الفصل التاسع: ذكر أخبار تمرتاش بن جوبان

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

ذكر أخبار تمرتاش بن جوبان

كان تمرتاش المذكور في حياة أبيه جوبان قد صار صاحب بلاد الروم واستولى على جميع بلادها من قونية إلى قيسارية وغيرهما من البلاد المذكورة فلما انقهر أبوه وهرب كما ذكرناه ضاقت بتمرتاش المذكور الأرض ففارق بلاده وسار في جمع يسير نحو مائتي فارس أو أقل أو أكثر إلى الشام ثم سار منها إلى مصر إلى صدقات السطان وكانت نفس المذكور كبيرة جداً بسبـب كبـر أصلـه فـي مغـل وكبـر منصبـه ولم يكن له عقل يرشده إلى أن يجعل نفسه حيث جعله اللـه تعالـى ووصـل المذكور إلى صدقات السلطان بالديار المصرية في العشر الأول من ربيع الأول فتصدق عليه السلطان وانعم عليه الإنعامات الجليلة وأعرض عليه إمرية كبيرة وإقطاعاً جليلاً فأبى أن يقبل ذلك وأن يسلك ما ينبغي واتفق أن الصلح قد انتظم بين السلطـان وبيـن أبـي سعيد وكان أبو سعيد يكاتب ويطلب تمرتاش المذكور بحكم الصلح وما استقر عليه القواعد فرأى السلطان من المصلحة إمساك تمرتاش المذكور وانضم إلى ذلك ما بلغ السلطان عنده أنه أخذ أموال أهل بلاد الروم وظلمهم الظلم الفاحش فأمسكه السلطان واعتقله في أواخر شعبان من هذه السنة ثم حضر أباجي رسول أبي سعيد فبالغ في طلب تمرتاش المذكور فاقتضت المصلحـة إعدامـه فأعـدم تمرتـاش المذكـور فـي رابـع شـوال مـن هـذه السنة بحضرة أباجي رسول أبي سعيد‏.‏

وفيهـا وصـل أباجـي رسـول أبـي سعيـد وعبـر علـى حمـاة فـي أواخر شعبان وصحبته أرلان قرائب والدة السلطان وتوجه إلى الأبواب الشريفة بسبب تمرتاش وكان من أمره ما شرح وعاد أباجي رسـول المذكـور مـن الأبـواب الشريفـة وعبـر علـى حماة في التاسع عشر من شوال وتوجه إلى جهة أبي سعيد‏.‏

وفيها يوم الأحد تاسع عشر ذي القعدة توفي مملوكي أسنبغا وكان قد بقي من أكبـر أمـراء عسكر حماة رحمه الله‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة

وكانت غرة المحرم من هذه السنة يوم الجمعة رابع تشرين الثاني ولم يبلغني في أوائلها ما يليق أن يؤرخ والله أعلم‏.‏

ذكر أخبار الصبي صاحب سيس

فـي هـذه السنـة اشتـد الصبـي صاحب سيس وهو ليفون بن أوشين وكان الحاكم عليه صاحب الكـرك - بكافيـن الأولـى مفتوحـة وبينهمـا راء مهملـة ساكنـة - وهـي قليعـة قريـب البحر في أطراف بلد سيس من جهة الغرب والشمال وهي تتاخم بلاد ابن قرمان وكان صاحب الكرك المذكور قـد استولـى علـى مملكـة صاحـب سيس بحكم صغر الصبي المذكور فلما كانت هذه السنة قوي الصبي وقتل صاحب الكرك وأخاه بعده وأرسل رأس صاحب الكرك إلى السلطان فأرسل السلطان تشريفاً وسيفاً وفرساً بسرجه ولجامه مع الأمير شهاب الدين أحمد المهمندار بالأبواب الشريفة فتوجه شهاب الدين بذلك إلى الصبي صاحب سيس فلبى صاحب سيس الخلعة وشذ السيف وقبل الأرض وركـب الفـرس المتصـدق بـه عليـه وقويـت نفسـه بذلـك وأوصـل شهـاب الديـن المهمنـدار المذكور أنعاماً كثيراً وعماد شهاب الدين إلى الأبواب الشريفة وعبر على حماة متوجهاً إلى الأبواب الشريفة يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة‏.‏

وفي هذه السنة وصلني من صدقات السلطان من الحصن البرقية اثنان بالعدة الكاملة صحبة علاء الدين أيدغي أمير أخور لي ولابني محمد وركبنا الموكب بهما نهار الاثنين سابع رجب وفي هذه السنة أرسل السلطان إلى المقر السيفي أرغون النائب بحلب وأمره بالحضور إلى الأبواب الشريفة فسار المذكور من حلب وتوجه إلى الديار المصرية وحضر بين يدي السلطان وشمله بأنواع الصدقات والتشاريف وبقي مقيماً في الخدمة الشريفة نحو نصف شهر وما يزيد على ذلك ثم أمره بالعود إلى النيابة بالمملكة الحلبية فعاد إليها وعبر على حماة يوم الخميس حادي عشر رجب وكنت قد خرجت إلى تلقيه ولقيته بين حمص والرستن وبت عنده يوم الخميـس بالرستـن ودخل حماة يوم الجمعة وصلى وسافر إلى حلب‏.‏

وفي هذه السنة في الليلة المسفرة عن نهار الاثنين الثالث والعشرين من رجب وتاسع عشر أيار ولد لولدي محمد ولداً ذكراً وكان ذلك وقت المسبح من الليلة المذكورة وسميته عمر بن محمد‏.‏

وفـي هـذه السنـة كـان قـد توجـه على الرحبة رسول أبي سعيد وهو رسول كبير يسمى تمر بغا وحضـر بيـن يـدي السلطـان وكـان حضـوره بسبـب أن أبـا سعيد سأل الاتصال بالسلطان وأن يشرفه السلطان بأن يزوجه ببعض بناته ووصل مع الرسول المذكور ذهب كثيراً لعمل مأكول وغيره يوم العقد فأجابه السلطان بجـواب حسـن وإن اللاتـي عنـده صغـار ومتـى كبـرن يحصـل المقصـود وفيها توفي بدمشق قاضي قضاتها وهو علاء الدين القزويني وكان فاضلاً في العلوم العقلية والنقليـة وعلـم التصـوف ولـه مصنفـات مفيـدة رحمه الله تعالى‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاثين وسبعمائة

فيها في المحرم توفي القاضي علاء الدين علي بن الأثير كان كاتب السر بمصر ثم فلج وانقطع فولـى مكانـه القاضـي محـي الديـن بـن فضـل اللـه وفيـه مات الشيخ فتح الدين بن قرناص الحموي ولي نظر جامع حماه وله نظم‏.‏

وفيه قدم قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر الأخنائي صحبة نائب الشام عوضاً عن القونوي‏.‏

وفيه توفي الوزير الزاهد العالم أبو القاسم محمد بن الوزير الأزدي الغرناطي بالقاهرة قافلاً من الحج بلغ من الجاه ببلده إلى أنه كان يولي في الملك ويعزل وكان ورعاً شريف النفس عاقلاً أوصى أن تبع ثيابه وكتبه ويتصدق بها‏.‏

وفيها في صفر مات بدمشق سيف الدين بهادر المنصوري بداره وشيعه النائب والأعيان‏.‏

وفيه مات مسند العصر شهاب الدين أحمد بن أبي طالب الصالحي الحجازي ابـن شحنـة الصالحية توفي بعد السماع عليه بنحو من ساعتين كان ذا دين وهمة وعقل وإليه المنتهى في الثبات وعدم النعاس وحصلت له للرواية خلع ودراهم وذهب وإكرام وشيعه الخلق والقضاة وفيه توفي قاضي القضاة فخر الدين عثمان بن كمال الدين محمد بن البارزي الحموي الجهني قاضي حلب فجأة بعد أن توضأ وجلس بمجلس الحكم ينتظر إقامة العصر حج غيـر مـرة وكان يعرف الحاوي في الفقه‏.‏

وشرحه في ست مجلدات وكان يعرف الحاجبية والتصريف وكان فيه دين وصداقة رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في ربيع الآخر تولى قضاء القضاة بحلب القاضي شمس الدين محمد بن النقيب نقل من طرابلس وولي طرابلس كعده شمس الدين محمد بن المجد عيسى البعلي سار من دمشق إليها‏.‏

وفيها في جمادى الأولى أنشأ الأمير سيف الدين مغلطاي الناصري مدرسة حنفية بالقاهرة ومكتـب أيتـام‏.‏

وفيهـا فـي جمـادى الآخرة مات الأمير العالم سيف الدين أبو بكر محمد بن صلاح الدين بن صاحب الكرك بالجبل وكان فاضلاً شاعراً‏.‏

وفيه وصل الخبر بعافية السلطان من كسر يده فزينت دمشق وخلع على الأمراء والأطباء‏.‏

وفيه مات بمكة قاضيها الإمام نجم الدين أبو حامد‏.‏

وفيه مات الشيخ إبراهيم الهدمة وله كرامات وشهرة‏.‏

وفيه حضرت رسل الفرنج يطلبون بعض البلاد فقال السلطان ألولا أن الرسل لا يقتلون لضربت أعناقكم ثم سفروا‏.‏

وفيها في رمضان مات قاضي طرابلس شمس الدين محمد بن مجد الدين عيسى الشافعي البعلي وكان صاحب فنون قلت‏:‏ لقد عاش دهراً يخدم العلم جهده وكان قليل المثل في العلم والود فلما تولى الحكم ما عاش طائلاً فما هنئ ابن المجد والله بالمجد وفيه أنشأ الأمير سيف الدين قوصـون الناصـري جامعـاً عنـد جامـع طولـون عنـد دار قتـال السابع فخطب به أول يوم قاضي القضاة جلال الدين بحضور السلطان وقرر لخطابته القاضي فخر الدين محمد بن شكر‏.‏

وفيها في شوال مات رئيس الكحالين نور الدين علي بمصر‏.‏

وفيها احترقت الكنيسة المعلقة بمصر وبقيت كوماً‏.‏

وفيها قدم رسول صاحب اليمن بهدية فقيد وسجن لأن صاحب الهند بعث إلى السلطان بهدايا فأخذها صاحب اليمن وقتل بعض من كان معها وحبس بعضهم‏.‏

وفيهـا فـي ذي القعـدة مـات الأميـر عـلاء الديـن قلبـرس ابـن الأميـر علاء الدين طبرس بدمشق بالسهم وكان مقدم ألف وله معروف وخلف أموالاً‏.‏

ومات الأمير جف الدين كوليجار المحمدي‏.‏

وفيها بدمشق فـي ذي الحجـة مـات المعمـر المسنـد زيـن الديـن أيـوب بـن نعمـة وكانـت لحيتـه شعـرات يسيـرة وكـان كحالاً‏.‏

ومات بها أيضاً الصالح الزاهد الشيخ حسن المؤذن بالمأذنة الشرقية بالجامع وكان مجاوراً به‏.‏

ومات بدر الدين محمد بن الموفق إبراهيم بن داود بن العطار أخو الشيخ علاء الدين ببستانه وصلاح الدين يوسف بن شيخ السلامية صهر الصاحب وشيعه الخلق وفجع به أبواه وكان شاباً متميزاً من أبناء الدنيا المتنعمين‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة

فيها وردت كتب الحجاج بما جرى بمكة شرفها الله تعالى حول البيت من ثورة عبيد مكة ساعة الجمعة بالوفد من النهب والجراحة وقتل جماعة من الحجاج وقتل أميـر مصـري وهـو أيدمر أمير جندار وابنه ولما بلغ السلطان ذلك غضب وجرد جيشاً من مصر والشام للانتقام من فاعل ذلك‏.‏

وفيها في المحرم أيضاً مات الأمير الكبير شهاب الدين طغان بن مقدم الجيوش سنقر الأشقر ودفـن بالقرافة جاوز الستين وكان حسن الشكل ومات الصالح كمال الدين محمد ابن الشيخ تاج الدين القسطلاني بمصر سمع ابن الدهان وابن علاق والنجيب وحدث وكان صوفياً‏.‏

وفيها في صفر مات قاضي القضاة عز الدين محمد ابن قاضي القضاة عز الدين سليمان بن حمزة الحنبلي بدمشق بالدير ومولده في ربيع الآخر سنة خمس وستين سمع من الشيخ وابن النجـاري وأبـي بكر الهروي وطائفة وأجاز له ابن عبد الدائم وكان عاقلاً ولي القضاء بعد ابن مسلم وحج ثلاث مرات‏.‏

وماتت أم الحسن فاطمة بنت الشيخ علم الدين البرزالي سمعـت الكثيـر مـن خلـق وحدثـت وكتبت ربعة وأحكـام ابـن تيميـة والصحيـح وحجـت وكانـت تجتهـد يـوم الحمـام أن لا تدخـل حتى تصلي الظهر وتحرص في الخروج لإدراك العصر رحمها الله تعالى‏.‏

وفيها في صفر أيضاً وصل نهر الساجور إلى نهر قويق وانصبا إلى حلب بعد غرامة أموال عظيمة وتعب من العسكر والرعايا‏.‏

بتولية الأمير فخر الدين طمان‏.‏

وفيها في ربيع الأول مات بحلب الأمير سيف الدين أرغون الناصري نائبها وخرجت جنازته بلا تابوت وعلى النعش كساء بالفقيري‏.‏

من غير نـدب ولا نياحـة ولا قطـع شعـر ولا لبـس جل ولا تحويل سرج حسبما أوصى به ودفن بسوق الخيل تحـت القلعـة وعملـت عليـه تربـة حسنـة ولـم يجعـل على قبره سقف ولا حجرة بل التراب لا غير وكان متقناً لحفظ القران مواظباً علـى التلـاوة عنـده فقـه وعلـم ويرد أحكام الناس إلى الشرع الشريف حتى كان بعض الجهال ينكر عليه ذلك وكتب صحيح البخاري بخطه بعد ما سمعه من الحجاز واقتنى كتباً نفيسة وكان عاقلاً وفيه ديانة رحمه الله‏.‏

وفيهـا فـي صفـر أيضـاً ولي قضاء الحنابلة بدمشق الشيخ شرف الدين ابن الحافظ واستناب ابن أخيه القاضي تقي الدين عبد الله بن أحمد ومات القاضي الفقيه الأديب ضياء الدين علي بن سليـم بن ربيعة الأذرعي الشافعي بالرملة ناب عن القاضي عز الدين بن الصائغ وناب بدمشق عن القونوي نظم التنبيه في الفقه في ستة عشر ألف بيت وشعره كثير‏.‏

مات الرئيس زين الدين يوسف بن محمد بن النصبي بحلب سمع من شيخ الشيوخ عز الدين مسند العشرة وحدث قارب الثمانين وفيها في ربيع الآخر مات الأمير سيف الدين طرشي الناصري بمصر أمير مائة حج غير مرة وفيه ديانة‏.‏

ومات الشيخ علاء الدين ابن صاحب الجزيرة الملك المجاهد إسحاق ابن صاحب الموصل لؤلؤ بمصر سمع جزء ابن عرفة من النجيب والجمعة من ابن علاق وكان جندياً له ميرة‏.‏

ومات بحلب نور الدين حسن ابن الشيخ المقري جمال الدين الفاضلي روى عـن زينـب بنـت مكي وكان كاتباً بحلب‏.‏

ومات الأمير علم الدين سنجر البرواني بمصر فجأة وكان أمير خمسين من الشجعان‏.‏

ومات الصالح المسند شرف الدين أحمد بن عبد المحسن بن الرفعة العدوي سمع وحدث‏.‏

ومات ليلة الجمعة تاسع وعشرين ربيع الآخر بدر الدين محمد بن ناهض إمام الفردوس بحلب ومات رئيس المؤذنين بجامع الحاكم نجم الدين أيوب بن علي الصوفي وكان بارعاً في فنه له أوضاع عجيبة وآلات غريبة‏.‏

وفيها في جمادى الأولى عاد الأمير علاء الدكن التنبغا إلى نيابة حلب وفرح الناس وأظهروا السرور‏.‏

وفيها حضر بمكة الأمير رميثة بن أبي نمي الحسني وقريء تقليده ولبس الخلعة بولاية مكة وحلف مقدم العسكر الذين وصلوا إليه والأمراء له بالكعبة الشريفة وكان كوما مشهوداً وكان وصول الجيش إلى مكة في سابع عشر ربيع الآخر‏.‏

وفيه مات الإمام الورع موفق الدين أبو الفتح الجعفري المالكي وشيعه خلق إلى القرافة وقارب السبعين ولم يحدث‏.‏

ومـات العـدل السـر برهـان الديـن إبراهيـم بـن عبـد الكريـم العنبـري باشـر الصدقـات والأيتـام والمساجد وهو خال ابن الزملكاني‏.‏

ومـات القاضي تاج الدين بن النظام المالكي بالقاهرة ومات أبو دبوس المغربي بمصر قيل إنه ولي مملكة قابس ثم أخذت منه فترح فأعطي إقطاعاً في الحلقة‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة مات القاضي التاج أبو إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم وكيل وفيه وصل إلى دمشق العسكر المجرد إلى مكة ومقدمهم الجي بغا غابوا خمسة أشهر سوى أربعـة أيـام وأقامـوا بمكة شهراً ويوماً وحصل بهم الرعب في قلوب العرب وهرب من بين أيديهم عطيفة والأشراف بأهلهم وثقلهم وعوض عن عطيفة بأخيه رميثة وقهر مكانه‏.‏

ومات الأمير حسام الدين طرنطاي العادلي الدوانداري بمصر وكان ديناً وله سماع‏.‏

ومات المجد بن اللغينة ناظر الدواوين بالقاهرة‏.‏

ومـات الرئيـس تـاج الديـن بـن الدماملـي كبيـر الكرامية بمصر قيل ترك مائة ألف دينار‏.‏

ووصل الحاج عمر بن جامع السلامي إلى دمشق من إصلاح عين تبوك جمع لها من التجار دون عشرين ألفا وأحكمت‏.‏

وفيهـا فـي رجـب مات بمصر العلامة فخر الدين عثمان لن إبراهيم التركماني سمع من الأبرقوهي وشرح الجامع الكبير وألقاه في المنصورية دروسـاً وكـان حسـن الأخلـاق فصيحـاً ودرس بهـا بعده ابنه‏.‏

ومات بمصر القاضي جمال الدين بن عمر البوزنجي المالكي معيد المنصورية‏.‏

وفيها فـي شعبـان كـان بدمشـق ريـح عاصفـة حطمـت الأشجـار ثـم وقـع فـي تاسعـه بـرد عظيـم قـدر البندق‏.‏

وفيه جاء من الكرك الملك أحمد ابن مولانا السلطان الملك الناصر وختن بعد ذلك بأيام وأنفذ إلى الكرك أخ له اسمه إبراهيم‏.‏

ومـات سيـف الديـن كشتمـر الطباخـي الناصـري بمصر كهلاً تفقه لأبي حنيفة وكان ديناً وأحدثـت بالمدرسـة المعزيـة علـى شاطـئ النيل الخطبة وخطب عز الدين عبد الرحيم ابن الفرات حين رتب ذلك سيف الدين طقز دمر أمير الجيش‏.‏

وفيهـا فـي رمضان قدم دمشق العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي بن الفاكهاني المالكي من الإسكندرية لزيارة القدس والحج فحدث ببعض تصانيفـه وسمـع الشفـاء وجامـع الترمـذي مـن ابـن طرخـان وصنـف جـزءاً في أن عمل المولد في ربيع الأول بدعة‏.‏

وفيها في ذي القعدة مات الصاحب تقي الدين بن السلعوس بالقاهرة فجأة حج وسمع من القارون‏.‏

ومات القاضي جمال الدين أحمد بن محمد القانسي التميمي درس بالأمينية والظاهريـة وعمـل الإنشاء بدمشق‏.‏

وفيها في ذي الحجة مات الأمير نجم الدين البطاحي ولى أستاذ دارية السلطنة ومات أمين الديـن بـن البـص أنفـق أمـوالاً فـي بنـاء خـان المزيرب وفي بناء مسجد الذباب والمأذنة قيل أنفق في وجوه البر مائتي ألف وخمسين ألفا‏.‏

ومات بدمشق الأمير ركن الدين عمر بن بهادر وكان مليـح الشكـل وجـاء التقليـد بمناصـب جمال الدين ابن القلانسي لأخيه‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة

فـي المحـرم منهـا توفـي الشيـخ الكبيـر العابـد المقـري أبـو محمـد عبد الرحمن ابن أبي محمد بن سلطان القرامزي الحنبلي بجوبر ودفن بتربة له جوار قبة القلندرية بدمشق وكـان مشهـوراً بالمشيخـة يتردد إليه الناس سمع من ابن أبي يسر وابن عساكر وحدث بدمشق ومصر وقرأ بالروايات على الشيخ حسن صقلي‏.‏

ومات الأمير الكبير علم الدين الدميثري ولي نيابة قلعة دمشق مدة‏.‏

وحصل بحمص سيـل عظيم هلك به خلائق ومات بحمام تنكز بها نحو مائتي امرأة وصغير وصغيرة وجماعة رجال دخلوا ليخلصـوا النسـاء وهلـك بعـض متفرجيـن بالجزيـرة وانهدمـت دار المستوفـي وهلـك ابنـه وصاروا يخرجون الموتى مـن بواليـع الحمـام والقميـن وكـان بالحمـام عـروس فلهـذا أكثـر النسـاء الحمام‏.‏

ومات بمصر الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي وزر ببصر وحج بالمصريين‏.‏

ومـات السلطـان الملـك المؤيـد إسماعيـل ابـن الملـك الأفضـل علـي صاحـب حماة مؤلف هذا التاريخ وله تصانيف حسنة مشهورة منها أصل هذا الكتاب ونظيم الحاوي وشرحه شيخنا قاضي القضاة شرف الدين ابن البارزي شرحاً حسناً وله كتاب تقويم البلدان وهو حسن في بابه تسلطن بحماة في أول سنة عشرين بعد نيابتها رحمه الله تعالى وكان سخياً محباً للعلم والعلماء متقناً يعرف علوماً ولقد رأيت جماعة من ذوى الفضل يزعمون أنه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل منه رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في صفر مات قاضي الجزيرة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن نصر الشافعي وكان له تعلق بالدولة ومكاتبة من بلده ثم تحول إلى دمشق‏.‏

وفيـه أتملـك حمـاة السلطـان الملـك الأفضل ناصر الدين محمد ابن الملك المؤيد على قاعدة أبيه وهو ابن عشرين سنة‏.‏

وفيها في ربيع الأول مات بالقاهرة القاضي الإمام المحدث تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمـد بـن عبـد الكافـي بـن عـوض السعـدي سعـد خـدام الشافعـي ولـد سنـة خمسيـن تفقـه وقـرأ النحـو على الأمين المحلي وسمع من ابن عزون وابن علان وجماعة وارتحل فلقى بالثغر عثمان ابن عوف وعمل معجمه في ثلاث مجلدات وأجاز له ابن عبد الدائم وروى الكثير وخرج أربعين تساعيات وأربعين مسلسلات وكان حسن الخط والضبط متقناً ولي مشيخة الحديث ومات بدمشـق العلامـة رضـى الديـن إبراهيـم بـن سليمـان الرومـي الحنفـي المعـروف المنطقـي بدمشق بالنورية وكان ديناً متواضعاً محسناً إلى تلامذته حج سبع مرات‏.‏

ومات الأمير علاء الدين طنبغا السلحدار عمل نيابة حمص ثم نيابة غزة وبهـا مـات وحـج بالشاميين سنة إحدى عشرة وسبعمائة نيابة‏.‏

ومات بمكة خطيبها الإمام بهاء الدين محمد ابن الخطيب تقي الدين عبد الله ابن الشيخ المحب الطبري له نظم ونثر وخطب وفيه كرم ومروءة وفصاحة وخطب بعده أخوه التاج علي‏.‏

وفيها في ربيع الآخر ركب بشعار السلطنة الملك الأفضل الحموي بالقاهرة وبين يديه الغاشية ونشرت العصائـب السلطانيـة والخليفيـة علـى رأسـه وبيـن يديـه الحجـاب وجماعـة مـن الأمـراء وفرسه بالرقبة وبالشبابة وصعد القلعة هكذا‏.‏

وفيهـا فـي جمـادى الأولـى مات قاضي القضاة بدمشق شرف الدين أبو محمد عبد الله ابن الإمام شـرف الديـن حسـن ابـن الحافـظ أبـي موسـى ابـن الحافـظ الكبيـر عبـد الغنـي المقدسي الحنبلي فجأة كان شيخاً مباركاً‏.‏

ومات فخر الدين علي بن سليمان بن طالب بن كثيرات بدمشق‏.‏

ومات بالإسكندرية الصالح القدوة الشيخ ياقوت الحبشي الإسكندري الشاذلي وكانت وفيهـا فـي رجـب مـات الإمـام الصالـح‏.‏

عـز الديـن عبـد الرحمـن ابـن الشيخ العز إبراهيم بن عبد الله ابـن أبـي عمـر المقدسـي الحنبلـي سمـع أبـاه وابـن عبد الدائم وجماعة وكان خيراً بشوشاً رأساً في الفرائض‏.‏

ومات بدمشق الناصح محمد بن عبد الرحيم بن قاسم الدمشقي النقيب الجنائزي وكان خبيراً بألقاب الناس يحصل الدراهم والخلع ويتقيه الناس عفا الله عنه‏.‏

ومات بمصر فخر الدين بن محمد بن فضل الله كاتب المماليك ناظر الجيوش المصرية كان له بر وعدمه الناس وعرفوا قدره بوفاته فإنه كان يشير على السلطان بالخيرات ويـرد عـن النـاس أموراً معظمات قلت‏:‏ وكم أمـور حدثـت بعـده حتى بكت حزناً عليه الرتوت لـو لـم يمـت ما عرفوا قدره ما يعرف الإنسان حتـى يمـوت سمع من ابن الأبرقوهي واحتيط على حواصله‏.‏

ومات شيخ القراء شهاب الدين أحمـد بـن محمـد بـن يحيـى بـن أبـي الحـزم سبـط السلعـوس النابلسي ثم الدمشقي بستانه ببيت لهيا وكان ساكناً وقوراً‏.‏

ومات بمصر الأمير سيف الدين أبجية الدواتدار الناصري الفقيه الحنفي كهلاً وولي المنصب وفيها في شعبان كان عرس الملك محمـد ابـن السلطـان علـى زوجتـه بنـت بكتمـر الساقـي وسوارها ألف ألف دينار مصرية وذبح خيل وجمال وبقر وغنم وإوز ودجاج فـوق عشريـن ألف رأس وحمل له ألف قنطار شمع وعقد له ثمانية عشر ألف قنطار حلوى سكرية وأنفق على هذا العرس أشياء لا تحصى‏.‏

ومات بالقاهرة جمال الدين محمد بن بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن مالك الطائي الجياني بلغ الخمسين وسمع من ابن النجاري جزءاً خرجه له عمه وله نظم جيد ولم يحدث‏.‏

ومات الأمير سيف الدين ساطي صهر سلار من العقلاء وفيه ديانة وله حرمة وافرة‏.‏

ومات بدمشق أمين الدين سليمان بن داود الطبيب تلميذ العماد الدنيسري كان سعيداً في علاجه وحصل أموالاً قلت‏:‏ مـات سليمـان الطبيـب الذي أعده الناس لسـوء المـزاج لم يفده طـب ولـم يغنـه علـم ولـم ينفعـه حسـن العلاج كان مقدماً على المداواة ودرس بالدخوارية مدة وعاش نحو سبعين سنة‏.‏

وفيه طغى ماء الفرات وارتفع ووصل إلى الرحبة وتلفت زروع وانكسر السكـر بديـر بسيـر كسراً ذرعه اثنان وسبعون ذراعاً وحصل تألم عظيم وعملوا السكر فلما قارب الفراغ انكسر وفيها في رمضان أمر بدمشق الأمير علي ابن نائب دمشق سيف الدين تنكز ولبس الخلعة عنـد قبر نور الدين الشهيد المشهور بإجابة الدعاء عنده ومشى الأمراء في خدمته إلى العتبة السلطانيـة فقبلهـا وفيـه نقـل مـن دمشـق إلـى كتابة السر بالأبواب السلطانية القاضي شرف الدين أبو بكـر بن محمد بن الشيخ شهاب الدين محمود ونقل إلى دمشق القاضي محي الدين بن فضل الله ولده‏.‏

ومات بدمشق فجأة الأمير سيف الدين بلبان العنقاري الزراق الساكن بالسبعة وقـد جـاوز السبعين من أمراء الأربعين‏.‏

ومات شيخ القراء ذو الفنون برهان الديـن أبـو إسحـاق إبراهيـم بـن عمـر الجعبـري الشافعـي بالخليل ومولده سنة أربعين وستمائة وتصانيفه كثيرة اشتغل ببغداد وقرأ التعجيز على مصنفه بالموصل و أقام شيخاً أربعين سنة‏.‏

ومـات بمصر الأمير سيف الدين سلامش الظاهري أمير خمسين وقد قارب التسعين وكان ديناً صالحـاً‏.‏

وفيها في شوال توجه السلطان للحج بأهله ومعظم أمرائه في حشمة عظيمة‏.‏

ومات الإمام شهاب الدين أبو أحمد عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي مدرس المستنصريـة ببغداد وله مصنفات في الفقه وكان حسن الأخلاق ولد في سنة أربع وأربعين بباب الأزج‏.‏

وفيها في ذي القعدة مات قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي المصري ابن الأحناني بالعادلية بدمشق ودفن بسفح قاسيون كان من شهود الخزانة بمصـر ثـم جعـل حاكمـاً بالإسكندريـة ثـم بدمشق وكتب الحكم لابن دقيق العيد ولازم الدمياطي مدة وسمع من أبي بكر بـن الأنماطـي وجماعـة ومولـده عاشـر رجـب سنـة أربـع وستين وكان عفيفاً فاضلاً عاقلاً نزهاً متديناً محباً للحديث والعلم شرح بعض كتاب البخاري‏.‏

وفيـه وفـي النيـل قبـل النيـروز بثلاثـة وعشريـن يومـاً وبلـغ أحد عشر من تسعة عشر وهذا لم يعهد من ستين سنة وغرق أماكن وأتلف للناس من القصب ما يزيد على ألف ألف دينار وثبت على البلاد أربعة أشهر‏.‏

وفيهـا فـي ذي الحجـة مـات قطب الدين موسى بن أحمد بن حسان ابن شيخ اللامية وكان ناظر الجيش الشامي ومرة المصري ودفن بتربة أنشأها بجنب جامع الأفرم وعاش اثنتيـن وسبعيـن ورثاه علاء الدين بن غانم‏.‏

ومات الشيخ الصالح المقرئ شمس الدين محمد بن النجم أبي تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي ويعرف بالمربي جاوز الثمانين كـان معلمـاً فـي صنعـة الإقبـاع ويقـرئ صبيانـه ويتلـو كثيراً قرأ بالسبع على الكمال المحلي قديماً‏.‏

ومـات العلامـة الخطـب جمال الدين يوسف بن محمد بن مظفر بن حماد الحموي الشافعي خطيب جامع حماة كان عالماً ديناً سمع جزء الأنصاري من مؤمل البالسي والمقـداد القيسـي وحـدث واشتغل وأفتى وكان على قدم من العبادة والإفادة رحمه الله تعالى‏.‏

ومات العلامة شمس الديـن أبـو محمـد عبـد الرحمـن بـن قاضـي القضـاة الحافـظ سعـد الديـن مسعود ابن أحمد الحارثي بالقاهرة تصدر للإقراء وحج مرات وجاور وسمع من العز الحراني وجماعة وكان ذا تعبد وتصون وجلالة قرأ النحو على ابن النحاس والأصول على ابن دقيق العيد ومولده سنة إحدى وسبعين وولي بعده تدريس المنصورية قاضي القضاة تقي الدين‏.‏

ومات كبير أمراء سيف الدين بكتمر الناصري الساقي بعد قضاء حجه وابنه الأمير أحمد أيضاً وخلف ما لا يحصى كثرة ماتا بعيون القصيب‏.‏

بطريق مكة ونقلا إلى تربتهما بالقرافة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة

فيها في المحرم أطلق الصاحب شمس الدين غبريال‏.‏

بعد مصادرة كثيرة‏.‏

ومـات بدمشـق نقيـب الأشـراف شـرف الديـن عدنـان الحسين ولي النقابة على الأشراف بعد موت أبيه واستمر بها تسع عشرة سنة وهم بيت تشيع‏.‏

وفيها في صفر وصل الخبر بموت محدث بغداد تقي الدين محمود بن علي بن محمود بن مقبل الدفوقـي كـان يحضـر مجلسـه خلق كثير لفصاحته وحسن آدابه وله نظم وولي مشيخة المستنصرية وحدث عن الشيخ عبد الصمد وجماعة وكان يعظ وحمـل نعشـه علـى الـرؤوس وما خلف درهماً‏.‏

وفيه قدم أمين الملك عبد الله الصاحب على نظر دمشق وهو سبط السديد الشاعر‏.‏

ومـات بدمشق الشيخ كمال الدين عمر بن إلياس المراغي كان عالماً عابداً سمع منهاج البيضاوي من مصنفه‏.‏

وفيها في ربيع الأول ولي القضاء بدمشق العلامة جمال الدين يوسف جملة بعد الإخنائي‏.‏

وفيهـا فـي ربيـع الآخـر توجـه القاضـي محـي الديـن بـن فضـل اللـه وابنه إلى الباب الشريف وتحول إلى موضعه بدمشـق القاضـي شـرف الديـن أبـو بكـر بـن محمـد ابـن الشهـاب محمـود وولـي نقابـة الأشراف بدمشق عماد الدين موسى بن عدنان‏.‏

وفي خامس عشر شعبان من سنـة ثلـاث وثلاثيـن وسبعمائـة دخـل الأميـر بـدر الديـن لؤلـؤ القندشي إلى حلب شاداً على المملكة وعلى يده تذاكر وصادر المباشرين وغيرهـم ومنهـم النقيب بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني القاضي جمال الدين سليمان بن ريان ناظر الجيش وناصر الدين محمد بن قرناص عامل الجيش وعمه المحبي عبد القادر عامل المحلولات والحاج إسماعيـل بن عبد الرحمن العزازي والحاج علي بن السقاء وغيرهم‏.‏

واشتد به الخطب وانزعج الناس كلهم حتى البريئون وقنت الناس في الصلوات وقلت في ذلك‏:‏ قلبي لعمر الله معلول بما جرى للناس مـع لولـو يـا رب قـد شرد عنا الكرا سيف على العالم مسلول ومـا لهـذا السيـف مـن مغمد سواك يا من لطفه السول كان هذا لؤلؤ مملوكاً لقندش ضامن المكوس بحلب ثم ضمن هو بعد أستاذه المذكور ثم صار ضامـن العداد ثم صار أمير عشرة ثم أمير طبلخانات ثم صار ما صار ثم أنه عزل ونقل إلى مصر وأراح الله أهل حلب منه فعمل بمصر أقبح عملـه بحلـب وتمكـن وعاقـب حتـى نسـاء مخدرات وصادر خلقاً‏.‏

وفيها في جمادى الأولى مات عز القضاة فخر الدين بن المنير المالكي من العلماء ذوى النظم والنثر وألف تفسيراً وأرجوزة في السبع‏.‏

ومات قاضي المجدل بدر الدين محمد بن تاج الدين الجعبري‏.‏

ومات قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الكناني الحموي بمصر له معرفة بفنون وعدة مصنفات حسن المجموع كان ينطوي على دين وتعبد وتصون وتصوف وعقل ووقار وجلالـة وتواضع درس بدمشق ثم ولي قضاء القدس ثم قضاء الديار المصرية ثـم قضـاء الشـام ثـم قضاء مصر وولي مشيخة الحديث بالكاملية ومشيخة الشيوخ وحمدت سيرتـه ورزق القبـول من الخاص والعام وحج مرات وتنزه عن معلوم القضاء لغناه مدة وقل سمعه في الآخر قليلاً فعزل نفسه ومحاسنه كثيرة ومن شعره‏:‏ لم أطلب العلم للدنيا التي ابتغيت من المناصـب أو للجـاه والمـال لكن متابعة الأسلاف فيه كما كانوا فقدر ما قد كان عن حالي وفيها في جمادى الآخرة مات الرئيس تاج الدين طاولت بن نصير الدين ابن الوجيه بن سويد بدمشق حدث عن عمر القواس وعاشق خمسين سنة وهو سبط الصاحب جمال الدين بن صصري وكان فيه دين وبر وله أموال‏.‏

ومات العلامة مفتي المسلمين شهاب بن أحمد بن جهبل الشافعي بدمشق درس بالصلاحيـة وولي مشيخة الظاهرية ثم تدريس الباذرائية وله محاسن وفضائل‏.‏

ومات الأمير علم الدين طرقشي المشد بدمشق‏.‏

وفيها في رجب مات الشيخ الإمام القدوة تاج الدين بن محمود الفارقي بدمشق وعاش ثلاثاً وثمانين سنة وكان عابداً عاقلاً فقيهاً عفيف النفس كبير القدر ملازماً للجامع عالج الصرف ومـات صاحبنـا الأميـر شهاب الدين أحمد بن بدر الدين حسن بن المرواني نائب بعلبك ثم والي البر بدمشق وكان فيه دين كثير التلاوة محباً للفضل والفضلاء ولي ولده النيابة بقصير أنطاكية طويلاً وبها مات‏.‏

وفيهـا فـي شعبـان مـات الخطيب بالجامع الأزهر علاء الدين بن عبد المحسن ابن قاضي العسكر المدرس بالظاهرية والأشرفية بالديار المصرية‏.‏

وفيه دخل القاضي تاج الدين محمد ابن الزين حلب متولياً كتابة السر ولبس الخلعة وباشر وأبان عن تعفف عن هدايا الناس‏.‏

وفيها في رمضان مات بدمشق الأمير علاء الدين أوران الحاجب وكان ينطوي على ظلم من أولاد الأكراد‏.‏

ومات بحماة زين الدين عبد الرحمن بن علي بن إسماعيل بن البارزي المعروف بابن الولي كان وكيل بيت المال بها وبنى بها جامعاً وكانت له مكانة ومروءة ومنزلة عند صاحب حماة‏.‏

ومات مسند الشام المعمر تاج الدين أبو العباس أحمد بن المحدث تقي الدين إدريس كان فيه خير وديانة‏.‏

ومات بحماة شيخ الشيوخ فخر الدين عبد الله بن التاج كان صواماً عابداً ذا سكينة سمع من والده‏.‏

ومـات الإمـام المؤرخ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب الشافعي بالقاهرة وله تاريخ في ثلاثين مجلداً كان ينسخ في اليوم ثلاثة كراريس وفضيلته تامة عاش خمسين سنة‏.‏

ومات الإمام جمال الدين حسين بن محمود الربعي البالسي بالقاهرة قرأ بالروايات وكان شيخ القراء وله وظائف كثيرة أمّ بالشجاعي ثـم أمّ بالسلطـان نيفـاً وثلاثيـن سنـة وكـان عالمـاً كثيـر التهجد‏.‏

وفيها في ذي القعدة أخذ حاجب العرب بدمشق علي بن مقلد فضرب وحبس وأخذ ماله وقطع لسانه وعزل ناصر الدين الدواتدار وضرب وصودر وأخذ منه مال جزيل وأبعد إلى القدس ثم قطع لسان ابن مقلد مرة ثانية فمات آخر اليوم‏.‏

قلت‏:‏ أوصيك فإن قبلـت منـي أفلحـت ونلـت مـا تحب لا تـدن من الملوك يوماً فالبعـد مـن الملوك قرب ومات بحلب أمين الدين عبد الرحمن الفقيه الشافعي المواقيتي سبط الأبهري وكان له يد طولى في الرياضة والوقت والعمليات ومشاركة في فنون وكان عنده لعب فنفق عند الملك المؤيد بحماة وتقدم ثم بعده تأخر وتحول إلى حلب ومات بها‏.‏

قلت وأهل حماة يطعنون في عقيدته‏.‏

ويعجبني بيتان الثاني منهما مضمن لا لكونهما فيه فإن إلى حلب خذ عن حماة رسالة أراك قبلت الأبهري المنجما فقولي له ارحل لا تقيمن عندنا وإلا فكن في السر والجهر مسلما ومات الزاهد الولي أبو الحسن الواسطي العابد محرماً ببدر قيل إنه حج وله ثمان عشرة سنة ثم لازم الحج وجاور مرات وكان عظيم القدر منقبضاً عن الناس‏.‏

وفيها في ذي الحجة مات الأمير الكبير مغلطاي كان مقدم ألف بدمشق وماتت الشيخة المسندة الجليلة أم محمد أسماء بنت محمـد بـن صصـري أخـت قاضـي القضـاة نجـم الديـن سمعـت وحدثـت وكانـت مباركـة كثيرة البر وججت مرات وكانت تتلو في المصحف وتتعبد قلت‏:‏ كذلك فلتكن أخت ابن صصرى تفوق على النساء صبي وشيبا طـراز القـوم أنثـى مثل هذي وما التأنيث لاسم الشمس عيبا ومات أيضاً بد مشـق عـز الديـن إبراهيـم بـن القـواس بالعقيبـة ووقـف داره مدرسـة وأمسـك حاجـب مصر سيف الدين إلماس وأخوه قره تمر ووجد لهما مال عظيم‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وسبعمائة

في أول المحرم منها أفرج عن الأمير بدر الديـن القرمانـي والأميـر سيـف الديـن إسلـام وأخيـه وخلع عليهم وتوفي بالقدس خطيبه وقاضيه الشيخ عماد الدين عمر النابلسي‏.‏

الشافعـي ويكنـى أبـا داود أيضـاً بالسكتـة ولي القضاء بمصر ثم بالشام مدة وكان عليه سكينة ووقار‏.‏

وأحضر ناصر الدين الدواتدار إلى مخدومه سيف الدين تنز فضرب وأهين وكمل عليه مال يقوم به‏.‏

وحصلت صقعة أتلفت الكروم والخضراوات بغوطة دمشق ومات الأمير سيف الدين صلعنة الناصري وكان ديناً يبدأ الناس بالسلام في الطرقات‏.‏

ومات بطرابلس نائبها الأمير رحمه الله تعالى‏.‏

ومـات بحمـاه قاضـي القضـاة نجـم الديـن أبـو القاسـم عمـر بـن الصاحـب كمـال الديـن العقيلي الحنفي المعروف بابن العديم وكان له فنـون وأدب وخـط وشعـر ومـروءة غزيـرة وعصبيـة لـم تحفظ عليه أنه شتم أحداً مدة ولايته ولا خيب قاصده‏.‏

قلت‏:‏ قد كان نجم الدين شمساً أشرقت بحماة للداني بها والقاضي عدمت ضياء ابن العديم فأنشدت مات المطيع فيا هلاك العاصي وفيها في ربيع الأول توفي الأمير سيف الدين طرنا الناصري أمير مائة مقدم ألف بدمشق‏.‏

ومات جمال الدين فرج بن شمس الدين قره سنقر المنصوري‏.‏

ورسم تنكز نائب السلطنة بعمارة باب توما وإصلاحه فغمر عمارة حسنة ورفع نحو عشرة أذرع ووسع وجدد بابه‏.‏

وفيها في ربيع الآخر وصل جمال الدين أقوش نائب الكرك إلى طرابلس نائباً بها عوضا عن قرطاي‏.‏

رحمه الله تعالى ووصل سيل إلى ظاهر دمشق وهدم بعض المساكن وخاف الناس منه ثم نقص في يومه ولطف الله تعالى‏.‏

وتوفيت أم الخير خديجة المدعوة ضوء الصباح وكانت تكتب بخطها فـي الإجـازات ودفنـت بالقرافة‏.‏

وفيها في جمادى الأولى توفي الفاضل بدر الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر الحمـوي المعروف بابن السمين بحماة وكان أبوه من فصحاء القراء رحمهما الله تعالى‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة توفي بحلب شرف الدين أبو طالب عبد الرحمن ابن القاضي عماد الدين بن العجمي سمع الشمائل على والده وحدث وأقام مع والده بمكة في صباه أربع سنين وكان شيخاً محترماً من أعيان العدول وعنده سلامة صدر رحمة الله تعالى‏.‏

ومات الأمير شمس الدين محمد بن الصيمري بن واقف المارستان بالصالحية‏.‏

وفيها في رجب وصل كتاب من المدينة النبوية يذكر فيه أن وادي العقيق سال من صفر وإلى الآن ودخل السيل قبة حمزة رضي الله عنه وبقي الناس عشرين يوماً ما يصلون إلـى القبـة وأخذ نخلاً كثيراً وخرب أماكن‏.‏

ومات الأمير عز الدين نقيب العساكر المصرية ودفن بالقرافة‏.‏

ومات الأمين ناصر الدين بـن سويـد التكريتـي سمـع علـى جماعـة مـن أصحـاب ابـن طبـرزد وحدث وكان له بر وصدقات وحج مرات وجاور بمكة ومات الشيخ العالم الربانـي الزاهـد بقية السلف نجم الديـن اللخمـي القبابـي الحنبلـي بحمـاة وكانـت جنازتـه عظيمـة وحمـل علـى الرؤوس‏.‏

سمع مسند الدارمي وحدث وكان فاضلاً فقيهاً فرضياً جليل القدر وفضائله وتقلله من الدنيا وزهده معروف نفعنا الله ببركته والقباب المنسوب إليها قرية من قرى أشموم الرمان متصلة بثغر دمياط‏.‏

قلت وقدم مرة إلى الفوعة وأنا بها فسألني عن الأكدرية إذا كان بدل الأخت خنثى فأجبت‏:‏ إنهـا بتقديـر الأنوثـة تصـح مـن سبعة وعشرين وبتقدير الذكورة تصح من ستة‏.‏

والأنوثة تضر الزوج والـأم والذكـورة تضـر الجـد والأخت وبين المسألتين موافقة بالثلث فيضرب ثلث السبعة والعشرين وهو تسعة في الستة تبلغ أربعة وخمسين ومنها تصح المسألتان للزوج ثمانية عشر‏.‏

وللـأم اثنا عشر وللجد تسعة ولا يصرف إلى الخنثى شيء والموقوف خمسة عشر وفي طريقها وفيهـا فـي شعبـان مـات فجـأة الإمـام الحافـظ أبـو الفتـح محمـد بـن محمد بن محمد بن أحمد ابن سيد الناس اليعمـري‏.‏

أخـذ علـم الحديـث عـن ابـن دقيـق العيـد والدمياطـي وكـان أحـد الأذكيـاء الحفـاظ لـه النظـم والنثـر والبلاغـة والتصانيـف المتقنـة وكـان شيـخ الظاهريـة وخطيـب جامع الخندق‏.‏

وفيها يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان انفصل القاضي جمال الدين يوسـف بـن جملة الحجي الشافعي من قضاء دمشق وعقد له مجلس عند نائب السلطنـة تنكـز وحكـم بعزله لكونه عزر الشيخ الظهير الرومي فجاوز في تعزيره الحد ورسم على القاضي المذكور بالعذراوية ثم نقل إلى القلعة فإن القاضي المالكي حكم بحبسه وطولع السلطان بذلك فأمر بتنفيذه‏.‏

قلت وأعجب بعض الناس حبسه أولاً ثم رجع الناس إلى أنفسهم فأكبروا مثل ذلك ومما قلت فيه‏:‏ دمشق لازال ربعها خضر بعدلها اليوم يضرب المثل فضـا مـن المكـس مطلـق فرح فيهـا وقاضـي القضاة معتقل ونفي الشيخ إلى بلاد المشرق وكانت مدة ولاية القاضي المذكور سنة ونصفاً سوى أيام فكان ومات الشيخ سيف الدين يحيى بن أحمد بن أبي نصر محمد بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلي بحماة وكان شهماً سخياً رحمه الله تعالى‏.‏

وفي منتصف الشهر وجد بالقاهرة يهودي مع مسلمة من بنات الترك فرجم اليهودي وأحرق وأخذ ماله كله وكان متمولاً وحبست المرأة‏.‏

قلت‏:‏ هذا تعدى طوره فناله ما ناله فأعدموه عرضه وروحه وماله وحكـى لي عدل أنه أخذ منه ألف ألف درهم وثلاث صواني زمرد وعزل الأمير سيف الدين بلبان عن ثغر دمياط وأخذ منه مال وحبس‏.‏

وفيها في شوال توفي الصاحب شمس الدين غبريال وكان قد أخذ منه ألفا ألف درهم وكان حسن التدبير في الدنيويات وأسلم سنة إحدى وسبعمائة هو وأمين الملك معاً‏.‏

وفيه بالقاهرة خصي عبد أسود كان تعرض إلى أولاد الناس فمات قلت‏:‏ يعجبني وفاة من فيه فساد وأذى لا حبذا حياته وإن يمت فحبذا ومات الإمام شمـس الديـن محمـد بـن عثمـان الأصفهانـي المعـروف بابـن العجمـي الحنفـي كـان مدرساً بالإقبالية وحدث بالمدينة النبوية ودرس أيضاً بالمدرسة الشريفة النبوية وحدث بدمشق وكان فاضلاً وجمع منسكاً على المذاهب ومات الشيخ الزاهد ناصر الدين محمد ابن الشرف صالح بحماة أقام أكثر من ثلاثين سنة لا يأكل الفاكهة ولا اللحم وكان ملازماً للصوم لا يقبل من أحد شيئاً قلت‏:‏ زرتـه مرتيـن والحمـد لـل ه فعاينـت خير تلك الزياره كان فيه تواضع وسكـون وصلاح باد وحسن عباره وفيه كتب بدمشق محضر بأن الصاحب غبريال كان احتاط على بيت المال‏.‏

واشترى أملاكاً ووقفها‏.‏

وليس له ذلك فشهد بذلك جماعة منهم ابن الشيرازي وابن أخيه عماد وابن مراجل وأثبت عند برهان الدين الزرعي ونفذوه وامتنع المحتسب عز الدين بن الغلانيس من الشهادة بذلك فرسم عليه وعزل من الحسبة‏.‏

قلت‏:‏ فديت امرءاً قد راقب الله ربه وأفسد دنياه لإصلاح دينه وعزل الفتى في الله أكبر منصب يقيه الذي يخشى بحسـن يقينـه وفيهـا فـي ذي القعـدة تولى قضاء قضاة الشافعية بدمشق شهاب الدين محمد ابن المجد عبد الله ابن الحسين درس وأفتى قديماً وضاهى الكبار وتنقلت به الأحوال وهو على ما فيه غزير المروءة سخي النفس متطلع إلى قضاء حوائج الناس‏.‏

واستمر قاضياً إلى أن كان ما سنذكر وتوجه مهنا بن عيسى أمير العرب إلى طاعة السلطان بعد النفرة العظيمة عنه سنين ومعه صاحب حماة الملك‏.‏

الأفضل فأقبـل السلطـان علـى مهنـا وخلـع عليـه وعلـى أصحـاب مائـة وستين خلعة ورسم له بمال كثير الذهب والفضة والقماش وأقطعه عدة قرى وعاد إلى أهله مكرمـاً‏.‏

ومـات المجود الأديب بدر الدين حسن بن علي بن عدنان الحمداني ابن المحدث‏.‏

وفيها أظن ذي الحجة مات القاضي مجد الدين حرمي بن قاسم الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس قبة الشافعي وكان معمراً‏.‏

وألزمـت النصـارى واليهـود ببغـداد بالغيـار ثـم نقضـت كنائسهـم ودياراتهـم وأسلـم منهـم ومـن أعيانهم خلق كثير منهم سديد الدولة وكان ركناً لليهود عمر في زمن يهوديته مدفناً له خسر عليه مالاً طائلاً فخرب مع الكنائس وجعل بعض الكنائس معبداً للمسلمين وشرع في عمارة جامـع بـدرب دينـار وكانـت بيعـة كبيـرة جـداً واشتهر عن جماعة من الشيعة في قرية بتي بالعراق وأنهـم دخلـوا علـى مريـض منهـم فجعـل يصيـح أخـذ فـي المغـول خلصونـي منهـم وكـرر ذلـك فاختلس من بينهم حياً فكان آخر عهدهم به وكان الرجل من فقهـاء الشيعـة يتولـى عقـود أنكحتهم إن في ذلك لعبرة‏.‏

وأطلق ببغداد مكس الغزل وضمان الخمر والفاحشة وأعطيت المواريـث لـذوي الأرحـام دون

ثم دخلت سنة خمـس وثلاثيـن وسبعمائـة

فـي المحرم منها رجع حسام الدين مهنا من مصر مكرماً ومات الأمير بدر الدين كيكليدي عتيق شمس الدين الأعسر بد مشق وخلف أولاداً وأملاكاً ومات الأمير بكتمر الحسامي بمصر‏.‏

وجدد جامع قلعة مصر ومات الملك العزيـز ابـن الملـك المغيث ابن السلطان الملك العادل ابن الكامل كتب الكثير وعمر‏.‏

وفيها في صفر وصل إلى دمشق كاتب السر القاضي جمال الدين عبد الله ابن القاضي كمال الدين ابن الأثير صاحب ديوان الإنشاء بدلاً عن شرف الدين حفيد الشهاب محمود‏.‏

ومات شيخ المؤذنين وأنداهم صوتـاً برهـان الديـن إبراهيـم الوانـي سمـع مـن ابـن عبـد الدائـم وجماعة وحدث‏.‏

ومات بدمشق المسند المعمر بدر الدين عبد الله بن أبي العيش الشاهد وقد جاوز التسعين سمع من مكي بن قيس بن علان وكان يطلب على السماع وتفرد بأشياء‏.‏

ومات بدمشق تقي الدين عبد الرحمن بن الفويرة الحنفي‏.‏

وفيها في صفر أمر السلطان بتسمير رجل ساحر اسمه إبراهيم‏.‏

وفيها في ربيع الأول مات الشيخ أبو بكر بن غانم بالقدس وكان له مكارم ونظم‏.‏

ومات المحدث أمين الدين محمد بن إبراهيم الواني روى عن الشرف ابن عساكر وغيره وكان ذا ومات نظام الدين حسن ابن عم العلامة كمال الدين بن الزملكاني وقد جاوز الخمسين وكان مليح الشكل لطيف الكلام ناظراً بديوان البر‏.‏

ومات كبير المجودين الخطب بهـاء الديـن محمـود بـن خطيـب بعلبـك السلمـي بالعقبـة وتأسـف الناس عليه لدينـه وتواضعـه وحسـن شكلـه وبراعـة خطـه وعفتـه وتصونـه كتـب عليـه خلـق وكتب صحيح البخاري بخطه‏.‏

وعمر الأمير حمزة بدمشق حماماً عند القنوات وأدير فيه أربعة وعشرون جاناً وأوجر كل يوم بأربعين درهماً وعظم حمزة وأقبل عليه تنكز بعد الدواتدار ثم طغى وتجبر وظلم وعظم الخطب به فضربه تنكز وحبسه ونقل إلى القلعة ثم حبس بحبس باب الصغير ثم أطلق أياماً وصـودر ثـم أهلـك سـراً بالبقـاع قيـل غـرق وقطـع لسانـه مـن أصلـه وهو الذي اتلف أمر الدواتدار وابن مقلد بن جملة وله حكايات في ظلمه ورفع فيه يوم أمسـك تسعمائـة قصـة وبولغ في ضربه ورمي بالبندق في جسده وما رق عليه أحد‏.‏

قلت‏:‏ لـو يفطـن العاتـي الظلـوم لحالـه لبكـى عليهـا فهـي بئـس الحـال يكفيـه شـؤم وفاتـه وقبيـح ما يثنى عليه وبعد ذا أهوال وفيها في ربيع الآخر توفي الفقير الصالح الملازم لمجالس الحديث أبو بكر بن هارون الشيباني وقدم على نيابة طرابلس سيف الدين طينال الناصري عوضـاً عـن أفـوش الكركـي وحبـس الكركي بقلعة دمشق ثم نقل إلى الإسكندرية‏.‏

وفيهـا فـي جمـادى الأولـى مـات علاء الدين علي بن سلعوس التنوخي وقد باشر صحابة الديوان لدمشـق ثـم تـرك واحتيـط بمصر على دار الأمير بكتمر الحاجب لامي ونبشت فأخذ منها شيء عظيم‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة مات مشددار الطراز سيف الدين علي بن عمر بن قزل سبط الملك الحافظ ووقف على كرسي وسيع بالجامع‏.‏

ومات ببعلبك الفقيه أبو طاهر سمع من التاج عبد الخالق وعدة وكتب وحدث وعمل ستر ديباج منقوش على المصحف العثماني بدمشق بأربعة آلاف درهم وخمسمائة‏.‏

قلت‏:‏ ستـروا المكـرم بالحريـر وستره بالدر والياقوت غير كثير ستروه وهو مـن الغوايـة سترنـا عجبـي لهـذا الساتـر المستور ومات فجأة التاجر علاء الدين علي السنجـاري بالقاهـرة وهـو الـذي أنشـأ دار القـرآن ببـاب الناطفانيين قلت‏:‏ ما مات من هذي صفاته فوفاة ذا عندي حياتـه ومـات بمصـر الواعـظ شمـس الديـن حسيـن وهـو آخـر أصحـاب الحافظ المنذري سمع من جماعة وكان عالماً حسن الشكل‏.‏

ومات الفاضل الأديب زكي الدين المأمون الحميري المصري المالكي بمصر ولي نظر الكرك والشوبك وعمر نحو تسعين سنة‏.‏

وفيها في رجب مات الفقيه محمد بن محي الدين محمد ابن القاضي شمس الدين ابن الزكي العماني شابا درس مدة بدمشق‏.‏

ومات الحافظ قطب الدين الكلبي بالحسينية حفظ الألفية والشاطبية وسمع من القاضي شمس الديـن بـن العمـاد وغيـره وحـج مـرات وصنـف وكـان كيسـاً حسـن الأخلـاق مطرحـاً للتكلف طاهر اللسـان مضبـوط الأوقـات شـرح معظـم البخـاري وعمـل تاريخـاً لمصـر لـم يتمـه ودرس الحديث بجامع الحاكم وخلف تسعة أولاد ودفن عند خاله الشيخ نصر المنبجي‏.‏

وفيه أخرج السلطان من حبس الإسكندرية ثلاثة عشر نفـراً منهـم تمـر الساقـي الـذي نـاب بطرابلس وبيبرس الحاجب وخلع على الجميع وفيه طلب قاضي الإسكندرية فخر الدين بن سكين وعزل بسبب فرنجي‏.‏

وفيها في شعبان مات المفتي بدر الدين محمد بن الفويرة الحنفي سمع وحدث‏.‏

ومـات القاضـي زيـن الدين عبد الكافي بن علي بن تمام روى عن الأنماطي وأخذ عنه ابن رافع ومات عز الدين يوسف الحنفي بمصر حدث عن إبراهيم وناب في الحكم‏.‏

وفيها في رمضان مات صاحبنا شمس الدين محمد بن يوسف التدمري خطيب حمص كان يفتي ويدرس‏.‏

وتولى قضاء الإسكندرية العماد محمد بن إسحاق الصوفي‏.‏

وفيها في شوال قدم عسكر حلب والنائب من غزاة بلد سيس وقد خربوا في بلد أذنة وطرسـوس وأحرقـوا الـزروع واستاقـوا المواشي وأتوا بمائتين وأربعين أسيراً وما عدم من المسلمين سـوى شخص واحد غرق في النهر وكان العسكر عشرة آلاف سوى من تبعهم فلما علم أهل إياس بذلك أحاطوا بمن عندهم من المسلمين التجار وغيرهم وحبسوهم في خان ثم أحرقوه فقل من نجا فعلوا ذلك بنحو ألفي رجل من التجار البغاددة وغيرهم في يوم عيد الفطر فلله الأمر‏.‏

واحتـرق فـي حمـاة مائتان وخمسون حانوتاً وذهبت الأموال واهتم الملك بعمارة ذلك وكان الحريق عنـد الفجـر إلـى طلـوع الشمـس وذكـر أن شخصـاً رأى ملائكـة يسوقـون النـار فجعـل ينـادي أمسكوا يا عباد الله لا ترسلوا فقالوا أبهذا أمرنا ثم إن رجل توفي لساعته‏.‏

وناب بدمشق في القضاء شهاب الدين أحمد بن شرف الزرعي الشافعي‏.‏

وورد الخبر بحريق أنطاكية قبل رجوع العسكر فلم يبق بها إلا القليل ولم يعلم سبب ذلك‏.‏

وفيها في ذي القعدة توفيت زينب بنت الخطيب يحيى ابن الإمام عز الدين بن عبد السلام السلمي سمعت من جماعة وكان فيها عبادة وخير وحدثت‏.‏

ومـات الطبيـب جمـال الدين عبد الله بن عبد السيد ودفن في قبر أعده لنفسه وكان من أطباء المارستان النوري بدمشق وأسلم مع والده الذبان سنة إحدى وسبعمائة‏.‏

ومات حسام الدين مهنا بن عيسى أمير العرب وحزن عليه آله وأقامـوا مأتمـاً بليغـاً ولبسـوا السـواد أنـاف علـى الثمانيـن‏.‏

ولـه معـروف مـن ذلـك مارستـان جيـد بسرميـن ولقد أحسن برجوعه إلى طاعة سلطان الإسلام قبل وفاته وكانت وفاته بالقرب من سلمية‏.‏

ومـات المحـدث الرئيـس العالـم شمـس الديـن محمـد بـن أبـي بكـر بـن طرخـان الحنبلي سمع من ابن عبد الدائم وغيره وكان بديع الخط وكتب الطباق وله نظم‏.‏

وفيهـا فـي ذي الحجـة مـات الفقيـه الزاهـد شـرف الديـن فضـل بـن عيسـى بـن قنديل العجلوني الحنبلي بالمسماريـة كـان لـه اشتغـال وفهم ويد في التعبير وتعفف وقوة نفس عرض عليه خزن المصحف العثماني فامتنع رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها وصل الأمير سيف الدين أبو بكر الباشري إلى حلب وصحب معه الرجال والصناع وتوجه إلى قلعة جعبر وشرع في عمارتها وكانت خراباً من زمن هولاكو وهي من أمنع القلاع تسبب في عمارتها الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام ولحق المملكة الحلبية وغيرها بسبب عمارتها ونفوذ ماء الفرات إلى أسفل منها كلفة كثيرة‏.‏

ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة

فيهـا في المحرم باشر السيد النقيب الشريف بدر الدين محمد ابن السيد شمس الدين بن زهرة الحسيني وكالة بيت المال بحلب مكان شيخنا القاضي فخر الدين أبـي عمـرو وعثمـان بـن الخطيب زين الدين علي الجبريني‏.‏

وفيهـا فـي المحـرم نـزل نائـب الشـام الأمير سيف الدين تنكز بعسكر الشام إلى قلعة جعبر وتفقدها وقـرر قواعدهـا وتصيد حولها ثم رحل فنزل بمرج بزاعا ومد له نائب حلب الأمير علاء الدين الطنبغا به سماطاً ثم سافر إلى جهة دمشق‏.‏

وفيهـا فـي صفـر طلـب من البلاد الحلبية رجال للعمل في نهر قلعة جعبر ورسم أن يخرج من كل قرية نصف أهلها وجلا كثير من الضياع بسبب ذلك ثم طلب من أسواق حلب أيضاً رجال واستخرجـت أمـوال وتوجـه النائـب بحلب إلى قلعة جعبر بمن حصل من الرجال وهم نحو عشرين ألفاً‏.‏

وفيهـا فـي جمـادى الآخرة وصل البريد إلى حلب بعزل القاضي شمس الدين محمد بن بدر الدين أبـي بكـر بـن إبراهيـم ابـن النقيب عن القضاء بالمملكة الحلبية وبتولية شيخنا قاضي القضاة فخر الدين أبي عمر وعثمان بن خطيب جبرين مكانه ولبس الخلعة وحكم من ساعته واستعفيته من مباشرة الحكم بالبر في الحال فأعفاني وكذلك أخي بعد مدة فأنشدته ارتجالاً‏:‏ جنبتني وأخي تكاليف القضاء وكفيتنا مرضين مختلفين يـا حي عالمنا لقد أنصفتنا فلك التصرف في دم الأخويـن وفيه أعني ذي الحجة توجه الأمير عز الدين أزدمر النوري نائب بهسني لمحاصرة قلعة درندة بمن عنده من الأمراء والتركمان وفتحت بالأمان في منتصف المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وفيهـا أعنـي سنة ست وثلاثين وسبعمائة توفي الشيخ العارف الزاهد مهنا ابن الشيخ إبراهيم ابن القدوة مهنا الفوعي بالفوعة في خامس عشر شوال ورثيته بقصيدة أولها‏:‏ أسـأل الفوعـة الشديدة حزناً عن مهنأ هيهات أين مهنا أين من كان أبهج الناس وجهـاً فهو أسمى من البدور وأسنـى ومنها‏:‏ أين شيخي وقدوتي وصديقي وحبيبـي وكل ما أتمنى جعفري السلوك والوضع حتى قال عبس عنه مهنا مهنا أي قلـب بـه ولـو كـان صخراً ليس يحكي الخنساء نوحاً وحزناً أذكرتنا وفاته بأبيـه وأخيه أيام كانوا وكنا وهي طويلة‏.‏

كان جده مهنـا الكبيـر مـن عبـاد الأمـة تـرك أكـل اللحـم زمانـاً طويـلاً لمـا رأى اختلاط الحيوانات في أيام هولاكو لعنه الله وكان قومه على غير سنة فهدى الله الشيخ مهنا من بينهم وأقام مع التركمان راعياً ببرية حران فبورك للتركمان في مواشيهـم ببركتـه وعرفـوا بركته وحصل له نصيب من الشيخ حياة بن قيس بحران وهو في قبره وجرت له معه كرامات فرجع مهنا إلى الفوعة وصحب شيخنا تاج الدين جعفراً السراج الحلبي وتلمذ له وانتفع به وصرفـه مهنـا في ماله وخلفه على السجادة بعد وفاته ودعا إلى الله تعالى وجرت له وقائع مع الشيعة وقاسى معهم شدائد وبعد صيته وقصد بالزيارة من البعد وجاور بمكة شرفها الله تعالى سنين ثم بالمدينة على سكانها أفضل الصلاة والسلام وجرت له هناك كرامات مشهورة بين أصحابه وغيرهم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه السلام من الحجرة وقال‏:‏ وعليـك السلـام يـا مهنـا ثـم عاد إلى الفوعة وأقام بها إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة‏.‏

وجلس بعده على سجادته ابنه الشيخ إبراهيم فسار أحسن سير ودعا إلى الله تعالى على قاعدة والده ورجع من أهل بلد سرمين خلق إلى السنة وقاسى من الشيعة شدائد وسببه قتل ملك الأمراء بحلب يومئذ سيف الدين قبجق الشيـخ الزنديـق منصـوراً مـن تـار وجـرت بسبـب قتلـه فتـن فـي بلـد سرميـن ولـم يـزل الشيـخ إبراهيـم علـى أحسـن سيـرة وأصـدق سريـرة إلى أن توفي إلى رحمه الله تعالى في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة‏.‏

وجلس بعده على سجادته ابنه الشيخ الصالح إسماعيل ابن الشيخ إبراهيم ابن القدوة مهنا فسـار أحسـن سيـر وقاسـى مـن الشيعـة غبونـاً ولـم يـزل على أحسن طريقة إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في ثامن صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وجلس بعده على السجادة أخوه لأبويه الشيخ الصالح مهنا بن إبراهيم مهنا إلى أن توفي في خامس عشر شوال سنة ست وثلاثين وسبعمائة كما مر وتأسف الناس لموته فإنه كان كثير العبادة حسن الطريقة عارفاً‏.‏

وجلس بعده على السجادة أخوه لأبيه الشيخ حسن وكان شيخنا عبس يحب مهنا هذا محبة عظيمة ويعظمه ويقول عنه‏:‏ مهنا مهنا يعني أنه يشبه في الصلاح والخير جده وهم اليوم ولله الحمد بالفوعة جماعة كثيرة وكلهم على خير وديانة وقد أجزل الله عليهم المنة وجعلهم بتلك الأرض ملجأ لأهل السنـة ولـو ذكـرت تفاصيـل سيـرة الشيـخ مهنـا الكبيـر وأولـاده و أصحابـه وكراماتهم لطال القول والله تعالى أعلم‏.‏

وفيها مات القان أبو سعيد بن خربنده بن أرغون بن أبغا بن هولاكو صاحب الشرق ودفن بالمدينة السلطانية وله بضع وثلاثون سنة وكانت دولته عشريـن سنـة وكـان فيـه ديـن وعقـل وعدل وكتب خطاً منسوباً وأجاد ضرب العود‏.‏

وباشتغال التتار بوفاته تمكنا من عمارة قلعة جعبر بعد أن كانت هي وبلدها داثرة من أيام هولاكو فلله الحمد‏.‏

وفيها توفي بدمشق الإمامان مدرس الناصرية كمال الدين أحمد بن محمد بن الشيرازي وله ست وستون سنة وقد ذكر لقضاء دمشق ومدرس الأمينية قاضي العسكر عز الدين علي بـن محمـد بـن القلانسي وله ثلاث وستون سنة وناظر الخزانة عز الدين أحمد بن محمد العقلي بن القلانسي المحتسب بها‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

وفيهـا فـي ربيـع الأول توفي الأمير الشاب الحسن جمال الدين خضر ابن ملك الأمراء علاء الدين الطنبغا بحلب ودفن بالمقام ثم عمل له والده تربة حسنة عند جامعه خارج حلب ونقل إليها وكان حسن السيرة ليس من إعجاب أولاد النواب في شيء ومما قلت فيه تضميناً‏:‏ منها خلقت فلم يسمح زمانك أن يشين حسنك فيه الشيب والكبر فإن رددت فما في الرد منقصة عليك قد رد موسى قبل والخضر وإن كان يضمن هذا التضمين القول بموت الخضر عليه السلام‏.‏

وفيه باشر تاج الدين محمد بن عبد الكريم أخو الصاحب شرف الدين يعقوب ناظر الجيوش المنصورة بحلب فما هنئ بذلك واعترته الأمراض حتى مات رحمـه اللـه فـي سابـع جمـادى الآخرة من السنة المذكورة قلت‏:‏ مـا الدهـر إلا عجب فاعتبر أسرار تصريفاته واعجب كم باذل في منصب ماله مات وما هنيء بالمنصب وباشر مكانه في شعبان منها القاضي جمال الدين سليمان بن ريان‏.‏

وفيه في رمضان المعظم وصل إلى حلب من مصر عسكر حسن الهيئة قدمه الحاج أرقطاي وعسكر من دمشق مقدمهم قطلبغا الفخـري وعسكـر مـن طرابلـس مقدمـه بهـادر عبـد اللـه وعسكر من حماة مقدمه الأمير صارم الدين أزبك المقدم على الكل ملك الأمراء بحلب علاء الديـن الطنبغـا ورحـل بهـم إلـى بلـاد الأرمـن فـي ثانـي شـوال منهـا ونزل على ميناء إياس وحاصرها ثلاثة أيام ثم قدم سول الأرمن من دمشق ومعه كتاب نائب الشام بالكف عنهم على أن يسلموا البلاد والقلاع التي شرقي نهر جهان فتسلموا منهم ذلك وهو ملك كبير وبلاد كثيـرة كالمصيصة وكويرا والهارونية وسرفندكار وآياس وباناس وبخيمة والنقبر التي قدم ذكر تخريبها وغير ذلك‏.‏

فخرب المسلمون برج آياس الذي في البحر استنابوا بالبلاد المذكورة نواباً وعادوا في ذي الحجة منها والحمد لله‏.‏

قلت‏:‏ وهذا فتح اشتمل على فتوح وترك ملك الأرمن جسداً بلا روح خائفاً على ما بقي بيده على الإطلاق وكيف لا ومن خصائص ديننا سرابة الأعناق فيا له فتحـاً كسـر صلـب الصليب وقطع يد الزنار وحكم على كبير أنامهم المزمل في بجاده بالخفض على الجوار والله أعلم‏.‏

وفيها في ذي الحجة توفي الأمير العابد الزاهد صارم الدين أزبك المنصور الحموي بمنزلة نزلها مع العسكر عند آياس وحمل إلى حماة فدفن بتربته كان من المعمرين في الإمـارة ومـن ذوي العبـادة والمعـروف وبنـى خانـاً للسبيـل بمعـرة النعمـان شرقيهـا وعمـل عنـده مسجـداً وسبيلاً للماء وله غير ذلك رحمه الله ذكر لي جماعة بحلب وهو مسافر إلى بلاد الأرمن أنه رؤي له بحماة منام يدل على موته في الجهاد وحمله إلى حماة وحوله الملائكة‏.‏

قلت‏:‏ ولقد تجمل لهذا الجهاد وتحمل وتكلف لمهمة وتكفل حتى كأنه توهم فترة سلاحه عن الكفاح فرسم أن تحد السيوف وتعتقل الرماح فلاح على حركاته الفلاح وسيحمد سراه عند الصباح والله أعلم‏.‏

وفيها وقف الأميـر الفاضـل صلـاح الديـن يوسـف بـن الأسعـد الدواتـدار داره النفيسـة بحلـب المعروفـة أولاً بـدار ابـن العديـم مدرسة على المذاهب الأربعة وشرط أن يكون القاضي الشافعي والقاضي الحنفي بحلب مدريسها وذلك عند عوده من بلد سيس صحبة العسكر منصرفاً إلى منزله بطرابلس‏.‏

قلت‏:‏ ولقد كانت الدار المذكورة باكية لعدم بني العديم فصارت راضية بالحديث عن القديم نـزع اللـه عنهـا لبـاس البـأس والحـزن وعوضهـا بحلـة يوسـف عـن شقـة الكفـن فكمـل رخامهـا وذهبها وجعل ثمال اليتامى عصمة للأرامل مكتبها وكملها بالفـروع الموصلـة والأصـول المفرعـة وجملها بالمرابع المذهبة والمذاهب الأربعة وبالجملة فقد كتبها صلاح الدنيا في صلاح الدين إلى يوم العرض وتلا لسان حسنها اليوسفي وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولما وقف الأمير صلاح الدين المذكور على هذه الترجمة تهلل وجهه وقال ما معناه يا ليتك زدتنا من هذا‏.‏

وفيهـا توفي الشيخ الكبير الشهير المتزهد محمد بن عبد الله بن المجد المرشدي بقريته من عمل مصر له أحوال وطعام يتجاوز الوصف ويقال إنه كان مخدوماً قيل إنه أنفق في ثلاث ليال ما

ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة

فيهـا فـي المحـرم توفـي ناصـر الديـن محمد بن مجد الدين محمد بن قرناص دخل بلاد سيس لكشف الفتوحات الجهائية فتوفي هناك رحمه الله تعالى ودفن بتربة هناك للمسلمين‏.‏

وفيهـا فـي صفـر توفـي بـدر الديـن محمـد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الوقف بحلب وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالجامع بحلب شرقي المحراب الكبير لأنه سمع أن بالمكان المذكـور رأس زكريـا النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم فارتاب في ذلك فأقدم على فتح البـاب المذكـور بعـد أن نهى عن ذلك فوجد باباً عليه تأزير رخام أبيض ووجد في ذلك تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة فرقعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهـرب الحاضـرون هيبـة لهـا ثـم رد التابـوت وعليـه غطـاؤه إلـى موضعـه وسـد عليه الباب ووضعت خزانة المصحف العزيز على الباب وما أنجح الناظر المذكور بعد هذه الحركة وابتلي بالصرع إلى أن عض لسانه فقطعه ومات‏.‏

نسأل الله أن يلهمنا حسن الأدب‏.‏

وفيها في أواخر ربيع الأول قدم إلى حلب العلامة القاضي فخر الدين محمد بن علي المصري الشافعي المعروف بابن كاتب قطلوبك واحتفل به الحلبيون وحصل لنا في البحث معه فوائد‏.‏

منهـا قولهـم إذا طلـب الشافعـي من القاضي الحنفي شفعة الجار لم يمنع على الصحيح لأن حكم قال‏:‏ وهذا مشكل‏.‏

فإن حكم الحاكم ينفذ ظاهراً بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فإنما أقطع له قطعة من نار وأما كون القاضي لا ينقض هذا الحكم فتلك سياسة حكيمة‏.‏

ومنها قولهم‏:‏ يقضي الشافعي الصلاة إذا اقتدى بالحنفي علم أنه ترك واجباً كالبسملـة يعنـي على صحيح ولا يقضي المقتدي بحنفي افتصد ولم يتوضأ‏.‏

قال‏:‏ وهذا مشكل فإن الحنفي إذا اقتصـد ولـم يتوضـأ وصلـى فهـو متلاعـب علـى اعتقـاده فينبغي أن يقضي الشافعي المقتدى به وإذا ترك البسملة فصلاته صحيحة‏.‏

عنده فينبغي أن لا يقضي الشافعي المقتدى به وفيه نظر‏.‏

ومنها قولهم في الصداق أن قيمة النصف غير نصف القيمة هذا معروف‏.‏

ولكنه قال قول الشافعي وغيره أن الزوج فـي مسائـل التشطيـر يغرمهـا نصـف القيمـة لا قيمـة النصف مشكل وكانوا بدمشق لا يساعدونني على استشكاله حتى رأيته لإمام الحرمين وذلك لأن القيمة خلف لما تلف وإنما يستحق نصف الصداق فليغرمها قيمة النصف لا نصف القيمة‏.‏

ومنها‏:‏ أنه ذكر أن الشيخ صدر الدين لما قدم من مصر قال‏:‏ لقد سألني ابن دقيق العيد عن مسألة أسهرته ليلتين وصورتها‏:‏ رجل قال لزوجته‏:‏ إن ظننت بي كذا فأنت طالق فظنت به ذلك قالوا أتطلق ومعلوم أن الظنى لا ينتج قطيعاً فكيف انتج هنا القطعي‏.‏

قال العلامة فخر الدين كنت يومئذ صبياً فقلت‏:‏ ليس هذا من ذلك فإن المعنى إن حصل لك الظن بكذا فأنت طالق والحصول قطعي فينتج قطعياً فقال صدر الدين بهذا أجبته‏.‏

ومنها قولهم‏:‏ إذا ادعي على امرأة في حبالة رجل أنها زوجته فقالت طلقتني تجعل زوجته ويحلف أنه لم يطلق‏.‏

رأى في هذه المسألة ما يراه شيخنا قاضي القضاة شرف الدين بـن البارزي‏.‏

وهو أن المراد بذلك امرأة مبهمة الحال‏.‏

ومنها‏:‏ إنما انعقد السلم بجميع ألفاظ البيع ولم ينعقد البيع بلفظ السلم لأن البيع يشمل بيـع الأعيـان وبيـع مـا فـي الذمـة فصـدق البيـع عليهما صدق الحيوان على الإنسان والفرس فإن الحيوان جنـى لهذيـن النوعيـن وكذلك البيع جنس لهذين النوعين بخلاف السلم فانه بيع ما في الذمة فلا يصدق على بيع العين كالنوع لا يصدق على الجنس ولذلك تسمعهم يقولون‏:‏ الجنس يصدق على النوع ولا عكس‏.‏

ومنها قولهم‏:‏ يسجد للسهو بنقل ركن ذكري إن أريد به أنه ترك الفاتحة مثلاً في القيام وقرأها في التشهد سهواً فهذا يطرح غير المنظوم وإن فعل ذلك عمداً بطلت صلاته‏.‏

وإن أريد غير ذلك فما صورته فأجاب إن صورة المسألة أن يقرأ الفاتحة في القيام ثم يقرأها في التشهد مثلاً فوافق ذلك جوابنا فيها‏.‏

ومنها أنهم قالوا خمس رضعات تحرم بشرط كون اللبن المحلوب في خمس مرات على الصحيح ثـم ذكـروا قطـرة اللبـن تقـع فـي الحـب وهـذا التناقـض‏.‏

فقـال‏:‏ لا تناقـض فالمـراد بقطرة اللبن في الحب إذا وقعت تتمة لما قبلها وهذا حسن مهم فإن شيخنا لفراره من مثل ذلك شرط أن يكون اللبن المغلوب بما شيب به قدراً يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط ولا شك أن هذا قول ضعيف والصحيح عند الرافعي‏:‏ أن هذا لا يشترط والتناقض يندفع بمـا تقدم من جواب العلامة فخر الدين‏.‏

وفيها وأظنه في ربيع الآخر ورد الخبر إلى حلب بأن نائب الشام تنكز قبض على علم الدين كاتب السر القبطي الأصل بدمشق وولى موضعه القاضي شهاب الدين يحيـى ابـن القاضـي عماد الدين إسماعيل بن القيسرانـي الخالـدي وعـذب النائـب العلـم المذكـور وعاقبـه وصـادره وبينه وبين العلامة فخر الدين المصري قرابة فلحقه شؤمه ولفحه سمومه وسافر مـن حلـب خائفاً من نائب الشام فلما وصل دمشق رسم عليه مدة وعزل عن مدارسه وجهاته ثم فك الترسيم عنه وبعد موت تنكز عادت إليه جهاته وحسنت حاله ولله الحمد‏.‏

وفيهـا فـي رجب ورد الخبر بوفاة القاضي شهاب الدين محمد ابن المجد عبد الله قاضي القضاة الشافعي بدمشق صدمت بغلته به حائطاً فمات بعد أيام وخلق الناس موضع الصدمة مـن ذلك الحائط بالخوق ومن لطف الله به أن السلطان عزله بمصر يوم موته بدمشق وعزل القاضي جلال الدين محمد القزوبني عن قضاء الشافعية بمصر ونقله إلى القضاء بالشام موضع ابن المجد ورسم بمصادرة ابن المجد فلمـا مـات صـودر أهلـه وكـان ابـن المجـد فيـه خيـر وشـر ودهـاء ومروءة قلت‏:‏ لا ييأسن مخلط من رحمة الله العفـو دليل هذا قولـه وآخـرون اعترفوا وولي بعد جلال الدين قضاء الديار المصرية قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة وأحسن السيرة وعزل القاضي برهان الدين بن عبد الحق أيضاً عن قضاء الحنفية بالديار المصريـة وولـى مكانـه القاضـي حسـام الديـن الغـوري قاضـي القضاة ببغداد كان الوافد إلى مصر عقيب الفتن الكائنة بالمشرق لموت أبي سعيد‏.‏

وفيها في رجب أيضاً باشر القاضي بهاء الدين حسن ابن القاضي جمال الدين سليمان بن ريـان مكان والده نظر الجيوش بحلب في حياة والده وبسعيه له‏.‏

وفيها في رجب مات بحلب فاضل الحنفية بها الشيخ شهاب الدين أحمد بن البرهان إبراهيم بن داود ولي قضاء عزاز ثم نيابة القضاء بحلب مدة ثم انقطع إلى العلم وله مصنفات وولى ابنه داود جهاته‏.‏

وفيها في رمضان توفي القاضي محي الدين يحيى بن فضل الله كاتب السر بمصر وقد ناف على التسعين وله نظم ونثر‏.‏

وفيهـا أخـرج الخليفـة أبـو الربيـع سليمـان المستكفـي بالله من مكانه بمصر عنفاً إلى قوص وقلت في ذلك مضمناً من القصيدة المشهورة لأبي العلاء بيتاً وبعض بيت‏:‏ أخرجوكم إلى الصعيـد لعـذر غير مجد فـي ملتـي واعتقـادي لا يغيركـم الصعيـد وكونوا فيه مثل السيوف فـي الأغمـاد وفيها في رمضان أيضاً ورد الخبر إلى حلب بوفاة العلامة زين الدين محمد ابن أخي الشيخ صـدر الديـن ابـن الوكيل المعروف بابن المرحل من أكابر الفقهاء المفتين المدرسين الأعيان المتأهلين للقضاء بدمشق‏.‏

أدينـة تندب أم سمته أم عقله الوافر أم عملـه فـاق علـى الأقران في جده فمن رآه خاله عمه وتولى تدريس الشامية البرانية مكانه القاضي جمال الدين يوسف بن جملة فمات ابن جملة‏.‏

قيل إنه ما ألقى فيها إلا درساً أو درسين لاشتغاله بالمرض‏.‏

ووليها بعده القاضي شمس الدين محمد بان النقيب بعد أن نزل عن العادلية‏.‏

وفيها في ثالث شوال ورد الخبر بوفاة العلامة شيخ الإسلام زين الدين محمد ابن الكناني علم الشافعية بمصر وصلي عليه بحلب صلاة الغائب كان مقدماً في الفقه والأصـول معظمـاً فـي المحافل متضلعاً من المنقول ولولا انجذابه عن علماء عصـره وتبهـه علـى فضـلاء دهـره لبكـى على فقده أعلامهم وكسرت له محابرهم وأقلامهم ولكن طول لسانه عليهم هون فقده لديهم‏.‏

قلت‏:‏ فجعت بكتبانها مصـر فمثلـه لا يسمـح الدهـر يا زين مذهبه كفى أسفاً إن الصدور بموتك انسـروا ما كان من بأس لو أنك بال - علماء برأيها البحر وفيها في شوال أيضاً رسم ملك الأمراء بحلب الطنبغا بتوسيـع الطـرق التـي فـي الأسـواق اقتداء بنائب الشام تنكز فيما فعله في أسواق دمشق كما مر ولعمري قد توقعت عزله عن حلب لما فعل ذلك فقلت حينئذ‏:‏ رأى حلبا بلداً داثراً فزاد لإصلاحها حرصه وقاد الجيوش لفتـح البلـاد ودق لقهر العدا فحصه وما بعد هذا سوى عزله إذا أتم أمر بدا نقصه وفيهـا فـي عاشـر شـوال ورد الخبـر بوفاة الفاضل المفتي الشيخ بدر الدين محمد ابن قاضي بارين الشافعي بحماة كان عارفاً بالحاوي الصغير ويعرف نحواً وأصولاً وعنده ديانة وتقشف وبيني وبينـه صحبـة قديمـة فـي الاشتغال على شيخنا قاضي القضاة شرف الدين ابن البارزي وسافر مرة إلى اليمن رحمه الله ونفعنا ببركته قلت‏:‏ فجعت حماة ببدرها بل صدرها بـل بحرهـا بـل حبرهـا الغـواص اللـه أكبر كيف حال مدينة مات المطيع بها ويبقى العاصي وفيـه ولـي قضـاء الحنفية بحماة جمال الدين عبد الله بن القاضي نجم الدين عمر بن العديم وكان شاباً أمرد‏.‏

بعد عزل القاضي تقي الدين بن الحكيم فإن صاحب حماة آثر أن لا ينقطع هذا الأمر من هذا البيت بحماة لما حصل لأهل حماة من التأسف على والده القاضي نجم الدين وفضائله وعفته وحسن سيرته رحمه الله تعالى وجهز قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابـن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم صاحبنا شهاب الدين أحمد بن المهاجر إلى حماة نائبـاً عـن القاضـي جمال الدين المذكور إلى حين يستقل بالأحكام وخلع صاحب حماة عليهما في يوم واحد‏.‏

وفيه ورد الخبر أن الأمير سيف الدين أبا بكر النابيري قدم من الديار المصرية على ولاية بر وفيها في ذي القعدة توفي بدمشق العلامة القاضي جمـال الديـن يوسـف بـن جملـة الشافعـي معزولاً عن الحكم من سنة أربع وثلاثيـن وسبعمائـة كـان جـم الفضائـل غزيـر المـادة صحيـح الاعتقاد عنده صداقة في الأحكام وتقديم للمستحقين وكان قد عطف عليه النائب وولـاه تدريس مدارس بدمشق‏.‏

قلت‏:‏ بكت المجالس والمدارس جملة لك يا ابن جملة حين فاجأك الردى فاصعد إلى درج العلى واسعد فمن خدم العلوم جزاؤه أن يصعـدا وفيها في ذي القعدة توفي شيخي المحسن إلي ومعلمي المتفضل علي قاضي القضاة شرف الديـن أبـو القاسـم هبـة اللـه ابـن قاضـي القضـاة نجم الدين أبي حمد عبد الرحيم ابن قاضي القضاة شمس الدين أبي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد بن البارزي الجهني الحموي الشافعي علم الأئمة وعلامة الأمة تعين عليـه القضاء بحماة فقبله وتورع لذلك عن معلوم الحكم مـن بيـت المـال فمـا أكلـه بـل فـرش خـده لخدمة الناس ووضعه ولم يتخذ عمره درة ولا مهمـازاً ولا مقرعـة ولا عـزر أحـداً بضـرب ولا خراق ولا أسقط شاهداً على الإطلاق هذا مـع نفـوذ أحكامـه وقبـول كلامـه والمهابـة الوافـرة والجلالة الظاهرة والوجه البهي الأبيض المشرب بحمره واللحية الحسنة التي تملأ صدره والقامة إقامة والمكارم العامة والمحبة العظيمة للصالحين والتواضع الزائد للفقراء والمساكين أفنى شبيبتـه فـي المجاهـدة والتقشـف والـأوراد وأنفـق كهولتـه فـي تحقيـق العلـوم والإرشـاد وقضـى شيخوخته في تصنيف الكتب الجياد وخطب مرات لقاء الديار المصرية فأبى وقنع بمصيره واجتمـع لـه مـن الكتـب مـا لـم يجتمع لأهل عصره وكف بصره في آخر عمره فولى ابن ابنه مكانه وتفرع للعلوم والتصـرف والديانـة وصـار كلمـا علـت سنـه لطـف فكـره وجـاد ذهنـه وشـدت الرحال إليه وسار المعول في الفتاوى عليه واشتهرت مصنفاته في حياته بخلاف العادة ورزق في تصانيفه وتآليفه السعادة‏.‏

فمنهـا فـي التفسيـر‏:‏ كتـاب البستـان فـي تفسيـر القران مجلدان‏.‏

وكتاب روضات جنات المحبين اثنا عشر مجلداً‏.‏

ومنها في الحديث‏:‏ كتاب المجتبى مختصر جامع الأصول وكتاب المجتبى وكتاب الوفـا فـي أحاديـث المصطفـى وكتـاب المجـرد مـن السند وكتاب المنضد شرح المجرد أربع مجلـدات‏.‏

ومنهـا فـي الفقـه‏:‏ كتـاب شرح الحاوي المسمى بإظهار الفتاوى من أعوار الحاوي وكتاب تيسير الفتاوي من تحرير الحاوي وهما أشهر تصانيفه وكتاب شرح نظم الحاوي أربع مجلدات‏.‏

وكتاب المغنى مختصـر التنبيـه وكتـاب تمييـز التعجيـز‏.‏

ومنهـا فـي غيـر ذلـك‏:‏ كتـاب توثيـق عـرى الإيمـان في تفضيل حبيب الرحمن والسرعة في قراءات السبعة والدراية لأحكام الرعاية للمحاسبي وغير ذلك‏.‏

حدثني رحمه الله تعالى في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة قال‏:‏ رأيت الشيخ محي الديـن النـوري بعـد موتـه في المنام فقلت له أما تختار في صوم الدهر فقال‏:‏ فيه اثنا عشر قولاً للعلماء فظهر لشيخنا أن الأمر كما قال وإن لم تكن الأقوال مجموعة في كتاب واحد وذلك أن في صـوم الدهـر فـي حـق مـن لـم ينـذر ولـم يتضـرر بـه أربعـة أقـوال‏:‏ الاستحبـاب وهـو اختيـار الغزالـي وأكثر الأصحاب‏.‏

والكراهة وهو اختيار البغوي صاحب التهذيب والإباحة وهو ظاهر نص الشافعي لأنه قال‏:‏ لا بأس به‏.‏

والتحريم وهو اختيار أهل الظاهر حملاً لقوله صلى الله عليه وسلم فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر على أنه دعاء عليه‏.‏

وفي حق من نذر ولـم يتضـرر بـه خمسـة أقـوال‏:‏ الوجـوب وهـو اختيـار أكثـر الأصحـاب‏.‏

والاستحباب والإباحة والكراهة والتحريم‏.‏

وفي حق من يتضرر بـأن تفوتـه السنـن أو الاجتمـاع بالأهـل ثلاثـة أقـوال‏:‏ التحريـم والكراهـة والإباحة ولا يجيء الوجوب ولا الاستحباب فهذه اثنا عشر قولاً في صوم الدهر وهذا المنام من كرامات الشيخ محي الدين والقاضي شرف الدين رضي الله عنهما والله أعلم‏.‏

وأخبرني حين أجازني أنه أخذ الفقه من طريق العراقيين عن والده وجده أبي الطاهر إبراهيم وهو عن القاضي عبد الله بن إبراهيم الحموي عن القاضـي أبـي سعـد ابـن أبـي عصـرون الموصلي عن القاضي أبي علي الفارقي عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عن القاضي أبي الطيب الطبري عن أبي الحسن الماسرجسي عن أبي الحسن المروزي‏.‏

ومن طريق الخراسانيين عن جده المذكـور عـن الشيـخ فخـر الديـن عبـد الرحمـن بـن عساكـر الدمشقي عن الشيخ مطب الدين مسعود النيسابوري عن عمر بن سهل الدامغاني عن حجة الإسلـام أبـي حامـد الغزالـي عـن إمـام الحرميـن أبـي المعالـي الجويني عن والده أبي محمد الجويني عن الإمام أبي بكر القفال المروزى عن أبي إسحاق المروزي المذكور عن القاضي أبي العباس بن شريح عن أبي القاسم الأنماطي عن أبي إسماعيل المزني والربيع المرادي كلاهما عن الإمـام الأعظم أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي وهو أخذ عن إمام حرم الله مسلم بن خالد المزني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم وعن إمام حرم رسول الله صلـى اللـه عليـه وسلم مالك عن نافع عن ابن عمر وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم عن نبينا سيد المرسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه أفضل صلواته عدد معلوماته وله نظم قليل فمنه ما كتب به إلى صاحب حماة يدعوه إلى طعام العرس مندوب إليه وبعض الناس صـرح بالوجـوب فجبراً بالتناول منـه جريـاً على المعهود فـي جبـر القلـوب ومـن نثـره الـذي يقـرأ طـرداً وعكسـاً قولـه‏:‏ ‏(‏سـور حمـاة بربهـا محـروس‏)‏ ولمـا بلغني خبر وفاته كتبت كتابـاً إلـى ابـن ابنه القاضي نجم الدين عبد الرحيم ابن القاضي شمس الدين إبراهيم ابن قاضي القضاة شرف الدين المذكور‏.‏

صورته وينهي أنه بلغ المملوك وفاة الحبر الراسخ بل انهداد الطود الشامخ وزوال الجبل الباذخ الذي بكته السماء والـأرض وقابلـت فيـه المكـروه بالنـدب وذلـك فرض فشرقت أجفان المملوك بالدموع واحترق قلبه بين الضلوع وساواه فـي الحـزن الصـادر والوارد واجتمعت القلوب لما تم لمأتم واحد فالعلوم تبكيه والمحاسن تعزى فيه والحكم ينعاه والبر يتفداه والأقلام تمشي على الرؤوس لفقده والمصنفات تلبس حداد المداد من بعده‏.‏

ولمـا صلـي عليـه يـوم الجمعـة صلـاة الغائب بحلب اشتد الضجيج وارتفع النشيج وعلت الأصـوات فـلا خـاص إلا حـزن قلبـه ولا عـام إلا طـار لبـه فإنـه مصـاب زلـزل الـأرض وهدم الكرم المحض وسلب الأبدان قواها ومنع عيون الأعيان كراها ولكن عزى الناس لفقده كـون مولانا الخليفة من بعده فإنه بحمد الله خلف عظيم لسلف كريم وهو أول من قابل هذا الفادح القادح بالرضا وسلم إلى الله سبحانه فيما قضى فإنه سبحانه يحيي ما كانت الحياة أصلح ويميت إذا كانت الوفاة أروح وقد نظم المملوك فيه مرثية أعجزه عن تحريرها اضطرام صدره وحمله على تسطيرها انتهاب صبره وها هي‏:‏ برغمي أن بينكم يضام ويبعـد عنكـم القاضـي الإمام سراج للعلوم أضاء دهـراً علـى الدنيـا لغيبتـه ظلام تعطلـت المكـارم والمعالـي ومات العلم وارتفع الطغام عجبت لفكرتي سمحت بنظم أيسعدنـي علـى شيخـي نظـام وأرثيـه رثـاء مستقيمـاً ويمكننـي القوافـي والكلام ولو أنصفته لقضيت نحبي ففي عنقي له نعم جسام حشـا أذنـي دراً ساقطته عيوني يوم حم له الحمام لقـد لـؤم الحمام فإن رضينا بمـا يجنـي فنحـن إذاً لئام ألا يا عامنا لا كنت عاماً فمثلك ما مضى في الدهر عائم أتفجعنا بكتانـي مصـر وكان به لساكنها اعتصام وتفتك بابـن جملـة فـي دمشـق ويعلوها لمصرعه القتام ولما قام ناعيه استطارت عقول النـاس واضطـرب الأنـام ولو يبقى سلونا من سواه فإن بموته مات الكرام أألهـو بعدهـم وأقر عينا حلال اللهـو بعدهـم حـرام فيا قاضي القضاة دعاء صب برغمى أن يغيرك الرغام ويا شرف الفتاوى والدعـاوى على الدنيا لغيبتك السلام ويا ابن البارزي إذا برزنا بثوب الحزن فيك فلا نلام سقـى قبراً حللت به غمام من الأجفان إن بخل الغمام إلـى مـن ترحل الطلاب يوماً وهـل يرجـى لذي نقص تمام ومن للمشكلـات وللفتـاوى وفصل الأمر إن عظـم الخصـام وكان خليفة في كل فـن وعينـاً للخليفـة لا تنـام ألا يا بابه لا زلت قصداً لأهل العلم يغشاك الزحام فـإن حفيـد شيـخ العصـر بـاق يقل به على الدهر الملام وفي خير الأنام لكم عزاء وليـس لساكـن الدنيـا دوام أنا تلميذ بيتكم قديماً بكـم فخـري إذا افتخر الأنام وإن كنتم بخير كنـت فيـه ويرضيني رضاكم والسلام لكـم منـي الدعـاء بكـل أرض ونشر الذكر ما ناح الحمام