الفصل الثامن: خلافة المستظهر بالله

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

خلافة المستظهر بالله

وهو ثامن عشرينهم لما توفي المقتدي كان بركيارق قد قدم إلى بغداد فأخذت البيعة عليه للمستظهـر باللـه أبـي العبـاس أحمـد وبايعـه الناس وكان عمر المستظهر لما بويع بالخلافة ست عشرة سنة وشهرين قتل أقسنقر والخطبة لتنش ببغداد لما عاد تنش من أذربيجان إلى الشام أخذ في جمع العساكر وكثرت جموعه وجمع أقسنقر العسكر بحلب وأمده بركيارق بالأمير كربغا فاجتمع كربغا مع أقسنقر والتقوا مع تنش عند نهر سبعين قريباً من تل سلطان وبينه وبين حلب ستة فراسخ واقتتلوا فخامر بعض عسكر أقسنقـر وصـار مـع تنـش وانهزم الباقون وثبت أقسنقر فأخذ أسيراً وأحضر إلى تنش فقال تنش لأقسنقر‏:‏ لو ظفرت أبي ما كنت صنعت قال‏:‏ كنت أقتلك‏.‏

قال تنمق‏:‏ فأنا أحكم عليك بما كنت تحكم علي به فقتل أقسنقر صبراً‏.‏

وسار تنش إلى حلب فملكها المؤمنين أاسربوازار وقتلـه وأسـر كربغـا وأرسلـه إلـى حمص فسجنه بها ثم استولى تنش على حران والرها ثم سار تنـش إلـى بلـاد الجزريـة فملكهـا ثـم ملـك ديـار بكر خلاط وسار إلى أذربيجان فملك بلادها‏.‏

ثم سـار إلـى همـذان فملكهـا وأرسـل يطلب الخطبة ببغداد من المستظهر بالله فأجيب إلى ذلك ولما بلـغ بركيـارق استيـلاء عمـه تنـش علـى أذربيجـان سـار إلى أربل ومنها إلى بلد شرحاب الكردي ابـن بـدر إلـى أن قـرب مـن عسكـر عمـه تنـش ولـم يكـن مع بركيارق غير ألف رجل وكان مع عمه خمسون ألف رجل فسارت فرقة من معسكر تنـش فكبسـوا بركيـارق فهـرب إلـى أصفهـان وكانت تركان خاتون قد ماتت على ما سنذكره إن شاء الله تعالى فدخل بركيارق أصفهان وبهـا أخـوه محمـود فلمـا دخـل بركيارق أصفهان احتاط عليه جماعة من كبراء عسكر أخيه محمود وأرادوا أن يسملوا بركيارق فلحق محموداً جدري قوى فتوقفوا في أمر بركيارق لينظـروا مـا يكون من محمود فمات محمود من ذلك في سلخ شوال من هذه السنة فكان هذا فرحاً بعد شدة لبركبارق وكان مولد محمود سنة ثمانين وأربعمائة في صفر‏.‏

ثم إن بركيارق جدر بعد محمود وعوفي فاجتمعت عليه العساكر وكان منه ومن تنش ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفاة أمير الجيوش فـي هـذه السنـة فـي ربيـع الـأول توفـي بمصـر أميـر الجيـوش بـدر الجمـال وقد جاوز ثمانين سنة وكان هو الحاكم في دولة المستنصر والمرجوع إليه ولما مات قام بما كان إليه من الأمر ابنه الأفضل‏.‏

وفاة المستنصر العلوي في هـذه السنـة فـي ثامـن ذي الحجـة توفـي المستنصـر باللـه أبـو تميـم معـد بـن أبـي الحسيـن علـي الظاهـر لإعـزاز دين الله بن الحاكم وكانت خلافة المستنصر ستين سنة وأربعة أشهر وكان عمره سبعاً وستين سنة وهو الذي خطب له البساسيري ببغداد ولقي المستنصر شدائد وأهوالاً أخرج فيها أمواله وذخائره حتى لم يبق له غير سجادته التي يجلس عليها وهو مع هذا صابر غير خاشع ولما مات ولي خلافة مصر بعده ابنه أبو القاسم أحمد المستعلي بالله‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ وفـي هـذه السنـة توفـي أميـر مكـة محمـد بـن أبـي هاشـم الحسينـي وقـد جاوز سبعين سنة‏.‏

وتولى بعده الأمير قاسم بن أبي هاشم‏.‏

وفي هذه السنة في رمضان توفيت تركان خاتون امرأة ملكشاه التي قدمنا ذكرها وكانت قد برزت من أصفهان لتتصل بتاج الدولة تنش فمرضت وعادت إلى أصفهان وماتت ولم يكن قد بقي معها غير قصبة أصفهان‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

مقتل صاحب سمرقند في هذه السنة اجتمع قواد عسكر أحمد خان صاحب سمرقند وقبضوا عليه بسبب زندقته ولما قبضوه أحضروا الفقهاء والقضاة وأقاموا خصوماً ادعوا عليه الزنذقة فجحد فشهد عليه جماعة بذلك وأفتى الفقهاء بقتله فخنقوه وأجلسوا ابن عمه مسعود مكانه قدرخـان واسمـه جبريل بن عمر المقدم الذكر في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وقتل السلطان سنجر جبريل المذكور وولي مكانه محمد خان بن سليمان بن داود بن إبراهيم بن طفغاج وله نيف وعشرون سنة واستمر في ولايته إلى سنة خمس عشرة وخمسمائة ولم يقع لنا خبر أحد منهم بعد المذكور‏.‏

مقتل تنش لما انهزم بركيارق من تنش ودخل أصفهان حسب ما ذكرنا استولى تنش على بلاد أذربيجان ونهب جرباذقان ثم سار إلى الري وبركيارق مريض بالجدري فلما عوفي سار بالعساكر من أصفهان إلى عمه تنش والتقوا بموضع قريب من الري فانهزم عسكر تنش وثبت هو فقتل في صفر من هذه السنة واستقامت السلطنة لبركيارق وإذا أراد الله تعالى أمراً فلا مرد لـه وإلا فلو تبع بركيارق لما كبسه عسكر تنش وهرب إلى أصفهان مائة فارس أخذوه لأنه بقي على باب أصفهان عدة أيام لا يمكن من الدخول إليها فلما دخلها أراد الأمراء أن يسملوه فاتفق أن أخـاه محموداً حمّ ثاني يوم وصوله وجدّر فمات وقام هو مقامه ثم جدر ولو قصده عمه تنش قبل دخوله أصفهان أو وقت مرض أخيه أو وقت مرضه لملك البلاد ولله سر في علاه وإنما كلام الغوى ضرب من الهذيان‏.‏

ذكر حال رضوان ودقاق أبي تنش وكان دقاق في الوقعة مع أبيه لما قتل وأما رضوان فبلغه مقتل أبيه وهو بالقرب من هيت متوجهـاً للاستيـلاء علـى العـراق فلمـا بلغـه مقتـل أبيـه رجع إلى حلب وبها من جهة والده تنش أبو القاسم حسن بن علي الخوارزمي ولحق برضوان جماعة من قواد أبيه ثم لحقه بحلب أخوه دقاق وكان معه أيضاً أخواه الصغيران أبو طالب وبهرام وكانوا كلهم مع أبـي القاسـم حسـن الخوارزمي كالضيوف وهو المستولي على البلد ثم إن رضوان كبس أبا القاسـم الخوارزمـي نصف الليل واحتاط عليه وطيب قلبه وخطب لرضوان بحلب وكان مع رضوان الأمير باغي سيان بن محمد التركماني صاحب أنطاكية ثم سار رضوان بمن معه إلى ديار بكر للاستيلاء عليها وقصد سروج فسبقه إليها سقمان بن أرتق واستولى على سموج ومنع رضوان عنها فسار رضوان إلى الرها واستولى عليها وأطلق قلعة الرها لباغي سيان التركماني صاحب أنطاكيـة ثـم وقـع الاختلـاف فـي عسكـر رضـوان بيـن باغـي سيان وجناح الدولة وكان جناح الدولة مزوجاً بأم رضوان وهو من أكبر القواد فعاد رضوان إلـى حلـب وسـار باغـي سيـان إلـى وأما دقاق فكاتبه ساوتكين الخادم الوالي بقلعة دمشق يستدعيه سراً ليملكه دمشق فهرب دقاق من حلب سراً وجد السير فأرسل أخوه رضوان خيلاً خلفه فلم يدركوه ووصل دقاق إلى دمشق فسلمها إليه ساوتكين واستبش به ووصل إلى دقاق طغتكين ومعه جماعة من خـواص تنـش فـإن طغتكيـن كـان مـع تنـش فـي الوقعـة وأسـر ثـم خلـص مـن الأسر ووصل إلى دمشق فلقيـه دقـاق وأكرمـه وكـان طغتكيـن زوج والـدة دقاق واتفق دقاق وطغتكين على ساوتكين الخادم فقتلاه ثم سار باغي سيان التركماني صاحب أنطاكية إلى دقاق ووصل إلى دمشق ومعه أبو القاسم حسن الخوارزمي الذي كان مستولياً على حلب فجعله وزيراً لدقاق‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏

وفـي هـذه السنـة توفـي المعتمـد بـن عبـاد صاحـب إشبيليـة وغيرهـا مـن الأندلـس مسجونـاً بأغمات وأخباره مشهورة وله أشعار حسنة‏.‏

قال صاحب القلائد‏.‏

إن المعتمد بن عباد لما كان مسجوناً بأغمات دخل عليه من بنيه يوم عيد من يسلم عليه ويهنيه وفيهم بناته وعليهن أطمار كأنها كسوف وهن أقمار وأقدامهن حافية وآثار نعمتهن عافية فقال المعتمد‏:‏ فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فجاءك العيد في أغمات مأسوراً يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطـأ مسكـاً وكافـورا إلى دمشق فسلمها إليه ساوتكين واستبش به ووصل إلى دقاق طغتكين ومعه جماعة من خـواص تنـش فـإن طغتكيـن كـان مـع تنـش فـي الوقعـة وأسـر ثـم خلـص مـن الأسر ووصل إلى دمشق فلقيـه دقـاق وأكرمـه وكـان طغتكيـن زوج والـدة دقاق واتفق دقاق وطغتكين على ساوتكين الخادم فقتلاه ثم سار باغي سيان التركماني صاحب أنطاكية إلى دقاق ووصل إلى دمشق ومعه أبو القاسم حسن الخوارزمي الذي كان مستولياً على حلب فجعله وزيراً لدقاق‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏

وفـي هـذه السنـة توفـي المعتمـد بـن عبـاد صاحـب إشبيليـة وغيرهـا مـن الأندلـس مسجونـاً بأغمات وأخباره مشهورة وله أشعار حسنة‏.‏

قال صاحب القلائد‏.‏

إن المعتمد بن عباد لما كان مسجوناً بأغمات دخل عليه من بنيه يوم عيد من يسلم عليه ويهنيه وفيهم بناته وعليهن أطمار كأنها كسوف وهن أقمار وأقدامهن حافية وآثار نعمتهن عافية فقال المعتمد‏:‏ فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فجاءك العيد في أغمات مأسوراً يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطـأ مسكـاً وكافـورا لا خدّ إلا تشكى الجدب ظاهره وليـس إلا مـع الأنفـاس ممطـورا قد كان دهرك أن تأمره ممتثـلاً فـردك الدهر منهياً ومأمورا واعتضت في آخر الصحراء طائفة لغاتهم في جميـع الكتـب ملغـاة يعني البربر أعني ابن تاشفين وعسكره‏.‏

وفيها سار أبو حامد الغزالي إلى الشام وترك التدريس في النظامية لأخيه نيابة عنه وتزهد ولبس الخشن وزار القدس وحج ثم عاد إلى بغداد وسار إلى خراسان‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو عبـد اللـه محمـد بـن أبـي نصـر فتـوح بـن عبـد الله بن حميد الحميدي الأندلسي وهو مصنف الجمع بين الصحيحين وكان ثقة فاضلاً ومولده قبل العشرين وأربعمائة وهو من أهل ميورقـة وكـان عالمـاً بالحديـث سمـع بالمغـرب ومصـر والشـام والعـراق وكان نزهاً عفيفاً وله تاريخ كراسة واحدة أو كراستان ختمه بخلافة المقتدي‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الغني المقري الضرير الحصري القيرواني الشاعر المشهور‏.‏

سافر من القيروان إلى الأندلس ومدح المعتمد وغيره ثم سار إلى طنجة من بر العدوة فتوفي بها وله أشعار جيدة منها قصيدته التي منها‏:‏ يا ليل الصب متى غده أقيـام الساعة موعده رقد السمار فأرقه أسف للبيـن يـردده ومنها‏:‏ وإذا أغمدت اللحظ قتل - ت فكيف وأنت تجرده ما أشرك فيك القلب فل في نار الهجر تخلده

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وأربعمائة

ذكر ملك كربوغا الموصل كان تنش قد حبس كربوغا بحمص لما قتل أقسنقر كما قدمنا ذكره في سنة سبع وثمانين وأربعمائة وبقي كربوغا في الحبس حتى أرسل بركيارق إلى رضوان صاحب حلب يأمره بإطلاقـه فأطلقـه وأطلق أخاه الطنطاش واجتمع على كربوغا البطالون وقصد نصيبين وبها محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش فطلع محمد إلى كربوغا واستحلفه ثم غدر كربوغا بمحمد وقبـض عليه وحاصر نصيبين وملكها ثم سار إلى الموصل وقتل في طريقه محمد بن مسلم بن قريش بن بدران بن المقلد بن المسيب وحصر الموصل وبها علي بن مسلم أخو محمد المذكور مـن حيـن استنابـه بهـا تنـش علـى مـا ذكرنـاه فلمـا ضـاق عليـه الأمـر هـرب علي بن مسلم المذكور من الموصل إلى صدقة بن مزيد بالحلة وتسلم كربوغا الموصل بعد حصـار تسعـة أشهـر ثـم إن الطنطاش استطال على أخيه كربرغا فأمر بقتله فقتل الطنطاش في ثالث يوم استولى كربوغا على الموصل وأحسن كربرغا السيرة فيها‏.‏

وفيها استولى عسكر خليفة مصر العلـوي علـى

ثم دخلت سنة تسعين وأربعمائة

ذكر مقتل أرسلان أرغون كان للسلطان ملكشاه أخ اسمه أرسلان أرغون بن ألب أرسلان وكان مع أخيه ملكشاه فلما مات ملكشاه سار أرسلان أرغون واستولى على خراسان وكان شديد العقوبة لغلمانه كثير الإهانة لهم وكانوا يخافونه عظيماً فدخل عليه غلام له وليس عنده أحد فأنكر عليه أرسلان أرغون تأخره عن الخدمة وأخذ الغلـام يعتـذر فلـم يقبـل عـذره فوثـب الغلـام وقتـل أرسلـان أرغرن بسكين وكان مقتله في المحرم من هذه السنة ولما قتل أرسلان أرغون سار بركيارق إلى خراسان واستولى عليها وأرسل إلى ما وراء النهر فأقيمت له الخطبة بتلك البلاد وسلم بركيـارق خراسـان إلـى أخيـه السلطـان سنجر بن ملكشاه وجعل وزيره أبا الفتح علي بن الحسين الطغرائي‏.‏

ذكر ابتداء دولة بيت خوارزم شاه وأولهم محمد خوارزم شاه بن أنوش تكين وكان أنوش تكين مملوكاً لرجل من غرشتان ولذلك قيـل لـه أنوش تكين غرشه فاشتراه منه أمير من السلجوقية اسمه بلكابل وكان أنوشتكين حسن الطريقة فكبر وعلا محله وصار أنوشتكين مقدماً مرجوعاً إليه وولد له محمد خوارزم شاه المذكور فرباه والده أنوشتكين وأحسن تأديبه فانتشأ محمد عارفاً أديباً وتقدم بالعناية الأزلية واشتهر بالكفاية وحسن التدبير فلما قدم الأمير داذا الحبشي إلـى خراسـان وهـو مـن أمـراء بركيارق كان قد أرسله بركيارق لتهدئة أمر خراسان بسبب فتنة كانت قد وقعت فيها من الأتـراك قتـل فيهـا النائـب علـى خوارزم فوصل داذا وأصلح أمر خوارزم واستعمل على خوارزم في هذه السنة محمد بن أنوشتكين المذكور ولقبه خوارزم فقصر محمد أوقاته على معدلة ينشرها ومكرمة يفعلها وقرب أهل العلم والدين فعلا محله وعظم ذكره ثم أقره السلطان سنجر على ولاية خوارزم وعظمت منزلة محمد خوارزم شاه المذكور عند السلطان سنجر ولما توفي خوارزم شاه محمد ولي بعده ابنه أطسز فمد غلال الأمن وأفاض العدل‏.‏

ذكر الحرب بين رضوان وأخيه دقاق

فيها سار رضوان من حلب إلى دمشق ليأخذها من أخيه دقاق وسار مع رضوان باغي سيان ابن محمد التركماني صاحب أنطاكية وجناح الدولة ووصلوا إلى دمشق فلم ينل منها غرضـاً فارتحـل منهـا رضوان إلى القدس فلم يملكها وتراجعت عنه عساكره فرجع إلى حلب ثم فارق باغي سيان رضوان وسار إلى دقاق وحسن له قصد أخيه رضوان وأخذ حلب منه فسـار دقـاق إلـى رضـوان وجمع رضوان العسكر والترك والتراكمين والتقى مع أخيه على قنسرين فانهزم دقاق وعسكره ونهبت خيامهم وعـاد رضـوان إلـى حلـب منصـوراً ثـم اتفقـا علـى أن يخطب لرضوان بدمشق قبل دقاق‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏

في هذه السنة خطب الملك رضوان للمستعلي بأمر الله العلوي خليفة مصر أربع جمع ثـم خشي من عاقبة ذلك فقطعها وأعاد الخطبة العباسية‏.‏

وفيها قتلت الباطنية أرغش النظامي بالـري وكـان قـد بلـغ مبلغـاً عظيمـاً بحيـث أنه تزوج بابنة ياقوتي عم السلطان بركيارق وفيها قتلت الباطنيـة أيضـاً الأميـر برسق وكان برسق من أصحاب طغريل بك وهو أول شحنة كان من جهة السلجوقية ببغداد‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

ذكر مسير الفرنج إلى الشام وملكهم أنطاكية وغيرها

وكـان مبتـدأ خروجهـم في سنة تسعين وأربعمائة فعبروا خليج قسطنطينية وولوا إلى بلاد قليج أرسلـان بـن سليمان بن قطلمش وهي قونية وغيرها وجرى بين قليج أرسلان وبين الفرنج قتال فانهزم قليج أرسلان من بين يديهم‏.‏

ثم ساروا إلى بلاد ليون الأرمني وخرجوا إلى أنطاكية فحصروها تسعة أشهر وظهر لباغي سان في ذلك شجاعة عظيمة ثم هجموا أنطاكية عنوة وخـرج باغي سيان بالليل من أنطاكية هارباً مرعوباً فلما أصبح ورجع وعيه أخذ يتلهف على أهله وأولاده وعلى المسلمين فلشدة ما لحقه سقط مغشياً عليه فأراد من معه أن يركبه فلم يكـن فيـه مـن المسكـة ما يثبت على الفرس فتركوه مرمياً واجتاز إنسان أرمني كان يقطع الخشب بباغي سيان بن محمد بن ألب أرسلان التركماني صاحب أنطاكية المذكور وهو على آخـر رمق فقطع رأسه وحمله إلى الفرنج بأنطاكية وأما الفرنج فإنهم ملكوا أنطاكية وكان ذلك في جمادى الأولى من هذه السنة ووضعوا السيف في المسلمين الذين بها ونهبوا أموالهم‏.‏

ذكر مسير المسلمين إلى حرب الفرنج بأنطاكية

لما بلغ كربوغا صاحب الموصل ما فعله الفرنج بأنطاكية جمع عسكره وسار إلى مرج دابـق واجتمع إليه دقاق بن تنش صاحب دمشق وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص وهو زوج أم الملك رضوان فإنه كان قد فارق رضوان من حلب وسار إلى حمص فملكها وغيرهم من الأمراء والقواد وساروا حتى نازلوا أنطاكيـة وانحصـر الفرنـج بهـا وعظـم خوفهـم حتـى طلبـوا من كربوغا أن يطلقهم فامتنع ثم إن كربوغا أساء السيرة فيمن اجتمع معه من الملوك والأمراء المذكورين وتكبر عليهم فخبثـت نياتهـم علـى كربوغـا ولمـا ضـاق علـى الفرنـج الأمـر وقلت الأقوات عندهم خرجوا من أنطاكية واقتتلوا مع المسلمين فولى المسلمون هاربين وكثر القتل فيهم ونهبت الفرنج خيامهم وتقووا بالأقوات والسلاح ولما انهزمت المسلمون من بين أيديهم سار الفرنج إلى المعرة فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها فقتلوا فيها ما يزيد على مائة ألف إنسان وسبوا السبي الكثير وأقاموا بالمعرة أربعين يوماً وساروا إلى حمص فصالحهم أهلها‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

ذكر ملك الفرنج بيت المقدس

كان تنش قـد أقطـع بيـت المقـدس للأميـر أرتـق فلمـا توفـي صـارت القـدس لولديـه أيلغـازي وسقمان ابني أرتق حتى خرج عسكر خليفة مصر فاستولوا على القدس بالأمان في شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة وسار سقمان وأخوه أيلغازي من القدس فأقام سقمان ببلد الرها وسـار أيلغـازي إلـى العـراق وبقـي القـدس فـي يد المصريين إلى الآن فقصده الفرنج وحصروا القدس نيفـاً وأربعيـن يومـاً وملكـوه يـوم الجمعـة لسبـع بقيـن مـن شعبـان مـن هـذه السنة ولبث الفرنج يقتلون في المسلميـن بالقـدس أسبوعـاً وقتـل مـن المسلميـن فـي المسجـد الأقصـى مـا يزيـد علـى سبعين ألف نفس منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في ذلك الموضع الشريف وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان فاجتمع أهل بغداد في الجوامع واستغاثوا وبكوا حتى أنهم أفطروا من عظم ما جرى عليهم ووقع الخلـاف بيـن السلاطين السلجوقية فتمكن الفرنج من البلاد وقال في ذلك المظفر الأبيوردي أبياتاً منها‏:‏ مزجنا دماء بالدموع السواجم فلـم يبـق منـا عرضـة للمراجـم وشر سلـاح المـرء دمـع يفيضـه إذا الحرب شبت نارها بالصوارم وكيف تنام العين ملء جفونهـا على هفوات أيقظـت كـل نائـم وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ظهور المذاكي أو بطون القشاعم يسومهم الروم الهوان وأنتم تجرون ذيل الخفض فعل المسالم وكم من دماء قد أبيحت ومن دم توارى حياء حسنها بالمعاصم أترضى صناديد الأعاريب بالأذى وتغضى على ذل كماة الأعاجم فليتهم إذ لم يذودوا حمية عن الدين ضنوا غيرة بالمحـارم ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏ في هذه السنة قوي أمر محمد بن ملكشاه أخي الملك بركيارق وهو أخو السلطان لأب وأم وأمهمـا أم ولد واجتمع إليه العساكر واستوزر محمد مؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك وقصد أخاه السلطان بركيارق وهو بالري فسار بركيارق عن الري ووصل إليها محمد ووجد والدة أخيه بركيارق زبيدة خاتون قد تخلفت بالري عن ابنها فقبض عليها مؤيد الملك وأخذ خطها بمال ثم خنقها ثم اجتمع إلى محمد كوهرابين شحنة بغداد وكربوغا صاحب الموصل وأرسل يطلب الخطبة ببغداد فخطب له بها نهار الجمعة سابع عشر ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلـاث وتسعيـن وأربعمائـة

فيهـا سـار بركيـارق ودخـل بغـداد وأعيـدت الخطبة له في صفـر ثـم سـار بركيـارق إلـى أخيه محمد وجمع كل منهما عساكره واقتتلوا رابع رجب عند النهر الأبيض وهو على عدة فراسخ من همذان فانهزم بركيارق وأرسل السلطان محمد إلى بغداد بذلك فأعيدت خطبتـه ولمـا انهـزم بركيـارق سـار إلـى الـري واجتمـع عليـه أصحابـه وقصـد خراسان واجتمع مع الأمير داذا أمير جيش خراسان ووقع بين بركيارق وبين أخيه السلطان سنجر القتال فانهزم بركيارق وعسكره وسار بركيارق إلى جرجان ثم إلى دامغان‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏

فيها جمع صاحب ملطية وسيواس وغيرهما وهو كمشتكين بن طيلو المعروف بابن الدانشمند وإنما قيل له ابن الدانشمند لأن أباه كان معلم التركمان والمعلم عندهم اسمه الدانشمند فترقى ابنه حتى ملك هذه البلاد وقصد الفرنج وكانوا قد ساروا إلى قرب ملطية وأوقع بهم وأسر ملكهم‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو علـي يحيى بن عيسى بن جذلة الطبيب صاحب كتاب المنهاج الذي جمع فيه الأدوية والأغذية المفردة والمركبة كان نصرانياً ثم أسلم وصنف رسالة في الرد على النصارى وبيان عوار مذهبهم ومدح فيها الإسلام وأقام الحجة على أنه الدين الحق وذكر فيها مـا قـرأه في التوراة والإنجيل في ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلـك وهـي رسالة حسنة وصنف أيضاً في الطب كتاب تقويم الأبدان وغير ذلك ووقف كتبه قبل موته وجعلها في مشهد أبي حنيفة رضي الله عنه‏.‏  

ذكر ابتداء دولة بيت شاهرمن من ملوك خلاط

وفي هذه السنة أعمي سنة ثلـاث وتسعيـن وأربعمائـة كـان استيـلاء سقمـان القطبـي وقيـل سكمان بالكاف على خلاط وكان سكمـان المذكـور مملوكـاً للملـك إسماعيـل صاحـب مدينـة مرند من أذربيجان ولقب إسماعيل المذكور قطب الدين وكان من بني سلجوق‏.‏

ولذلك قيل لسكمان المذكور القطبي نسبة إلى مولاه قطب الدين إسماعيل المذكور وانتشأ سكمان المذكور في غاية الشهامة والكفاية وكان تركي الجنس وكانت خلاط لبني مروان ملوك ديار بكر وكان قد كثر ظلمهم لأهل خلاط واتفقوا معه فسار إليهم سكمان وفتحوا له باب خلاط وسلموها إليـه وهـرب عنهـا بنـو مـروان فـي هـذه السنـة واستمـر سكمـان القطبـي مالكـاً لخلـاط حتـى توفي في سنـة سـت وخمسمائـة وملـك خلاط بعده ولده ظهير الدين إبراهيم بن سكمان على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وتسعين وأربعمائة

ذكر الحرب بين الأخوين بركيارق ومحمد

قد تقدم ذكر هزيمة بركيارق من أخيه محمد ثم قتال بركيارق مـع أخيـه سنجـر بخراسـان وهزيمة بركيارق أيضاً فلما انهزم بركيارق صار إلى خورستان واجتمع عليه أصحابه ثم أتى عسكر مكرم وكثر جمعه ثم سار إلى همذان فلحق به الأمير إياز ومعه خمسة آلاف فارس وسار أخوه محمد إلى قتاله واقتتلوا ثالث جمادى الآخرة من هذه السنة وهو المصاف الثاني واشتد القتال بينهم طول النهار فانهزم محمد وعسكره وأسر مؤيد الملك بن نظام الملك وزير محمد وأحضر إلى السلطان بركيارق فوافقه على ما جرى منه في حق والدته وقتله السلطان بركيـارق بيـده وكـان عمـر مؤيـد الملك لما قتل قريب خمسين سنة ثم سار السلطان بركيارق إلى الري وأما محمد فإنه هرب إلى خراسان واجتمع بأخيه سنجر وتحالفا واتفقا وجمعا الجموع وقصدا أخاهما بركيارق وكان بالري فلما بلغه جمعهما سار من الري إلى بغـداد وضاقـت الأموال على بركيارق فطلب من الخليفة مالاً وترددت الرسل بينهما فحمل الخليفة إليه خمسين ألف دينار ومد بركيارق يده إلى أموال الرعية ومرض وقوي به المرض وأما محمد وسنجر فإنهما استوليا على بلاد أخيهما بركيارق وسارا في طلبه حتى وصلا إلى بغداد وبركيارق مريض وقد أيس منه فتحول إلى الجانب الغربي محمولاً ثم وجد خفة فسار عن بغداد إلى جهة واسط ووصل السلطان محمد وأخوه سنجر إلى بغداد فشكى الخليفة المستظهر إليهما سوء سيرة بركيارق وخطب لمحمد ثم كان منهم ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر ملك ابن عمار مدينة جبل

كان قد استولى على جبلة القاضي أبو محمد عبيد الله بن منصور المعروف بابن صليحة وحاصره الفرنج بها فأرسل إلى طغتكين أتابك دقاق صاحب دمشق يطلب منه أن يرسل إليه من يتسلم منه جبلة ويحفظها فأرسل إليها طغتكين ابنه تاج الملوك توري فتسلم جبلة وأساء السيـرة فـي أهلهـا فكاتب أهل جبلة أبا علي ابن محمد بن عمار صاحب طرابلس وشكوا إليه ما يفعله توري بهم فأرسل إليهم عسكراً فاجتمعوا وقاتلوا توري فانهزم أصحابه وملك عسكر ابـن عمـار جبلـة وأخـذ تـوري أسيراً وحملوه إلى طرابلس فأحسن إليه ابن عمار وسيره إلى أبيه طغتكين وأما القاضي أبو محمد الذي كان صاحب جبلة المعروف بابن صليحة المذكور فإنه سار بماله وأهله إلى دمشق ثم إلى بغداد وبها بركيارق وقد ضاقت الأموال عليه فأحضره بركيارق وطلب منه مالاً فحمل أبو محمد بن صليحة جملة طائلة إلى بركيارق‏.‏

ذكر أحوال الباطنية

ويسمون الإسماعيلية أول مـا عظـم أمرهـم بعـد وفـاة السلطـان ملكشـاه وملكـوا القلـاع فمنهـا قلعة أصفهان وهي مستجـدة بناهـا السلطـان ملكشـاه وكـان سبب بنائها‏:‏ أنه كان في الصيد ومعه رسول ملك الروم فهرب منه كلب وصعد إلى موضع قلعة أصفهان فقال رسول الروم لملكشاه‏:‏ لـو كـان هـذا الموضع ببلادنا لبنينا عليـه قلعـة فأمـر السلطـان ببنائهـا وتـواردت عليهـا النـواب حتـى ملكهـا الباطنية وعظم ضررهم بسببها وكان يقول الناس‏:‏ قلعة يدل عليها كلب ويشير بها كافر لا بد وأن يكون آخرها إلى شر‏.‏

ومن القلاع التي ملكوها‏:‏ ألموت وهي من نواحي قزوين قيل إن بعض ملوك الديلم أرسل عقاباً على الصيد فقعد على موضع ألموت فرآه حصيناً فبنى عليه قلعة وسماها إله الراموت‏.‏

ومعناه بلسان الديلم تعليم العقاب ويقال لذلك الموضع وما يجاوره طالقان وكان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً عالمـاً بالهندسـة والحسـاب والجبـر وغيـر ذلـك وطـاف البلـاد ودخـل علـى المستنصـر العلوي خليفة مصر ثم عاد إلى خراسان وعبر النهر ودخل كاشغر ثم عاد إلى جهة الموت فاستغوى أهله وملكه‏.‏

ومن القلاع التي ملكوها قلعة طبس وقهستان ثم ملكوا قلعة وستمكوه وهي بقرب أبهر سنة أربع وثمانين وأربعمائة واستولوا على قلعة خاليجان وهي على خمس فراسخ من أصفهان وعلى قلعة أزدهن ملكها أبو الفتوح ابن أخـت الحسـن بـن الصبـاح واستولوا على قلعة كردكوه وقلعة الطنبور وقلعة خلا وخان وهي بين فارس وخورستان وامتدوا إلى قتل الأمراء الأكابر غيلة فخافهم الناس وعظم صيتهم فاجتهد السلطان بركيارق على تتبعهم وقتلهم فقتل كل من عرف من الباطنية‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ وفي هذه السنة ملك الفرنج مدينة سروج من ديار الجزيرة فقتلوا أهلها وسبوهم‏.‏

وفيها ملك الفرنج أيضاً أرسوف بساحل عكا وقبسارية‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وتسعين وأربعمائة

وفـي هـذه السنـة توفـي المستعلـي بأمـر اللـه أبـو القاسـم أحمـد بن المستنصر معد العلوي خليفة مصر لسبع عشرة خلت من صفر وكان مولده في العشرين من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة وكانت خلافته سبع سنين وقريب شهرين وكان المدبر لدولته الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيـوش ولمـا توفـي بويـع بالخلافـة لابنـه أبي علي منصور ولقب الآمر بأحكام الله وكان عمر الآمر لما بويع خمس سنين وشهراً وأياماً وقام بتدبير الدولة الأفضل بن بدر الجمالي المذكور‏.‏

ذكر الحرب بين بركيارق وأخيه محمد

كان بركيارق بواسط ومحمد ببغداد على ما تقدم ذكره فلما سار محمد عن بغـداد سـار بركيـارق مـن واسط إليه والتقوا بروذراور وكان العسكران متقاربين في العدة فتصافوا ولم يجر بينهما قتال ومشى الأمراء بينهما في الصلح فاستقرت القاعدة على أن يكون بركيـارق هـو السلطان ومحمد هو الملـك ويكـون لمحمـد مـن البلـاد أذربيجـان وديـار بكـر والجزيـرة والموصـل وحلف كل واحد منهما لصاحبه وتفرق الفريقان من المصاف رابع ربيع الأول من هذه السنة ثـم انتقـض الصلـح وسـار كـل منهمـا إلـى صاحبـه فـي جمـادى الأولـى واقتتلـوا عنـد الـري وهو المصاف الرابـع فانهـزم عسكـر محمـد ونهبـت خزانتـه ومضى محمد في نفر يسير إلى أصفهان وتتبع بركيارق أصحاب أخيه محمد فأخذ أموالهم ثم سار بركيارق فحصر أخاه محمداً بأصفهان وضيـق عليـه وعدمـت الأقـوات في أصفهان ودام الحصار على محمد إلى عاشر ذي الحجة فخرج محمد من أصفهان هارباً مستخفياً وأرسل بركيارق خلفه عسكراً فلم يظفروا به ثم رحل بركيارق عن أصفهان ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة وسار إلى همذان‏.‏

ذكر أحوال الموصل فـي هذه السنة مات كربوغا بخوي من أذربيجان كان قد أمره بركيارق بالمسير إليها فمات في خـوي فـي ذي القعـدة واستولـى علـى الموصل موسى التركماني‏.‏

وكان عاملاً لكربوغا على حصن كيفا فكاتبه أهل الموصل فسار وملك الموصل وكان صاحب جزيرة ابن عمر رجلاً تركياً يقال له شمس الدولة جكرمش فقصد الموصل واستولى في طريقه على نصيبين فخـرج موسـى التركماني من الموصل إلى قتال جكرمش فغدر بموسى عسكره وصاروا مع جكرمش فعاد موسى إلى الموصل وحصره جكرمش بها مدة طويلة فاستعان موسى بسقمان بن أرتق وكان سقمان بديار بكر وأعطاه حصن كيفا فاستمر الحصن لسقمان وأولاده إلى آخر وقت فسار سقمان إليه فرحـل جكـرش عـن الموصـل وخـرج موسـى لتلقـي سقمـان فوثـب علـى موسـى جماعـة مـن أصحابـه فقتلـوه عنـد قريـة تسمـى كوانـا ودفـن علـى تـل هنـاك يعرف بتل موسى إلى الآن ورجع سقمان إلى حصن كيفا ثم عاد جكرمش صاحب الجزيرة إلى الموصل وحصرها ثم ذكر ما فعله الفرنج لعنهم الله تعالى وقتل جناح الدولة صاحب حمص فـي هـذه السنـة سـار صنجيـل الأفرنجـي فـي جمـع قليـل وحصـر ابن عمار بطرابلس ثم وقع الصلح على مال حمله أهل طرابلس إليه فسار صنجيل إلى أنطرطوس ففتحها وقتـل مـن بهـا مـن المسلمين ثم سار صنجيل وحصر حصن الأكراد فجمع جناح الدولة صاحب حمص العسكر ليسيـر إليـه فوثـب باطنـي علـى جنـاح الدولـة وهـو بالجامـع فقتله ولما بلغ صنجيل قتل جناح الدولة رحل عن حصن الأكراد إلى حمص ونازلها وملك أعمالها‏.‏

ذكر غير ذلك فيهـا قتـل المؤيـد بـن مسلم بن قريش أمير بني عقيل قتله بنو نمير عند هيت وفيها توفي الأمير منصـور بـن عمـارة الحسينـي أميـر مدينـة النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم وقـام ولـده مقامـه وهم من ولد المهنا‏.‏

ثم دخلت سنة سـت وتسعيـن وأربعمائـة

فـي هـذه السنـة فـي جمـادى الآخرة كان المصاف الخامس بين الأخوين بركيارق ومحمد ابني ملكشاه فانهزم عسكر محمد أيضاً وكانت الوقعة على باب خري وسار بركيارق بعد الوقعة إلى جبل بين مراغة وتبريز كثير العشب والماء فأقاما به أيام ثـم سـار إلـى زنجـان وأمـا محمـد فسـار إلى أرجيش على أربعين فرسخاً من موضع الوقعة وهي من أعمال خلاط ثم سار من أرجيش إلى خلاط‏.‏

ذكر ملك دقاق الرحبة فيها سار دقاق بن تنش بن ألب أرسلان صاحب دمشق إلى الرحبة فاستولى عليها وملكها وقرر أمرها ثم عاد إلى دمشق‏.‏

ثم دخلت سنة سبـع وتسعيـن وأربعمائـة

فيهـا استولـى بلـك بن بهرام بن أرتق بن أكسك وهو ابن أخي سقمان وأيلغازي على مدينتي عانة والحديثة وكان لبلك المذكور سروج فأخذها منه الفرنـج فسـار واستولـى علـى عانـة الحديثـة وأخذهمـا مـن بني عيس بن عيسى‏.‏

وفي هذه السنة في صفر غارت الفرنج على قلعة جعبر والرقة واستاقوا المواشي وأسروا من وجدوه وكانت الرقة وقلعة جعبر لسالم بن مالك بن بدران بن المقلد بن المسيب العقيلي سلمها إليه السلطان ملكشاه كما تقدم ذكره في سنة تسع وسبعين وأربعمائة لما تسلم منه حلب‏.‏

ذكر الصلح بين السلطانين بركيارق ومحمد ابني ملكشاه

في هذه السنة في ربيع الأول وقع الصلح بين بركيارق ومحمد وكان بركيارق حينئذ بالري والخطبة له بها وبالجبل وطبرستان وفارس وديار بكر وبالجزيرة والحرمين الشريفين وكان محمد بأذربيجـان والخطبـة لـه بهـا وببلاد سنجر فإنه كان يخطب لشقيقه محمد إلى ما وراء النهر ثم إن بركيارق ومحمداً تراسلاً في الصلح واستقر بينهما وحلفا على ذلك في التاريخ المذكور وكان الصلح على أن لا يذكر بركيارق في البلاد التي استقرت لمحمد وأن لا يتكاتبا بل تكون المكاتبة بين وزيريهما وأن لا يعارض العسكر في قصد أيهما شاء وأما البلاد التي استقرت لمحمد ووقع عليها الصلح فهي‏:‏ من النهر المعروف باسبيدز إلى باب الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام ويكون له من العراق بلاد صدقة بن مزيد ولما وصلت الرسل إلى المستظهر الخليفـة بالصلح وما استقر عليه الحال خطب لبركيارق ببغداد وكان شحنة بركيارق ببغداد أيلغازي بن أرتق‏.‏

ذكر ملك الفرنج جبيل وعكا من الشام

في هذه السنة سار صنجيل وقد وصله مدد الفرنج من البحر إلى طرابلس وحاصرها براً وبحراً فلم يجد فيها مطمعاً فعاد عنها إلى جبيل وحاصرها وتسلمها بالأمان ثم سار إلى عكا ووصل إليه من الفرنج جمع آخر من القدس وحصروا عكا في البر والبحر وكان الوالي بعكـا مـن جهة خليفة مصر اسمه بنا ولقبه زهر الدولة الجيوشي نسبة إلى أمير الجيوش وجرى بينهـم قتـال طويـل حتـى ملـك الفرنج عكا بالسيف وفعلوا بأهلها الأفعال الشنيعة وهرب من عكا بنا المذكور إلى الشام ثم سار إلى مصر وملوك الإسلام إذ ذاك مشتغلون بقتال بعضهم بعضاً وقـد تفرقـت الـآراء واختلفـت الأهـواء وتمزقـت الأمـوال ثم إن الفرنج قصدوا حران فاتفق جكرمش صاحب الموصـل وسقمـان بـن أرتـق ومعـه التركمـان فتحالفـا واتفقـا وقصـدا الفرنـج واجتمعا على الخابور والتقيا مع الفرنج على نهر البليخ فنصر الله تعالى المسلميـن وانهزمـت الفرنج وقتل منهم خلق كثير وأسر ملكهم القومص‏.‏

ذكر وفاة دقاق

فـي هـذه السنـة فـي رمضـان توفـي الملـك دقاق بن تنش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق صاحب دمشق فخطب طغتكين الأتابك بدمشق لابن دقاق وكان طفلاً له سنة واحـدة ثـم قطـع خطبتـه وخطب لبلتاش بن تنش عم هذا الطفل في ذي الحجة ثم قطع خطبة بلتاش وأعاد خطبة الطفل واستقر طغتكين في ملك دمشق‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث فـي هـذه السنـة سـار صدقـة بـن مزيـد صاحـب الحلة إلى واسط واستولى عليها وضمن البطيحة لمهذب الدولة بن أبي الخير بخمسين ألف دينار‏.‏

وفيها توفي أمين الدولة أبو سعد الحسن بن موصلايا فجأة وكان قد أضر وكان بليغاً فصيحاً خدم الخلفاء خمساً وستين سنة لأنه خدم القائم سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وكان نصرانياً فأسلم سنة أربع وثمانين وأربعمائة وكان كل يوم تزداد منزلته حتى تاب عن الوزارة وكان كثير الصدقة جميل السيرة ووقف أملاكه على وجوه البر‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

ذكر وفاة بركيارق

فـي هـذه السنة ثاني ربيع الآخر توفي السلطان بركيارق بن ملكشماه بن ألب أرسلان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق وكـان مرضـه السـل والبواسيـر وكـان بأصفهـان فسـار طالبـاً بغـداد فقوي به المرض في بروجرد فجمع العسكر وحلفهم لولده ملكشاه وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر وجعل الأمير أياز أتابكه فحلف العسكر له وأمرهم بالمسير إلى بغداد وتوفي بركيارق ببروجرد ونقل إلى أصفهان فدفن بها في تربة عملتها له سريته ثم ماتت عن قريب فدفنـت بإزإئـه‏.‏

وكـان عمـر بركيـارق خمساً وعشرين سنة وكانت مدة وقوع السلطنة عليه اثنتي عشرة سنة وأربعة أشهـر وقاسـى مـن الحـروب واختلـاف الأمـور عليـه مـا لـم يقاسـه أحـد واختلفـت بـه الأحـوال بيـن رخـاء وشـدة وملـك وزوالـه وأشـرف عـدة مرات على ذهاب مهجته في الأمور التي تقلبت به ولما استقام أمره وأطاعه المخالفون أدركته منيته واتفق أنه كلما خطب له ببغداد وقع فيها الغلاء وقاسى من طمع أمرائه فيه شدائد حتى إنهم كانوا يحضرون نوابه ليقتلوهم وكان صابراً حليماً كريماً حسن المداراة كثير التجاوز ولما مات بركيارق سار أياز بالعسكر ومعه ملكشاه بن بركيارق ودخلوا بغداد سابع عشر ربيع الآخر مـن هـذه السنـة وخطب لملكشاه بجوامع بغداد على قاعدة أبيه بركيارق‏.‏

ذكر قدوم السلطان محمد إلى بغداد

لما بلغ محمداً موت أخيه بركيارق سار إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي وبقي أياز وملكشاه بالجانب الشرقي وجمع أياز العسكر لقتال محمد ثم إن وزير أياز أشار عليه بالصلح ومشى بينهمـا واتفـق الصلـح وحضـر الكيـا الهراس مدرس النظامية والفقهاء وحلفوا محمد الأياز وللأمراء الذين معه وحضر أياز والأمراء إلى عند محمد وأحضروا ملكشـاه فأكرمـه وأكرمهـم وصارت السلطنة لمحمد وكان ذلك لسبع بقين من جمادى الأولى من هذه السنة واستمر الأمر على ذلك إلى ثامن جمادى الآخرة فعمل أياز دعوة عظيمة للسلطان محمد في داره ببغداد فحضر إليه وقدم له أياز أموالاً عظيمة وفي ثالث عشر جمادى الآخرة طلب السلطان أيازاً وأوقـف لـه فـي الدهليـز جماعـة فلما دخل ضربوه بسيوفهم حتى قتلوه وكان عمر أياز قد جاوز أربعين سنة وهو من جملة مماليك السلطان ملكشاه وكان غزير المروة شجاعاً وأمسك الصفي وزير أياز وقتل في رمضان وعمره ست وثلاثون سنة وكان من بيت رئاسة بهمذان‏.‏

ذكر وفاة سقمان

فـي هـذه السنـة توفـي سقمان بن أرتق بن أكسب كذا ذكره ابن الأثير أنه أكسب بالباء وصوابه أكسك بكافين ذكر ذلك أيضاً ابن خلكان وكان وفاة سقمان في القريتين لأنه كان متوجهاً إلى دمشق باستدعاء طغتكين بسبب الفرنج ليجعله مقابلتهم بحكم مرض طغتكين فلحق سقمان الخوانيـق فـي مسيـره فتوفـي فـي القريتيـن فـي صفـر مـن هـذه السنـة وخلـف سقمـان اثنيـن همـا إبراهيـم وداود وحمل سقمان في تابوت إلى حصن كيفا فدفن به ولما مات سقمان كان مالكاً لحصن كيفا ماردين أما ملكه لحصن كيفا فقد ذكرنا ذلك وصورة تسليم موسى التركماني صاحب الموصل الحصن له لما استنجد به علـى جكرمـش وأمـا ملكـه مارديـن فنحـن نـورده مـن أول الحال‏.‏

وهو أن ماردين كان قد وهبها هي وأعمالها السلطان بركيارق لإنسان مغن ووقع حرب بين كربوغـا صاحـب الموصـل وبيـن سقمـان وكان مع سقمان ابن أخيه ياقوتي وعماد الدين زنكي ابن أقسنقـر وهـو إذ ذاك صبـي فانهـزم سقمـان وأخـذ ابـن أخيه ياقوتي أسيراً فحبسه كربوغا في قلعة ماردين وبقي ياقوتي في حبسه مدة فمضت زوجة أرتق إلى كربوغا وسألته في إطلاق ابن ابنها ياقوتي فأجابها كربوغا إلى ذلك وأطلقه فأعجبت ياقوتي ماردين وأرسل يقول لصاحبها المغني إن أذنت لي سكنت في ربض قلعتك وجلبت إليها الكوبات وحميتهـا مـن المفسديـن ويحصل لك بذلك النفع فأذن له المغني بالمقام في الربض فأقام ياقوتي بماردين‏.‏

وجعل يغير من باب خلاط إلى بغداد ويستصحب معه حفاظ قلعة مارديـن ويحسـن إليهـم ويؤثرهـم علـى نفسه فاطمأنوا إليه وسار مرة ونزل معه أكثرهم فقيدهم وقبضهم وأتى إلى باب قلعة ماردين ونادى من بها من أهليهم إن فتحتم الباب وسلمتم إلي القلعة وإلا ضربت أعناقهم جميعهم فامتنعوا فأحضر واحداً منهم وضرب عنقه ففتحوا له باب القلعة وتسلمهـا ياقوتـي وأقام بها ثم جمع ياقوتي جمعاً وقصد نصيبين ولحقه مرض حتـى عجـز عـن لبـس السلـاح وركوب الخيل وحمل على فرسه وركبه فأصابـه سهـم فسقـط ياقوتـي منـه ومـات ثـم ملـك ماردين بعد ياقوتي أخوه علي وصار في طاعته جكرمش صاحب الموصل واستخلف على ماردين بعض أصحابه وكان اسمه علياً أيضاً فأرسل علي يقول لسقمان‏:‏ إن ابن أخيك يريد أن يسلم ماردين إلى جكرمش فسار سقمان بنفسه وتسلم ماردين فطالبه ابن أخيه علي بردها إليـه فلـم يفعـل سقمـان ذلـك وأعطـاه جبل جور عوضها واستقرت ماردين وحصن كيفا لسقمان حتـى سـار إلـى دمشـق ومـات بالقريتيـن فصـارت مارديـن لأخيـه أيلغـازي بـن أرتـق وصارت حصن كيفا لابنه إبراهيم بن سقمان المذكور وبقي إبراهيم بن سقمان مالكاً لحصن كيفـا حتـى توفـي وملكهـا بعـده أخوه داود بن سقمان حتى توفي وملكها بعدهما قرا أرسلان بن داود حتى توفي في سنة اثنتين وستين وخمسمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ وفي هذه السنة اجتمعت الحجاج من الهند وما وراء النهر وخراسان وغيرها وساروا فلما وصلوا جوار الري أتاهم الباطنية وقت السحر فوضعوا فيهم السيف وقتلوهم ونهبوا أموالهم ودوابهم وفيها كانت وقعة بين فرنج أنطاكية والملك رضوان بن تنش صاحـب حلـب عنـد شيـزر فانهـزم المسلمـون وأسـر وقتـل منهـم كثيـر واستولـى الفرنج على أرتاح‏.‏

وفيها توفي محمد بن علـي بـن الحسن المعروف بابن أبي الصقر كان فقيهاً شافعياً وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وغلب عليه الشعر فاشتهر به فمن قوله لما كبر‏.‏

ابن أبي الصقر افتكر وقال في حال الكبر لما ذكرت أن لي ما بين فخـذي ذكـر وكانت ولادته في نحو سنة سبع وأربعمائة‏.‏

ثم دخلت سنة تسـع وتسعيـن وأربعمائـة

في هذه السنة سار سيف الدولة صدقة بن مزيد من الحلة إلى البصرة فملكها‏.‏

ذكر اتصال ابن ملاعب بملك أفامية واستيلاء الفرنج عليها‏:‏

كان خلف بن ملاعب الكلابي صاحب حمص وكان رجاله وأصحابه يقطعون الطريق على الناس فكان الضرر بهم عظيماً فسار صاحب دمشـق تنـش بـن ألـب أرسلـان إليـه وأخـذ حمـص منـه كمـا تقـدم ذكـره فـي سنـة خمـس وثمانين وأربعمائة ثم تقلبت بخلف بن ملاعب المذكور الأحـوال إلى أن دخل مصر وأقام بها واتفق أن متولي أفامية من جهة رضوان بن تنش صاحب حلـب كـان يميـل إلـى مذهـب خلفـاء مصر فكاتبهم في الباطن في أن يرسلوا من يسلم إليه أفامية وقلعتها فطلب ابن ملاعب أن يكون هو الذي يرسلونه لتسليم أفامية فأرسلوه وتسلم أفامية وقلعتها فلما استقر خلف بن ملاعب الكلابي المذكور بأفامية خلع طاعة المصريين ولم يرع حقهـم وأقـام بأفاميـة يقطـع الطريـق ويخيـف السبيـل فاتفـق قاضـي أفاميـة وجماعـة مـن أهلها وكاتبوا الملك رضوان صاحب حلب في أن يرسل إليهم جماعة ليكبسوا أفامية بالليل وأنهم يسلمونهـا إليهـم فأرسـل رضـوان مائـة فأصعدهـم القاضـي والمتفقـون معـه بالحبـال إلى القلعة فقتلوا ابن ملاعب وبعض أولاده وهرب البعض واستولوا على قلعة أفامية ثم سار الفرنج إلى أفامية وحاصروها وملكوا البلد والقلعة وقتلوا القاضي المتغلب عليها‏.‏

ذكر حال طرابلس مع الفرنج

كان صنجيل قد ملك مدينة جبلة ثم سار وأقام على طرابلس فحصرها وبنى بالقرب منها حصناً وبنى تحته ربضـاً وهـو المعـروف بحصـن صنجيـل فخـرج الملـك أبـو علـي بـن عمـار صاحب طرابلس فأحرق الربـض ووقـف صنجيـل علـى بعـض سقوفـه المحرقـة فانخسـف بـه فمرض صنجيل لعنه الله من ذلك وبقي عشرة أيام ومات وحمل إلى القدس ودفن فيها ودام الحـرب بيـن أهـل طرابلس والفرنج خمس سنين وظهر من صاحبها ابن عمار صبر عظيم وقلت الأقوات بها وافتقرت الأغنياء‏.‏

 ثم دخلت سنة خمسمائة

ذكر وفاة يوسف بن تاشفين

فـي هـذه السنـة توفـي أميـر المسلميـن يوسـف بـن تاشفين ملك الغرب والأندلس وكان حسن السيرة وكـان قـد أرسـل إلى بغداد فطلب التقليد من المستظهر خليفة بغداد فأرسل إليه الخلع والتقليد ويوسف المذكور هو الذي بنى مدينة مراكش ولما مات يوسف ملك البلاد بعده ابنه علي بن يوسف بن تاشفين وتلقب أيضاً بأمير المسلمين‏.‏

ذكر قتل فخر الدولة بن نظام الملك

في هذه السنة قتل فخر الدولة أبو المظفر علي بن نظام الملك يوم عاشوراء وكان أكبر أولاد نظام الملك وزّر لبركيارق ثم لأخيه سنجر بن ملكشاه وكان قد أصبح في يوم قتل صائماً بنيسابـور‏.‏

وقـال لأصحابـه‏:‏ رأيـت الليلـة فـي المنـام الحسين بن علي وهو يقول‏:‏ عجل إلينا وليكن إفطارك عندنا وقد اشتغل فكري ولا محيد عن قضاء الله تعالى‏.‏

فقالوا الصواب أن لا تخرج اليوم فأقام يومه يصلي ويقرأ القران وتصدق بشيء كثير وخرج العصر من الدار التي كان بها يريد دار النساء فسمع صياح متظلم شديد الحرقـة فأحضـره وقـال‏:‏ مـا حالـك فدفـع رقعـة فبينمـا فخـر الدولة يتأملها إذ ضربه بسكين فقتله‏.‏

وأمسك الباطني وحمل إلى السلطان سنجر فقرره فأقر على جماعة كذباً فقتل هو وتلك الجماعة‏.‏

ذكر ملك صدقة تكريت في هذه السنة ملك سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد قلعة تكريت سلمها إليه كيقباذ بن هزارسب الديلمي وكانت تكريت لبني مقن برهة من الزمان ثم خرجت عنهم وتنقلت في أيدي غيرهم حتى صارت لأقسنقر صاحب حلب ثم لكوهراتين ثم لمجد الملك البلاساني فولى عليها كيقباذ المذكور وبقيت في يده حتى سلمها في هذه السنة لصدقـة المذكور‏.‏

ذكر ملك جاولي الموصلي وموت جكرمش وقليج أرسلان

فـي هذه السنة أقطع السلطان محمد جاولي سقاوة الموصل والأعمال التي بيد جكرمش فسار جاولي حتى قارب الموصل فخرج جكرمش لقتاله في محفة لأنه كان قد لحقه طرف فالج واقتتلا وانهزم عسكر جكرمش وأخذ جكرمش أسيراً من المحفة وسار جاتولي بعد الوقعة وحصر الموصل وكان قد أقـام أصحـاب جكرمـش زنكـي بـن جكرمـش وملـك الموصـل ولـه إحـدى عشـرة سنـة وبقـي جاولـي يطـوف بجكرمش حول الموصل أسيراً وهو يأمرهم بتسليم البلد فلم يقبلوا منه ومات جكرمش في تلك الحال وعمره نحو ستين سنة وكان قد عظم ملك جكرمش وهـو الـذي علـى سـور الموصـل وحصنهـا وكاتـب أهـل الموصـل قليـج أرسلـان بـن سليمان بن قطلمش السلجوقي صاحب بلاد الروم يستدعونـه فسـار قاصـد الموصـل‏.‏

فلمـا وصـل إلـى نصيبين رحل جاولي عن الموصل خوفاً منه وسار إلى الرحبة ووصل قليج أرسلان إلى الموصل وتسلمها في الخامس والعشرين من رجب من هـذه السنـة ثـم استخلـف قليـج أرسلان ابنه ملكشاه بن قليج أرسلان على الموصل وعمره إحدى عشرة سنة وأقام معه أميراً يدبـره وسـار قليج أرسلان إلى جاولي وكان قد كثر جمع جاولي واجتمع إليه رضوان صاحب حلـب وغيـره ولمـا وصـل قليـج أرسلـان إلـى الخابور وصل إليه جاولي واقتتلوا في العشرين من ذي القعدة وقاتل قليج أرسلان بنفسه قتـالاً عظيمـاً فانهـزم عسكـره واضطـر قليـج أرسلـان إلـى الهروب فألقى نفسه في الخابور فغـرق وظهـر بعـد أيـام ودفـن بالشميسانيـة وهـي مـن قـرى الخابور ولما فرغ جاولي من الوقعة سار إلى الموصل فسلمت إليه بالأمان وسار ملكشاه بن قليج أرسلان إلى عند السلطان محمد‏.‏

ذكر قتل الباطنية

فـي هـذه السنـة حاصـر السلطـان محمـد قلعـة الباطنيـة التي بالقرب من أصفهان التي بناها ملكشاه بإشارة رسول ملك الروم على ما قدمنا ذكره وكان اسم القلعة شاه دز وكانت المضرة بها عظيمة وأطال عليها الحصار ونزل بعض الباطنية بالأمان وساروا إلى باقـي قلاعهـم وبقـي صاحـب شـاه دز واسمـه أحمـد بـن عبـد الملك بن عطاش مع جماعة يسيرة فزحف السلطان عليه وقتله وقتل جماعة كثيرة من الباطنية وملك القلعة وخربها‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي الأميـر شرخـاب بـن بـدر بن مهلهل المعروف بابن أبي الشوك الكردي وكان له أموال وخيول لا تحصى وقام مقامه بعده أخوه منصور بن بدر وبقيت الإمارة في بيته مائة وثلاثين سنة‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وخمسمائة

ذكر مقتل صدقة

فـي هـذه السنـة فـي رجـب قتـل سيـف الدولـة صدقـة بـن منصـور بـن دبيـس بـن مزيد الأسدي أمير العـرب فـي قتـال جـرى بينـه وبيـن السلطـان محمـد واشتـد القتـال بينهـم وقتـل صدقه في المعركة بعد أن قاتل قتالاً شديداً وحمل رأسه إلى السلطان محمد وكان عمر صدقة تسعاً وخمسين سنة وإمارته إحدى وعشرين سنة وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس وكان صدقة متشيعـاً وهـو الـذي بنـى الحلـة بالعـراق‏.‏

وأقـول‏:‏ إنـه قد تقدم ذكر الحلة قبل وجود صدقة المذكور فكيف يكون هو الذي بناها لكن كنا نقلناه من الكامل لابن الأثير وكان قد عظم شأنه وعلا قدره واتسع جاهه واستجار به صغار الناس وكبارهم وكان مجتهداً في النصـح للسلطـان محمد حتى أنه جاهر بركيارق بالعداوة ولم يبرح على مصافاة محمد ثم فسد ما بينهما حتى قتل صدقة كما ذكرنا وكان سبب الفساد بينهما حماية صدقة لكل من خاف من السلطان واتفق أن السلطان محمد أغضب على أبي دلف شرخاب بن كيخسرو صاحب ساوة فهرب صاحب ساوة المذكور واستجار بصدقة وأرسل السلطان يؤكد في إرساله وطلبه فلم يفعل صدقة أن يسلمه فسار إليه السلطان واقتتلوا كما ذكرنا فقتل صدقة وأسر ابنه دبيـس بـن صدقة وأسر شرخاب صاحب سارة المذكور‏.‏

ذكر وفاة تميم بن المعز

فـي هـذه السنـة فـي رجـب توفـي تميـم بـن المعز بن باديس صاحب إفريقية وكان تميم ذكياً حليماً وكان ينظم الشعر وكان عمره تسعاً وسبعين سنة وكانت ولايته ستاً وأربعين سنة وعشرة أشهـر وعشريـن يوماً وخلّف من الأولاد مائة ابن أربعين ذكراً وستين بنتاً‏.‏

ولما توفي ملك بعده ابنه يحيى بن تميم وكان عمر يحيى حين ولي ثلاثاً وأربعين سنة وستة أشهر‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توجه فخر الملك أبو علي بن عمار من طرابلس إلى بغداد مستنفراً لما حل بطرابلس وبالشام مـن الفرنـج واجتمـع بالسلطـان محمـد وبالخليفـة المستظهـر فلـم يحصـل منهمـا غـرض فعـاد إلـى دمشـق وأقـام عنـد طغتكيـن وأقطعـه الزبداني وأما طرابلس فإن أهلها دخلوا في طاعة خليفة مصر وخرجوا عن طاعة ابن عمار وكان من أمر طرابلس ما سنذكره‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسمائة

في هذه السنة أرسل السلطان محمد عسكراً فيهم عدة من أمرائـه الكبـار مـع أميـر يقـال لـه مودود بن الطغتكين إلى الموصل ليأخذوها من جاولي فوصلوا إلى الموصـل وحصروهـا وتسلمهـا الأميـر مـودود في صفر وأما جاولي فإنه لم ينحصر بالموصل وهرب إلـى الرحبة قبل نزول العسكر عليها ثم سار جاولي مجداً ولحق السلطان محمداً قريب أصفهان وأخذ كفنه معه ودخل عليه وطلب العفو فعفا عنه وأمّنه‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث فـي هذه السنة تولى مجاهد الدين بهروز شحنكية بغداد ولاه إياها السلطان محمد وأمر بهروز بعمارة دار المملكة ببغداد ففعل بهروز ذلك وأحسن إلى الناس وكان السلطان لما ولـاه فـي أصفهان ثم لما قدم السلطان إلى بغداد ولى بهروز شحنكية العراق جميعه‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي فصـح النصـارى نـزل الأمـراء بنـو منقـذ أصحـاب شيزر منها للتفرج على عيد النصـارى فثـار جماعـة مـن الباطنية في حصن شيزر فملكوا قلعة شيزر وبادر أهل المدينة إلى الباشورة وأصعدهم النساء بالحبال من الطاقات وأدركهم الأمراء بنو منقذ ووقع بينهم القتال فانخـذل الباطنيـة وأخذهـم السيـف كـل جانـب فلـم يسلـم منهم أحد‏.‏

وفي هذه السنة في جمادى الآخرة توفي الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي أحد أئمة اللغة‏.‏

قرأ على أبي العلاء سليمان المعري وضيره وسمع الحديث بمدينة صور من الفقيه سليم بن أبو الـرازي وغيـره‏.‏

وروى عنه أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي وغيره وتخرج عليه خلق كثير وتتلمذوا له قال في وفيات الأعيان‏:‏ وقد روي أنه لم يكن بمرضي الطريقة وشرح الحماسة وديوان المتنبي وله في النحو مقدمة وهي عزيزة الوجود وله في إعراب القرآن كتاب سماه المخلص في أربع مجلدات وله غير ذلك التواليف الحسنة المفيدة سافر من تبريز إلى المعرة لقصد أبـي العـلاء ودخـل مصـر فـي عنفـوان شبابـه وقـرأ بهـا علـى طاهـر بـن بايشـاذ ثـم عـاد إلـى بغـداد واستوطنهـا إلى الممـات وكانـت ولادته سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وتوفي فجأة في التاريخ المذكور ببغداد‏.‏

وفيها توفي أبو الفوارس الحسن بن علي الخازن المشهور بجودة الخط وله شعر حسن‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسمائة

فـي هـذه السنـة فـي حـادي عشـر ذي الحجـة ملك الفرنج مدينة طرابلس لأنهم ساروا إليها من كل جهة وحصروها في البر والبحر وضايقوها من أول رمضان وكانت في يد نواب خليفة مصر العلوي وأرسل إليها خليفة مصر أسطولاً فرده الهواء ولم يقدر على الوصـول إلـى طرابلـس ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وملكوها بالسيف فقتلوا ونهبوا وسبوا وكان بعض أهل طرابلس قد طلبوا الأمان وخرجوا منها إلى دمشق قبل أن يملكها الفرنج‏.‏

ثم في دخلت سنة أربع وخمسمائة في هذه السنة ملك الفرنج مدينة صيدا في ربيع الآخر وملكوهـا بالأمـان وفيها سار صاحب‏.‏

أنطاكية مع من اجتمع إليه من الفرنج إلى الأثارب وهي بالقرب من حلب وحصروهـا ودام القتـال بينهـم ثـم ملكوهـا بالسيـف وقتلـوا مـن أهلهـا ألفـي رجل وأسروا الباقين ثم ساروا إلى ذردنا فملكوها بالسيف وجرى لهـم كمـا جـرى لأهـل الأثارب ثم سـار الفرنـج إلـى منبـج وبالـس فوجدوهمـا قـد أخلاهمـا أهلهمـا فعـادوا عنهمـا وصالـح الملـك رضـوان صاحـب حلـب الفرنـج علـى اثنين وثلاثين ألف دينار يحملها إليهم مع خيول وثيـاب ووقـع الخـوف فـي قلـوب أهـل الشـام مـن الفرنـج فبذلـت لهـم أصحـاب البلـاد أموالاً وصالحوهم فصالحهم أهل مدينة صور على سبعة آلاف دينار وصالحهم إبن منقذ صاحب شيزر على أربعة آلاف دينار وصالحهم علي الكردي صاحب حماه على ألفي دينار‏.‏

وفي هذه السنة توفي الكيا الهراسي الطبري والكيا بالعجمية‏:‏ الكبير القدر المقدّم بين الناس واسمه أبو الحسن علي بن محمـد بـن علـي ومولـده سنـة خمسيـن وأربعمائـة وكـان مـن أهـل طبرستان وخرج إلى نيسابور وتفقه على إمام الحرمين وكان حسن الصورة جهوري الصوت فصيح العبارة ثم خرج إلى للعراق وتولى تدريس النظامية‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وخمسمائة قال ابن خلكان في ترجمة الآمر منصور العلوي وقيل في سنة إحدى عشرة وخمسمائة قصد بردويل الفرنجي الديار المصرية فانتهى إلى الفرما ودخلهـا وأحرقهـا وأحـرق جامعهـا ومساجدهـا ورحـل عنهـا راجعـاً إلـى الشام وهو مريض فهلك في الطريق قبل وصوله إلى العريش فشقه أصحابه ورموا حشوته هناك فهي ترجم إلى اليرم ورحلوا بجثته فدفنوها بقمامة وسبخة بردويل التي في وسط الرمل على طريق الشام منسوبة إلى بردويل المذكور والناس يقولون عن الحجارة الملقاة هناك إنها قبر بردويل وإنما هي هذه الحشوة وكان بردويل المذكور صاحب بيت المقدس وعكا ويافا وعدة من بلاد ساحل الشام وهو الذي أخذ هذه البلاد المذكورة من المسلمين‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وخمسمائة

فيهـا جهـز السلطـان محمـد عسكـراً فيـه صاحـب الموصـل مودود وغيره من صحاب الأطراف إلى قتال الفرنج بالشام فسـاروا ونزلـوا علـى الرهـا فلـم يملكوها فرحلوا ووصلوا إلى حلب فخاف منهم الملك رضوان بن تنش صاحب حلب وغلق بواب حلب ولم يجتمع بهم ولا فتح لهم أبواب المدينة فساروا إلى المعرة ثم افترقوا ولم يحصل لهم غرض‏.‏

وفـي هـذه السنة في جمادى الآخرة توفي الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الملقب حجة الإسلـام زيـن الديـن الطوسـي اشتغـل بطـوس ثـم قـدم نيسابـور واشتغـل علـى إمام الحرمين واجتمـع بنظـام الملك فأكرمه وفوض إليه تدريس مدرسة النظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة ثم ترك جميع ما كان عليه في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وسلك طريق التزهد والانقطـاع وحج وقصد دمشق وأقام بها مدة ثم انتقل إلى القدس واجتهد في العبادة ثم قصد مصر وأقام بإسكندرية مدة ثم عاد إلى وطنه بطوس وصنف الكتب المفيدة المشهورة منها البسيط والوسيط والوجيز والمنخول والمنتخل فـي علـم الجـدل وكانـت ولادتـه سنـة خمسيـن وأربعمائة ونسبه إلى طوس من خراسان وطوس مدينتان تسمى إحداهما طابران والأخرى نوقـان والغزالـي نسبـة إلـى الغـرال والعجـم تقـول فـي القصّـار قصـاري وفي الغزال غزالي وفي العطار عطاري‏.‏

ثم دخلت سنة ست وخمسمائة

فيها توفي بسيل الأرميني صاحب بلاد الأرمني فقصدها صاحـب أنطاكية الفرنجي ليملك بلاد الأرمن المعروفة الآن ببلاد سيس فمات في الطريق وملكها سيرجال‏.‏

وفيها توفي قراجا صاحب حمص وقام بعده ولده قيرخان‏.‏

وفيها توفي سكمان أو سقمان القطبي صاحب خلاط وكان قد ملك خلاط في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة حسبما تقدم ذكره هناك ولما توفي سكمان ملك خلاط بعده ولده ظهير الديـن إبراهيـم بـن سكمـان وسلـك سيـرة أبيه وبقي في ملك خلاط حتى توفي في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة فتولى مكانه أخوه أحمد بن سكمان وبقي أحمد في الولاية عشرة أشهر وتوفي فحكمت والدتهما وهي إينانج خاتون وهي ابنه أركمـان علـى وزن أفخـران وبقيـت مستبدة بمملكة خلاط ومعها ولد ولدها سكمان بن إبراهيم بن سكمان وكان عمره ست سنين فقصدت جدته إينانـج المذكـورة إعدامـه لتنفـرد بالمملكـة فلمـا رأى كبـراء الدولـة سـوء نيتها لولد ولدها المذكور اتفق جماعة وخنقوا إينانج المذكورة في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة واستقر ابـن ابنهـا شاهرمـن سكمـان بـن إبراهيـم المذكـور بـن سكمـان فـي الملـك حتـى توفـي فـي سنـة تسع وسبعين وخمسمائة حسبما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وخمسمائة

ذكر الحرب مع الفرنج وقتل مودود بن الطونطاش صاحب الموصل‏:

فـي هـذه السنـة اجتمـع المسلمـون وفيهـم مـودود صاحـب الموصـل وتميـرك صاحـب سنجـار والأمير أياز بن أيلغازي وطغتكين صاحب دمشق وكان مودود قـد سـار مـن الموصـل إلـى دمشق فخرج طغتكين والتقاه بسلمية وسار معه إلى دمشق واجتمعت الفرنج وفيهم بغدوين صاحب القدس وجوسلين صاحب الحلس واقتتلوا بالقرب من طبرية ثالث عشر المحرم وهزم الله الفرنج وكثر القتل فيهم ورجع المسلمون منصورين إلى دمشق ودخلوها فـي ربيـع الـأول ودخـل الجامـع مودود وطغتكين وأصحابهما وصلوا الجمعة وخرج طغتكين ومودود يتمشيان في بعـض صحـن الجامـع فوثـب باطنـي علـى مـودود وضربـه بسكين وقتل الباطني وأخذ رأسه وحمل مودود إلى دار طغتكين وكان صائماً واجتهدوا به أن يفطر فلم يفعل ومات من يومه رحمه الله تعالى وكان خيرّاً عادلاً قيل إن الباطنية الذين بالشام خافوه فقتلوه وقيل‏:‏ إن طغتكين خافه فوضـع عليـه مـن قتلـه ودفـن مـودود بدمشـق في تربة دقاق بن تنش ثم نقل إلى بغداد فدفن في جوار أبي حنيفة ثم نقل إلى أصفهان‏.‏

فـي هـذه السنة توفي الملك رضوان بن تنش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق صاحب حلب وقام بملك حلب بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس ابن رضوان وكانت سيرة رضـوان غيـر محمـودة وقتـل رضـوان قبل موته أخويه أبا طالب وبهرام وكان يستعين بالباطنية في كثيـر مـن أمـوره لقلـة دينـه وكانـت ولاية رضوان في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة في سنة قتل أبوه تنـش ولمـا ملـك الأخـرس بـن رضوان استولى على الأمور لؤلؤ الخادم وكان الحكم والأمر إليه ولم يكن ألب أرسلان المذكور أخرس حقيقة وإنما كان في لسانه حبسة وتمتمة وكانت أم الأخرس بنت باغي سيان صاحب أنطاكية وكان عمره حين ولي ست عشرة سنة ولما مات رضوان ملـك ألـب أرسلـان قتلـت الباطنيـة الذيـن كانـوا بحلب وكانوا جماعته ولهم صورة ونهبت أموالهم‏.‏

ذكر غير ذلك في هـذه السنـة توفـي إسماعيـل بـن أحمـد الحسيـن البيهقـي الإمـام ابـن الإمـام وتوفـي ببيهـق ومولـده سنـة ثمـان وعشريـن وأربعمائـة وفيهـا توفـي محمـد بـن أحمـد بن محمد الأبيوردي الأديب الشاعر وله شعر حسن فمنه‏:‏ وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون وكانت وفاته بأصفهان وهو من بني أمية‏.‏

وفيها توفي محمد بن أحمد بن أبي الحسن بن عمر وكنيته أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي ومولـده سنـة سبـع وعشرين وأربعمائة وتفقه على أبي إسحق الشيرازي ببغداد وعلى أبي نصر بن الصباغ وصنف المستظهر بالله كتابه المعروف بالمستظهري‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وخمسمائة

فيها أرسل السلطان محمد بن ملكشاه أقسنقر البرسقي والياً علـى الموصـل لمـا بلغه قتل مودود بن الطنطاش صاحب الموصل وأمر السلطان الأمراء وأصحاب الأطراف بالسير بصحبة البرسقي لقتال الفرنج وجرى بين البرسقي وأيلغازي بن أرتق صاحب ماردين قتال انتصر فيه أيلغازي وهرب البرسقي ثم خاف أيلغازي من السلطان فسار إلى طغتكين صاحب دمشق فاتفـق معـه وكاتبـاً الفرنج واعتضدا بهم ثم عاد أيلغازي من دمشق إلى جهة بلاده فلما قرب من حمـص وكـان فـي جماعـة قليلـة خـرج قيرخان بن قراجا صاحب حمص وأمسك أيلغازي وبقي في أسره مدة ثم تحالفا وأطلقه‏.‏

ذكر وفاة صاحب غزنة

فـي هـذه السنـة فـي شـوال توفـي الملك علاء الدولة أبو سعد مسعود بن إبراهيم ابن مسعود بن محمـود بـن سبكتكيـن صاحـب غزنـة كـان ملكـه فـي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وملك بعده ابنه أرسلان شاه بن مسعود وأمسك إخوتـه وهـرب مـن إخوتـه بهـرام شـاه واستجـار بالسلطـان سنجـر بـن ملكشـاه صاحـب خراسان وأرسل سنجر إلى أرسلان شاه يشفع في بهرام شاه فلم يقبل منه فسار السلطان سنجر إلى غزنة وجمع أرسلان شاه عساكره وخيوله واقتتلوا واشتد القتال بينهم فانهزم عسكر غزنة وانهزم أرسلان شاه ودخل سنجر غزنة واستولى عليها في سنة عشر وخمسمائة وأخذ منها أموالاً عظيمـة وقـرر السلطنـة لبهـرام شـاه بـن مسعـود وأن يخطب في مملكته للسلطان محمد ثم للملك سنجر ثم للسلطان وبهرام شاه المذكور ثم عاد سنجـر إلـى بلـاده وكـان أرسلـان شـاه قـد هـرب إلـى جهة هندستان ثم جمع جمعاً وعاد إلى غزنة فاستنجـد بهـرام شـاه بسنجر ثانياً فأرسل إليه عسكراً فلما قاربوا أرسلان شاه هرب من غير قتال وتبعوه حتى أمسكوه فخنق بهرام شاه أخاه أرسلان شاه ودفنه بتربة أبيه بغزنة وكان قتـل أرسلـان شـاه فـي سنـة اثنتـي عشـرة وخمسمائـة وقدمنا ذكره لنتبع الحادثة بعضها بعضاً وكان عمر أرسلان شاه لما قتل سبعاً وعشرين سنة‏.‏

ذكر مقتل صاحب حلب

في هذه السنة قتل تاج الدولة ألب أرسلان الأخرس صاحب حلب ابن الملك رضوان بن تنش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق قتلة غلمانه بقلعة حلب وأقاموا بعده أخاه سلطان شاه بن رضوان وكان المتولي على الأمر لؤلؤ الخادم‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وخمسمائة

فيها أرسل السلطان محمد بن ملكشاه عسكراً ضخماً لقتال طغتكين صاحب دمشق وأيلغازي صاحب ماردين فعبر العسكر الفرات من الرقة وقصـدوا حلب فعصت عليهـم فسـاروا إلـى حمـاة وهـي لطغتكيـن فحصروهـا وفتحوهـا عنـوة ونهبـوا الأموال ثلاثة أيام ثم سلموا حماة إلى الأمير قيرخان بن قراجا صاحب حمص وأقام العسكر بحمـاة واجتمـع بأفامية أيلغازي وطغتكين وملوك الفرنج وهم صاحب أنطاكية وصاحب طرابلـس وغيرهمـا وأقاموا بأفامية ينتظرون تفرق المسلمين فلما أقام عسكر المسلمين إلى الشتاء تفرق الفرنج وسار طغتكين إلى دمشق وأيلغازي إلى ماردين ثم سار المسلمون من حماة إلى كفرطاب وهي للفرنج فاستولوا عليها وقتلوا من بها من الفرنج ونهبوهم ثم سار المسلمون إلى المعرة وهي للفرنج ثم ساروا منها إلـى حلـب فكبسهـم صاحـب أنطاكيـة فـي أثنـاء الطريـق فانهزمت المسلمون وقتل الفرنج فيهم ونهبوهم وهرب من سلم منهم إلى بلاده‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ استولـى الفرنج على رفنية وكانت لطغتكين أيضاً ثم سار طغتكين من دمشق واسترجعها إلى ملكه وقتل من بها من الفرنج‏.‏

ذكر وفاة صاحب إفريقية

فـي هـذه السنـة توفـي يحيـى بـن تميـم بـن المعـز بن باديس صاحب إفريقية يوم عيد الأضحى فجأة وتولـى بعـده ابنـه علـي بـن يحيـى وكـان عمـر يحيـى اثنتيـن وخمسيـن سنة وولايته ثمان سنين وخمسة أشهر وخلّف ثلاثين ولداً‏.‏

ذكر غير ذلك فيها قدم السلطان محمد إلى بغداد فسار إليه طغتكين من دمشق ودخل عليه وسأل الرضى عنه فرضي عنه ورده إلى دمشق وفيها أخذ السلطان الموصـل ومـا كـان معهـا مـن أقسنقـر البرسقي وأقطعها للأمير جيوش بك وبقي البرسقي في الرحبة وكانت أقطاعه‏.‏

ثم دخلت سنة عشرة وخمسمائة

في هذه السنة مات جاولي سقاوه بفارس وكان السلطان محمـد بـن ملكشـاه قـد ولـاه فـارس بعـد أخذ الموصل منه علي ما تقدم ذكره‏.‏

وفيها وقيل بل في سنـة سـت عشـرة وخمسمائـة توفـي بمروالـروز أبـو محمـد الحسـن بـن مسعـود بـن محمـد المعروف بالفراء البغـوي الفقيـه المحـدث كـان بحـراً فـي العلـوم صنـف كتبـاً عـدة منهـا‏:‏ التهذيب في الفقه والمصابيح في الحديـث والجمـع بيـن الصحيحيـن وغير ذلك والفراء نسبة إلى عمل الفراء والبغوي نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها بغ وبغشور أيضاً‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى عشرة وخمسمائة

 ذكر وفاة السلطان محمد

فـي هـذه السنـة فـي رابـع وعشريـن ذي الحجـة توفـي السلطـان محمـد بـن ملكشـاه بـن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وابتدأ مرضه من شعبان ومولده ثامن عشر شعبان من سنة أربـع وسبعيـن وأربعمائة فكان عمره ستاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر وستة أيام وأول ما خطب لـه ببغـداد فـي ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وقطعت خطبته عدة دفعات ولقي من المشـاق والأخطـار مـا لا زيادة عليه وكان عادلاً حسن السيرة أطلق المكوس والضرائب في جميع بلاده وعهد بالملك إلى ولده محمود وعمره إذ ذاك قد زاد على أربع عشرة سنة‏.‏

ولما عهد عليه اعتنقه وقبله وبكى كل واحد منهما وجلس محمود على تخت السلطنة بالتاج والسوارين يـوم وفـاة أبيـه فـي الرابـع والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وخطب لمحمود بالسلطنة في يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة‏.‏

واستيلاء أيلغازي عليها‏:‏ في هذه السنة قتل لؤلؤ الخادم وكان قد استولى على حلب وأعمالها‏.‏

وكان قد أقام لؤلؤ المذكور بعد رضوان ابنه ألب أرسلان الأخرس بن رضوان فلما قتل كما تقـدم ذكـره أقـام أخاه سلطان شاه وليس له من الحكم شيء وبقي لؤلؤ المذكور هو المتحكم في البلاد فلما كانـت هـذه السنـة سـار لؤلـؤ إلى قلعة جعبر ليجتمع بسالم بن مالك العقيلي صاحب قلعة جعبر فوثب جماعة من الأتراك أصاب لؤلؤ على لؤلؤ وقد نزل يريق الماء وصاحوا أرنب أرنب وقتلوه بالنشـاب ونهبـوا خزانتـه وعـادوا إلـى حلـب فاتفـق أهـل حلـب واستعادوا منهم المال وقام بأتابكية سلطان شاه بن رضوان شمس الخواص يارقطاش وبقي يارقطاش شهراً ثم اجتمع كبراء الدولة وعزلوه وولوا أبا المعالي بن الملحي الدمشقي ثم غزوه وصادروه ثم خاف أهل حلب من الفرنج فسلموا البلد إلى أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين فسار أيلغازي وتسلـم حلب وجعل فيها ولده حسام الدين تمرتاش وعاد أيلغازي إلى ماردين‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ في هذه السنة جاء سيل فغرق مدينة سنجار وغرق من الناس خلق كثير وهدم المنازل ومن عجيب ما يحكى أن الماء حمل مهداً فيه مولود فتعلق المهد بشجرة زيتون ثم نقص الماء والمهـد معلـق بالشجـرة فسلـم الطفل‏.‏

وفيه هجم الفرنج على ربض حماة وقتلوا من أهلها ما يزيد على مائة رجل ثم عادوا عنها‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتـي عشـرة وخمسمائـة

فـي هذه السنة عزل السلطان محمود مجاهد الدين بهروز عن شحنكية بغداد وجعل أقسنقر البرسقي شحنة بغداد وسار بهروز إلى تكريت وكانت أقطاعه وكان المدبر لدولة السلطان محمود الوزير الربيب أبو منصور‏.‏

وفيها سار الأمير دبيس بن صدقة إلى الحلة بإذن السلطان محمود وكان دبيس معتقلاً مع السلطان محمد من حين قتل أبوه صدقة إلى الان فلما أطلق توجه إلى الحلة واجتمعت عليه العرب والأكراد‏.‏

ذكر وفاة المستظهر

فـي هـذه السنـة فـي سـادس عشـر ربيـع الآخـر توفـي المستظهـر باللـه أحمـد بـن المقتـدي بأمـر الله عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم وكان عمره إحدى وأربعين سنة وستة أشهر وأياماً وخلافته أربعاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً‏.‏

ومن الاتفاق الغريب أنه لما توفي السلطان ألب أرسلان توفي بعده القائم بأمر الله ولما توفي ملكشاه توفي بعده المقتدي .