الفصل الثامن: خلافة المعتمد على الله

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

خلافة المعتمد على الله

وهو خامس عشرهم لما خلع المهتدي وقُتل أخرج كبراء الدولة أبا العباس أحمد بن المتوكل من الحبس وبايعه الناس بالخلافة ولقب المعتمد على الله واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان‏.‏

وفي هذه السنة ملك صاحب الزنج الأبله عنوة‏.‏

وقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأحرقها وكانت مبنية بالساج فأسرعت النار فيها ثم استولى على عبادان بالأمان ثم استولى على الأهواز بالسيف وفيها عزل عيسى بن الشيخ عن الشام وكان قد استولى عليه وقطع الحمل عـن بغداد كما ذكرنا فعقد لعيسى على أرمينية وولى أماجور الشام فسار واستولى عليه بعد أن جرى بينه وبين أصحاب عيسى قتال شديد انتصر فيه أماجور واستقر أميراً بالشام‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي الإمـام محمـد بـن إسماعيـل البخاري الجعفي صاحب المسند الصحيح الذي هو الدرجة العالية في الصحة المتفق على تفضيله والأخذ منه والعمل به ورحل في طلب الحديث إِلى الأمصار وكان مولده سنة أربع وتسعين ومائة لثلاث عشرة خلت من شوال‏.‏

قال البخـاري‏:‏ ألهِمـت حفـظ الحديث وأنا في الكتاب ابن عشر سنين فلما بلغت ثماني عشرة سنة صنفت قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وصنفـت كتـاب التاريـخ إِذ ذاك عنـد قبـر رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أخرجت الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث وما أدخلت فيه إِلا ما صح‏.‏

وورد مرة إِلى بغداد فعمد أهل الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ووضعـوا عشـرة أنفس فأورد واحد بعد آخر الأحاديث المذكورة والبخاري يقول في كل حديث منها‏:‏ لا أعرفه‏.‏

فلما فرغوا قال‏:‏ أما الحديث الأول فهو كذا ورده إِلى حقيقته وأما الثاني فهو كـذا حتى ذكرها عن آخرها على حقيقتها‏.‏

ووقع بين البخاري وأمير بخارى واسمه خالد وحشة فدسّ خالد من قال إن البخاري يقول بخلق الأفعال للعباد وبخلق القرآن فتبرأ البخاري من ذلك وأنكره وعظـم عليـه فارتحـل ونـزل عنـد بعـض أقاربـه بقريـة مـن قـرى سمرقنـد علـى فرسخيـن منها اسمها خرشك فمات بها ليلة عيد الفطر من هذه السنة‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين

فيها أخذ الزنـج البصـرة وقتلـوا بهـا كـل مـن وجـدوه وخربوهـا‏.‏

وفـي هـذه السنـة ملك يعقوب الصفار بلخ ثم سار إلى كابل فاستولى عليها وأرسل هدية إِلى الخليفة وفيها أصنام من تلك البلاد‏.‏

وفي هذه السنة قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان جرجان وملكها وفيها قُتل محمد بن خفاجة أمير صقلية قتله خدَمه كما تقدم ذكره سنة سبع وأربعين ومائتين واستعمل محمد بن أحمد الأغلبي صاحب إِفريقية على صقلية أحمد بن يعقوب‏.‏

وفيها توفي العباس بن الفرج الرياشي اللغوي‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائتين

في هذه السنة أرسل المعتمد أخاه الموفق أبا أحمد إِلى قتال الزنج‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين

في هذه السنة استولى يعقوب الصفار على نيسابور وملكهـا‏.‏

وفيهـا توفـي محمـد بـن موسـى بـن شاكـر أحد الأخوة الثلاثة الذين ينسب إِليهم جيل بني موسى المشهورين واسم أخويه أحمد والحسين وكان لهم همم عالية في تحصيل العلوم القديمة وكان الغالب عليهم الهندسة والحيل والموسيقى ولما بلغ المأمون من كتب الأوائل أن ثور الأرض أربعة وعشرون ألف ميل أراد تحقيق ذلك فأمر بني موسى المذكورين بتحرير ذلـك فسألـوا عن الأراضي المتساوية فأخبروا بصحراء سنجار ووطاة الكوفة فأرسل معهم المأمون جماعة يثق إِلى أقوالهم فساروا إِلى صحراء سنجار وحققوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا هناك وتـداً وربطـوا فيـه حبـلاً طويـلاً ومشـوا إِلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف حسب الإمكـان وبقي كلما فرغ حبل نصبوا في الأرض وتداً آخر وربطوا فيه حبلاً آخر كفعلهم الأول حتـى انتهـوا كذلـك إِلـى موضـع قـد زاد فيـه ارتفـاع القطـب الشمالـي المذكـور درجـة محققة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين ميلاً وثلثي ميل ثم وقفوا عند موقفهم الأول وربطوا في الوتد حبلا ومشوا إِلى جهة الجنوب من غير انحراف وفعلوا ما شرحناه حتى انتهوا إِلى موضع قد انحط فيه ارتفاع القطب الشمالي درجة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين ميـلا وثلثـي ميل ثم عادوا إِلى المأمون وأخبروه بذلك فأراد المأمون تحقيق ذلك في موضع آخر فصيرهم إِلى أرض الكوفة فساروا إِليها وفعلوا كما فعلوا في أرض سنجار فوافق الحسابان وعادوا إِلى المأمون فتحقق صحة ذلك وصحة ما نقل من كتب الأوائل لمطابقة ما اعتبره ثم ضربـوا الأميـال المذكـورة في ثلاثمائة وستين وهي درج الفلك فكان الحاصل أربعة وعشرين ألف ميـل وهـو دور الـأرض‏.‏

أقـول‏:‏ كـذا نقله ابن خلكان‏.‏

ونقل غيره من المؤرخين أن الذي وجد في أيام المأمون لحصّة الدرجة ستة وستون ميلاً وثلثا ميل وهو غير صحيح فإِن ذلك هو لحصة الدرجة على رأي القدماء وأما في أيام المأمون فإنه وجد حصة الدرجة ستة وخمسين ميلاً وقد تحقق ذلك في علم الهيئة‏.‏

ثم دخلت سنة ستين ومائتين

فيها قتلت العرب منجور والي حمص واستعمل عليها بكتمر‏.‏

وفيها توفي مالك بن طوق الثعلبي بالرحبة وهو الذي بناها والذي تنسب إِليه فيقال رحبة مالـك‏.‏

وفيهـا توفـي الحسـن بـن علـي بـن محمـد بـن علـي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسيـن بـن علـي بـن أبـي طالـب رضـي اللـه عنـه وهـو المعروف بالعسكري وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإِمامية‏.‏

وهو والد محمد المنتظر من سرداب سرمن رأى على زعمهم وكـان مولـده سنـة اثنتيـن وثلاثيـن ومائتيـن حسبمـا تقـدم ذكـره فـي سنـة أربـع وخمسيـن ومائتيـن‏.‏

وفيهـا توفي الحسـن بـن الصبـاح الزعفرانـي الفقيـه وهـو مـن أصحـاب الشافعـي البغدادييـن‏.‏

وفيهـا توفـي حنيـن بن إسحاق الطبيب العبادي وهو الذي نقل كتب الحكماء اليونانيين إِلى العربية وكان عالماً بها وهـو الـذي عـرّب كتـاب إِقليـدس وكتـاب بطليمـوس المجسطـي وأصلحهمـا ونقحهمـا والعبَـادي بكسـر العيـن المهملـة وفتـح البـاء الموحـدة مـن تحتهـا هـذه النسبـة إِلـى عبـاد الحيـرة وهم عدة بطون من قبائل شتى نزلوا الحيرة وكانوا نصارى ينسب إِليهم خلق كثير منهم عدي بن زيد العبادي‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى وستين ومائتين

ولاية نصر بن أحمد الساماني ما وراء النهر وابتداء أمر الساماني فـي هـذه السنـة استُعمـلَ نصـر بـن أحمـد بـن أسـد بـن سامـان أخـذه بـن جثمان بن طغاث بن نوشرد بـن بهـرام جوبيـن وهـو بهـرام جوبيـن الـذي ذكـر فـي أخبـار كسـرى برويـز وكـان لأسـد بـن سامان أربعة أولاد هم نوح وأحمد ويحيى وإلياس وكانوا في خراسان حين تولى عليها المأمون بن الرشيد فأكرم المأمون أولاد أسد بن سامان الأربعة المذكورين وقدّمهم واستعملهم‏.‏

ولما رجع المأمون من خراسان إلى العراق استخلف على خراسان غسان بن عباد فولى غسان المذكور أحمد بـن أسـد فرغانـة فـي سنـة أربـع ومائتيـن ويحيـى بـن أسد الشاش مع أسرشة وولى إِلياس بن أسد هراة وولى نوح بن أسد سمرقند ولما تولى طاهر بن الحسين على خراسان أقرهم على هذه الأعمـال حسبمـا كـان قـد ولاهـم غسـان بـن عبـاد عليـه ثـم مات نوح ابن أسد ثم مات بعده إلياس بهراة فاستقر على عمله ابنه محمد بن إِلياس‏.‏

وكان لأحمد بن أسد سبعة بنين وهم نصر ويعقوب ويحيى وأسد وإسماعيل وإسحاق وحميد ثم مات أحمد بن أسد فاستخلف ابنه نصراً على أعماله وكان إِسماعيل ابن أحمد يخدم أخاه نصراً فولاه نصر بخـارى‏.‏

فـي هـذه السنة أعني سنة إحدى وستين ومائتين‏.‏

ثم بعد ذلك سعت السعاة بين نصر وأخيه إسماعيل فأفسدوا ما بينهما حتى اقتتلا سنة خمس وسبعين ومائتين فظفر إِسماعيل بأخيه نصر فلما حمل إِليه ترجل له إسماعيل وقبل يده ورده إِلى موضعه واستمـر إِسماعيـل ببخـارى وكـان إِسماعيـل رجـلا خيـراً يحـب أهـل العلـم ويُكرمُهم فلذلك دام ملكه وملك أولاده وطالت أيامهم على ما سنذكره إِن شاء الله تعالـى‏.‏

وفي هذه السنة عصى أهل برقة على أحمد بن طولون فجهز إليهم جيشاً فحاصروا برقة وفتحوها وقبضوا على جماعة من رؤسائهم‏.‏

وفي هـذه السنـة توفـي محمـد بـن أحمـد بـن محمـد بـن إِبراهيـم بـن الأغلـب صاحـب إِفريقيـة فـي جمـادى الأولـى‏.‏

وكانـت ولايتـه عشـر سنيـن وخمسـة أشهـر ونصفـاً‏.‏

وتولى بعده أخوه إبراهيم بن أحمد بن محمـد ثـم سـار إِبراهيم بن أحمد بن محمد إِلى صقلية وفتح الفتوحات العظيمة وجاهد في الله حق جهاده وتوفي إبراهيم بالذرب ليلة السبت لإحدى عشرة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين بصقلية رحمه الله تعالى وجعل في تابوت وحمل إِلى إِفريقية ودفن بالقيروان وكانت ولايته خمساً وعشرين سنة وكان له فطنة عظيمة وتصدق بجميع ماله‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي الحسـن بـن عبـد الملـك بـن أبـي الشـوارب قاضـي القضـاة وهو من ولد عتاب بن أَسيد الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها ثم دال مهملة‏.‏

وفيها توفي أبو يزيد البسطامي الزاهد واسمه طيفور بن عيسى بن سروبيان وكان سروبيان مجوسيـاً فأسلـم وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو الحسيـن مسلـم ابـن الحجاج النيسابوري صاحب المسند الصحيح‏.‏

رحل إِلى الأمصار لسماع الحديث‏.‏

قال مسلم‏:‏ صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاث مائة ألف حديث مسموعة ولما قدم البخـاري إِلـى نيسابـور لازمـه مسلـم ولمـا وقعـت للبخاري مسألة خلق اللفظة انقطع الناس عنه إِلا مسلماً‏.‏

وقال مسلم للبخاري‏:‏ دعني أُقتل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث‏.‏

ثم دخلت سنة اثنين وستين ومائتين

في هذه السنة أرسل الخبيث صاحب الزنج جيشاً إِلى جهة بطايح واسط فقتلوا وسبوا وأحرقوا وفيها مات عمر بن شيبة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائتين

في هذه السنة استولى يعقوب الصفار على الأهواز‏.‏

ثم دخلت سنة أربـع وستيـن ومائتيـن

فـي هذه السنة مات أماجور مقطع دمشق وسار أحمد بن طولون من مصر إلى دمشق ثم إِلى حمص ثم إِلى حماة ثم إِلى حلب فملكها جميعها ثم سار أحمد بن طولون إِلى إنطاكية ودعا سيما الطويل أمير إنطاكية إِلى الدخول في طاعته فأبى فقاتله أحمد وملك إنطاكية عنوة وقاتل سيما قتالاً شديداً حتى قتل ثـم رحـل أحمـد إِلـى طرسوس وعزم على المقام بها للجهاد فغلا بها السعر وقلّ القوت فرجع إِلى الشام‏.‏

وفـي هـذه السنـة خـرج بالصيـن خارجـي مجهـول النسب والاسم وعظيم جمعه فقصد مدينة خانقو من الصين وحصرها وهي حصينة ولها نهر عظيم وبها عالم كثير من المسلمين والنصـارى واليهود والمجوس وغيرهم من أهل الصين ففتحها عنوة وقتل من أهلها ما لا يحصى واستولى على شيء كثير من بلاد الصين ثم عدم الخارجي المذكور في حرب ملك الصين وانهزمت أصحابه فلم يجتمع بعد ذلك‏.‏

وفـي هـذه السنة فرغ إِبراهيم بن أحمد بن محمد الأغلبي صاحب إِفريقية من بناء مدينة رقادة وانتقل إِليها وسكنها‏.‏

وكان قد ابتدى في بنائها سنة ثلاث وستين ومائتين‏.‏

وفـي هـذه السنـة ماتـت قبيحـة أم المعتز‏.‏

وفيها مات أبو إبراهيم الزني صاحب الشافعي‏.‏

وفيها توفي فـي مصـر يونـس بـن عبـد الأعلـى بـن موسـى أحـد أصحـاب الشافعـي وكـان مولـده سنـة سبعيـن ومائة وكان يهوى يونس المذكور للشافعي‏.‏

مـا حـك جلدكَ مثل ظفركْ فتول أنتَ جميع أمركْ وإذا قَصدتَ لحاجةٍ فاقْصدْ لمعترفٍ بقدرِكْ وقـال‏:‏ سمعـت الشافعـي يقول‏:‏ رضى الناس غاية لا تدرك فانظر ما فيه صلاح نفسك‏.‏

في أمر دينك ودنياك فالزمه‏.‏

وعبد الرحمن مؤلف تاريخ مصر المشهور هو ولد يونس المذكور وهو عبد الرحمن بن أحمد

ثم دخلت سنة خمس وستين ومائتين

فيها دخل الزنج النعمانية وسبوا وأحرقوها ثم صاروا إِلى جرجرايا ودخل أهل السواد بغداد‏.‏

موت يعقوب الصفار وفي هـذه السنـة مـات يعقـوب بـن الليـث الصفـار تاسـع عشـر شـوال بجنديسابـور مـن كـور الأهواز وكانت علته القولنج فوصف له الحكماء الحقنة فلم يحتقن وكان المعتمد قد أرسل إِليه رسولا وكتاباً يستمليه ويعقوب مريض فأحضر الرسول وجعـل عنـده سيفـاً ورغيفـاً مـن الخشكار وبصلا وقال الرسول‏:‏

قل للخليفة إِن مـت فقـد استـراح منـي واسترحـت منـه وإنْ عوفيت فليس بيني وبينه إِلا هذا السيف وإنْ كسرني وأفقرني عدت إِلى أكـل هـذا الخبـز والبصل‏.‏

وكان يعقوب قد افتتح الرخُج وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده وكان ملك الرخج يجلـس على سرير ذهب ويدَّعي الإِلهية وكان يعقوب حازماً عاقلاً وكان يعمل الصفر في مبتدأ أمره فقيـل لـه الصفـار لذلـك‏.‏

وصحـب فـي حداثتـه رجـلاً مـن أهـل سجستـان كان مشهوراً بالتطوع في قتال الخوارج يقال له صالح بن النضر الكناني ثم هلك صالح المذكور فتولى مكانه درهم بن الحسين فصار يعقوب مع درهم كما كان مع صالح وكان درهم غير ضابط لأمور العسكر فلما رأى أصحاب درهـم ضعفـه وعجـزه اجتمعـوا علـى يعقـوب بـن الليـث الصفـار المذكـور وملكـوه أمرهم فلما تبين ذلك لدرهم لم ينازعه وسلم الأمر إِليه فاستبد يعقوب بالأمر وقويت شوكته واستولى على البلاد على ما تقدم ذكره في مواضعه من السنين‏.‏

ولما مات يعقوب قام بالأمر بعده أخوه عمرو بن الليث وكتب إِلى الخليفة بطاعته فولاه الموفق خراسـان وأصفهـان وسجستـان والسنـد وكرمـان وسيـر إِليـه الخلـع مـع الولايـة‏.‏

وفـي هـذه السنة توفي إِبراهيم بن هاني بن إسحاق النيسابوري وكان من الأبدال‏.‏

ثم دخلت سنة سـت وستيـن ومائتيـن

فـي هذه السنة قتل أهل حمص عاملهم عيسى الكرخي‏.‏

وفي هـذه السنـة كـان النـاس فـي البلـاد التـي تحـت حكـم الخليفـة فـي شـدة عظيمـة بسبـب تغلـب القـواد والأجناد على الأمر لقلة خوفهم وأمنهم مـن الإنكـار علـى مـا يفعلونـه لاشتغـال الموفـق بقتـال صاحب الزنج ولعجز الخليفة المعتمد واشتغاله بغير تدبير المملكة‏.‏

ثم دخلت سنة سبـع وستيـن ومائتين

في هذه السنة كان بين الموفق أخي الخليفة وبين الخبيث صاحب الزنج حروب كثيرة يطول شرحها وكشف الزنج عن الأهواز واستولى عليها ثم سار الموفـق إِلـى مدينـة صاحـب الزنـج وكـان قـد حصنهـا إلـى غايـة مـا يكـون وسمّاها المختارة وحاصرهـا الموفـق فخـرج أكثـر أهلها إليه بالأمان وضعف الباقون عن حفظها فسلموها وفي هذه السنة ولي صقلية الحسن بن العباس فبث السرايا إِلى كل ناحية‏.‏

ثم دخلت سنة ثمـان وستيـن ومائتيـن

وسنـة تسـع وستيـن ومائتيـن في هذه السنة حالف لؤلؤ غلام أحمد بن طولون على مولاه أحمد بن طولون وكان في يد لؤلؤ حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من الجزيرة وكاتب الموفق في المسير إليه ثم سار إِليه‏.‏

وفـي هـذه السنـة أمـر المعتمـد بلعـن أحمد بن طولون على المنابر لكونه قطع خطبة الموفق وأسقط اسمه من الطرز وإنما أمر المعتمد بذلك مكرهاً لأن هواه كان مع ابن طولون ولم يكن للمعتمد من الأمر شيء بل الأمر لأخيه الموفق وكان المعتمد قد قصد اللحوق بأحمد بن طولون بمصر لينجده على أخيه الموفق وسار عن بغداد لما كان أخوه مشتغلاً فـي قتـال الزنـج فأمسـك إِسحاق بن كنداج عامل الموصل القواد الذين كانوا صحبة المعتمد وأرسلهم إِلى بغداد وتقدم إِلى المعتمد بالعَود فلم يمكنه مخالفته بعد إِمساك قواده فرجع إِلى سامراء‏.‏

ثم دخلت سنة سبعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة قتـل صاحـب الزنـج لعنـه اللـه بعـد قتـل وغَـرقِ غالـب أصحابه وقُطع رأسه وطيف به على رمح وكثر ضجيج الناس بالتحميد ورجع الموقف إِلى موضعـه والـرأس بين يديه وأتاه من الزنج عالم كثير يطلبون الأمان فأمنهم ثم بعث برأس الخبيث إِلـى بغـداد وكـان خـروج صاحب الزنج يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين فكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفي الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان في رجب وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وكسراً وولي مكانه أخوه محمد بن زيد‏.‏

وفاة أحمد بن طولون

وفي هذه السنة توفي أحمد بن طولـون صاحـب مصـر والشـام بعـد مسيـره إِلـى طرسـوس ورجوعه منهـا ولمـا وصـل إِلـى إنطاكيـة قُـدم لـه لبـن جامـوس فأكثـر منـه فأصابـه منـه تخمـة واتصلت به حتى صار منها ذرب حتى مات وكانت إِمارته نحو ست وعشرين سنة وكان حازماً عاقلاً وهو الذي بنى قلعة يافا ولم يكن لها قبل ذلك قلعة وبنى بين مصر والقاهرة الجامع المعروف به وهو جامع عظيم مشهور هناك وولى بعده ابنه خمارويه‏.‏

وفي هذه السنة توفي محمد بن إِسحاق بن جعفر الصاغاني وداود بن علي الأصفهاني إِمام أصحاب الظاهر وكان مولده سنة اثنتين ومائتين وكان إِماماً مَجتهداً ورعاً زاهداً وسمي هو وأصحابه بأهل الظاهر لأخذهم بظاهر الآثار والأخبار وإعراضهم عن التأويل وكان داود لا يرى القياس في الشريعة ثم اضطر إِليه فسماه دليلاً وله أحكام خالف فيها الأئمـة الأربـدة منهـا أنـه قال‏:‏ الشرب خاصة في آنية الذهب والفضة حرام ويجوز الأكل والترضي وغيرهما من الانتفاعـات بهـا لـأن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلم إِنما قال‏:‏ ‏(‏الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إِنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏)‏ وله مثل ذلك كثير‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى وسبعين ومائتين

في هذه السنة جرت وقعة بيـن ابـن الموفـق وهـو المعتضد وبين خمارويه بن أحمد بـن طولـون صاحـب مصـر‏.‏

آخرهـا أن المعتضـد انهـزم هـو وأصحابه وكانت الوقعة بين دمشق والرملة وانهزم خمارويه إِلى حدود مصر وثبت عسكـره ولم يعلموا بهزيمته وانهزم المعتضد ولم يعلم بهزيمة خمارويه‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعيـن ومائتيـن

وسنـة ثلـاث وسبعيـن ومائتيـن فـي هـذه السنـة توفـي محمـد بـن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي صاحب الأندلس سلخ صَفَر‏.‏

وكان عمره نحو خمس وستين سنـة وكانـت ولايتـه أربعـاً وثلاثيـن سنـة وأحـد عشـر شهـراً‏.‏

لأنـه تولـى فـي سنـة ثمـان وثلاثيـن ومائتين وخلف ثلاثة وثلاثين ذكراً لما مات وليَ بعده ابنه المنذر بن محمد وبويع له بعد موت أبيه بثلاث ليال‏.‏

وفيه هذه السنة مات أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب كتاب السنن وفيها توفي خالد بن أحمد السدوسي وكان أمير خراسان وقصد الحج فقبض عليه المعتمد وحبسه فمات في الحبس في هذه السنة وهو الذي أخرج البخاري صاحب وفيهـا توفـي الحافـظ محمـد بـن يزيد بن ماجة القويني المشهور مصنف كتاب السنن في الحديث‏.‏

وكان إِماماً في الحديث عارفاً بعلومه وجميع ما يتعلق به ارتحل إِلى العراق والشـام ومصـر والري لطلب الحديث وله تفسير العظيم وتاريخٌ أحسنَ فيه‏.‏

وكتابه في الحديث أحد الكتب الستة الصحاح ولادته سنة تسع ومائتين‏.‏

ثم دخلت سنة أربـع وسبعيـن ومائتيـن

وسنـة خمـس وسبعيـن ومائتيـن في هذه السنة قبض الموفق على ابنه المعتضد واستمر في الحبر حتى خرج في مرض الموفق الذي مات فيه‏.‏

وفيها توفي المنذر بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي بن هشام الأموي صاحب الأندلس في المحرم وكانت ولايته سنة وأحد عشر شهراً وكان عمره نحو ست وأربعين سنة وكان أسمر بوجهه أثر جدري‏.‏

ولما مات بويع أخوه عبد الله بن محمد‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو سعيـد الحسيـن بـن الحسـن بـن عبد الله البكري النحوي اللغوي المشهور صاحب التصانيف‏.‏

ثم دخلت سنة سـت وسبعيـن ومائتيـن

فيهـا مـات عبـد الملـك بـن محمـد الرقاشي‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين

فيها مات يعقوب بن سفيان النسائي الإمام وكان يتشيع‏.‏

وفيها توفيت عُريب المغنية المأمونية‏.‏

وفاة الموفق بالله

فيها توفي أبو أحمد طلحة الموفق بالله بن جعفر المتوكل وكان قد حصل في رجله داء الفيل وطال به وضجر فقال يوماً‏:‏ قد اشتمل ديواني على مائة ألف مرتزق ما فيهم أسوأ حال مني ومات الموفق يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر من هذه السنة وكان الموفق قد بويع له بولاية العهد بعد المفوض بن المعتمد فلما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس المعتضد بن الموفق بولاية العهد بعد المفوض واجتمع عليه أصحاب أبيه وتولى ما كان أبوه يتولاه‏.‏

ابتداء أمر القرامطة وفي هذه السنة تحرك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة وكان الشخص الذي دعاهم إِلى مذهبه ودينه قد مرض بقرية من سواد الكوفة فحمله رجل من أهل القرية يقال له كرميتـه لحمرة عينيه وهو بالنبطية اسم لحمرة العين فلما تعافى شيخ القرامطة المذكور سمي باسم ذلك الرجل ثم خفف فقالوا قرمط ودعا قوماً من أهل السواد والبادية ممن ليس لهم عقل ولا دين إِلى دينه فأجابوا إِليه وكان ما دعاهم إِليه أنه جاء بكتاب فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم يقول الفرج بن عثمان وهو من قرية يقال لها نصرانة إِنه داعية المسيح وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وإن المسيح تصور في جسم إِنسان وقال‏:‏ إِنك الداعية وإنك الحجة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس‏.‏

وعرفه أنّ الصلاة أربع ركعات ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن الـأذان فـي كـل صلاة أن يقول المؤذن‏:‏ الله أكبر ثلاث مرات أشهد أن لا إِله إِلا الله مرتين أشهد أن آدم رسول الله أشهد أن نوحاً رسول اللـه أشهـد أن إِبراهيـم رسـول اللـه أشهـد أن عيسـى رسـول اللـه أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله والقبلة إِلى بيت المقدس وأن الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيها شيئاً ويقرأ في كل ركعة الاستفتاح وهو المنزل على أحمد بن محمد بن الحنفية وهو الحمد لله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه قل إِن الأهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيـام وباطنهـا لأوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي واتقوني يا أولي الألباب وأنا الذي لا أُسأل عما أفعل وأنا العليم الحليم وأنا الذي أبلو عبادي وأمتحن خلقي فمن صبر على بلائي ومحبتي واختياري أدخلته في جنتي وأخلدته في نعيمي ومن زال عن أمري وكذب رسلي أخلدته مهاناً في عذابي وأتممت أجلي وأظهرت أمري على ألسنة رسلي وأنا الذي لم يعل جبار إِلا وضعته ولا عزيز إِلا ذللته وبئس الذي أصر على أمره ودام على جهالته وقال‏:‏ لن نبرح عليه عاكفين وبه موقنيـن أولئـك هـم الكافـرون ثـم يركـع‏.‏

ومـن شرائعـه أن يصـوم يوميـن مـن السنـة وهمـا المهرجان والنيروز وأن النبيذ حرام والخمر حلـال ولا غسـل مـن جنابـة لكـن الوضـوء كوضـوء الصلاة وأن يؤكل كل ذي ناب وكل ذي مخلب‏.‏

ثم دخلت سنة تسـع وسبعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة خلـع المعتمـد ابنـه جعفر المفوض ابن المعتمد من ولاية العهد وجعل المعتضد ابن أخيه ولي العهد بعده‏.‏

وفاة المعتمد

وفـي هـذه السنـة أعنـي سنـة تسـع وسبعيـن ومائتيـن توفـي أحمـد المعتضـد باللـه ابـن جعفر المتوكل بن المعتصم لإحدى عشرة بقيت من رجب ببغداد وكان قد شرب على الشط وتعشى وأكثر من الشراب والأكل فمات ليلاً وأحضر المعتضد القضاة وأعيان الناس فنظروا إِليه وحمل إِلى سرمن رأى فدفن بها وكـان عمـر المعتمـد خمسيـن سنـة وستـة أشهـر وكانـت خلافتـه ثلاثـاً وعشريـن سنـة وستـة أيـام‏.‏

وكـان قد تحكم عليه في خلافته أخوه الموفق وضيق عليه حتى إِنّه احتاج إِلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت فقال‏:‏ أليـس مـن العجائـب أنّ مثلي يرى مـا قـلّ ممتنعـاً عليـه وتؤخـذ باسمه الدنيا جميعاً ومـا مـن ذاك شـيء فـي يديـه.