الفصل الثامن: خلافة القائم بأمر الله

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

خلافة القائم بأمر اللّه

وهو سادس عشرينهم فـي هـذه السنـة فـي ذي الحجـة توفي القادر بالله أبو العباس أحمد بن الأمير إِسحاق بن المقتدر وعمره ست وثمانون سنة وعشرة أشهر وخلافته إِحدى وأربعون سنة وشهر ولما مات القادر باللـه جلـس فـي الخلافـة ابنـه القائـم بأمـر اللـه أبـو جعفر عبد الله بن القادر وكان أبوه قد عهد إِليه وبايع له بالخلافة فجددت البيعة وأرسل القائم أبا الحسن الماوردي إلى الملك أبي كاليجـار

فأخذ البيعة عليه للقائم وخطب له في بلاده‏.‏

ملك الروم قلعة فامية

في هذه السنة سارت الروم ومعهم حسان بن مفرج الطائي وهو مسلم وكان قد هرب إليهم حيـن انهـزم على الأدرن من عسكر الظاهر العلوي فسار مع الروم إلى الشام وعلى رأس حسان المذكور علم فيه صليب ووصلوا إلى فامية فكبسوها وغنموا ما فيها وملكوا قلعتها وأسروا وسبوا‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

فيها شغبت الجند ببغداد على جلال الدولة ونهبوا داره وأخرجوه من بغداد وكتبوا إلى الملك أبي كاليجار يستدعونه إلى بغداد فتأخر وكان قد خرج جلال الدولة إلى عكبـرا ثـم وقـع الاتفـاق وعـاد جلـال الدولـة إلـى بغـداد‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي قدر خان يوسف بن بغراخان هروبن بن سليمان وصح بلاد التيرة من الكفر وكان قد ملك بلاد ما وراء النهر في سنة تسع وأربعمائة ولما مات قدر خان ملك بعده ابنه عمر بن قدر خان‏.‏

ثم دخلت سنة أربـع وعشريـن وأربعمائـة

فيهـا قبض مسعود بن محمود على شهر يوش صاحب ساوه وقم وتلك النواحي وكان قد كثر أفاه على حجاج خراسان وغيرهم فأرسل مسعود عسكراً إليه فقبضوا عليه وأمر به فصلب على سور ساوة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الحسين الميمندي وزير السلطان محمود وأبيه مسعود أقول‏:‏ ينبغي تحقيق ذلك‏.‏

فإنه ورد أن محموداً قتل وزيره المذعور فيتأمل ذلك‏.‏

وفيها توفي القاضي ابن السماك وعمره خمس وتسعون سنة‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وعشرين أربعمائة

فيها فتح الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين قلعة سرستي وما جاورها من بلاد الهند وكانت حصينة وقصدها أبـوه مـراراً فلـم يقـدر علـى فتحها فطم مسعود خندقها بالشجر والقصب السكر وفتحها الله عليه فقتل أهلهـا وسبـى ذراريهم‏.‏

وفيها توفي بدران بن المقلد صاحب نصيبين فقصد ولده قريش عمه قرواشاً فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين واستقر قريش بها‏.‏

ثم دخلت سنة ست وعشرين وأربعمائة

فيها انحل أمر الخلافة والسلطنة ببغداد وعظم أمر العيارين وصاروا يأخذون أموال الناس ليلا ونهاراً ولا مانع لهم والسلطان جلال الدولة عاجز عنهم لعدم امتثال أمره والخليفة أعجز منه وانتشرت العرب في البلاد فنهبوا النواحي وقطعوا الطريق‏.‏

وفيها وصلت الروم إلى ولاية حلب فخرج إليهم صاحبها شبل الدولة بن صالح ابن مرداس وتصاففوا واقتتلوا فانهزمت الروم وتبعهم إلى إعزاز وغنم منهم وقتل‏.‏

وفيهـا قصـدت خفاجـة الكوفـة فنهبوهـا‏.‏

وفيهـا توفـي أحمد بن كليب الشاعر وكان يهوى أسلم بن أحمد بن سعيد فمات كمداً في هواه فمن قوله فيه‏:‏

وأسلمني في هوا

**

هـ أسلم هذا الرشا

غـزال له مقلة

**

يصيب بها مـن يشـا

وشى بيننا حاسد

**

سيسأل عما وشى

ثم دخلت سنة سبع وعشرين وأربعمائة

وفاة الظاهر

صاحب مصر فـي هذه السنة منتصف شعبان توفي الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي ابن الحاكم أبي علـي منصور العلوي بمصر وعمره ثلاث وثلاثون سنة وكانت خلافته خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وأياماً وكان له مصر والشام والخطبة بإفريقية‏.‏

وكان جميل السيرة منصفاً للرعيـة ولمـا مات ولى بعده ابنه أبو تميم معد ولقب بالمستنصر بالله ومولده سنة عشرين وأربعمائة وهذا المستنصـر هـو الـذي خطـب له ببغداد على ما سنذكره في سنة خمسين وأربعمائة إن شاء الله تعالى وهو الذي وصل إليه الحسن بن الصباح الإسماعيلي وخاطبه في إقامة دعوته بخراسان وبلاد العجم وقال له‏:‏ إن فقدت فمن الإمام بعدك فقال المستنصر‏:‏ ابني نزار‏.‏

فتح السويداء

كان الروم قد أحدثوا عمارتها واجتمع إليها أهل القرى المجاورة لها فسار إليها ابن وثاب وابن عطية مع عسكر كثيف من عند نصر الدولة بن مروان وفتحوا السويداء عنوة‏.‏

مقتل يحيى الإدريسي

فـي هـذه السنة أعني سنة سبع وعشرين وأربعمائة قتل يحيى بن علي بن حمود حسبما تقدم في سنة سبع وأربعمائة ولما قتل يحيى تولى بعده أخوه إدريس بن علي بن حمود وتلقب بالمتأيد واستقـر بمالقـة حتـى توفـي فـي سنـة إحـدى وثلاثيـن وأربعمائـة ثـم ملـك بعـده أخـوه القاسـم بـن محمد ابن عم إدريس المذكور وبقي القاسم مدة ثم ترك الملك وتزهد فملك بعده الحسن بن يحيـى ابـن علـي بـن حمـود وتلقـب الحسـن المذكـور بالمستنصـر وبقـي فـي الملـك حتـى توفـي ولـم يقـع لي تاريخ وفاته ثم ملك بعد الحسن المذكور أخوه إدريس بن يحيى وتلقب بالعالي وكان العالي المذكور فاسد التدبير وكان يدخل الأراذل على حريمه ولا يخببهن منهم وسلك نحو ذلك من السلـوك فخلعـه النـاس وبايعـوا ابـن عمه محمد بن إدريس بن علي بن حمود فاستقر محمد المذكور في الملك وتلقب بالمهدي وأسمك ابن عمه العالي وسجنه وبقي محمد المهدي المذكور حتى توفي في سنة خمس وأربعين وأربعمائة‏.‏

وكان المهدي المذكور آخر من ملك منهم تلك البلاد وانقرضت دولتهم في السنة المذكورة أعني سنة خمس وأربعين وأربعمائة وقيل بل إن العامة أخرجوا العالي بعد موت محمد المهدي وملكوه فلما مات انقرضت دولتهم وفي أيـام خلافـة المهدي محمد بن إدريس المذكور قام من بني عمه شخص اسمه محمد بن القاسم بن حمود بالجزيرة الخضراء وتلقب محمد بن القاسم المذكور بالمهـدي أيضـاً واجتمعـت عليـه البرابـر ثـم افترقوا عنه فمات بعد أيام يسيره وقيل مات غماً ولما مات محمد بن القاسم المذكور بن حمود وهو آخر من ملك منهم الجزيرة الخضراء انقرضت ملوكهم‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وعشرين وأربعمائة توفي رافع بن الحسين بن معن وكان حازماً شجاعاً وكانت يده مقطوعة قطعت غلطاً في عربدة على الشرب وله شعر حسن فمنه‏:‏ لها ريقة أستغفر الله إنها ألذ وأشهى في النفوس من الخمر وصارم طـرف لا يزايـل جفنـه ولم أر سيفاً قط في جفنه يفري فقلت لها والعين تحدج بالضحى أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر أليـس من الخسران أن لياليا تمر بلا وصل وتحسب من عمري وفيهـا وقيـل فـي سنـة سبـع وثلاثيـن وأربعمائـة توفـي أبـو إسحـاق الشيـخ أحمـد بن محمد بن إبراهيم الثعلبـي ويقـال الثعالبـي وكـان أوحـد زمانـه في علم التفسير وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء عليهم السلام وله غير ذلك وروى عن جماعة وهو صحيح النقل‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

فيها توفي أبو القاسم علي بن الحسين بن مكرم صاحب عمان وقام ابنه مقامه‏.‏

وفيها توفي مهيار الشاعر وكان مجوسياً فأسلم سنة أربع وتسعيـن وثلاثمائة وصحب الشريف الرضي فقال له أبو القاسم بن برهان‏:‏ يا مهيار قد انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية فقال‏:‏ كيف‏.‏

قال‏:‏ لأنك كنت مجوسياً فصرت تسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شعرك فمن شعره من جملة قصيدة يذم فيها العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ما برحت مظلمة دنياكـم حتى أضاء كوكب في هاشـم نبلتم بـه وكنتـم قبلـه سـراً يموت في ضلوع كاتم ثم قضى مسلماً من ريبه فلـم يكـن مـن غدركـم بسالم نقضتـم عهـوده فـي أهله وجزتم عن سنن المراسم وقـد شهدتـم مقتـل ابن عمه خير مصل بعـده وصائـم وما استحل باغياً إمامكم يزيـد بألطف من ابن فاطم وها إلى اليـوم الظبـاء خاضبـة من دمهم مناسر القشاعم وأشعار مهيار المذكور مشهورة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن محمد ابن أحمد القدوري الحنفـي ولـد سنـة اثنتين وستين وثلاثمائة انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بالعراق وارتفع جاهه وصنف كتابه المسمى بالقدوري المشهور ونسبته إلى القدور جمع قدر قال القاضي شمـس الديـن ابـن خلكـان‏:‏ ولا أعلـم وجـه نسبتـه إليهـا‏.‏

وفيها توفي الشيخ الرئيس أبو علي الحسن بن عبد الله بن سينا البخاري وكان والده من أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى في أيام الأمير نوح ابن منصور الساماني ثم تزوج امرأة بقرية أفشنة وقطن بها وولد له الشيخ الرئيس وأخوه بهاء وختم الرئيس القرآن وهو ابن عشر سنين وقرأ الحكمة على أبي عبد الله الناتلي وحل إقليـدس والمجسطـي واشتغـل فـي الطـب وأتقـن ذلـك كلـه وهـو ابـن ثمـان عشـرة سنـة وكـان ببخـارى ثم انتقل منها إلى كركنج وهي بالعربي الجرجانية ثم انتقل إلى أماكن شتى حتى أتى إلى جورجان فاتصل به أبو عبد الله الجورجاني أكبر أصحاب الشيخ الرئيس المذكور ثـم انتقـل إلـى الـري واتصـل بخدمـة مجـد الدولـة ابـن فخر الدولة أبي الحسن علي بن ركن الدولة حسن بن بويه ثم خدم شمس المعالي قابوس بن وشمكير ثم فارقه وقصد علاء الدولة بن كاكويه بأصفهـان وخدمـه وتقـدم عنـده ثـم إن الرئيـس المذكـور مـرض بالصـرع والقولنـج وتـرك الحميـة ومضى إلى همذان وهو مريض ومات بهمذان في هذه السنة وكان عمره ثمانياً وخمسين سنة ومصنفاته وفضائله مشهورة وقد كفر الغزالي ابن سينا المذكور وصرح الغزالي بذلك في كتابه الموسوم بالمنقذ من الضلال وكذلك كفر أبا نصر الفارابي ومن الناس من يرى رجوع ابن سينا إلى الشرائع واعتقادها وحكى الرئيس أبو علي المذكور في المقالة الأولى من الفن الخامس من طبيعيـات الشفـاء قـال‏:‏ وقـد صـح عنـدي بالتواتـر مـا كـان ببلاد جورجان في زماننا من أمر حديد لعله يزن مائة وخمسين منا نزل من الهواء فنشب في الأرض‏.‏

ثم نبا نبوة الكرة التي يرمى بها الحائط ثم عاد فنشب في الأرض وسمع الناس لذلك صوتاً عظيماً هائلاً فلما تفقدوا أمره ظفروا به وحملوه إلي وإلى جورجان ثم كاتبه سلطان خراسان محمود ابن سبكتكين يرسم بإنفاذه أو إنفاذ قطعة منه فتعذر نقله لثقله فحاولوا كسر قطعة منه فما كانت الآلات تعمـل فيه إلا بجهد وكانت كل آلة تعمل فيه تنكسر لكنهم فصلوا منه آخر الأمر شيئا فأنفذوه إليه ورام أن يطبـع منـه سيفـاً فتعـذر عليـه وحكـى أن جملـة ذاك الجوهـر كـان ملتئماً من أجزاء جاورشية صغار مستديرة التصق بعضها ببعض قال‏:‏ وهذا الفقيه عبد الواحد الجورجانـي صاحبـي شاهـد ذلـك كلـه‏.‏

ثم دخلت سنة تسـع وعشريـن وأربعمائـة

فيها قتل شبل الدولة نصر بـن صالـح بـن مـرداس صاحـب حلب في قتاله لعسكر مصر الذين كان مقدمهم الدزيري على ما قدمنا ذكره في سنة اثنتين وأربعمائة وفيها هادن المستنصر بالله العلوي ملك الروم على أن يطلق خمسة آلاف أسير ليمكن من عمارة قمامة التي كان قد خربها الحاكم في أيام خلافته فأطلـق الأسـرى وأرسـل مـن عمـر قمامـة وأخـرج ملـك الـروم عليهـا أمـوالاً عظيمة جليلة‏.‏

وفيها توفي أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري صاحب التواليف المشهورة وكان إمام وقته ومن جملة تواليفه المشهورة‏:‏ يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر وكان مولده

ثم دخلت سنة ثلاثيـن وأربعمائـة

فيهـا توفـي أبـو علـي الحسيـن الرخجـي وزيـر ملـوك بنـي بويـه ثـم تـرك الـوزارة وكـان فـي عطلتـه يتقـدم علـى الـوزراء‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو الفتـوح الحسـن بن جعفر العلوي أمير مكـة‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو نعيـم أحمـد بـن عبـد اللـه الأصفهانـي الحافظ والفضل بن منصور بن الطريف الفارقـي الأمير الشاعر وله ديوان حسن‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة

فيها ملك الملك أبو كاليجار البصرة‏.‏

أخبار عمان

لمـا توفـي أبـو القاسـم بـن مكـرم صاحـب عمـان ولـي بعـده ابنـه أبو الجيش وقد صاحب جيش أبيه علي بن هطال وكان أبو الجيش يحترم ابن هطال ويقوم له إذا حضر وكان لأبي الجيش أخ يقال له المهذب ينكر على أخيه أبي ابن الجيش قيامه لابن هطال وإكرامه فعمل ابن هطال دعوة للمهذب فلما عمل السكر في المهذب حدثه ابن هطال وقـال لـه‏:‏ إن قمـت معـك وملكتـك وأخرجت أخـاك أبـا الجيـش مـا تعطينـي فبـذل المهـذب لـه الإقطاعـات الجليلـة والمبالغـة فـي الإكرام فطلب ابن هطال خطه بذلك فكتبه المهذب وأصبح ابن هطال فاجتمع بأبي الجيش وعرفه أن أخاه المهذب يسعى في أخذ الملك منه وقال‏:‏ قد رغبني وكتب خطه لي وأخرج الخـط فأمـر أبـو الجيـش بالقبض على أخيه المهذب ثم قتله وبعد ذلك بقليل مات أبو الجيش وله أخ صغيـر يقـال لـه أبـو محمـد فطلبه ابن هطال من أمه ليجعله في الملك فلم تسلمه إليه‏.‏

وقالت‏:‏ ولدي غير ما يصلح أفتصل أنت بالملك فاستولى ابن هطال على عمان وأساء السيرة وبلغ ذلك الملك أبا كاليجار فأعظمه وأرسل جيشاً إلى عمان وخرجت الناس عن طاعة علي بن هطال فقتله خادم له وفراش واستفر الأمر لأبي محمد بن أبي القاسم بن مكرم في هذه السنة‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفي شبيب بن وثاب النميري صاحب الرقة وسروج وحران وفيها توفي أبو نصر موسكان كاتب إنشاء مسعود وولده محمود بن سبكتكين وكان من الكتاب المفلقين

ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة

ابتداء الدولة السلجوقية وسياقة أخبارهم متتابعة في هذه السنة توطد ملك طغريل بك وأخيه داود ابني ميكائيل بن سلجوق ابن دقاق وكان جدهم دقاق رجلاً شهماً من مقدمي الأتراك وولد له سلجوق فانتشأ وظهرت عليه إمارات النجابة فقدمه يبغو ملك الترك إذ ذاك وقوى أمره وصـار لـه جماعـة كثيـرة فتغيـر يبغـو عليـه فخاف سلجوق منه فسار بجماعته وبكل من يطيعه من دار الكفر إلى دار الإسلام وذلك لما قـدره الله تعالى من سعادته وسعادة ولده وأقام بنواحي جند وهي بليدة وراء بخارى - بجيم مفتوحـة ونـون ساكنـة ودال مهملـة - وصـار يغـزو التـرك الكفـار وكـان لسلجـوق من الأولاد‏:‏

أرسلان وميكائيل وموسى‏.‏

وتوفي سلجوق بجند وعمره مائة وسبع سنين وبقي أولاده على مـا كـان عليـه أبوهم من غزو كفار الترك فقتل ميكائيل في الغزاة شهيداً وخلف من الأولاد يبغو وطغريل بك وجغروبك داود ثم ارتحلوا ونزلوا على فرسخين من بخارى فأساء أمير بخارى جوارهم فالتجأوا إلى بغراخان ملك تركستان واستقر الأمر بين طغريل بك وأخيه داود أن لا يجتمعا عند بغراخان بل إذا حضر أحدهما أقـام الآخـر فـي البيـوت خوفـاً مـن الغـدر بهمـا واجتهـد بغراخـان على اجتماعهما عنده فلم يفعلا فقبض على طغريل بك وأرسل عسكراً إلى أخيه داود فاقتتلوا فانهزم عسكر بغراخان وكثر القتل فيهم وقصد داود موضع أخيه طغريل بـك وخلصـه مـن الأسـر ثم عادا إلى جند وأقاما بها حتى انقرضت الدولة السامانية وملك أيلك خـان بخـارا فعظـم عنـده محـل أرسلان بن سلجوق ثم سار أيلك خان عنها وبقي ببخارى علي تكين ومعه أرسلان بن سلجوق حتى عبر محمود بن سبكتكين نهر جيحون وقصـد بخـارى فهـرب علـي تكيـن مـن بخـارى وأمـا أرسلـان وجماعته فإنهم دخلوا المفازة والرمل واجتمعوا عن السلطان محمود فكاتب السلطان محمود أرسلان واستماله ورغبه فقدم أرسلان بن سلجوق عليه فقبضه السلطان محمود في الحال وكب خركاواته وأشار أرسلان الجاذب على محمود أن يغرق السلجوقية جماعة أرسلان المذكور في نهر جيحون فأبى فأشار بقطع إبهاماتهم بحيث لا يقدرون على رمي النشاب فلم يقبل محمود ذلك وأمر بهم فعبرا نهر جيحون وفرقهم في نواحي خراسان إلى أصفهان ووضع عليهم الخراج فجارت العمال عليهم وامتدت الأيدي إلى أموالهم وأولادهم فانفصل منهم جماعة عن خراسان إلى أصفهان‏:‏ وجرى بينهـم وبيـن عـلاء الدولـة بـن كاكويـه حـرب ثـم ساروا إلى أذربيجان وهؤلاء‏:‏ كانوا جماعة أرسلان بن سلجوق وبقي اسمهم هناك الترك العرية وبذلك سمـى كـل جماعتهـم وسـار طغريـل بـك وأخواه داود ويبغو من خراسان إلى بخارى فسار علي تكين بعسكره وأوقع بهم وقتل عدة كثيرة من جمائعهم فألجأتهم الضرورة إلى العود إلى خراسان فعبرا نهر جيحون وخيموا بظاهر خوارزم سنة ست وعشرين وأربعمائة واتفقوا مع خوارزمشاه هرون بن الطيطاش وعاهدهم ثم غدر بهم خوارزمشاه وكبسهم فأكثر خوارزم إلـى جهـة مـرو فأرسـل إليهـم مسعـود أب السلطان محمود جيشاً فهزمهم وجرى بين عسكر مسعود منازعة على الغنيمة وأدت إلى قتال بينهم وأشار داود بالعود إلى جهة العسكـر فعـادوا فوجـدوا الاختلـاف والقتـال بينهـم فأوقـع السلجوقيـة بعسكـر مسعـود وهزموهـم وأكثـروا القتـل فبهـم واستـردوا مـا كان أخذوه منهم وتمكنت هيبتهم من قلوب عسكر مسعود فكاتبهم السلطان مسعود واستمالهم فأرسلوا إليه يظهـرون الطاعـة ويسألونـه أن يطلـق عمـه أرسلـان بـن سلجـوق الـذي قبضـه السلطـان محمود فأحضر مسعود أرسلان المذكور إلى عنده ببلخ فطلبهم ليحضروا فامتنعوا فأعاده إلى محبسه وعـادت الحـرب بينهـم وهزموا عسكر مسعود مرة بعد أخرى وقوى أمرهم واستولوا على غالب خراسان وفرقوا النواب في النواحي وخطب لطغريل بك في نيسابور وسار داود إلى هراة وهرب عساكر مسعود وتقدموا من خراسان إلى غزنة وأعلموا مسعود بتفاقـم الحـال فسـار مسعـود بجميـع عساكـره وقيوله من غزنة اليهم إلى خراسان وبقي كل ماتبع السلجوقية إلى مكان ساروا عنه إلى غيره وطال البيكار على عسكر مسعود وقلت الأقوات عليهم وآخر ذلك أن السلجوقية ساروا إلى البرية فتبعهم مسعود بتلك العساكر العظيمة مرحلتين فضجرت العساكر من طول البيكار وكان لعسكر خراسان إذ ذاك ثلاث سنين في البيكار ونزل العسكر بمنزلة قليلـة الميـاه وكـان الزمـان حـاراً فجـرى بينهـم الفتـن بسبـب المـاء ومشى بعض العسكر إلى بعض في التخلي عن مسعود ووقع بينهم الخلاف فعادت السلجوقيـة عليهـم فانهزمـت عساكـر مسعـود أقبح هزيمة وثبت السلطان مسعود في جمع قليل ثم ولى منهزماً وغنم السلجوقية منهم ما لا يدخل تحت الإحصاء وقسم داود ذلك على أصحابه وآثرهم على نفسه وعاد السلجوقية إلى خراسان فاستولوا عليها وثبتت قدمهم بخراسان وخطب لهم على منابرها وذلك في أواخر سنة إحدى وثلاثين وأبعمائة وسنذكر باقي أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏

ولما انهزم عسكر مسعود من السلجوقية على ما ذكرنا وهرب مسعود وعسكره عن خراسان إلى غزنة فوصل إليها في شوال سنة إحدى وثلاثين و أربعمائة وقبض على مقدم عسكره شباوشي وعلى عدة من الأمراء وسير ولده مودود إلى بلخ ليرد عنها داود بن ميكائيل بن سلجـوق وكـان مسيـر مـودرد إلـى بلـخ فـي هذه السنة أعني سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وسار مسعود إلى بلاد الهند ليشتي بها على عادة والده وعبر سيحون فنهب أنوشتكين أحد قواد عسكره بعض الخزاين واجتمع إليه جمع وألزم محمداً أخا مسعود بالقيام بالأمر فقام على كره وبقـي مسمعـود فـي جماعة من العسكر والتقى الفريقان في منتصف ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثيـن وأربعمائـة واقتتلـوا أشـد قتـال فانهـزم مسعـود وجماعتـه وتحصـن مسعـود فـي ربـاط فحصروه فخرج إليهم فأرسله أخوه محمد إلى قلعة كيدي وحمل مع مسعود أهله وأولاده وأمر بإكرامـه وصيانتـه ولمـا استقـر محمد بن محمود في إشبكتكين في الملك فوض مر دولته إلى ولده أحمـد وكـان فيـه خبـط وهـوج فقتـل عمـه مسعـود بـن محمـود فـي قلعـة كيـدي بغير علم أبيه ولما علم أبوه محمد بذلك شق عليه وساء ذلك وكان السلطان مسعود كثير الصدقة تصدق مرة في رمضان بألف ألف درهم وكان كثير الإحسان إلى العلماء فقصـدوه وصنفـوا لـه التصانيـف الكثيرة وكان يكتب خطاً حسناً وكان ملكه عظيماً فسيحاً ملك أصفهان والري وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الران وكرمان وسجستان‏.‏

والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور‏.‏

وأطاعه أهل البر والبحر‏.‏

ملك مودود بن مسعود وقتله عمه محمداً لما قتل مسعود كان ابنه مودود بن مسعود بخراسان في حرب السلجوقية فلما بلغه خبر قتل أبيه مسعود عاد مجداً بعساكره إلى خزنة ووقـع القتـال بينـه وبيـن عمـه محمـد فانهـزم محمـد وعسكره وقبض عليه مودود وعلى ولده أحمد وعلى أنوشتكيـن الـذي نهـب الخزائـن و أقـام محمد المذكور وكان أنوشتكين خصياً وأصله من بلخ فقتلهم وقتل جميع أولاد عمه محمد خلا عبـد الرحيـم وكذلـك قتـل كـل مـن دخـل فـي القبـض علـى والده مسعود ودخل مودود إلى غزنة في ثالث عشرين شعبان من هذه السنة واستقر الأمر لمودود بغزنة وسلك حسن السيرة وثبتت قدمه في الملك وراسله ملك الترك بما وراء النهر بالانقياد والمتابعة له‏.‏

وفي هذه السنة توفي المظفر محمد بن الحسن بن أحمد المروزي بشهر زور‏.‏

ثم دخلت سنة ثلـاث وثلاثين وأربعمائة

فيها في المحرم توفي علاء الدولة أبو جعفر بن شهريار المعروف بابن كاكويه وكان شجاعاً ذا رأي وقام بأصفهان بعده ابنه ظهير الدين أبو منصور فرامرز وهو أكبر أولاده سار ولده كرشاسف بن علاء الدولة إلى همذان فأقام بها و أخذها لنفسه‏.‏

وفي هذه السنة ملك السلطان طغريل بك جرجان وطبرستان‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة أمر المستنصر العلوي أهل دمشق بالخروج عن طاعة الدزبري فخرجوا عليه وسـار الدزبـري إلـى حماة فعصي عليه أهلها فكاتب مقلد بن منقذ الكفرطابي فحضر إليه في نحو ألفي رجل من كفر طاب واحتمى به وسار عن حماة إلى حلب فدخلها وأقام بها مدة وتوفـي الدزبـري فـي منتصـف جمـادى الآخـرة مـن هـذه السنـة وقـد تقـدم ذكر وفاته في سنة اثنتين وأربعمائة وكان الدزبري يلقب بأمير الجيوش واسمه أنوشتكين‏.‏

والد زبري - بكسـر الـدال المهملـة والباء الموحدة وبينهما زاء منقوطة ساكنة وفي الاخر راء مهملة - هذه السنة إلى دزبر بن رويتم الديلمي ولما مات الدزبري في هذه السنة فسد أمر الشام وزال النظام وطمعـت العرب وخرجوا في نواحي الشام فخرج صاحب الرحبة أبو علوان ثمال ولقبه معز الدولة بن صالـح بـن مـرداس الكلابـي وسـار إلـى حلـب وملكهـا وعاد حسان بن مفرج الطائي فاستولى على فلسطين وقد تقدم ذكر مسيره إلى قسطنطينية وعوده في سنة اثنتبن وعشرين وأربعمائة‏.‏

وفيها سير الملك أبو كاليجار من فارس عسكراً إلى عمان فملكوا أصحاب مدينة عمان‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو منصور بهرام الملقب بالعادل وزير الملك أبي كاليجار ومولده سنة ست وستين وثلاثمائة وكان حسن السيرة وبنى دار الكتب بفيروز آباد وجعل فيها سبعة آلاف مجلد‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

فيها ملك السلطان طغريل بك خوارزم وكانت خوارزم من جملة مملكة محمود بن سبكتكين ثم صارت مسعود ابنه ونائبه فيها الطيطاش حاجب أبيه محمود ومات الطيطاش فولاها مسعود ابنه هارون بن الطيطاش ولقبه خوارزمشـاه ثـم قتـل هـرون قتله جماعة من غلمانه عند خروجه إلى الصيد فاستولى على البلد رجل يقال له عبد الجبار ثم وثب غلمان هارون على عبد الجبار فقتلوه وولوا البلد إسماعيل بن الطيطاش أخا هارون فسار شاه ملك بن علي وكان ملك بعض أطراف تلك البلاد فاستولى على خوارزم وهزم إسماعيل عنها ثم سار طغريل بك إلى خوارزم فاستولى عليها وانهزم شاه ملك عنها واستقـرت فـي ملـك طغريـل بـك فـي هـذه السنـة ثـم سار طغريل بك ستولى على الجبل في هذه السنة أيضاً‏.‏

الوحشة بين القائم وجلال الدولة فـي هـذه السنـة لمـا افتتحـت الجوالـي في المحرم ببغداد أخذها جلال الدولة وكانت العادة أن تحمل إلى الخلفاء لا يعارضهم فيها الملوك فأرسل القائم إلى جلال الدولة في ذلك مع أبي الحسن الماوردي فلم يلتفت جلال الدولة إليه فعزم القائم على مفارقة بغداد فلم يتم له ذلك‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة في رجب خرج بمصر رجل اسمه سكين وكان يشبه الحاكم خليفة مصـر فادعى أنه الحاكـم واتبعـه جماعـة يعتقـدون رجعـة الحاكـم وقصـدوا دار الخليفـة وقـت الخلـوة وقالوا‏:‏ هذا الحاكم فارتاع من كان بالباب في ذلك الوقت ثم ارتابوا به فقبضوا على سكين وصلب مع أصحابه‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وأربعمائة

وفاة جلال الدولة

وفـي هـذه السنـة فـي شعبـان توفـي جلـال الدولـة أبـو طاهـر بـن بهـاء الدولـة بـن عضـد الدولـة بن ركن الدولة بن بويه ببغداد وكان مرضه ورماً في كبده وكان مولده سنة ثلاث وثمانيـن وثلاثمائـة وملكـه ببغداد ست عشرة سنة وأحد عشر شهراً ولما مات جلال الدولة كان ابنه الملك العزيز أبو بكر منصور بواسط فكاتبه الجند فيما يحمله إليهم فلم ينتظم له أمر فسار يطلب النجدة وقصد الملوك مثل قرواش وأبي الشوك فلم ينجده أحد فقصد نصر الدولة بن مرران وتوفي عنده بميا فارقين سنة إحدى وأربعين وأربعمائة فلما لم ينتظم لابن جلال الدولة أمر كاتب الملك أبو كاليجار عسكر بغداد فاستقر الأمر لأبي كاليجار ابن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدرلة ابن ركن الدولة ابن بويه وخطبوا له ببغداد في صفر سنة ست وثلاثين وأربعمائة‏.‏

غير ذلك من الحوادث فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة خمـس وثلاثيـن وأربعمائـة فتـح عسكـر مـودود بـن مسعـود بـن محمـود عدة حصون من بلاد الهند وفيها أسلم من الترك خمسة آلاف خركاة وتفرقوا في بلاد الإسلام ولم يتأخـر عـن الإسلـام سـوى الخطـا والتتر وهم بنواحي الصين‏.‏

وفي هذه السنة ترك شرف الدولة ملك الترك لنفسه بلاد بلاساغون وكاشغر وأعطى أخاه أرسلان تكين كثيراً من بلاد التـرك وأعطي أخاه بغراخان أطرار وأسبيجاب وأعطى عمه طغان فرغانة بأسرها وأعطى علي تكين بخارى وسمر قند وغيرهما وقنع شرف الدولة المذكور من أهله المذكورين بالطاعة له‏.‏

وفي هذه السنة قطع المعز بن باديـس بإفريقيـة خطبـة العلوييـن خلفـاء مصـر وخطـب للقائـم العباسي خليفة بغداد ووصلت إليه من القائم الخلع والأعلـام علـى طريـق القسطنطينيـة فـي البحر‏.‏

ثم دخلت سنة ست وثلاثين وأربعمائة

فيها خطب للملك أبي كاليجار في صفر ببغداد وخطب له أيضاً أبو الشوك ببلاده ودبيس بن مرثد ببلاده ونصر الدولة بن مروان بديار بكر وسار الملك أبو كاليجار إلى بغداد ودخلها في رمضان من هذه السنة وزينت بغداد لقدومه‏.‏

وفيها أمر الملك أبو كاليجار ببناء سور مدينة شيراز فبني وأحكم بناؤه ودوره اثنا عشر ألف ذراع في ارتفاع ثمانية أذرع وله أحد عشر باباً وفرغ منه في سنة أربعين وأربعمائة‏.‏

وفيها توفي الشريف المرتضي أبو القاسم أخو الشريف الرضي ومولده سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وولي نقابة العلويين بعده عدنان ابن أخيه الرضي‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو عبد الله الحسين الصيمري شيخ أصحاب أبي حنيفة ومولده سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين محمد ابن علي البصري المعتزلي صاحب التصانيف المشهورة‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وأربعمائة

فيها أرسل السلطان طغرلبك أخاه إبراهيم ينال بن ميكائيل فاستولى على همذان وأخذها من كرشاسف بن علاء الدولة ابن كاكويه واستولى على الدينور وأخذها من أبي الشوك ثم استولى على الصيمرة‏.‏

وفي هذه السنة توفي أبو الشوك واسمه فارس بن محمد بن عنان بقلعة السيروان ولما توفي غـدر الأكـراد بابنـه سعـدي وصـاروا مـع مهلهل بن محمد أخي أبي الشوك‏.‏

وفيها قتل عيسى بن موسى الهمذاني صاحب أربل قتله ابنا أخ له وملكا قلعة أربل وكان لعيسى أخ آخر اسمه سلـار بن موسى قد نزل على قرواش صاحب الموصل لوحشة كانت بين سلار وأخيه عيسى فلمـا بلغـه قتـل أخيـه سـار قـرواش إلى أربل ومعه سلار فملكها وتسلمها سلار وعاد قرواش إلى الموصل‏.‏

وفيها وقع الوباء في الخيل وعم البلاد‏.‏

وفيها توفي أحمد بن يوسف المنازي وزر لأبي نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر وترسل إلى القسطنطينية وكان من أعيان الفضلاء والشعراء وجمع المنازي المذكور كتباً كثيرة وأوقفها على جامع ميافارقين وجامع آمـد وهـي إلـى قريـب كانـت موجـودة بخزائـن الجامعيـن وكـان قـد اجتـاز في بعض أسفاره بوادي بزاعا فأعجبه حسنه فقال فيه‏:‏ وقانـا لفحـة الرمضاء واد وقـاه مضاعـف النبـت العميـم نزلنـا دوحـه فحنـا علينا حنـو المرضعـات علـى الفطيـم وأرشفنا على ظمأ زلالا ألذ من المدامة للنديم تـروع حصـاه حاليـة العـذارى فيلمـس جانـب العقـد النظيم والمنازي منسوب إلى مناز جهر مدينة عند خرتبرت وهي غير مناز كرد التي من عمـال خلاط‏.‏

ثم دخلت سنة ثمـان وثلاثيـن وأربعمائـة

فيهـا ملـك مهلهـل بـن محمد عنان أخو أبي الشوك قرميسين والدينور بعـد مـا كـان قـد استولـى عليهمـا أخـو طغرلبـك علـى مـا تقـدم ذكـره‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي عبـد اللـه بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين وكان الجويني إماماً في الشافعية تفقه على أبي الطيب سهل بن محمد الصعلوكي وهو صاحب وجه في المذهب وكان عالماً أيضاً بالأدب وغيره من العلوم وهو من بني ستبس بطن من طي‏.‏

ثم دخلت سنة تسـع وثلاثيـن وأربعمائـة

فـي هذه السنة استولى عسكر الملك أبي كاليجار على البطيحة وأخذوها من صاحبها أبي نصر بن الهيثم وهرب ابن الهيثم إلى زبرب‏.‏

وفيها كان بالعراق غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة وببغداد حتى خلت الأسواق‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن محمد المعروف بالمطرز الشاعر وأبو الخطاب الشبلي الشاعر‏.‏

وفيها مات بغراخان محمد بن قدرخان يوسف وقبض على أخيه عمر بن قدرخان يوسف وماتا جميعاً مسمومين في هذه السنة وكان قد ملك عمر المذكور في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة حسبما تقدم فسار شمس الملك طفقاج خان أبو إسحاق إبراهيم بن نصر أيلك خان من سمرقند وملك

ثم دخلت سنة أربعين وأربعمائة

موت أبي كاليجار وملك ابنه الملك الرحيم في هذه السنة توفي الملك أبو كاليجار المرزبان بن سلطان الدولة ابن بهاء الدولة ابن عضد الدولـة ابـن ركـن الدولة ابن بويه في رابع جمادى الأولى بمدينة جناب من كرمان وكان قد سار إلى بلاد كرمان لخروج عامله بهرام الديلمي عن طاعته ومرض من قصر مجاشع وتم سايـراً وقويـت بـه الحمـى وضعـف عـن الركـوب فركـب فـي محفـة فتوفـي فـي جنـاب وكـان عمـره أربعيـن سنة وشهـوراً وكـان ملكـه العـراق أربـع سنيـن وشهريـن ولمـا توفـي نهبـت الأتـراك الخزائـن والسلـاح والـدواب من العسكر‏.‏

وكان معه ولده أبو منصور فلاستون بن أبي كاليجار فعاد إلى شيراز وملكها‏.‏

ولما وصل خبر وفاة أبي كاليجار إلى بغداد وبها ولده الملك الرحيم أبو نصر خسره فيروز بن أبي كاليجار جمع الجند واستحلفهم واستولى على بغداد ثم أرسل الملك الرحيم عسكراً إلى شيراز فقبضوا على أخيه أبي منصور فلا ستون وعلى والدته في شوال هذه السنـة وخطـب للملك الرحيم بشيراز ثم سار الملك الرحيم من بغداد إلى خوزستان فلقيه من بها من الجند وأطاعوه ومن جملتهم كرشاسف بن علاء الدولة صاحب همذان فإنه كان قد قدم إلى الملك أبي كاليجار لما أخذ منه إبراهيم ينال أخو طغريل بك همذان‏.‏

فـي هـذه السنة توفي محمد بن محمد بن غيلان البزار وهو راوي الأحاديث المعروفة بالغيلانيات التي أخرجها الدارقطني وهي من أعلى الحديث وأحسنه‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

فيها جمع فلاستون بن أبي كاليجار جمعاً بعد أن خلص من الاعتقال واستولى على بلاد فارس وفيها جرى بين طغرلبك وأخيه إبراهيم ينال وحشة أدت إلى قتال بينهما فانهزم إبراهيم ينال وعصي بقلعة سرماح فحصره بها طغرلبك واستنزله قهراً‏.‏

وفيها أرسل ملـك الـروم إلـى السلطـان طغرلبـك هديـة عظيمـة وطلـب منـه المعاهدة فأجابه إليها وعمر مسجد القسطنطينية وأقام فيه الصلاة والخطبة لطغرلبك ودانت الناس له وتمكن ملكه وثبت‏.‏

وفيها أفرج السلطان طغرلبك عن أخيه ينال وتركه معه‏.‏

وفاة مودود فـي هـذه السنة في رجب توفي أبو الفتح مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وعمره تسع وعشرون سنة وملك تسع سنين وعشرة أشهر وكان موته بغزنة واستقر في الملك بعده عمه عبد الرشيد بن محمود بن سبكتكين وكان مودود قد حبس عمه المذكور فخرج موته واستقر في الملك ولقب شمس دين الله سيف الدولة‏.‏

غير ذلك فيها سار الباسيري كبير الأتراك ببغداد وملك الأنبار وأظهر العدل وحسن السيرة ولما قرر قواعدها عاد إلى بغداد‏.‏

وفيها ملك عسكر خليفة مصر العلوي مدينة حلب وأخذوها من ثمـال بـن صالـح بـن مـرداس الكلابـي علـى ما قدمنا ذكره في سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏

وفيها وقعت الفتنـة ببغـداد بيـن السنيـة والشيعـة وعظـم الأمـر حتى بطلت الأسواق وشرع أهل الكرخ في بناء سـور عليهـم محيطـاً بالكـرخ وشـرع السنيـة مـن القلابيـن ومـن يجـري مجراهـم فـي بنـاء سـور علـى سـوق القلابيـن وكان الأذان بأماكن الشيعة بحي على خير العمل وبأماكن السنية الصلاة خير من النوم‏.‏

وفيها توفي أبو بكر منصور بن جلال الدولة وله شعر حسن‏.‏

دخلت سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة في هذه السنة سار السلطان طغرلبك من خراسان وحاصـر أصفهان وبها صاحبها أبو منصور بن علاء الدولة بن كاكويم به وطال محاصرته قريب سنـة وأخذهـا بالأمـان ودخـل السلطان طغرلبك أصفهان في المحرم سنة ثلاث وأربعين واستطابها ونقل إليها ما كان له بالري من سلاح ذخائر‏.‏

حال قرواش مع أخيه وفيها استولى أبو كامل بركة بن المقلد على أخيه قرواش بن المقلد ولم يبق لقرواش مع أخيه المذكور تصرف في المملكة وغلب عليها أبو كامل المذكور ولقبه زعيم الدولة‏.‏

وهزيمة المعز بن باديس فـي هـذه السنـة لمـا قطـع المعـز بـن باديس خطبة العلويين من إفريقية وخطب للعباسيين عظم ذلك

علـى المستنصـر العلـوي وأرسـل إلـى المعـز بـن باديـس فـي ذلـك فأغلظ ابن باديس في الجواب وكان وزير المستنصر الحسن بن علي اليازوري ويازور من أعمال الرملة فاتفقا على إرسال زغبة ورياح وهما قبيلتان من العرب وكان بينهم حرب فأصلح المستنصر بينهم وجهزهم بالأموال فساروا واستولوا على برقة فسار إليهم المعز بن باديس فهزموه وساروا إلى إفريقية وقطعوا الأشجـار وحصـروا المـدن ونـزل بأهـل إفريقية من البلاء ما لم يعهدوا مثله‏.‏

ثم جمع المعز ما يزيد على ثلاثين ألف فارس والتقى معهم فهزموه أيضاً ودخل المعز القيروان مهزوماً‏.‏

ثم جمع المعز وخرج إليهم والتقوا وجرى بينهم قتال عظيم ثم انهزمت عساكر المعز وكثر القتل فيهم وانهزم المعز ووصلت العرب إلى القيروان ونزلوا بمصلى القيروان وأقام العرب يحاصرون البلاد وينهبونها إلى سنة تسع وأربعين وأربعمائة وانتقل المعز إلى المهدية فـي رمضـان سنـة تسـع وأربعيـن وأربعمائة ونهبت العرب القيروان‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيهـا سـار مهلهـل بـن محمـد بـن عنـان أخو أبي الشوك إلى السلطان طغرلبك فأحسن إليه طغرلبك وأقـره علـى بلـاده ومـن جملتهـا السيـروان ودقوقـا وشهرزور والصامغان وكان سرحاب بن محمد أخو مهلهل محبوساً عند طغرلبك فأطلقه لأخيه مهلهل‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة

فيها كانت الفتنة بين السنية والشيعة ببغداد وعظم الأمـر وأحـرق ضريح قبر موسى بن جعفر وقبر زبيدة وقبور ملوك بني بويه وجميع الترب التي حواليها ووقع النهب وقصد أهل الكرخ إلى خان الحنفيين وقتلوا مدرس الحنفيين أبا سعيد السرخسي وأحرقوا الخان ودور الفقهاء ثم صارت الفتنة إلى الجانب الشرقي فاقتتل أهل باب الطاق وسوق يحيى والأساكفة‏.‏

وفاة زعيم الدولة بركة بن المقلد وفي هذه السنة توفي بركة بن المقلد بن المسيب بتكريت واجتمع العرب وكبراء الدولة على إقامة ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلد وكان بدران بن المقلد المذكور صاحب نصيبين ثم صارت لقريش المذكور بعده وكان قرواش تحت الاعتقـال منـذ اعتقلـه أخـوه بركـة مـع القيـام بوظائفـه ورواتبـه فلمـا تولـى قريـش نقـل عمه قرواشاً إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل فاعتقله بها‏.‏

فيها وقت العصر ظهر ببغداد سكب له ذؤابة غلب نوره على الشمس وسار سيراً بطيئاً ثـم انقـض‏.‏

وفيهـا وصـل رسـول طغرلبـك إلـى الخليفـة بالهدايـا‏.‏

وفيهـا عـاد طغرلبـك عـن أصفهان إلى الـري‏.‏

وفيها كرشاسف بن علاء الدولة بن كاكويه بالأهواز وكان قد استخلفه بها أبو منصور بن أبي كاليجار‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وأربعين وأربعمائة

قتل عبد الرشيد

في هذه السنة قتل عبد الرشيد بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة قتله الحاجب طغريل وكان حاجباً لمودود بن مسعود فأقره عبد الرشيد وقدمه فطمع في الملك وخرج على عبد الرشيد المذكور فانحصر عبد الرشيد بقلعة غزنـة وحصـره طغريـل حتـى سلمـه أهـل القلعـة فقتله طغريل وتزوج ببنت السلطان مسعود كرهاً ثم اتفقت كبراء الدولة ووثبوا على طغريل فقتلوه وأقاموا فرخزاد بن مسعود ابن محمود بن سبكتكيـن وكـان محبوسـاً فـي بعـض القلـاع فأحضـر وبويـع لـه وقـام بتدبـر الأمر بين يديه خرخير وكان أميراً على الأعمال الهندية فقدم وتتبع كل من كان أعان على قتل عبد الرشيد فقتله‏.‏

وفاة قرواش

في هذه السنة مستهل رجب توفي معتمد الدولة أبو منيع قرواش بن المقلـد ابـن المسيـب العقيلي الذي كان صاحب الموصل محبوساً بقلعة الجراحية مـن أعمـال الموصـل وحمـل فدفـن بتل توبة من مدينة نينوى شرقي الموصل وقيل إن ابن أخيه قريش بن بدران المذكور أحضر عمه قرواشاً المذكور من الحبس إلى مجلسه وقتله فيه وكان قرواش من ذوي العقل وله شعر حسن فمنه‏:‏ للـه در النائبـات فإنها صدأ القلوب وصيقل الأحرار ما كنت إلا زبرة فطبعتني سيفاً وأطلق صرفهـن عـراري وجمـع قرواش المذكور بين أختين في نكاحه فقيل له‏:‏ إن الشريعة تحرم هذا‏.‏

فقال‏:‏ وأي شيء عندنا تجيزه الشريعة وقال مرة‏.‏

ما برقبتي غير خمسة أو ستة قتلتهم من البادية وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيها قبض على أبي هشام بن خميس بن معن صاحب تكريت أخـوه عيسـى ابـن خميـس وسجنـه واستولـى علـى تكريـت‏.‏

وفيهـا فـي حـوادث هذه السنة زلزلت خورستان وغيرها زلازل كثيرة وكان معظمها بأرجان فانفرج من ذلك جبل كبير قريب من أرجان وظهر وسطه درجة بالآجر والجص فتعجب الناس من ذلك وكذلك كانت الزلازل بخراسان وكان أشدهـا ببيهـق وخـرب سـور قصبـة بيهـق وبقـي خرابـاً حتـى عمـره نظـام الملـك فـي سنة أربع وستين وأربعمائة ثم خربه أرسلان أرغو‏.‏

ثم عمره مجد الملك البلاساني‏.‏

وفـي هـذه السنـة كانـت الفتنة ببغداد بين السنية والشيعة وأعادت الشيعة الآذان بحي على خير العمل وكتبوا في مساجدهم محمد وعلي خير البشر‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وأربعين وأربعمائة

فيها عماد أبو منصـور فلاستـون ابـن الملـك أبـي كاليجار واستولى على شيراز وأخذها من أخيه أبي سعيد بن أبي كاليجار ولما استقر أبو منصور في شيراز خطب فيها للسلطان طغرلبك ولأخيه الملك الرحيم ولنفسه بعدهما‏.‏

ثم دخلت سنة ست وأربعين وأربعمائة

فيها سار طغرلبك إلى أذربيجان وقصد تبريز فأطاعه صاحبها وهشوذان وخطب له فيها وحمل إليه ما أرضاه وذلك فعل أصحاب تلك النواحي ولمـا استقـر لـه أذربيجـان على ما ذكرنا سار إلى أرمينية وقصد ملازكرد وهي للروم وحصرها فلم يملكها وعبر إلى الروم وغزا في الروم ونهب وقتل وأثر فيهم آثاراً عظيمة‏.‏

غير ذلك وفي هذة السنة حصلت الوحشة بين البساسيري والخليفة القائم‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وأربعين وأربعمائة

فيها قتل الأمير أبو حرب سليمان بن نصر الدولة بن مروان صاحب الجزيرة قتله عبيد الله بن أبي طاهر البشنوي الكردي غيلة‏.‏

غير ذلك فيها ثـارت جماعـة مـن السنيـة ببغـداد وقصـدوا دار الخلافـة وطلبـوا أن يـؤذن لهـم أن يأمـروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فأذن لهم وزاد شرهم ثم استأذنوا في نهب دور البساسيري وكان غائباً في واسط فأذن لهم الخليفة بذلك فقصدوا دور البساسيري ونهبوا وأحرقوها وأرسل الخليفة إلى الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري فأبعده وقدم الملك الرحيم من واسط إلى بغداد وسار البساسيري إلى جهة دبيس بن مرثد لمصاهرة بينهما‏.‏

الخطبة في بغداد لطغرلبك

فيها سار طغرلبك حتى نزل حلوان فعظم الإرجاف ببغداد وأرسل قواد بغداد يبذلون له الطاعة والخطبة فأجابهم طغرلبك إلـى ذلـك وتقـدم الخليفـة القائـم بذلـك فخطـب لـه بجوامـع بغداد لثمان بقين من رمضان هذه السنة ثـم أرسـل طغرلبـك واستـأذن فـي دخـول بغـداد فتوجهت إليه الرسل فحلفوه للخليفة القائم وللملك الرحيم فحلف لهما وسار طغرلبك فدخل بغداد ونزل بباب الشماسية‏.‏

ولمـا وصـل طغرلبـك إلـى بغداد دخل عسكره يتحوجون فجرى بين بعضهم وبين السوقية هوشة وثـارت أهـل تلـك المحلـة علـى مـن فيهـا مـن الغـز عسكر طغرلبك ونهبوهم ثارت الفتنة بينهم ببغداد وخرجـت العامة إلى وطاقات طغرلبك فركب عسكره وتقاتلوا فانهزمت العامة وأرسل طغرلبك يقول‏:‏ إن كان هذا من الملك الرحيم فهو لا يقدر على الحضور إلينا وإن كان برئا من هذا فلا غناء عن حضوره فأرسل الخليفة القائم إلى الملك الرحيم أن يخرج هو وكبار القواد وهـم فـي أمـان الخليفـة وذمامـه فخرجـوا إلـى طغرلبك فقبض على الملك الرحيم وعلى القواد الذين صحبتـه فعظـم ذلـك علـى الخليفة القائم وأرسل إلى طغرلبك في أمرهم وشكا من عدم حرمته وعدم الالتفات إلى أمانه فأفرج طغرلبك عن بعض القواد واستمر بالباقين وبالملك الرحيم في الاعتقال وهذا الملك الرحيم آخر من استولى على العراق من ملوك بني بويه وكان أول من استولـى منهـم علـى العـراق وبغـداد معـز الدولـة أحمـد بـن بويـه ثم ابنه بختيار بن معز الدولة ثم ابن عمه عضد الدولة ثم فناخسرو ابن ركن الدولة بن بويه ثم ابنه صمصام الدولة بن كاليجار المرزبـان بـن عضـد الدولـة ثم أخوه شرف الدولة شيزريك بن عضد الدولة ثم أخوه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة ثم ابنه سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة ثم أخوه شرف الدولـة ابـن بهاء الدولة ثم أخوه جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة ثم ابن أخيه أبو كاليجار المرزبـان بـن سلطـان الدولـة بـن بهـاء الدولـة ثـم ابنـه الملـك الرحيـم خسـره فيروز ابن أبي كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه وهو آخرهم‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيها وقعت الفتنة بين الشافعية والحنابلة ببغداد فأنكرت الحنابلة على الشافعية الجهر بالبسملة والقنوت في الصبح والترجيع في الأذان

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

فيها تزوج الخليفة القائم ببنت داود أخي طغرلبك‏.‏

وفيها وقعت حرب بين عبيد المعز بن باديس وبين عبيد ابنه تميم بن المعز بالمهدية فانتصرت عبيد تميم وقتلوا في عبيد المعز وأخرجوهم من المهدية‏.‏

ابتداء دولة الملثمين والملثمون من عدة قبائل ينتسبون إلى حمير وكان أول مسيرهم من اليمن في أيـام أبـي بكـر الصديـق رضـي اللـه عنـه سيرهـم إلى جهة الشام وانتقلوا إلى مصر ثم إلى المغرب مع موسى بن نصير وتوجهوا مع طارق إلى طنجة وأحبوا الانفراد فدخلوا الصحراء واستوطنوها إلى هذه الغاية فلما كانت هذه السنة توجه رجل منهم اسمه جوهر من قبيلة جدالة إلى إفريقية طالباً الحـج فلمـا عـاد استصحـب معـه فقيهـاً مـن القيـروان يقال له عبد الله بن ياسين الكزولي ليعلم تلك فتوجه عبد الله بن ياسين مع جوهر حتى أتيا قبيلة لمتونة وهي القبيلة التي منها يوسف بن تاشفين أمير المسلمين ودعياها إلى العمل بشرائع الإسلـام فقالـت لمتونـة‏:‏ أمـا الصلـاة والصـوم والزكاة فقريب وأما قولكما من قتل يقتل ومن سرق يقطع ومن زنا يرجم فهذا أمر لا نلتزمه اذهبا عنا‏.‏

فمضـى جوهـر وعبـد اللـه بـن ياسيـن إلـى جدالـة قبيلـة جوهر فدعاهم عبد الله بن ياسين والقبائل التـي حولهـم إلى شرائع الإسلام‏.‏

فأجاب أكثرهم وامتنع أقلهم فقال ابن ياسين للذين أجابوا إلى شرائع الإسلام‏:‏ يجب عليكم قتال المخالفين لشرائع الإسلام فأقيموا لكم أميراً فقالوا‏:‏ أنت أميرنا فامتنـع ابـن ياسيـن وقـال لجوهـر‏:‏ أنت الأمير‏.‏

فقال جوهر‏:‏ أخشى من تسلط قبيلتي على الناس ويكون وزر ذلك علي‏.‏

ثم اتفقا على أبي بكر بن عمر رأس قبيلة لمتونة فإنه سيد مطاع ليلزم لمتونة قبيلته فأتيا أبا بكـر بـن عمـر وعرضـا عليـه ذلـك فقبـل فعقد له البيعة وسماه ابن ياسين أمير المسلمين اجتمع إليه كل من حسن إسلامه وحرضهم عبد الله بن ياسين على الجهاد وسماهم المرابطين فقتلوا من أهـل البغـي والفسـاد ومن لم يجب إلى شرائع الإسلام نحو ألفي رجل فدانت لهم قبائل الصحراء وقويت شوكتهم وتفقه منهم جماعة على عبد الله بن ياسين‏.‏

ولمـا استبـد أبـو بكـر بن عمر وعبد الله بن ياسين بالأمر داخل جوهر الحسد فأخذ في إفساد الأمر فعقد له مجلس وحكم عليه بالقتل لكونه شق العصا وأراد محاربـة أهـل الحـق فصلـى جوهـر ركعتيـن وأظهـر السـرور بالقتـل طلبـاً للقـاء اللـه تعالـى وقتلـوه ثـم جـرى بين المرابطين وبين أهل السـوس قتـال فقتـل فـي تلك الحرب عبد الله بن ياسين الفقيه ثم سار المرابطون إلى سجلماسة واقتتلـوا مـع أهلهـا فانتصر المرابطون واستولوا على سجلماسة وقتلوا أصحابها ولما ملك أبو بكر بن عمر سجلماسة استعمل عليها يوسف بن تاشفين اللمتوني وهو من بني عم أبي بكر بن عمر وذلك في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة‏.‏

ثم استخلف أبو بكر على سجلماسة ابن أخيه وبعث يوسف بن تاشفين ومعه جيش من المرابطين إلى السوس ففتح على يديه كان يوسف بن تاشفين رجلا ديناً حازماً مجرباً داهية واستمـر الأمـر كذلـك إلـى أن توفـي أبـو بكر بن عمر في سنة اثنتين وستين وأربعمائة فاجتمعت طوائـف المرابطيـن علـى يوسـف بـن تاشفيـن وملكـوه عليهـم ولقبـوه بأميـر المسلميـن ثـم سـار إلـى المغـرب وافتتحها حصنـاً حصنـاً وكـان غالبهـا لزناتـة ثـم إن يوسـف قصـد موضـع مراكـش وهـو قـاع صفصف لا عمارة فيه فبنـى فيـه مدينـة مراكـش واتخذهـا مقـراً ملكـه وملـك البلـاد المتصلـة بالمجماز مثل سبتة وطنجة وسلا وغيرها وكثرت عساكره ويقال للمرابطين الملثمين أيضاً قيل إنهـم كانـوا يتلثمون على عادة العرب فلما ملكوا ضيقوا لثامهم كأنه ليتميزوا به وقيل بل إن قبيلة لمتونة خرجوا غائرين على عـدو لهـم وألبسـوا نساءهـم لبـس الرجـال ولثموهـن فقصـد بعـض أعدائهم بيوتهم فرأوا النساء ملثمين فظنوهن رجالا فلم يقدموا عليهن واتفق وصول رجالهم في ذلك التاريخ فأوقعوا بهم فتبركوا باللثام وجعلوه سنة من ذلك التاريخ فقيل لهم الملثمون‏.‏

مسير طغرلبك عن بغداد لما أقام طغرلبك ببغداد ثقلت وطأة عسكره على الرعية إلى الغاية فرحل طغرلبك عن بغداد عاشر ذي القعدة من هذه السنة أعني سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وكان مقامه ببغداد ثلاثة عشـر شهـراً وأياماً لم يلق الخليفة فيها وتوجه طغرلبك إلى نصيبين ثم سار منها إلى ديار بكر التي هي لابن مروان‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة توفي أمير الكاتب البيهقي كان من رجال الدنيا‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وأربعين وأربعمائة

عود طغرلبك إلى بغداد

فيهـا عاد طغرلبك إلى بغداد بعد أن استولى على الموصل وأعمالها وسلمها إلى أخيه إبراهيم ينال ولما قارب طغرلبك الفقص خرج لتلقيـه كبـراء بغـداد مثـل عميـد الملـك وزيـر طغرلبـك ببغداد ورئيس الرؤساء ودخل بغداد وقصد الاجتماع بالخليفة القائم فجلس له الخليفة وعليه البـردة علـى سريـر عمـال عـن الـأرض نحو سبعة أذرع وحضر طغرلبك في جماعته وأحضر أعيان بغـداد وكبـراء العسكر وذلك يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة من هذه السنة فقبل طغريل بـك الـأرض ويـد الخليفـة ثم جلس على كرسي‏.‏

ثم قال له رئيس الرؤساء‏:‏ إن الخليفة قد ولاك جميع ما ولاه الله تعالى من بلاده ورد إليك مراعاة عباده فاتق الله فيما ولاك واعرف نعمته عليك وخلع على طغريل بك وأعطى العهد فقبل الأرض ويد الخليفة ثانياً وانصرف ثم بعث طغريل بك إلى الخليفة خمسين ألف دينار وخمسين مملوكاً من الأتراك ومعهم خيولهم وسلاحهم مع ثياب وغيرها‏.‏

غير ذلك فيها قبض المستنصر العلوي خليفة مصر على وزيره اليازوري وهو الحسن بن عبد الله وكان قاضياً في الرملة على مذهب أبي حنيفة ثم تولى الوزارة ولما قبض وجد له مكاتبات إلى بغـداد‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو العـلاء أحمـد بـن سليمـان المعـري الأعمـى ولـه نحـو سـت وثمانيـن سنة ومولده سنـة ثلـاث وستين وثلاثمائة وقيل ست وستين وثلاثمائة واختلف في عماه والصحيح أنه عمي في صغره من الجدري وهو ابن ثلاث سنين وقيل ولد أعمى وكان عالماً لغوياً شاعراً ودخل بغداد سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وأقام بها سنة وسبعة أشهر واستفاد من علمائها ولم يتلمذ أبو العلاء لأحد أصلا ثم عاد إلى المعرة ولزم بيته وطبق الأرض ذكره ونقلت عنه أشعار وأقوال علم بها فساد عقيدته ونسب إلى التمذهب بمذهب الهنود لتركه أكل اللحم خمسـاً وأربعيـن سنـة وكذلـك البيـض واللبـن وكـان يحـرم إيلام الحيوان وله مصنفات كثيرة أكثرها ركيكة فهجرت لذلك وكان يظهر الكفر ويزعم أن لقولـه باطنـاً وأنـه مسلـم فـي الباطـن فمـن شعره المؤذن بفساد عقيدته قوله‏:‏ عجبت لكسري وأشياعه وغسل الوجوه ببول البقـر وقول النصارى إله يضـام ويظلم حيـا ولا ينتصـر وقول اليهود إله يحب رسيـس الدماء وريح القتر وقـوم أتـوا من أقاصي البلد لرمي الجمار ولثم الحجـر فـوا عجبـاً من مقالاتهم أيعمى عن الحق كل البشر ومن ذلك قوله‏:‏ زعموا أنني سأبعث حيا بعد طول المقـام فـي الأرمـاس أي شيء أصاب عقلك يا مس - - كين حتى رميت بالوسواس ومن ذلك‏:‏ أتى عيسى فبطل شرع موسى وجاء محمد بصلاة خمس وقالـوا لا نبـي بعد هذا فضـل القـوم بين غد وأمس ومهما عشت في دنيـاك هـذي فمـا تخليـك مـن قمر وشمس إذا قلت المحال رفعت صوتـي وإن قلت الصحيح أطلت همسي ومن ذلك قوله‏:‏ تاه النصارى والحنيفة ما اهتدت ويهود هطرى والمجـوس مضللـه قسم الورى قسمين هذا عاقل لا ديـن فيـه ودين لا عقل له وفي هذه السنة توفي أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني مقدم أصحاب الحديث بخراسان وكان فقيهاً خطيباً إماماً في عدة علوم‏.‏

وفيها توفي أياز غلام محمود سبكتكين وله مع محمود أخبار مشهورة‏.‏

وفيها مات أبو أحمد عدنان بن الشريف الرضي نقيب العلويين‏.‏

ثم دخلت سنة خمسين وأربعمائة

الخطبة بالعراق للمستنصر العلوي في هذه السنة سار إبراهيم ينال بعد انفصاله عن الموصل إلى همذان وسار طغرلبك من بغـداد فـي إثـر أخيـه أيضـاً إلـى همـذان وتبعـه مـن كـان ببغداد من الأتراك فقصد البساسيري بغداد ومعه قريش بن بدران العقيلي في مائتي فرس ووصل إليها يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام ونزل بمشرعة الزوايا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي خليفة مصر وأمر فأذن بحي على خير العمل ثم عبر عسكره إلى الزاهر وخطب بالجمعة الأخرى من وصوله للمصري بجامع الرصافة أيضاً وجرى بينه وبين مخالفيه حروب في أثناء الأسبوع وجمع البساسيـري جماعتـه ونهـب الحريـم ودخـل البـاب النوبـي فركـب الخليفـة القائـم لابساً للسواد‏.‏

وعلى كتفه البردة وبيده سيف وعلى رأسه اللواء وحوله زمرة من العباسيين والخدم بالسيوف المسلولة وسرى النهب إلى باب الفردوس من ثأره فلما رأى القائم ذلك رجع إلى ورائه ثم صعد إلى المنظرة ومع القائم رئيس الرؤساء وقال رئيس الرؤساء لقريش بـن بدران‏:‏ يا علم الدين أمير المؤمنين القائم يستذم بذمامك وذمام رسول الله وذمام العربية على نفسه وماله وأهله وأصحابه فأعطى قريش محضرته ذماماً فنزل القائم ورئيس الرؤسـاء إلـى قريش من الباب المقابل لباب الحلبة وسارا معـه فأرسـل البساسيـري إلـى قريـش وقـال لـه‏:‏ أتخالـف مـا استقـر بيننـا وتنقـض مـا تعاهدنـا عليـه وكانـا قـد تعاهـدا علـى المشاركـة وأن لا يستبد أحدهما دون الآخر ثم اتفقا على أن يسلم رئيس الرؤساء إلى البساسيري لأنه عدوه ويبقى الخليفة القائم عند قريش وحمـل قريـش الخليفـة إلـى معسكـره ببردتـه والقضيـب ولوائـه ونهبـت دار الخليفـة وحريمهـا أيامـاً‏.‏

ثـم سلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارس وسار به مهارس والخليفة في هودج إلى حديثـة عانـة فنـزل بهـا وسـار أصحـاب الخليفـة إلـى طغرلبـك وأمـا البساسيري فإنه ركب يوم عيد النحر إلى المصلى بالجانب الشرقي وعلى رأسه ألوية خليفة مصر وأحسن إلى الناس ولم يتعصب لمذهب وكانت والدة القائم باقية وقد قاربت تسعين سنة فأفرد لها البساسيري داراً وأعطاها جاريتين من جواريها وأجرى لها الجراية وكان قد حبس البساسيري رئيس الرؤساء فأحضره من الحبس فقال رئيس الرؤساء‏:‏ العفو‏.‏

فقال له البساسيري‏.‏

أنت قدرت فما عفـوت وأنـت صاحـب طيلسـان وفعلـت الأفعـال الشنيعـة مـع حرمـي وأطفالـي وكانـوا قـد ألبسـوا رئيـس الرؤساء استهزاء به طرطوراً من لبد أحمر وفي رقبته مخنقـة جلـود وطافـوا بـه إلـى النجمـي وهـو يقـرأ‏:‏ ‏)‏قـل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشـاء وتعـز مـن تشـاء وتـذل مـن تشـاء بيـدك الخيـر إنـك علـى كـل شـيء قديـر‏(‏ ‏(‏آل عمـران‏:‏ 6‏)‏ فلما مر رئيس الرؤساء بتلك الحالة على أهل الكرخ بصقوا في وجهه لأنه كان يتعصب عليهـم‏.‏

ثـم ألبـس جلـد ثـور وجعلـت قرونـه علـى رأسه وجعل في كفه كلابان من حديد وصلب وبقـي إلـى آخـر النهـار ومـات وأرسل البساسيري إلى المستنصر العلوي بمصر يعرفه بإقامة الخطبة لـه بالعـراق وكـان الوزير هناك ابن أخي أبي القاسم المغربي وهو ممن هرب من البساسيري فبرد فعل البساسيري وخوف من عاقبته فتركت أجوبته مدة ثم عادت بخلاف ما أمله ثم سار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصر فملكهما وأما طغريل بك فكان قد خرج عليه أخوه إبراهيـم ينـال وجرى بينه وبينه قتال وآخره أن طغريل بك انتصر على أخيه إبراهيم ينال وأسره وخنقه بوتر وكان قد خرج عليه مراراً وطغريل بك يعفو عنه فلم يعف عنه في هذه المرة‏.‏

عود الخليفة القائم إلى بغداد وقتل البساسيري

وكـان ذلـك فـي السنـة القابلـة سنة إحدى وخمسين فقدم ذكر هذه الواقعة في هذه السنة لتكون أخبارها متتابعة إلى منتهاها فنقول‏:‏ إنه لما فرغ طغريل بك من أمم أخيه إبراهيم ينال وقتله سـار إلى العراق لرد الخليفة إلى مقر ملكه وأرسل إلى البساسيري يقول‏:‏ رد الخليفة إلى مكانه وأنا أرضى منك بالخطبة ولا أدخل العراق فلم يجب البساسيري إلى ذلك‏.‏

فسار طغريل بك فلما قارب إلى بغداد انحدر منها خدم البساسيري وأولاده في دجلة وكان دخول البساسيري وأولاده سنة خمسين سادس ذي القعدة وخروجهم من بغداد في سنة إحدى وخمسين سادس ذي القعـدة أيضـاً ووصـل طغريـل بـك إلـى بغـداد وأرسـل في طلب الخليفة القائم إلى مهارس فسار مهـارس والخليفـة إلـى بغـداد فـي السنـة المذكورة أعني سنة إحدى وخمسين في حادي عشر ذي القعدة وأرسل طغريل بـك الخيـام العظيمـة والآلـات لملتقـى الخليفـة القائـم ووصـل الخليفـة إلـى النهـروان رابـع وعشريـن ذي القعـدة وخر طغريل بك لتلقيه واجتمع به واعتذر عن تأخره بعصيان أخيه إبراهيم وأنه قتله عقوبة لما جـرى منـه وبوفـاة أخيـه داود بخراسـان وسـار مـع الخليفـة ووقـف طغريـل بـك فـي البـاب النوبـي مكـان الحاجـب‏.‏

وأخذ بلجام بغلة الخليفة حتى صار على بـاب حجرتـه ودخـل الخليفـة إلـى داره يـوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين ثم أرسل طغريل بك جيشاً خلف البساسيري ثم سار طغريل بك في إثرهم واقتتل الجيش والبساسيري‏.‏

ثامن ذي الحجة فقتل البساسيري وانهزم أصحابه وحمل رأسه إلى طغريل بك وأخذت أموال البساسيري مع نسائه وأولاده ثم أرسل طغريل بك رأس البساسيري إلـى دار الخلافـة فصلـب قبالـة البـاب النوبـي وكـان البساسيري مملوكاً تركياً من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة‏.‏

واسمه أرسلان وهو منسوب إلى مدينة بسا بفارس وكان سيد هذا لمملوك من بسا فقيل له البساسيري لذلك والعرب تجعل عوض الباء فاء فتقول فسا ومنها أبو علي الفارسي النحوي‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هـذه السنـة أعنـي سنـة خمسيـن وأربعمائـة توفـي شهـاب الدولـة أبـو الفـوارس منصـور بـن الحسيـن الأسدي صاحب الجزيرة واجتمعت عشيرته على ولده صدقة وفيها توفي الملك الرحيم أبو نصر خسره فيروز آخر ملوك بني بويه بعد أن نقل من قلعة السيروان إلى قلعة الري فمات بها مسجونـاً وهـو الملـك الرحيـم بـن أبي كاليجار المرزبان بن سلطان الدول بن بهاء الدولة بن عضد الدولـة بـن ركـن الدولـة بن بويه‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو الطيب الطبري الفقيه الشافعي وله مائة سنة وسنتان وكان صحيح السمع والبصر سليم الأعضاء يناظر ويفتي ويستدرك على الفقهاء ودفـن عنـد قبـر أحمـد بـن حنبـل‏.‏

وفيهـا توفـي قاضـي القضـاة أبـو الحسيـن علـي بن محمد بن حبيب الماوردي وله تصانيف كثيرة منها الحاوي المشهور وعمره ست وثمانون سنة أخذ الفقه عن أبي حامد الإسفراييني وغيره ومن مصنفاته تفسير القرآن والنكت والعيون والأحكام السلطانية وقانون الوزارة والماوردي نسبة إلى بيع ماء الورد‏.‏

وفيها كانت زلزلة عظيمة لبثت ساعة بالعراق والموصل فخربت كثيراً وهلك فيها الجم الغفير‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وأربعمائة

وفاة فرخزاد صاحب غزنة في هذه السنة وقيـل فـي سنـة تسـع وأربعيـن توفـي الملـك فرخـزاد بـن مسعـود بـن محمـود بـن سبكتكيـن صاحب غزنة بالقولنج وملك بعده أخوه إبراهيم بن مسعود فأحسن السيرة وغزا الهند وفتح حصوناً‏.‏

وكان ديناً ولما استقر في ملك غزنة صالح داود بن ميكائيل بن سلجوق صاحب خراسان‏.‏

وفاة داود وملك ابنه ألب أرسلان في هذه السنة في رجب توفي داود بن ميكائيل بن سلجوق أخو طغريل بك وعمره سبعون سنة صاحب خراسان وهو مقاتل آل سبكتكين ولما توفي داود ملك خراسان بعده ابنه ألب أرسلان وكان لداود من البنين ألب أرسلان وياقوتي وقاروت بك وسليمان فتزوج طغريل بك بأم سليمان امرأة أخيه‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيها قدم طغريل بك إلى بغداد وأعاد الخليفة وقتل البساسيري حسبما ذكرنا‏.‏

وفيها توفي علـي بن محمود بن إبراهيم الزوزني وهو الذي ينسب إليه رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور ببغداد‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة

فيها ملك محمود بن شبل الدولة نصر بن صالح بن مـرداس حلـب علـى ما تقدم ذكره في سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏

وفيها سار طغريل بك من بغداد إلـى بلـاد الجبـل فـي ربيـع الـأول وجعـل الأميـر برسـق شحنـة ببغـداد‏.‏

وفيهـا توفيـت والـدة القائـم وهي جارية أرمنية قيل اسمها قطر الندى‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة

وفاة المعز صاحب إفريقية

وفي هذه السنة توفي المعز بن باديس بضعف الكبد وكانت مدة ملكه سبعاً وأربعين سنة وكـان عمـره لمـا ملـك قيـل إحدى عشرة سنة وقيل ثمان سنين وملك بعده ابنه تميم بن المعز ولما مات المعز طمعت أصحاب البلاد بسبب العرب وتغلبهم على بلاد إفريقية كما قدمنا ذكره‏.‏

وفاة قريش صاحب الموصل وفيها توفي قريش بن بدران بن المقلد بن المسيب صاحب الموصل ونصيبين وكانت وفاته بنصيبين بخروج دم من حلقه وأنفه وأذنيه وقام بالأمر بعده ابنه شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش‏.‏

وفاة نصر الدولة بن مروان وفـي هـذه السنـة توفـي نصـر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر - وكان عمـره نيفـاً وثمانيـن سنـة وإمارتـه اثنتيـن وخمسيـن سنـة لـأن تملكـه كـان فـي سنة اثنتين وأربعمائة كما قدمنا ذكره في سنة ثمانين وثلاثمائة واستولى أبو نصر على أموره وبلاده استيلاء تاماً وتنعم تنعماً لم يسمع بمثله وملك من الجواري المغنيات ما اشترى بعضهن بخمسة آلاف دينار وأكثر وملـك خمسمائة سرية سوى توابعهن وخمسمائة خادم وكان في مجلسه من الآلات ما تزيد قيمته علـى مائتـي ألـف دينار وأرسل طباخين إلى مصر حتى تعلموا الطبخ هناك وقدموا عليه وغرم على ذلك جملة ووزر له أبو القاسم المغربي وفخر الدولة بن جهير ووفد إليه الشعراء وأقام عنده العلماء ولما مات نصر الدولة المذكور خلف ابنين نصراً وسعيداً ابني المذكور فاستقر في الأمر بعده ابنه نصر بن أحمد بميافارقين وملك أخوه سعيد بن أحمد آمد‏.‏

وفاة أمير مكة في هذه السنة توفي شكر العلوي الحسيني أمير مكة وله شعر حسن فمنه‏:‏ قوض خيامك عن أرض تضام بها وجانب الذل إن الـذل مجتنـب وارحل إذا كان في الأوطان منقصة فالمندل الرطب في أوطانه حطب

ثم دخلت سنة أربع وخمسين وأربعمائة

فيها تزوج طغريل بك ببنت الخليفة القائم وكان العقد في شعبان بظاهر تبريز وكان الوكيل في تزويجها من جهة القائم عميد الملك وفيها استوزر القائـم فخـر الدولـة أبـا نصـر بـن جهيـر بعـد مسيـره عـن ابـن مـروان‏.‏

وفيهـا توفـي القاضـي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي الفقيه الشافعي صاحب كتـاب لشهـاب وكتـاب الأنبـاء عن الأنبياء وتواريخ الخلفاء وكتاب خطط مصر‏.‏

تولى قضاء مصر من جهة الخلفاء العلويين مصريين وتوجه منهم رسولا إلى جهة الروم والقضاعي منسوب إلى قضاعة وهو من حمير وينسـب إلـى قضاعـة قبائـل كثيـر منهـا‏:‏ كلـب وبلـى وجهينـة وعـدوة وغيرهم وقيل‏:‏ قضاعة بن معد بن عدنان‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وخمسين وأربعمائة

أخبار اليمن مـن تاريـخ اليمـن عمـارة قـال‏:‏ وفي هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين وأربعمائة تكامل جميع اليمن لعلي بن القاضي محمد بن علي الصليحي وكان القاضي محمد والـد علـي الصليحـي المذكور سني المذهب وله الطاعة في رجال حراز وهم أربعون ألفاً ببلاد اليمن فتعلم ابنه علي المذكور مذهب الشيعة وأخذ أسرار الدعوة عن عامر بن عبد الله الرواحي وكان عامر المذكور من أهل اليمن وهو أكبر دعاة المستنصر الفاطمي خليفة مصر فصحبه علي بن محمد الصليحي وتعلم منه أسرار الدعوة فلما دنت من عامر الوفاة أسند أمـر الدعـوة إلـى علـي المذكور فقام بأمر الدعوة أتم قيام وصار علي بن محمد الصليحي المذكور دليلا لحجاج اليمن يحـج بهـم علـى طريـق الطائف وبلاد السرو وبقي على ذلك عدة سنين وفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة ترك دلالة الحجاج وثار بستين رجلا وصعد إلى رأس مشاف وهو أعلى ذروة من جبـال حـراز ولـم يـزل يستفحـل أمـره شيئًـا فشيئـاً حتـى ملـك جميـع اليمـن فـي هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين وأربعمائة‏.‏

ولما تكامل لعلي الصليحي ملك اليمن ولى على زبيد أسعد بن شهاب بن علي الصليحي وأسعد المذكور هو أخو زوجته أسماء بنت شهاب وابن عم علي المذكور‏.‏

وبقي علي الصليحي مالكاً لجميع اليمن حتى حج فقصده بنو نجاح وقتلوه بغتـة بالهجم علب بضيعـة يقـال لهـا أم الدهيـم وبيـرام معبـد فـي ذي القعـدة سنـة ثلـاث وسبعيـن وأربعمائـة فلمـا قتل الصليحي المذكور استقرت التهائم لبني نجاح واستقر بصنعاء ابن الصليحي المذكور وهو أحمد بن علي بن القاضي محمد الصليحي وكـان يلقـب أحمـد المذكـور بالملـك المكرم ثم جمع المكرم المذكور العرب وقصد سعيد بن نجاح بزبيد وجرى بينهما قتال شديد فانهزم سعيد بن نجاح إلى جهة دهلك وملك أحمد المذكور زبيد في سنة خمس وسبعين وأربعمائـة ثـم عـاد ابن نجاح وملك زبيد في سنة تسع وسبعين وأربعمائة ثم عاد أحمد المكرم وقتل سعيد في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة‏.‏

ثـم ملـك جيـاش أخـو سعيـد وبقـي أحمـد المكـرم علـى ملـك صنعـاء حتـى مـات المكـرم في سنة أربع

وثمانيـن وأربعمائـة ولمـا مـات أحمـد المكـرم بـن علي بن القاضي محمد بن علي الصليحي تولى بعده ابن عمـه أبـو حميـر سبـأ بـن أحمـد بـن المظفـر ابـن علـي الصليحـي فـي السنـة المذكـورة أعنـي سنـة أربـع وثمانيـن وأربعمائـة وبقـي سبـاً متوليـاً حتـى توفـي فـي سنـة خمـس وتسعيـن وأربعمائـة وهـو آخر الملوك الصليحيين‏.‏

ثـم بعـد مـوت سبـأ أرسـل مـن مصـر علـي بـن إبراهيـم بن نجيب الدولة فوصل إلى جبال اليمن في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقام بأمر الدعوة والمملكة التي كانت بيد سبأ وبقي ابن نجيب الدولـة حتـى أرسـل الآمر الفاطمي خليفة مصر وقبض على ابن نجيب الدولة المذكور بعد سنة عشريـن وخمسمائة وانتقل الملك والدعوة إلى آل الزريع بن العباس بن المكرم‏.‏

وآل الزريع هم أهل عدن وهم من همذان بن جشم وهؤلاء بنو للمكرم يعرفون بآل الذيب وكانت عدن لزريع بن العباس بن المكرم ولعمه مسعود بن المكرم فقتلا على زبيد مع الملك المفضل فولى بعدهما ولداهما وهما أبو السعود بن زريع وأبو الغارات ابن مسعود وبقيا حتى ماتا وولى بعدهما محمد بن أبي الغارات ثم ولى بعده ابنه على بن محمد بن أبي الغارات‏.‏

ثـم استولـى علـى الملـك والدعوة سبأ بن أبي السعود بن زريع وبقي حتى توفي في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ثم تولى ولده الأعز علي بن سبأ وكان مقام علي بالدملوة فمات بالسل وملـك بعـده أخـره المعظـم محمـد بن سبأ ثم ملك بعده ابنه عمران بن محمد بن سبأ وكانت وفاة محمـد بـن سبـأ فـي سنـه ثمـان وأربعيـن وخمسمائـة ووفـاة عمـران بـن محمـد بن سبأ في شعبان سنة ستيـن وخمسمائـة وخلـف عمـران ولديـن طفليـن همـا محمـد وأبـو السعـود ابنـا عمـران‏.‏

وممن ولي الأمر مـن الصليحيين زوجة أحمد المكرم وهي الملكة ولقبها الحرة واسمها سيدة بنت أحمد بن جعفر بن موسى الصليحي ولدت سنة أربعين وأربعمائة وربتها أسماء بنت شهاب وتزوجها ابن أسماء أحمـد المكـرم بـن علـي الصليحـي سنـة إحـدى وستيـن وأربعمائـة وطالـت مـدة الحـرة المذكورة وولاها زوجها أحمد المكرم الأمر في حياته فقامت بتدبير المملكة والحروب واشتغل زوجها بالأكل والشرب ولما مات زوجها وتولى ابن عمه سبأ استمرت هي في الملك ومات سبـأ وتولى ابن نجيب الدولة في أيامها واستمرت بعده حتى توفيت الحرة المذكورة‏.‏

في سنة اثنتيـن وثلاثيـن وخمسمائـة وممـن كـان لـه شركـة فـي الملـك‏:‏ الملـك المفضـل أبـو البركـات بـن الوليـد الحميـري صاحب تعز وكان المفضل المذكور يحكم بين يدي الملكة الحرة وكان يحتجب حتى لا يرجى لقـاؤه ثـم يظهـر ويدبـر الملـك حتى يصل إليه القوي والضعيف وبقي المفضل كذلك حتى توفي في شهر رمضان سنة أربع وخمسمائة وملك معامل المفضل وبلاده بعده ولده منصـور ويقـال لـه الملك المنصور بن المفضل واستمر المنصور بن المفضل في ملك أبيه من تاريخ وفاته إلى سنة سبـع وأربعيـن وخمسمائـة فابتـاع محمـد بـن سبأ بن أبي السعود منه المعامل التي كانت للصليحيين بمائة ألف دينار وعدتها ثمانية وعشرون حصناً وبلداً وأبقى المنصور بن المفضل لنفسه تعز وبقي المنصور فـي ملكهـا حتـى توفـي بعـد أن ملـك نحـو ثمانيـن سنـة‏.‏

وسنذكـر بقيـة أخبـار اليمـن فـي سنة أربع وخمسين وخمسمائة إن شاء الله تعالى‏.‏

دخول طغريل بك بابنة الخليفة وفـي هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين وأربعمائة قدم طغريل بك إلى بغداد ودخل بابنة الخليفة وحصل من عسكره الأذية لأهل بغداد لإخراجهم من دورهم وفسقهم بنسائهم أخذاً باليد‏.‏

وفاة طغريل بك فـي هـذه السنـة بعـد دخـول طغريـل بـك بابنـة الخليفـة سـار مـن بغـداد فـي ربيع الأول إلى بلد الجبل فوصـل إلـى الـري فمـرض وتوفـي يـوم الجمعـة ثامـن شهـر رمضـان مـن هذه السنة وعمره سبعون سنة تقريباً وكان طغريل بك عقيماً لم يرزق ولداً واستقرت السلطنة بعده لابن أخيه ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق‏.‏

غير ذلك فيها دخل الصليحي صاحب اليمن إلى مكة مالكاً لها فأحسن السيرة وجلب إليها الأقوات وفيهـا كـان بالشام زلزلة عظيمة خرب بها كثير من البلاد وانهدم بها سور طرابلس‏.‏

وفيها ولي أميـر الجيـوش بـدر مدينة دمشق للمستنصر العلوي خليفة مصر ثم ثار به الجند ففارقها‏.‏

وفيها توفي سعيد بن نصر الدولة أحمد بن مروان صاحب آمد من ديار بكر‏.‏

ثم دخلت سنة ست وخسمين وأربعمائة

القبض على الوزير عميد الملك وقتله فـي هـذه السنـة قبـض السلطـان ألـب أرسلان على الوزير عميد الملك أبي نصر منصور بن محمد الكندري وزير عمه طغريل بك بسبب سعي نظام الملك وزير ألب أرسلان به فقبض ألب أرسلـان على عميد الملك وحبسه في مروروز فلما مضى على عميد الملك في الحبس سنة أرسل ألب أرسلان إليه غلامين ليقتلا فدخل عميد الملك ورع أهله وصلى ركعتين وخرق خرقه من طرف كمه وعصب عينيه بها فقتلاه بالسيف وقطع رأسه وحملت جثته إلى كندر فدفـن عنـد أبيـه وكـان عمـره نيفـاً وأربعيـن سنـة وكان عميد الملك خصياً‏.‏

لأن طغريل بك أرسله ليخطـب لـه امـرأة فتزوجها عميد الملك فخصاه طغريل بك لذلك وكان عميد الملك كثير الوقيعة فـي الشافعـي حتـى خاطـب طغريـل بـك فـي لعـن الرافضـة على منابر خراسان فأمر له بذلك فأمر بلعنهم وأضاف إليهم الأشعرية فأنف من ذلك أئمة خراسان منهم أبو القاسم القشيري وأبو المعالـي الجويني وأقام بمكة أربع سنين ولهذا لقب إمام الحرمين ومن العجب أن ذكر عبد الملك ومخاصيه دفن بخـوارم لمـا خصـي ودمـه سفـح بمـرو وجسـده دفـن بكنـدر ورأسـه مـا عـدا قحفه دفن بنيسابور ونقل قحفه إلى كرمان لأن نظام الملك كان هناك‏.‏

غير ذلك فـي هـذه السنـة ملـك ألـب أرسلـان قلعـة ختلان ثم سار إلى هراة فحاصر عمه بيغو بن ميكائيل بـن سلجوق بها وملكها وأخرج عمه ثم أحسن إليه وأكرمه ثم سار إلى صغائيان فملكها أيضاً بالسيـف وكـان اسـم صاحبهـا موسى فأخذ أسيراً وفي هذه السنة أمر ألب أرسلان بعود بنت الخليفـة القائـم إلـى بغـداد وكانت قد سارت إلى طغريل بك إلى الري بغير رضى الخليفة‏.‏

وفيه هذه السنة عصى قطلومش بن أرسلان بن سلجوق على ألب أرسلان فأرسل إليه ونهاه عن ذلك وعرفه أنه يرعى له القرابة والرحم فلم يلتفت قطلومش إلى ذلك فسار إليه ألب أرسلان إلى قرب الري والتقى العسكران واقتتلوا فانهزم عسكر قطلومش وهرب إلى جهة قلعة كردكوه فلما انقضى القتال وجد قطلومش ميتاً قيل إنه مات من الخوف فعظم موته على ألب أرسلان وبكى عليه وقعد للعزاء وعظم عليه فقده فسلاه نظام الملك ودخل ألب أرسلان مدينة الري فـي آخـر المحـرم مـن هـذه السنة وهذا قطلومش السلجوقي هو جد الملوك أصحاب قونية وأقصرا وملطيـة إلـى أن استولـى التتر على مملكتهم على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وكان قطلومش مع أنه رجل تركي عارفاً بعلم النجوم وقد أتقنه‏.‏

وفـي هـذه السنـة شاع ببغداد والعراق وخوزستان وكثير من البلاد أن جماعة من الأكراد خرجوا يتصيـدون فـرأوا فـي البريـة خيمـاً سوداء وسمعوا منها لطماً شديداً وعويلا كثيراً وقائلا يقول‏:‏ قد مات سيدوك ملك الجن وأي بلد لم يلطم أهله قلع أصله فصـدق ذلـك ضعفـاء العقـول مـن الرجال والنساء حتى خرجوا إلى المقابر يلطمن وخرج رجال من سفلة الناس يفعلون ذلك قال ابـن الأثيـر‏:‏ ولقـد جـرى ونحـن فـي الموصـل وغيرهـا مـن تلـك البلـاد فـي سنـة ستمائـة مثـل هـذا وهو أن النـاس أصابهـم وجـع كثيـر فـي حلوقهـم فشاع أن امرأة من الجن يقال لها أم عنقود مات ابنها عنقود وكل من لا يعمل مأتماً أصابه هذا المرض فكان النساء وأوباش النـاس يلطمـون علـى عنقـود ويقولون يا أم عنقود اعذرينا قد مات عنقود ما درينا‏.‏

وإنما أوردنا هذا لأن رعاع الناس إلى يومنا هذا وهو سنة سبعمائة وخمس عشرة يقولون بأم عنقـود وحديثهـا ليعلـم تاريـخ هـذا الهذيان من متى كان‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم علي بن برهان الأسـد النحـوي المتكلـم وكـان لـه اختيـار فـي الفقـه وكـان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس‏.‏

ولم يقبل من أحد شيئاً وكان يميل إلى مذهب مرجئة المعتزلة ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار وكان قد جاوز ثمانين سنة‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وخمسين وأربعمائة

وفيها عبر ألب أرسلان جيحون وسار إلى جند وصبران وهما عند بخارى وقبر جده سلجوق بجند فخرج صاحب جند إلى طاعته فأقره على مكانه ووصل إلى كركنج خوارزم وسار منها إلى مرو‏.‏

وفيها ابتدأ نظام الملك بعمارة المدرسة النظامية ببغداد‏.‏

ثم دخلت سنة ثمـان وخمسيـن وأربعمائـة

وفيها أقطع ألب أرسلان شرف الدولة مسلم بن قريش بـن بـدار بـن المقلـد بـن المسيـب صاحـب الموصل الأنبار وتكريت زيادة على الموصل‏.‏

وفيها توفي أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخسروجردي وكان إماماً في الحديث والفقه على مذهب الشافعي وكان زاهداً ومات بنيسابور ونقل إلى بيهق وبيهـق قـرى مجتمعـة بنواحـي نيسابور على عشرين فرسخاً منها وكان البيهقي من خسرو جرد وهي - قرية من بيهق - وكـان البيهقي أوحد زمانه رحل في طلب الحديث إلى العراق والجبال والحجاز وصنف شيئاً كثيراً وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات ومن مشهور مصنفاته السنن الكبير والسنن الصغير ودلائل النبوة وكان قانعاً من الدنيا بالقليل ومولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائـة‏.‏

وقـال إمـام الحرميـن في حقه‏:‏ ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقـي فـإن لـه علـى الشافعي منة لأنه كان أكثر الناس نصر المذهب الشافعي‏.‏

وفيها توفي أبو علي محمد ابن الحسين بن الحسن بن الفراء الحنبلي وعنه انتشر مذهب أحمد بن حنبل وهو مصنف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض وكان ابن التميمي الحنبلي يقول‏:‏ لقد خرى أبو يعلي بن الفراء على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده المرسي وكان إماماً في اللغة صنف فيها المحكم وهو كتاب مشهـور ولـه غيـره عـدة مصنفـات وكـان ضريـراً وتوفـي بدانية من شرق الأندلس وعمره نحو ستين سنة‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة

فيها في ذي القعدة فرغت عمارة المدرسة النظامية وتقـرر التدريـس بهـا للشيـخ أبـي إسحـاق الشيـرازي واجتمع الناس فتأخر أبو إسحق عن الحضور لأنه سمع شواذاً أن أرض المدرسة مغصوبة ولما تأخر ألقي الدرس بها إلى يوسف بن الصباغ صاحب كتاب الشامل مدة عشرين يوماً ثم اجتهدوا بأبي إسحاق فلم يزالوا به حتى درس فيها‏.‏

ثم دخلت سنة ستين وأربعمائة

فيها كانت بفلسطين ومصر زلزلة شديدة حتى طلع الماء من رؤوس الآبار وهلك من الردم عالم عظيم وزال البحر عـن الساحـل مسيـرة يـوم فنـزل النـاس أرضـه يلتقطـون فرجـع المـاء عليهـم وأهلـك خلقاً كثيراً‏.‏

وفيها توفي الشيخ أبو منصور عبد الملك بن يوسف وكان من أعيان الزمان‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وستين وأربعمائة

فيها احترق جامع دمشق بسبب فتنة وقعت بين المغاربة والمشارقـة فضربـت دار مجـاورة للجامـع بالنـار فاتصلـت النـار بالجامـع وعجـز النـاس عن إطفائها فأتى الحريق على الجامع فدثرت محاسنه وزال ما كان فيه من الأعمال النفيسة‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وستين وأربعمائة

في هذه السنة توفي طفغاج خان ملك ما وراء النهر واسمه أبو إسحاق إبراهيم بن نصر أيلك خان وملك بعده ابنه شمس الملك نصر بن طفغاج وبقـي شمـس الملـك حتـى توفـي ولم يقع لي تاريخ وفاته وملك بعده أخوه حصر خان بن طفغاج ثم ملك بعده ابنه أحمد وبقي أحمد المذكور حتى قتل سنة ثمان وثمانين وأربعمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها كان بمصر غلاء شديد حتى أكل النـاس بعضهـم بعضـاً وانتـزح منهـا مـن قـدر علـى الانتـزاح واحتـاج خليفة مصر المستنصر العلوي إلى إخراج الآلات وبيعها فأخرج من خزانته ثمانين ألف قطعة بلور كبار وخمساً وسبعين ألف قطعة مـن الديبـاج وأحـد عشـر ألـف كزغنـدو

ثم دخلت سنة ثلـاث وستيـن وأربعمائة

فيها قطع محمود بن نصر بن صالح ابن مرداس صاحب حلب خطب المستنصر العلوي وخطب للقائم العباسي خليفة بغداد‏.‏

وفيها سار السلطـان ألب أرسلان إلى ديار بكر فأتى صاحبها نصر بن أحمد بن مروان إلى طاعته وخدمته ثم سـار ألـب أرسلـان حتـى نزل على حلب فبذل صاحبها محمود بن نصر بن صالح بن مرداس له الطاعـة بـدون أن يطـئ بساطـه فلـم يـرض ألـب أرسلـان بذلـك فخـرج محمـود ووالدته ليلا ودخلا على السلطان ألب أرسلان فأحسن إليهما وأقر محموداً على مكانه بحلب‏.‏

وفيها سار ملك الروم أرمانوس بالجموع العظيمة من أنـواع الـروم والـروس والجركـس وغيرهـم حتى وصل إلى ملاز كرد فسار إليه ألب أرسلان وسأل الهدنة من ملك الروم فامتنع واقتتل الجمعان فولى الروم منهزمين وقتل منهم ما لا يحصى وأخذ الملك أرمانوس أسيراً فشرط ألب أرسلان عليه شروطاً من حمـل المـال والأسـرى والهدنـة فأجـاب أرمانـوس إليهـا فأطلقـه ألـب أرسلان وحمله إلى مأمنه‏.‏

وفيها قصد يوسف بن أبق الخوارزمي وهو من أمراء ملكشاه بن ألب أرسلان الشام وفتح مدينة الرملة وبيت المقدس وأخذهما من نواب الخليفـة المستنصـر صاحـب مصـر ثـم حصـر دمشق وضيق على أهلها ولم يملكها‏.‏

وفي هذه السنة توفي أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الغوراني الفقيه الشافعي مصنف كتاب الإبانة وغيره‏.‏

وفيها توفي أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون الأندلسي القرطبي وكان من أبناء الفقهاء بقرطبة ثم انتقل وخدم المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية وصار عنده وزيره‏.‏

ولابن زيدون المذكور الأشعار الفائقة منها‏:‏ بيني وبينك ما لو شئت لم يضع سراً إذا ذاعت الأسرار لم يذع يا بائعاً حظه مني ولـو بذلـت لـي الحيـاة بحظـي منه لم أبع يكفيك أنك لو حملت قلبي مـا لم تستطعه قلوب الناس يستطع ته أحتمل واستطل أصبر وأعز أهن وول أقبل وقل أسمع ومـر أطـع ومن قصائده المشهورة قصيدته النونية التي منها‏:‏ تكاد حين تناجيكـم ضمائرنـا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا وفيهـا فـي ذي الحجـة توفـي ببغداد الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي صاحب المصنفات الكثيرة وكان إمام الدنيا في زمانه وممن حمل جنازته الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وصنف تاريخ بغداد الذي ينبئ عن إطلاع عظيم وكان من المتجرين وكان فقيهاً فغلب عليه الحديـث والتاريـخ ومولده في جمادى الآخر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وكان الخطيب المذكور فـي وقتـه حافـظ الشـرق وأبـو عمـرو يوسـف بـن عبـد البـر صاحب الاستيعاب حافظ الغرب وماتا فـي هـذه السنـة ولـم يكـن للخطيـب عقب وصنف أكثر من ستين كتاباً وأوقف جميع كتبه رحمه اللـه‏.‏

وأمـا ابـن عبـد البـر المذكـور فهـو يوسـف بـن عبـد اللـه بـن محمـد بـن عبـد البـر بن عاصم النمري القرطبـي كـان إمام وقته في الحديث ألف كتاب الاستيعاب في أسماء الصحابة وصنف كتاب التمهيد على موطأ مالك تصنيفاً لم يسبق إليه وكتاب الدرر في المغازي والسير وغير ذلك وكان موفقاً في التأليف معاناً عليه وسافر من قرطبة إلى شرق الأندلس وتولى قضاء أشبونه وشنترين وصنف لمالكها المظفر بن الأفطس كتاب بهجة المجالس في ثلاثة أسفار جمع فيه أشيـاء مستحسنـة تصلـح للمحاضـرة وممـا ذكـره فـي الكتـاب المذكـور أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فـي منامـه أنـه دخـل الجنـة ورأى فيهـا عذقاً مدلى فأعجبه وقال‏:‏ لمن هو فقيل‏:‏ لأبي جهل‏.‏

فشـق عليـه ذلك وقال‏:‏ ما لأبي جهل والجنة والله لا يدخلها أبداً فلما أتاه عكرمة بن أبي جهل مسلماً‏.‏

فرح به وتأول ذلك العذق ابنه عكرمة‏.‏

ومن ذلك ما روي عن جعفر بن محمد الصادق أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كأن كلباً أبقع يلغ في دمه فكان شمر بن أبي جوشن قاتل الحسين وكان أبرص‏.‏

فتفسرت رؤياه بعد خمسين سنة‏.‏

ومنـه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه‏:‏ يا أبا بكر رأيت كأني وأنت نرقى في درجة فسبقتك بمرقانين ونصف فقال أبو بكر يا رسول الله يقبضك الله إلى رحمته وأعيش بعدك سنتين ونصفاً‏.‏

ومنـه أن بعض أهل الشام قص على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ رأيت كأن الشمس والقمر اقتتلا ومع كل واحد منهما فريق من النجوم فقال عمر‏:‏ أيهما كنـت قـال مـع القمـر‏.‏

قال‏:‏ مع الآية الممحوة والله لا توليت لي عملا‏.‏

فقتل الرائي المذكور على صفين وكـان مـع معاوية‏.‏

ومنه أن عائشة رضي الله عنها رأت كأن ثلاثة قمر سقطن في حجرها‏.‏

فقال لها أبوها أبو بكر رضـي اللـه عنهمـا‏:‏ يدفـن فـي بيتـك ثلاثـة مـن خيـار أهـل الـأرض‏.‏

فـل دفـن فيـه النبـي صلـى اللـه عليه وسلم قال لها‏:‏ هذا أحد أقمارك‏.‏

ولغرابة ذلك أوردناه‏.‏

وتوفـي الحافـظ بـن عبـد البر المذكور في مدينة شاطبة من الأندلس في هذه السنة أعني سنة ثلاث وستين وأربعمائة‏.‏

وفيها توفيت كريمة بنت أحمد بن محمد المروزية وهي التي تروي صحيح البخاري بمكة‏.‏

وإليها انتهى علو الإسناد الصحيح‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وستين وأربعمائة

وفـي هـذه السنـة فـي رجـب توفـي القاضـي أبـو طالـب بـن عمـار قاضـي طرابلـس وكـان قد استولى عليها واستبد بأمرها فقام مكانه ابن أخيه جلال الملك أبو الحسن ابن عمار فضبـط البلـد أحسن ضبط‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وستين وأربعمائة

مقتل السلطان ألب أرسلان في هذه السنة سـار السلطـان ألـب أرسلـان واسمـه محمـد إلـى مـا وراء النهـر وعقـد علـى جيحون جسراً وعبره في نيف وعشرين يوماً وعسكره يزيد على مائتي ألف فارس ولما عبر السلطـان ألـب أرسلان النهر مد سماطاً في بليدة هناك يقال لها قرير وبتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون فأحضر إليه مستحفظ ذلك الحصن ويقال له يوسف الخوارزمي مع غلامين يحفظانـه وكـان قـد ارتكـب جريمة في أمر الحصن فأمر السلطان أن تضرب له أربعة أوتاد ويشد بأطرافه إليها‏.‏

فقال له يوسف‏:‏ يا مخنث مثلي يقتل هذه القتلة فغضب السلطان وأخذ القوس والنشـاب وقـال للغلامين‏:‏ خلياه ورمام بسهم فأخطأه ولم يكن يخطئ سهمه فوثب يوسف على السلطـان بسكين كانت معه فقام السلطان عن السدة فوقع على وجهه فضربه يوسف بالسكين ثـم جـرح شخصاً آخر واقفاً على رأس السلطان يقال له سعد الدولة ثم ضرب بعض الفراشين يوسف المذكور بمزربة على رأسه فقتله ثم قطعه الأتراك فقال السلطان وهو مجروح‏:‏ لما كان أمـس صعـدت علـى تـل فارتجـت الـأرض تحتـي من عظم الجيش فقلت في نفسي‏:‏ أنا ملك الدنيا وما يقدر أحد علي فعجزني الله بأضعف خلقه وأنا أستغفر الله وأستقيله من ذلك الخاطر وكـان جـرح السلطـان فـي سادس عشر ربيع الأول وتوفي في عاشر ربيع الآخر من هذه السنة وعمره أربعون سنة وشهور وأيام وكانت مدة ملكه مذ خطب له بالسلطنة إلى أن توفي تسع سنين وستة أشهر وأياماً وأوصى بالسلطنة لابنه ملك شاه وكان في صحبته فحلف جميع العسكر لملك شاه واستقر في السلطنة‏.‏

وكان المتولي على الأمر نظام الملك وزير السلطان ألب أرسلان وعماد ملكشاه بالعسكر من بلـاد مـا وراء النهر إلى خراسان وأرسل إلى بغداد وإلى الأطراف فخطب له فيها على قاعدة أبيه ألب أرسلان واستمر نظام الملك على وزارته ونفوذ أمره ولما استقر ملك ملكشاه خرج عمه قاروت بك صاحب كرمان عن طاعته وسار إليه فالتقى الجمعان فانهزم عسكر قاروت بـك وأتـي بـه إلـى ملكشـاه أسيـراً فأمـر بـه فخنق وأقر كرمان على أولاده ولما انتصر ملكشاه كثرت أذية العسكر للبلاد ففوض ملكشاه الأمور إلى نظام الملك وحلف له وزاده من الإقطاعات على ما كان بيده مواضع من جملتها مدينة طوس ولقبـه ألقابـا مـن جملتهـا أتابـك وأصلهـا أطابـك أخبار المستنصر العلوي خليفة مصر وقتل ناصر الدولة‏.‏

فنقول‏:‏ كانت قد استولت والدة المستنصر العلوي خليفة مصر على الأمر فضعف أمر الدولة وصارت العبيد حزباً والأتراك حزباً وجرت بينهم حروب وكان ناصر الدولة وهو من أحفاد ناصـر الدولـة بـن حمـدان مـن أكبر قواد مصر والمشار إليه فأجمعت إليه الأتراك وجرى بينهم وبين العبيد عدة وقعات وحصر ناصر الدولة مصر وقطع الميرة عنها براً وبحراً فغلت الأسعار بها وعدم ما كان بخزائن المستنصر حتى أخرج العروض كما تقدم ذكره وعدم المتحصل بسبب انقطاع السبيل ثم استولى ناصر الدولة على مصر وانهزمت العبيد وتفرقت في البلاد واستبد ناصر الدولة بالحكم وقبض على والدة المستنصر وصادرها بخمسين ألف دينار وتفرق عن المستنصر أولاده وأهله‏.‏

وانقضت سنة أربع وستين وما قبلها بالفتن وبالغ ناصر الدولة في إهانة المستنصر حتى بقي المستنصـر يقعـد علـى حصيـرة لا يقـدر على غير ذلك‏.‏

وكان غرضه في ذلك أن يخطب للخليفة القائم العباسي ففطن بفعله قائد كبير من الأتراك اسمه الدكز فاتفق مع جماعة على قتل ناصر الدولة وقصدوه في داره فخرج ناصر الدولة إليهم مطمئناً بقوته فضربوه بسيوفهم حتى قتلوه وأخذوا رأسه ثم قتلوا فخر العرب أخا ناصر الدولة وتتبعوا جميع من بمصر من بني حمدان فقتلوهم عن آخرهم وكان قتلهم في هذه السنة أعني سنة خمس وستين وبقي الأمر بمصر مضطربـاً ولمـا كـان سنة سبع وستين وأربعمائة ولى الأمر بمصر أمير الجيوش بدر الجمالي وقتل الدكز والوزير ابن كدينة واستقامت الأمور كما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

غير ذلك فيهـا توفـي الإمـام أبـو القاسـم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري النيسابوري مصنف الرسالة وغيرها وكان فقيهاً أصولياً مفسراً كاتباً ذا فضائل جمة‏.‏

وكان له فرس قد أهدي إليه فركبه نحو عشرين سنة فلما مات الشيخ لم يأكل الفرس شيئاً ومات بعد أسبوع ومولده سنة سنـة سـت وسبعيـن وثلاثمائة وكان إماماً في علم التصوف وقرأ أصول الدين على أبي بكر بن فورك وعلى ابن إسحاق الإسفراييني وله تفسير حسن وله شعر حسن فمنه‏:‏ إذا ساعدتك الحال فارقب زوالها فما هي إلا مثـل حلبـة أشطـر وإن قصدتك الحادثات ببوسها فوسع لها ذرع التجلد واصبر وفيهـا توفـي علـي بن الحسين بن علي بن المفضل الكاتب المعرف بصردر الشاعر المشهور وكان أبوه يلقب بشحنة صردر فما بلغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل صردر ومن جيد شعره قوله‏:‏ تسائل عن ثمامات بحزوي وبأن الرمل يعلم ما عنينا فقد كشف الغطاء فمـا نبالـي أصرحنـا بذكـرك أم كنينا ألا لله طيف منك يسقى بكاسات الري زوراً ومينا مطيته طوال الليلة جفنـي فكيف شكا إليك وجـا وأينـا فأمسينـا كأنـا مـا افترقنـا وأصبحنا كأنا مـا التقينـا

ثم دخلت سنة ست وستين وأربعمائة

وفي هذه السنة زادت دجلة وجاءت السيول حتى غرق الجانب الشرقي وبعض الغربي ودخل الماء إلى المنازل من فوق ونبع من البلاليع وغرق من الجانب الغربي مقبرة أحمد ومشهد باب التين وهلك في ذلك خلق كثير‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وستين وأربعمائة

فيها وصل بدر الجمالي إلى مصر وكان بدر متولي سواحل الشام فأرسل إليه المستنصر العلوي يشكو حاله واختلال دولته فركب البحر في قرة الشتـاء فـي زمـن لا يسلـك البحـر فيـه فمـن اللـه تعالى عليه بالسلامة ووصل بدر إلى مصر وقبض على الأمراء والقواد الذين كانوا قد تغلبوا وأخذ أموالهـم وحملهـا إلـى المستنصـر وأقـام منـار الدولة وشيد من أمرها ما كان قد درس ثم سار إلى الإسكندرية ودمياط وأصلح أمورهما ثم عاد إلى مصر وسار إلى الصعيد وقهر المفسدين وقرر قواعد البلاد وأحسن إلى الرعية فعمرت البلاد وعادت مصر وأعمالها إلى أحسن ما كانت عليه‏.‏

وفاة القائم فـي هـذه السنـة ليلـة الخميـس ثالـث عشـر شعبان توفي القائم بأمر الله عبد الله وكنيته أبو جعفر بـن القـادر أحمـد بـن الأميـر إسحـاق بـن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد أحمد وكان قد لحق القائم ماشراً فافتصد فانفجر فصاده وهو نائم وخرج منه دم كثيـر وهـو لا يشعـر ولـم يكـن عنـده أحد فاستيقظ وقد ضعف وسقطت قوته فأحضر الوزير ابن جهير والقضاة وأشهدهم أنه جعل ابن ابنه عبد الله بن ذخيرة الدين محمد بن القائم ولي عهده وتوفي القائم وعمره ست وسبعون سنة وثلاثة أشهر وأيام وكانت خلافته أربعاً وأربعين سنة وثمانيـة أشهـر وخمسـة وعشرين يوماً وقيل عمره ست وتسعون سنة وأشهر‏.‏

خلافة المقتدي بأمر الله

وهو سابع عشرينهم لما توفي القائم بويع المقتدي بأمر الله عبد الله بن ذخيرة الدين بن القائم بالخلافـة وحضـر مؤيـد الملك بن نظام الملك والوزير بن جهير والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ ونقيب النقباء وطراد الزينبي والقاضي أبو عبد الله الدامغاني وغيرهـم مـن الأعيـان فبايعـوه بالخلافـة ولـم يكـن للقائـم ولـد ذكـر سـواء فـإن محمد بن القائم وكان يلقب ذخيرة الدين توفي فـي حيـاة أبيـه القائـم وكان لمحمد بن القائم لما توفي جارية اسمها أرجوان فلما توفي محمد ورأت أرجوان ما نال القائم من المصيبة بانقطاع نسله ذكرت أنها حامل من محمد ابنه فولدت عبد الله المقتدي إلى ستة أشهر من موت محمد فاشتد فرح القائم به وعظم سـروره فلمـا بلـغ المقتدي الحلم جعله القائم ولي عهده‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفيها جمع ملكشاه ونظام الملك جماعة من المنجمين وجعلوا النيروز عند نـزول الشمـس أول الحمـل‏.‏

وكـان النيروز قبل ذلك عند نزول الشمس نصف الحوت‏.‏

وفيها عمل السلطان ملكشاه الرصـد واجتمـع فـي عملـه جماعـة مـن الفضـلاء منهـم عمـر الخيـام وأبـو المظفـر الإسفرائيني وميمون بن النجيب الواسطي وأخـرج عليـه مـن الأمـوال جمـلاً عظيمـة وبقـي الرصـد دائـراً إلـى أن مـات السلطان سنة خمس وثمانين وأربعمائة فبطل‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وستين وأربعمائة

فها ملك أتسز دمشق‏.‏

كنا قد ذكرنا سنة إحدى وستين ملك أتسز الرملة وحصاره دمشـق ثـم رحـل عنهـا وعاودهـم فـي أيـام إدراك الغلـات حتى ضعف عسكر دمشق وتسلمها أتسز في هذه السنة وقطع الخطبة العلوية فلم يخطب بعدهـا فـي دمشـق لهـم وأقـام الخطبـة العباسيـة يـوم جمعة لست بقين من ذي القعدة من هذه السنة وخطب للمقتدي بأمر الله ومنع من الأذان بحي على خير العمل‏.‏

ذكر غير ذلك وفي هذه السنة توفي أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه الواحدي المفسر مصنف الوسيط والبسيط والوجيز في التفسير وهو نيسابوري ويقال له المتوي نسبة إلى جده متويه والواحدي نسبة إلى الواحـد بـن ميسـرة وكـان أستـاذ عصـره فـي النحـو والتفسيـر وشـرح ديـوان المتنبـي وليـس فـي الشـروح مثلـه جـودة وكـان الواحـدي تلميـذ الثعلبـي وتوفـي الواحـدي بعـد مـرض طويـل فـي هذه السنة بنيسابور‏.‏

وفيها توفي الشريف الهاشمي العباس أبو جعفر مسعود بن عبـد العزيـز المعـروف بالبياضـي الشاعر وله أشعار حسنة فمنها‏:‏ كيف يذوي عشب أشوا - قي ولي طرف مطير إن يكـن فـي العشـق حـر فأنـا العبـد الأسيـر أو علـى الحسن زكاة فأنا ذاك الفقير ومنها‏:‏ يا من لبست لبعده ثوب الضنا حتـى خفيـت به عن العواد وأنست بالسهر الطويل فأنسيت أجفان عيني كيف كان رقادي إن كان يوسف بالجمال مقطع الأيدي فأنت مفتت الأكباد وقيل له البياضي لأن بعض أجداده كان مع جماعة من بني العباس وكلهم قد لبسوا أسود غيره فسأل الخليفة عنه وقال من ذلك البياضي فبقي عليه لقباً‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وستين وأربعمائة

فيها سار أتسز المتولي على دمشق إلي مصر وعاد مهزوماً إلى الشام‏.‏

قيل كانت هزيمته لقتال جرى بين الفريقين وقيل بل انهزم بغير قتال وهلك جماعة من أصحابه‏.‏

وفـي هـذه السنـة أورد ابـن الأثير موت محمود بن شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس الكلابي صاحـب حلـب أقـول‏:‏ لكني وجدت في تاريخ حلب تأليف كمال الدين المعروف بابن العديم أن محمـوداً المذكـور مـرض فـي سنـة شـع وستيـن وأربعمائـة وحـدث به قروح في المعى مات بها ولحقه فـي أواخـر عمـره مـن البخـل مـا لا يوصـف ولمـا مات في السنة المذكورة ملك حلب بعده ابنه نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الكلابين فمدحه ابن جيوش بقصدية منها‏:‏ ثمانيـة لـم تفترق مذ جمعتها فلا افترقت ما افتر عن ناظرٍ شفر ضميرك والتقوى وجودك والغنى ولفظك والمعنى وعزمك والنصر وكـان لمحمـود بـن نصـر سجيـة وغالب ظني أن سيخلفها نصر وكان عطية بن جيوش على محمود إذا مدحه ألف دينار فأعطاه نصر ألف دينـار مثـل مـا كان يعطيه أبوه محمود وقال‏:‏ لو قال‏:‏ وغالب ظني أن سيضعفها نصر لأضعفتها له وكان نصر يدمن شرب الخمر فحمله السكر على أن خرج إلـى التركمـان الذيـن ملكـوا أبـاه حلـب وهـم بالحاضر وأراد قتالهم فضربه واحد منهم بسهم نشاب فقتله ولما قتل نصر ملك حلب أخوه سابـق بـن محمـود ولـم يذكـر ابـن الأثيـر تاريـخ قتـل نصـر متـى كان‏.‏

ثم إني وجدت في تاريخ حلب تأليـف كمـال الديـن المعروف بابن العديم تاريخ قتل نصر المذكور قال‏:‏ وفي يوم عيد الفطر سنة ثمـان وستيـن وأربعمائـة عيّـد نصـر بـن محمـود وهـو فـي أحسـن زي وكـان الزمان ربيعاً واحتفل الناس في عيدهم وتجملوا بأفخر ملابسهم ودخل عليه ابن جيوش فأنشده قصيدة منها‏:‏ صفت نعمتان خصتاك وعمتا حديثهما حتى القيامة يؤثر فجلى نصر فشرب إلى العصر وحمله السكر على الخروج إلى الأتراك وسكناهم في الحاضر وأراد أن ينهبهم وحمل عليهم فرماه تركي بسهم في حلقه فقتله وكان قتله يوم الأحد مستهل شوال سنة ثمان وستين وأربعمائة ولما قتل نصر ملك حلب بعده أخوه سابق ابن محمود‏.‏

وفيهـا توفـي طاهـر بـن أحمـد بـن بـاب شـاذ النحـوي المصـري توفـي بـأن سقـط مـن سطـح جامـع عمرو بن العاص بمصر فمات لوقته‏.‏

ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة

فيها توفي عبد الرحيم بن محمد بن إسحاق الأصفهاني الحافظ له مؤلفات تصانيف كثيرة منها‏:‏ تاريخ أصفهان وله طائفة ينتمون إليه في الاعتقاد من أهل أصفهان يقال لهم العبد رحمانية‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

استيلاء تنش على دمشق في هذه السنة ملك تاج الدولة تنش بن السلطان ألب أرسلان دمشق وسببه أخاه السلطان ملكشاه أقطعه الشام وما يفتحه فسار تاج الدولة تنش إلـى حلـب وكـان قـد أرسـل بـدر الجمالـي أميـر الجيـوش بمصـر عسكـراً إلـى حصار أتسز بدمشق فأرسل أتسز يستنجد تنش وهو نازل على حلب يحاصرها فسار تنش إلى دمشق فلما قرب منها رحل عنها عسكر مصر كالمنهزمين فلما وصل إلى دمشق ركب أتسز لملتقاه بالقرب من المدينة فأنكر تنش عليه تأخره عن الطلوع إلى لقائه وقبض على أتسز وقتله وملك تنش دمشق وأحسن السيرة‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة

فيها غزا الملك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة بلاد الهند فأوغل فيها وفتح وغنم وعاد إلى غزنة سالماً‏.‏

ملك مسلم بن قريش مدينة حلب فـي هـذه السنـة سار شرف الدولة بن قريش بن بدران بن المقلد بن السميب صاحب الموصل إلـى حلـب فحصرهـا فسلـم البلـد إليـه في سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة واستنزل منها سابقاً ووثاباً ابني محمود بن نصر بن صالح بن مرداس وتسلم القلعة‏.‏

ذكر غير ذلك وفيها توفي نصر بن أحمد بن مروان صاحب ديار بكر وملك بعده ابنه سور بن نصر ودبر دولتـه ابـن الأنبـاري‏.‏

وفيهـا توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن جيوش‏.‏

الشاعر المشهور وقد تقدم ذكر مديحه لنصر بن محمود صاحب حلب‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة

ودخلت سنة أربع وسبعين وأربعمائة فيها كانت فتنة ببغـداد بيـن الشافعيـة والحنابلـة‏.‏ وفيهـا أرسـل الخليفـة المقتـدي الشيـخ أبا إسحاق الشيرازي رسولاً إلى السلطان ملكشاه وإلى نظام الملك فسار من بغداد إلى خراسان ليشكو من عميد العراق أبي الفتح بن أبي الليث فأكرم السلطان ونظام الملك الشيخ أبا إسحاق وجرى بينه وبين إمام الحرمين أبي المعالي الجوبني مناظرة بحضرة نظام الملك وعاد بالإجابة إلى ما التمسه الخليفة ورفعت يد العميد عن جميع ما يتعلق بحواشي الخليفة‏.‏

وفيها توفي أبو نصر علي بن الوزير أبي القاسم هبة الله بن ماكولا مصنف كتاب الإكمال ومولده سنة عشرين وأربعمائة قتله مماليكه الأتراك بكرمان‏.‏

ثم دخلت سنة سـت وسبعيـن وأربعمائـة

فيهـا فـي جمـادى الآخـرة توفـي الشيـخ أبـو إسحـاق إبراهيـم ابن علي الشيرازي الفيروز أبادي وفيررز أباد بلدة بفارس ويقال هي مدينة جـون‏.‏

وكـان مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وقيل سنة ست وتسعين وكان أوحد عصره علماً وزهداً وعبادة ولد بفيروز أباد ونشأ بها ودخل شيراز وقرأ بها الفقه ثم قدم إلى البصرة ثم إلى بغـداد فـي سنـة خمـس عشرة وأربعمائة وكان إمام وقته في المذهب والخلاف والأصول وصنف المهـذب والتنبيـه والتلخيـص والنكـت والتبصير واللمع ورؤوس المسائل‏.‏

وكان فصيحاً وله نظم حسن فمنه‏:‏ سألـت النـاس عـن خـل وفي فقالوا ما إلى هذا سبيل تمسك إن ظفرت بود حر فإن الحر في الدنيا قليل وله‏:‏ جـاء الربيـع وحسن وردة ومضى الشتاء وقبح برده فاشرب على وجه الحبي - ب ووجنتيه وحسن خده وكان مستجاب الدعوة مطرح التكلف ولما توجه إلى خراسان في رسالة الخليفة قال‏:‏ مـا دخلت بلدة ولا قرية إلا وكان خطيبها وقاضيها تلميذي ومن جملة أصحابي‏.‏

وفيها توفي أبو الحجـاج بـن يوسـف بـن سليمـان الأعلم الشنتمري رحل إلى قرطبة واشتغل بها‏.‏

وكان إماماً في العربية والأدب وشرح الحماسة ونسبته إلى شنتمرية مدينة بالأندلس‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة

فيها سار فخر الدولة بن جهير بعساكر السلطان ملكشاه إلى قتال شرف الدولة مسلم بن قريش ثم سير السلطان ملكشاه إلى فخر الدولة جيشاً آخر فيهم الأمير أرتق بن أكسك وقيل أكسب والأول أصح جد الملوك الأرتقية فانهزم شرف الدولة مسلم وانحصر في آمد ونزل الأمير أرتق على آمد فحصره فبذل له مسلم بن قريش مالاً جليلاً ليمكنه من الخروج من آمد فأذن له أرتق وخرج شرف الدولة من آمد في حـادي عشريـن ربيـع الـأول مـن هـذه السنـة فسار إلى الرقة وبعث إلى أرتق ما وعده به ثم سير السلطـان عميـد الدولة بن فخر الدولة بن جهير بعسكر كثيف وسير معه أقسنقر قسيم الدولة إلـى الموصل فاستولى عليها عميد الدولة وهذا أقسنقر هو والد عماد الدولة زنكي ثم أرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إلى سلطان فقدم شرف الدولة إليه وأحضره عند السلطان ملكشاه بالبوازيح وكان قد ذهبت أمواله فاقترض شرف الدولة مسلـم مـا خـدم بـه السلطـان وقـدم إليـه خيـلاً مـن جملتهـا فرسـه التـي نجا عليه في المعركة‏.‏

المشهور وكان اسم الفرس بشاراً وكان سابقاً وسابق به السلطان الخيل فجاء سابقاً فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب فرضي السلطان على مسلم وخلع عليه وأقره على بلاده‏.‏

فتح سلمان بن قطلومش أنطاكية

في هذه السنة سار سلمان بن قطلومش السلجوقي صاحب قونية وأقصرا وغيرهما من بلاد الروم فملك مدينة أنطاكية بمخامرة الحاكم فيها من جهة النصارى وكانت أنطاكية بيد الروم من قتل شرف الدولة مسلم وملك أخيه إبراهيم لما ملك سليمان بن قطلومش أنطاكية وأرسل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحلب يطلب منه ما كان يحمله إليـه أهـل أنطاكيـة فأنكـر سليمـان ذلـك وقـال‏:‏ إن صاحـب أنطاكية كان نصرانياً فكنت تأخذ منه ذلك على سبيل الجزية ولم يعطه شيئاً فجمعا واقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف أعمال أنطاكية فانهزم عسكر مسلم وقتل شرف الدولة مسلم في المعركة وقتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلـب وقـد قدمنا ذكر مقتله لتتبع الحادثة بعضها بعضاً وكان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلد بن المسيب أحول واتسع ملك مسلم بن قريش المذكور وزاد ملك من تقدمه مـن أهـل بيته فإنه ملك السندية التي على نهر عيسى إلى منبج وديار ربيعة ومضر من الجزيرة وحلب وما كان لأبيه وعمه قرواش من الموصل وغيرهم وكان مسلم يسوس مملكته سياسة حسنة بالأمر والعدل ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس فأخرجوه وملكوه وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث صار لم يقدر على المشي لما خرج‏.‏

وفـي هـذه السنـة ولـد لملكشاه ولد بسنجار فسماه أحمد ثم غلب عليه اسم سنجر لكونه ولد بسنجار وهو السلطان سنجر على ما تجيء أخباره كذا نقله المؤرخون والذي يغلب على وفيها توفي أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد الصباغ الفقيه الشافعي صاحب الشامل والكامل وكفاية المسائل وغيرها من التصانيف بعد أن أضر عدة سنين ومولده سنـة أربعمائة والقاضي أبو عبد الله الحسين بن علي البغدادي المعروف بابن القفال وهو من شيوخ أصحاب الشافعي وكان إليه القضاء بباب الأزج‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

فيها ملك الفرنج طليطلة من الأندلس بعد أن حاصرها الأدفونـش سبـع سنين وكان سبب ذلك تفرق ممالك الأندلس على ما تقدم ذكره في سنة سبع وأربعمائة‏.‏

وفـي هـذه السنـة استولـى فخـر الدولـة بن جهير على آمد ثم على ميافارقين ثم على جزيرة ابن عمر وهي بلاد بني مروان وأخذها من منصور بن نصر بن مروان وهو آخر من ملك منهم وانقرضت بأخذ الجزيرة منه مملكة بني مروان فسبحان من لا يزول ملكه‏.‏

وفيها سار أمير الجيوش بدر الجمالي بجيوش مصـر فحصـر دمشـق وبهـا تـاج الدولـة تنـش وضيق عليه فلم يظفر بشيء فارتحل عائداً إلى مصر‏.‏

وفيهـا فـي ربيـع الآخـر توفـي إمـام الحرميـن أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف الجويني ومولده في الكامل سنة عشرة وأربعمائة وفي تاريخ ابن أبي الدم أن مولده سنة تسع عشرة وأربعمائة وهو إمام العلماء في وقته وله عدة مصنفات منها‏:‏ نهاية المطلب في دراية المذهب سافر إلى بغداد ثم إلى الحجاز وأقام بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي ويصنف وأم بالنـاس فـي الحرميـن الشريفيـن فسمـي لذلـك إمـام الحرميـن ثم رجع إلى نيسابور وجعل إليه الخطابة ومجلس الذكر والتدريس وبقي على ذلـك ثلاثيـن سنـة وحظـي عنـد نظـام الملـك ولـه عـدة تلاميذ من الفضلاء كالغزالي وأبي القاسم الأنصاري وأبي الحسن علي الطبري وهو المعروف بالكيا الهراس وكان إمام الحرمين قد ادعى الاجتهاد المطلق لأن أركانه كانت حاصلة له ثم عاد إلى اللائق وتقليد الإمام الشافعي لعلمه أن منصب الاجتهاد قد مضت سنوه‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة

قتل سليمان بن قطلومش لمـا قتـل سليمـان مسلـم بـن قريش في سنة ثمان وسبعين على ما ذكرناه في سنة سبع وسبعين أرسـل سليمـان إلـى ابـن الحبيبي العباسي مقدم أهل حلب يطلب تسليم حلب فاستمهله إلى أن يكاتـب السلطان ملكشاه وأرسل ابن الحبيبي استدعى تنش صاحب دمشق بن السلطان ألب أرسلان أخا السلطان ملكشاه فسار تنش إلى حلب وكان مع تنش أرتق بن أكسك وقد فارق خدمة ملكشاه خوفاً من إطلاق مسلم بن قريش من آمد على ما قدمنا ذكره وجرت الحرب بين تنش وابن سليمان بن قطلومش فانهزم عسكر سليمان وثبت سليمـان فقيـل إن سليمان انهزم عسكره أخرج سكيناً وقتل نفسه وقيل بل قتل في المعركة وكان سليمان قد أرسل جثة مسلم بن قريش على بغل ملفوفة في إزار إلى حلب ليسلموها إليه في السنة الماضيـة فـي سـادس صفـر فأرسـل تنـش جثـة سليمـان فـي هـذه السنـة فـي سـادس صفـر ملفوفـة في إزار إلى حلب ليسلموها إليه فأجابه ابن الحبيبي بالمماطلة إلى أن يرد مرسوم ملكشاه في أمر حلب بما يراه فحاصر تنش حلب وضيق على أهلها وملكها فاستجار ابن الحبيبي بالأمير أرتـق بـن أكسـك فأجـاره وأمـا قلعة حلب فكان بها منذ قتل مسلم بن قريش سالم بن مالك بن بـدارن بـن المقلد بن المسيب العقيلي وهو ابن عم شرف الدولة مسلم بن قريش فحاصر تنش سبعة عشر يوماً فبلغه وصول مقدمة أخيه السلطان ملكشاه‏.‏

وصول السلطان ملكشاه إلى حلب كان ابن الحبيبي قد كاتب السلطان في أمر حلب فسار إليها من أصفهان في جمادى الآخرة فملـك فـي طريقـه حـرّان وأقطعها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وسار إلى الرها وهي بيد الروم من حين اشتروها من ابن عطير كما قدمنا ذكره فحصرها وملكها وسار إلى قلعة جعبر واسمها الدوسرية ثم عرفت بقلعة جعبر لطول مدة ملك جعبر لها وبها صاحبها سابق الدين جعبر القشير المذكور وهو شيخ أعمى فأمسكه وأمسك ولديـه وكانـا يقطعـان الطريـق ويخيفان السبيل ثم صار إلى منبج فملكها وسار إلى حلب فلما قاربها رحل أخوه تنش عن حلـب علـى البريـة وتوجه إلى دمشق ووصل السلطان إلى حلب وتسلمها وتسلم القلعة من سالم بـن مالك بن بدران العقيلي على أن يعوضه بقلعة جعبر فسلم السلطان إليه قلعة جعبر فبقيت بيده ويد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ولما نزل السلطان ملكشاه بحلب أرسل إليه الأمير نصر بن علي بـن منقـذ الكنانـي صاحـب شيزر ودخل في طاعته وسلم إليه اللاذقية وكفر طاب وأفامية فأجابه السلطان إلى المسالمة وترك قصده وأقر عليه شيزر ولما ملك السلطان ملكشاه حلـب سلمهـا إلـى قسيـم الدولة أقسنقر ثم ارتحل السلطان إلى بغداد على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث

وفـي هـذه السنـة فـي ربيـع الـأول توفي بهاء الدولة أبو كامل منصور بن دبيس بن علي بن مرثد الأسدي صاحب الحلة والنيل‏.‏

وغيرهما وكان فاضلاً وله شعر جيد‏.‏

واستقر مكانه ولده صدقة ولقب سيف الدولة‏.‏

وانقراض دولة الصنهاجية منها‏:‏ في هذه السنة عدّى البحر يوسف بن تاشفين أمير المسلمين من سبتة إلى الجزيرة الخضراء بسبب استيلاء الفرنج على بلاد الأندلس واجتمع إليه أهل الأندلس مثل المعتمـد بـن عبـاد وغيـره من ملوك الأندلس وجرى بينهم وبين الأدفونش قتال شديد نصر الله فيه المسلمين وانهزم الفرنج وقتل منهـم مـا لا يحصـى حتـى جمعـوا مـن رؤوسهـم تـلاً وأذنـوا عليـه وملـك يوسـف غرناطـة وأخذها من صاحبها عبد الله بن بلكين بن باديس بن حبوس بن مالس بن بلكين بن زبري الصنهاجي‏.‏

من تاريخ القيروان قال‏:‏ وأول من حكم من الصناهجة في غرناطة راوي بن بلكين ثم تركها وعـاد إلـى إفريقيـة في سنة عشر وأربعمائة فملك غرناطة ابن أخيه حبوس بن مالس بن بلكين وبقـي بهـا حتـى توفـي فـي سنـة تسـع وعشرين وأربعمائة وولي بعده ابنه باديس بن حبوس وبقي حتى توفي وولي بعده ابن أخيه عبد الله بن بلكين بن حبوس ودام فيها حتى أخذها منه يوسف بن تاشفين في هذه السنة‏.‏

وذكر صاحب تاريخ القيروان أن أخذ يوسف غرناطة كان في سنة ثمانين وأربعمائة‏.‏

ولنرجـع إلـى ذكـر ابـن تاشفيـن‏.‏

ثـم إن يوسـف بـن تاشفيـن عبـر البحـر إلـى سبتـة وأخـذ معـه عبـد اللـه صاحب غرناطة المذكور وأخاه تميماً إلى مراكش فكانت غرناطـة أول مـا ملكـه يوسـف بـن تاشفيـن مـن الأندلـس‏.‏

وفيهـا سـار ملكشـاه عـن حلـب ودخـل بغـداد فـي ذي الحجـة وهو أول قدومه إلـى بغـداد ثـم خـرج إلـى الصيـد فصـاد مـن الوحـوش شيئـاً كثيـراً ثـم عـاد إلـى بغداد واجتمع بالخليفة المقتـدي وأقـام ببغـداد إلـى صفـر مـن سنـة ثمانين وعاد إلى أصفهان‏.‏

وفيها أقطع السلطان ملكشاه محمـد بـن شـرف الدولـة مسلـم بـن قريـش مدينة الرحبة وأعمالها وحران وسروج والرقة والخابور وزوجه بأخته زليخا بنت ألب أرسلان‏.‏

وفيها كانت زلازل عظيمة حتى فـارق النـاس ديارهـم وفيهـا توفـي الشريـف أبـو نصـر الزيني العباسي نقيب الهاشميين وهو محدث مشهور على الإسناد‏.‏

ثم دخلت سنة ثمانيـن وأربعمائـة وسنـة إحـدى وثمانيـن وأربعمائـة

فيهـا توفـي الملـك المؤيد إبراهيم بن مسعـود بـن محمـود بـن سبكتكين صاحب غزنة وقيل كانت وفاته سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وهو الأقوى‏.‏

ولكن تابعنا ابن الأثير وإيراده وفاة المذكور في هذه السنة وكان ملكه في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وكان حسن السيرة حازماً ولما توفي ملك بعده ابنه مسعود بـن إبراهيم وكان قد زوجـه أبـوه بابنـة السلطـان ملكشـاه‏.‏

وفيهـا جمـع أقسنقـر صاحـب حلـب عساكـره وسـار إلـى قلعة شيزر وصاحبها نصر بن علي بن منقذ وضيق عليه ونهب الربض ثم صالحه ابن منقذ المذكور فعاد أقسنقر إلى حلب‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة

فيها سار السلطان ملكشاه بجيوش لا تحصى كثرة إلى ما وراء النهر وعبر جيحون وسـار إلـى بخـارى وملـك مـا علـى طريقـه مـن البلـاد ثـم ملـك بخارى ثم سار إلى سمرقند فملكها وأسر صاحبها أحمد خان وأكرمه ثم سار السلطان إلى كاشغر فبلغ إلى بوزكند وأرسل إلى ملك كاشغر يأسره بإقامة الخطبة له والسكة فأجاب إلى ذلك وسار ملك كاشغر وحضر عند السلطان ملكشاه فأكرمه السلطان وعظمه وأعاده إلى ملكه ثم رجع السلطان إلى خراسان‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ فيها عمرت منارة جامع حلب وقام بعملها القاضي أبو الحسن بن الخشاب وكان بحلب ليت نار قديم ثم صار أتون حمام فأخذ ابن الخشاب المذكور حجارته وبنى بها المأذنة المذكورة فسعى بعض حسدة ابن الخشاب به إلى أقسنقر وقال‏:‏ إن هذه الحجارة لبيت المال فأحضره أقسنقـر وحدثـه في ذلك فقال ابن الخشاب‏:‏ يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبداً للمسلمين وكتبـت عليـه اسمك فإن رسمت غرِّمت ثمنها‏.‏

فأجابه أقسنقر إلى إتمام ذلك من غير أن يأخذ منـه شيئـاً‏.‏

وفيهـا توفـي عاصـم بـن محمـد بـن الحسـن البغـدادي من أهل الكرخ وكان مطبوعاً كيسّاً وله شعر حسن فمنه‏:‏ ماذا على متلوّن الأخلـاق لو زارنـي فأبثـه أشواقـي وأبوح بالشكوى إليه تذللاً وأفضُّ ختـم الدمـع مـن آماقـي أسر الفؤاد ولم يرق لموثق ما ضره لو منَّ بالإطلاق إن كان قد لسعت عقارب صدغه قلبي فإن رضا به ترياقي

ثم دخلت سنة ثلـاث وثمانيـن وأربعمائـة

فيهـا توفي فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير بالموصل في المحرم منها وكان مولده بالموصل سنة ثمان وتسعين وثلاثمائـة وتنقـل فـي الخـدم فخـدم بركـة بـن المقلـد حتـى قبـض علـى أخيـه حقرواش ثم سار إلى حلب فوزر لمعز الدولة ثمال بـن صالـح بـن مـرداس ثم مضى إلى نصر الدولة أحمد بن مروان صاحب ديار بكر فوزر له ثم وزر لولده ثم سار إلى بغداد فولي وزارة الخليفة ثم سار مع السلطان ملكشاه ففتح له ديار بكر وأخذها من بني مروان‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي شعبان كان صعود الحسن بن الصباح مقدم الإسماعيلية على قلعة الألموت

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وأربعمائة

فيها تولى عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير وزارة الخليفة المقتدي‏.‏

ملك أمير المسلمين بلاد الأندلس في هذه السنة سار يوسف بن تاشفين أمير المسلمين من مراكش إلى سبتة وأقام بها وسير العساكر مع شير بن أبي بكر إلى الأندلس فعبروا البحر وأتوا إلى مدينة مرسية فملكوها وأخذوها من صاحبها أبي عبد الله بن طاهر ثم ساروا إلى مدينة شاطبة ودانية فملكوهما وكانت بلنسية قد ملكها الفرنج ثم أخلوها فملكها عسكر أمير المسلمين وعمرها وكان يوسف أمير المسلمين قد ملك غرناطة فيما قبل على ما تقدم ذكره ثم سار إلى أشبيلية فحصروها وبها صاحبها المعتمد بن عبـاد فملكوهـا وأخـذوا المعتمـد بـن عبـاد صاحبهـا وأرسلـوه إلـى يوسـف بـن تاشفيـن فحبسـه حتـى مـات على ما نذكره إن شاء الله تعالى ولما فرغ شير وعساكر يوسف بن تاشفين من إشبيلية ساروا إلى المرية وكان بها صاحبها محمد بن صمادح بن معن فلما بلغه أخذ إشبيلية ومسير العسكر إليه مات غماً وكمداً ولما مات سار ولده الحاجب بن محمـد بـن صمـادح بأهلـه ومالـه عـن المريـة فـي البحـر إلى بلاد بني حماد المتاخمين لإفريقية فأحسنوا إليهـم ثـم قصـد شيـر بطليـوس فأخذهـا من صاحبها عمر بن الأفطس وكان عمر بن الأفطس ممن أعـان شيـر علـى ابـن عبـاد حتـى ملـك إشبيليـة ثـم رجـع ابـن الأفطـس إلـى بطليوس فسار إليه شير وملكهـا منـه وأخـذ عمـر بن الأفطس وولديه الفضل والعباس ابني عمر المذكور فقتلهم صبراً ولم يتـرك شير من ملوك الأندلس سوى بني هود فإنه لم يقصد بلادهم وهي شرق الأندلس وكان صاحبها المستعين بالله بن هود يهادي يوسف بن تاشفين ويخدمه قبل أن يقصد بلاد الأندلس فرعـى لـه ذلـك حتـى أنـه أوصـى ابنـه علـي بـن يوسـف بـن تاشفيـن عنـد موتـه بتـرك التعرض إلى بلاد بني هود‏.‏

استيلاء الفرنج على صقلية قد تقدم ذكر فتح صقلية وتوارد الولاة عليها من جهة ابن الأغلب ثم من جهة الخلفاء العلويين فلما كان سنـة ثمـان وثمانيـن وثلاثمائـة كـان الأميـر علـى صقليـة أبـا الفتـوح يوسـف بـن عبـد اللـه بـن محمـد بن الحسين من جهة العزيز خليفة مصر فأصاب يوسـف المذكـور فالـج وبطـل جانبـه الأيسـر فاستنـاب ابنـه جعفـر بـن يوسـف وبقـي جعفـر أميـراً بصقليـة إلـى سنـة عشر وأربعمائة فثار به أهل صقلية وحصروه بقصره لسوء سيرته وكان أبو يوسف حينئذ حياً مفلوجاً فخرج إلى أهل صقلية في محفة فبكوا عليه وشكوا ابنه جعفر وسألوا أن يولي عليهم ابنه أحمد المعـروف بالأكحل ففعل يوسف ذلك ثم سير يوسف ابنه جعفر إلى مصر وسار هو بعـده ومعهمـا أموال جليلة وكان ليوسف المذكور من الدواب أربعة عشر ألف حجرة سوى البغال وغيرها واستمر الأكحل في صقلية وأحسن السيرة وبث السرايا في بلاد الكفار وأطاعه جميع قلاع صقلية وبلادها التي للمسلمين‏.‏

ثـم حصـل بيـن الأكحـل وبيـن أهـل صقليـة وحشـة فسـار بعـض أهـل صقليـة إلى إفريقية إلى المعز ابن باديـس فأرسـل المعـز بـن باديـس إلـى صقليـة جيشـاً مع ابنه عبد الله بن المعز بن باديس في سنة سبع وعشرين وأربعمائة فحصروا الأكحل في الخالصة وقتل الأكحل في الحصار‏.‏

ثم إن أهل صقلية كرهوا عسكر المعز فقاتلوهم فانهزم عسكر المعز وابنه عبد الله وقتل منهم ثمانمائة رجل ورجعوا في المراكب إلى إفريقية وولى أهل صقلية عليهم أخا الأكحل واسمـه الصمصام بن يوسف واضطربت أحوال أهل صقلية عند ذلك واستولى الأراذل ثم أخرجوا الصمصام وانفرد كل إنسان ببلد فانفرد القائد عبد الله بن منكوت بمازر وطرابنش وغيرهما وانفـرد القائد علي بن نعمة المعروف بابن الحواش بقصريانة وجرجنت وغيرهما وانفرد ابن التمنة بمدينة سيرقوس وقطانية فوقع بينهم واستنصر ابن التمنة بالفرنج الذين بمدينـة مالطـة واسـم ملكهـم رجـار وهـون عليهـم أمـر المسلمين فسار الفرنج وابن التمنة إلى البلاد التي بأيدي المسلمين في سنة أربع وأربعين وأربعمائة واستولوا على مواضع كثيرة من الجزيرة وفارق الجزيرة حينئذ خلق كثير من أهلها من العلماء والصالحين وسار جماعة إلى المعز بن باديس إلى إفريقية‏.‏

ثم استولى الفرنج على غالب بلاد صقلية وحصونها وليس لهم مانع ولم يثبت بين أيديهم غير قصريانة وجرجنت وحصرهما الفرنج وطال الحصار عليهما حتى أكل أهلهما الميتة فسلم أهل جرجنـت أولاً وبقيـت قصريانـة بعدها ثلاث سنين ثم أذعنوا وملك رجار جميع الجزيرة في هذه السنة أعني سنة أربع وثمانين وأربعمائة ثم مات رجار قبل سنة تسعين وتولى بعده ولده وسلك طريقة ملوك المسلمين من الجنائب والحجاب والجاندارية وغير ذلك وأسكن في الجزيرة الفرنج مع المسلمين وأكرم المسلمين ومنع من التعدي عليهم وقربهم‏.‏

وصول السلطان ملكشاه إلى بغداد في هذه السنة في رمضان وصل السلطان ملكشاه إلى بغداد ووصل إليه أخوه تنش من دمشق وأقسنقر من حلـب ووصـل إليـه غيرهمـا مـن زعمـاء الأطـراف وعمـل الميلـاد ببغـداد واحتفل له الناس احتفالاً عظيماً وأكثر الشعراء من وصف تلك الليلة‏.‏

وفي هذه السنة أمر ملكشاه بعمل الجامع المعروف بجامع السلطان ببغداد وعمل قبلته بهرام منجمـه وجماعـة مـن أصحاب الرصد وابتدأ أمراء السلطان الكبار بعمل مساكن لهم ببغداد بحيث إذا قدموا إلى بغـداد ينزلـون فيهـا‏.‏

فتفـرق شملهـم بالمـوت والقتـل بعـد ذلـك عـن قريـب‏.‏

وفيهـا توفـي الأميـر أرتق ابن أكسك التركماني جد الملوك أصحاب ماردين مالكاً للقدس منذ قدم إلى تنش حسبما تقدم ذكره ولما توفي أرتق استقرت القدس لولديه إيلغازي وسقمان ابني أرتق إلى أن سار الأفضل أمير الجيوش من مصر وأخذ القدس منهما فسار إيلغازي وسقمان إلى الشرق فكان منهما ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وثمانين وأربعمائة

استيلاء تنش على حمص وغيرها كان السلطان ملكشاه قد أمر أقسنقر بمساعدة أخيه تنش على ملك الشام وما بأيدي خليفة مصر العلوي مـن البلـاد فسـار أقسنقـر مـع تنـش ونـزل علـى حمـص بهـا صاحبهـا خلـف بـن ملاعب فملك تنش حمص وأمسك ابن ملاعب وولديه ثم سار تنش إلى عزقة فملكها ثم سار إلى أفامية فملكها‏.‏

مقتل نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق وسببـه أنه حصل بين ملكشاه وبين نظام الملك وحشة فلما كان عاشر رمضان من هذه السنة بعد الإفطار وهم بالقرب من نهاوند وقد انصرف نظام الملك إلى خيمة حرمه وثب عليـه صبـي ديلمـي فـي صورة مستعط وضرب نظام الملك بسكين فقضى عليه وأدرك أصحاب نظام الملـك ذلـك الصبـي فقتلـوه وحصـل للعسكـر بسبـب مقتلـه شوشة فركب السلطان وسكن العسكر وكان نظـام الملـك قـد كبـر فـإن مولـده سنـة ثمـان وأربعمائـة وكـان قتلـه بتدبيـر مـن السلطان ملكشاه ومات السلطان ملكشاه بعده بخمسة وثلاثين يوماً على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وكان نظام الملك من أبناء الدهاقين بطوس وماتت أم نظام الملك وهو رضيع فكان يطوف به والده على المرضعات فيرضعنه حسبة ثم انتشأ نظام الملك وتعلم العربية وسمع الحديث ثم اشتغل بالأعمال السلطانية ولم يزل الدهر يعلو به حتى خدم طغريل بك وصار وزيره واستمر على وزارته ولما صار الملك إلى ألب أرسلان كـان نظـام الملـك مـع ابنـه ملكشـاه بـن ألـب أرسلان وقام بأمره حتى صارت السلطنة إلى ملكشاه فبلغ نظام الملك من المنزلة ما لم يبلغه غيره من الوزراء وقرب العلماء وبنى المدارس في سائر الأمصار وأسقط المكوس وأزال لعن الأشعرية من المنابر وكان قد فعله عميد الملك الكندري كما تقدم ذكره وأوصافه كثيرة حسنة رحمه الله تعالى‏.‏

وفاة السلطان ملكشاه كـان السلطـان ونظـام الملـك قـد سارا عن بغداد في العام الماضي إلى أصفهان فعادا من أصفهان في هذه السنة متجهين إلى بغداد فقتل نظام الملك بالقرب من نهاود كما ذكر وأتم السلطان السير ودخل بغداد في الرابع والعشرين من رمضان هذه السنة ثم خرج السلطان ملكشاه من بغداد إلى الصيد وعاد ثالث شوال مريضاً بحمى محرقة وتوفي ليلة الجمعة نصف شوال وهو ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وكان مولده في سنة سبع وأربعين وأربعمائة‏.‏

وكان من أحسن الناس صورة ومعنى وخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى بلاد اليمن وحملت له ملوك الروم الجزية ولم يفتـه مطلـب وكانـت أيامـه أيـام عـدل وسكـون وأمن فعمرت البلاد ودرت الأرزاق وعمر الجامع ببغداد وعمل المصانع بطريق مكة وكان غاوياً بالصيد وكان يتصدق بعدد كل وحش يصيده بدينار وصاد مرة صيداً كثيراً تقديره عشرة آلاف فتصدق بعشرة آلاف دينار‏.‏

ملك الملك محمود بن ملكشاه وحال أخيه بركيارق بن ملكشاه‏:‏ لمـا مـات السلطـان ملكشـاه أخفـت زوجتـه تركـان خاتـون موتـه وفرقـت الأمـوال في الأمراء وسـارت بهـم إلـى أصفهـان واستحلفـت العسكـر لولدهـا محمـود وعمـره أربـع سنيـن وشهـور وخطـب لـه في بغداد وغيرها وكان تاج الملك هو الذي يدير الأمر بين يدي تركان خاتون وأما أخوه بركيارق فإنه هرب من أصفهان لمـا وصلـت تركـان خاتـون إليهـا وانضـم إلـى بركيـارق النظاميـة لبغضهـم تـاج الملـك لأنـه هـو الـذي سعـى في نظام الملك حتى كان من قتله ما كان فقوي بركيارق بهـم فأرسلـت تركـان خاتـون عسكـراً إلـى بركيـارق والنظاميـة فاقتتلـوا بالقـرب مـن بروجـرد فانهـزم عسكـر خاتـون وسـار بركيـارق فـي أثرهـم وحصرهـم بأصفهان وكان تاج الملك في عسكر تركان خاتون فأخذ أسيراً وأراد بركيارق الإحسان إلى تاج الملك وأن يوليـه الـوزارة فوثبت النظامية عليه فقتلوه وكان تـاج الملـك المذكـور ذا فضائـل جمـة وخرجـت هـذه السنـة والأمر على ذلك‏.‏

ثم دخلت سنة ست وثمانين وأربعمائة

فيها خرج من أصفهان الحسـن بـن نظـام الملـك إلـى بركيارق وهو محاصر لأصفهان فأكرمه وولاه وزارته ولقبه عز الملك‏.‏

وفيها تحرك تنش من دمشق لطلب السلطنة بعد موت أخيه ملكشاه واتفق معه أقسنقر صاحب حلب وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية وبزان صاحب الرها وسار تنش ومعه أقسنقر فافتتح نصيبين عنوة ثم قصد الموصل وكنا ذكرنا في سنة سبع وسبعين وأربعمائة أنه لما قتل شرف الدولة مسلـم بـن قريش صاحب الموصل وحلب وغيرهما استولى على الموصل إبراهيم بن قريش أخو مسلـم ثم إن ملكشاه قبض على إبراهيم سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وأخذ منه الموصل وبقي إبراهيـم معـه حتـى مـات ملكشاه فأطلق إبراهيم وسار إلى الموصل وملكها فلما قصد تنش في هذه السنة الموصل خرج إبراهيم لقتاله والتقوا بالمضيع من أعمال الموصل وجرى بينهم قتال شديد انهزمت فيه المواصلة وأخذ إبراهيم بن قريش أسيراً وجماعة من أمراء العرب فقتلوا صبرا وملك تنش الموصل واستناب تنش على الموصل علي بن مسلم بن قريش وأمه ضيفة عمة تنش وأرسل تنش إلى بغداد يطلب الخطبة فتوقفوا فيها ثم سار تنش واستولى على ديـار بكر وسار إلى أذربيجان وكان قد استولى بركيارق على كثير منها فسار بركيارق إلى عمـه تنـش ليمنعـه فقـال أقسنقر‏:‏ نحن إنما أطعنا تنش لعدم قيام أحد من أولاد السلطان ملكشاه أما إذا كان بركيارق ابن السلطان قد تملك فلا نكون مع غيره وخلى أقسنقـر تنـش ولحـق ببركيارق فضعف تنش لذلك وعاد إلى الشام‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ في هذه السنة ملك عسكر المستنصر بالله العلوي خليفة مصر مدينة صور‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وثمانين وأربعمائة

في هذه السنة يوم الجمعة رابع عشر المحرم خطب وفاة المقتدي بأمر الله فـي هـذه السنـة توفـي الخليفـة المقتـدي بأمـر اللـه أبـو القاسـم عبـد اللـه بـن محمـد ذخيـرة الدين بن القائم مات فجأة يوم السبت خامس عشر المحرم وكان عمر المقتدي ثمانياً وثلاثين سنة وثمانية أشهر وأياماً وخلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وأمـه أم ولـد أرمنيـة تسمـى أرجـوان أدركـت خلافته وخلافة ابنه المستظهر بالله وخلافة ابن ابنه المسترشد بالله وكان المقتدي قوي النفس عظيم الهمة‏.‏