روضة المحبين ونزهة المشتاقين
لابن قيم الجوزية
أبو عبد الله، شمس الدين محمد ابن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة، الزُّرْعيّ الدمشقي(691 ـ 751هـ/1292 ـ 1350م)
الباب الرابع : في أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة
ولأجلها وأن حركات الأفلاك والشمس والقمر
والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب
وهذا باب شريف من أشرف أبواب الكتاب وقبل تقريره لا بد من بيان مقدمة وهي
أن الحركات ثلاث حركة إرادية وحركة طبيعية وحركة قسرية وبيان الحصر أن مبدأ
الحركة إما أن يكون من المتحرك أو من غيره فإن كان من المتحرك فإما أن
يقارنها شعوره وعلمه بها أولا فإن قارنها الشعور والعلم فهي الإرادية وإن
لم يقارنها الشعور والعلم فهي الطبيعية وإن كانت من غيره فهي القسرية وإن
شئت أن تقول المتحرك إما أن يتحرك بإرادته أو لا فإن تحرك بإرادته فحركته
إرادية وإن تحرك بغير إرادته فإما أن تكون حركته إلى نحو مركزه أولا فإن
تحرك إلى جهة مركزه فحركته طبيعية وإن تحرك إلى غير جهة مركزه فحركته قسرية
إذا ثبت هذا فالحركة الإرادية تابعة لإرادة المتحرك والمراد إما أن يكون
مرادا لنفسه أو لغيره ولا بد أن ينتهي المراد لغيره إلى مراد لنفسه دفعا
للدور والتسلسل الإرادة إما أن تكون لجلب منفعة ولذة إما للمتحرك وإما
لغيره أو دفع ألم ومضرة إما عن المتحرك أو عن غيره والعاقل لا يجلب لغيره
منفعة ولا يدفع عنه مضرة إلا لما له في ذلك من اللذة ودفع الألم فصارت
حركته الإرادية تابعة لمحبته بل هذا حكم كل حي متحرك وأما الحركة الطبيعية
فهي حركة الشيء إلى مستقره ومركزه وتلك تابعة للحركة التي اقتضت خروجه عن
مركزه وهي القسرية التي إنما تكون بقسر قاسر أخرجه عن مركزه إما باختياره
كحركة الحجر إلى اسفل إذا رمى به إلى جهة فوق وإما بغير اختيار محركه
كتحريك الرياح للأجسام إلى جهة مهابها وهذه الحركة تابعة للقاسر وحركة
القاسر ليست منه بل مبدؤها من غيره فإن الملائكة موكلة بالعالم العلوي
والسفلي تدبره بأمر الله عز وجل كما قال الله تعالى ^ فالمدبرات أمرا ^
وقال فالمقسمات أمر وقال تعالى ^ والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات
نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ^ وقال ^ والنازعات غرقا والناشطات
نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ^ وقد وكل الله سبحانه
بالأفلاك والشمس والقمر ملائكة تحركها ووكل بالرياح ملائكة تصرفها بأمره
وهم خزنتها قال الله تعالى ^ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ^ وقال غير
واحد من السلف عتت على الخزان فلم يقدروا على ضبطها ذكره البخاري في صحيحه
ووكل بالقطر ملائكة وبالسحاب ملائكة تسوقه إلى حيث أمرت به وقد ثيت في
الصحيح عن النبي أنه قال بينا رجل بفلاة من الأرض إذ سمع صوتا في سحابة
يقول اسق حديقة فلان فتتبع السحابة حتى انتهت إلى حديقة فأفرغت ماءها فيها
فنظر فإذا رجل في الحديقة يحول الماء بمسحاة فقال له ما اسمك يا عبدالله
فقال فلان الإسم الذي سمعه في السحابة فقال إني سمعت قائلا يقول في هذه
السحابة اسق حديقة فلان فما تصنع في هذه الحديقة فقال إنى أنظر ما يخرج
منها فأجعله ثلاثة أثلاث ثلث أتصدق به وثلث انفقه على عيالي وثلث أرده فيها
ووكل الله سبحانه بالجبال ملائكة وثبت عن النبي أنه جاءه ملك الجبال يسلم
عليه ويستأذنه في هلاك قومه إن أحب فقال بل أستأني لهم لعل الله أن يخرج من
أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ووكل بالرحم ملكا يقول يا رب نطفة يا
رب علقة يا رب مضغة يا رب ذكر أم أنثى فما الرزق فم الأجل وشقي أم سعيد
ووكل بكل عبد أربعة من الملائكة في هذه الدنيا حافظان عن يمينه وعن شماله
يكتبان أعماله ومعقبات من بين يديه ومن خلفه أقلهم اثنان يحفظونه من أمر
الله ووكل بالموت ملائكة ووكل بمساءلة الموتى ملائكة في القبور ووكل
بالرحمة ملائكة وبالعذاب ملائكة وبالمؤمن ملائكة يثبتونه ويؤزونه إلى
الطاعات أزا ووكل بالنار ملائكة يبنونها ويوقدونها ويصنعون أغلالها
وسلاسلها ويقومون بإمرها ووكل بالجنة ملائكة يبنونها ويفرشونها ويصنعون
أرائكها وسررها وصحافها ونمارقها وزرابيها فأمر العالم العلوي والسفلي
والجنة والنار بتدبير الملائكة بإذن ربهم تبارك وتعالى وأمره ^ لا يسبقونه
بالقول وهم بأمره يعملون ^ و ^ لا يعصون الله ما أمرهم ^
^ ويفعلون ما يؤمرون ^ فأخبر أنهم لا يعصونه في أمره وأنهم قادرون على
تنفيذ أوامره ليس بهم عجز عنها بخلاف من يترك ما أمر به عجزا فلا يعصى الله
ما أمره وإن لم يفعل ما أمره به وكذلك البحار قد وكلت بها ملائكة تسجرها
وتمنعها أن تفيض على الأرض فتغرق أهلها وكذلك أعمال بني آدم خيرها وشرها قد
وكلت بها ملائكة تحصيها وتحفظها وتكتبها ولهذا كان الإيمان بالملائكة أحد
أركان الإيمان الذي لا يتم إلا به وهي خمس الإيمان بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر وإذا عرف ذلك عرف أن كل حركة في العالم فسببها الملائكة
وحركتهم طاعة الله بأمره وإرادته فيرجع الأمر كله إلى تنفيذ مراد الرب
تعالى شرعا وقدرا والملائكة هم المنفذون ذلك بأمره ولذلك سموا ملائكة من
الألوكة وهي الرسالة فهم رسل الله في تنفيذ أوامره والمقصود أن حركات
الأفلاك وما حوته تابعة للحركة الإرادية المستلزمة للمحبة فالمحبة والإرادة
أصل كل فعل ومبداه فلا يكون الفعل إلا عن محبة وإرادة حتى دفعه للأمور التي
يبغضها ويكرهها فإنما يدفعها بإرادته ومحبته لأضدادها واللذة التي يجدها
بالدفع كما يقال شفى غيظه وشفى صدره والشفاء والعافية يكون للمحبوب وإن كان
كريها مثل شرب الدواء الذي يدفع به ألم المرض فإنه وإن كان مكروها من وجه
فهو محبوب لما فيه من زوال المكروه وحصول المحبوب وكذلك فعل الأشياء
المخالفة للهوى فإنها وإن كانت مكروهة فإنما تفعل لمحبة وإرادة وإن لم تكن
محبوبة لنفسها فإنها مستلزمة للمحبوب لنفسه فلا يترك الحي ما يحبه ويهواه
إلا لما يحبه ويهواه ولكن يترك أضعفهما محبة لأقواهما محبة ولذلك كانت
المحبة والإرادة أصلا للبغض والكراهة فإن البغيض المكروه ينافي وجود
المحبوب والفعل إما أن يتناول وجود المحبوب أو دفع المكروه المستلزم لوجود
المحبوب فعاد الفعل كله إلى وجود المحبوب والحركة الاختيارية أصلها الإرادة
والقسرية والطبيعية تابعتان لها فعاد الأمر إلى الحركة الإرادية فجميع
حركات العالم العلوي والسفلي تابعة للإرادة والمحبة وبها تحرك العالم
ولأجلها فهي العلة الفاعلية والغائية بل هي التي بها ولأجلها وجد العالم
فما تحرك في العالم العلوي والسفلي حركة إلا والإرادة والمحبة سببها
وغايتها بل حقيقة المحبة حركة نفس المحب إلى محبوبه فالمحبة حركة بلا سكون
وكمال المحبة هو العبودية والذل والخضوع والطاعة للمحبوب وهو الحق الذي به
وله خلقت السموات والأرض والدنيا والآخرة قال تعالى وما خلقنا السموات
والأرض وما بينهما إلا بالحق وقال الله تعالى ^ وما خلقنا السماء والأرض
وما بينهما باطلا ^ وقال تعالى ^ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ^ والحق الذي
خلق به ولأجله الخلق هو عبادة الله وحده التي هي كمال محبته والخضوع والذل
له ولوازم عبوديته من الأمر والنهى والثواب والعقاب ولأجل ذلك أرسل الرسل
وأنزل الكتب وخلق الجنة والنار والسموات والأرض إنما قامت بالعدل الذي هو
صراط الله الذي هو عليه وهو أحب الأشياء إلى الله تعالى قال الله تعالى
حاكيا عن نبيه شعيب عليه السلام ^ إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة
إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ^ فهو على صراط مستقيم في شرعه
وقدره وهو العدل الذي به ظهر الخلق والأمر والثواب والعقاب وهو الحق الذي
به وله خلقت السموات والأرض وما بينهما ولهذا قال المؤمنون في عبادتهم ^
ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ^ فنزهوا ربهم سبحانه أن يكون خلق السموات
عبثا لغير حكمة ولا غاية محمودة وهو سبحانه يحمد لهذه الغايات المحمودة كما
يحمد لذاته وأوصافه فالغايات المحمودة في أفعاله هي الحكمة التي يحبها
ويرضاها وخلق ما يكره لاستلزامه ما يحبه وترتب المحبوب له عليه ولذلك يترك
سبحانه فعل بعض ما يحبه لما يترتب عليه من فوات محبوب له أعظم منه أو حصول
مكروه أكره إليه من ذلك المحبوب وهذا كما ثبط قلوب أعدائه عن الأيمان به
وطاعته لأنه يكره طاعاتهم ويفوت بها ما هو أحب إليه منها من جهادهم وما
يترتب عليه من الموالاة فيه والمعاداة وبذل أوليائه نفوسهم فيه وإيثار
محبته ورضاه على نفوسهم ولأجل هذا حلق الموت والحياة وجعل ما على الأرض
زينة لها قال تعالى ^ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ^
وقال ^ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ^
وقال تعالى وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء
لبلوكم أيكم أحسن عملا فأخبر سبحانه عن خلق العالم والموت والحياة وتزيين
الأرض بما عليها أنه للابتلاء والامتحان ليختبر خلقه أيهم أحسن عملا فيكون
عمله موافقا لمحاب الرب تعالى فيوافق الغاية التي خلق هو لها وخلق لأجلها
العالم وهي عبوديته المتضمنة لمحبته وطاعته وهي العمل الأحسن وهو مواقع
محبته ورضاه وقدر سبحانه مقادير تخالفها بحكمته في تقديرها وامتحن خلقه بين
أمره وقدره ليبلوهم أيهم أحسن عملا فانقسم الخلق في هذاالابتلاء فريقين
فريقا داروا مع أوامره ومحابه ووقفوا حيث وقف بهم الأمر وتحركوا حيث حركهم
الأمر واستعملوا الأمر في القدر وركبو سفينة الأمر في بحر القدر وحكموا
الأمر على القدر ونازعوا القدر بالقدر امتثالا لأمره واتباعا لمرضاته
فهؤلاء هم الناجون والفريق الثاني عارضوا بين الأمر والقدر وبين ما يحبه
ويرضاه وبين ما قدره وقضاه ثم افترقوا أربع فرق فرقة كذبت بالقدر محافظة
على الأمر فأبطلت الأمر من حيث حافظت على القدر فإن الإيمان بالقدر أصل
الإيمان بالأمر وهو نظام التوحيد فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه إيمانه وفرقة
ردت الأمر بالقدر وهؤلاء من أكفر الخلق وهم الذين حكى الله قولهم في القرآن
إذ قالوا ^ لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا ^ من شيء وقالوا
أيضا ^ لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من
دونه من شيء ^ وقالوا ايضا ^ لو شاء الرحمن ما عبدناهم ^ وقالوا أيضا ^
أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ^ فجعلهم الله سبحانه وتعالى بذلك مكذبين
خارصين ليس لهم علم وأخبر أنهم في ضلال مبين وفرقة دارت مع القدر فسارت
بسيره ونزلت بنزوله ودانت به ولم تبال وافق الأمر أو خالفه بل دينها القدر
فالحلال ما حل بيدها قدرا والحرام ما حرمته قدرا وهم مع من غلب قدرا من
مسلم أو كافر برا كان أو فاجرا وخواص هؤلاء وعبادهم لما شهدوا الحقيقة
الكونية القدرية صاروا مع الكفار المسلطين بالقدر وهم خفراؤهم فهؤلاء أيضا
كفار وفرقة وقفت مع القدر مع اعترافها بأنه خلاف الأمر ولم تدن به ولكنها
استرسلت معه ولم تحكم عليه الأمر وعجزت عن دفع القدر بالقدر اتباعا للأمر
فهؤلاء مفرطون وهم بين عاجز وعاص لله وهؤلاء الفرق كلهم مؤتمون بشيخهم
إبليس فإنه أول من قدم القدر على الأمر وعارضه به وقال ^ رب بما أغويتني
لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ^ وقال ^ فبما أغويتني لأقعدن لهم
صراطك المستقيم ^ فرد أمر الله بقدره واحتج على ربه بالقدر وانقسم أتباعه
أربع فرق كما رأيت فإبليس وجنوده أرسلوا بالقدر إرسالا كونيا فالقدر دينهم
قال الله تعالى ^ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ^
فدينهم القدر ومصيرهم سقر فبعث الله الرسل بالأمر وأمرهم أن يحاربوا به أهل
القدر وشرع لهم من أمره سفنا وأمرهم أن يركبوا فيها هم وأتباعهم في بحر
القدر وخص بالنجاة من ركبها كما خص بالنجاة أصحاب السفينة وجعل ذلك آية
للعالمين فأصحاب الأمر حرب لأصحاب القدر حتى يردوهم إلى الأمر وأصحاب القدر
يحاربون أصحاب الأمر حتى يخرجوهم منه فالرسل دينهم الأمر مع إيمانهم بالقدر
وتحكيم الأمر عليه وإبليس وأتباعه دينهم القدر ودفع الأمر به فتأمل هذه
المسألة في القدر والأمر وانقسام العالم فيها إلى هذه الأقسام الخمسة
وبالله التوفيق فحركات العالم العلوي والسفلي وما فيهما موافقة للأمر إما
الأمر الديني الذي يحبه الله ويرضاه وإما الأمر الكوني الذي قدره وقضاه وهو
سبحانه لم يقدره سدى ولا قضاه عبثا بل لما فيه من الحكمة والغايات الحميدة
وما يترتب عليه من أمور يحب غاياتها وإن كره أسبابها ومادئها فإنه سبحانه
وتعالى يحب المغفرة وإن كره معاصي عباده ويحب الستر وإن كره ما يستر عبده
عليه ويحب العتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار ويحب العفو كما في
الحديث أللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار
ويحب التوابين وتوبتبهم وإن كره معاصيهم التي يتوبون إليه منها منها ويحب
الجهاد وأهله بل هم أحب خلقه إليه وإن كره أفعال من يجاهدونه وهذا باب واسع
قد فتح لك فادخل منه يطلعك على رياض من المعرفة مونقة مات من فاتته بحسرتها
وبالله التوفيق
وهذا موضع يضيق عنه عدة أسفار واللبيب يدخل إليه من بابه وسر هذا الباب أنه
سبحانه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا
نقص فيه بوجه ما وهو يحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإن ذلك
من لوازم كماله فإنه سبحانه وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال عليم يحب
العلماء جواد يحب الأجواد قوي والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف حيي
يحب أهل الحياء وفي يحب أهل الوفاء شكور يحب الشاكرين صادق يحب الصادقين
محسن يحب المحسنين فإذا كان يحب العفو والمغفرة والحلم والصفح والستر لم
يكن بد من تقديره للأسباب التي تظهر آثار هذه الصفات فيها ويستدل بها عباده
على كما أسمائه وصفاته ويكون ذلك أدعى لهم إلى محبته وحمده وتمجيده والثناء
عليه بما هو أهله فتحصل الغاية التي خلق لها الخلق وإن فاتت من بعضهم فذلك
لفوات سبب لكمالها وظهورها فتضمن ذلك الفوات المكروه له أمرا هو أحب إليه
من عدمه فتأمل هذا الموضع حق التأمل وهذا ينكشف يوم القيامة للخليفة
بأجمعهم حين يجمعهم في صعيد واحد ويوصل إلى كل نفس ما ينبغي إيصاله إليها
من الخير والشر واللذة والألم حتى مثقال الذرة ويوصل كل نفس إلى غاياتها
التي تشهد هي أنها أولى بها فحينئذ ينطق الكون بأجمعه بحمده تبارك وتعالى
قالا وحالا كما قال سبحانه وتعالى ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش
يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ^ فحذف فاعل
القول لأنه غير معين بل كل أحد يحمده على ذلك الحكم الذي حكم فيه فيحمده
أهل السموات وأهل الأرض والأبرار والفجار والإنس والجن حتى أهل النار قال
الحسن أو غيره لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه سبيلا
وهذا والله أعلم هو السر الذي حذف لأجله الفاعل في قوله ^ قيل ادخلوا أبواب
جهنم خالدين فيها ^ وقوله ^ وقيل ادخلا النار مع الداخلين ^ كأن الكون كله
نطق بذلك وقاله لهم والله تعالى أعلم بالصواب