الفصل الثامن: خلافة المهتدي

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

  خلافة المهتدي

وهـو رابـع عشرهـم وفـي يوم الأربعاء لثلاث بقين من رجب من هذه السنة بويع لمحمد بن الواثق بالخلافة ولقب المهتدي بالله وكنيته أبو عبد الله وأمه رومّية اسمها قرب‏.‏

وفي هذه السنة في رمضان ظهرت قبيحة أم المعتز وكانت قد اختفت لما قتل ابنها وكان لقبيحة أموال عظيمة ببغداد وكان لها مطمور تحت الأرض ألف ألف دينار ووجد لها في سفط قدر مكوك زمرد وفي سفط آخر مقدار مكوك لؤلؤ وفي سفط مقدار كيلجة ياقوت أحمـر لا يوجـد مثلـه‏.‏

ونبش ذلك كله وحمل جميعه إلى صالح بن وصيف فقال صالح‏:‏ قبح الله قبيحة عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار وعندها هذه الأموال كلها وكان المتوكل قد سماها قبيحة لحسنها وجمالها كما يسمى الأسود كافور‏.‏

ثم سارت قبيحة إِلى مكـة فكانت تدعو بصوت عال على صالح بن وصيف وتقول‏:‏ هتك ستري وقتل ولدي وأخذ مالي وغربني عن بلدي وركب الفاحشة مني‏.‏

ظهور صاحب الزنج في هذه السنة كان أول خروج صاحب الزنج وهو علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه في عبد القيس فجمع إِليه الزنج الذين كانوا يسكنون السباخ في جهة البصرة وادعى أنه علي بن محمد بـن أحمـد بـن عيسـى بـن زيـد بـن علـي بـن الحسيـن بـن علـي بـن أبـي طالـب‏.‏

ولمـا صـار لـه جَـمْع عبر دجلة ونزل الديناري وكان صاحب الزنج المذكور قبل ذلك متصلاً لحاشية المنتصر في سامراء يمدحهم ويستمنحهم بشعره ثم إِنه شخص من سامراء سنة تسع وأربعين ومائتين إِلى البحريـن فادعـى نسبتـه فـي العلوييـن كمـا ذكـر وأقـام فـي الإحسـاء ثـم صـار إِلـى البصـرة فـي سنـة أربـع وخمسين ومائتين‏.‏

وخرج في هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين ومائتين واستفحل أمره وبث أصحابه يميناً وشمالاً للإِغارة والنهب‏.‏

وفي هذه السنة توفي خفاجـة بـن سفيان أمير صقلية وولى بعده ابنه محمد وفيها توفي محمد بن كرام صاحب المقالة فـي التشبيـه وكـان موتـه بالشـام وهـو مـن سجستـان وفيهـا توفي عبد الله بن عبد الرحمن الداراني صاحـب المسنـد توفـي فـي ذي الحجـة وعمـره خمـس وسبعـون سنـة‏.‏

وفيهـا توفي أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيـف المشهـورة وكـان كثيـر الهـزل نـادر النـادرة خالـط الخلفـاء ونادمهم أخذ العلم عن النظام المتكلم وكان الجاحظ قد تعلق بأسباب ابن الزيات فلما قتل ابن الزيات قيد الجاحظ وسجن ثم أُطلق‏.‏

قال الجاحظ‏:‏ ذُكرت للمتوكـل لتعليـم ولـده فلمـا مثلت بين يديه بسامراء استبشع منظري فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفنـي‏.‏

وصنـف الجاحظ كتباً كثيرة منها‏:‏ كتاب البيان والتبيين جمع فيه بين المنثور والمنظوم وكتاب الحيوان وكتاب الغلمان وكتاب في الفرق الإسلامية وكان جاحظ العينين كاسمه قال المبرد‏:‏ دخلت على الجاحظ في مرضه فقلت‏:‏ كيف أنت فقال‏:‏ كيف يكون من نصفه مفلوج لو نشر ما أحس به ونصفه الآخر منقرسٌ لو طار الذباب به آلمه وقد جاوز التسعين ثم أنشد‏:‏ أترجـو أن تكـون وأنـت شيخ كمـا قد كنت أيام الشبابِ لقد كذبتكَ نفسكَ ليـسَ ثـوبٌ دريـسٌ كالجديد من الثيابِ وقد روي أن موته كان بوقوع مجلدات عليه وكان من عادته أن يصفها قائمة كالحائـط محيطـة به وهو جالس إِليها وكان عليلاً فسقطت عليه فقتلته في محرم هذه السنة‏.‏

ثم دخلت سنة سـت وخمسيـن ومائتيـن

في هذه السنة جمع موسى بن بغا أصحابه لقتل صالح بن وصيف فهرب صالح واختفى ثم ظفر به موسى فقتله‏.‏

خلع المهتدي وموته

في هذه السنة في منتصف رجب خُلع محمد المهتدي بن هارون الواثق بن المعتصم وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه وكان سببه أنه قصد قتل موسى بن بغا وكان موسى المذكور معسكراً قبالة بعض الخوارج وكتب بذلك إِلى بابكيال - كان من مقدمـي التـرك - أن يقتـل موسى بن بغا ويصير موضعه فأطلعَ بابكيـال موسـى علـى ذلـك فاتفقـا علـى قتـل المهتـدي وسارا إِلى سامراء ودخل بابكيال إلى المهتدي فحبسه المهتدي وقتله وركب لقتال موسى ففارقت الأتراك الذي كانوا مـع المهتـدي عسكـر المهتـدي وصـاروا مـع أصحابهـم الأتـراك مـع موسـى فضعـف المهتـدي وهـرب ودخل بعض الدور فأُمسك وداسوا خصيتيه ليصفعوه فمات ودفن بمقبرة المنتصر‏.‏

وكانت خلافة المهتدي أحد عشر شهراً ونصفاً وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة وكان المهتدي أسمر عظيم البطن قصيـراٌ طويـل اللحيـة ومولـده بالقاطـول وكـان ورعاً كثير العبادة قصد أن يكون في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية‏.‏