرت إِلى العراق ثم صرت إِلى الشام ثم قدمت إِلى طرسرس فأستأجرنـي شخـص ناطـور البستـان قـال‏:‏ فمكثـت فـي البستـان أيامـاً كثيـرة كلمـا اشتهـرت اختفيت وهربت من الناس وكان إِبراهيم بن أدهم يأكل من عمل يده مثل الحصـاد وحفـظ البساتين والعمل في الطين رحمه الله تعالى‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة

فيها تجهز المهدي لغزو الروم وجمع العساكر من خراسان وغيرها وعسكر بالبردان وسار عنها وكان قد استخلف على بغداد ابنـه موسـى الهـادي واستصحب معه ابنه هارون الرشيد فلما وصل المهدي إِلى حلب بلغه أن في تلك الناحية زنادقة فجمعهم وقتلهم وقطع كتبهم‏.‏

وسار إِلى جيحان وجهز ابنه هارون بالعسكر إلى الغزو فتغلغل هارون في بلاد الروم وفتح فتحات كثيرة ثم عاد سالماً منصوراً‏.‏

وفيها قتل المقنع الخرساني واسمه عطا وكان من حديثه أنه كان رجلاً ساحراً خيل للناس صورة قمر يطلع ويراه الناس من مسافة شهرين وإلى هذا القْمر أشار ابن سناء الملك بقوله‏:‏ إِليـك فمـا بدر المقنع طالعاً بأسحر من ألحاظ بدري المعمم وادعـى المقنع المذكور الربوبية وأطاعه جماعة كثيرة وقال‏:‏ إِن الله عزِّ وجل حل في آدم ثم في نوح ثم في نبي بعد آخر حتى حل فيه وعمر قلعة تسمى سنام بما وراء النهر من رستاق كيش وتحصن بها ثم اجتمع عليه الناس وحصروه في قلعته فسقى نساءه سماً فمتن ثم تناول منه فمات في السنة المذكورة لعنه الله فدخل المسلمون قلعته وقتلوا من بها من أشياعه وكان المقنع المذكور في مبدأ أمره قصاراً من أهل مرو وكان مشوّه الخلق أعور قصيراً وكان لا يسفر عن وجهه بل اتخذ له وجهاً من ذهب قتقنع به ولذلك قيل له المقنع‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وستين ومائة

فيها مات عم المنصور عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس وعمره ثمان وسبعون سنة‏.‏

ثم دخلت سنة خمـس وستيـن ومائـة

فيهـا أرسـل المهـدي ابنـه هـارون الرشيـد إِلـى الـروم فـي جيش كثير فسار حتى بلغ خليج القسطنطينية وغنم شيئاً كثيراً وقتل في الروم وعاد‏.‏

ثم دخلت سنة ست وستين ومائة

فيها قبض المهدي وزيره يعقوب بن داود بن طهمان وكان قبـل أن يتولـى وزارة المهـدي يكتـب لنصـر بـن سيـار ثـم بقـي بعده بطالاً واتصل بالمهدي فاستوزره وصـارت الأمـور إِليـه وتمكـن عنـده فحسـده أصحـاب المهـدي وسعـوا فيـه حتـى أمسكـه فـي هـذه السنة وحبسه ولم يزل محبوساً إِلى خلافة الرشيد فأخرجه وقد عمي فلحق بمكة وكان أصحاب المهدي يشربون عنده وكان يعقوب ينهي المهدي عن ذلك فضيق على المهدي حتى أمسكه المهدي وحبسه وفيه يقول بشار بن برد‏:‏

بنـي أمية هبوا طال نومكم

**

إِن الخليفة يعقوب بـن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

**

خليفـة اللـه بين الناء والعود

وفـي هـذه السنـة أقـام المهـدي بريـداً بيـن مكـة والمدينة واليمن بغالاً وإبلاً‏:‏ وفيها قتل بشار بن برد الشاعر على الزندقة وكان أعمى خلق ممسوح العينين ولما قتل كان قد نيف على التسعين وكـان بشـار المذكور يفضل النار على الأرض ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم عليه السلام‏.‏

ثم دخلت سنة سبـع وستيـن ومائـة

فيهـا توفـي عيسـى بـن موسـى بـن محمـد ابـن علـي بن عبد الله بن عباس ابن أخي السفاح والمنصور وهو الذي أوصى له السفاح بالخلافة بعد المنصور‏.‏

ثم خلعـه المنصـور وولـى ابنـه المهـدي وكـان عمر عيسى بن موسى المذكور خمساً وستين سنة وفي هذه السنة زاد المهدي في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائة وسنة تسع وستين ومائة‏.‏

 موت المهدي

فيهـا توفـي المهـدي محمـد بـن عبـد اللـه المنصـور بـن محمـد بـن علـي بـن عبد الله بن عباس بماسبذان في المحرم لثمان بقين منه وكانت خلافته عشر سنين وشهراً وعمره ثلاث وأربعون سنة ودفن تحت جوزة وصلى عليه ابنه الرشيد وكان المهدي يجلس للمظالم ويقول‏:‏ أدخلوا علي القضاة فلو لم يكن ردي للمظالم إِلا للحياء منهم لكفى‏.‏