الفصل التاسع: ذكر فتح جزيرة أرواد

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

ذكر فتح جزيرة أرواد

وفي محرم من هذه السنة فتحت جزيرة أرواد وهي جزيرة في بحر الروم قبالة أنطرطوس قريباً من الساحل اجتمع فيها جمع كثير من الفرنج وبنوا فيها سوراً وتحصنوا في هذه الجزيرة وكانوا يطلعون منها ويقطعون الطريق على المسلمين المتردديـن فـي ذلـك الساحـل وكـان النائـب علـى الساحل إذ ذاك سيف الدين أسندمـر الكرجـي فسـأل إرسـال أسطـول إليهـا فعمـرت الشوانـي وسارت إليها من الديار المصرية في بحر الروم ووصلت إليها في المحرم من هذه السنة وجرى بينهم قتال شديـد ونصـر اللـه المسلميـن وملكـوا الجزيـرة المذكـورة وقتلـوا وأسـروا جميـع أهلهـا وخربوا أسوارها وعادوا إلى الديار المصرية بالأسرى والغنائم‏.‏

ذكر دخول التتر إلى الشام وكسرتهم مرة بعد أخرى

وفي هذه السنة عاودت التتر قصد الشام وساروا إلى الفرات وأقاموا عليها مدة في أزوارها وصارت منهم طائفة تقدر عشرة آلاف فارس وأغاروا على القريتين وتلك النواحي وكانت العساكر قد اجتمعت بحماة عند زين الدين كتبغا النائـب بحمـاة الملقـب بالملـك العـادل وكـان مريضـاً مـن حيـن عـاد مـن بلـاد سيـس كمـا تقـدم ذكـره واسترخـت أعضـاؤه فلمـا اجتمعت العساكر عنده وقع الاتفاق علـى إرسـال جماعـة مـن العسكـر إلـى التتـر الذيـن أغـاروا علـى القريتين فجردوا أسندمر الكرجي نائب السلطنة بالساحل وجردوا صحبته جماعة من عسكر حلب وجماعة من عسكر حماة وجردوني أيضاً من جملتهم فسرنا من حماه سابع شعبان من هذه السنة واتقعنا مع التتر على موضع يقال له الكـرم قريبـاً مـن عـرض واقتتلنـا معهـم يـوم السبت عاشر شعبان من هذه السنة الموافق لسلخ آذار وصبر الفريقان ثم نصر الله المسلمين وولـى التتـر منهزميـن وترحل منهم جماعة كثيرة عن خيلهم وأحاط المسلمون بهم بعد فراغهم من الوقعة وبذلوا لهم الأمان فلم يقبلوا وقاتلوا بالنشاب وعملوا سروج الخيل ستائر لهم وناوشهم العسكر القتال من الضحى إلى انفراك الظهر ثم حملوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم وكان هذا النصر عنوان النصر الثاني على ما نذكره ثم عدنا مؤيدين منصورين ووصلنا إلى حمـاة يـوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان المذكور الموافق لثاني نيسان‏.‏

ذكر المصاف الثاني والنصرة العظيمة

وفي هذه السنة سار التتر بجموعهم العظيمة صحبة قطلوشاه نائب قزان بعد كسرتهم على الكوم ووصلوا إلى حماة فاندفعت العساكر الذين كانوا بها بين أيديهم وسار زين الدين كتبغا فـي محفـة وأخرني بحماة لكشف التتر فوصل التتر إلى حماة في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبـان مـن هـذه السنـة فلمـا شاهـدت جموعهـم ونزولهم بظاهر حماة وكنت واقفاً على العليليات سرت من وقتي ولحقت زين الدين كتبغا بالقطيفة وأعلمته بالحال وسارت العساكر الإسلاميـة إلـى دمشـق ووصلـت أوائـل العساكر الإسلامية من ديار مصر صحبة بيبرس الجاشنكير واجتمعوا بمرج الزنبقية بظاهر دمشق ثم ساروا إلى مرج الصفر لما قاربهم التتر وبقـي العسكـر منتظريـن وصـول السلطان الأعظم الملك الناصر وسارت التتر وعبروا على دمشق طالبيـن العسكـر ووصلـوا إليهـم عنـد شقحـب بطـرف مرج الصفر واتفق أن ساعة وصول التتر إلى الجيش وصل مولانا السلطان بباقي العساكر الإسلامية والتقى فريقـان بعـد العصـر مـن نهـار السبت ثاني رمضان من هذه السنة أعني سنة اثنتين سبعمائة وكان ذلك في العشرين من نيسان واشتد القتال بينهم وتكردست التتر على الميمنة فاستشهد من المسلمين خلق كثير منهم الحسام أستاذ الدار وكان رأس الميمنـة وكـان بـرأس الميمنـة أيضـاً سيـف الديـن قبجـق فاندفـع هـو وباقـي الميمنـة بيـن أيدي التتر وأنزل الله نصره على القلب والميسرة فهزمت التتر وأكثر القتـل فيهـم فولـى بعض التتر مع توليه منهزمين لا يلوون وتأخر بعضهم مع جوبان وحال الليل بين الفريقين فنزل التتر على جبل هناك بطرف مرج الصفر وأشعلوا النيران وأحاطـت المسلمـون بهـم وأصبـح الصبـاح وشاهـد التتـر كثـرة المسلميـن فانحـدروا مـن الجبل يبتدرون الهرب وتبعهم المسلمون فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وكان فـي طريقهـم أرض متوحلـة فتوحل فيهـا عالـم كثيـر عـن التتـر فأخـذ بعضهـم أسـرى وقتـل بعضهـم وجـرد مـن العسكـر الإسلامي جمعاً كثيراً مع سلار وساقوا في إثر التتر المنهزمين إلى القريتين ووصل التتر إلى الفرات وهي في قوة زيادتها فلم يقدروا على العبور والذي عبر فيها وهلك فساروا على جانبها إلى جهة بغداد فانقطع أثرهم على شاطئ الفرات وهلك من الجوع وأخذ منهم العرب جماعـة كثيـرة وأخلـف اللـه تعالـى بهـذه الوقعة ما جرى على المسلمين في المصاف الذي كان ببلد حمص قرب مجمع المروج في سنة تسـع وتسعيـن وستمائـة ولمـا حصـل هـذا النصـر العظيـم واجتمعت العساكر بدمشق أعطاهم السلطان الدستور فسارت العساكر الحلبية والحموية والساحلية إلى بلادهم فدخلنا حماة مؤيدين منصورين في يوم السبت سادس عشر رمضان من هذه السنة الموافق لرابع أيار من شهور الروم‏.‏

وولاية قبجق حماة وفـي هـذه السنة أعني سنة اثنين وسبعمائة في ليلة الجمعة عاشر ذي الحجة توفي زين الدين كتبغا المنصوري ونائب السلطنة بحماة والمذكور كان من مماليك السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي فترقى حتى تسلطن وتلقب بالملك العادل وملك ديار مصر والشام في سنـة أربـع وتسعيـن وستمائة ثم خلعه نائبه لاجين وأعطاه صرخد على ما تقدم ذكره في سنة سـت وتسعيـن وستمائة واستمر مقيماً بصرخد من السنة المذكورة إلى أن اندفعت المسلمون من التتر على حمص في سنة تسع وتسعين وستمائة فوصل كتبغا المذكور من صرخد إلى مصر وخرج مع سلار والجاشنكير إلى الشام فقرره نائبا بحماة على ما تقدم ذكره في سنة تسع وتسعين وستمائة ثم أغار على بلادسيس فلما عاد إلى حماة مرض قبل دخوله إلى حماة وطال مرضه ثم حصل له استرخاء وبقي لا يستطيع أن يحرك يديه ولا رجليه وبقـي كذلـك مـدة وسـار مـن حمـاة إلـى قريب مصر جافلاً بين يدي التتر لما كان المصاف على مرج الصفر ثم عاد إلى حماة وأقام بها مدة يسيرة وتوفي في التاريخ المذكور من هذه السنة‏.‏

ولمـا توفـي أرسلـت أعرض على الآراء الشريفة السلطانية إقامتي في حماة على قاعدة أصحابها من أهلي فوجد قاصدي الأمر قد فات وقررت حماة لسيف الدين قبجـق المقيـم بالشوبـك وكتب تقليده بها في هذه السنة وحصل إلي من الصدقات السلطانية الوعود الجميلة الصادقة بحماة وتطييب الخاطر والاعتذار بأن كتابي وصل بعد خروج حماة لقجبق ووصل قجبق إلى حماة في السنة المقابلة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة

توفي فارس الدين البلي الظاهري نائب السلطنة بحمص‏.‏

وفيها توفي القاضي تقي الدين محمد بن دقيق العيد قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية وكان إماماً فاضلاً وولي موضعه القاضي بدر الدين محمد الحموي المعروف بابن جماعة‏.‏

وفيهـا كانـت زلزلة عظيمة هدمت بعض أسوار قلعة حماة وغيرها من الأماكن بالبلاد وهدمـت بالديـار المصريـة أماكـن كثيـرة وهلـك خلـق كثيـر تحـت الهدم وخربت من أسوار إسكندرية ستاً وأربعين بدنة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعمائة

ذكر وفاة قازان ملك التتر

فـي هـذه السنـة توفـي قـازان بـن أرغـون بـن أبغـا بـن هولاكـو بـن طلـو بـن جنكزخـان بنواحـي الـري فـي أواخـر هـذه السنـة وكـان قـد ملـك فـي أواخـر سنـة أربـع وتسعيـن وسبعمائة فيكون مدة مملكته ثمان سنين وعشرة أشهر وكان قد اشتد همه بسبب هزيمة عسكره وكسرتهم على مرج الصفر فلحقه حمى حادة ومات مكموداً ولما مات قازان ملك أخوه خربند بن أرغون وكان جلوسه في الملك في الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وتلقب الجنبو سلطان‏.‏

ذكر قدوم قبجق إلى حماة

قد تقدم في سنة اثنتبن وسبعمائة ذكر وفاة زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة وأنه رتب موضعه سيف الدين قبجق وكانت الشوبك إقطاع قبجق وكان مقيماً بها فلما أعطي نيابة السلطنة بحماة وارتجعت منه الشوبك أقام بها حتى جهز أشغاله وسار من الشوبك في ثالث صفر من هذه السنة أعني سنة ثلاث وسبعمائة ولما قارب حماة خرجنا لملتقاه إلى العنثـر وعملنا له الضيافات وقدمنا له التقادم وسرنا معه ودخلنا حماة في صبيحة يوم السبت وهو الثالث والعشرين من صفر من هذه السنة والموافق السادس تشرين الأول من شهور الروم ونزل بدار الملك المظفر صاحب حماة واستقر قدمه بحماة‏.‏

في هذه السنة بعد العصر من نهار الأحد خامس جمادى الأولى وخامس عشر كانون الأول توفيت عمتي مؤنسة خاتون بنت الملك المظفر محمود ابن ملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب وأمها غازية خاتون بنت السلطان الملك الكامل وكان مولد مؤنسة خاتون المذكورة في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وكانت كثيرة الصدقات والمعروف عملت مدرسة بمدينة حمـاة تعـرف بالخاتونيـة ووقفـت عليهـا وقفـاً جليـلاً رحمهـا اللـه تعالـى ورضي عنها وهي آخر من كان قد بقي من أولاد الملك المظفر صاحب حماة‏.‏

وفيها كثر الموت في الخيـل فهلـك منهـا مـا لا يحصـى حتـى خلـت غالـب اسطبلـات الأمـراء والجند‏.‏

وفيها توفي عزالدين أيبك الحموى نائب حمص‏.‏

وفيها توفي إلى الحجاز الشريف لقضاء حجة الفرض ووجدت سلار قد حج من جهة مصر وصحبته عدة كثيرة من الأمراء ووقفنا الإثنين والثلاثاء للشك في أول الشهر وعدنا إلى البلاد وخرجت هذه السنة ونحن قد برزنا من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي أواخر هذه السنة جردت العساكر من مصر وسيف الدين قبجق بعسكر حماة وقراستفر بعسكر حلب ودخلوا إلى بلاد سيس وحاصروا تل حمدون وفتحوها بالأمان وارتجعوها من

ثم دخلت سنة أربـع وسبعمائـة

وفـي هـذه السنة وصل من المغرب ركب كبير وصحبتهم رسول من أبي يعقوب يوسف بن يعقوب المريني ملك المغرب ووصل صحبته إلى ديار مصر هدية عظيمة من الخيول والبغال ما يقارب خمسمائة رأس من الخيل العربية بالسروج واللجم والركب المكفنة بالذهب المصري‏.‏

وفيها وصل إلى مصر صاحب دنقلة وهو عبد أسود اسمه أياي ووصل صحبته هدية كثيرة في الرقيق والهجن والأبقار والنمور والشب والسنباذج وطلب نجدة من السلطان فجرد معه جماعة من العسكر وقدم عليهم طقصبا نائب السلطنة بقوص‏.‏

وفيها أعيد رميثة وحميضة ابنا أبي نمي لما ملك مكة حرسها الله تعالى‏.‏

وفيها توفي جماز بن شيحة صاحب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وملك بعده ابنه منصور بن جماز‏.‏

وفيها وصلت إلى حماة في يوم السبت عاشر صفر عائداً من الحجاز الشريف بعد زيارة القدس الشريف والخليل صلوات الله عليه وسلامه‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وسبعمائة

في أوائل المحرم من هذه السنة الموافق للعشر الأخير من تموز أرسل قراسنقر نائب السلطنة بحلب مع قشتمـر مملوكـه عسكـر حلـب للإغـارة علـى بلـاد سيـس فدخلوهـا فـي أول الشهـر المذكور وكان قشتمر المذكور ضعيف العقل قليل التدبير مشتغلاً بالخمـر ففـرط فـي حفـظ العسكر ولم يكشف أخبار العدو واستهان بهم فجمع صاحب سيس جموعاً كثيرة من التتر وانضمت إليهم الأرمن والفرنج ووصلوا على غرة إلى قشتمر المذكـور ومـن معـه مـن الأمـراء وعسكر حلب والتقوا بالقرب من إياس فلم يكن للحلبيين قدرة بمن جاءهم فتولوا يبتدرون الطريـق وتمكنت التتر والأرمن منهم فقتلوا وأسموا غالبهم واختفى من سلم في تلك الجبال ولم يصـل إلـى حلـب منهم إلا القليل عرايا بغير خيل وكان صاحب سيس في هذه السنة هيتوم بن ليفون بن هيتوم وهو الذي أمسكه أخوه سنباط وسمله فذهبت عينه الواحدة وبقي أعور حسبما تقدم ذكره في سنة تسع وتسعين وستمائة‏.‏

ذكر غير ذلك في هذه السنة

قطع خبر بدر الدين بكتاش أمير سلاح لكبره وعجزه عن الحركة‏.‏

وفيها أفرج عن الحاج بهادر الظاهـري وكـان قـد اعتقلـه حسـام الديـن لاجيـن الملقـب بالملـك وفيهـا هلـك قطلوشـاه نائـب خربنـدا قتلـه أهـل كيلـان لأنهـم عصوا وسار قطلوشاه لقتلهم فكبسـوه وقتلـوه وقتـل معـه جماعة من المغل‏.‏

وفيها سار جمال الدين أقوش الأفرم بعسكر دمشق وغيره من عساكر الشام إلى جبال الظنينين وكانوا عصاة مارقين من الدين فأحاطت العساكر الإسلامية بتلك الجبال المنيعة وترجلوا عن خيولهم وصعدوا في تلك الجبال من كل الجهات وقتلوا وأسروا جميع من بها من النصيرية والظنينين وغيرهم من المارقين وطفرت تلك الجبال منهم وهي جبال شاهقة بين دمشق وطرابلس وأمنت الطرق بعد ذلك فإنهم كانوا يقطعون الطريق ويتخطفون المسلمين ويبيعونهم للكفار‏.‏

وفيها استدعي تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشـق إلـى مصـر وعقـد لـه مجلـس وأمسـك وأودع الاعتقـال بسبـب عقيدتـه فإنـه كـان يقول بالتجسيم على ما هو منسوب إلى ابن حنبل‏.‏

ثم دخلت سنة ست وسبعمائة

ذكر من ملك في هذه السنة بلاد المغرب من بني مرين

قـد تقـدم ذكـر بنـي مريـن فـي سنـة اثنتيـن وسبعين وستمائة وأنه استقر في الملك منهم يعقوب ثم ابنـه يوسـف ولمـا كـان فـي هـذه السنـة قتـل أبـو يعقـوب يوسـف بـن يعقـوب بـن عبـد الحق بن محيو ابن حمامة المريني ملك المغرب وهو محاصر تلمسان وكان قد أقام على حصارها سنين كثيـرة ونفدت أقوات أهل تلمسان ولم يبق عندهم ما يكفيهم شهراً و أيقنوا بالعطب ففرج الله عنهم بقتل المريني المذكور وسبب قتله أنه اتهم وزيره بتعرضه إلى حرمه واتهـم زمـام داره وكـان اسمه عنبر بمواطاة الوزير على ذلك وأمر بحبس الوزير وأمر بقتل زمام داره عنبر ولما أخرج عنبر ليقتل مر بالخدام فقالوا‏:‏ ما الخبر فقال‏:‏ أمر بقتلي وسيقتلكم كلكم بعدي فهجم بعض الخـدام بسكيـن علـى أبـي يعقـوب المذكـور وقـد خضـب أبو يعقوب لحيته بحناء وهو نائم على قفاه فضربه الخادم بالسكين في جوفه وهرب عنه وأغلق الباب عليه وكان هناك امرأة لخدمة أبي يعقوب فصاحت فدخل أصحابه عليه وبه بعض الرمق فأوصى إلى ابنه أبي سالم بن أبي يعقوب ومات ولما مات أبو يعقوب المذكور جلس في الملك بعده ولده أبو سالم بن يوسف المذكور‏.‏

ولما ملك أبو سالم قصده ابن عمه أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يعقوب بن عبد الحـق وقيـل إن أبـا ثابـت هـو عامر بن عبد الله بن يوسف ابن أبي يعقوب فيكون ابن أخي أبي سالم لا ابن عمه وانضم مع أبي ثابت يحيى بن يعقوب عم أبي سالم فلما قارباه هرب أبو سالـم بـن يوسـف منهما فأرسلا في إثره من تبعه وقتله وحمل رأس أبي سالم المذكور إلى أبي ثابت عامر المذكور‏.‏

ولما قتل أبو سالم استقر أبو ثابت عامر في المملكة وكان جلوسه في الملك في منتصف هذه السنة أعني سنة ست وسبعمائة‏.‏

ولما استقر أمر بقتل الخادم الذي قتل عمه يوسف فقتل ثم أمر بقتل الخدام عن آخرهم فقتلوا وأضرمت لهم النيران وألقوا فيها ولم يترك أبو ثابت بمملكته خادماً خصياً حتى أباده ثم إن أبا ثابت المذكور وثب على عمه يحيـى فقتلـه فـي ثانـي يـوم استقـراره فـي الملك ثم سار أبو ثابت إلى فاس وأرسل مستحفظاً من بنـي عمـه اسمـه يوسـف بـن أبـي عبـاد إلـى مراكـش ثـم إن يوسـف المذكـور بعـد استمـراره فـي مراكـش خلع طاعة أبي ثابت عامر المذكور وكان منه ما سنذكره‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث

وفي هذه السنة توفي الأمير بدر الدين بكتاش الفخري المعروف بأمير سلاح وكان بين قطع خبره ووفاته دون أربعة أشهر‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وسبعمائة

ذكر وفاة عامر ملك المغرب

وذكر من تملك بعده‏:‏ فـي أواخر هذه السنة توفي أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يوسف أبي يعقوب بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن حمامة ملك المغرب وكانت مدة ملكه سنة وثلاثة أشهر وأياماً وقيل سنـة ونصفـاً وتوفـي بطنجـة فإنـه لمـا عصـى عليـه ابـن عمـه يوسف بن أبي عباد بمراكش سار إليه أبو ثابت المذكور فاقتتل معه يوسف فانتصر أبو ثابـت وولـى يوسـف مهزمـاً فأخـذ أسيـراً وقتل من أصحابه جماعة كثيرة واستقامت مراكش لأبي ثابت ثم عاد أبو ثابت المذكور إلى طنجة لقتال قوم بها من الأعراب فأدركته منيته بها‏.‏

ولمـا مـات أبـو ثابـت جلـس في الملك بعده ابن عمه على بن يوسف ثم خلعه الوزير وجماعة من العسكـر بعـد يوميـن مـن جلوسـه وأقامـوا فـي الملك سليمان بن عبد الله بن يوسف بن يعقوب ابن عبد الحق بن محيو وبايعوه فاستمال الناس وأنفق فيهم الأموال وزاد في عطيـات بنـي مريـن وأطلق المكوس وأحسن إلى الرعية وقبـض علـى علـي بـن يوسـف المخلـوع واعتقلـه بطنجـة واستقرت قدم سليمان في الملك واستقامت له الأمور‏.‏

ذكر قتل صاحب سيس وقتل ابن أخيه

وفي هذه السنة قتل برلغي وهو مقدم المغل المقيمين ببلاد الروم صاحب سيس هيتوم بن ليفـون بـن هيتـوم المقـدم ذكره بعد أن ذبح ابن أخيه تروس الصغير على صدره واستقر في ملك سيس وبلاد أوشين بن ليفون أخو هيتوم المذكور ولما قتله برلغي مضى أخو هيتوم المذكور الناق بن ليفون صحبة برلغي وشكا إلى خربندا فأمر خربندا ببرلغي فقتل بالسيف‏.‏

وفيها عزم سلام على المسير إلى اليمن والاستيلاء عليه وعينـت العساكـر للمسيـر صحبتـه وجهزت الآلات في المراكب من عيذاب ثم أنهى عزمه عن ذلك‏.‏

وفيها نزل سيف الدين كراي المنصوري عن إقطاعه بديار مصر واستقـال مـن الإمـرة فأقيـل وبقـي بطـالاً حتـى اتهـم عليـه مولانـا السلطـان فيمـا بعـد بإقطاع وأعطاه نيابة السلطنة بدمشق على ما سنذكره‏.‏

وفيها توفي ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي المعـروف بالجالـق أحـد البحريـة وكـان آخـر البحرية وكان قد أسن‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة

ذكر مسير السلطان إلى الكرك واستيلاء بيبرس الجاشنكير على المملكة

وفي هذه السنة في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان خـرج مولانـا السلطـان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن قلاوون الصالحي من الديـار المصريـة متوجهـاً إلـى الحجاز الشريف وسار في خدمته جماعة من الأمراء منهم الأمير عز الدين أيدمر الخطيري والأميـر حسام الدين قرالاجين والأمير سيف الدين آل ملك وغيرهم ووصل إلى الصالحية وعيد بها عيد الفطر ثم سار إلى الكرك فوصل إليها في عاشر شوال وكان النائب بها جمال الدين أبقوش الأشرفي فعمل سماطاً واحتفل به وعبر السلطان إلى المدينة ثم إلى القلعة ولما عبر السلطان على الجسر إلى القلعة والأمراء ماشون بين يديه والمماليك حول فرسه وخلفه سقط بهم جسر قلعة الكرك وقد حصرت يد فرس مولانا السلطان وهو راكبه داخل عتبة الباب فلمـا أحـس الفـرس بسقـوط الجسـر أسـرع حتـى كاد أن يدوس الأمراء الماشين بين يديه وسقط من مماليك مولانا السلطان خمس وثلاثون إلى الخندق وسقط غيرهم من أهل الكرك ولم يهلك من المماليـك غيـر شخـص واحـد لـم يكن من الخواص ونزل في الوقت مولانا السلطان خلد الله تعالى ملكه عند الباب وأحضر الجنوبات والجبـال ورفـع الذيـن وقعـوا عـن آخرهـم وأمـر بمداواتهـم فصلحـوا وعـادوا إلـى مـا كانـوا عليـه في مدة يسيرة وكان ذلك من عنوان سعادة مولانا جعلها الله تعالى خارقة للعوائد‏.‏

فإن ارتفاع الجسر الذي سقطوا منه إلى الخندق يقارب خمسين ذراعاً‏.‏

ولما استقر مولانا السلطـان بقلعـة الكـرك أمـر جمـال الديـن أقـوش نائـب السلطنـة بهـا والأمـراء الذيـن حضـروا فـي خدمتـه بالمسيـر إلـى الديـار المصريـة وأعلمهـم أنه جعل السفر إلى الحجاز وسيلة إلى المقام بالكرك وكان سبب ذلك استيلاء سلار وبيرس الجاشنكير على المملكة واستبدادهما بالأمور وتجاوز الحد في الانفراد بالأموال والأمر والنهي ولم يتركا لمولانا السلطان غير الاسم مع ما كان منهما من محاصرة مولانا السلطان في القلعة وغير ذلك مما لا تنكمش النفس منه فأنف مولانا السلطان خلد الله ملكه من ذلك وترك الديار المصرية وأقام بالكرك ولما وصلت الأمراء إلى الديار المصرية وأعلموا من بها بإقامة السلطان بالكرك وفراقه الديار المصرية اشتـوروا فيمـا بينهـم واتفقـوا علـى أن تكـون السلطنـة لبيبـرس الجاشنكيـر وأن يكـون سلار مستمراً على نيابة السلطنة كما كان عليه وحلفوا على ذلك وركب بيبرس الجاشنكير مـن داره بشعـار السلطنـة إلـى الإيـوان الكبير بقلعة الجبل وجلس على سرير الملك في يوم السبت الثالث والعشرين من شوال هذه السنة أعني سنة ثمان وسبعمائة وتلقب بالملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوري وأرسل إلى نواب السلطنة بالشام فحلفوا له عن آخرهم وكتب تقليداً لمولانا السلطان بالكرك ومنشوراً بما عينه له من الإقطاع بزعمه وأرسلهما إليه واستقر الحال على ذلك حتى خرجت هذه السنة‏.‏

وفيها ملك الفرنج الاستبتار جزيرة رودس وأخذتها من الأشكري صاحب قسطنطينية وصعـب بسبـب ذلـك علـى التجـار الوصـول فـي البحـر إلـى هـذه الديـار لمنـع الاستبتار من يصل إلى بلاد الإسلام‏.‏

وفيهـا أرسـل صاحـب تونس أبو حفص عمر أسطولاً وعسكر إلى جزيرة جربة وهي جزيرة في البحر الرومي ومسيرتها من قابس يوم واحد ولهذه الجزيرة مخاضة إلى البر ودور هذه الجزيرة ستة وسبعون يومـاً وكانـت بأيـدي المسلميـن فتغلـب عليهـا الفرنـج وملكوهـا فـي سنـة ثمانيـن وستمائة فلما كانت هذه السنة أرسل إليهم صاحب تونس عسكراً وقاتلهم فاستنجد أهل هـذه الجزيرة بفرنج صقلية فلما وصل أسطول صقلية إليهم عاد أسطول صاحب تونس إليه ولم يتمكنوا من فتحها‏.‏

وفيهـا مـات الأميـر خضـر ابـن الملـك الظاهـر بيبـرس ببـاب القنطـرة وكـان المذكـور قـد جهـزه السلطان الملك الأشرف خليل ابن السلطـان الملـك المنصـور قلـاوون إلـى القسطنطينيـة فبقـي فيهـا‏.‏

هـو وأخـوه وأهلـه مـدة وتوفـي سلامـش أخـوه هنـاك ثم عاد خضر المذكور إلى القاهرة وأقام عند باب القنطرة وتوفي في هذه السنة‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وسبعمائة

على ذلك وفي هذه السنة وصل من مصر الأمير جمال الدين أقوش الموصل المعروف بقتال السبع وأصله من مماليك بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وكذلك وصل لاجين الجاشنكير المعروف بالزرتاج وصحبتهما تقدير ألفي فارس مـن عسكـر مصـر وجردنـي الأميـر سيـف الديـن قبجـق نائـب السلطنة بحماة وجرد معي جماعة من عسكر حماة فسرنا ودخلنا حلب يوم الخميس تاسـع عشر ربيع الآخر من هذه السنة الموافـق للخامـس والعشريـن مـن أيلـول وكـان نائـب السلطنـة بحلب قراسنقر المنصوري ووصل أيضاً جماعة من عسكر دمشق مع الحاج بهادور الظاهري فأخـذ قراسنقـر فـي الباطـن يستميـل النـاس إلـى طاعة مولانا السلطان ويقبح عندهم طاعة بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر‏.‏

ذكر مسير مولانا السلطان من الكرك

وعوده إليها وفي هذه السنة سار جماعة من المماليك على حمية من الديار المصرية مفارقين طاعة بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر ووصلـوا إلـى السلطـان بالكـرك وأعلمـوه بمـا النـاس عليـه مـن طاعته ومحبته فأعاد السلطان خطبته بالكرك ووصلت إليه مكاتبات عسكر دمشق يستدعونه وأنهم باقون في طاعته وكذلك وصلت إليه من حلب المكاتبات فسار السلطان بمن معه من الكرك في جمادى الآخرة من هذه السنة ووصل إلى حمان وهي قرية قريب من رأس الماء فعمل جمال الدين أقوش عليه الحيلة وأرسل إليه قرابغا مملوك قراسنقر برسالة كذبها على قراسنقر وكان قرابغا سار إلى الأفرم بمكاتبة تتعلق به بمفرده فأرسله الأفرم إلـى السلطـان فسار من دمشق ولاقى السلطان بحمان فأنهى قرابغا المذكور ما حمله الأفرم من الكذب مما يقتضي رجوع مولانا السلطان فلما سمع مولانا السلطان قرابغا ظنه حقاً ورجع إلـى الكـرك واستمرت العساكر على طاعة مولانا السلطان واستدعائه ثانياً وانحلت دولة بيبرس الجاشنكير وجاهره الناس بالخلاف ولما جرى ذلك وبلغ العساكر المقيمين بحلب ساروا من حلب من غير دستور وسرت أنا بمن معي من عسكر حماة ودخلـت حمـاة يـوم الثلاثـاء التاسـع عشـر مـن رجب والثالث والعشرين من كانون الأول‏.‏

ذكر مسير مولانا السلطان إلى دمشق

واستقرار ملكه بها ولما تحقق مولانا السلطان الملك الناصر صدق طاعة العساكر الشاميـة وبقائهـم علـى طاعتـه ومحبته عاود المسير إلى دمشق وخرج من الكرك وخرجت عساكر دمشق إلى طاعته وتلقوه وأمـا أقـوش الأفـرم نائب السلطنة بدمشق فإنه هرب ووصل السلطان إلى دمشق في يوم الثلاثاء عاشر شعبان من هذه السنة الموافق لعشرين من كانون الثاني وهيئت له قلعة دمشق فلم ينزل بها ونزل بالقصر الأبلق وأرسل الأفرم وطلب الأمان من السلطان فأمنه فقدم إلى طاعته إلى دمشق وسار قبجق من حماة وسار العسكر الحموي صحبته وكذلك سار أسندمر بعسكر الساحل ووصل قبجق وأسندمر ومن معهما من العساكر إلى خدمة السلطان بدمشق في يوم الاثنين الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة وقدمت تقدمتي ومن جملتها مملوكي طقزتمر في يوم الأربعاء السادس والعشريـن مـن شعبـان المذكـور فحصـل مـن مولانـا السلطـان القبـول والصدقـة والمواعيـد الصادقـة بالتصـدق علي بحماة على عادة أهلي وأقاربي ثم وصل قراسنقـر إلـى دمشـق بعسكـر حلب يوم الجمعة الثامن والعشرين من شعبان وكان وصل قبل ذلك سيف الدين بكتمر المعروف بأمير جاندار من صفـد ولمـا تكاملـت للسلطـان عساكـر الشـام أمرهم بالتجهيز للمسير إلى ديار مصر‏.‏

واستقراره في سلطنته وفـي هذه السنة لما تكاملت العساكر الشامية عند السلطان بدمشق أرسل إلى الكرك وأحضر مـا كـان بهـا مـن الحواصـل وأنفـق في العسكر وسار بهم من دمشق في يوم الثلاثاء تاسع رمضان من هذه السنة الموافق لعاشر شباط ولما بلغ بيبرس الجاشنكير ونائبه ذلـك جـرداً عسكـراً ضخماً مع برلغي وغيره من المقدمين فساروا إلى الصالحية وأقاموا بها وكان برلغي من أكبر أصحاب الجاشنكير وكأن الشاعر أراده بقوله‏:‏

فكان الذي استنصحت أول خائن ** وكان الذي استصفيت من أعظم العدى

وسارت العساكر في خدمة السلطان وكان الفصل شتاءً والخوف شديداً من الأمطار وتوحل الأرض وقدر الله تعالى لنا بالصحو والدفء وعدم الأمطار واستمر ذلك حتى وصلنا في خدمتـه إلـى غـزة فـي يـوم الجمعـة تاسـع عشـر رمضان من هذه السنة ولما وصل السلطان إلى غرة قدم إلى طاعته عسكر مصر أولاً فأولاً وكان ممن قدم أيضاً برلغي وغيره من المقدمين ومعهم عدة كثيرة من العسكر ثم تتابعت الأطلاب وكان يلتقي مولانا السلطان في كل يوم وهو سائر طلب بعـد طلـب مـن الأمـراء والمماليـك والأجنـاد ويقبلـون الـأرض ويسيـرون صحبـة الركـاب ولما تحقق بيبـرس الجاشنكيـر ذلـك خلـع نفسـه مـن السلطنـة وأرسـل مـع ركـن الديـن بيبـرس الـدواداري ومـع بهـادراص يطلـب الأمـان مـن مولانـا السلطـان وأن يتصـدق عليه ويعطيه إما الكرك أو حماة أو صهيون وأن يكون معه ثلاثمائة مملوك من مماليكه فوقعت إجابة السلطان إلى مائة مملوك وأن يعطيه صهيون وأتم مولانا السير وهرب الجاشنكير من قلعة الجبل إلى جهـة الصعيد وخرج سلار إلى طاعة مولانا السلطان والتقاه يوم الاثنين الثامن والعشرين من رمضان قاطع بركة الحجاج وقتل الأرض وضرب لمولانا السلطان الدهليز بالبركة في النهـار المذكـور وأقام بها يوم الثلاثاء سلـخ رمضـان وعيـد يـوم الأربعـاء بالبركـة ورحـل السلطـان فـي نهـاره والعساكـر الشاميـة والمصريـة سائـرون فـي خدمتـه وعلـى رأسه الجتر ووصل إلى قلعة الجبل وسار إليهـا واستقـر علـى سرير ملكه بعد العصر من نهار الأربعاء مستهل شوال من هذه السنة أعني سنة تسع وسبعمائة الموافق لرابع آذار من شهور الروم وهي سلطنته الثالثة وفي يوم الجمعة ثالث شوال وهو اليوم الثالث مـن وصـول مولانـا السلطـان سـار سلـار مـن قلعـة الجبـل إلـى الشوبك بحكم أن السلطان أنعم بها عليه وقطع خبزه من الديار المصرية وأعطى السلطان نيابة السلطنة بحلب سيف الدين قبجق وارتجع منه حماة وسار قبجق من مصر يوم الخميس تاسع شوال ورسم لعسكر حماة بالمسير معه وتصدق علي وطيب خاطري بأنه لا بد من إنجاز ما وعدني به من ملك حماة وإنما أخر ذلك لما بين يديه من المهمات والأشغال المعوقة من ذلك فسرنـا مـع قبجـق مـن مصـر متوجهيـن إلـى الشـام في التاريخ المذكور ووصلنا إلى حماة يوم الخميس خامس عشر ذي القعدة من هذه السنة ثم رسم السلطان للأمير جمال الديـن أقـوش الأفـرم بصرخد فسار إليها وقرر نيابـة السلطنـة بالشـام لشمـس الديـن قراسنقـر وقـرر حمـاة للحـاج بهـادر الظاهـري ثـم ارتجعهـا منـه وقرره في نيابة السلطنة بالحصون والفتوحات بعد عزل أسندمر عنهـا وكـان قد حصلت بيني وبين أسندمر عداوة مستحكمة بسبب ميله إلى أخيه فقصد أن يعدل بحماة عني إليه فلم يوافقه السلطان إلى ذلك فلما رأى أن السلطان يتصدق بحماة علي طلبها أسندمر لنفسه فما أمكن السلطان منعه منها فرسم السلطان بحمـاة لأسندمـر وتأخـر حضوره لأمور اقتضت ذلك وقرر السلطان الأمير سيف الدين بكتمر الجوكاندار في نيابة السلطنة بديار مصر‏.‏

ذكر القبض على بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر

كان المذكور قد هرب من قلعة الجبل عند وصول مولانا السلطان إلى الصالحية وأخذ منها جمـلاً كثيرة من الأموال والخيول وتوجه إلى جهة الصعيد فلما استقر مولانا السلطان بقلعة الجبل أرسل إليه وارتجع منه ما أخذه من الخزائن بغير حق ثم إن بيبرس المذكور قصد المسير إلى صهيون حسبما كان قد سأله فبرز من أطفيح إلى السويس وسار إلى الصالحية ثم سار منها حتى وصل إلى موضع بأطراف بلاد غزة يسمى العنصر قريب الداروم وكان قراسنقر متوجهـاً إلـى دمشق نائباً بها على ما استقر عليه الحال فوصل إليه المرسوم بالقبض على بيبرس الجاشنكير فركب قراسنقر وكبسه بالمكان المذكور وقبض عليه به وسار به إلى جهة مصر حتى وصل إلى الخطارة فوصل من الأبواب الشريفة السلطانية أسندمر الكرجي وتسلم بيبرس الجاشنكيـر من قراسنمر وأمر قراسنقر بالعود فعاد إلى الشام فوصل أسندمر بيبرس الجاشنكير فحال وصوله إلى قلعة الجبل اعتقل يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة من هذه السنة فكان آخر العهد به وكانت مدة سلطنة بيبرس المذكور الملقب بالملك المظفر أحد عشر شهراً‏:‏ تفانى الرجال على حبهـا وما يحصلـون علـى طائـل وفيها غلب ببان بن قبجي على مملكة أخيه فاستنجد وطرده عنها واتفق موت كبلك عقيب ذلك وخلف ولداً اسمه قشتمر بن كبلك فاستنجد قشتمر وطرد عمه ببان واستقر في ملك وفيها وردت الأخبـار بـأن الفرنـج قصـدت ملـك غرناطـة بالأندلـس وهـو نصـر ابـن محمـد بـن الأحمر فاستنجد بسليمان المريني صاحب مراكش واتقع ابن الأحمر مع الفرنج‏.‏

وفيها تزوج خربندا ملك التتر ببنت صاحب ماردين الملك المنصور غازي ابن قرا أرسلان وحملت إليه إلى الأردو‏.‏

وفيها في يوم الأربعاء خامس ذي الحجة حضر مهنا بن عيسى إلى حماة وطلب توفيق الحال بيني وبين أخي بسبب حماة فلم يتفق حال‏.‏

وفيها في ثامن عشر ذي الحجة حضر بدر الدين تتليك السديدي إلى حماة وحكم فيها نيابة عن أسندمر وحضر صحبته من السلطان أسندمر وبقي الانتظار حاصلاً لقدوم أسندمر إلى حماة‏.‏

وفيها في يوم الاثنين الرابع والعشرين من ذي الحجة خرجت من حماة مظهراً أني متوجه إلى دمشق لملتقى أسندمر فأرسلت في الباطن أسأل من صدقات مولانا السلطان أن يمكني من المقام بدمشق ومفارقة حماة فإنه قد كان استحكم في خاطر أسندمر من عداوتي فخشيت من المقام بحماة تحت حكم المذكور فتركتها وسرت إلى دمشق ودخلتها في يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ووصل أسنبغا مملوكي من الأبواب الشريفة يوم الأربعاء رابع المحرم من سنه عشر وسبعمائة بمقامي بدمشق وتصدق علي السلطان بخلعة كرودوحـش وكلوتـه رزنـش ورسـم لـي بغلـة مـن حواصـل دمشـق وأن أقيـم بدمشق ويكون خبزي بحماة مستقراً علي وكذلك أجنادي وأمرني فاستقريت بدمشق ونزحت عن حماة‏.‏

ثم دخلت سنة عشر وسبعمائة

ذكر وصول أسندمر إلى دمشق متوجهاً إلى حماة

فـي هـذه السنـة فـي يـوم الثلاثاء العاشر من المحرم وصل أسندمر من الأبواب الشريفة متوجهاً إلى حماة نائباً بها وكنت حينئذ مقيماً بدمشق كما ذكرنا فخرجت إلى الكسوة والتقيته ووجدت عنده لمقامي بدمشق وخروجي عن حكمه أمراً عظيماً وأخذ يخدعني ويستميلني ويطيـب خاطـري ويسألنـي المسيـر معـه إلـى حمـاة فلـم أجبـه إلـى ذلـك فدخـل إلـى قراسنقـر وسأله في إرسالي صحبته طوعاً أو كرهاً فأجابه أن السلطان رسم بمقامه بدمشق فلا يمكـن خلـاف ذلـك فأقـام أسندمر بدمشق أياماً قلائل وتوجه إلى حماة ودخلها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من المحرم من هذه السنة‏.‏

كان سلار بالشوبك وقد عزم على الهروب منهـا فأرسـل السلطـان إليـه واستدعـاه بعـد أن عرض عليه المسير إلى حماة ويكون نائباً بها ورسم لأسندمر فسار مـن حمـاة إلـى دمشـق وأخلى حماة لأجل سلار وترددت المراسلات إليه فحضر سلـار إلـى الأبـواب الشريفـة بديـار مصر في سلخ ربيع الآخر من هذه السنة وقبض على سلار المذكور فكان آخر العهد به واحتيط على غالب موجوده لبيت المال وكان شيئاً كثيراً‏.‏

ذكر استقراري بحماة وعودها إلى البيت التقوي وما يتعلق بذلك‏:‏

وفي هذه السنة توفي الحاج بهادر النائب بالسواحل الشامية في يوم الثلاثاء لعشرين من ربيع الآخـر ووصـل مهنـا بـن عيسـى إلـى دمشق وتوجه منها إلى مصر في يوم السبت ومستهل جمادى الأولـى وكـان السلطـان حريصاً إلى إنجاز ما وعده بأن يقيمني بحماة وتأخر ذلك بسبب مداراته لأسندمر وغيره فلما اتفق موت الحاج بهادر ووصول مهنا بن عيسـى إلـى الأبـواب الشريفـة أعطى مولانا السلطان نيابة السلطنة بالسواحل والفتوحات لأسندمر وتصدق علي بحماة والمعرة وباريـن وأرسـل تقليـد أسندمـر بالسواحل مع منكوتمر الطباخي فوصل إلى دمشق في يوم الأحد الثالث والعشرين من جمادى الأولى وسار إلى حماة فلم يجب أسندمر إلى المسير إلى الساحل وامتنع من قبول التقليد والخلعة ورد التقليد صحبة منكوتمر المذكور فعاد به إلى دمشق واتفق عند ذلك موت سيف الدين قبجق نائب السلطنة بحلب في يوم السبت سلخ جمادى الأولى فلما وصل خبر موته إلى الأبواب الشريفة أنعم السلطان بنيابة السلطنة بحلب على أسندمر موضع سيف الدين قبجق وأنعم على جمال الدين أقوش الأفرم بنيابة السلطنة بالفتوحات ونقله من صرخد إليها واستقرت حماة للعبد الفقير إلى الله تعالى إسماعيل بن علي مؤلـف هـذا الكتاب ووصل إلي بدمشق التقليد الشريف بحماة صحبة الأمير سيف الدين جلس الناصري السلمدار وأعطيت حماة في هذه المرة على قاعدة النواب وكان تاريخ التقليد في ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشر وسبعمائة حسب المرسوم الشريف وخرجت من دمشق متوجهاً إلى حماة وصحبتي الأمير سيف الدين قجلس المذكور في يوم الأربعاء الثامن عشر من جمادى الآخرة وأسندمر مقيم بحماة وهو في أشد ما يكون من الغضب بسبب فراق حماة وكوني قد شملتنـي الصدقـات الشريفـة السلطانيـة حتـى أنـه عـزم أن يقاتلنـي ويدفعني عنها وكان قد طلع جميع العسكر الحموي إلى لقائي والتقوني قاطع حمص ووصل إلى أسندمر مملوكه سنقر من الأبواب الشريفة وخوفه من عاقبة فعله فتوجه أسندمر من حماة ضحى يوم الاثنين المذكور ودخلت إلـى حمـاة عقيـب خروجـه منهـا فـي النهـار المذكور وكان استقراري في دار ابن عمي الملك المظفر بحمـاة بعد الظهر من نهار الاثنين الثالث والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة عشر وسبعمائة الموافق السادس عشر كانون الثاني وكان خروج حماة عن البيت التقوي الأيوبي عند موت السلطان الملك المظفر صاحب حماة في يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة مـن سنـة ثمان وتسعين وستمائة وعودها في تاريخ التقليد وهو ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشر وسبعمائة فيكون مدة خروجها من البيت التقوى إلى أن عادت إليه إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوماً‏.‏

ولنذكـر جملـة مـن أخبـار حمـاة وقـد ذكـرت فـي أخبـار داود وسليمـان فـي الكتب الأربعة والعشرين التي مع اليهود ثم صارت بلدة صغيرة حتى صارت من الأعمال ثم إن اسطيتينوس ملـك الـروم بنـى أسـوار حمـاة فـي أول سنـة من ملكه وفرغ منها في سنتين وبقيت مع الروم حتى فتحهـا أبو عبيدة بن الجراح بالأمان بعد فتوح حمص وبقيت مضافة إلى حمص وتواردت عمال الخلفاء الراشدين على حمص حتى ملكت بنو أمية وأقاموا بدمشق فتواردت عمالهم عليها ثم لما صارت الدولة لبني العباس تواردت عمالهم علـى حمـص أيضـاً وعلـى حمـاة وغيرهـا ثـم استولت القرامطة على حماة وقتلوا فيها مقتلة كبيرة من أهلها ثم صارت لصالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب ثم صارت للأمير سهم الدولة خليفة بن جيهان الكردي ثم صارت لشجاع الدولة جعفر بن كلند والي حمص وفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة تقدم خلف بن ملاعب صاحب حمص قلعة حماة ثم أقطع السلطان ملكشاه حماة لأقسنقر مضافة إلى حلب وبقيت له إلى أن قتله تنش ثم صارت حماة لمحمود بن علي بن قراجا وكان ظالماً ثم صارت حماة لطغتكين صاحب دمشق ثم صارت للبرسقي ثم لولده عز الدين مسعود بن أقسنقرالبرسقي ثم صارت لبهاء الدين سونج بن بوري بن طغتكين ثم صارت لعماد الدين زنكـي بـن أقسنقـر ثـم ارتجعهـا منـه شمـس الملـوك إسماعيـل بن بوري بن طغتكين ثم استولى عليها عماد الدين زنكي ثم صارت حماة لنور الدين محمود بن زنكي ثم صارت لولده الملك الصالح إسماعيل بن محمود ثم صارت لصلاح الدين يوسف بن أيوب ثم أعطاها لخاله شهاب الدين محمود الحارمي بن تكش ثم صارت للملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ثم صارت لولده الملك المنصور محمد بن عمر ثم صارت لولده الملك الناصر قليج أرسلان بن محمد ثم صارت لأخيه الملك المظفر محمود بن محمد ثم صارت لولده الملك المنصور محمد بن محمود ثم صارت لولده الملك المظفر محمود ثم خرجت عنهم فتولى فيها قراسنقر زين الدين كتبغـا ثـم سيـف الديـن قبجـق ثـم سيـف الديـن أسندمـر ثـم صـارت لمؤلـف هـذا الكتـاب ولنرجع إلى بقية حوادث هذه السنة أعني سنة عشر وسبعمائة‏.‏

ولما قاربت حماة ونزلت الرستن ألبسني الأمير سيـف الديـن قجليـس التشريـف السلطانـي وهـو أطلـس أحمـر بطـراز زركـش فوقانـي وتحتـه أطلـس أصفـر وكلوتـه زركـش وشاش رقم ومنطقة ذهب مصري وسيف محلى بذهب مصري وأركبني حصاناً برقياً بسرجه ولجامه ودخلت حماة بذلك وقرئ التقليـد الشريـف بحضـور النـاس وأعطيـت الأميـر سيـف الديـن المذكـور أربعيـن ألـف درهـم وأوصلته بالخلع والخيول وتوجه من حماة في يوم الأحد التاسع والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة واتفق لي شيء عجيب وهو أن مولدي بدمشق في جمادى ووصلني تقليد حماة بدمشق في جمادى وأقمت بحماة وحصلت التقدمة على جاري عادة أهلي وأرسلت سألت مـن صدقـات السلطان دستوراً بالتوجه إلى الأبواب الشريفة فرسم لي بذلك فخرجت من حماة في مستهل شوال من شهور هذه السنة ودخلت مصر وحضرت بين يدي المواقف الشريفة يوم الثلاثـاء مستهـل ذي القعـدة مـن هـذه السنـة وقدمـت التقدمـة فـي غـد ذلـك اليـوم فشملتنـي الصدقات بقول ذلك ثم أفاض علي وعلى جميع من كان في صحبتي الخلع وتصدق علي بالمركـوب والنفقـة وأعادني إلى بلدي بحبور الحبور فوصلت إلى حماة في يوم الثلاثاء السابع ذي الحجة من هذه السنة الموافق للسابع والعشرين من نيسان‏.‏

توفـي أبـو الربيـع سليمـان بـن عبـد اللـه بـن أبـي يعقـوب يوسـف فـي منتصف هذه السنة وجلس في الملـك بعـده عـم أبيـه أبـو سعيـد عثمـان بـن أبـي يوسـف يعقـوب ابن عبد الحق في شهر رجب من هذه السنة واستقرت قدمه في الملك‏.‏

ذكر القبض على أسندمر نائب السلطنة بحلب

كان السلطان قد جرد عسكراً مـع كـراي المنصـوري وشمـس الديـن سنقـر الكمالـي فسـاروا وأقاموا بحمص ولما وصلت إلى حمـاة عائـداً مـن الأبـواب الشريفـة ركبـوا مـن حمـص وساقـوا ليكبسوا أسندمر بحلب ويبغتوه بها فإنه كان مستشعراً لما كان قد فعله من الجرائم وأرسل كـراي المذكـور إلي يعلمني بمسيرهم وأن أسير بالعسكر الحموي واجتمع بهم لهذا المهم فخرجت من حماة يوم الخميس تاسع ذي الحجة من هذه السنة وهو ثالث يوم من وصولي من الأبواب الشريفة ونزلت بالعبادي وسقنا نهار الجمعة وبعض الليل ووصلنا إلى حلب بعد مضي ثلثي الليلة المسفرة عن نهار السبت حادي عشر ذي الحجة واحتطنا بدار النيابة التي فيها أسندمر تحت قلعة حلب وأمسكناه بكرة السبت واعتقل بقلعة حلب وجهز إلى مصر مقيداً في يوم الأحد ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة ووصل إلى مصر فاعتقل بها ثم نقل إلى الكرك وكان آخر العهد به واحتيط على موجوده من الخيل والقماش والسلاح وكان شيئاً كثيراً وحمل جميـع ذلـك إلـى بيـت المـال واستمـر كـراي والكمالـي ومـن معهمـا مـن العساكـر والعبـد الفقيـر إسماعيل بن علي مقيمين بحلب حتى خرجت هذه السنة‏.‏

وفيها توفي نجم الدين أحمد بن رفعة بديار مصر وكان من أعيان الفقهاء الشافعية وشرح التنبيه في نحو عشرين مجلد ونقل عليه شرح الوجيز الذي للرافعي‏.‏

وفيها في يوم الأحد سابع عشر رمضان توفي بتبريز القاضي قطب الدين محمود بن مسعود وكـان مولـده بمدينـة شيـزر في صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة فيكون مدة عمره ستاً وسبعين سنة وسبعة أشهر وكان إماماً مبرزاً في عدة علوم مثل العلم الرياضي والمنطق وفنون الحكمة والطب والأصوليين‏.‏

وله عدة مصنفات منها‏:‏ نهاية الإدراك في الهيئة وتحفة السامي في الهيئة أيضاً وشرح مختصر ابن الحاجب في الفقه ومصنفاته وفضائله مشهورة‏.‏  

ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمائة

ذكر وفاة طقطغا وملك أزبك

فـي هـذه السنـة ظنـاً أعنـي سنـة عشـر أو سنـة إحدى عشرة وسبعمائة توفي طقطغا بن منكوتمر بـن طغـان بـن باطـو بن دوشي خان بن جنكزخان ملك التتر بالبلاد الشمالية التي كرسي ملكها صراي وقد تقدم ذكر ملكه في سنة تسعين وستمائة ولما مات طقطغا المذكور ملك بعده أزبك بن طغريشاه بن منكوتمر بن طغان بن ياطوخان بن دوشي خان بن جنكزخان واستقر أزبك المذكور ملكاً بتلك الجهات‏.‏

ذكر نفل قراسنقر من نيابة السلطنة بدمشق إلى حلب

وولاية كريه المنصوري دمشق وإعطاء العساكر الذين بحلب الدستور‏:‏ فـي هـذه السنـة لمـا قبـض علـى أسندمـر سـأل قراسنقـر نائـب السلطنـة بدمشـق مـن مولانـا السلطان أن ينقله إلى نيابة السلطنة بالمملكة الحلبية لأنه كان قد طال مقامه بها وألف سكنى حلب فرسم له بذلك وحضر تقليده بولاية حلب مع الأميـر سيـف الديـن أرغـون الـدوادار الناصـري وسـار فـي صحبتـه من دمشق متوجهاً إلى حلب وحصل عند قراسنقر استشعار من العسكـر المقيميـن بحلـب لئـلا يقبضـوا عليه وبقي المقر السيفي أرغون الدوادار الناصري المذكور يطيب خاطر قراسنقر ويحلف له على عـدم توهمـه ويسكنـه ويثبـت جأشـه حتـى وصل إلى حلب وركبت العساكر المقيمون بحلب لملتقاه فالتقيناه ودخل حلب في يوم الاثنين ثامن عشر المحرم من هذه السنة واستقر في نيابة السلطنة بحلب وأعطي المقر السيفي أرغون الناصري عطاء جزيلاً وسفّره وسـار المقـر السيفـي أرغـون المذكـور مـن حلـب يـوم الأربعـاء لعشرين من المحرم وتوجه إلى الديار المصرية‏.‏

فأقمنا بعد ذلك مدة ثم ورد الدستور إلى العساكر المقيمة بحلب فسرنا منها في يوم الجمعة الحـادي والعشرين من صفر عائدين إلى أوطاننا ودخلت حماة في يوم الاثنين الرابع والعشرين من صفر من هذه السنة الموافق الثاني عشر تموز وأتمت العساكر المصرية والدمشقية المسير إلى بلادهم ولما انتقل قراسنقر من دمشق إلى حلب أنعم السلطان بنيابة السلطنة بالشام علـى سيف الدين كريه المنصوري ووصل إليه التقليد بذلك فاستقر فيها‏.‏

ثم بعد مدة قبض على كريه المنصوري ورتب في نيابة السلطنة بالشام أقرش الذي كان نائباً بالكرك‏.‏

ذكر مسير قراسنقر إلى الحجاز

وعوده من أثناء الطريق وهربه وفيها سأل قراسنقر دستوراً إلى الحجاز الشريف لقضاء حجة الفرض فرسـم لـه السلطـان بذلك فعمل شغله وسار من حلب في أوائل شوال من هذه السنة ولم يسر على الطريـق وسار على طرف البلاد من شرقيها حتى وصل إلى بركة زيزا فحصل عنده النخيل والخوف من الركب المصري لئلا يقبضوا عليه في الحجاز فعاد من بركة زيزا على البرية وسار على البر إلى أركة والسخنة ثم إلى بر حلب واجتمع مع مهنا بن عيسى أمير العرب واتفقا على المشاققة والعصيان وقصد قراسنقر حلب ليستولي عليها فاجتمع العسكر والأمراء الذين بها ومنعوه من الدخول إليها ووصل من صدقات السلطان إلى قراسنقر ومهنا ما يطيب خاطرهما فلم يرجعا عن ضلالهما وأصرا على ذلك فجرد السلطان عسكراً مع المقر السيفي أرغون الدوادار الكردي ومع الأمير حسام الدين قرالاجين بسبب قراسنقر المذكور بحيث إن رجع عن الشقاق والنفاق يقرر أمره في مكان يختاره وإن لم يرجع عن ذلك يقصده العسكر حيـث كان ووصل العسكر المذكور إلى حماة في يوم السبت سادس ذي الحجة من هذه السنة الموافق لنصف نيسان‏.‏

وسـرت بصحبتهـم في عسكر حماة وتوجهنا إلى البرية ونزلنا بالحمام بالقرب من الزرقاء في يوم الخميس الحادي عشر من ذي الحجة من هذه السنة فاندفع قراسنقر إلى الفرات وأقام هناك وافترقـت مماليكه فبعضهم سار إلى التتر وبعضهم قدم إلى الطاعة ثم توجه قراسنقر إلى جهة مهنـا فعـادت العساكر من الخام إلى حلب وكان دخولنا إلى حلب في يوم الأحد رابع عشر ذي الحجـة مـن هـذه السنـة‏.‏

ثـم كـان مـا سنذكـره إن شـاء اللـه تعالـى وفـي جمـادى الاولى من هذه السنة قبض على سيف الدين بكتو الجوكندار نائب السلطنة وأقام مولانا السلطان مقامه في نيابة السلطنة الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار المنصوري‏.‏

وفيها حضرت رسل سيس بالأرزاق المقـدرة عليهـم فـي كـل سنـة وأحضـروا لنـواب الشـام التقادم على جاري العادة وأحضروا لي بغلاً وقماشاً وخرجت هذه السنة والحكام فيها على ما أصفه مولانا السلطان الأعظم الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد ابن السلطان الملـك المنصـور قلـاوون الصالحـي سلطـان الإسلـام بمصـر والشـام ومـا هـو مضاف إليهما والحجاز ونائب السلطنة ركن الدين بيبرس الدوادار صاحب التاريخ المسمى بزبدة الفكرة في تاريخ الهجرة والنائب بالشام جمال الدين أقوش الذي كان نائباً بالكرك وقراسنقر قد أظهر الشقاق وانضم إلى مهنا بن عيسى أمير العرب وهو متردد في البراري على شاطئ الفرات والحكم بحلب إلى المشدين والنظار وليس بها نائب وقطلوبك بصفد‏.‏

فإن النائب بصفد كان بكتمر الجوكندار انتقل إلى مصر على ما تقدم ذكـره فولـى السلطـان صفـد سيـف الديـن قطلوبـك وإسماعيل مؤلف هذا الكتاب بحماة وما هو مضاف إليها وهو المعرة وبارين وباقي الأطراف مثل‏:‏ البيرة والرحبة وغزة وحمـص وقلعـة الـروم وغيرهـا مـن مواطـن النيابـة جميعهـا فيهـا مماليـك السلطـان أو مماليـك والـده أو مماليـك مماليـك والده وجميعهم مرتبون من الأبواب الشريفة على ما تقتضيه آراؤه العالية وأما الأطراف البعيدة فصاحب ماردين الملـك المنصـور نجم الدين غازي ابن الملك المظفر قرا أرسلان ابن الملك السعيد نجم الدين غازي ابن الملك المنصور ناصر الدين أرتق بن قطب الدين أيلغازي بن إلبي بن حسام الدين تمر تاش بن نجم الدين أيلغازي بن أرتق‏.‏

وقد تقدم أخبار ملوك ماردين مساقة إلى سنة ثمانين وخمسمائة ثم ذكرنـا أخبارهـم فـي سنـة سبـع وثلاثيـن وستمائـة وصاحـب اليمـن الملـك المؤيد شرف الدين داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول وملك التتر بالعراقين وكرمان وخراسان وديار بكر والروم وأذربيجـان وغيرهـا خربنـدا بـن أرغون بن أبغا بن هولاكو ابن طلو بن جنكزخان وسار قبجي ملـك تركستـان بمـا وراء النهـر وصاحـب التخـت بالصيـن القائـم مقـام جنكزخـان سرقيـن بن منغلاي بن قبلاي بن طلو بن جنكزخان وملك التتر ببلاد الشمال التي كرسي ملكها صراي أزبك بن طغريشاه بن منكوتمر ابن طغان وملك التتر بغزنة وباميان منطغاي بن قبجي بن أردنـو بن دوشي خان بن جنكزخان وملك المغرب أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المربني وملك غرناطة بالأندلس أبو الجيوش نصر بن محمد بـن الأحمـر وصاحـب تونـس أبـو البقاء خالد بن زكريا بن يحيى بن أبي حفص‏.‏

والأشكري ملك قسطنطينية أندر ونيقوس

ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة

ذكر هروب الأفرم واجتماعه بقراسنقر ثم مسيرهما إلى خربندا‏:‏

وفـي هـذه السنـة قصـد أقـوش الأفـرم نائـب السلطنـة بالفتوحـات أن يحـدث خلافـاً وأن يجمـع الناس عليه فهرب إليه حموه أيدمر الزردكاش من دمشق وانضم إليه من لايق به وسار من دمشق واجتمع بالأفرم بالساحل وقصدوا من عسكر الساحل ومن غيرهم الموافقة لهم على ضلالهم فلم يوافقهم أحد فلما رأى الأفرم ذلك هرب من الساحل وخرج على حمية وعبـر علـى الغولـة بيـن دمشـق وحمـص‏.‏

وسـار فـي البريـة واجتمـع بقراسنقـر فـي شهـر المحـرم من هذه السنة وكان بعض العساكر مع الأمير سيف الدين أركتمر على حمص فساق خلف الأفرم فلم يلحقه وكان على حلب العسكر المقدم ذكره في السنة الماضية صحبة الأمير سيف الدين أرغون الدوادار فلما بلغنا هروب الأفرم واجتماعـه بقراسنقـر وهـم قريـب سلميـة وقـع آراء الأمـراء على الرحيل من حلب والمسير إلى جهة حمص وسلمية فرحل الأمير سيـف الديـن أرغـون الكردي والأمير حسام الدين قرا لاجين ومؤلف هذا المختصر بعسكر حماة من حلب وسرنا ووصلنـا إلـى حمـاة فـي ثانـي عشـر المحـرم مـن هـذه السنـة ووصلـت باقـي العساكـر وسرنـا من حماة في يوم الثلاثاء خامس عشر المحرم الموافق للثامن والعشرين من أيار ونزلنا بظاهر سلمية وقصد قرابشقر والأفرم كبس العسكر بالليل لظنهما أن فيهم مخامرين وأنهم يوافقونهم على ذلـك فلـم يوافقهم أحد على ذلك فرجعوا عن ذلك وسار قراسنقر والأفرم ومن معهما إلى جهة الرحبة فاتفـق آراء الأمـراء علـى تجريد عسكر في إثرهم فجردوا العبد الفقير إسماعيل بن علم بعسكر حماة وكذلك جردوا من المصريين الأمير سيف الدين قلي بمقدمته وغيره من المقدمين المصريين والمقدمين الدماشقة فسرنا من سلمية في يوم الخميس سابع عشر المحرم من هذه السنة إلى القسطـل ثـم إلـى قديـم ثم إلى عرض ثم إلى قباقب ثم إلى الرحبة ووصلنا إليها في يوم الأحد الثامن والعشرين من المحرم فلما وصلنا إلى الرحبة اندفع قراسنقر ومن معه إلى جهة رومان قريب عانة والحديثة فما أمكنا المضي خلفه إلى تلك البلاد بغير مرسوم فأقمنا بالرحبة ثم رحلنا منها عائدين في مستهل صفر الموافق لثامن حزيران من هذه السنة وسرنا إلـى المقـر السيفي أرغون الدوادار وكان قد سار من سلمية إلى حمص فوصلنا إلى حمص فـي يـوم الخميـس ثامـن صفـر مـن هـذه السنـة ثـم إن المقـر السيفـي رأى أن حمـاة قريبـة وليـس بمقامـي بعسكر حماة على حمص فائدة فاقتضى رأيه سيري إلى حماة فسرت إلى حماة ودخلتها يوم الاثنين ثاني عشر صفر واستمر العسكر مقيمين بحمص ثم إن قراسنقر والأفرم طال عليهما الحال وكثر ترداد الرسل إليهما في إطابة خواطرهما وهما لا يزدادان إلا عتواً ونفـوراً حتـى سارا إلى التتر واتصلا بخربندا في ربيع الأول من هذه السنة وكذلك أيدمر الزردكاش ومن انضم إليهم‏.‏

ذكر وصول الدستور إلى العسكر

ولما اتصل بالعلوم الشريفة السلطانية ما اتفق من الأمر تقدم مرسومه إلى العساكر بالمسير إلى أماكنهم فسار من حمص في يوم الاثنين السادس والعشرين من صفر من هذه السنة الموافق لثالث تموز وعادوا إلى أوطانهم‏.‏

ذكر وفاة صاحب ماردين

في هذه السنة يوم الأحد ثامن ربيع الآخر توفي صاحب ماردين ومن عقيب مسيرة قراسنقر من عنده إلى الأردو وهو الملك المنصور نجم الدين غازي ابن الملك المظفر قرا أرسلان ابن السعيد نجم الدين غازي بن المنصور بن أرتق أرسلان بن قطب الدين أيلغازي بن إلبي بن تمرتاش بن أيلغازي بن أرتق صاحب مارديـن وملـك مارديـن بعـده ابنـه الألبـي الملـك العـادل عماد الدين علي بن غازي نحو ثلاثة عشر يوماً ثم ملك أخوه شمس الدين صالح وتلقـب بالملك الصالح ابن غازي المذكور‏.‏

ذكر وصول النائب إلى حلب

وفيهـا قـرر السلطان سيف الدين سودي الجمدار الأشرفي ثم الكردي في نيابة السلطنة بحلب المحروسة موضع قراسنقر فوصل سودي المذكور إلى حلب في ثامن أو تاسع ربيع الأول من هذه السنة واستقر في نيابة السلطنة بحلب‏.‏

ذكر مسيري إلى مصر

وفي هذه السنة توجهت إلى الأبواب الشريفة وخرجت من حماة يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول من هذه السنة الموافق للرابع والعشرين من تموز وسقت مـن أثنـاء الطريـق علـى البريـد ووصلـت إلـى قلعـة الجبـل وحضـرت بيـن يـدي المواقـف الشريفـة السلطانية في يوم الاثنين العاشر من ربيع الآخر الموافق للرابع عشر من آب ثم وصلت صبياني وقدمت التقدمة في يوم الجمعة خامس عشر ربيع الآخر وكان قبل وصولي قد قبض على بيبرس الدوادار نائب السلطنة وعلـى جماعـة مـن الأمـراء مثـل الكمالـي فحـال حضوري بين يديه أفاض علي التشريف السلطاني الأطلس المزركش على عوائد صدقاته وأمر بنزولي في الكبش فأقمت به فاتفق بعـد أيـام يسيـرة أن النيـل وفـي ونشـر الخلـع فـي يـوم الأحد الثالث والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة الموافق للسابع والعشرين من آب من شهور الروم ورابع أيام النسيء بعـد مسيـري مـن شهور القبط واتفق في أيام حضوري بين أيدي المواقف الشريفة إقامة المقر السيفي أرغون الدوادار في نيابة السلطنة وقلده وأعطاه السيف وألبسه الخلعة ولما لم يبق لي شغل تصدق السلطان وأفاض علي وعلى أصحابي الخلع وشرفني بمركوب بسرجه ولجامه ثم تصدق علي بثلاثيـن ألف درهم وخمسين قطعة من القماش ورسم أن يكتب لي التقليد بمملكة حماة والمعرة وبارين تمليكاً ولولا خوف التطويل لأوردنا التقليد عن آخره‏.‏

لكنا نذكر منه فصولاً يحصل بها الغرض طلباً للاختصار‏.‏

فمنه‏:‏ بعد البسملة الحمد لله الذي عضد الملك الشريف بعماده وأورث الجد السعيد سعادة أجداده وبلغ ولينا من تباهى ببابه ملوك بني الأيام غاية مراده ومنـه‏:‏ فأصبـح جامـع شملهـا ورافع لواء فضلها وناشر جناح عدلها‏.‏

ومنه‏:‏ يحمد على أنه صان بنا الملك وحماه وكف بكف بأسنا المتطاول على استباحة حماه‏.‏

ومنه‏:‏ ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله‏.‏

أما بعد‏:‏ فإن أولى من عقد له لواء الولاء وتشرفت باسمه أسرة الملوك وذوي المنابر وتصرفت أحكامه في ما يشاء من نواه وأوامر وتجلـى فـي سمـاء السلطنـة شمسـه فقـام في دستها مقام من سلف وأخلف في أيامنا الزاهرة درج من أسلافه إذ هو ببقائنا إن شاء الله خير خلف من ورث السلطنة لا عن كلالة واستحقهما بالأصالة والإثالة والجلالة وأشرقت الأيام بغرة وجهه المنير وتشرفت به صدور المحافل وتشوق إليه بطن السرير ومن أصبـح لسمـاء المملكـة الحمويـة وهـو زيـن أملاكهـا ومطلـع أفلاكهـا وهـو المقام العالي العمادي ابن الملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان الملك المظفر تقي الدين ولد السلطان الملك المنصور ولد السلطان الملك المظفر تقي الدين أعطاها شاهنشاه بن أيوب وهو الذي ما برحت عيوق مملكته إليه متشوفة ولسان الحال يتلو ضمن الغيب قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء إلى أن أظهر الله ما في غيبه المكنون وأنجز له في أيامنا الوعود وصـدق الظنـون وشيـد اللـه منـه الملـك بأرفع عماد ووصل ملكه بملك أسلافه وسيبقى في عقبه إن شـاء اللـه إلـى يـوم التناد فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الباهـري لا زالـت المماليـك مغمـورة مـن عطائـه والملـوك تسري من ظل كنفه تحت مسبول غطائـه أن يستقـر فـي يـد المقـام العالـي العمـادي المشـار إليـه جميـع المملكة الحموية وبلادها وأعمالها وما هو منسوب إليها ومباشرها التي يعرضها قلمه وقسمه ومنابرها التي يذكر فيها اسم الله تعالى واسمه وكثيرها وقليلها وحقيرها وجليلها على عادة الشهيد الملك المظفر تقي الدين محمود إلى حين وفاته‏.‏

ومنه‏:‏

وقلدناه ذلك تقليداً يضمن ** للنعمة تخليداً وللسعادة تجديداً‏.‏

ومنه‏:‏

في آخره والله تعالى يؤهل بالنصر مغناه

ويجمل ببقائه صورة دهر هو معناه

والاعتماد على الخط الشريف أعلاه‏.‏

وكتب في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتى عشرة وسبعمائـة حسـب المرسـوم الشريـف والحمـد للـه وحـده وصلواتـه علـى محمـد وآله وصحبه وسلم‏.‏

ثـم رسـم لـي بالعـود إلـى بلـدي فخرجـت مـن القاهرة يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى من هذه السنة وسرت إلى دمشق وكان قد وصل إليها الأمير سيف الدين تنكز الناصري نائباً واستقر فـي نيابة السلطنة بها بعد جمال الدين أقوش الذي كان نائباً بالكرك وأحسن الأمير المذكور إلي وتلقاني بالإكرام ووصلت إلى حماة واجتمع الناس وقرئ التقليد الشريف عليهم في يوم الاثنين الثاني والعشرين من جمادى الأولى الموافق للخامس والعشرين من أيلول‏.‏

ولما وصلت إلى حماة كان قد سافر الأمراء الغرباء إلى حلب فإني لما كنت بالأبواب الشريفة استخبرني مولانا السلطان عن أحوالي وما أشكـو منـه فلـم أفصـح لـه بشـيء فاطلـع بعلمـه الشريف وحدة ذهنه وقوة فراسته على تقلقي من الأمراء المماليك السلطانيـة المقيميـن بحمـاة فإنهم استجدوا بحماة لما خرجت من البيت التقوي الأيوبي فاطلع السلطان على تعبي معهم وأنهـم ربمـا لا يكونـون وفـق غرضـي فاقتضـى مرسومـه الشريـف نقلهـم إلـى حلـب واستمـرار إقطاعاتهم التي كانت لهم بحماة عليهم إلى أن يتجلى ما يعوضهم بـه فتقـدم مرسومـه إليهـم بذلك ووصل إليهم المرسوم على البريد بتوجههم إلى حلب قبل وصولي إلى حماة بأيام يسيرة فحال وصول المرسوم خرجوا من حماة عن آخرهم ولم يبيتوا بها وانتقلـوا بأهلهـم وجندهـم وكانوا نحو أربعة عشر أميراً بعضهم بطبلخاناه وبعضم أمراء عشرات ووصلت إلى حماة ولم يبق غير من اخترت مقامه عندي وكان هذا من أعظم النفقة والصدقة‏.‏

ذكر تجريد العسكر إلى حلب

ووصول العدو ومنازلة الرحبة وفي هذه السنة في يوم السبت سابع عشر رجب خرجت من حماة بعساكر حماة ودخلت حلب في يوم السبت الآخر الرابع والعشرين من رجب المذكور وأقمت بها وكان النائب بها الأمير سيف الدين سودي ثم وصل بعض عسكر دمشق مع سيف الدين بهادراص وقويت أخبار التتر وجفل أهل حلب وبلادها ثم وصلت التتر إلى بلاد سيس وكذلك وصلوا إلى الفرات فعندها رحل الأمير سيف الدين سودي وجميع العساكـر المجـردة مـن حلـب فـي يـوم الخميس ثامن رمضان في هذه السنة ووصلنا إلى حماة في يوم السبت سابع عشر رمضان المذكور وكان خربندا نازل الرحبة بجموع المغل في آخر شعبان من هذه السنة الموافق لأواخر كانون الأول وأقام سيف الدين سودي بعسكر حلب وغيره من العساكر المجردة بظاهر حلب ونزل بعضهم في الخانات وكان البرد شديداً والجفال قد ملأه المدينة واستمرينا مقيمين بحماة وكشافتنا تصل إلى عرض والسخنة وتعود إلينا بأخبـار المخـذول واستمـر خربنـدا محاصـراً للرحبة وأقام عليها المجانيق وأخذ فيها النقوب ومعه قراسنقر والأفـرم ومـن معهمـا وكانـا قـد أطمعا خربندا أنه ربما يسلم إليه النائب بالرحبة قلعة الرحبة وهو بدر الديـن بـن أركشـي الكردي لأن الأفرم هو الذي كان قد سعى للمذكور في نيابة السلطنة بالرحبة وأخذ له إمرة الطبلخاناه فطمع الأفرم بسبب تقدم إحسانه إلى المذكور أن يسلم إليه الرحبة وحفظ المذكور دينه وما في عنقه من الإيمان للسلطان وقام بحفظ القلعة أحسن قيام وصبر على الحصـار وقاتل أشد قتال ولما طال مقام خربندا على الرحبة بجموعه وقع في عسكره الغلاء والفناء وتعذرت عليه الأقوات وكثرت منه المقفزون إلى الطاعة الشريفة وضجـروا مـن الحصـار ولـم ينالوا شيئاً ولا وجد خربندا لما أطمعه به قراسنقر والأفرم صحة فرحل خربندا عن الرحبة راجعاً على عقبه في السادس والعشرين من رمضان من هذه السنة بعد حصار نحو شهر وتركوا المجانيق وآلات الحصار علـى حالهـا فنزلـت أهـل الرحبـة واستولـوا عليهـا ونقلوهـا إلـى الرحبة ولما جرى ذلك رحل سـودي وعسكـر حلـب مـن حمـاة وعـادوا إلـى حلـب واستمـر بهادراص ومن معه من عسكر دمشق مقيماً بحماة مدة ثم ورد لهـم الدستـور فسـاروا إلـى دمشق‏.‏

ذكر مسير السلطان بالعساكر الإسلامية إلى الشام ثم توجهه إلى الحجاز‏:‏

في هذه السنة سار مولانا السلطان بالعساكر الإسلامية من ديار مصر وكان مسيره بسبب نزول التتر على الرحبة حسبما ذكرنا ووصل إلى دمشق يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شوال مـن هـذه السنة أعني سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بعد رحيل العدو عن الرحبة وعودهم على أعقابهم فلما لم يبق في البلاد عدو عزم على الحجاز الشريف لأداء حجة الفـرض فرتـب العساكر بالشام وأمر بعضهم بالمقام باللجون وسواحل عكا وقاقون وجرد بعضهم على حمى حمص وترك نائب السلطنة المقر السيفي أرغون ونائـب السلطنـة بالشـام الأميـر سيـف الديـن تنكـز مقيمين بدمشق وعندهما باقي العساكر واستجار السلطان بالله تعالى وخرج من دمشق متوجهـاً إلـى الحجـاز الشريف في يوم الخميس الثاني من ذي القعدة الموافق لأول آذار وأتم المسير ووصل إلى عرفات وأكمل مناسك الحج وعاد مسرعاً فوصل إلى الكرك سلخ هذه السنة ثم كان ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيهـا ولـد ولـدى محمـد بـن إسماعيـل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر ابن شاهنشا بن أيوب وكانت ولادته في إقامة الساعة الثانية من نهار الخميس مستهل رجب الفرد من هذه السنة أعني سنة اثنتي عشرة وسبعمائة الموافق الثاني يوم من تشرين الثاني من شهور الروم‏.‏

وفيها انخسف القمر مرتين مرة في صفر ومرة في شعبان‏.‏

وفيها كانت الأمطار قليلة حتى خرج فصل الشتاء ثم تدارك الأمطار في فصل الربيع إلى أن زادت الأنهر زيادة عظيمة في آخر نيسان على خلاف ما عهد‏.‏

وفيهـا قـوي استيحاش الأمير مهنا بن عيسى أمير العرب لما اعتمد من مساعدة قراسنقر ولغير ذلـك مـن الأمـور وكاتـب خربنـدا ثـم أخـذ منـه إقطاعـاً بالعـراق وهـو مدينـة الحلة وغيرها واستمر إقطاعه من السلطان بالشام وهو مدينة سرمين وغيرها على حاله وعامله السلطان بالتجـاوز ولـم يؤاخـذه بمـا بـدى منه وحلف على ذلك مراراً فلم يرجع عما هو عليه وجعل مهنا ولـده سليمـان بـن مهنا منقطعاً إلى خدمة خربندا ومتردداً إليه واستمر ابنه موسى بن مهنا في صدقة السلطان ومتردداً إلى الخدمة واستمر مهنا على ذلك أخذ الإقطاعين بالشام والعراق ويصل إليه الرسل من الفريقين وخلعهما وإنعامهما وهو مقيم بالبرية ينتقل إلى شط الفرات من منازله لا يروح إلى أحد الفئتين وهذا أمر لم يعهد مثله ولا جرى نظيره فإن كلاً من الطائفتين لو اطلعوا على أجد منهم أنه يكتب إلى الطائفة الأخرى سطراً قتلوه لساعته ولا يمهلونه ساعة ووافق مهنا في ذلك سعادة خارقة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

ذكر وصول السلطان من الحجاز الشريف

وفـي هـذه السنة وصل مولانا السلطان إلى دمشق في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم عائداً من الحجاز الشريف بعد أن أقام بالكرك أياماً وجمع الله له بذلك سعادة الدنيا والآخرة وتوجهت إلى خدمته من حماة وحضرت بين يديه بدمشق المحروسة في يوم الخميس الثالث عشر من المحرم مـن هـذه السنـة الموافـق لعاشـر أيـار وهنيتـه بقدومـه إلـى مملكتـه وعبيـده وقدمـت مـا أحضرته من الخيول والقماش والمصاغ فقابله بالقبول وشملني إحسانه بالخلع والإكرام على جاري عوائد صدقاته وأرسل إلي هدية الحجاز حجراً أشقر وطاقـات طائفـي مـع الأميـر طاشمـر الخاصكي‏.‏

ذكر خروج المعرة عن حماة

وفي هذه السنة في المحرم خرجت المعرة عن حماة وأضيفت إلى حلب واستقر بيدي حماة وبارين وسبب ذلك أن الأمراء الذين كانوا بحماة ثم انتقلوا إلى حلب حسبما ذكرنا في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واستقرت إقطاعاتهم بحماة لعدم إقطاعات محلولة تفي بجملة مـا لهـم فصعب عليهم نقلتهم إلى حلب جداً فأخذوا في التعنت والشكوى علي بسبب إقطاعاتهم ونقودهم المرتبة بحماة وانضم إلى ذلك أنه صار يتغير بعض إقطاعاتهم ويدخل فيها شيء من بلاد حلب بحكم تنقل أو زيادة ترد المناشير الشريفة بذلك وتخلط بلاد المملكة الحموية ببلاد المملكة الحلبية وغيرها من الممالك السلطانية وصارت أطماعهم معلقة بالعودة إلى حماة وهم مجتهـدون علـى ذلـك تـارة بالتثقيـل علـى السلطـان بالشفائـع وتارة بالسعي في ذهاب حماة مني فلم أجد لذلك ما يحسمه إلا بتعيين المعرة وبلادها للأمراء المذكورين وإضافتها إلى حلب وانفرادي بحماة وبارين منفصلة عن الممالك الشريفة السلطانية وسألت صدقات السلطان في ذلك وقال لـي أيـا عمـاد الديـن مـا أرضـى لـك بدون ما كان في يد عمك وابن عمك وجدك وكيف أنقصك عنهم المعرة فعاودت السؤال وأبديت التضـرر الزائـد فأجابنـي علـى كـره لذلـك صدقـة علـي وإجابة إلى سؤالي وكتب بصورة ما استقر عليـه الحـال مرسومـاً شريفـاً ذكرنـا بعضـه طلبـاً للاختصار‏.‏

فمنه أفلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكـي الناصـري أن يستقر بيده حماة وبارين بجميع حدودها وما هو منسوب إليها من بلاد وضياع وقرايا وجهات وأموال ومعاملات وغير ذلـك مـن كـل مـا ينسـب إلـى هذيـن الإقليميـن ويدخـل فـي حكمهمـا يتصـرف فـي الجميـع كيـف شـاء مـن توليـة وإقطـاع إقطاعـات الأمراء والجند وغيرهم من المستخدمين من أرباب الوظائف وترتيب القضاة والخطبـاء وغيرهمـا ويكتـب بذلـك مناشيـر وتواقيع من جهته ويجري ذلك على عادة الملك المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة ويقيم على هاتين الجهتين خمسمائة فارس بالعدة الكاملة من غير نقص ويبطل حكم ما عليهما من المناشير والتواقيع الشريفة والمسامحات والمحسـوب وكـل مـا هـو مرتـب عليهمـا للأمـراء والجنـد والعـرب والتركمـان وغيرهـم بحكـم الإنعـام بهمـا علـى المشـار إليـه علـى قاعـدة الملك المظفر صاحب حماة وتعويض الجميع عن ذلك بالمعرة وإفرادها عن حماة وبارين فليستقر جميـع مـا ذكر بيده العالية استقرار الدرر في أملاكها والدراري في أفلاكها ينصرف في أحوالها بين العالميـن بنهيه وأمره ويجري أموالها بين المستوجبين بإنعامه وبرة ولا يمضي فيها أمر بغير منشوره الكريم ولا يجري معلوم ولا رسم إلا بمرسومه الجاري على سنن سلفه القديم وليفعل في ذلك بجميع مـا أراد كيـف أراد ويتصـرف علـى مـا يختـار فيمـا تحـت حكمـه الكريـم وبحكمـة مـن مصالح العباد والبلـاد واللـه تعالـى يعلـي بمفاخـر عمـاده ويجعـل التأييـد والنصـر قريـن إصـداره وإيـراده والخـط الشريـف حجـة بمضمونـه إن شاء الله تعالى كتب في تاسع عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة‏.‏

ثم تصدق بخلعه ثانية وأنعم علي بسنجق بعصائب سلطانية يحمل على رأسي في المواكب وغيرها وهذا مما يختص به السلطان ولا يسوغ لأحد غيره حمله ثم رسم بالدستـور فسـرت مـن دمشـق فـي يـوم الثلاثـاء الخامـس والعشريـن مـن المحـرم وكذلك توجه السلطان عائداً إلى الديار المصرية فوصل إليها واستقر في مقر ملكه ودخلت أنا حماة في يوم الإثنين مستهل صفر من هذه السنة الموافق للثامن والعشرين من أيار من شهور الروم‏.‏

ذكر مسيري إلى الحجاز الشريف

وفي هذه السنة أرسلت طلبت دستوراً من مولانا السلطان بالتوجه إلـى الحجـاز الشريـف فرسم لي بالدستور وجهزت شغلي وقدمـت الهجـن إلـى الكـرك وجهـزت ولـدي والثقـل مـع الركب الشامي ووصلني من صدقات السلطان ألف دينار عيناً برسم النفقة ووصلنـي منـه مراسـم شريفـة بإخـراج السوقيـة مـن سائر البلاد إلى الركب الحموي وأن تسير جمالي حيث شئت قدام المحمل السلطاني أو بعده على مـا أراه فقابلـت هـذه الصدقـات بمزيـد الدعـاء وخرجـت مـن حمـاة فـي يـوم الجمعـة رابـع عشر شوال من هذه السنة الموافق لأول شباط وسرت بالخيل إلى الكرك وركبت الهجن من هناك ورجعت الخيل والبغال إلى حمـاة واستصحبـت معـي ستـة أرؤس من الخيل نجائب وسار في صحبتي عدة مماليك بالقسي والنشاب وسبقت الركب إلى مدينـة النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم ووصلت إليها في يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة وتمكنت من الزيارة خلوة وأقمت حتى لحقني الركب ثم سبقتهم ووصلت إلى مكة في يوم السبت خامس ذي الحجة وأقمت بها ثم خرجنا إلى عرفات ووقفنا يوم الأربعاء ثم عدنا إلى منى وقضينا مناسك الحج ثم اعتمرت لأني حججت هذه الحجة مفرداً على ما هو المختار عند الشافعي وكنت في الحجة الأولى قارناً ثم عدنا إلى البلاد وسبقت الحجاج مـن بطـن مـر وسرت منه يوم الثلاثاء خامس عشر ذي الحجة الموافق لثامن نيسان وسرت حتى خرجت هـذه السنة واستهل المحرم سنة أربع عشرة وسبعمائة وأني قد عديت تبوك ووصلت إلى حماة حادي عشر المحرم سنة أربع عشرة وكان مسيري من مكة إلى حماة نحو خمسة وعشرين يوماً أقمت من ذلك في المدينة وفي العلا وفي بركة زيزا ودمشق ما يزيد على ثلاثة أيام وكان خالص مسيري من مكة إلى حماة دون اثنين وعشرين يوماً وكان مسيري على الهجن وكـان صحبتي فرس وبغل ولم يقف عني شيء منها وهذه هي حجتي الثانية وحججت الحجة الأولى في سنة ثلاث وسبعمائة‏.‏

وفيها جرد السلطان من مصر إلى مكة عسكراً وأمراء من عسكر دمشق وأرسل معهم أبا الغيث بن أبي نمي ليقروه في مكة ويقبضوا أو يطردوا أخاه حميضة ابن أيي نمي لأنه كان قد ملك مكة وأساء السيرة فيهـا وكـان مقـدم العسكـر المجـرد علـى ذلـك سيـف الديـن طقصبـا الحسامي فلما اجتمعت به في مكة أوصلني مثالاً من مولانا السلطان يتضمن أني أساعدهم على إمساك حميضة بالرجال والرأي فلما قربنـا مـن مكـة حرسهـا اللـه تعالـى تركهـا حميضـة وهرب إلى البرية فقررنا أبا الغيث بمكة واستغلها وأخذ ما يصل مع الركبان من اليمن وغيره إلى صاحبها وكذلك استهدى الضرائب مـن التجـار واستقـرت قدمـه فيهـا ثـم كـان منـه مـا سنذكـره إن شـاء اللـه تعالـى وأقام العسكر المجرد عند أبي الغيث بمكة خوفاً من معاودة حميضة ثم إن أبا الغيث أعطى العسكر دستوراً بعد إقامتهم بنحو شهرين فعادوا إلى الديار المصرية‏.‏

وفيها اجتمع جماعة من بني لام من عربان الحجاز وقصدوا قطع الطريق على سوقة الركب الذين يلاقونهم من البلاد إلى تبوك عند عود الحاج وساروا إلى ذات حج واتقعوا مع السرقة فقتـل من السوقية تقدير عشرين نفساً وأكثر‏.‏

ثم انتصروا على بني لام وهزموهم وأخذوا منهم تقدير ثمانين هجيناً وعادت بنولام بخفي حنين‏.‏

ثم دخلت سنة أربع عشرة وسبعمائة

فيها وصلت إلى حماة عائداً من الحجاز الشريف في حادي عشر المحرم‏.‏

وفيها في أواخر جمادى الآخرة حصل لي مرض حاد أيقنت منه بالموت ووصيت وتأهبت لذلك ثم إن الله تعالى تصدق علي بالعافية‏.‏

وفيها جردت العساكر إلى حلب فجردت جميع عسكر حماة أقمت بسبب التشويش‏.‏

وفيها في رجب توفي الأمير سيف الدين سودي نائب السلطنة بحلب فولى السلطان نيابة السلطنة بحلـب الأميـر عـلاء الدين الطنبغا الحاجب ووصل إلى حلب واستقر بها نائباً بموضع سودي في أوائل شعبان من هذه السنة‏.‏

وفيهـا فـي ذي الحجـة جمـع حميضـة بـن أبـي نمـي وقصـد أخاه أبا الغيث بن أبي نمي صاحب مكة وكان أبو الغيث منتظراً وصول الحجاج ليعتضد بهـم فابتـدره حميضـة قبـل وصـول الحجـاج واقتتـل معـه فانتصر حميضة وأمسك أخاه أبا الغيث وذبحه ثم هرب حميضة لقرب الحجاج منه فلما قضى الحجاج مناسكهم وعادوا إلى البلاد عاد حميضة إلى مكة واستولى عليها‏.

ثم دخلت سنة خمس عشرة وسبعمائة