الفصل التاسع: بقية ذكر أخبار تمرتاش بن جوبان

المختصر في أخبار البشر

(تاريخ أبي الفداء)

أبو الفداء

الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب أبي الفداء المولود عام  672 هـ والمتوفي عام 732 هـ

بقية أخبار جوبان بن تمرتاش

ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة

فيها في المحرم توفي بمصر شيخنا قاضي القضاة فخر الدين عثمان بن زين الدين علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين قاضي حلب وابنه كمال الدين محمد وذلك أن الشناعات كثرت عليه فطلبه السلطان على البريد إليه فحضر عنده وقـد طـار لبـه وخـرج وقد انقطع قلبه وتمرض بمصر مدة وأراحه الله بالموت من تلك الشدة وحسب المنايا أن يكـنّ أمانيـاً ولقد كان رحمه الله فاضـلاً فـي الفقـه والأصـول والنحـو والتصريـف والقـراءات مشاركـاً فـي المنطق والبيان وغيرهما وله الشرح الشامل الصغير ويدل حله إياه على ذكاء مفرط وله شرح مختصر ابن الحاجب في الأصول وشرح البديع لابن الساعاتي في الأصول أيضاً وفرائض نظم وفرائض نثر ومجموع صغير في اللغة وغير ذلك كان رحمه الله سريع الغضب سريع الرضا من هو فخر الدين عثمان فـي مراحـم الله وإحسانه مات غريباً خائفاً نازحـاً عـن أنـس أهليـه وأوطانـه وبعـض هـذي فيه ما يرتجى لـه به رحمة ديّانه فقـل لشانيه ترفق ففي شانـك مـا يغنيك عن شانه ورأيت مكتوباً بخطه هذه الكلمات وكنت سمعتها من لفظه قبـل ذلـك وهـي‏:‏ الالتفـات إلـى الأسبـاب شـرك فـي التوحيد والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل فمن جعل السبب موجباً فقد أخطأ ومن محاه ولم يجعل له أثراً فقد أخطأ ومن جعل السبب سبباً والمسبب هو الفاعل فقد أصاب‏.‏

ومولده رحمه الله بمصر في العشر الأواخر من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وستمائة‏.‏

وفيها في العشر الأوسط من ربيع الآخر توفي السيد الشريف بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني نقيب الأشراف وكيل بيت المال بحلب ومن الاتفاق أنه مات يوم ورود الخبر بعـزل ملك الأمراء علاء الدين الطنبغا عن نيابة حلب وكان بينهما شحناء في الباطن‏.‏

قلت‏:‏ قـد كـان كـل منهما يرجو شفا أضغانه فصاركـل واحد مشتغـلاً بشانـه كان السيد رحمه اللـه حسـن الشكـل وافـر النعمـة معظمـاً عنـد النـاس شهمـاً ذكيـاً‏.‏

وجـده الشريف أبو إبراهيم هو ممدوح أبي العلاء المعري كتب إلى أبي العلاء القصيدة التي أولها‏:‏ غير مستحسن وصال الغوانـي بعـد ستيـن حجـة وثمان ومنها‏:‏ كل علم مفرق في البرايا جمعته معرة النعمان فأجابه أبو العلاء بالقصيدة التي أولها‏:‏ عللاني فإن بيض الأماني فنيت والظلام ليس يفاني أو منها‏:‏ يا أبا إبراهيم قصر عنك ال - شعر لما وصفت بالقرآن وفيها في العشر الأول من جمادى الأولى قدم الأمير سيف الدين طرغاي إلى حلب نائباً بها وسر الناس بقدومه وأظهروا الزينة وصحبته القاضي شهاب الدين أحمـد بـن القطـب كاتـب السر مكان تاج الدين ابن الزين خضر المتوجه إلى مصر صحبة الأمير علاء الدين الطنبغـا وكان رنك المنفصل جوكانين ورنك المتصل خونجا فقال بعض الناس في ذلك‏:‏ كم أتى الدهر بطرد وبعكس وببدع وفيها في السابع والعشرين من جمادى الأولى ورد الخبر إلى حلب بوفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني قاضي دمشق بها كان رحمه الله إمام في علم المعاني والبيان له فيه مصنفات جامعة متقنة وله يد في الأصولين ويحل الحاوي وكان كبيـر القـدر واسع الصدر ولي أولاً خطابة دمشق ثم قضاءها ثم قضاء مصر ثم قضاء دمشـق حتـى مات بها سامحه الله تعالى‏.‏

وبلغنـي أن بينـه وبيـن الإمـام الرافعـي قرابـة وقـرب العهد بسيرته يغني عن الإطالة وبنى على النيل دارا قيل بما يزيد على ألف الف درهم فأخذت منه ثم أخرج إلى دمشق قاضياً كما تقدم‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة ورد الخبر إلى حلب بوفاة الشيخ بدر الدين أبي اليسر محمد ابن القاضي عز الدين محمد ابن الصائغ الدمشقي بها كان نفعنا الله به عالماً فاضلاً متقللاً من الدنيا زاهداً جاءته الخلعة والتقليد بقضاء دمشق امتنع أتم امتناع واستعفى بصدق إلى أن أعفي فمن يومئذ حسن ظن الناس به وفطن أهل القلم وأهل السيف لجلالة قدره‏.‏

قلت‏:‏ ما قضاء الشام إلا شرف ولمـن يتركـه أعلـى شـرف يا أبا اليسـر لقـد أذكرنـا فعلك المشكور أفعال السلـف وفيـه ورد الخبـر أن الأميـر عـلاء الدين الطنبغا وصل من مصر إلى غزة نائباً بها سبحان من يرفع جرت بينه وبين نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز شحناء اقتضت نقلته من حلب وتوليته بعدها غزة فإن نائب الشام متمكن عند السلطان رفيع المنزلة‏.‏

وفيهـا فـي أوائـل رجـب توفـي بمعـرة النعمـان ابن شيخنا العابد إبراهيم بن عيسى بن عبد السلام كان من عباد الأمة ويعرف الشاطبية والقراءات وله يد طولى في التفسير وزهادته مشهورة كان أولاً يحترف بالنساجة ثم تركها وأقبل على العبادة والصيام والقيـام ونسـخ كتـب الرقائـق وغيرها فأكثر ووقف كتبه على زوايا وأماكن وهو من أصحاب الشيخ القدوة مهنا الفوعي نفعنا الله ببركتهما وكان داعياً إلى السنة بتلك البلاد وتوفي بعده بأيام الشرف حسين بن داود بن يعقوب الفوعي بالفوعة وكان داعياً إلى التشيع بتلك البلاد‏.‏

قلت‏:‏ وقام لنصر مذهبه عظيماً وحدد ظفـره وأطـال نابـه تبارك من أراح الدين منه وخلص منه أعـراض الصحابـه وفيه ورد الخبر بوفاة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله المعروف بابن المهاجـر الحنفـي بحماة نائباً عن قاضيها جمال الدين عبد الله بن العديم حسبما تقدم ذكره كان فاضلاً في النحو والعروض وله نظم حسن ولهج في آخر وقته بمدائح الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيه ورد الخبر إلى حلب أن الشيخ تقي الدين علي بن السبكي تولى قضاء القضاة الشافعية بدمشق المحروسة بعد أن حدث لخطيب بدر الدين محمد ابن القاضي جلال الدين نفسه بذلك وجزم به وقبل الهناء فقال فيه بعض أهل دمشق‏:‏ قد سبك السبكي قلب الخطيب فعيشـه مـن بعدهـا مـا يطيـب وفيه طلب القاضي جمال الدين سليمان بن ريان على البريد من حلب إلى دمشق لمباشرة نظر الجيوش بالشام واستمر بدمشق إلى أن نكب تنكز كما سيأتي فعزل بالتاج إسحاق ثم حضر إلى حلب وأقام بداره بالمقام وفيها في شعبان قدم الأمير الفاضل صلاح الدين يوسف الدواتدار شاداً بالمملكة الحلبية‏.‏

وفيها في رمضان ورد الخبر أن الأمير سيف الدين أبا بكر البانيري باشر النيابة بقلعة الرحبة وهو الذي كان تولى تجديد عمارة جعبر كما تقدم فقال فيه بعض الناس‏:‏ يا باذلاً في جعبر جهده مـا خيب السلطان مسعاكا عوضك الرحبة عن ضيـق مـا قاسيت قد أفرحنا ذاكـا فضاجع البق وناموسها ولولا ضجيعاك لزرناكا وفيه شرع نائب الشام تنكز في الرجوع من متصيده بالمملكة الحلبية وكان قد حضر إليها من شعبـان ومعـه صاحـب حمـاة الملـك الأفضـل وحريـم وحظايـا وحشـم وحمـام ولحق الفلاحين والرعية بذلك كلفة وضرر كبير واجتمع نائب الشام وصاحب حماة على إعادة بـذر الديـن محمد بن علي المعروف بابن الحمص رامي البندق المشهور إلى منزلته من الرماية بعد أن كان قد أسقط على عادتهم وأسقطوا من كان أسقطه واجتمعت أنا بابن الحمص المذكور بحلب مسألتـه أن يرينـي شيئـاً من حذقة في البندق فرمى إلى حائط فكتب عليه بالبندق ما صورته محمد بن علي بخط جيد ثم أمر غلامه فصار الغلام يرمي بندقاً إلى الجو وهو يتلقاه فيصيبه في سرعة على التوالي فجاء من ذلك بالعجب العجيب‏.‏

وفيه نادى مناد في جامع حلب وأسواقها وقدامه شاد الوقف بدر الدين بتليك الأسندمري من أمراء العشرات بما صورته معاشر الفقهاء والمدرسين والمؤذنين وأرباب وظائف الدين قد برز المرسوم العالي إن كل من انقطع منكم عن وظيفته وغمز عليه يستأهل ما يجرى عليـه فانكسـرت لذلـك قلـوب الخاص والعام وعظم به تألم الأنام وطهر مشد الوقف المذكور عن بغض وعناد لأهل العلم والذين فوقع منه يوم عيد الفطر كلمة قبيحة أقامت عليه الناس أجمعيـن وعقد له بدار العدل يوم العيد مجلس مشهود وأفتينا بتجديد إسلامه وعزله وضربـه وهـو ممدود‏.‏

ونودي عليه في الملأ جزاء وفاقاً وقطعنا أن لحوم العلماء مسمومة اتفاقاً ولولا شفاعة الشافعي فيه لدخل نار مالك بما خرج من فيه ولو كان براً لما خاض هذا البحر ولجمع قلبه ومذبحه بين الفطر والنحر وبالجملة فقد ذاق مرارة القهر والقسر فإن نداءه الـذي انكسـر بـه القلب انقلب به الكسر ‏)‏‏.‏

وفيهـا فـي تاسـع شـوال وصـل إلـى حلب قاضي القضاة زين الدين عمر بن شرف الدين محمد بن البلقيائي المصري الشافعي وباشر الحكم من يومه وخرج النائب والأكابر لتلقيه وسر به الناس لما سمعوا من ديانته بعد شغور المنصب نحو عشرة أشهر من حاكم شافعي‏.‏

وفيها حج الأمير سيف الدين بشتك الناصري من مصر وأنفق في الحج أموالاً عظيمة وكان صحبتـه على ما بلغنا ستمائة راوية تكلم الناس في القبض عليه عند عوده بمدينة الكرك فما أمكن ذلك ودخل مصر وصعد القلعة فتلقاه السلطان بالحسنى‏.‏

ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة

فيهـا فـي المحـرم ورد الخبـر بوفـاة الشيـخ علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي المحـدث الدمشقـي بخليـص مريـداً للحـج رحمـه اللـه تعالـى كـان حسن الأخلاق كثير الموافاة للناس محبوبـاً إليهـم ولـه تصانيـف فـي الحديـث والتاريـخ والشـروط وكـان حسـن الـأداء كثيـر البكاء‏.‏

في حال قراءة الحديث فصيحاً رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في المحرم بلغنا شنق ابن المؤيد شرف الدين أبي بكر الواعظ المحتسب نائب الوكالـة باللاذقية خافوا بطرابلس من طول لسانه واتصاله بأعيان المصريين وقامت عليه بينة بألفاظ تقتضي انحلال العقيدة فحملوا عبد العزيز المالكي قاضي القدموس على الحكم بقتله وشارك في واقعته القاضي جلال الدين عبد الحق المالكي قاضي اللاذقية فتعب القاضيان بجريرتـه وقاسيا شدائد‏.‏

وفيها في صفر وردت البشارة بقبض الملك الناصر على النشو شرف الدين القبطي الأصل وأنه وأخاه رزق الله تحت العقوبة ثم قتل أخوه نفسه وأوقدت لهلاكهما الشموع بالقاهرة كان النشو قد قهر أهل القاهرة وبالغ في الطرح والمصادرة فعظمت به المصيبة وقتل خلقاً تحت العقوبة فأتى الناس في هلاكه بيوت المسألـة مـن أبوابهـا وبنـت الأوتـاد نظـم الدعـوات علـى أسبابها وطلبوا لبحر ظلمه المديد مـن اللـه خبنـاً وبتـراً فـدارت الدوائـر عليـه بهـذه الفاصلـة الكبرى‏.‏

قلت‏:‏ النشـو لا عـدل ولا معرفه قد آن للأقدار أن تصرفـه من أتلف الناس وأموالهم يحق للسلطان أن يتلفـه وفيـه قـدم الأميـر المكـاس الغشوم - لؤلؤ القندشي - إلى حلب منفياً من مصر بلا إقطاع‏.‏

وفيه عزل قاضي القضاة بحلب زين الدين عمر البلفيائي عنها لوحشة جرت بينه وبين طرغاي نائب كان والله عفيفاً نزهاً وله عرض عريض ما اتهم وهـو لا يـدري مـداراة الـورى ومـداراة الهـوى أمـر مهـم وفيها في ربيع الأول غزل الأمير صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار عن الشد على المال والوقف بحلب ونقل إلى طرابلس فضاق طرغاي من جبرته فعمل عليه وكان قد عزم على تحرير الأوقاف بحلب فما قدر قلت‏:‏ لقد قالت لنا حلب مقالاً وقـد عـزم المشـد علـى الـرواح إذا عم الفساد جميع وقفي فكيف أكون قابلة الصلاح وفيهـا فـي جمـادى الآخـرة ولـي القاضـي برهـان الدين إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الرسعني قضاء الشافعية بحلب بذل لطرغاي نائبها مالاً فكاتب في ولايته وهو أول من بذل في زماننا على القضاء بحلب وكان القضاة قبله يخطبون ويعطون من بيت المال حتى بلوا ولذلك لم يصادف راحة في ولايته ويعجبني قول القائل‏:‏ فلـان لا تحزن إذا نكبت واعرف ما السبب فما تولى حاكم بفضة إلا ذهب وفيها توفي طقتمر الخازن نائب قلعة حلب كانت تصدر منه في الدين ألفاظ منكرة واشترى مـا حـل فيهـا زحـل إلا لنحـس المشتـري فانعدمت صورته من شؤم تلك الصور وخلف مالاً طائلاً‏.‏

وفيها في شعبان توفي الخليفة أبو الربيع سليمان المستكفي بالله في قوص وقد أخرج إلى الصعيد سنة ثمان وثلاثين وخلافته تسع وثلاثون سنة ولله قولي على لسانه‏:‏ مثلي يعيش بالموت ويبلغ المنى بالفوت إلى كم لهم العيشة الرطبة ولي مجرد الخطبة فلهم الملـك الصريـح ولسليمان الريح‏:‏ أحمـد اللـه الـذي جنبني كلف الملـك وأمـراً صعبـاً لـم أجد للملك ماء صافياً فتيممت صعيداً طيبـاً وفيها بعد موت المستكفي بويع بالخلافة أبو إسحاق إبراهيم ابن أخي المستكفي‏.‏

وفيها كان الحريـق بدمشـق وذهبـت فيـه أمـوال ونفـوس واحترقت المنارة الشرقية والدهشة وقيسارية القواسين وتكرر وأفرت طائفة من النصارى بدمشـق بفعلـه فصلـب تنكـز منهـم أحـد عشـر رجـلاً ثـم وسطـوا بعـد أن أخـذ منهم ألف ألف درهم وأسلم ناس منهم وبيعت بنت الملين بمال كثير فاشتراها تنكز وعملت المقامة الدمشقية في هـذا المعنـى وسميتهـا صفـو الرحيـق فـي وعادت دمشق فوق ما كان حسنها وأمست عروساً في جمال مجدد وقالت لأهل الكفر موتوا بغيظكم فمـا أنا إلا للنبي محمد ولا تذكروا عندي معابد دينكم فمـا قصبـات السبـق إلا لمعبـد وفيها في ذي الحجة باشر القاضي ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب كتابة السر بحلب وسررنا به‏.‏

وفيه قبض على تنكز نائب للشام وأهلك بمصر‏.‏

رسـم السلطـان لطشتمـر حمص أخضر وكان نائباً بصفد أن يأتيه من حيث لا يحتسب ويقبـض عليـه مـا أشبه تمكنه عند السلطان الملك الناصر إلا بجعفر عند الرشيد والرشيد أضمر إهلاك جعفر ست سنين حتى قتله والملك الناصر أضمر إهلاك تنكز عشر سنين وهو يخوله ويعظمه وينعم عليه وفي قلبه له ما فيه حتى قبض عليه وكان تنكز عظيم السطوة شديد الغضب قتل خلقاً منهـم‏:‏ عمـاد الديـن إسماعيـل بـن مـزروع الغوعـي نائـب فحليـس بدمشـق وعلي بن مقلد حاجب العرب والأميـر حمـزة رمـاه بالبنـدق ثـم أهلكـه سـراً وغيرهـم‏.‏

ولـه بدمشق والقدس وغيرهما آثار حسنة وأوقاف وقتل أكثر الكلاب بدمشق ثم حبس الباقي وحال بين إناثها وذكورها ولما استوحش من السلطان عزم على نكثه من جهة التتر وأخذ السلطـان مـن أموالـه ما يفرق الحصر زعم بعضهم أنه يقارب مال قارون وكان قبل ذلك قد تبرم من نقيق الضفادع فأخرجها من الماء فقال بعض الناس فيه‏:‏ تنكر تنكـز بدمشـق تيهـاً وذلك قـد يـدل علـى الذهـاب وقالـوا للضفادع ألف بشرى بميتتـه فقلـت وللكلـاب وتولى دمشق بعده الطنبغا الحاجب الصالحي كان تنكز قد سعى عليه حتى نقل من نيابة حلب إلى نيابة غزة فأورثه الله أرضه ودياره‏.‏

وفيهـا بعـد حادثـة تنكـز عوقـب أميـن الملـك عبـد اللـه الصاحـب بدمشق واستصفي ماله ومات تحت العقوبة قبطي الأصل وكان فيه خير وشر ووزر بمصـر ثلـاث مـرات وفيـه يقـول صاحبنا الشيخ جمال الدين ابن نباتة المصري‏:‏ لله كم حال امـرئ مقتـر قصيـت فـي القدس بتنفيسه كم درهم ولى ولكنه قـد أخـذ الأجر على كيسه وقال فيه أيضاً‏:‏ روت عنك أخبار المعالي محاسن كفت بلسان الحال عن السن الحمد فوجهك عن بشر وكفك عن عطا وخلقك عن سهل ورأيك عن سعد فيها في المحرم وسط بدمشق - طغية وجنغية - من أصحاب تنكز وكانا ظالمين‏.‏

وفيها غزل طرغاي عن حلب وكان على طمعه يصلي ويتلو كثيراً‏.‏

وفيها توفي الشيخ محمد بن أحمد بن تمام زاهد الوقت بدمشق‏.‏

وتوفي الملك الوك ابن الملك الناصر وكان عظيم الشكل‏.‏

وفيها ضربت رقبة عثمان الزنديق بدمشق على الإلحاد والباجر بقية سمع منه من الزندقة ما لم يسمع من غيره لعنه الله‏.‏

وتوفي الأمير صلاح الدين يوسف ابن الملك الأوحد وكان من أكابر أمراء دمشق ومن بقايـا أجـواد بنـي شيركـوه وكـان تنكـز علـى شممـة بدمشـق ينـزل إلـى صيافتـه كـل سنة فينفق على ضيافة تنكز نحو ستين ألف درهم‏.‏

وفيها توفي السلطان الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي رحمه الله تعالى وله ستون سنة بعد أن خطب له ببغداد والعراق وديار بكر والموصل والروم وضرب الدينار والدرهم هناك باسمه كما يضرب له بالشام ومصر وحج مرات وحصل لقلوب الناس بوفاته ألم عظيم فإنه أبطل مكوساً وكان يستحيي أن يخيب قاصديه وأيامه أيام أمن وسكينة وبنى جوامع وغيرها لولا تسليط لؤلؤ والنشر على الناس في آخر وقته وعهد لولده السلطان الملك المنصـور أبـي بكـر فجلـس علـى الكرسـي قبـل مـوت والـده وضربت له البشائر في البلاد‏.‏

ولي من تهنئة وتعزية في ذلك‏:‏ ما أساء الدهـر حتـى أحسنـا رق فاستدرك حزنـاً بهنـا بينما البأسـاء عمـت مـن هنـا وإذا النعمـاء عمت من هنا فبحق أن يسمى محزنـاً وبصـدق حيـن يدعـى محسنا فلئن أوحشنا بدر السما فلقد آنسنا شمـس السنـا علماً أبدله مـن علـم ظاهر الإعراب مرفوع البنا فجزى الله بخير من نأى ووقـى مـن كـل ضبـر من دنا أجل والله لقد أساء الدهر وأحسن وأهزل وأسمن وأحزن وسـر وعـق وبـر إذ أصبـح الملـك وباغه بفقد الناصر قاصراً قد ضعفت أركانه ومات سلطانه فماله من قوة ولا ناصر فأمسى بحمد الله وقد ملأ القصور بالمنصور سروراً وأطاعه الدهر وأهله فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً‏.‏

وفيها ورد إلى حلب زائراً صاحبنا التاج اليماني عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد اللـه النحـوي اللغـوي الكاتـب العروضـي الشاعـر المنشـئ وجرت معه بحوث منها مسألة نفسية وهـي‏:‏ مـا لو قال له‏:‏ عندي اثنا عشر درهماً وسدساً كم يلزمه فاستبهمت هذه المسألة على الجماعة فيسر الله لي حلها فقلت‏:‏ يلزمه سبعة دراهم إذ المعنى اثنا عشر دراهم وأسداساً فيكون النصف دراهم وهي ستة دراهم والنصف أسداساً وهـي ستـة أسـداس بدرهـم فهذه سبعة‏.‏

ولو قال اثنا عشر درهما وربعاً لزمه سبعة ونصف‏.‏

ولو قال اثنا عشر درهما وثلثاً لزمه ثمانية أو ونصفا فتسعـة وهكـذا‏.‏

وممـا أنشدنـي لنفسـه قوله‏:‏ تجنب أن تذم بك الليالي وحاول أن يذم لك الزمان ولا تحفـل إذا كملت ذاتاً أصبت العـز أم حصـل الهـوان بخلت لواحـظ مـن أتانـا مقبـلاً بسلامها ورموزهـن سلـام فعـذرت نرجـس مقلتيـه لأنها تخشـى العـذار فإنـه نمام وفيها نقل طشتمر حمص أخضر من نيابة صفد إلى نيابة حلب‏.‏

وفيها في ذي الحجة وصل إلى حلب الفيل والزرافة جهزهما الملك الناصر قبل وفاته لصاحب ماردين‏.‏

وفيها فتح علاء الدين أيدغدي الزراق ومعه بعض عسكر حلب قلعة خندروس من الروم كانت عاصية وبها أرمن وتتر يقطعون الطرقات‏.‏

وفيهـا صلي بحلب صلاة الغائب على الشيخ عز الدين عبد المؤمن بن قطب الدين عبد الرحمن ابن العجمي الحلبي توفي بمصر وكان عنده تزهد وكتب المنسوب‏.‏

وفيهـا توفـي بإياس نائبها الأمير علاء الدين مغلطاي الغزي تقدمت له نكاية في الأرمن ونقل إلى تربته بحلب‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

في المحرم منها بايع السلطان الملك المنصور أبو بكر الملك الناصر الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد ابن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان كان قد عهد إليه والده بالخلافة فلم يبايع في حياة الملك الناصر فلما ولي المنصور بايعه وجلس معه على كرسي الملك وبايعه القضاة وغيرهـم‏.‏

وفيهـا فـي صفـر توفـي شيـخ الإسلـام الحافـظ جمـال الدين يوسف ابن الزكي عبد الرحمن بن المزي الدمشقي بها منقطع القرين في معرفة أسماء الرجال مشاركاً في علوم وتولى مشيخة دار الحديث بعده قاضي القضاة تقي الدين السبكي‏.‏

وفيها في صفر خلع السلطان الملك المنصور أبو بكر ابن الملك واحتج عليه قوصون الناصري ولـي نعمـة أبيـه‏.‏

بحجـج ونسـب إليـه أموراً وأخرجه إلى قوص إلى الدار التي أخرج الملك الناصر والده الخليفة المستكفي إليها جزاءً وفاقاً ثم أمر قوصون والي قوص فقتله بها وأقام في الملك أخاه الملك الأشرف كجك وهو ابن ثمان سنين فقلت في ذلك‏:‏ سلطاننا اليوم طفل والأكابر في خلف وبينهم الشيطان قد نزغا وكيف يطمع من مسته مظلمة أن يبلغ السؤل والسلطان ما بلغا وفيها في جمادى الآخرة جهز قوصون مع الأمير قطلبغا الفخـري الناصـري عسكـراً لحصـار السلطان أحمد ابن الملك الناصر بالكرك وسار الطنبغـا نائـب دمشـق والحـاج أرقطـاي نائـب طرابلس بإشارة قوصون إلى قتال طشتمر بحلب لكون طشتمر أنكر على قوصون ما اعتمده في حق أخيه المنصور أبي بكر ونهب الطنبغا بحلب مال طشتمر وهرب طشتمر إلى الروم واجتمع بصاحب الروم أرتنا ثم إن الفخري عاد عن الكرك إلى دمشق بعد محاصرة أحمد بها أيامـاً وبعـد أن استمـال الناصـر أحمـد الفخـري فبايعـه ولما وصل الفخري إلى دمشق بايع للناصر من بقي من عسكر دمشق المتأخرين عن المضي إلى حلب صحبة الطنبغا‏.‏

هذا كله والطنبغا ومن معه بالمملكة الحلبية‏.‏

ثم سار الفخري إلى ثنية العقاب وأخذ من مخزن الأيتام بدمشق أربعمائة ألف درهم وكان الطنبغـا قـد استـدان منـه مائتـي ألـف درهم وهو الذي فتح هذا الباب ولما بلغ الطنبغا ما جرى بدمشق رجع على عقبه فلما قرب من دمشق أرسل الفخري إليه القضاة وطلب الكف عن القتال في رجب فقويت نفـس الطبنغـا وأبـى ذلـك وطـال الأمـر علـى العسكـر فلمـا تقاربـوا بعضهم من بعض لحقت ميسرة الطنبغـا بالفخـري ثـم الميمنـة وبقـي الطنبغـا والحـاج أرقطـاي والمرقبي وابن الأبي بكري في قليل من العسكر فهرب الطنبغا وهؤلاء إلى جهة مصر فجهز الفخري وأعلم الناصر بالكرك‏.‏

وخطب للناصـر أحمـد بدمشـق وغـزة والقـدس فلمـا وصـل الطنبغـا مصـر وهـو قـوي النفـس بقوصون قدر الله سبحانه تغير أمر قوصون وكان قد غلب على الأمر لصغر الأشرف فاتفق أيدغمش الناصري أمير أخور ويلبغا الناصري وغيرهما وقبضوا على قوصون ونهبـت ديـاره واختطـف الحرافيـش وغيرهـم مـن دياره وخزائنه من الذهب والفضة والجواهر والزركش والحشر والسروج والآلات ما لا يحصى لأن قوصون كان قد انتقـى عيـون ذخائـر بيـت المـال واستغنى من دار قوصون خلق كثير وقتل على ذلك خلق وأرسلوا قوصون إلى الإسكندرية وأهلك بها‏.‏

وقبضوا على الطنبغا وحبسوه بمصر ولما بلغ طشتمر بالروم مـا جـرى رجـع مـن الـروم إلـى وفيها في شهر رمضان سافر الملك الناصر أحمد من الكرك فوصل مصر وعمل أعزية لوالده وأخيه وأمر بتسمير والي قوص لقتله المنصور‏.‏

وخلع الأشرف كجك الصغير وجلس الناصر على الكرسي هو والخليفة وعقد بيعته قاضي القضاة تقي الدين السبكي ثم أعدم الطنبغا والمرقبي‏.‏

وفيها كسر حسن بن ممرتاش بن جوبان من التتر طغاي بن سوتاي في الشرق وتبعه إلى بلد قلعة الروم فاستشعر الناس لذلك‏.‏

وفيهـا عـزل الملـك الأفضـل محمـد ابن السلطان الملك المؤيد صاحب حماة والمعرة وبارين وبلادهن ونقل إلى دمشق من جملة أمرائها‏.‏

تغيرت سيرة الأفضل وما كان فيه من التزهد قبل عزله وحبس التاج ابن العز طاهر بن قرناص بين حائطين حتى مات وقطع أشجار بستانه وظهر في الليل من بعض أعقاب أشجار البستان التي لمعت نور فما أفلح بعد ذلك‏.‏

وتولى نيابة حماة بعده مملوك أبيه سيف الدين طقزتمر‏.‏

وفيها عزل عن قضاء الحنفية بحماة القاضي جمال الدين عبد الله بن القاضي نجم الدين بن العديم وتولى مكانه القاضي تقي الدين محمود بن الحكم‏.‏

وفيها أهلك طاجار الدواتدار وكان مسرفاً على نفسه‏.‏

وفيها توفي الأفضل صاحب حماة بدمشق معزولاً ونقل إلى تربتـه بحمـاة فخـرج نائبهـا للقـاء تابوته وحزن عليه وحلف أنه ما تولى حماة إلا رجاء أن يردها إلى الأفضل مكافأة لإحسان أبيه‏.‏

وفيها في جمادى الأولى توفي القاضي برهان الدين إبراهيم الرسعني قاضي الشافعية بحلب وكان متعففاً ويعرف فرائض رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في جمادى الأولى أيضاً عوقب لؤلؤ القندشى بدار العدل بحلب حتى مات واستصفى ماله وشمت به الناس‏.‏

قلت‏:‏ يا لؤلؤ قد ظلمت النـاس لكـن بقدر طلوعك اتفق النزول كبـرت فكنـت في تاج فلما صغرت سحقت منه كل لولـو وفيهـا توفـي الأمير بدر الدين محمد بن الحاج أبي بكر أحد الأمراء بحلب كان من رجال الدنيا وله مارستان بطرابلس وارتفع به الدهر وانخفض ودفن بتربة جامع أنشأه بحلب بباب أنطاكية‏.‏

وفيها توفي الخطيب بدر الدين محمد ابن القاضي جلال الدين القزويني خطيب دمشق وتولى السبكـي الخطابـة وجـرى بينـه وبيـن تـاج الديـن عبـد الرحيم أخي الخطيب المتوفي وقائع وفي آخر الأمر تعصبت الدماشقة مع تاج الدين فاستمر خطيباً‏.‏

وفيها في شهر رمضان وصل القاضي علاء الدين علي بن عثمان الزرعي المعروف بالقرع إلـى حلـب قاضـي القضاة ولاه الطاغية الفخري بالبذل فاجتمع الناس وحملوا المصحف وتضرروا من ولاية مثله فرفعت يده عن الحكم فسافر أياماً ثم عاد بكتب فما التفتوا إليها فسافر إلى مصر وحلب خالية عن قاضي شافعي‏.‏

وفيها في شوال عم الشام ومصر جراد عظيم وكان أذاه قليلاً‏.‏

وفيها في ذي الحجة وصل أيدغمش الناصري إلى حلب نائباً بها في حشمه عظيمة وأحسن وعدل وخلع على كثير من الناس وأقام بحلب إلى صفر ثم نقل إلى نيابة دمشق وتأسـف الحلبيون لانتقاله عنهم‏.‏

قلت‏:‏ يعـرف مـن تقبلـه أرضنـا من لزم الأوسط من فعله لا تقبل المسرف في جوره كلا ولا المسرف في عدله ونقل طقزتمر من حماة إلى حلب مكان أيدغمش ودخلها في عشري صفر وتولى نيابة حماة مكانه الأمير العالم علم الدين الجاولي ثم نقل الجاولي إلى نيابة غزة وولي نيابة حماة مكانه آل ملـك ثـم بعـده الطنبغـا الماردانـي كل هذا في مدة يسيرة وجرى في هذه السنة من تقلبات الملوك والنواب واضطرابهم ما لم يجر في مئات السنين‏.‏

قلت‏:‏ تصول على الملوك صيال قاض قليـل الديـن فـي مال اليتامى وفيها في ذي الحجة وصل إلى حلـب القاضـي حسـام الديـن الغـوري قاضـي الحنفيـة بمصـر الوافد إليها من قضاء بغداد منفياً من القاهرة لما اعتمده في الأحكـام ولمعاضدتـه لقوصـون ولسوء سيرته فإنه قاضي تتر‏.‏

ولي بيتان في ذم حمام هما‏:‏ حمامكم في كل أوصافه يشبه شخصاً غير مذكور شديد برد وسخ موحش قليل ماء فاقد النور فغيرهما بعض الناس فجعل البيت الأول كذا‏:‏ حمامكم في كل أوصافه يشبه وجه الحاكم الغوري وتممه بالبيت الثاني على حاله‏.‏

وفيهـا في ذي الحجة سافر السلطان الناصر أحمد إلى الكرك وأخذ من ذخائر بيت المال بمصر ما لا يحصى وصحب طشتمر والفخري مقيدين فقتلهما بالكرك قتلة شنيعة وبطول الشرح في وصف جراءة الفخري وإقدامه على الفواحش‏.‏

حتى في رمضان ومصادرته للناس حتى أنه جهز من صادر أهل حلب فأراح الله العالم منه وحصن الناصر الكرك واتخذها مقاماً له‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة

فيها في المحرم انقلب عسكر الشام على الملك الناصر أحمد وهو بالكرك وكاتبوا إلى مصر فخلع الناصر وأجلس أخوه السلطان الملك الصالح إسماعيل على كرسي بقلعة الجبل واستناب آل ملك‏.‏

وفيها في ربيع الآخر حوصر السلطان أحمد بالكرك واحتج عليه أخوه الصالح بما أخذه من أموال بيت المال وحصل بنواحي الكرك غلاء لذلك‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة توفي نائب دمشق أيدغمش ودفن بالقبيبات ويقال إن دمشق لم يمت بها من قديم الزمان إلى الآن نائب سواه وتولاها مكانه طقزتمر نائب حلب‏.‏

وفيها في رجب وصل الأمير علاء الدين الطنبغا المارداني نائباً إلى حلب‏.‏

وفيها في شهر رمضان توفي الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليماني الأديب وقد أناف على الستين وتقدم ذكر وفوده إلى حلب رحمه الله تعالى وزر باليمن وتنقلت به الأحوال وله نظم ونثر كثير وتصانيف‏.‏

وفيها في شوال خرج الأمير ركن الدين بيبرس الأحمـدي مـن مصـر بعسكـر لحصـار الكـرك وكذلك من دمشق فحاصروا الناصر بها بالنفـط والمجانيـق وبلـغ الخبـز أوقيـة بدرهـم وغلـت دمشق لذلك حتى أكلوا خبز الشعير‏.‏

وفيها وصل علاء الدين القرع إلى حلب قاضياً للشافعية وأول درس القاه بالمدرسة قال فيه‏:‏ كتاب الطهارة باب الميات فأبدل الهاء بالتاء فقلت أنا للحاضرين‏:‏ لو كان باب الميات لما وصل القـرع إليـه ولكنـه بـاب الألـوف‏.‏

ثـم قـال‏:‏ قال الله تعالى ‏(‏وجعلها كلمة باقية في عنقه مكان في عقبه‏)‏ فقلت أنا‏:‏ لا والله ولكنها في عنق الذي ولاه فاشتهرت عني هاتان التنديدتان في الآفاق‏.‏

وفيها في ربيع الآخر عزل الأمير سليمان بن مهنا بن عيسى عن إمارة العرب ووليها مكانه الأمير عيسى بن فضل بن عيسى وذلك بعد القبض على فياض ين مهنا بمصر وكان سليمان قد ظلم وصادر أهل سرمين وربط بعض النساء في الجنازير وهجم عبيده على المخدرات فأغاثهم الله في وسط الشدة ثم أعيد بعد مدة قريبة إلى الإمارة‏.‏

وفيها توفي بحلب الأمير الطاعن في السن سيف الدين يلبصطي التركماني الأصل رأس الميمنة بها وكان قليل الأذى مجموع الخاطر‏.‏

وفيهـا توفـي بحلـب طنبغـا حجـي كـان جهزه الفخري إليها نائباً عنه في أيام خروجه بدمشق وهو الذي جبى أموالاً من أهل حلب وحملها إلى الفخري وأخذ لنفسه بعضها وباء بإثم ذلك‏.‏

وفيها توفي بحلب الشيخ كمال الدين المهمازي كان له قبول عند الملك الناصر محمد ووقف لوفاة الكمال فـي العجـم وهـن فلقد أكثروا عليه التعازي قل لهم لـو يكـون فيكـم جـواد كـان فـي غنيـة عـن المهمازي وفيها في رجب اعتقل القرع بقلعة حلب معزولاً ثم فك عنه الترسيم وسافر إلى جهة مصر‏.‏

وفيها في رجب توفي بطرابلس نائبها ملك تمر الحجازي ووليها مكانه طرغاي وفيه تولـى نيابة حماة يلبغا التجباوي‏.‏

وفيها في شعبان وصل القاضي بدر الدين إبراهيم بن الخشاب على قضاء الشافعية بحلب فأحسن السيرة‏.‏

وفيهـا توفـي بحلـب الحـاج علـي بن معتوق الدبيسري وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربته بجانب الجامع‏.‏

وفيها توفي بهادر التمرتاشي بالقاهرة وكان بعد وفاة الملك الناصر الأمراء الغالبين على الأمر‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة

فيها أغارت التركمان مرات على بلاد سيس فقتلوا ونهبوا وأسروا وشفوا الغليل بما فتكـت الأرمن ببلاد قرمان‏.‏

وفيهـا في صفر توفي الأمير علاء الدين الطنبغا المارداني نائب حلب رد خارج باب المقام وله بمصر جامع عظيم وكان شاباً حسناً عاقلاً ذا سكينة‏.‏

وفيها مزقنا كتاب فصوص الحكم بالمدرسة العصرونية بحلب غقيب الـدرس وغسلنـاه وهـو من تصانيف ابن عربي تنبيهاً على تحريم قنيته ومطالعته وقلت فيه‏:‏ هـذي فصـوص لم تكن بنفيسة فـي نفسهـا أنا قد قرأت نقوشها فصوابهـا فـي عكسها وفيها توفي بحلب الأمير سيف الدين بهادر المعروف بحلاوة أحد الأمراء بها وله أثر عظيم في القبض على تنكز وكان عنده ظلم وتوعد أهل حلب بشر كبير فأراحهم الله منه‏.‏

قلت‏:‏ حلـاوة مـر فمـا أملحه أن يدمنا إلى البلى مسيرا وفي الثـرى مكفنـا فيها في صفر بلغنا أنه توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن المرحل النحوي الحراني الأصل المصري الدار والوفاة كان متضلعاً من العربية وعنده تواضع وديانة نقلت له مرة وهو بحلب أن أبـا العبـاس ثعلبـاً أجاز الضم في المنادى صاف والشبيه به الصالحين للألف واللام فاستغرب ذلك وأنكره جداً ثم طالع كتبه فرآه كما نقلت فاستحيـى مـن إنكـار ذلـك مـع دعـواه كثـرة من بعد يومـك هـذا لا تنقل النقل تغلب لو أنـك ابـن خـروف مـا كنـت عنـدي كثعلـب وفيهـا في ربيع الأول وصل يلبغا التجباوي إلى حلب نائباً وهو شاب حسن كان الملك الناصر يميل إليه وأعطاه مرة أربعمائة ألف درهم ومرة مائة فرس مسومة وغالب مال تنكز وتولـى نيابة حماة مكانه سيف الدين طقزتمر الأحمدي وعنده عقل وعدل وعند يلبغا عفاف عن مال الرعية وسطوة وحسن أخلاق في الخلوة‏.‏

وفيه سافر قاضي القضاة بحلب بدر الدين إبراهيم بن الخشاب إلى مصر ذاهباً بنفسه عن مساواة القرع وذلك حين بلغه تطلب القرع بحلب ولابن الخشاب يد طولى في الأحكام وفن القضاء متوسط الفقه‏.‏

وفيه توفي سليمان بن مهنا أمير العرب وفرح أهل إقطاعه بوفاته‏.‏

والقاضـي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي كاتب السر وكيل بيت المال بدمشق توفي بالقدس الشريف كتب السر بالقاهرة للملك الناصر محمد أولاً‏.‏

وفيـه وصـل عسكـران مـن حمـاة وطرابلـس للدخـول إلـى بلـاد سيـس‏.‏

لتمـرد صاحبهـا كنـد اصطنيل الفرنجي ولمنعه الحمل ومقدم عسكر طرابلس الأمير صلاح الدين يوسف الدواتدار يـا ناظـري بيعقـوب أعيـذ كمـا بما استعاذ بـه إذ خانـه البصـر قميص يوسف ألقاه على بصري بشير يوسف فاذهب أيها الضرر فأنشدت بيتين لي ينفعان إن شاء الله تعالى لحفظ النفس والدين والأهل والمال وهما‏:‏ أمررت كفا سبحت فيها الحصى وروت الركب بمـاء طاهـر على معاشـي ومعـادي وعلـى ذريتـي وباطنـي وظاهـري وفيهـا فـي جمـادى الأولـى عـاد العسكر المجهز إلى بلد سيس وما ظفروا بطائل وكانوا قد أشرفوا على أخذ أذنة وفيها خلق عظيم وأموال عظيمة وجفال مـن الأرمـن فتبرطـل أقسنقـر مقـدم عسكر حلب من الأرمن وثبط الجيش عن فتحها واحتج بأن السلطان مـا رسـم بأخذهـا وتوفي أقسنقر المذكور بعد مدة يسيرة بحلب مذموماً وأبى الله أن يتوفاه ببلاد سيس مغازياً‏.‏

وفيها نقلت جثة تنكز من ديار مصر إلى تربته بدمشق وتلقاها الناس ليلاً بالشمع والمصاحف والبكاء ورقوا له ووقع بدمشق عقيب ذلك مطراً فعدوا ذلك من بركة القدوم بجثته‏.‏

وفيها في جمادى الأولى توفي بدمشق الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عبد الهادي كان بحراً زاخراً في العلم‏.‏

وفيه قتل الزنديق إبراهيم بن يوسف المقساتي بدمشق لسبه الصحابة وقذفه عائشة رضي اللـه عنهـم ووقوعـه فـي حـق جبريـل عليه السلام‏.‏

وفيها في العشرين من شهر وجب توفي بجبرين الشيخ محمد ابن الشيخ نبهان كان له القبول التام عند الخاص والعام وناهيك أن طشتمر حمص أخضر على قوة نفسه وشمعه وقف على زاويته بجبرين وحصة مـن قريـة حريثـان لهـا مغـل جيـد وبالجملـة فكأنمـا ماتـت بموتـه مكـارم الأخلاق وكاد الشام يخلو من المشهورين على الإطلاق‏:‏ قلت‏:‏ وكنت إذا قابلت جبرين زائـراً يكون لقلبي بالمقابلة الجبر كأن بني نبهان يوم وفاته نجوم سماء خر من بينها البدر زرته قبل وفاته رحمه الله فحكى لي قال‏:‏ حضرت عند الشيخ عبس السرجاوي وأنا شاب وهو لا يعرفني فحين رآني دمعت عينه وقال‏:‏ مرحباً بشعار نبهان وأنشد‏:‏ وما أنت إلا من سليمى لأننـي أرى شبهـاً منها عليك يلوح وحكى لي مرة أخرى قال أحضرت بالفوعة غسل الشيخ إبراهيم ابن الشيخ لما مات وقرأنا عنـده سـورة البقـرة وهـو يغسـل فلمـا وصلنـا إلـى قولـه تعالى ‏(‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏)‏ رفعنا أيدينا للدعاء فرفع الشيخ إبراهيم يديه معنا للدعاء وهو ميت على المغتسل ومحاسن الشيخ محمد وتلقيـه للنـاس وتواضعـه بـه ومكاشفاتـه كثيـرة ومشهـورة رحمـه اللـه ورحمنـا بـه وفيها في منتصف شعبان وقعت الزلزلة العظيمـة وخربـت بحلـب وبلادهـا أماكـن ولا سيمـا منبـج فإنهـا أقلـت ساكنهـا وأزالـت محاسنهـا وكذلـك قلعة الرواندان وعملت أنا في ذلك رسالة أولها نعوذ بالله من شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها ونستعينه في طيب الإقامة بها وحسن الرحلة عنها نعم نستعيذ بالله ونستعين من سم هذه السنة فهي أم أربعة وأربعين وختمتها بقولي‏:‏ منبج أهلها حكوا دود قز عندهـم تجعل البيوت قبورا رب نعمهم فقد ألفوا مـن شجر التوت جنة وحريرا والله أعلم وصارت الزلازل تعاود حلب وغيرها سنة وبعـض أخـرى وفـي الحديـث أن كثـرة الزلازل من أشراط الساعة‏.‏

وفيها توفي طرغاي نائب طرابلس‏.‏

وفيها بلغنا أن أرتنا صاحب الروم سليمان خان ملك التتر قصده بالتتر إلى الروم فانكسر كسرة شنيعة ثم إن الشيخ حسن بن تمرتاش بن جوبان قتل وهذا من سعادة الإسلام فان المذكور كان فاسد النية لكون الملك الناصر محمد قتل أباه وأخذ ماله كما تقدم‏.‏

وفيها قطع فياض بن مهنا بن عيسى فقطع ونهب‏.‏

وفيهـا في شهر رمضان وصل إلى حلب قاضي القضاة نور الدين محمد بن الصائغ على قضاء الشافعية وهو قاض عفيف حسن السيرة عابد‏.‏

وفيهـا فـي شـوال حاصـر يلبغـا النائـب بحلـب زيـن الديـن قراخـا بـن دلغـادر التركماني بجبل الدلدل وهو عسر إلى جانب جيحان فاعتصم منه بالجبل وقتل في العسكر وأسر وجرح وما نالوا منه طائلاً فكبر قدره بذلك واشتهر اسمه وعظم على النـاس شـره وكانـت هـذه حركة رديئة من يلبغا‏.‏

وفيها توفي كمال الدين عمر بن شهاب الدين محمد بن العجمي الحلبي كان قد تفنن وعرف أصولاً وفقهاً وبحث على شرح الشافية الكافية في النحو مرة وبعض أخرى ودفن ببستانه رحمه الله وما خرج من بني العجمي مثله‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة

فيها في صفر حوصرت الكرك ونقبت وأخذ الملك الناصر أحمد وحمل إلى أخيه الملك الصالح بمصر فكان آخر العهد به‏.‏

وفيها وصل إلى ابن دلغارد أمان من السلطـان وأفـرج عـن حريمـه وكـن بحلـب واستقـر فـي الأبلستين‏.‏

وفيهـا في ربيع الآخر بلغنا وفاة الشيخ أثير الدين أبي حيان النحوي المغربي بالقاهرة كان بحراً زاخراً في النحو وهو فيه ظاهري وكان يستهزئ بالفضلاء من أهل القاهرة ويحتملونه لحقوق اشتغالهم عليه وكـان يقـول عـن نفسـه‏:‏ أنـا أبـو حيـات - بالتـاء - يعنـي بذلـك تلاميـذه ولـه مصنفات جليلة منها‏:‏ تفسير القرآن العظيم وشرح التسهيل وارتشاف الضرب من ألسنة العرب مجلد كبير جامع ومختصرات في النحو وله نظم ليس على قدر فضيلته فمن أحسنه قوله‏:‏ وقابلني في الدرس أبيض ناعـم وأسمر لدن أورثا جسمي الردى فذا هز من عطفيه رمحاً مثففاً وذال سل من جفنيه عضباً مهندا وفيها في جمادى الأولى توفي بحلب الحاج محمد بن سلمان الحلبي المعزم كان عنده ديانـة وإيثار وله مع المصروعين وقائع وعجائب‏.‏

وفيه توفي بطرابلس الأمير الفاضل صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار أحد الأمـراء بطرابلس وهو واقف المدرسة الصلاحية بحلب كما تقدم وكان من أكمل الأمراء ذكياً فطناً معظماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الخط وله نظم كان كاتباً ثم صار دواتدار قبجـق بحمـاة ثـم شـاد الدواويـن بحلـب ثـم حاجبـاً بهـا ثـم دواتـدار الملـك الناصـر ثم نائباً بالإسكندرية ثم أميراً بحلب وشاد المال والوقف ثم أميراً بطرابلس رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في شعبان بلغنا وفاة الشيخ نجم الدين القحفيزي بدمشق فاضل في العربية والأصلين ظريـف حسـن الأخلـاق ومـن ذلـك أنـه أنشـد مـرة قـول الشاعر‏:‏ أيا نخلتي سلمى إلخ‏.‏

فقال له بعض التلامذة‏:‏ يا سيدي وما تيس الماء فقال الشيخ‏:‏ إن شئت أن تنظره فانظر في الخابية تره‏.‏

وفيها توفي بدمشق قاضي القضاة جلال الدين الحنفي الأطروش‏.‏

وفيها توفي الأمير علاء الدين أيدغدي الزراق أتابك عسكر حلب مسناً وله سماع وحكى لي أنه حر الأصل من أولاد المسلمين وهو فاتح قلعة خندروس كما تقدم‏.‏

وتوفي كندغدي العمري نائب البيرة مسناً عزل عنها قبل موته بأيام وعزموا علـى الكشـف عليه فستره الله بالوفاة ببركة‏.‏

محبتة للعلماء والفقراء‏.‏

وسيف الدين بلبان جركس نائب قلعة المسلمين طال مقامه بها وخلف مالاً كثيراً لبيت المال‏.‏

وفيها في شهر رمضان اتفق سيل عظيم بطرابلس وهلك فيه خلق منهم ابنا القاضي تاج الدين محمد بن البارنباري كاتب سرها وكان أحد الابنين الغريقين ناظر الجيش بها والآخر موقع الدست ورق الناس لأبيهما فقلت وفيه تضمين واهتدام‏:‏ وارحمتاه لـه فـإن مصابـه بابن يبرحـه فكيـف ابنـان ما أنصفته الحادثات رمينه بمودعين وما له قلبان وزاد نهر حماة وغرق دوراً كثيرة ولطم العاصي خرطلة شيزر فأخذها وتلفت بساتين البلد لذلك ويحتاج إعادتها إلى كلفة كبيرة‏.‏

وفيها في ذي القعدة توفي بدمشق القاضي شمس الدين محمد بـن النقيـب الشافعـي وتولـى تدريس الشامية مكانه تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي ثم تولاها السبكي بنفسه خوفاً عليها كان ابن النقيب بقية الناس ومن أهل الإيثار وأقام حرمة المنصب لما كان قاضي حلب فقيهاً كبيراً محدثاً أصولياً متواضعاً مع الضعفاء شديداً على النواب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ دخلت وأنا صبي أشتغل على الشيخ محي الدين النووي فقال لي‏:‏ أهلاً بقاضي القضاة فنظرت فلم أجد عنده أحداً غيري فقال‏:‏ اجلس يا مدرس الشامية وهذا من جملة كشف الشيخ محي الدين‏.‏

وابـن النقيـب حكى هذا بحلب قبل توليته الشامية‏.‏

وحكى لي يوماً وإن كنت قد وقفت عليه في مواضع من الكتب أنه رفع إلى أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما مسلم قتل كافراً فحكم عليه بالقود فأتاه رجل برقعة ألقاها إليه‏.‏

فيها‏:‏ يـا قاتل المسلم بالكافر جرت وما العادل كالجائر يـا مـن ببغداد وأعمالها من علماء الناس أو شاعر فبلغ الرشيد ذلك فقال لأبي يوسف‏:‏ تدارك هذا الأمر بحيلة لئلا تكون فتنة‏.‏

فطالب أبو يوسف أصحاب الدم ببينة على صحة الذمة وثبوتها فلم يأتوا بها فأسقط القود‏.‏

وحكى لنا يوماً في بعض دروسه بحلب أن مسألة ألقيت على المدرسين والفقهاء بدمشق فما حلها إلا عامل المدرسة وهي‏:‏ رجل صلى الخمس بخمسة وضوءات وبعد ذلك علم أنه ترك مسـح الرأس في أحد الوضوءات فتوضأ خمس وضوءات وصلى الخمس ثم تيقن أيضاً أنه ترك مسح الرأس في أحد الوضوءات الجواب‏:‏ يتوضأ ويصلي العشاء فيخرج عن العهدة بيقين لأن الصلاة المتروكة المسح أولاً إن كانت العشاء فقد صحت الصلوات الأربع قبلهـا وهـذه العشـاء المأمور بفعلها خاتمة الخمس وإن كانت غير العشاء فالعشاء الأولى والصلوات الخمس المعـادة والعشـاء الثالثـة صحيحـة غايتـه تـرك مسـح فـي تجديد وضوء ولهذا يجب أن يشترط عدم الحدث إلـى أن يصلـي الخمس‏.‏

ثانياً قلت‏:‏ التحقيق أن الوضوء ثانياً كان يغنيه عنه مسح الرأس وغسل الرجليـن لـأن الشـرط أنـه لـم يحـدث إلى أن يصلي الخمس ثانياً وكذلك كان ينبغي للمجيب أن يقول له‏:‏ إن كنت لم تحدث إلى الآن فامسح رأسك واغسل رجليك وصل العشاء إذ الجديد عدم وجوب التتابع وإن كنت محدثاً الآن فلا بد من الوضوء كما قال‏.‏

وفيها استرجع السلطان الملك الصالح ما باعه الملك المؤيد وابنه الأفضل بحماه والمعرة وبلادهما من أملاك بيت المال وهو بأموال عظيمة وكان غالب الملك قد طرح على الناس غصباً وقد اشتريت به تقادم إلى الملك الناصر فقال بعض المعربين في ذلك‏:‏ طرحوا علينا الملك طرح مصادر ثم استردوه بلا أثمان وإذا يد السلطان طالت واعتدت فيـد الإلـه على يد السلطان وكأنما كاشف هذا القائل فإن مدة السلطان لم تطل بعد ذلك‏.‏

ثم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمائة

والتتار مختلفون مقتتلون من حين مات القان أبو سعيد وبلاد الشرق والعجم في غلاء ونهب وجور بسبب الخلف من حين وفاته إلى هذه السنة‏.‏

وفيها في ربيع الآخر توفي السلطان الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون بوجع المفاصل والقولنج وكان فيه ديانة ويقرأ القرآن آخر يوم موته جلس مكانه أخوه السلطان الملك الكامل شعبان وأخرج آل ملك نائب أخيه إلى نيابة صفد وقماري إلى نيابة طرابلس‏.‏

وفيهـا فـي ربيـع الآخـر نقـل يلبغـا الناصري من نيابة‏ حلب إلى نيابة دمشق مكان طقزتمر وسافر طقزتمر إلى مصر بعد المبالغة في امتناعه من النقلة من الدمشق فما أجيب إلى ذلك وتوفي طقزتمر بمصر بعد مدة يسيرة وكان عنده ديانة‏.‏

وفيـه وصـل الأميـر سيـف الديـن أرقطـاي إلـى حلـب نائباً‏.‏

وأبطل الخمور والفجور بعد اشتهارها ورفع عن القرى الطرح وكثيراً من المظالم ورخص السعر وسررنا به‏.‏

وفيها عزل سيف بن فضل بن عيسى عن إمارة العرب ووليها أحمد بن مهنا وأعيد إقطاع فياض بن مهنا إليه ورضي عنه واستعيد من أيدي العرب من الإقطاعات والملك شيء كثير وجعـل خاصـاً لبيـت المـال‏.‏

وفيها في جمادى الأولى صلي بحلب صلاة الغائب على القاضي عز الدين بن المنجا الحنبلي قاضي دمشق وهو معري الأصل‏.‏

وفيها في شهر رمضان وصل القاضي بهاء الدين حسن بن جمال الدين سليمان بن ريان إلى حلب ناظراً على الجيش على عادته عوضاً عن القاضي بدر الدين محمد ابن الشهاب محمود الحلبي ثم ما مضى شهر حتى أعيد بـدر الديـن عوضـاً عـن بهـاء الديـن وهكـذا صـارت المناصب كلها بحلب قصيرة المدة كثيرة الكلفة‏.‏

قلت‏:‏ ساكنـي مصـر أيـن ذاك التأنـي والتأنـي ومـا لكـم عنه عذر يخسر الشخص مالـه ويقاسـي تعب الدهر والولاية شهر وفيها كتب على باب قلعة حلب وغيرها من القلاع نقراً في الحجر ما مضمونه مسامحة الجند بما كان يؤخذ منهم لبيت المال بعد وفاة الجندي والأمير وذلك أحد عشر يوماً وبعض يوم في وفيها قتلت الأرمن ملكهم كنداصطبل الفرنجي كان علجاً لا يداري المسلمين فخربت بلادهم وملكوا مكانه‏.‏

وفيها في أواخرها ملكت التركمان قلعة كابان وربضها بالحيلة وهي من أمنع قلاع سيس مما يلي الروم وقتلوا رجالها وسبوا النساء والأطفال فبادر صاحب سيس الجديـد لاستنقاذهـا فصادفه ابن دلغادر فأوقع بالأرمن وقتل منهم خلقاً وانهزم الباقون‏.‏

قلت‏:‏ صاحب سيس الجديـد نـادى كابـان عندي عديل روحي قلنا تأهب لغير هذا فذا فتوح على الفتوح وبعد فتحها قصد النائب بحلب أن يستنيب فيها من جهـة السلطـان فعتـا ابـن دلغـادر عـن ذلك فجهزوا عسكراً لهدمها ثم أخذتها الأرمن منه بشؤم مخالفته لولي الأمر وذلك في رجب سنة سبع وأربعين وسبعمائة‏.‏

وفيها في ذي الحجة قبض على قماري الناصرية نائب طرابلس وعلى آل ملك نائـب صفـد وولي طرابلس بيدمر البدري وصفد أرغون الناصري‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وأربعين وسبعمائة

والتتار مختلفون كما كانوا وفيها في المحرم طلب الحاج أرقطاي نائب حلب إلى مصر وارتفع شأنه وصار رأس مشورة مكـان حسنكلـي بـن البابـا فإنـه توفـي قبـل ذلـك بأيـام وفيـه أقبـل إلى حلب وبلادها من جهة الشرق جراد عظيم فكان أذاه قليلاً بحمد الله‏.‏

قلت‏:‏ رجل جراد صدها عن الفساد الصمد فكم وكم للطفه في هـذا الرجـل يـد وفيها في ربيع الأول وصل إلى حلب الأمير سيف الدين طقتمر الأحمدي نائباً نقل إليها من حماة وولي حماة مكانه أسندمر العمري‏.‏

وفيها في جمادى الأولى سافر القاضي ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب وولي كتابة السر بدمشق وتولى كتابة السر بحلب مكانـه القاضـي جمـال الديـن إبراهيـم ابـن الشهاب محمود الحلبي‏.‏

وفيها في جمادى الأولى بلغنا أن نائب الشام يلبغا خرج إلى ظاهر دمشق خوفاً من القبض عليه وشق العصا وعاضد أمراء مصر حتى خلع السلطـان الملـك الكامـل شعبـان وأجلسـوا مكانه أخاه السلطان الملك المظفر أمير حاج وسلموا إليه أخاه الكامل فكـان آخـر العهـد بـه ونـاب عـن المظفـر بمصـر الحـاج أرقطـاي المنصـور ولمـا تـم هـذا الأمر تصدق يلبغا في المملكة الحلبية وغيرها بمال كثير ذهب وفضة شكراً لله تعالى وكان هذا الملك الكامل سيء التصرف يولي المناصب غير أهلها بالبذل ويعزلهم عن قريب ببذل غيرهم وكان يقول عن نفسه أنا ثعبان لا شعبان‏.‏

وفيها في رجب توفي بحلب الأمير شهاب الدين قرطاي الأسندمري من مقدمي الألوف أمير عفيف الذيل متصون‏.‏

وفيها في مستهل رجب سافر طقتمر الأحمدي نائب حلب إلى الديار المصرية وسببه وحشة بينه وبين نائب الشام فإنه ما ساعده على خلع الكامل وحفظ أيمانه‏.‏

وفيها وقع الوباء ببلاد أزبك وخلت قرى ومدن من الناس ثم اتصل الوباء بالقرم حتى صار يخرج منها في اليوم ألف جنازة أو نحو ذلك حكى لي ذلك من أثق به من التجار ثم اتصل الوباء بالروم وهلك منهم خلق وأخبرني تاجر من أهل بلدنا قدم من تلـك البلـاد أن قاضـي القرم قال‏:‏ أحصينا من مات بالوباء فكانوا خمسة وثمانين ألف غير من لا نعرفه والوباء اليوم بقبرس والغلاء العظيم أيضاً‏.‏

وفيها في شعبان وصل إلى حلب الأمير سيف الدين بيدمر البدري نقل إليها من طرابلس وولي طرابلس مكانه وهذا البدري عنده حدة وفيه بدرة ويكتب على كثير مـن القصـص وفيها توفي بطرابلس قاضيها شهاب الدين أحمد بن شرف الزرعي وتولـى مكانـه القاضـي شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف الحموي‏.‏

وفيها في ذي الحجة صدرت بحلب واقعة غريبة وهي أن بنتاً بكراً من أولـاد أولـاد عمـرو التيزيني كرهت زوجها ابن المقصوص فلقنت كلمة الكفر لينفسخ نكاحها قبل الدخول فقالتها وهي لا تعلم معناها فأحضرهـا البـدري بـدار العـدل بحلـب وأمـر فقطعـت أذناهـا وشعرهـا علق ذلك في عنقها وشق أنفها وطيف بها على دابة بحلب وبتيزين وهي من أجمل البنات وأحياهن فشق ذلك على الناس وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية بحلب حتى نساء اليهود وأنكرت القلوب قبح ذلك وما أفلح البدري بعدها‏.‏

قلت‏:‏ وضـج النـاس من بدر منير يطوف مشرعاً بين الرجال ذكـرت ولا سـواء بها السبايا وقـد طافـوا بهـن علـى الجمال وفيه ورد البريد بتوليه السيد علاء الدين علي بن زهرة الحسيني نقابة الأشراف بحلب مكان ابن عمه الأمير شمس الدين حسن بن السيد بدر الدين محمد بن زهرة وأعطي هذا إمارة طبلخانات بحلب‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وسبعمائة

وفيها في ثالث المحرم وصل إلى حلب القاضي شهاب الدين بن أحمد بن الرياحي على قضاء المالكية بحلب وهو أول مالكي استقضى بحلب ولا بد لها من قاض حنبلي بعد مدة لتكمل به العدة إسوة مصر ودمشق‏.‏

وفي السنة التي قبلها تجدد بطرابلس قاض حنفي مع الشافعي‏.‏

وفيها في المحرم صلي بحلب صلاة الغائب على القاضي شرف الدين محمد بن أبي بكر بن ظافـر الهمذانـي المالكـي قاضـي المالكيـة بدمشـق وقـد أنـاف علـى الثمانيـن كـان ديناً خيراً متجملاً في الملبس وهو الذي عاضد تنكز على نكبة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة وها هم قد التقوا عند الله تعالى‏.‏

وفيـه ظهـر بيـن منبـج والبـاب جـراد عظيم صغير من بزر السنة الماضية فخرج عسكر من حلب وخلق من فلاحي النواحي الحلبية نحو أربعة آلاف نفس لقتله ودفنه وقامت عندهم أسواق وصرفت عليهم من الرعية أموال وهذه سنة ابتدأ بها الطنبغا الحاجب من قبلهم‏.‏

قلت‏:‏ قصد الشام جـراد سـن للغلات سنا فتصالحنا عليـه وحفرنـا ودفنا وفيهـا فـي المحـرم سافـر الأميـر ناصـر الديـن بـن المحسنـي بعسكـر من حلب لتسكين فتنة ببلد شيزر بين العرب والأكراد قتل فيها من الأكراد نحو خمسمائة نفس ونهبت أموال ودواب‏.‏

وفيها في المحرم عزمت الأرمن على نكبة لا بأس فأوقع بهم أمير إياس حسام الدين محمود بن داود الشيباني وقتل من الأرمن خلقاً وأسر خلقاً وأحضرت الرؤوس والأسرى إلى حلب في يوم مشهود فلله الحمد‏.‏

وفيها منتصف ربيع الأول سافر بيدمر البدري نائب حلب إلى مصر معزولاً أنكروا عليه ما اعتمده في حق البنت من تيزين المقدم ذكرها وندم على ذلك حيث لا ينفعه الندم‏.‏

وفيه وصل إلى حلب نائبها أرغون شاه الناصري في حشمة عظيمة نقل إليها من صفد وفيه قطعـت الطـرق وأخيفـت السبـل بسبـب الفتنـة بيـن العـرب لخـروج إمـرة العرب عن أحمد بن مهنا إلى سيف بن فضل بن عيسى‏.‏

قلت‏:‏ تريد لأهل مصر كل خير وقصدهـم لنـا حتـف وحيـف وهل يسمو لأهـل الشـام رمـح إذا استولى على العربان سيف وفيهـا فـي ربيـع الآخـر قـدم علـى كركـر والختا وما يليها عصافير كالجراد منتشر فتنازع الناس إلى شيل الغلات بداراً وهذا مما لم يسمع بمثله وفيه وصل تقليد القاضي شرف الدين موسى بن فياض الحنبلي بقضاء حنابلة بحلب فصار القضاة أربعة ولما بلغ بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي أنشد قـول ثـم كلا النوعين جاء فضله منكراً بعد تمام الجملة وفيها في جمادى الأولى هرب يلبغا من دمشق بأمواله وذخائره التي تكاد تفوت الحصر خشية من القبض عليه وقصد البـر فخانـه الدليـل وخذلـه أصحابـه تناوبتـه العربـان مـن كـل جانـب وألزمه أصحابه قهراً بقصد حماة ملقياً للسلاح فلقيه نائب حمص مستشعراً منه أدخلـه حمـاة ثم حضر من تسلمه من جهة السلطان وساروا به إلى جهة مصر فقتلوه بقاقون ودفن بهـا وهذا من لطف الله بالإسلام فإنه لو دخل بلاد التتار أتعب الناس ورسم السلطان بإكمـال جامعه الذي أنشأه بدمشق وأطلق له ما وقفه عليه وهو جامع حسن بوقف كثير وكان يلبغا خيراً للناس من حاشيته بكثير وكان عفيفاً عن أموال الرعية وما علمنا أن أحداً من الترك ببلادنا حصل له ما حصل ليلبغا جمع شمله بأبيه وأمه وإخوته وكل منهم أمير إلى أن قضى نحبـه رحمـه اللـه تعالـى‏.‏

وفيهـا فـي جمـادى الآخـرة نقـل أرغـون شاه من نيابة حلب إلى نيابة دمشق فسافر عاشر الشهر وبلغنا أنه وسّط في طريقه مسلمين وهذا أرغون شاه في غاية السطوة مقدم على سفك الدم بلا تثبت قتل بحلب خلقاً ووسط وسمر وقطع بدوياً سبع قطع بمجرد الظن بحضرته‏.‏

وغضب على فرس له قيمة كثيرة مرح بالعلافة فضربه حتى سقط ثم قـام فضربـه حتـى عقلت طرفك حتى أظهـرت للنـاس عقلك لا كـان دهـر يولي على بني الناس مثلك وفيه اقتتل سيف بن فضل أمير العرب وأتباعه أحمد وفياض‏.‏

في جمع عظيم قرب سلمية فانكسر سيف ونهبت جماله وماله ونجا بعد اللتيا والتي في عشرين فارساً وجرى على بلد المعرة وحماة وغيرهما في هذه السنة بل في هذا الشهر من العرب أصحاب سيف وأحمد وفياض من النهب وقطع الطرق ورعي الكروم والزروع والقطن والمقاتي ما لا يوصف‏.‏

وفيـه انكسـر الملـك الأستر بن تمرتاش ببلاد الشرق كسرة شنيعة ثم شربوا من نهر مسموم فمات أكثرهم ومزقهم الله كل ممزق وكان هذا المذكور رديء النية فذاق وبال أمره‏.‏

وفيها في أواخرها وصل إلى حلب نائباً فخر الدين أياز نقل إليها من صفد‏.‏

وفيها في رمضان قتل السلطان الملك المظفر أمير حاج ابن الملك الناصر بن قلاوون بمصـر وأقيم مكانه أخوه السلطان الملك الناصر حسن كان الملك المظفـر قـد أعـدم أخـاه الأشـرف كجك وفتك بالأمراء وقتل مـن أعيانهـم نحـو أربعيـن أميـراً مثـل بيدمـر البـدري نائـب حلـب ويلبغا نائب الشام وطقتمر النجمي الدواتـدار وأقسنقـر الـذي كـان نائـب طرابلـس ثـم صـار الغالب على الأمـر بمصـر أرغـون العلائـي والكتمـر الحجـازي وتتمـش عبـد الغنـي أميـر مائـة مقدم ألف وشجاع الدين غرلو وهو أظلمهم ونجم الدين محمود بن شرويـن وزيـر بغـداد ثـم وزيـر مصـر وهو أجودهم وأكثرهم براً ومعروفاً حكى لنا أن النور شوهد على قبره بغزة وكان المظفر قد رسم لعبد أسود صورة أن يأخذ على كل رأس غنم تباع بحلب وحماة ودمشق نصف درهم فيوم وصول الأسود إلى حلب وصل الخبر بقتل السلطـان فسـر النـاس بخيبـة الأسود‏.‏

وفيها في شوال طلب السلطان فخر الدين أياز نائب حلـب إلـى مصـر وخافـت الأمـراء أن يهرب فركبوا من أول الليل وأحاطوا به فخرج من دار العدل وسلم نفسه إليهم فأودعوه القلعة ثم حمل إلى مصر فحبس وهو أحد الساعين في نكبة يلبغا وأيضاً فإنه من الجركس وهو أضداد الجنس التتار بمصر وكان المظفر قد مال عن جنس التتار إلى الجركس ونحوهم فكان ذلك أحد ذنوبه عندهم فانظر إلى هذه الدول القصار التي ما سمع بمثلها في الإعصار قلت‏:‏ هذي أمـور عظـام من بعضهـا القلـب ذائـب مـا حال قطر يليه في كل شهرين نائب وفيها في ذي الحجة وصـل إلـى حلـب الحـاج أرقطـاي نائبـاً بعـد أن خطبـوه إلـى السلطنـة‏.‏

والجلوس على الكرسي بمصر فأبى وخطبوا قبله إلى ذلك الخليفة الحاكم بأمر الله فامتنع كل هذا خوفاً من القتل فلما جلس الملك الناصر حسن على الكرسي طلب الحاج أرقطاي منه نيابة حلب فأجيب وأعفى الناس من زينة الأسواق بحلب لأنها تكررت حتى سمجت قلت‏:‏ كـم ملـك جاءوكـم نائـب يـا زينـة الأسـواق حتى متى قد كرروا الزينـة حتـى اللحـى ما بقيـت تلحـق أن تنبتـا وفيـه بلغنـا أن السلطـان أبـا الحسن المريني صاحب المغرب انتقل من المغرب الجواني من فاس إلى مدينة تونس وهي أقرب إلينا من فاس بثلاثة أشهر وذلك بعد موت ملكهـا أبـي بكـر مـن الحفصيين بالفالج وبعد أن أجلس أبو الحسن ابنه على الكرسي بالغرب الجواني وقد أوجس المصريون من ذلك خيفة فإن بعض الأمراء المصريين الأذكياء أخبرني أن الملك الناصر محمـداً كان يقول‏:‏ رأيت في بعض الملاحم أن المغاربة تملك مصر وتبيع أولاد الترك في سويقة مازن وهذا السلطان أبو الحسن ملك عالم مجاهد عادل كتب من مدة قريبة بخطه ثلاثة مصاحف ووقفها علـى الحرمين وعلى حرم القدس وجهز معها عشرة آلاف دينار اشترى بها أملاكاً بالشام و ووقفت على القراء والخزنة للمصاحف المذكورة‏.‏

ووقفت على نسخة توقيع بمسامحـة الأوقـاف المذكـورة بمـؤن وكلـف وأحكـار أنشـأه صاحبنـا الشيخ جمال الدين بن نباته المصري أحد الموقعين الآن بدمشق أوله‏:‏ الحمد لله الذي أرهف لعزائم الموحدين غرباً وأطلعهم بهممهم حتى في مطالع الغرب شهباً وعرف بين قلوب المؤمنين حتى كان البعد قرباً وكان القلبان قلباً وأيد بولاء هذا البيت الناصري ملوك الأرض وعبيد الحق سلماً وحرباً وعضد ببقائه كل ملك إذا نزل البر أنبتـه يـوم الكفـاح أسـلاً ويـوم السمـاح عشباً وإذا ركب البحر لنهب الأعداء كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً وإذا بعث هداياه المتنوعة كانت عراباً تصحب عربـاً ورياضـاً تسحـب سحبـاً وإذا وقـف أوقـاف البـر سمعت الآفاق من خط يده قرآناً عجباً واهتزت بذكراه عجباً‏.‏

ومنها‏:‏ وذو الولاء قريب وإن نأت داره ودان بالمحبة وإن شط شط بحره ومزاره وهـو بأخبـاره النيرة محبوب كالجنة قبل أن ترى موصوف كوصف المشاهد وإن حالت عن الاكتحال بطلعته أميال السرى ولما كان السلطان أبو الحسن سر الله ببقائه الإسلام والمسلمين وسره بما كتب من اسمه في أصحاب اليمين وما أدراك ما أصحاب اليمين هو الذي مد اليمين بالسيف والقلم فكتب في أصحابها وسطر الختمات الشريفة فنصر الله حزبه بمـا سطـر مـن أحزابهـا ومـد الرمـاح أرشيـة فاشتقـت مـن قلوب الأعداء قليباً والأقلام أروية فشفت ضعف البصائر وحسبك بالذكر الحكيم طبياً‏.‏

ومنها ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه المجيد المجدي وخط سطورهـا بالعربـي وطالمـا خط في صفوف الأعداء بالهندي‏.‏

ومنها وأمر بترتيب خزنة وقراء على مطالع أفقها ووقف أوقافهـا تجـري أقلـام الحسنـات فـي أطلاقها وطلقها وحبس أملاكاً شامية تحدث بنعم الأملاك التي سرت من مغرب الشمس إلى مشرقها ورغب في المسامحة على تلك الأملاك من أحكار ومؤونات وأوضاع ديوانية وضع بها خط المسامحة في دواوين الحسنات المسطرات فأجيب على البعد داعيـه وقوبـل بالإسعـاف والإسعـاد وقفـه ومساعيـه وختمهـا بقولـه‏:‏ واللـه تعالى يمتع من وقف هذه الجهات بما سطر له في أكرم الصحائف وينفع الجالس من ولاة الأمور في تقريرها ويتقبل من الواقف‏.‏

وفيـه صلـي بحلـب صلـاة الغائـب علـى الشيـخ شمس الدين بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي منقطـع القريـن فـي معرفـة أسمـاء الرجـال محـدث كبيـر مـؤرخ مـن مصنفاتـه كتاب تاريخ الإسلام وكتاب الموت وما بعده وكف بصره في آخر عمره ومولده سنه ثلـاث وسبعين وستمائة واستعجل قبل موته فترجم في تواريخه الأحياء المشهورين بدمشق وغيرها واعتمد في ذكر سير الناس على أحداث يجتمعون به وكان في أنفسهم من الناس فآذى بهذا السبب في مصنفاته أعراض خلق من المشهورين‏.‏

وفيها كان الغلاء بمصر ودمشق وحلب وبلادهن والأمر بدمشق أشـد حتـى انكشفـت فيـه أحوال خلق وجلا كثيرون منها إلى حلب وغيرها وأخبرني بعض بني تيمية أن الغرارة وصلت بدمشق إلى ثلاثمائة وبيع البيض كل خمسة بيضات بدرهم واللحم رطل بخمسة وأكثر والزيت رطل بستة أو سبعة‏.‏

وفيها في ذي الحجة قيد الأمير شهاب الدين أحمد ابن الحاج مغلطاي القره سنقري وحمل إلى دمشق فسجن بالقلعة وكان مشد الوقف بحلب وحاجباً وكان قبل هذه الحادثة قد سعـى في بعض القضاة وقصد له إهانة بدار العدل فسلم الله القاضي وأصيب الساعي المذكور وربمـا كـان طلبـه من مصر يوم سعيد في القاضي ثم خلص بعد ذلك وأعيد إلى حلب وصلح حاله‏.‏

وفيها توفي بدمشق ابن علوي أوصى بثلاثين ألف درهم تفرق صدقة وبمائتي ألف وخمسين ألفاً تشترى بها أملاك وتوقف على البر فاجتمع خلق من الحرافيش والضعفاء لتفريق الثلاثين ألفاً ونهبوا خبزاً من قدام الخبازين فقطع أرغون شاه نائب دمشـق منهـم أيـدي خلـق وسمـر خلقاً بسبب ذلك فخرج منهم خلق من دمشق وتفرقوا ببلاد الشمال‏.‏

وفيهـا فـي ذي الحجـة ضرب نيرون - بالنون - نائب قلعة المسلمين قاضيها برهان الدين إبراهيم بن محمد بن ممدود واعتقله ظلماً وتجبراً فبعد أيام قليلة طلب النائب إلى مصر معزولاً ويغلب على ظني أنه طلب يوم تعرضه للقاضـي فسبحـان رب الـأرض والسمـاء الـذي لا يمهـل مـن استطال على العلماء‏.‏

قلت‏:‏ قل لأهل الحياة مهما رمتم عـزاً وطاعـه لا تهينوا أهـل علـم فإذا هم سم ساعه وفيه في العشر الأوسط من آذار وقع بحلب وبلادها ثلج عظيم وتكرر أغاث الله به البلاد واطمأنت به قلوب العباد وجاء عقيب غلاء أسعار وقلة أمطار‏.‏

قلت‏:‏ ثلج بآذار أم الكافور في مزاجـه ولونـه والمطعم لولاه سالت بالغلاء دماؤنا من عادة الكافور إمساك الدم وفيها جاءت ريح عظيمة قلعت أشجاراً كثيرة وكانت مراكب للفرنج قد لججت للوثوب على سواحل المسلمين فغرقت بهذه الريح وكفى الله المؤمنين القتال‏.‏

قلت‏:‏ قل للفرنـج تأدبـوا وتجنبـوا فالريح جند نبينا اجماعا إن قلعت في البر أشجاراً فكم في البحر يوماً شجرت أقلاعـا وفيها توفي الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي بعزاز كان له منزلة عند الطنبغا الحاجب نائب حلب وبنى بعـزاز مدرسـة حسنـة وسـاق إليهـا القنـاة الحلـوة وانتفـع الجامـع وكثيـر مـن المساجد بهذه القناة وله آثار حسنة غير ذلك رحمه الله تعالى‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وأربعين وسبعمائة

وقراجـا بـن دلغـادر التركمانـي وجمائعـه قـد شغبـوا واستطالـوا ونهبـوا وتسمى بالملك القاهر وأبان عن فجور وحمق ظاهر ودلاه بغروره الشيطان حتى طلب من صاحب سيس الحمل الذي يحمل إلى السلطان‏.‏

وفيها في شهر رجب وصل الوباء إلى حلب كفانا الله شره وهذا الوباء قيل لنا إنه ابتدأ من الظلمات من خمس عشرة سنة متقدمة على تاريخه وعملـت فيـه رسالـة سميتهـا النبـا عـن الوبا‏.‏

فمنها‏:‏ اللهم صل على سيدنا محمد وسلم ونجنا بجاهه من طغيان الطاعون وسلم طاعون روع وأمات وابتدأ خبره من الظلمات فواهاً له من زائر من خمس عشرة سنة دائر ما صين عنـه الصيـن ولا منع منه حصن حصين سل هندياً في الهند واشتد على السند وقبض بكفيه وشبك على بلاد أزبك وكم قصم من ظهر فيما وراء النهـر ثـم ارتفـع ونجـم وهجـم علـى العجم وأوسع الخطا إلى أرض الخطا وقرم القرم ورمى الروم بجمر مضطرم وجر الجرائر إلى قبرس والجزائر ثم قهر خلقاً بالقاهرة وتنبهت عينه لمصر فإذا هم بالساهـرة وأسكـن حركـة الإسكندرية فعمل شغل الفقراء مع الحريرية‏.‏

ومنها‏:‏ إسكندرية ذا الوباء سبع يمد إليك ضبعه صبراً لقسمته التي تركت من السبعين سبعه ثم تيمم الصعيد الطيب وأبرق على برقة منه صيب ثم غزا غزة وهز عسقلان هزة وعك إلى عكا واستشهد بالقدس وزكى فلحق من النهار بين الأقصى بقلب كالصخرة ولولا فتح باب الرحمة لقامت القيامة في مرة ثـم طـوى المراحـل ونـوى أن يحلـق الساحـل فصـاد صيـداً وبغت بيروت كيداً ثم صدد الرشق إلى جهة دمشق فتربع ثم وتميد وفتك كل يوم بألف وأزيد فأقل الكثرة وقتل خلقاً ببثرة‏.‏

ومنها‏:‏ أصلح اللـه دمشقـاً وحماها مـن مسبـه نفسها خسـت إلـى أن تقتـل النفـس بحبه ثم أمر المزه وبرز إلى برزة وركب تركيب مزج على بعلبك وأنضد في قارة قفا نبك ورمى حمص بجلل وصرفها مع علمه أن فيها ثلاث علل ثم طلـق الكنـة فـي حمـاة فبـردت أطـراف يـا أيهـا الطاعـون إن حمـاة من خير البلاد ومن أعـز حصونهـا لا كنت حين شممتها فسممتها ولثمت فاها آخذاً بقرونها ثم دخل معرة النعمان فقال لها أنت مني في أمان حماة تكفيك فلا حاجة لي فيك‏:‏ رأى المعـرة عينـاً زانها حور لكـن حاجبهـا بالجور مقرون ماذا الذي يصنع الطاعون في بلد في كـل يـوم لـه بالظلـم طاعـون ثـم سرى إلى سرمين والفوعة فشعث عن السنة والشيعة فسن للسنة أسنته شرعاً وشيع في منازل الشيعة مصرعاً ثم أنطى أنطاكية بعض نصيب ورحـل عنـه حيـاء مـن نسيانـه ذكـرى حبيب ثم قال لشيزر وحارم لا تخافا مني فأنتما من قبل ومن بعد في غنى عني فالأمكنة الردية تصح في الأزمنة الردية ثم أذل عزاز وكلزه وأصبح في بيوتها الحارث ولا أغنى ابن حلزة وأخذ من أهل الباب أهل الألباب وباشر تل باشر ودلك دلوك وحاشر وقصد الوهاد والتلاع وقلع خلقاً من القلاع ثم طلب حلب ولكنه ما غلب‏.‏

ومنها ومن الأقدار أنه يتتبع أهل الدار فمتى بصق أحد منهم دماً تحققـوا كلهـم عدمـاً ثـم يسكن الباصق الأجداث بعد ليلتين أو ثلاث‏.‏

سألت بارئ النسم في دفع طاعون صدم فمن أحس بلع دم فقد أحس بالعدم ومنها‏:‏ أصبحـت حية سوء تقتـل النـاس ببزقه فلقـد كثـرت فيهـا أرزاق الجنائزيـة فـلا رزقـوا وعاشـوا بهـذا الموسـم وعرقـوا مـن الحمـل فـلا عاشوا ولا عرفوا فهم يلهون ويلعبون ويتقاعدون على الزبون‏:‏ اسـودت الشهباء في عيني من وهم وغش كادت بنو نعـش بهـا أن يلحقوا ببنات نعـش ومما أغضب الإسلام وأوجب الآلام أن أهل سيس الملاعين مسرورون لبلادنا بالطواعين‏:‏ سكان سيس يسرهم ما ساءنا وكذا العوائـد مـن عـدو الديـن فاللـه ينقلـه إليهـم عاجلاً ليمزق الطاغوت بالطاعون ومنها فإن قال قائل هو يعدي ويبيد قلت بل الله يبدي ويعيد فإن جادل الكاذب في دعوى العدوى وتأول قلنا فقد قال الصادق صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول استرسل ثعبانه وانسـاب وسمـى طاعـون الأنسـاب وهو سادس طاعون وقع في الإسلام وعندي أنه الموتان الذي أنذر به نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام‏.‏

كان وكان‏:‏ أعوذ بالله ربي من شر طاعون النسب باروده المستعلي قد طار في الأقطار يدخل إلى الدار يحلف ما أخرج إلا بأهلها معي كتاب القاضي بكل من في الدار وفي هذا كفاية ففي الرسالة طول‏.‏

وفيها أسقط القاضي المالكي الرياحي بحلب تسعة من الشهود ضربة وحدة فاستهجـن منـه ذلك وأعيدوا إلى عدالتهم ووظائفهم‏.‏

وفيها قتل بحلب زنديقان أعجميان كانا مقيمين بدلوك‏.‏

وفيها بلغنا وفاة القاضي زين الدين عمر البلقيائي بصفد بالوباء والشيخ ناصر الدين العطار بطرابلـس بالوبـاء وهـو واقف الجامع المعروف به بها وفيها توفي القاضي جمال الدين سليمان بن ريان الطائي بحلب منقطعاً تاركاً للخدم ملازماً للتلاوة‏.‏

وفيها بلغنا أن أرغون شاه وسط بدمشق كثيراً من الكلاب‏.‏

وفيهـا توفـي الأميـر أحمـد بن مهنا أمير العرب وفتّ ذلك في أعضاد آل مهنا وتوجه أخوه فياض الغشوم القاطع للطرق الظالم للرعية إلى مصر ليتولى الإمارة على العرب مكان أخيه أحمـد فأجيب إلى ذلك فشكا عليه رجل شريف أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله وتعرض إلـى حريمـه فرسم السلطان بإنصافه منه فأغلظ فياض في القول طمعاً بصغر سن السلطان فقبضوا عليه قبضاً شنيعاً‏.‏

وفيهـا فـي سلـخ شـوال توفي قاضي القضاة نور الدين محمد بن الصائغ بحلب وكان صالحاً عفيفاً ديناً لم يكسر قلب أحد ولكنه لخيريته طمع قضاة السـوء فـي المناصـب وصـار المناحيـس يطلعـون إلـى مصـر ويتولـون القضـاء فـي النواحـي بالبـذل وحصـل بذلك وهن في الأحكام الشرعية‏.‏

قلت‏:‏ مريد قضا بلدة له حلب قاعده فيطلع في ألفـه وينـزل فـي واحده وكان رحمه الله من أكبر أصحاب ابن تيمية وكان حامل رايته في وقعة الكسروان المشهورة‏.‏

وفيهـا فـي عاشـر ذي القعدة توفي بحلب صاحبنا الشيخ الصالح زين الدين عبد الرحمن بن هبة الله المعري المعروف بإمام الزجاجية من أهل القرآن والفقه والحديث عزب منقطع عن الناس كان له بحلب دويرات وقفهن على بني عمه وظهر له بعد موته كرامات منها أنه لما وضع في الجامع ليصلى عليه بعد العصر ظهر من جنازته نور شاهده الحاضرون ولما حمل لـم يجـد حاملوه عليهم منه ثقلاً حتى كأنه محمول عنهم فتعجبوا لذلك ولما دفن وجلسنا نقرأ عنده سورة الأنعام شممنا من قبره رائحة طيبة تغلب رائحة المسك والعنبر وتكرر ذلك فتواجد الناس وبكوا وغلبتهم العبرة وله محاسن كثيرة رحمه الله ورحمنا به آمين ومكاشفاته معروفة وفـي العشـر الأوسط منه توفي أخي الشقيق وشيخي الشفيق القاضي جمال الدين يوسف ترك في آخر عمره الحكم وأقبل على التدريس والإفتاء وكان من كثرة الفقه والكرم وسعة النفس وسلامة الصدر بالمحل الرفيع رحمة الله تعالى ودفن بمقابر الصالحين قبلي المقام بحلب‏.‏

قلت‏:‏ أخ أبقي ببـذل المـال ذكـراً وإن لامـوه فيـه ووبخـوه أزال فراقـه لـذات عبشى وكـل أخ مفارقـه أخـوه وفيـه توفي الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن القدوة نبهان الجبريني بجبرين وجلس على السجادة ابنه الشيخ محمد الصوفي كان الشيخ علي بحراً في الكرم رحمه الله ورحمنا بهم آمين‏.‏

وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة ورد البريد من مصر بتولية قاضي القضاة نجم الدين عبد القاهر بن أبي السفاح قضاء الشافعية بالمملكة الحلبية وسررنا بذلك ولله الحمد‏.‏

وفيه ظهر بمنبج على قبر النبي متى وقبر حنظلة بن خويلد أخي خديجة رضى الله عنها وهذان القبران بمشهد النور خارج منبج وعلى قبر الشيخ عقيل المنبجي وعلى قبر الشيخ ينبوب وهما داخل منبج وعلى قبر الشيخ علي وعلى مشهد المسيحات شمالي منبج أنوار عظيمـة وصـارت الأنوار تنتقل من قبر بعضهم إلى قبر بعض وتجتمع وتتراكم ودام ذلك إلى ربع الليل حتى انبهر لذلك أهل منبج وكتب ماضيهم بذلك محضراً وجهزه إلى دار العدل بحلب ثم أخبرني القاضي بمشاهدة ذلك أكابر وأعيان من أهل منبج أيضاً وهؤلاء السادة هم خفـراء الشـام ونرجـوا مـن اللـه تعالـى ارتفـاع هذا الوباء الذي كاد يفني العالم ببركتهم إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ اشفعـوا يـا رجـال منبج فينا لارتفاع الوباء عن البلدان نـزل النـور فـي الظلـام عليكم إن هـذا يزيـذ فـي الأيمـان وفيها في ذي الحجة بلغنا وفاة القاضي شهاب الدين أحمد بـن فضـل اللـه العمـري بدمشـق بالطاعون منزلته في الإنشاء معروفه وفضيلته في النظم والنثر موصوفه كتب السر للسلطان الملـك الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة بعد أبيه محي الدين ثم عزل بأخيه القاضي علاء الدين وكتب السر بدمشق ثم عزل وتفرغ للتأليف والتصنيف حتى مات عن نعمة وافرة دخل رحمه الله قبل وفاته بمدة معرة النعمان فنزل بالمدرسة التي أنشأتها ففرح لي بها وأنشد فيها ببتين أرسلهما إلي بخطه وهما‏:‏

وفي بلـد المعـرة دار علـم

**

بني الوردي منها كل مجد

هي الوردية الحلواء حسناً

**

وماء البئر منها ماء ورد

فأجبته بقولي‏:‏

أخبرني القاضي بمشاهدة ذلك أكابر وأعيان من أهل منبج أيضاً وهؤلاء السادة هم خفـراء الشـام ونرجـوا مـن اللـه تعالـى ارتفـاع هذا الوباء الذي كاد يفني العالم ببركتهم إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏

اشفعـوا يـا رجـال منبج فينا

**

لارتفاع الوباء عن البلدان

نـزل النـور فـي الظلـام عليكم

**

إن هـذا يزيـذ فـي الإيمـان

وفيها في ذي الحجة بلغنا وفاة القاضي شهاب الدين أحمد بـن فضـل اللـه العمـري بدمشـق بالطاعون منزلته في الإنشاء معروفه وفضيلته في النظم والنثر موصوفه كتب السر للسلطان الملـك الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة بعد أبيه محي الدين ثم عزل بأخيه القاضي علاء الدين وكتب السر بدمشق ثم عزل وتفرغ للتأليف والتصنيف حتى مات عن نعمة وافرة دخل رحمه الله قبل وفاته بمدة معرة النعمان فنزل بالمدرسة التي أنشأتها ففرح لي بها وأنشد فيها ببتين أرسلهما إلى بخطه وهما‏:‏

وفي بلـد المعـرة دار علـم

**

بني الوردي منها كل مجد

هي الوردية الحلواء حسناً

**

وماء البئر منها ماء ورد

فأجبته بقولي‏:‏

جميع الناس عندكم نـزول

**

وأنت جبرتنـي ونزلـت عنـدي ‏.‏

قد تم بعون الله تعالى تاريخ العلامة الملك المؤيد إسماعيل أبي الفداء‏.‏