الفصل الثامن: خلافة القادر بالله

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

 خلافة القادر باللّه

أبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد وهو خامس عشرينهم وكان مقيماً بالبطيحـة‏.‏

كمـا ذكرنـاه فأرسـل إِليـه بهـاء الدولـة خـواص أصحابه ليحضروه ولما قرب من بغداد خرج بهاء الدولة وأعيان الناس لملتقاه ودخل القادر دار الخلافة ثاني عشر شهر رمضان وبايعه الناس وخطب له ثالث عشر رمضان‏.‏

وكانت مدة مقام القادر في البطيحة عند مهذب الدولة سنتين وأحد عشر شهراً‏.‏

وكان مهـذب الدولة محسناً إِلى القادر بالله ولما توجه من عنده حمل إِليه مهذب الدولة أموالاً كثيرة‏.‏

قتل بكجور وموت سعد الدولة

كنا قد ذكرنا استيلاء منير الخادم من جهة العزيز على دمشق ومسير بكجور عنها إِلى الرقة فلمـا كـان هذه السنة سار بكجور إِلى قتال سعد الدولة بن سيف الدولة بحلب واقتتلا قتالاً شديـداً وهـرب بكجـور وأصحابه وكثر القتل فيهم ثم أمسك بكجور وأحضر أسيراً إِلى سعد الدولة فقتله ولقي بكجور عاقبة بغيه وكفره إحسان مولاه ولما قتله سار سعد الدولة إِلى الرقـة وبهـا أولـاد بكجـور وأموالـه وحصرهـا فطلبـوا الأمـان وحلفـوا سعـد الدولة على أن لا يتعرض إِليهم ولا إلى مالهم فبذل سعد الدولة اليمين لهم فلما سلموا الرقة إِليه وخرجوا منها غدر بهِم سعد الدولة وقبض على أولاد بكجور وأخذ ما معهم من الأموال وكانت شيئاً كثيـراٌ‏.‏

فلمـا عـاد سعد الدولة إِلى حلب لحقه فالج في جانبه اليمين فأحضر الطبيب ومد إليه يـده اليسرى فقال الطبيب‏:‏ يا مولانا هات اليمين‏.‏

فقال سعد الدولة‏:‏ ما تركت لي اليمين يميناً وعـاش بعـد ذلـك ثلاثـة أيـام ومـات في هذه السنة واسم سعد الدولة المذكور شريف وكنيته أبو المعالـي بـن سيـف الدولـة بـن علـي بـن حمدان بن حمدون الثعلبي‏.‏

وقبل موته عهد إِلى ولده أبي الفضائل بن سعد الدولة وجعل مولاه لؤلؤاً يدبر أمره‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة وصل بسيل ملك الروم إلى الشام ونازل حمص ففتحها ونهبها ثم سار إِلى شيـزر فنهبهـا ثـم سـار إِلـى طرابلـس فحصرهـا مـدة ثـم عـاد إِلـى بلـاد الـروم‏.‏

وفـي هـذه السنة توفي القائد جوهر الذي فتح مصر للمعز العلوي معزولا عن وظيفته‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتيـن وثمانيـن وثلاثمائـة

فيهـا شغبـت الجند على بهاء الدولة بسبب استيلاء أبي الحسن بن المعلم على الأمور كلها فقبض بهاء الدولة على ابن المعلم وسلمه إلى الجند فقتلوه‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

في هذه السنة استولى على بخارى بغراخان واسمه هارون بن سليمان أيلك خان وكان له كاشغر وبلا صاغون إِلى حد الصين فقصد بخارى وجرى بينه وبين الأمير الرضي نوح بن منصور الساماني حروب انتصر فيهما بغراخان وملك بخارى وخرج منها الأمير نوح مستخفياً فعبر النهر إِلى أمل الشط وأقام الأمير نوح المذكور بها ولحق به أصحابه وبقي يستدعي أبا علي بن سيمجور صاحب جيش خراسان فلم يأته وعصي عليه ومرض بغراخان في بخارى فارتحل عنها راجعاً نحو بلاده فمات في الطريـق وكان بغراخان ديناً حسن السيرة وكان يحب أن يكتب عنه مولى رسول الله وولي أمرة الترك بعده طغان خان أبو نصر أحمد بن علي خان ولما رحل بغراخان عن بخارى ومات بادر الأمير نوح فعاد إِلى بخارى واستقر في ملكه وملك آبائه‏.‏

ثم دخلت سنة أربـع وثمانيـن وثلاثماثة

في هذه السنة لما عاد نوح إلى بخارى اتفق أبو علي بن سيمجور صاحب جيش خراسان وفائق على حرب نوح فكتب نوح إِلى سبكتكين وهو بغزنـة يعلمـه الحـال وولـاه خراسـاَن فسـار سبكتكيـن عـن غزنـة ومعـه ولـده محمـود إِلـى نحو خراسان وخرج نوح مـن بخـارى فاجتمعـوا وقصـدوا أبـا علـي بـن سيمجـور وفائقـاً واقتتلـوا بنواحي هراة فانهزم أبو علي وأصحابه وتبعهم عسكر نوح وسبكتكيـن‏.‏

يقتلـون فيهـم ولمـا استقر أمر نوح بخراسان استعمل عليها محمود بن سبكتكين‏.‏

وفيهـا توفـي عبيـد اللـه بـن محمـد بـن نافـع وكـان مـن الصالحيـن بقـي سبعيـن سنة لا يستند إلى حائط ولا إِلى مخدة‏.‏

وأبو الحسن علي بـن عيسـى النحـوي المعـروف بالرمانـي ومولـده سنـة سـت وتسعين ومائتين وله تفسير كبير ومحمد بن العباس بن أحمد القزاز سمع وكتب كثيراً وخطه حجة في صحة النقل وجودة الضبط‏.‏

وفيها توفي أيضاً أبو إسحاق إِبراهيم بن هلال الكاتب الصابي المشهور وكان عمره إِحدى وتسعين سنة وكان قد زمن وضاقت الأمور به وقلت عليه الأموال كان كاتب إِنشاء ببغداد لمعز الدولة ثم كتب لبختيار وكانت تصدر عنـه مكاتبـات إِلـى عضـد الدولـة تؤلمـه فحقـد عليه فلما ملك عضد الدولة بغداد حبسه مدة ثم أطلقه وأمره عضد الدولة أن يصنف له كتاباً في أخبار الدولة الديلمية فصنف له كتاباً وسماه التاجي ونقل إِلى عضد الدولة عنه أن بعـض أصحاب أبي إسحاق دخل عليه وهو يؤلف في التاجي فسأله عما يعمل فقال‏:‏ أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها فحرك ذلك عضد الدولة وأهاج حقده فأبعده وأحرمه ولم يزل الصابي على دينه فجهد عليه معز الدولة أن يسلم فلم يفعل وكان مع ذلك يحفظ القرآن ولمـا مـات الصابي المذكور رثاه الشريف الرضي فليم على ذلك‏.‏

فقال‏:‏ إِنما رثيت فضيلته‏.‏

ثم دخلت سنة خمـس وثمانيـن وثلاثمائـة

وفـي هـذه السنـة عـاد أبـو علـي ابـن سيمجور إِلى خراسان وقاتـل محمـود بـن سبكتكيـن وأخرجه عنها ثم سار سبكتكين ومحمود ابنه بالعساكر واقتتلوا مع أبي علي بطرس فهزموه وفي ذلك يقول بعض الشعراء عن ابن سيمجور‏:‏ عصى السلطان فابتدرت إِليه رجـال يقلعـون أبـا قبيـس وصيـر طـوس معقله فكانت عليه طـوس أشـأم مـن طويـس ثم إِن أبا علي طلب الأمان من نوح فأمنه وسار إِليه فلما وصل إِلى بخارى قبض نوح على أبي علي وأصحابه وحبسهم حتى مات أبو علي في الحبس‏.‏

وفاة ابن عباد في هذه السنة مات الصاحب أبو القاسم إِسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة علي بن ركن الدولة بالري ونقل إِلى أصفهان ودفن بها وكان الصاحب المذكور أوحد زمانه علماً وفضلا وتدبيراً وكرماً وكان عالماً بأنواع العلوم وجمع من الكتب ما لم يجمعه غيره وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل بن العميد فقيل له صاحب ابن العميد‏.‏

ثم طلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علماً عليه‏.‏

ثم سمي به كل من ولي الوزارة وكان أولاً وزيراً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة فلما مات مؤيد الدولة واستولى أخوه فخر الدولة على مملكته أقر الصاحب بن عباد على وزارته وعظمت منزلتـه عنـده وصنـف الصاحـب عدة كتب منها المحيط في اللغة والكافي في الرسائل وكتـاب الإمامـة يتضمـن فضائـل علـي وصحة إمامة من تقدمه وكتاب الوزارة وله النظـم الجيـد وكـان مولـده فـي ذي القعـدة سنـة سـت وعشريـن وثلاثمائـة بإصطخـر وقيـل بالطالقـان وهـي طالقـان قزويـن لا طالقـان خراسـان وكـان عبـاد أبـو الصاحـب وزيـر ركـن الدولـة وتوفـي عباد في سنة أربع أو خمس وثلاثين وثلاثمائة وفي هذه السنة توفي الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد المعروف بالدار قطني‏.‏

وكان حافظاً إِماماً فقيهاً مذهب الشافعي وكان يحفظ كثيراً من دواوين الشعراء منها ديوان السيد الحميري فنسب إِلى التشيع لذلك وخرج من بغداد إلى مصر وأقام عند أبي الفضل جعفر بن الفضل وزير كافور الإخشيدي‏.‏

وحصل للدارقطني منه مال جزيل وكان متقناً في علوم كثيرة إِمامـاً فـي علـوم القـرآن وكـان مولـده في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وكانت وفاته ببغداد والدار قطني نسبة إِلى دار القطن وكانت محلة كبيرة ببغداد‏.‏

وفيها توفي أبو محمد يوسف بن الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي الفاضل بن الفاضل شرح أبوه الحسن بن عبد الله كتاب سيبويه وظهر له فيه ما لم يظهر لغيره وصنف بعده كتاب الإقناع ومات الحسن المذكور قبل إِتمامه فكمله ولده يوسف المذكور‏.‏

ثم صنف عدة كتب مشهورة مثل شرح أبيات كتاب سيبويه وشـرح إِصلـاح المنطـق وسيـراف فرضـة فارس وليس بها زرع ولا ضـرع وأهلهـا زجـاة ومنهـا ينتهـي الإنسـان إِلـى حصـن ابـن عمـارة على البحر من أمنع الحصون‏.‏

ويقال إِن صاحبها هو الذي يقول الله تعالى في حقه‏:‏ ‏(‏وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينـة غصبـاً‏)‏ ‏(‏الكهـف‏:‏ 79‏)‏ وكـان اسـم ذلـك الملـك الجُلُنـدي بضـم الجيـم واللام وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها ألف‏.‏

ثم دخلت سنة ست وثمانين وثلاثمائة

 وفاة العزيز بالله

وولاية ابنه الحاكم وفي هذه السنة لليلتين بقيتا من رمضان توفي العزيز بالله أبو منصور نزار بن المعز معد بن المنصور إِسماعيل العلوي الفاطمي صاحب مصر‏.‏

وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر بمدينة بليس وكان قد برز إِليها لغزو الروم وكان موتـه بعـدة أمـراض منهـا القولنـج‏.‏

وكانـت خلافتـه إِحـدى وعشريـن سنـة وخمسـة أشهر ونصف شهر‏.‏

ومولده بالمهدية وكان قد ولى كتابته رجـلاً نصرانيـاً يقـال لـه عيسـى بـن نسطـورس واستنـاب بالشام رجلاً يهودياً اسمه ميشا فاستطالت النصارى واليهود بسببهما على المسلمين فعمد أهل مصر إِلى قراطيس فعملوها على صورة امرأة ومعها قصة وجعلوها في طريق العزيز فأخذها العزيز وفيها مكتوب بالذي وأعز اليهود بميشا والنصارى بعيسى بن نطورس وأذل المسلمين بك إِلا كشفت عنده فقبض على عيسى النصراني المذكور وصادره وكان العزيز يحب العفو ويستعمله‏.‏

ولما مات العزيـز بويـع ابنـه المنصـور أبـو علـي الحاكـم بأمـر اللـه بعهـد مـن أبيه فولي الخلافة وعمره إِحدى عشرة سنة وقام بتدبير ملكه خادم أبيه رجوان وكان خصياً أبيض فضبط الملك وحفظه للحاكم إِلى أن كبر ثم قتل الحاكم أرجوان المذكور‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة مات أبو دواد بن المسيب أمير الموصل وولي بعده أخوه المقلد بن المسيب‏.‏

وفيهـا توفـي منصـور بـن يوسـف بلكيـن بـن زيري الصنهاجي أمير إِفريقية وكان ملكاً كريماً شجاعاً وتولى بعده ابنه باديس بن منصور‏.‏

وفيها توفي أبو طالب محمد بن علي بن عطية المكي صاحب قوت القلوب‏.‏

روى أنه صنف كتابه قوت القلوب وكان قوته إِذ ذاك عروق البدري وكان صالحاً مجتهداً في العبادة ولم يكن من أهل مكة وإنما كان من أهل الجبل وسكن مكة فنسب إِليها وقدم بغداد فوعظ وخلط في كلامه فهجروه‏.‏

وكان مما خلط فيه وحفظ عليه أنه قال‏:‏ ليس على المخلوقين أضر من الخالق‏.‏

ومنع من الكلام بعد ذلك وتوفي ببغداد في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

من كتاب الجمع والبيـان فـي أخبـار القيـروان‏.‏

فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة سبـع وثمانيـن وثلاثمائـة عقـد باديس بن منصور بن بلكين صاحب إِفريقية في شهر صفر الولاية لعمه حماد بن بلكين على أشير وخرج إِليها حماد فاتسعت ولاية حماد وكثر دخلـه وعظـم شأنـه واجتمـع لـه العساكـر والأموال وبقي كذلك إِلى سنة خمس وأربعمائة فأظهر حماد الخلاف على ابن أخيه باديس وخـرج عـن طاعتـه وخلعـه وسـار كـل منهمـا بجموعـه إِلـى الآخـر واقتتـلا في أول جمادى الأولى سنة ست وأربع مائة فانهزم حماد هزيمة شنيعة بعد قتال شديد جرى بين الفريقين ولما انهزم حماد التجأ إلى قلعة مغيلة ثم سار حماد إلى مدينة دكمة ونهبها ونقل منها الزاد إِلى القلعة المذكورة وعـاد إِليهـا وتحصـن بها وباديس نازل بالقرب منه محاصر له ودام الحال كذلك حتى توفي باديس فجأة نصف ليلة الأربعاء آخر ذي القعدة سنة ست وأربع مائة‏.‏

وتولـى بعـد باديـس ابنـه المعـز بن باديس‏.‏

واستمر حماد على الخلف معه كما كان مع أبيه حتى اقتتـل المعـز بـن باديـس وحمـاد فـي سنـة ثمـان وأربـع مائـة بموضع يقال له ينني فانهزم حماد بعد قتال شديد هزيمة قبيحة وبعد هذه الهزيمة لم يعد حماد إِلى قتال واصطلح مع المعز المذكور على أن يقتصـر حمـاد علـى مـا فـي يده وهو عمل ابن علي وما وراءه من أشير وتاهرت واستقر للقائد بن حماد المسيلة وطبنة ومرسى الدجاجي وزواوة ومقرة ودكمة وغير ذلك وبقي حماد وابنه القائـد كذلـك حتـى توفـي حمـاد فـي نصـف سنـة تسـع عشـرة وأربـع مائـة واستقـر فـي الملـك بعده ابنه القائد بن حماد وبقي القائد في الملك حتى توفي في سنة ست وأربعين وأربعمائة في شهر رجب‏.‏

ولمـا توفـي القائـد ملـك بعـده ابنه محسن بن القائد بن حماد فأساء السيرة وخبط وقتل جماعة من أعمامه فخرج عن طاعة محسن المذكور ابن عمه بلكين ابن محمد بن حماد واقتتل معه فقتل بلكين محسناً المذكور وملك موضعه في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربع مائة وبقي حتى غـدر ببلكيـن المذكـور الناصـر بـن علنـاس بـن حمـاد وأخـذ منـه الملـك فـي رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة واستقر الناصر بن علناس بن حماد في الملك حتى توفي في سنة إِحدى وثمان وأربعمائة‏.‏

وملـك بعـده ابنـه المنصـور بـن الناصـر وبقـي فـي الملـك حتـى توفـي فـي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وملـك بعـده ابنـه باديـس بن المنصور وأقام باديس مدة يسيرة وتوفي وملك بعده أخوه العزيز بالله بـن المنصـور وبقـي العزيـز فـي الملـك حتـى توفـي ولـم يقع لي تاريخ وفاته وملك بعده ابنه يحيى بن العزيـز باللـه وبقـي فـي الملـك حتـى سـار عبـد المؤمـن مـن الغـرب الأقصـى وملـك بجايـة‏.‏

قال ابن الأثير فـي الكامـل‏:‏ إِن ذلـك كـان فـي سنـة سبـع وأربعيـن وخمس مائة وكان آخر من ملك منهم يحيى بن العزيـز باللـه بـن المنصور بن الناصر بن علناس بن حماد بن بلكين وانقرضت دولة بني حماد في السنة المذكورة وكان ينبغي أن نذكر ذلك مبسوطاً مع السنين وإنما جمعناه لقلته لينضبط‏.‏

موت نوح صاحب ما وراء النهر في هذه السنة مات الرضي الأمير نوح بن منصور بن نوح بن ناصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان‏.‏

في رجب واختلّ بموته ملك آل سامان ولما توفي قام بالأمر بعده ابنه أبو الحارث منصور بن نوح‏.‏

موت سبكتكين وفـي هـذه السنـة توفـي سبكتكيـن فـي شعبـان وكـان مقامـه ببلخ فلما طال مرضه ارتاح إِلى هوى غزنهَ فسار عن بلخ إِليها فمات في الطريق فنقل ميتاً ودفـن بغزنـة وكانـت مـدة ملكـه نحـو عشرين سنة‏.‏

وكان عادلاً خيراً ولما حضرته الوفاة عهد إِلى ولده إِسماعيل وكان محمود أكبر منه فملك إِسماعيل وكان بينه وبين أخيه محمود قتال في تلك المدة ثم انتصر محمود وانهزم إِسماعيل وانحصر في قلعة غزنة وحاصره محمود فنزل إِسماعيل بالأمان فأحسن إِليه محمـود وأكرمه وكان مدة ملك إِسماعيل سبعة أشهر‏.‏

وفاة فخر الدولة وفي هذه السنة توفي فخر الدولة أبو الحسن علي بن ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه بقلعـة طبـرك فـي شعبـان وأقعدوا في الملك بعده ولده مجد الدولة أبا طالب رستم وعمره أربع سنين واتفق الأمراء على ذلك وكان المرجع في تدبير الملك إِلى والدة أبي طالب المذكور‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة توفي أبو الوفاء محمد بن محمد المهندس الحاسـب البوزجانـي أحـد الأئمـة المشاهيـر فـي علـم الهندسـة ومولـده فـي رمضـان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ببوزجان وهي بلدة

مـن خراسـان بيـن هـراة ونيسابـور ثم قدم العراق‏.‏

وفيها توفي الحسن بن إِبراهيم بن الحسين من ولد سليمان بن زولاق وهو مصري الأصل وكان فاضلاً في التاريخ وله فيه مصنفات وله كتاب خطط مصر وكتاب قضاة مصر وله غير ذلك من المصنفات رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الحسـن بـن عبـد اللـه بـن سعيـد العسكـري العلامـة وكنيتـه أبـو أحمـد صاحـب التصانيف الكثيرة في اللغة والأمثال وغيرها وكان أبو أحمد المذكور من أهل عسكر مكرم وهـي مدينـة مـن كـور الأهـواز وكان مولده في شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين وأخذ العلم عن أبي بكر بن دريد ومن جملة تصانيفه كتاب في علم المنطق وكتاب الزواجر وكتاب المختلف والمؤتلف وكتاب الحكم والأمثال‏.‏

قتل صمصام الدولة

في هذه السنة في ذي الحجة قتل صمصام الدولة أبو كاليجار المرزبـان بـن عضـد الدولـة فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه بسبب شغب الديلم عليه وكان عمر صمصام الدولة خمساً وثلاثين سنة وسبعة أشهر ومدة ولايته بفارس تسع سنين وثمانية أيام‏.‏

قال القاضي شهاب الدين بن أبي الدم‏:‏ إِن صمصام الدولة المذكور لما خرج من الاعتقال وملك في سنة ثمانيـن وثلاثمائـة كـان أعمـى مـن حيـن سمـل واستمـر فـي الملـك وكـان منـه مـا تقـدم ذكره حتى قتل في هـذه السنة وهو أعمى‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسن بن المظفر المعروف بالحاتمي أحد الأعلام وكان إِماماً في الأدب واللغة وهو صاحب الرسالة الحاتمية التي بيّن فيها سرقة المتنبي ونسبة الخاتمي إِلى حاتم بعض أجداده‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثلاثمائة

القبض على الأمير منصور بن نوح وولاية أخيه في هذه السنة اتفق أعيان عسكر منصور الساماني مع بكتورون وفائق وخلعوا منصوراً بن نوح وأمر بكتورون به ولم يراقب الله ولا إِحسان مواليه إِليه وأقاموا في الملك أخاه عبد الملك وهو صبي صغير وكان مدة ملك منصور سنة وسبعة أشهر‏.‏

ولمـا وقـع مـن بكتـورون وفائـق مـا وقع في حق منصور بن نوح كتب محمود بن سبكتكين يلومهما على ذلك وسار إِليهما فاقتتلوا أشد قتال ثم انهزم بكتورون وفائق وتبعهم محمد يقتل في عسكرهم حتى أبعدوا في الهرب واستولى محمود على ملك خراسان وقطـع منهـا خطبـة السامانية‏.‏

انقراض دولة السامانية

وفي هذه السنةِ انقرضت دولة السامانية فإِن محمود بن سبكتكين لما ملك خراسان وقطع خطبتهم اتفق ببخارى مع عبد الملك بن نوح بكتورون وفائق وأخذوا في جمع العساكر فاتفق أن فائقاً مات في تلك المدة وكان هو المشار إِليه فضعفت نفوسهم بموته وبلغ ذلك أيلك خان واسمه أرسلان فسار في جمع الأتراك إِلى بخارى وأظهر المودة لعبد الملك والحمية له فظنوه صادقاً وخرج إِليه بكتورون وغيره من الأمراء والقواد فقبض عليهم وسار حتى دخل بخارى عاشر ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

ثم قبض على عبد الملك بن نوح وحبسه حتى مات في الحبس وحبس معه أخاه منصور الذي سملوه وباقي بني سامان وانقرضت دولة بني سامان‏.‏

وكانت دولتهم قد انتشرت وطبقت كثيراً من الأرض وكانت من أحسن الدول سيرة وعدلا وهـذا عبد الملك هو عبد الملك بن نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان‏.‏

فسبحان من لا يزول ملكه وكان ابتداء دولتهم في سنة إِحدى وستين ومائتيـن وانقرضـت فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة تسـع وثمانيـن وثلاثمائـة

ثم دخلت سنة تسعيـن وثلاثمائة

في هذه السنة وقيل بل فـي سنـة خمـس وتسعيـن وثلاثمائـة توفـي أبـو الحسيـن أحمـد بـن فـارس بـن زكريـا الـرازي اللغوي كان إِماماً في علوم شتى وخصوصاً في اللغة وله عدة مصنفات منها‏:‏ كتابـه المجمل في اللغة ووضع المسائل الفقهية وهي مسألة في المقامة الطيبية وكان مقيماً بهمذان وعليه اشتغل البديع الهمذاني صاحب المقامات‏.‏

ثم دخلت سنة إِحـدى وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنة قتل حسام الدولة المقلد بن المسيب بن رافـع بـن جعفـر بـن عمـر بـن مهنا بن يزيد بالتصغير بن عبد الله بن زيد من ولد ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العقيلي وكان المقلد المذكور أعور وأخوه أبو الذواد محمـد بـن المسيـب هـو أول مـن استولـى منهـم علـى الموصـل وملكها في سنة ثمانين وثلاثمائة حسبما تقدم ذكره ثم ملكها بعده أخوه المقلد المذكور في سنة ست وثمانين وثلاثمائة واستمر مالكها حتـى قتـل فـي هذه السنة قتله مماليكه الأتراك بالأنبار وكان قد عظم شأنه ولما مات قام مقامه ابنه قرواش بن المقلد بن المسيب‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توفي أبو عبد الله الحسين بن الحجاج الشاعر بطريق النيل‏.‏

وكان شاعراً مشهوراً ذا مجون وخلاعة وتولى حسبة بغداد مدة وكان من كبار الشيعة وأوصى أن يدفن عنـد مشهـد موسـى بـن جعفـر وأن يكتـب علـى قبـره ‏(‏وكلبهـم باسـط ذراعيـه بالوصيـد‏)‏ ‏(‏الكهـف‏:‏ 8‏)‏ ولما مات بالنيل نقل إِلـى بغـداد ودفـن كمـا أوصـى والنيـل بلـدة علـى الفـرات بيِـن بغـداد والكوفة وأصل اسم هذا الموضع أن الحجاج بن يوسف حفر به نهراً مخرجه من الفرات وعليه قرى وسماه باسم نيل مصر‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتيـن وتسعيـن وثلاثمائة

في هذه السنة غزا السلطان محمود بن سبكتكين بلاد الهند فغنـم وأسـر وسبـى كثيـراً وعـاد إِلـى غزنـة سالمـاً غانمـاً‏.‏

وفـي هـذه السنـة جـرى بيـن قـرواش بـن المقلد بن المسبب العقيلي وبين عسكر بهاء الدولة حروب انتصر فيها قرواش أولاً ثم انتصر عسكر بهاء الدولة‏.‏

وفي هذه السنة توفي أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الفقيه الشافعي المعروف بابن الدقاق صاحب الأصول‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة

في هذه السنة ملك يمين الدولة محمود بن سبكتكين سجستان وانتزعهـا مـن يـد صاحبهـا خلـف بـن أحمـد وبقـي خلـف بـن أحمـد المذكـور فـي الجوزخـان بعـد ذلـك أربـع سنيـن ثـم نقلـه يميـن الدولة محمود إِلى جودين واحتاط عليه هناك حتى أدركه أجله سنة تسع وتسعين وكان خلف المذكور مشهوراً بطلب العلم وله تفسير من أكبر الكتب‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توفي أبو عامر محمد الملقب بالمنصور أمير الأندلس وكان قد عظـم شأنـه وأكثر الغزوات وضبط البلاد وكانت ولايته في سنـة سـت وستيـن وثلاثمائـة حسبمـا ذكرنـاه هناك فكانت مدة ولايته نحواً من سبع وعشرين سنة ولم يكن للمؤيد خليفة الأندلس معه من الأمر شيء ولما توفي المنصور بن أبي عامر المذكور تولى بعده ابنه أبو مروان عبد الملك بن المنصور المذكور وتلقب بالمظفر وجرى في الغزو وسياسة الملك عن هشام المؤيد على قاعدة أبيه وبقي عبد الملك المذكور في الولاية سبع سنين فتكون وفاته في سنة أربعمائة‏.‏

ولمـا توفـي عبـد الملـك المظفـر المذكـور قـام بالأمـر بعده أخوه عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر المذكور وتلقب عبد الرحمن المذكـور بالناصـر فخلـط ولـم يـزل مضطـرب الأمـور مـدة أربعـة أشهر فخرج على المؤيد ابن عمه محمد بن هشام على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى فخلع هشام وقُتل عبد الرحمن المذكور وصُلب‏.‏

وفي هذه السنة كثرت العيـارون والمفسـدون والفتـن ببغـداد‏.‏

وفيهـا استعمـل الحاكـم العلـوي صاحب مصر والشام على دمشق أبا محمد الأسود ولما استقر فـي قصـر الإِمـارة بدمشـق وحكم أشْهَر إِنساناً مغربياً ونادى عليه هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثم أخرجه من دمشق‏.‏

وفيها توفي ببغداد عثمان بن جني النحوي الموصلي مصنف اللمع وغيره ومولده سنة اثنتين وثلاثمائة وفيها توفي القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني بالري وكان إِماماً فاضلاً ذا فنون كثيرة والوليد بن بكر بن مخلد الأندلسي الفقيه المالكي وهو محدث مشهور‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامي الشاعر البغدادي فمن شعره في عضد الدولة‏:‏ فبشرت آمالي بملك هو الـورى ودار هي الدنيا ويوم هو العمر وله في الدرع‏:‏ يـا ربَّ سابغة حبتني نعمة كافأتها بالسوء غير مفند أضحت تصون عن المنايا مهجتي وظللت أبذلها لكل مهندِ

ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة

خروج البطيحة عن ملك مهذب الدولة فـي هـذه السنـة استولـى علـى البطيحـة وغيرهـا إِنسـان يقـال له أبو العباس بن واصل‏.‏

وكان رجلاً قـد تنقـل فـي خـدم الناس ثم خدم مهذب الدولة صاحب البطيحة فتقدم عنده حتى جهز معه جيشاً فاستولى على البصرة وسيراف فلما فتحهما ابن واصل المذكور وغنم أموالاً عظيمة قويت نفسه وخلع طاعة مهذب الدولة مخدومه ثم قصده فانهزم مهذب الدولة عن البطيحة واستولى ابن واصل على بلاد مهذب الدولة وأمواله وكانت عظيمة ونهب ما كان مع مهذب الدولة من المال وقصد مهذب الدولـة بغـداد فلـم يمكـن مـن الدخـول إِليهـا وهـذا خلـاف مـا اعتمده مهذب الدولة المذكور مع القادر لما هرب من بغداد إِليه فإِن مهذب الدولة بالغ في الخدمة والإِحسان إِليه‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي نقابة العلويين بالعـراق وقضـاء القضـاة والمظالـم وكتـب عهـده بذلك من شيراز ولقبّه الطاهر ذا المناقب فامتنع الخليفة من تقليده قضاء القضاة وأمضى ما سواه‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

عود مهذب الدولة إِلى البطيحة كـان أبـو العبـاس بن واصل لما استولى على البطايح قد أقام بها نائباً وسار هو إِلى نحو البصرة فلـم يتمكـن نائبه من المقام بها وخرج أهل البطيحة عن طاعته فأرسل عميد الجيوش وهو أمير العراق من جهة بهاء الدولة عسكراً في السفن مع مهذب الدولة إِلى البطيحة فلما دخلها لقيه أهل البلاد وسروا بقدومه وسلموا إليه جميع الولايات واستقر عليه لبهاء الدولة في كل سنة خمسون ألف دينار واشتغل عنه ابن واصل بحرب غيره‏.‏

وفـي هـذه السنـة فتـح يميـن الدولـة محمـود بن سبكتكين مدينة بهاطية من أعمال الهند وهي وراء الملتان وهي مدينة حصينة عالية السور‏.‏

ثم دخلت سنة سـت وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنـة سـار يميـن الدولـة ففتـح الملتـان ثـم سـار إِلـى نحـو بيـدا ملك الهند فهرب إلى قلعته المعروفة بكاليجار فحصره بها ثم صالحه على مال حمله إِليه وألبس ملك الهند خلعته واستعفى من شد المنطقة فلم يعفه يمين الدولة منها فشدها على كره‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة قُلد الشريف الرضي نقابة الطالبيين ولقب بالرضي ولقب أخوة المرتضى فعل ذلـك بهـاء الدولـة‏.‏

وفيهـا توفـي محمـد بـن إِسحـاق بـن محمـد ابن يحيى بن منده الأصفهاني صاحب

ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

قتل ابن واصل

في هذه السنة وقع بين بهاء الدولة وأبي العباس بن واصل حروب آخرها أن أبا العباس انهزم إِلـى البصـرة ثـم انهـزم عنهـا فأُسـر وحُمـل إِلى بهاء الدولة فأمر بقتله قبل وصوله إِليه وطيف برأس أبي العباس بن واصل المذكور بخورستان وكان قتله بواسط عاشر صفر‏.‏

خبر أبي ركوة في هذه السنة خرج على الحاكم بمصر إِنسان أموي من ولد هشام بن عبد الملك يسمى أبا ركوة لحمله ركوة على كتفه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فكثر جمعه وملك برقة وجهـز إِليه الحاكم جيشاً فهزمه أبو ركوة وغنم ما في ذلك الجيش وقوى به وسار أبو ركوة إِلى الصعيد واستولى عليه فعظم ذلك على الحاكم إِلى الغاية فأحضر عساكر الشام واستخدم عساكر كثيرة واستعمل عليهم فضل بن عبد الله وأرسله إِلى أبي ركوة فجرى بينهم قتال عظيم وآخره أن عساكر الحاكم انتصرت وهربت جموع أبي ركوة وأُخذ أسيراً فقتله الحاكم وصلبه وطيف برأسه‏.‏

ثم دخلت سنة ثمـان وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هذه السنة سار يمين الدولة محمود إلى الهند وأوغل فيـه وغـزا وفتـح‏.‏

وفـي هـذه السنـة استعملـت والـدة مجـد الدولـة بـن فخـر الدولـة - وكـان إليهـا الحكم بمملكة ابنها - أبا جعفر ابن شمتر يار المعروف بابن كاكوية على أصفهان فاستقر فيها قدمه وعظم شأنه وإنما قيل له ابن كاكوية لأنه كان ابن خال والدة مجد الدولة المذكورة وكاكوية هو الخال بالفارسية‏.‏

وفي هذه السنة توفي عبد الواحد بن نصر المعروف بالببغاء الشاعر‏.‏

وفيها توفي البديع أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني صاحب المقامات المشهورة التي عمل الحريري على منوالها المقامات الحريرية‏.‏

وفيها توفي أبو نصر إِسماعيل بن أحمد الجوهري مصنف كتاب الصحاح في اللغة المعروف بصحاح الجوهري وهو كتاب شهرته تغني عن ذكره وإسماعيل المذكور هو من فاراب وهي مدينة ببلاد الترك من وراء النهر وتسمى هـذا الزمـان أطـرار وكـان المذكـور إِمامـاً فـي اللغـة العربية قدم إِلى نيسابور وتوفي بها وكان يكتب خطاً حسناً منسوباً من الطبقة العالية‏.‏

ثم دخلت سنة تسـع وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنـة قتـل أبـو علـي بـن ثمـال الخفاجـي وكـان الحاكم العلوي قد ولاه الرحبة ثم انتقلت عنه وصار أمرها إِلى صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري صاحب الزيج الحاكمي المعروف بزيج بن يونس وهو زيج كبير في أربع مجلدات وذكر أن الذي أمر بعمله العزيز أبو الحاكم‏.‏

ثم دخلت سنة أربعمائة

في هذه السنة عاد يمين الدولة وغزا الهند وغنم وعاد‏.‏

أخبار المؤيد الأموي خليفة الأندلس

قد تقدم في سنة ست وستين وثلاثمائة ذكر موت الحاكم صاحب الأندلس وولاية ابنه المؤيد هشـام بـن الحكـم المنتصـر بـن عبـد الرحمـن الناصـر بـن محمـد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر المؤيد لما ولي الخلافة عشر سنين فاستولـى علـى تدبيـر المملكـة أبـو عامـر محمـد بـن أبـي عامـر وبقـي المؤيد محجوباً عن الناس واستمر المؤيـد هشـام المذكـور فـي الخلافـة إِلـى سنـة تسـع وتسعيـن وثلاثمائـة فخرج عليه في السنة المذكورة محمـد بـن هشـام بـن عبـد الجبـار بـن عبد الرحمن الناصر الأموي في جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين وثلاثمائة واجتمع عليه الناس وبايعوه بالخلافة وقبض على المؤيد وحبسه في قرطبة وتلقـب محمـد المذكـور بالمهـدي واستمـر فـي الخلافـة فخـرج عليه سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر فهرب محمد بن هشام بن عبد الجبار المذكور واستولى سليمان على الخلافـة فـي أوائـل شـوال مـن هـذه السنـة أعنـي سنـة أربعمائـة ثـم جمع المهدي محمد بن هشام جمعاً وقصـد سليمـان بقرطبـة فهـرب سليمـان وعـاد محمـد المهـدي المذكـور إِلـى الخلافـة فـي منتصـف شـوال من هذه السنة المذكورة ثم اجتمع كبار العسكر وقبضوا على المهدي محمد المذكور وأخرجوا المؤيـد مـن الحبس وأعادوه إِلى الخلافة في سابع ذي الحجة من هذه السنة أعني سنة أربعمائة وأحضـروا المهدي المذكور بين يديه فأمر بقتله فقتل واستمر المزيد في الخلافة وقام بتدبير أمره واضح العامري ثم قبض المؤيد على واضح المذكور وقتله فكثرت الفتن على المؤيد واتفقت البربر مع سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر وسار وحصر المؤيد بقرطبة وملكها سليمان عنوة وأخرج المؤيد من القصر ولم يتحقق للمؤيد خبر بعد ذلك وبُويع سليمان بالخلافـة فـي منتصـف شـوال مـن سنة ثلاث وأربعمائة وتلقب بالمستعين بالله ثم كان من سليمان وأخبار الأندلس ما سنذكره إِن شاء الله تعالى في سنة سبع وأربعمائة‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة بنى أبو محمد بن سهلان سوراً على مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضـي اللـه عنـه‏.‏

وفيهـا توفي النقيب أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضي وكان مولده سنة أربع وثلاثمائة وكان قد أضر في آخر عمره‏.‏

وفيها توفي أبو العباس النامي الشاعر وأبـو الفتـح علـي بـن محمـد البستـي الكاتـب الشاعـر صاحب التجنيس‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة

فيها سار أيلك خان ملك الترك من سمرقند بجيوشه لقتال أخيه طغان خان فوصل إلى أوزكند وسقط عليه ثلج منعه من المسير إِليه فعاد إِلى سمرقند‏.‏

الخطبة العلوية بالكوفة والموصل فـي هـذه السنـة خطـب قـرواش بـن المقلـد بـن المسيب أمير بني عقيل للحاكم بالله العلوي صاحب مصـر بأعمالـه كلهـا وهـي الموصـل والأنبـار والمدائـن والكوفـة وغيرهـا‏.‏

وكـان ابتداء الخطبة بالموصل الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب وانهدت بعظمته أركان النصب وأطلع بقدرته شمس الحق من الغرب فكتب بهاء الدولة إِلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إِلى حرب قرواش فسار إِليه وأرسل قرواش يعتذر وقطع خطبة العلويين‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفـي هـذه السنـة وقـع الحـرب بيـن بنـي مزيـد وبنـي دبيـس بسبب أن أبا الغنائم محمد بن مزيد كان مقيمـاً عنـد بنـي دبيـس فـي جزيرتهـم بنواحـي خورستان لمصاهرة بينهم فقتل أبو الغنائم محمد بن مزيـد أحد وجوه بني دبيس ولحق بأخيه أبي الحسن بن مزيد فسار إِليهم أبو الحسن بن مزيد وفـي هـذه السنـة توفـي عميد الجيوش أبو علي بن أستاذ هرمز وكان أميراً من جهة بهاء الدولة على العسكر وعلى الأمور ببغداد وكانت ولايته ثمان سنين وأربعة أشهر وأياماً‏.‏

وعمره تسع وأربعون سنة وكان أبوه أستاذ هرمز من حجاب عضد الدولة واتصل عميد الجيوش بخدمة بهاء الدولة فلما فسد حال بغداد من الفتن أرسله بهاء الدولة إِلى بغداد فأصلح الأمور وقمع المفسدين فلما مات عميد الجيوش استعمل بهاء الدولة موضعه على بغداد فخـر الملـك أبـا غالب‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة

أخبار صالح بن مرْداس وملكه حلب وأخبار ولده

إلى سنة اثنتَين وسبعين وأربعمائة وكـان ينبغي أن نذكر ذلك مبسوطاً في السنين ولكن لقلته كان يضيع ولا ينضبط فلذلك أوردنا فـي هـذه السنـة جملـة كمـا فعلنـا مثـل ذلـك فـي عـدة قصـص من هذا التاريخ فنقول‏:‏ إِننا ذكرنا ملك أبـي المعالـي شريـف الملقب بسعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان لحلب إِلى أن توفي بالفالج وهـو مالكهـا علـى مـا شرحنـاه فـي سنـة إِحـدى وثمانيـن وثلاثمائة ولما توفي أبو المعالي سعد الدولة المذكور أقيم أبو الفضائل ولد سعد الدولة مكان أبيه وقام بتدبيره لؤلؤ أحد موالـي سعـد الدولـة ثـم استولـى أبـو نصر بن لؤلؤ المذكور علي أبي الفضائل بن سعد الدولة وأخذ منه حلب واستولى عليها وخطب للحاكم العلوي بها ولقب الحاكم أبا نصـر بـن لؤلـؤ المذكـور مرتضـى الدولـة‏.‏

واستقـر فـي ملـك حلـب وجـرى بينه وبين صالح بن مرداس الكلابي وبني كلاب وحشة وقصص يطول شرحها وكانت الحرب بينهـم سجـالاً وكـان لابـن لؤلـؤ غلـام اسمـه فتـح وكـان دزدار قلعة حلب فجرى بينه وبين أستاذه ابن لؤلؤ وحشة في الباطن حتى عصى‏.‏

فتح المذكور في قلعة حلب على أستاذه واستولى عليها وكاتب فتح المذكور الحاكم العلوي بمصـر ثـم أخـذ فتـح مـن الحاكـم صيـدا وبيروت وسلم حلب إِلى نواب الحاكم فسار مولاه ابن لؤلؤ إِلى إنطاكية وهي للروم فأقام معهم بها وتنقلت حلب بأيدي نواب الحاكم حتى صارت بيد إِنسان من الحمدانية يعرف بعزيز الملك وبقي المذكور نائب الحاكـم بحلـب حتـى قتـل الحاكـم وولي الظاهر لاعزاز دين الله العلوي فتولى من جهة الظاهر العلوي المذكور على مدينة حلب إِنسـان يعـرف بابـن ثعبـان وولـي القلعـة خـادم يعـرف بموصـوف فقصدهمـا صالـح بن مرداس أمير بني كلاب فسلم إِليه أهل البلد مدينة حلب لسوء سيرة المصريين فيهم وصعد ابـن ثعبـان إِلـى القلعـة وحصرهـا صالـح بـن مرداس فسلمت إِليه قلعة حلب أيضاً في سنة أربع عشرة وأربعمائة واستقـر صالـح مالكاً لحلب وملك معها من بعلبك إِلى عانة وأقام صالح بن مرداس بحلب مالكاً لما ذكر ست سنين فلما كان سنة عشرين وأربعمائة جهز الظاهر العلوي جيشاً لقتال صالح المذكور ولقتال حصان أمير بني طيئ وكان قد استولى حسان المذكور على الرملة‏.‏

وتلك البلاد وكان مقدم عسكر المصريين اسمه أنوش تكين فاتفق صالح وحسان على قتال أنـوش تكين وسار صالح من حلب إلى حسان واجتمعا على الأردن عند طبرية ووقع بينهم القتال فقتل صالح بن مرداس وولده الأصغر ونفذ رأساهما إلى مصر ونجا ولده أبو كامل نصر بن صالح بن مرداس وسار إِلى حلب فملكها وكان لقب أبي كامل المذكور شبل الدولة وبقي شبل الدولة بن صالح مالكاً لحلب إلى سنة تسع وعشرين وأربعمائة وذلك في أيام المستنصر بالله العلوي صاحب مصر‏.‏

فجهزت العساكر من مصر إِلى شبـل الدولـة ومقدمهـم رجـل يقـال لـه الدزبـري بكسـر الـدال المهملة وسكون الزاي المعجمةَ وباء موحدة وراء مهملة ويا مثناة من تحت وهو أنـوش تكيـن المذكور وكان يلقب الدزبري‏.‏

نقلت ذلك من تاريخ ابن خلكان فاقتتلوا مع شبل الدولة عند حماة في شعبان سنة تسع وعشرين وأربعمائة فقتل شبل الدولة وملك الدزبري حلب في رمضان من السنة المذكورة‏.‏

وملك الشام جميعه وعظم شأن الدزبري وكثر ماله وتوفي الدزبري بحلب سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى‏.‏

وكان لصالح بن مرداس ولد بالرحبة يقال له‏:‏ أبو علوان ثمال ولقبه معز الدولة فلما بلغه وفاة الدزبـري سـار ثمـال بـن صالـح المذكـور إِلـى حلـب وملـك مدينـة حلـب ثـم ملـك قلعتهـا في صفر سنة أربع وثلاثين وأربعمائة وبقي معز الدولة ثمال بن صالح المذكور مالكاً لحلب إِلى سنة أربعين وأربعمائة فأرسل إليه المصريون جيشاً فهزمهم ثمال ثم أرسلوا إِليه جيشاً آخر فهزمهم ثمال أيضـاً ثـم صالـح ثمـال المذكور المصريين ونزل لهم عن حلب فأرسل المصريون رجلاً من أصحابهم يقـال لـه الحسن بن علي بن ملهم ولقبوه مكين الدولة فتسلم حلب من ثمال بن صالح بن مرداس فـي سنـة تسـع وأربعيـن وأربعمائة وسار ثمال إِلى مصر وسار أخوه عطية بن صالح بن مرداس إِلى الرحبة وكان لنصر الملقب بشبل الدولة الذي قتل في حرب الدزبري ولد يقال له محمود فكاتبه أهل حلب وخرجوا عن طاعة ابن ملهم فوصل إِليهم محمود واتفق معه أهل حلـب وحصـروا ابـن ملهـم في جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فجهز المصريون جيشاً لنصرة ابن ملهم فلما قاربوا حلب رحل محمود عنها هارباً وقبض ابن ملهم على جماعة من أهل حلب وأخذ أموالهم ثم سار العسكر في أثر محمود بن نصر بن صالح المذكور فاقتتلوا وانتصر محمود وهزمهم ثم عاد محمود إِلى حلب فحاصرها وملك المدينة والقلعة في شعبان سنـة اثنتين وخمسين وأربعمائة وأطلق ابن ملهم ومقدم الجيش وهو ناصر الدولة من ولد ناصر الدولـة بـن حمـدان فسـار إِلـى مصـر واستقـر محمـود بـن شبـل الدولـة نصر بن صالح بن مرداس مالكاً لحلب‏.‏

ولمـا وصـل ابـن ملهـم وناصر الدولة إِلى مصر وكان ثمال بن صالح بن مرداس قد سار إِلى مصر كمـا ذكرنـا جهـز المصريـون ثمال بن صالح بجيش لقتال ابن أخيه محمود بن شبل الدولة فسار ثمال بـن صالـح إِلـى حلـب وهـزم محمـود بـن أخيـه وتسلـم ثمـال بـن صالح بن مرداس حلب في ربيع الأول من سنة ثلاث وخمسين أربعمائة ثم توفي ثمـال فـي حلـب سنـة أربـع وخمسيـن فـي ذي القعـدة وأوصـى بحلب لأخيه عطية الذي كان سار إِلى الرحبة كما ذكرناه‏.‏

فسار عطية بن صالح من الرحبة وملك حلب في السنـة المذكـورة وكـان محمـود بـن شبـل الدولة لما هرب من عمه ثمال من حلب سار إِلى حران فلما مات ثمال وملك أخوه عطية حلب جمع محمود عسكراً وسار إلى حلب فهزم عمه عطية عنها وسار عطية إِلى الرقة فملكها ثم أُخذت منه فسار عطية إِلى الروم وأقام بقسطنطينية حتى مات بها‏.‏

وملك محمود بن نصر بن صالح بن مرداس حلب في أواخر سنة أربع وخمسين وأربعمائة ثم استوَلـى محمـود علـى أرتـاح وأخذهـا مـن الـروم فـي سنـة ستيـن ومـات محمـود المذكور في ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة في حلب مالكاً لها‏.‏

وملك حلب بعده ابنه نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس ثم قتل التركمان نصراً المذكـور علـى مـا سنذكره إِن شاء الله تعالى في سنة تسع وستين وأربعمائة وملك حلب بعده أخـوه سابـق بـن محمـود بن نصر بن صالح بن مرداس وبقي سابق بن محمود المذكور مالكاً لحلب إِلى سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وأخذ حلب منه شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة كتب ببغداد محضر بأمر القادر يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر وكتب فيه جماعة من العلويين والقضاة وجماعة من الفضلاء وأبو عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة ونسخة المحضر المذكورة هذا ما شهد به الشهود أن معد بن إِسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد منتسب إلى ديصان بن سعيد الذي ينسب إِليه الديصانية وأن هذا الناجم بمصر هو منصور ابن نزار المتلقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والدمار ابن معد بن إِسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله وأن من تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأن ما ادعـوه مـن الانتسـاب إِليـه زور وباطـل وأن هـذا الناجـم فـي مصـر هـو وسلفـه كفّـار وفسّاق زنادقـة ملحـدون معطلـون وللإِسلـام جاحـدون أباحـوا الفـروج وأحلـوا الخمـور وسبـوا الأنبيـاء وادعـوا الربوبيـة وتضمن المحضر المذكور نحو ذلك أضربنا عنه وفي آخره كتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة وفيها اشتد أذى خفاجة للحجاج وقطعوا عليهم الطريق‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة

قتل قابوس

في هذه السنة قتل شمس المعالي قابوس بن وشمكير بن زيار بسبب تشديده على أصحابه وعدم التجاوز عن ذنوبهم فخرجوا عن طاعته وحصروه واستدعوا ولده منوجهر بن قابوس فأقاموه عليهم وكان بجرجان ثم اتفق مع أبيه قابوس فانقطع قابوس في قلعة يعبد الله فلم يطـب للعسكـر الذيـن خلعوه وعاودوا منوجهر في قتله فسكت فمضوا إِلى قابوس وأخذوا جميع مـا عنـده مـن ملبـوس وتركـوه حتـى مـات بالبـرد وكـان قابـوس المذكـور كثيـر الفضائـل عظيـم السياسـة شديـد الأخـذ قليـل العفـو وكـان عالمـاً بالنجـوم وغيرها وله أشعار حسنة فمن شعره‏:‏ ففي السماء نجوم ما لها عدد وليسَ يكسف إِلا الشمسُ والقمر وفي هذه السنة مات ملك الترك أيلك خان وملك بعده أخوه طغان خان وكان أيلك خان خيراً عادلاً محباً للدين وأهله‏.‏

وفاة بهاء الدولة

فـي هـذه السنـة فـي عاشـر جمـادى الآخـرة توفـي بهـاء الدولة أبو نصر خاشاذ بن عضد الدولة بن بويه بتتابع الصرع مثل مرض أبيه عضد الدولة وكان موت بأرجان وملك العراق وعمره اثنتان وأربعون سنة وتسعة أشهر وملكه أربع وعشرون سنة‏.‏

ولما توفي ولي الملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة‏.‏

وفيها كان استيلاء سليمـان بـن الحكـم بـن سليمـان بـن عبـد الرحمـن الناصـر على قرطبة وبويع بالخلافة على ما قدمنا ذكـره فـي سنـة أربعمائـة ولمـا استولـى علـى قرطبـة عـدم المؤيـد هشام فلم يتحقق له خبر بعد هذه السنة وسنذكر ما قيل في ظهوره إِن شاء الله تعالى وإن ذلك كان تنويجاً لا حقيقة له‏.‏

وفيهـا توفـي القاضي أبو بكر بن الباقلاني واسمه محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر وكان أبو بكر المذكور على مذهب أبي الحسن الأشعري وهـو ناصـر طريقتـه ومؤيـد مذهبـه وسكـن ببغداد وصنف التصانيف للكثيرة في علم الكلـام وانتهـت إِليـه الرئاسـة فـي مذهبـه ونسبـة

ثم دخلت سنة أربـع وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة أيضـاً عـاد يميـن الدولـة محمـود فغـزا الهنـد وأوغـل في بلادهم وغنم وفتح وعاد إِلى غزنة‏.‏

وفيها عاثت خفاجة ونهبوا سواد الكوفة وطلع عليهم العسكر وقتل منهم وأسر‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو الحسـن علـي بـن سعيـد الأصطخـري وهـو مـن شيوخ المعتزلة وكان عمره قد زاد على ثمانين سنة‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وأربعمائة

في هذه السنة كانت الحرب بين أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي وبين مضر وحسان ونبهان وطراد بني دبيس وكان آخر تلك الحرب أن مضر بـن دبيس كبس أبا الحسن ابن مزيد المذكور فهزمه واستولى ابن دبيس على خيل أبي الحسن وأمواله وهرب أبو الحسن إِلى بلد النيل‏.‏

وفيهـا توفي الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني المعروف بابـن الحاكـم النيسابـوري إِمـام أهـل الحديـث فـي عصـره والمؤلـف فيـه الكتـب التـي لم يسبق إِلى مثلها سافـر فـي طلـب الحديـث وبلغـت عدة شيوخه نحو ألفين وصنف عدة مصنفات منها الصحيحان والأمالي وفضائل الشافعي وإنما عُرف أبوه بالحاكم لأنه تولى القضاء بنيسابور‏.‏

وفيهـا قتـل طائفـة مـن عامـة الدينـور قاضيهـم أبـا القاسـم يوسـف بـن أحمـد بـن كج الفقيه الشافعي قاضي الدينور قتلوه خوفاً منه وله وجه في المذهب وصنف كتباً كثيرة وجمع بين رئاستي العلم والدنيا‏.‏

ثم دخلت سنة ست وأربعمائة

وفاة باديس فـي هـذه السنـة توفـي باديـس بـن منصـور بـن يوسـف بلكيـن بـن زيـري أميـر إِفريقيـة‏.‏

وولي بعده إِمرة إِفريقية ابنه المعز بن باديس وعمره ثمان سنين ووصلت إِليه الخلع والتقليد من الحاكم العلوي ولقبـه شـرف الدولة وهذا المعز بن باديس هو الذي حمل أهل المغرب على مذهب الإمام مالك وكانوا قبله على مذهب أبي حنيفة‏.‏

وفـي هـذه السنـة غـزا يميـن الدولـة محمـود الهنـد علـى عادتـه فتـاه الدليـل ووقع هو وعسكره في مياه فاضت من البحر فغرق كثير ممن معه وبقي فيه أياماً حتى تخلص وعاد إِلى خراسان‏.‏

وفي هذه السنة عَزَل سلطان الدولة بن بهاء الدولة نائبه بالعراق فخر الملك أبا غالب وقتله سلـخ ربيع الأول من هذه السنة وكان عمر فخر الملك اثنتين وخمسين سنة وأحد عشر شهراً وكانت مدة ولايته على العراق خمس سنين وأربعة أشهر وأياماً ووجد له من المال ألف ألف دينـار عينـاً غيـر العروض‏.‏

وغير ما نهب وكان قبضه بالأهواز‏.‏

ثم استوزر سلطان الدولة بن وفيهـا توفـي أبـو نصـر قـرا خـان صاحـب تركستـان وقيل في سنة ثمان ورأبعمائة على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الشريف الحسيني الملقب بالرضي وهو محمد بن الحسين بن موسـى بـن إِبراهيـم بـن موسـى بـن جعفـر الصـادق بـن محمـد الباقـر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم المعروف بالموسوي صاحب ديوان الشعر حكي أنه تعلـم النحـو مـن ابـن السيرافـي النحـوي فذاكـره ابـن السيرافـي علـى عـادة التعليم وهو صبي فقال‏:‏ إذا قلنـا رأيـت عمـر فمـا علامـة النصـب في عمرو فقال الرضي‏:‏ بغض علي‏.‏

أراد السيرافي النصب الذي هو الإعراب وأراد الرضي الذي هو بغض علي فأشار إِلى عمرو بن العاص وبغضه لعلي فتعجب الحاضرون من حدة ذهنه وكانت ولادته سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ببغداد‏.‏

وفيهـا توفـي الإمـام أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني إِمام أصحاب الشافعي وكان عمـره إِحـدى وستيـن سنـة وأشهـراً قـدم بغـداد فـي سنـة ثلاث وستين وثلاثمائة وكان يحضر مجلسه أكثر من ثلاثمائة فقيه وطبق الأرض بالأصحاب وله عدة مصنفات منها‏:‏ في المذهب التعليقة الكبرى وهو من إسفرائين وهي بلدة بخراسان بنواحي نيسابور على منتصـف الطريـق إِلـى جرجان‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وأربعمائة

فيها غزا يمين الدولة محمود الهند على عادته ووصل إِلـى قشميـر وقنـوج وبلـغ نهـر كنك وفتح عدة بلاد وغنم أموالاً وجواهر عظيمة وعاد إِلى غزنة مؤيداً منصوراً‏.‏

انقراض الخلافة الأموية من الأندلس وتفرق ممالك الأندلس وأخبار الدولة العلوية بها

فـي هـذه السنـة خـرج بالأندلـس علـى المستعيـن باللـه سليمـان بـن الحكـم بـن سليمان بن عبد الرحمن الناصر الأموي شخص من القواد يقال له خيران العامري لأنه كان من أصحـاب المؤيـد فلمـا ملك سليمان الأموي قرطبة خرج عنه خيران المذكور وسار في جماعة كثيرة من العامريين وكان علي بن حمود العلوي مستولياً على سبتة وبينه وبين الأندلس عدوة المجاز وكان أخوه القاسم بن حمود مستولياً على الجزيرة الخضراء من الأندلس ولما رأى علي بن حمود العلوي خروج خيران على سليمان عبر من سبتة إِلى مالقة واجتمع إِليه خيران وغيره من الخارجين على سليمان الأموي وكان أمر هشام المؤيد الخليفة الأموي قد اختفى عليهم من حين استولى ابن عمه سليمان المذكور على قرطبة في سنة ثلاث وأربعمائة على ما قدمنا ذكره‏.‏

وأخرج المؤيد من القصر فلم يطلع للمؤيد على خبر فاجتمع خيران وغيره إِلى علي بن حمود العلوي بالمكتب وهي ما بين المرية ومالقة سنة ست وأربعمائة وبايعوا علي بن حمود العلوي على طاعة المؤيد الأموي إِن ظهر خبره وساروا إلى سليمان بقرطبة وجرى بينهم قتال شديد انهزم فيـه سليمـان الأمـوي وأخـذ أسيـراً وأحضر هو وأخوه وأبوهما الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر وكان الحكم أبو سليمان المذكور متخلياً عن الملك للعبادة وملك علي بن حمود العلوي قرطبـة ودخلهـا فـي هذه السنة أعني سنة سبع وأربعمائة وقصد القواد وعلي ابن حمود القصر طمعاً في أن يجدوا المؤيد فلم يقفوا له على خبر فقتل علي بن حمود العلوي سليمان وأباه وأخاه ولما قدم الحكم بن سليمان للقتل قال له علي ابن حمود‏:‏ يا شيخ قتلتم المؤيد فقال‏:‏ واللـه مـا قتلنـاه وإنـه حـي يـرزق فحينئـذ أسـرع علـي بـن حمود في قتله وأظهر علي بن حمود موت المؤيد ودعا الناس إلى نفسه فبايعوه وتلقب بالمتوكل على الله وقيـل الناصـر لديـن اللـه وهـو علـي بـن حمـود بـن أبـي العيـش ميمـون بـن أحمـد بـن علـي بـن عبـد اللـه بـن عمـر بـن إِدريـس بـن إدريـس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم‏.‏

ثـم إن خيـران خـرج عـن طاعتـه لأنه إِنما وافقه طمعاً في أن يجد المؤيد محبوساً في قصر قرطبة ليعيـده إِلى الخلافة فلما لم يجده سار خيران عن قرطبة يطلب أحداً من بني أمية ليقيمه في الخلافـة فبايـع شخصـاً مـن بنـي أميـة ولقبه المرتضى وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر الأموي وكان مستخفياً بمدينة جيان واجتمع إِلى عبد الرحمن المذكور أهل شاطبـة وبلنسيـة وطرطوشـة مخالفين على علي بن حمود العلوي فلم ينتظم لعبد الرحمن المذكور أمر وجمع علي بن حمود جموعه وقصد المسير إِليهم من قرطبة وبرز العساكر إِلى ظاهرها ودخـل علـي بـن حمـود الحمّام ليخرج منها ويسير بالعساكر فوثب عليه غلمانه وقتلوه في الحمّام‏.‏

وكان قتل علي بن حمود في أواخر ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة فلما علمت العساكر بقتله دخلوا البلد وكان عمره ثمانياً وأربعين سنة ومدة ولايته سنة وتسعة أشهر‏.‏

ثـم ولي بعده أخوه القاسم بن حمود وكان أكبر من أخيه علي بعشرين عاماً وقيل بعشرة أعوام ولقب القاسم بالمأمون وبقط القاسم بن حمود مالكاً لقرطبة وغيرها إلى سنة اثنتي عشـرة وأربعمائـة‏.‏

ثـم سـار القاسـم مـن قرطبـة إلـى إشبيليـة فخـرج عليـه ابـن أخيـه يحيـى بـن علـي بـن حمود بقرطبة ودعا الناس إلى نفسه وخلع عمه فأجابوه وذلك في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتي عشـرة وأربعمائـة‏.‏

وتلقب يحيى بالمعتلي وبقي بقرطبة حتى سار إِليه عمه القاسم من إِشبيلية فخـرج يحيـى بـن علـي بـن حمـود مـن قرطبـة إِلـى مالقة والجزيرة الخضراء فاستولى عليهما وذلك في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة في ذي القعدة ودخل القاسم بن حمود قرطبة في التاريخ المذكور وجرى بين أهل قرطبة وبين القاسم قتال شديد وأخرجوه عن قرطبة وبقي بينهم القتال نيفاً وخمسين يوماً ثم انتصر أهل قرطبة وانهزم القاسم بن حمود وتفرق عنه عسكره وسار إِلى شريـش فقصـده ابـن أخيه يحيى بن علي بن حمود وأمسك عمه القاسم بن حمود وحبسه حتى مات القاسم في الحبس بعد موت يحيى‏.‏

ولما جرى ذلك خرج أهل إِشبيلية عن طاعة القاسم وابن أخيه يحيى وقدموا عليهم قاضي إِشبيلية أبا القاسم محمد بن إِسماعيل بن عباد اللخمي وبقي إِليه أمر إشبيلية وكانت ولاية القاسـم بن حمود بقرطبة إِلى أن أمسك وحبس ثلاثة أعوام وشهوراً وبقي محبوساً إِلى أن مات سنة إِحدى وثلاثين وأربعمائة وقد أسنّ‏.‏

ثم أقام أهل قرطبة رجلاً من بني أمية اسمه عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر ولقب عبد الرحمن المذكور المستظهر بالله وهو أخو المهدي محمد بن هشـام وبويع في رمضان وقتلوه في ذي القعدة كل ذلك في سنة أربع عشرة وأربعمائة ولمـا قتـل المستظهـر بويـع بالخلافـة محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر ولقب محمد المذكور المستكفي ثم خلع المستكفي المذكور بعد سنة وأربعة أشهر فهرب وسم في الطريق فمات‏.‏

ثم اجتمع أهل قرطبة على طاعة يحيى بن علي بن حمود العلـوي وكـان بمالقـة يخطـب لـه بالخلافـة ثـم خرجـوا عـن طاعتـه فـي سنـة ثمانـي عشرة وأربعمائة وبقي يحيى كذلك مدة ثم سار من مالقة إِلى قرمونة‏.‏

وأقام بها محاصراً لإشبيلية وخرجت للقاضي أبا القاسم بن عباد خيل وكمن بعضهم فركب يحيى لقتالهم فقتل في المعركة وكان قتل يحيى المذكور في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة‏.‏

ولما خلع أهل قرطبة طاعة يحيى كما ذكرنا بايعوا لهشام بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر الأموي ولقبوه بالمعتد بالله وكان ذلك في سنة ثماني عشرة وأربعمائة حسبما ذكرنا وجرى في أيامه فتن وخلافات من أهل الأندلس يطول شرحها حتى خلع هشام المذكور سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وسار هشام مخلوعاً إِلى سليمان بن هود الجذامي فأقام عنده إِلى أن مات هشام سنة ثمان وعشرين وأربعمائة‏.‏

ثم أقام أهل قرطبة بعد هشام شخصاً من ولد عبد الرحمن الناصر أيضاً واسمه أمية ولما أرادوا ولايـة أميـة قالـوا لـه‏:‏ نخشـى عليـك أن تقتـل فـإن السعـاد قـد ولت عنكم يا بني أمية‏.‏

فقال‏:‏ بايعوني اليوم واقتلوني غداً فلم ينتظم له أمر واختفى فلم يظهر له خبر بعد ذلك‏.‏

ثم إِن الأندلس اقتسمها أصحاب الأطراف والرؤساء وصاروا مثل ملوك الطوائف وأما قرطبة فاستولى عليها أبو الحسن بن جهور وكان من وزراء الدولة العامرية وبقي كذلك إِلى أن مات سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقام بأمر قرطبة بعده ابنه أبو الوليد محمد بن جهور‏.‏

وأما إِشبيلية فاستولى عليها قاضيها أبو القاسم محمد بن إِسماعيل بن عباد اللخمي وهو من ولد النعمان بن المنذر ولما انقسمت مملكة الأندلس شاع أن المؤيد هشام بن الحكم الذي اختفى خبـره قـد ظهـر وسـار إِلـى قلعة رباح وأطاعه أهلها فاستدعاه ابن عباد إِلى إِشبيلية فسار إليه وقام بنصره وكتب بظهوره إِلى ممالك الأندلس فأجاب أكثرهم وخطبوا له وجددت بيعته في المحرم سنة تسع وعشرين وأربعمائة وبقي المؤيد حتى ولي المعتضد بـن عبـاد فأظهـر مـوت المؤيد والصحيح أن المؤيد لم يظهر خبر مذ عدم من قرطبة في سنة ثلاث وأربعمائة على ما قدمنا ذكره وإما كان إِظهار المؤيد من تمويهات ابن عباد وحيله ومكره‏.‏

وأما بطليوس فقام بها سابور الفتى العامري وتلقب سابور المذكور بالمنصور ثم انتقلت من بعده إِلى أبي بكر محمد بن عبد الله بن مسلمة المعروف بابن الأفطس وتلقب محمد المذكور بالمظفر وأصل ابن الأفطس المذكور من بربر مكناسة لكن ولده أبوه بالأندلس‏.‏

فلما توفـي محمد المذكور صار ملك بطليموس بعده لولده عمر بن محمد وتلقـب بالمتوكـل واتسـع ملكـه وقتل صبراً مع ولديه عند تغلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين على الأندلس وكان اسم ولديه اللذين قتلا معه الفضل والعباس‏.‏

وأما طليطلة فقام بأمرها ابن يعيش ثم صارت إِلى إِسماعيل بن عبد الرحمن بن عامر بن ذي النون وتلقب بالظافر بحول الله وأصله من البربر ثم ملك بعده ولده يحيي بـن إِسماعيـل ثـم أخـذت الفرنـج منـه طليطلـة فـي سنـة سبـع وسبعيـن وأربعمائـة وصـار هـو ببلنسيـة وأقـام هو بها إلى أن قتله القاضي ابن جحاف الأحنف‏.‏

وأما سرقسطة والثغر الأعلى فصارت في يد منذر بن يحيى ثم صارت سرقسطة وما معها بعده لولده يحيى بن منذر بن يحيى ثم صارت لسليمان بن أحمد بن محمد بن هود الجذامي وتلقـب بالمستعيـن باللـه ثـم صـارت بعده لولده أحمد بن سليمان بن محمد بن أحمد ثم ولى بعده ابنـه عبـد الملـك بـن أحمـد ثـم ولـي بعده ابنه أحمد بن عبد الملك وتلقب بالمستنصر بالله‏.‏

وعليه انقرضت دولتهم على رأس الخمسمائة فصارت بلادهم جميعها للملثمين‏.‏

وأمـا طرطوشـة فوليها لبيب بن الفتى العامري‏.‏

وأما بلنيسة فكان بها المنصور أبو الحسن عبد العزيـز المغافـري ثـم انضاف إِليه المرية ثم ملك بعده ابنه محمد بن عبد العزيز ثم غدر به صهره المأمون بن ذي النون وأخذ الملك من محمد بن عبد العزيز في سنة سبع وخمسين وأربعمائة‏.‏

وأما السهلة فملكها عبود بن رزين وأصله بربري‏.‏

وأما دانية والجزائر فكانت بيد الموفق بن أبي الحسين مجاهد العامري‏.‏

وأما مرسية فوليها بنو طاهر واستقامت لأبي عبد الرحمن منهم وأما المرية فملكها خيران العامري ثم ملك المرية بعده زهير العامري واتسع ملكه إِلى شاطبة ثم قتل وصارت مملكته إِلى المنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن المنصور بن أبي عامر ثم انتقلت حتى صارت للملثمين‏.‏

وأمـا مالقـة فملكهـا بنـو علـي بـن حمود العلوي فلم تزل في مملكة العلويين يخطب لهم فيها بالخلافة إِلى أن أخذها منهم باديس ابن حبوس صاحب غرناطة‏.‏

وأما غرناطة فملكها حبوس بن ماكس الصنهاجي فهذه صورة تفرق ممالك الأندلس بعد ما كانت مجتمعة لخلفاء بني أمية وقد نظم أبو طالب عبد الجبار المعروف بالمثنى الأندلسي من أهل جزيرة شقراء أرجوزة تحتوي على فنون من العلوم وذكر فيها شيئاً من التاريخ يشتمل على تفرق ممالك الأندلس فمن ذلك قوله‏:‏ لما رأى أعلامُ أهل قُرطبة أن الأمور عندهم مضطربَه وعدمـت شاكلة للطاعة استعلمت آراءها الجماعة فقدمـوا الشيـخَ مـن آل جهور المكتنى بالحزم والتدبـرِ ثـم ابنـه أبـا الوليـد بعـده وكانْ يحدوا في السداد قصده فجاهرت لجورها الجهاوره وكل قطر حل فيه فاقره وابـن يعيـش ثـار فـي طليطله ثم ابن ذي النون تصفى الملك له وفـي بطليموس انتزا سابور وبعـده ابـن الأفَطـس المنصور وثـار في إِشبيلية بنو عباد والكـذب والفتـونُ فـي ازديـاد وثار في غرناطة حبـوس ثم ابنه من بعده باديـس وآل معـن ملكـوا المريه بسيـرة محمـودة مُرْضيـه وثار فـي شـرق البلـاد الفتيـان العامريون ومنهم خيران ثـم زهيرٌ والفتى لبيبُ ومنهـم مجاهـد اللبيب سلطانـه رسـى بمرسـى دانيه ثم غزا حتى إلى سردانيه ثم أقامت هذه الصقالبـه لابـن أبـي عامر هم بشاطبه وحـل مـا ملكهـم بلنسيه وثار آل طاهر بمرسيـه وبلد البيت لآل قاسم وهو حتى الآن فيه حاكم وابن رزين جـاره فـي السهلـة أمهل أيضاً ثم كـل المهلـه في هذه السنة أعني سنة سبع وأربعمائة قتلت الشيعة بإفريقية وتتبع من بقي منهم فقتلوا وكـان سببه أن المعز بن باديس ركب في القيروان فاجتاز بجماعة فسأل عنهم فقيل له‏:‏ هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر وعمر فقال المعز رضي الله عن أبي بكر وعمر فثارت بهم الناس وأقاموا الفتنة وقتلوهم طمعاً في النهب‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وأربعمائة

في هذه السنة مات قراخان ملك تركستان وقيل إِن وفاته كانت في سنة ست وأربعمائة ومدينة تركستان كاشغر ولما كان قرا خـان مريضـاً سـارت جيـوش الصيـن مـن الترك والخطابية إِلى بلاده فدعا قرا خان الله تعالى في أن يعافيه ليقاتلهم ثم يفعل به ما شاء فتعافى وجمع العساكر وسار إِليهم وهم زهاء ثلاثمائة ألف خركاة فكبسهم وقتـل منهم زيادة على مائتي ألف رجل وأسر نحو مائة ألف وغنم ما لا يحصى وعاد إِلى بلا ساغون فمات بها عقيب وصوله وكان عادلاً ديناً وما أشبه قصته هذه بقصة سعد بن معاذ الأنصـاري رضـي اللـه عنه في غزوة الخندق لما جرح في وقعة خندق وسأل الله أن يحييه إِلى أن يشاهـد غـزوة بنـي قريظـة فاندمـل جرحه حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل بني قريظة وسبيهم فانتقض جرح سعد ومات رضي الله عنه ولما مات قرا خان واسمه أبو نصر أحمد بن طغان خان علي ملك أخوه أبو المظفر أرسلان خان‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي جمـادى الأولـى توفـي مهـذب الدولـة أبـو الحسـن بـن علي ابن نصر ومولده سنة خمس وثلاثمائة وهو الـذي هـرب إليـه القـادر باللـه وسبـب موتـه أنـه افتصـد فـورم ساعـده واشتد بسبب ذلك به المرض فلما أشرف على الموت وثب ابن أخت مهذب الدولة وهو أبو محمد عبد الله بن يمني فقبض على ابن مهذب الدولة واسمه أحمد فدخلت أمه على مهذب الدولة قبل موته فأعلمته بما جرى على ابنه فقال لها مهذب الدولة أي شيء أقدر أن أعمل وأنا على هذا الحال‏.‏

ومات من الغد ووليٍّ الأمر أبو محمد ابن أخت مهذب الدولة المذكور وضرب ابن مهذب الدولة ضرباً شديداً فمات أحمد بن مهذب الدولة من ذلك الضرب بعد ثلاثة أيام من موت أبيه ثم حصل لأبي محمد ذبحة فمات منها فكان مدة ملكه دون ثلاثة أشهر‏.‏

فولي البطيحة بعده الحسين بن بكر الشرابي وكان من خواص مهذب الدولة ثم قبض عليه سلطان الدولة في سنة ست عشرة وأربعمائة وأرسل سلطان الدولة صدقة بن فارس المازديادي فملك البطيحة‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفـي هـذه السنـة مـات علـي بـن مزيد الأسدي وصار الأمير بعده ابنه دبيس بن علي بن مزيد‏.‏

وفـي هـذه السنـة ضعـف أمـر الديلـم ببغـداد وطمعت فيهم العامة وكثرت العيارون والمفسدون في بغداد ونهبوا الأموال‏.‏

وفيها قدم سلطان الدولة إِلى بغداد وضرب الطبل في أوقات الصلوات الخمس وكان جده عضد الدولة يفعل ذلك في أوقات ثلاث صلوات‏.‏

ثم دخلت سنة تسـع وأربعمائة

في هذه السنة غزا يمين الدولة الهند على عادته فقتل وغنم وفتح وعاد إِلى غزنة مظفراً منصوراً‏.‏

وفيها مات عبد الغنـي بـن سعيـد الحافـظ المصـري صاحـب المؤتلـف والمختلـف‏.‏

وفيهـا توفـي أرسلـان خـان أبـو المظفـر بـن طغان خان علي ولما توفي مَلِكَ بلاد ما وراء النهر قدر خان يوسف ابن بغراخان هارون بن سليمان وتوفي قدر خان المذكور في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم دخلت سنة عشـر وأربعمائـة

وفيهـا توفي وثاب بن سابق النميري صاحب حران وملك بلاده بعده ولده شبيب بن وثاب‏.‏

ثم دخلت سنة إِحدى عشرة وأربعمائة

 موت الحاكم بأمر الله

في هذه السنة لثلاث بقين من شوال فقد الحاكم بأمر الله أبو علي منصور ابن العزيز بالله العلوي صاحـب مصـر وكـان فَـقْده بـأن خـرج يطـوف بالليـل علـى رسمـه وأصبـح عنـد قبـر الفقاعـي وتوجه إِلى شرقي حلوان ومعه ركابيان فأعاد أحدهما مع جماعة من العرب ليوصلهم مـا أطلـق لهم من بيت المال ثم عاد الركابي الآخر وأخبر أنه خلف الحاكم عند العين والمقصبة فخرج جماعة من أصحابه لكشف خبره فوجدوا عند حلوان حمار الحاكم وقد ضربت يده بسيف وعليه سرجه ولجامه وأتبعوا الأثر فوجدوا ثياب الحاكم فعادوا ولم يشكوا في قتله وكان سبب قتله‏:‏ أنه تهدد أخته فاتفقت مع بعض القواد وجهزوا عليه من قتله وكان عمر الحاكم ستاً وثلاثين سنة وتسعة أشهر وولايته خمساً وعشرين سنة وأياماً وكان جواداً بالمال سفاكاً للدماء وكان يصدر عنه أفعال متناقضه يأمر بالشيء ثم ينتهي عنه‏.‏

وولي الخلافة بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي بن منصور الحاكم بأمر الله وبويع له بالخلافة‏.‏

في اليوم السابع من قتل الحاكم وهو إذ ذاك صبي وكتبت الكتب إِلى بلاد مصر والشام بأخذ البيعة له وجمعت عمته أخت الحاكم واسمها ست الملك الناس ووعدتهم وأحسنـت إِليهـم ورتبـت الأمـور وباشـرت تدبيـر الملـك بنفسهـا وقويـت هيبتها عند الناس وعاشت بعد قتل الحاكم أربع سنين وماتت‏.‏

ملك شرف الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة العراق وفي هذه السنة في ذي الحجة شغبت الجند ببغداد على سلطان الدولة فأراد الإنحدار إِلى واسط فقال الجند له‏:‏ إِما أن تجعل عندنا ولدك وإما أخاك مشرف الدولة فاستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق وسار سلطان الدولة عن بغداد إِلى الأهواز واستوزر في طريقه ابن سهلـان فاستوحـش مشـرف الدولـة مـن ذلـك وأرسـل سلطـان الدولـة وزيـره ابـن سهلـان ليخرج أخاه مشرف الدولة من العراق فسار إِليه واقتتلا فانتصر مشرف الدولة وأمسك ابن سهلان وسمله فلما سمع سلطان الدولة بذلك ضعفت نفسه وهرب إِلى الأهواز في أربعمائة فارس واستقر مشرف الدولة بن بهاء الدولة في ملك العراق وقطعت خطبة سلطان الدولة وخطب لمشرف الدولة في أواخر المحرم سنة اثنتي عشرة وأربعمائة‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة في الموصل قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلد على وزيره أبي القاسم المغربي ثم أطلقه فيما بعد وقبض أيضاً على سليمان بن فهد وكان ابن فهد في حداثته بين يدي الصابي ببغداد ثم صعد إِلى الموصل وخدم المقلد ابن المسيب والد قرواش ثم نظر في ضيـاع قرواش فظلم أهلها ثم سخط قرواش عليه وحبسه ثم قتله وهو المذكور في شعر ابن الزمكدم في أبياته وهي‏:‏ سريت ونومي فيـه نـوم مشـردٍ كعَقـلِ سليمَـانَ بـن فهـد ودينـهِ علـي أولق فيه التفات كأنه أبـو جابـر فـي خطبـهِ وجنونهِ إِلـى أن بـدا نـور الصبـاح كأنـه سنا وجه قرواش وضوء جبينه وكان من حديث هذه الأبيات أن قرواشاً جلس في مجلس شرابه في ليلة شاتية وكان عنده المذكورون وهم البرقعيدي وكان مغنياً لقرواش وسليمان بن فهد الوزيـر المذكـور وأبـو جابـر وكان حاجبـاً لقـرواش فأمـر قـرواش الزمكـدم أن يهجـو المذكوريـن ويمدحـه فقـال هـذه الأبيـات البديهية‏.‏

وفيها اجتمع غريب بن معن ودبيس بن علي بن مزيد وأتاهم عسكر من بغداد وجرى بينهم وبين قرواش قتال فانهزم قرواش وامتدت يد نواب السلطان إِلى أعماله فأرسل قرواش يسأل الصفح عنه‏.‏

وفيها على ما حكاه ابن الأثير في حوادث هذه السنة في ربيع الآخر نشأت سحابة بإفريقية شديدة البرق والرعد فأمطرت حجارة كثيرة وهلك كل من أصابته‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

فيها مات صدقة بن فارس المازياري أمير البطيحة وضمنها أبو نصر شيرزاد بن الحسن بن مروان واستقر فيها وأمنت به الطرق‏.‏

وفيها توفي علي بن هلال المعروف بابن البواب المشهور بجودة الخط وقيل كان موته سنة ثلاث عشرة وكان عنده علـم وكـان يقـص بجامع المدينة ببغداد ويقال له ابن الستري أيضاً لأن أباه كان بواباً والبواب يلازم ستر الباب فلهذا نسب إِليه أيضاً وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد بن علي القارئ الكاتب البزار البغدادي‏.‏

وتوفي ابن البواب ببغداد ودفن بجوار أحمد بن حنبل‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو عبـد الرحمـن محمـد بـن الحسين السلمي الصوفي صاحب طبقات الصوفية‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الرحمن الفقيه البغدادي المعروف بصريع الدلاء قتيل الغواشي ذي الرقاعتين الشاعر المشهور وله قصيدة في المجون فمنها قوله‏:‏ وليس يخرا فـي الفـراش عاقـلٌ والفرش لا ينكر فيها من فسى من فاتـه العلـم وأخطـاه الغنـى فذاك والكلب على حال سوا وقدم مصر في السنة التي توفي فيها ومدح الظاهر لإعزاز دين الله‏.‏

أخبار اليمن من تاريخ اليمن لعمارة قال‏:‏ وفي هذه السنة أعني سنة اثنتي عشرة وأربعمائة استولى نجاح على اليمن حسبما سبقت الإشارة إليه في سنة ثلاث ومائتين ونجاح المذكور مولى مرجان ومرجـان مولى حسين بن سلامة وحسين مولى رشد ورشد مولى زياد وكان لنجاح عدة من الأولـاد منهـم‏:‏ سعيـد الأحـول وجيـاش ومعـارك وغيرهـم وبقـي نجـاح فـي ملك اليمن حتى توفي في سنـة اثنتيـن وخمسيـن وأربعمائـة‏.‏

قيـل إن الصليحـي أهـدى إليه جارية جميلة فسمت نجاحاً ومات بالسم‏.‏

ثـم ملـك بعـد نجـاح بنـوه وكبيرهـم سعيـد الأحـول بـن نجاح وبقي الأمر فيهم بعد موت نجاح سنتين وغلـب عليهـم الصليحـي علـى مـا سنذكـره فـي سنـة خمـس وخمسيـن وأربعمائـة فهرب بنو نجاح إِلى دهلك وجزائرها ثم افترقوا منها فقدم جياش متنكراً إِلى زبيد وأخذ منها وديعة كانت له ثم عـاد إِلـى دهلـك مـدة ملـك الصليحي‏.‏

وأما سعيد الأحوال فقدم إِلى زبيد أيضاً بعد عود أخيه جياش عنها واستتر بها وأرسل واستدعى جياشاً من دهلك وبشره بانقضاء ملك الصليحي وأن ذلك قد قرب أوانه فقدم جياش إِلى زبيد في اليوم التاسع من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة وقصدا الصليحي وكان الصليحي قد سار إِلى الحج فلحقاه عند أم الدهيم وبير أم معبد وبغتاه وقتلاه في ثاني عشر ذي القعدة من السنة المذكورة ومعه عسكر كثير فلم يشعروا إِلا بقتل الصليحي وكذلك قتل مع الصليحي أخوه عبد الله بن محمد وحز سعيد رأس الصليحي ورأس أخيه عبد الله واحتاط على امرأة الصليحي وهي أسماء بنت شهاب وسار عائداً إِلـى زبيـد وكـان لأسمـاء ابـن يقـال لـه الملـك المكـرم وكـان مالكـاً بعـض حصـون اليمـن ودخـل سعيـد بـن نجـاح وأخـوه جيـاش زبيـد فـي أواخـر سنـة ثلاث وسبعين وأربعمائة والرأسان قدامهما أمام هودج أسماء بنت شهاب وأنزل سعيد أسماء بدار في زبيد ونصب الرأسين قبالتها واستوسق الأمر بتهامة لسعيد بن نجاح واستمرت أسماء مأسورة إِلى سنـة خمس وسبعين وأربعمائة فأرسلت أسماء بالخفية كتاباً إِلى ابنها المكرم تستوحيه فجمع المكرم واسمـه أحمـد بـن علـي الصليحي جموعاً وسار من الجبال إِلى زبيد وجرى بينه وبين سعيد بن نجاح قتال شديد فانتصر الملك المكرم وهرب سعيد ومن سلـم معـه إِلـى دهلـك واستولـى المكرم على زبيد وأنزل رأسي الصليحي وأخيه ودفنهما وبنى عليهما مشهداً وولى المكرم على زبيد خاله أسعد بن شهاب وماتت أسماء المذكورة بعد ذلك في صنعاء سنة سبع وسبعين وأربعمائة‏.‏

ثـم عـاد بنـو نجـاح مـن دهلـك وملكـوا زبيـد وأخرجـوا أسعـد بـن شهـاب منهـا فـي سنـة تسع وسبعين وأربعمائة ثم غلب عليهم الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي وملك زبيد وقتل سعيد بن نجـاح فـي سنـة إحـدى وثمانيـن وأربعمائـة وقيـل سنـة ثمانين ونصب رأسه مدة ولما قتل سعيد في السنة المذكورة هرب أخوه جياش إِلى الهند وأقام جياش في الهند ستة أشهر ثم عاد إِلى زبيد فملكها في بقايا سنة إِحدى وثمانين المذكورة وكان قد اشترى من الهند جارية هندية فأقدمها معه وهي حبلى منه فلما حصل في زبيد ولدت له ابنه الفاتك بمن جياش وبقي المكـرم فـي الجبـال يوقـع الغـارات علـى بلـاد جياش ولم يبق له من القدرة على غير ذلك‏.‏

ولم يزل جيـاش مالكـاً لتهامـة مـن اليمن من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة إِلى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة فمات في أواخرها وقيل إِن موته كان في سنة خمسمائة وترك عدة أولاد منهم‏:‏ الفاتك ابن الهندية ومنصور وإبراهيم فتولى بعده ابنه فاتك بن جياش وخالف عليه أخوه إبراهيم ثم مات فاتك في سنة ثلاث وخمسمائة وخلف ولده منصوراً فاجتمعت عليه عبيد أبيه فاتك وملكـوه وهـو دون البلـوغ فقصـده عمـه إِبراهيم وقاتله فلم يظفر إِبراهيم بطائل وثار في زبيد عم الصبي عبد الواحد بن جياش وملك زبيد فاجتمع عبيد فاتك على منصور واستنجـدوا وقصدوا زبيد وقهروا عبد الواحد واستقر منصور بن فاتك في الملك بزبيد ثم ملك بعد منصـور بـن فاتـك ولـده فاتـك بـن منصور بن فاتك‏.‏

ثم ملك بعد فاتك الأخير المذكور ابن عمه واسمـه أيضـاً فاتـك بـن محمـد بن فاتك بن جياش بن نجاح مولى مرجان في سنة إِحدى وثلاثين وخمسمائة واستقر فاتك بن محمد المذكور في ملك اليمن من السنة المذكورة حتى قتله عبيد في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وهو آخر ملوك اليمن من بني نجاح‏.‏

ثم تغلب على اليمن في سنة أربع وخمسين وخمسمائة علي بن مهدي على ما سنذكره إِن شاء الله‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وأربعمائة

فيها كان الصلح بين مشـرف الدولـة وأخيـه سلطـان الدولة واستقر الحـال علـى أن يكـون العـراق جميعـه لمشـرف الدولـة وكرمـان وفـارس لسلطـان الدولـة‏.‏

وفيهـا استـوزر مشـرف الدولـة أبـا الحسـن بـن الحسـن الرخجـي ولقـب مؤيـد الملك وامتدحه المهيار وغيره من الشعراء وبنى مارستان بواسط وجعل عليه وقوفاً عظيمة وكان يسأل في الوزارة ويمتنع فألزمه مشرف الدولة بها في هذه السنة‏.‏

وفيها توفي علي بن عيسى السكري‏.‏

شاعر السنة وسمي بذلك لإكثاره من مدح الصحابة ومناقضته شعراء الشيعة وفيها توفي عبد الله بن المعلم فقيه الإمامية ورثاه المرتضى‏.‏

ثم دخلت سنة أربـع عشرة وأربعمائة

في هذه السنة استولى علاء الدولة أبو جعفر بن كاكوية على همذان وأخذها من صاحبها سماء الدولة أبي الحسن بن شمس الدولة من بني بويه ولما ملك علاء الدولة همذان سار إِلى الدينور فملكها ثم ملك شابور خواشت أيضاً وقْويـت هيبتـه وضبـط المملكـة‏.‏

وفـي هـذه السنـة قبـض مشرف الدولة على وزيره الرخجي واستوزر أبا القاسم المغربي واسمه الحسين الذي تقدم ذكره أنه كان وزير القرواش وكان أبوه من أصحاب سيـف الدولـة بـن حمـدان وسـار إِلى مصر وولد له أبو القاسم المذكور بها سنة سبعين وثلاثمائة ثم قتل الحاكم أباه فهرب أبو القاسم إِلى الشام وتنقْل في الخدم‏.‏

وفـي هـذه السنـة غـزا يميـن الدولـة محمـود بلـاد الهنـد وأوغـل فيـه وفتـح وغنـم وعـاد سالمـاً‏.‏

وفـي هـذه السنة توفي القاضي عبد الجبـار وقـد جـاوز التسعيـن وكـان متكلمـاً معتزليـاً ولـه تصانيـف مشهورة في علم الكلام‏.‏

ثم دخلت سنة خمس عشرة وأربعمائة

وفاة سلطان الدولة

في هذه السنة في شوال توفي الملك سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة بشيراز وعمره اثنتان وعشرون سنة وأشهر‏.‏

فاستولى أخوه قوّام الدولة أبو الفوارس بن بهاء الدولة ملك كرمان على مملكة فارس وكان أبو كاليجار بن سلطان الدولة بالأهواز فسار إِلى عمه واقتتلا فانهزم عمه أبو الفوارس واستولى أبو كاليجار بن سلطان الدولة على شيراز وسائر مملكة أبيه بفارس ثـم أخرجـه عمـه أبـو الفوارس عنها ثم عاد أبو كاليجار فملكها ثانياً وهزم عمه قوّام الدولة وملك شيراز واستفر في ملك أبيه‏.‏

وفيها توفي علي بن عبيد الله بن عبد الغفار السمساني اللغوي كان فيمن يعلم اللغة وكتب الأدب التي عليها خطه مرغوب فيها‏.‏

ثم دخلت سنة سـت عشـرة وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة عـاد أيضاً يمين الدولة إِلى غزو بلاد الهند وأوغل فيه وفتح مدينة الصنم المسمى بسومنات وهذا الصنم كان أعظم أصنام الهند وهم يحجـون إِليه وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف ضيعة وقد اجتمع في بيت الصنم من الجواهر والذهب ما لا يحصى فقتل يمين الدولة فيها من الهنود ما لا يحصى وغنم تلك الأموال وأوقد على الصنم ناراً حتى قدر على كسره من صلابة حجره وكان طوله خمسة أذرع منها ثلاثة بارزة وذراعان في البناء وأخذ بعض الصنم معه إِلى غزنـة وجعلـه عتبـة للجامع‏.‏

وفاة مشرف الدولة

وفي هذه السنة في ربيع الأول توفي مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة وعمره ثلاث وعشرون سنة وأشهر وملكه خمس سنين وخمسة وعشرون يوماً وكان عادلاً حسن السيرة‏.‏

وفيهـا قتـل علي بن محمد التهامي الشاعر المشهور صاحب المرثية المشهورة التي عملها في ولد صغير له مات التي منها‏:‏ حكم المنية فـي البريـةِ جـاري ما هذه الدنيا بدار قرارِ طُبعتْ على كَدر وأنتَ تُريدها صفـواً من الأقذاء والأكدارِ ووصـل التهامـي المذكـور إِلـى القاهـرة متخفيـاً ومعـه كتـب مـن حسـان بـن مفرج ابن دغفل البـدوي إلـى بنـي قـرة فعلـم بأمـره وحبـس فـي خزانـة البنـود ثم قتل بها محبوساً في التاريخ المذكور والتهامي منسوب إِلى تهامة وهي تطلق على مكة ولذلك قيل للنبي صلى الله عليه وسلم تهامي لأنه منها وتطلق على البلاد التي بين الحجاز وأطراف اليمن‏.‏

ثم دخلت سنة سبـع عشـرة وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة تسلـط الأتـراك فـي بغـداد فأكثروا مصادرات النـاس وعظـم الخطـب وزاد الشـر ودخـل فـي الطمـع العامـة والعيارون وذلك بسبب موت شـرف الدولـة وخلـو بغـداد مـن سلطـان‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو بكـر عبـد اللـه بـن أحمـد بـن عبـد اللـه الفقيه الشافعـي المعـروف بالقفـال وعمـره تسعـون سنـة وله التصانيف النافعة وكان يعمل الأقفال ماهراً في عملها واشتغل على كبر وفاق أهل زمانه يقال كان عمره لما ابتدأ بالاشتغال ثلاثين سنـة وأبـو بكـر القفال المذكور غير أبي بكر القفال الشاشي المقدم ذكره في سنة خمس وستين وثلاثمائة والقفال المذكور اسمه عبد الله وكنيتـه أبـو بكـر وأمـا القفـال الشاشـي المقـدم الذكـر اسمه وكنيته أبو بكر‏.‏

ثم دخلت سنة ثماني عشرة وأربعمائة

ملك جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة بغداد في هذه السنة سار جلال الدولة من البصرة إِلى بغداد وكان قد استدعاه الجند بأمر الخليفة لما حصل من النهب والفتن ببغداد لخلوها من السلطان فدخلها ثالث رمضان وخرج الخليفة القادر لملتقاه وحلفه واستوثق منه واستقر جلال الدولة في ملك بغداد‏.‏

وفي هذه السنة توفي الوزير أبو القاسم الغربي الذي تقدم ذكره وعمره ست وأربعون سنة‏.‏

وفيها سقط بالعراق بَرَدٌ كبار وزن البَرَدة رطل ورطلان بالبغدادي وأصغره كالبيضة‏.‏

وفيها نقضـت الـدار التـي بناها معز الدولة بن بويه ببغداد وكان قد غرم عليها ألف ألف دينار وبذل في حكاكة سقف منها ثمانية آلاف دينار‏.‏

وفي هـذه السنـة أعنـي سنـة ثمانـي عشـرة وأربعمائـة توفـي الأستـاذ أبـو إسحـاق إِبراهيـم بـن محمـد بـن إِبراهيم بن مروان الاسفرائيني ويلقب ركن الدين الفقيه الشافعي المتكلم الأصولي أخذ عنه الكلام عامة شيوخ نيسابور وأقر أهل خراسان له بالعلم وله التصانيف الجليلة في الأصول والرد‏.‏

على الملحدين وهو أحد من بلغ حد الاجتهاد من العلماء لتبحره في العلوم واختلف إِلى مجلسه أبو القاسم القشيري وأكثر الحافظ أبو بكر البهيقي الرواية عنه‏.‏

وفيهـا توفـي أبو القاسم بن طباطبا الشريف وله شعر جيد واسمه أحمد بن محمد بن إِسماعيل بـن إِبراهيـم طباطبـا بـن إِسماعيـل بـن إِبراهيـم بـن الحسـن بـن الحسـن ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نقيب الطالبيين بمصر وكان من أكابر رؤسائها وطباطبا لقب جده لقّب بذلك لأنه كان يلثغ فيجعل القاف طاء طلب يوماً قماشه فقال غلامه‏:‏ أجيب دراعة فقال‏:‏ لا طباطبا يريد قباقيا فبقي عليه لقباً ومن شعره‏:‏ كأن نجوم الليل سارتْ نهارها فوافت عشاء وهي أنضاء أسفارِ وقد خيمتْ كي تستريح ركابها فلا فلكُ جارٍ ولا كوكب ساري

ثم دخلت سنة تسـع عشـرة وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة فـي ذي القعـدة توفـي قـوام الدولـة أبـو الفـوارس بن بهاء الدولة صاحب كرمـان فسـار ابـن أخيـه أبـو كاليجـار ابـن سلطـان الدولـة صاحـب فارس إِلى كرمان واستولى عليها بغير حرب‏.‏

ثم دخلت سنة عشريـن وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة استولى يمين الدولة محمود بن سبكتكين على الـري وقبـض على مجد الدولة بن فخر الدولة علي بن ركن الدولة حسن بن بويه صاحب الري وكان سبب ذلك أن مجد الدولة اشتغل عن تدبير المملكة بمعاشرة النساء ومطالعـة الكتـب فشغبت عليه جنده فبعث يشكو جنده إِلى يمين الدولة محمود وعلم محمود بعجزه فبعث إِليه عسكـراً قبضـوا علـى مجـد الدولـة واستولـى علـى الـري‏.‏

وفـي هـذه السنـة كـان قتـل صالـح بـن مرداس أمير بني كلـاب صاحـب حلـب علـى مـا سبـق ذكـره فـي سنـة اثنتيـن وأربعمائـة وفـي هـذه السنـة توفـي

ثم دخلت سنة إِحدى وعشرين وأربعمائة

وفاة السلطان محمود

وفي هذه السنة في ربيع الآخر توفي محمود بن سبكتكين ومولده في عاشورا سنة ستين وثلاثمائة وكان مرضه إِسهالاً وسوء مزاج وبقي كذلك نحو سنتين وكان قوي النفس فلم يضع جنبه في مرضه بل كان يستند إِلى مخدته حتى مات كذلك وأوصى بالملك لابنه محمد بن محمود وكان أصغر من مسعود فقعد محمد في الملك وكان أخوه مسعود بأصفهان فسار نحو أخيه محمد فاتفق أكابر العسكر وقضوا على محمد وحضر مسعود فتسلـم المملكـة واستقـر فيها وأطلق أخاه محمداً وأحسن إِليه‏.‏

ثم قبض مسعود على القواد الذين قبضوا أخاه محمداً وسعوا لمسعود في المملكة‏.‏

وهذا عاقبة غدرهم‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة

في هذه السنة سير السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين عسكراً فاستولى على التيز ومكران‏.‏

ملك الروم مدينة الرها

وكانت الرها لعطير من بني نمير فاستولى أبو نصر بن مروان صاحب ديار بكر على حران وجهـز مـن قتـل عطيـراً صاحـب الرهـا فأرسـل صالـح بـن مرداس يشفع إلى أبي نصر بن مروان في أن يـرد الرهـا إِلـى ابن عطير ابن والي شيل بينهما نصفين فقبل شفاعته وسلمها إِليهما في سنة ست عشرة وأربعمائة وبقيت المدينة معهما إلى هذه السنة فراسل ابن عطير أرمانوس ملك الروم وباعه حصته من الرها بعشرين ألف دينار وعدة قرى وحضر الروم وتسلموا برج ابن عطير فهرب أصحاب ابن شبل واستولى الروم على البلد وقتلوا المسلمين وخربوا المساجد‏.‏

وفاة القادر باللّه