الباب الثالث والعشرون: في عفاف المحبين مع أحبابهم

روضة المحبين ونزهة المشتاقين

لابن قيم الجوزية

أبو عبد الله، شمس الدين محمد ابن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة، الزُّرْعيّ الدمشقي(691 ـ 751هـ/1292 ـ 1350م)

الباب الثالث والعشرون في عفاف المحبين مع أحبابهم

 قال الله تعالى  قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ^ ولما أنزلت هذه الآيات على النبي قال قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ هذه الآيات   وقال الله تعالى ^ إن الإنسان خلق هلوعا ^ إلى قوله ^ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ^ وقال تعالى ^ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ^ الآية وقال تعالى ^ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى ^يغنيهم الله من فضله ^ وقال تعالى ^ وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ^ وقال تعالى ^ ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ^ فإن قيل فقد قال الله تعالى ^ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ^ وقال في الآية الآخرى ^ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ^ فأمرهم بالاستعفاف إلى وقت الغنى وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخبر أنه تعالى يغنيهم فما محمل كل من الآيتين فالجواب أن قوله ^ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ^ في حق الأحرار أمرهم الله تعالى أن يستعفوا حتى يغنيهم الله من فضله فإنهم إن تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا لم يقدروا عليها وليس لهم من يقوم بها عنهم وأما قوله وأنكحوا اللأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم فإنه سبحانه أمرهم فيها أن ينكحوا الأيامى وهن النساء اللواتي لا أزواج لهن هذا هو المشهور من لفظ الأيم عند الإطلاق وإن استعمل في حق الرجل بالتقييد مع أن العزب عند الإطلاق للرجل وإن استعمل في حق المرأة ثم أمرهم سبحانه أن يزوجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا للنكاح فالآية الأولى في حكم تزوجهم لأنفسهم والثانية في حكم تزويجهم لغيرهم وقوله في هذا القسم ^ إن يكونوا فقراء ^ يعم الأنواع الثلاثة التي ذكرت فيه فإن الأيم تستغني بنفقة زوجها وكذلك الأمة وأما العبد فإنه لما كان لا مال له وكان ماله لسيده فهو فقير ما دام رقيقا فلا يمكن أن يجعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا بل غناه إنما يكون إذا عتق واستغنى بهذا العتق والحاجة تدعوه إلى النكاح في الرق فأمر سبحانه بإنكاحه وأخبر أنه يغنيه من فضله إما بكسبه وإما بإنفاق سيده عليه وعلى امرأته فلم يمكن أن ينتظر بنكاحه الغنى الذي ينتظر بنكاح الحر والله أعلم   وفي المسند وغيره مرفوعا ثلاثة حق على الله عونهم المتزوج يريد العفاف والمكاتب يريد الآداء وذكر الثالث 

 فصل :   وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره فإنه كان شابا والشباب مركب الشهوة وكان عزبا ليس عنده ما يعوضه وكان غريبا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم فإذا تغرب زال هذا المانع وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر وكانت المرأة ذات منصب وجمال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة وأتته بالرغبة والرهبة ومع هذا كله فعف لله ولم يطعها وقد حق الله وحق سيدها على ذلك كله وهذا أمر لو ابتلي به سواه لم يعلم كيف كانت تكون حاله فإن قيل فقد هم بها قيل عنه جوابان أحدهما أنه لم يهم بها بل لولا أن رأى برهان ربه لهم هذاقول بعضهم في تقدير الآية والثاني وهو الصواب أن همه كان هم خطرات فتركه لله فأثابه الله عليه وهمها كان هم إصرار بذلت معه جهدها فلم تصل إليه فلم يستو الهمان   قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه الهم همان هم خطرات وهم إصرار فهم الخطرات لا يؤاخذ به وهم الإصرار يؤاخذ به فإن قيل فكيف قال وقت ظهور براءته وما أبرىء نفسى قيل هذا قد قاله جماعة من المفسرين وخالفهم في ذلك آخرون أجل منهم وقالوا إن هذا من قول امرأة العزيز لا من قول يوسف عليه السلام والصواب معهم لوجوه أحدها أنه متصل بكلام المرأة وهو قولها الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرىء نفسي ومن جعله من قوله فإنه يحتاج إلى إضمار قول لا دليل عليه في اللفظ بوجه والقول في مثل هذا لا يحذف لئلا يوقع في اللبس فإن غايته أن يحتمل الأمرين فالكلام الأول أولى به قطعا 

 والكلام الثاني أن يوسف عليه السلام لم يكن حاضرا وقت مقالتها هذه قبل كان في السجن لما تكلمت بقولها ^ الآن حصحص الحق ^ والسياق صريح في ذلك فإنه لما أرسل الملك إليه يدعوه قال للرسول ^ ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ^ فأرسل إليهم الملك وأحضرهن وسألهن وفيهن امرأته فشهدن ببراءته ونزاهته في غيبته ولم يمكنهن إلا قول الحق فقال النسوة ^ حاش لله ما علمنا عليه من سوء ^ وقالت امرأة العزيز أنا روادته عن نفسه وإنه لمن الصادقين فإن قيل لكن قوله ^ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ^ الأحسن أن يكون من كلام يوسف عليه السلام أي إنما كان تأخيري عن الحضور مع رسوله ليعلم الملك أني لم أخنه في امرأته في حال غيبته وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ثم إنه قال وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي إن ربي غفور رحيم وهذا من تمام معرفته بربه ونفسه فإنه لما أظهر براءته ونزاهته مما قذف به أخبر عن حال نفسه وأنه لا يزكيها ولا يبرئها فإنها أمارة بالسوء لكن رحمة ربه وفضله هو الذي عصمه فرد الأمر إلى الله بعد أن أظهر برءته قيل هذا وإن كان قد قاله طائفة فالصواب أنه من تمام كلامها فإن الضمائر كلها في نسق واحد يدل عليه وهو قول النسوة ^ ما علمنا عليه من سوء ^ وقول امرأة العزيز ^ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ^ فهذه خمسة ضمائر بين بارز ومستتر ثم اتصل بها قوله ^ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ^ فهذا هو المذكور أولا بعينه فلا شيء يفصل الكلام عن نظمه ويضمر فيه قول لا دليل عليه فإن قيل فما معنى قولها ^ ليعلم أني لم أخنه بالغيب ^ قيل هذا من تمام الاعتذار قرنت الاعتذار بالاعتراف فقالت ذلك أي قولي هذا وإقراري ببراءته ليعلم أني لم أخنه بالكذب عليه في غيبته وإن خنته في وجهه في أول الأمر فالآن يعلم أني لم أخنه في غيبته ثم اعتذرت عن نفسها بقولها وما أبرىء نفسى ثم ذكرت السبب الذي لأجله لم تبرىء نفسها وهي أن النفس أمارة بالسوء فتأمل ما أعجب أخر هذه المرأة أقرت بالحق واعتذرت عن محبوبها ثم اعتذرت عن نفسها ثم ذكرت السبب الحامل لها على ما فعلت ثم ختمت ذلك بالطمع في مغفرة الله ورحمته وأنه إن لم يرحم عبده وإلا فهو عرضة للشر فوازن بين هذا وبين تقدير كون هذا الكلام كلام يوسف عليه السلام لفظا ومعنى وتأمل ما بين التقديرين من التفاوت ولا يستبعد أن تقول المرأة هذا وهي على دين الشرك فإن القوم كانوا يقرون بالرب سبحانه وتعالى وبحقه وإن أشركوا معه غيره ولا تنس قول سيدها لها في أول الحال ^ واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ^ 

 فصل :  وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه   وفي الصحيح من حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم عن النبي قال بينما ثلاثة يمشون إذ أخذتهم السماء فأووا إلى غار في الجبل فانحطت عليهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا صالحة عملتموها فادعوا الله بها فقال بعضهم اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأة وصبيان وكنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني وأنه نآى بي الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم أزل كذلك حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله لهم فرجة وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم فأحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما قعدت بين رجليها قالت يا عبدالله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت عنها وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا من هذه الصخرة ففرج الله لهم فرجة فقال الآخر اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق من أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فأعطيته فأبى أن يأخذه فزرعته ونميته حتى اشتريت له بقرا ورعاءها فجاءني بعد حين فقال يا هذا اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي فقلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فهو لك فقال اتق الله ولا تهزأ بي فقلت لا أستهزىء بك فخذ ذلك فأخذها وذهب فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما بقي من الصخرة ففرج الله عنهم وخرجوا يمشون   وقال عبيد الله بن موسى حدثنا شيبان بن عبدالرحمن عن الأعمش عن عبدالله بن عبدالله الرازي عن سعد مولى طلحة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لقد سمعت من رسول الله حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات ما حدثت به ولكن سمعته أكثر من ذلك قال كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط قال فتفعلين هذا ولم تفعليه قط قالت حملتني عليه الحاجة فتركها ثم قال اذهبي والدنانير لك ثم قال والله لا يعصي الله ذو الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه غفر الله لذي الكفل وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال قا رسول الله عجب ربك من الشاب ليست له صبوة   وذكر المبرد عن أبي كامل عن إسحاق بن إبراهيم عن رجاء بن عمرو النخعي قال كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد فنزل في جوار قوم من النخع فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها وهام بها عقله ونزل بالجارية ما نزل به فأرسل يخطبها من أبيها فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك فإن شئت زرتك وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي فقال للرسول ولا واحدة من هاتين الخلتين ^ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ^ أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهيبها فلما أبلغها الرسول قوله قالت وأراه مع هذا يخاف الله والله ما أحد أحق بهذا من أحد وإن العباد فيه لمشتركون ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت من ذلك فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر فقال كيف أنت وما لقيت بعدي قالت نعم المحبة يا سؤلي محبتكم  حب يقود إلى خير وإحسان   فقال على ذلك إلى م صرت فقالت   إلى نعيم وعيش لا زوال له  في جنةالخلد ملك ليس بالفاني   فقال لها اذكريني هناك فإني لست أنساك فقالت ولا أنا والله أنساك ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا فأعني على ذلك بالاجتهاد فقال لها متى أراك فقالت ستأتينا عن قريب فترانا فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات رحمه الله تعالى   وذكر الزبير بن بكار أن عبدالرحمن بن أبي عمار نزل مكة وكان من عباد أهلها فسمي القس من عبادته فمر يوما بجارية تغني فوقف فسمع غناءها فرآها مولاها فأمره أن يدخل عليها فأبى فقال فاقعد في مكان تسمع غناءها ولا تراها ففعل فأعجبته فقال له مولاها هل لك أن أحولها إليك فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك فنظر إليها فأعجبته فشغف بها وشغفت به وعلم بذلك أهل مكة فقالت له ذات يوم أنا والله أحبك فقال وأنا والله أحبك قالت فإني والله أحب أن أضع فمي على فمك قال وأنا والله أحب ذلك قالت فما يمنعك فإن الموضع خال قال لها ويحك إني سمعت الله يقول الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاالمتقين فأنا والله أكره أن يكون صلة ما بيني وبينك في الدنيا عداوة في القيامة ثم نهض وعيناه تذرفان بالدموع من حبها   وقال عبدالملك بن قريب قلت لأعرابي حدثني عن ليلتك مع فلانة 

  قال نعم خلوت بها والقمر يرينيها فلما غاب أرتنيه قلت فما كان بينكما قال أقرب ما أحل الله مما حرم الله الإشارة بغير ماباس والدنو بغير إمساس ولعمري لئن كانت الأيام طالت بعدها لقد كانت قصيرة معها وحسبك بالحب  

ما إن دعاني الهوى لفاحشة  إلا نهاني الحياء والكرم

فلا إلى فاحش مددت يدي  ولا مشت بي لريبة قدم

  وقال آخر

وصفوها فلم أزل علم الله كئيبا مستولها مستهاما

هل عليها في نظرة من جناح  من فتى لا يزور إلا لماما

حال فيها الإسلام دون هواه  فهو يهوى ويحفظ الإسلاما

ويميل الهوى به ثم يخشى  أن يطيع الهوى فيلقى أثاما

  وقال الحسين بن مطير

أحبك يا سلمى على غير ريبة  ولا بأس في حب تعف سرائره

أحبك حبا لا أعنف بعده  محبا ولكني إذا ليم عاذره

وقد مات قلبي أول الحب مرة  ولو مت أضحى الحب قد مات آخره

وقال محمد بن أبي زرعة الدمشقي

إن حظي ممن أحب كفاف  لا صدود مقص ولا إنصاف

كلما قلت قد أنابت إلى الوص  ل ثناها عما أريد العفاف

فكأني بين الصدود وبين ال  وصل ممن مقامه الأعراف

في محل بين الجنان وبين النا ر أرجوطورا وطورا أخاف 

وقال عثمان بن الضحاك الحزامي خرجت أريد الحج فنزلت بالأبواء فإذا امرأة جالسة على باب خيمة فأعجبني حسنها فتمثلت بقول نصيب

بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب  وقل إن تملينا فما ملك القلب 

  فقالت يا هذا أتعرف قائل هذا الشعر قلت نعم نصيب قالت فتعرف زينبه قلت لا قالت فأنا زينبه قلت حياك الله قالت أما إن اليوم موعده من عند أمير المؤمنين خرج إليه عام أول فوعدني هذا اليوم لعلك لا تبرح حتى تراه قال فبينا أنا كذلك إذا أنا براكب قالت ترى ذلك الراكب إني لأحسبه إياه قال فأقبل فإذا هو نصيب فنزل قريبا من الخيمة ثم أقبل فسلم حتى جلس قريبا منها يسائلها وتسائله أن ينشدها ما أحدث فأنشدها فقلت في نفسي محبان طال التنائي بينهما لا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة فقمت إلى بعيري لأشد عليه فقال على رسلك إني معك فجلست حتى نهض معي فتسايرنا ثم التفت إلي فقال أقلت في نفسك محبان التقيا بعد طول التنائي فلا بد أن يكون لأحدهماإلى صاحبه حاجة قلت نعم قد كان ذلك قال ورب هذه البنية ما جلست منها مجلسا هو أقرب من هذا   وقال عمر بن شبة حدثنا أبو غسان قال سمعت بعض المدنيين يقول كان الرجل يحب الفتاة فيطوف بدارها حولا يفرح أن يرى من يراها فإن ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار واليوم يشير إليها وتشير إليه فيعدها وتعده فإذا التقيا لم يشك حبا ولم ينشد شعرا وقام إليها كأنه قد أشهد على نكاحها أبا هريرة رضي الله عنه وقال محمد بن سيرين كانوا يعشقون في غير ريبة وكان الرجل يأتي إلى القوم يتحدث عندهم لا يستنكر له ذلك وقال هشام بن حسان لكن اليوم لا يرضون إلا بالمواقعة وقيل لأعرابي ما تعدون العشق فيكم قال القبلة والضمة والغمزة وإذا نكح الحب فسد وقال المبرد كان العتبي يحب جارية تسمى ملك فكتب إليها  

يا ملك قد صرت إلى خطة  رضيت منها فيك بالضيم

ما اشتملت عيني على رقدة  مذ غبت عن عيني إلى اليوم

فبت مفتوق مجاري البكا  معطل العين عن النوم

ووجدي الدهر بكم غلم فالموت من نفسي على سوم

يلومني الناس على حبكم  والناس أولى فيك باللوم

  قال فكتبت إليه  

إن تكن الغلمة هاجت بكم  فعالج الغلمة بالصرم

ليس بك الحب ولكنما  تدور من هذا على كوم 

   يقال كام الفحل يكوم كوما إذا نزا على الحجرة وأرادت هذه المعشوقة قول النبي يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء   وقال أبو الحسن المدائني هوي يعض المسلمين جارية بمكة فأرادها فامتنعت عليه فقال على لسان عطاء بن أبي رباح    

سألت الفتى المكي هل في تعانق  وقبلة مشتاق الفؤاد جناح

فقال معاذ الله أن يذهب التقى  تلاصق أكباد بهن جراج 

   فقالت ألله سألت عطاءعن ذلك فقال لك هذا فقال اللهم نعم فزارته وجعلت تقول إياك أن تتعدى ما أفتاك به عطاء   وقال الزبير بن بكار عن عبدالملك بن عبدالعزيز الماجشون قال أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن  

فما تولت حتى تضرعت حولها  وأقرأتها ما رخص الله في اللمم 

 فضحك محمد وقال إن كان وضاح لمفتيا في نفسه   وقال الأصمعي قيل لأعرابي ما كنت صانعا لو ظفرت بمن تهوى قال كنت أمتع عيني من وجهها وقلبي من حديثها وأستر منها مالا يحبه الله ولا يرضى كشفه إلا عند حله قيل فإن خفت أن لا تجتمعا بعد ذلك قال أكل قلبي إلى حبها ولا أصير بقبيح ذلك الفعل إلى نقض عهدها قال وقيل لآخر وقد زوجت عشيقته من ابن عمها وأهلها على إهدائها إليه أيسرك أن تظفر بها الليلة قال نعم والذي أمتعني بها وأشقاني بطلبها قيل فما كنت صانعا قال كنت أطيع الحب في لثمها وأعصي الشيطان في إثمها ولا أفسد عشق عشر سنين بما يبقى عاره وتنشر بالقبيح أخباره في ساعة تنفد لذتها وتبقى تبعتها إني إذا للئيم لم يغذني أصل كريم   وقال عباس الدوري كان بعض أصحابنا يقول كان سفيان الثوري كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها  من الحرام ويبقى الوزر والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها  لا خير في لذة من بعدها النار

وقال الحسين بن مطير

ونفسك أكرم عن أمور كثيرة  فما لك نفس بعدها تستعيرها

ولا تقرب المرعى الحرام فإنما  حلاوته تفنى ويبقى مريرها 

  وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى   وقال الخرائطي حدثنا إبراهيم بن الجنيد حدثنا عبدالله بن أبي بكر المقدمي حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال سمعت مالك بن دينار يقول بينا أنا أطوف إذ أنا بجارية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول يا رب كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها أيا رب أما لك أدب إلا النار فما زال مقامها حتى طلع الفجر فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي خارجا  

أقول ثكلت مالكا أمه جويرية منذ الليلة قد بطلته   وطائفة بالبيت والليل مظلم

تقول ومنها دمعها يتسجم   أيا رب كم من شهوة قد رزئتها  ولذة عيش حبلها يتصرم

أما كان يكفي للعباد عقوبة  ولا أدبا إلا الجحيم المضرم

فما زال ذاك القول منها تضرعا  إلى أن بدا فجر الصباح المقدم

فشبكت مني الكف أهتف خارجا  على الرأس أبدى بعض ما كنت أكتم

وقلت لنفسي إذا تطاول ما بها وأعيا عليها وردها المتغنم

ألا ثكلتك اليوم أمك مالكا  جويرية ألهاك منها التكلم

فمازلت بطالا بها طول ليلة  تنال بها حظا جسيما وتغنم 

 وقال مخرمة بن عثمان نبئت أن فتى من العباد هوى جارية من أهل البصرة فبعث إيها يخطبها فامتنعت وقالت إن أردت غير ذلك فعلت فأرسل إليها سبحان الله أدعوك إلى مالا إثم فيه وتدعينني إلى مالا يصلح فقالت قد أخبرتك بالذي عندي فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر فأنشأ يقول  

وأسألها الحلال وتدع قلبي  إلى مالا أريد من الحرام

كداعي آل فرعون إليه  وهم يدعونه نحو الأثام

فظل منعما في الخلد يسعى  وظلوا في الجحيم وفي السقام 

 فلما علمت أنه قد امتنع من الفاحشة أرسلت إليه أنا بين يديك على الذي تحب فأرسل إليها  لا حاجة لنا فيمن دعوناه إلى الطاعة ودعانا إلى المعصية ثم أنشد  

لا خير فيمن لا يراقب ربه  عند الهوى ويخافه إيمانا

حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى  يخشى إذا وافى المعاد هوانا 

  وقال عبدالملك بن مروان لليلى الأخيلية بالله هل كان بينك وبين توبة سوء قط قالت والذي ذهب بنفسه وهو قادر على ذهاب نفسي ما كان بيني وبينه سوء قط إلا أنه قدم من سفر فصافحته فغمز يدي فظننت أنه يخنع لبعض الأمر فذلك معنى قولي  

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها  فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا بنبغي أن نخونه  وأنت لأخرى صاحب وخليل 

   قالت لا والذي ذهب بنفسه ما كلمني بسوء قط حتى فرق بيني وبينه الموت   وقال ابن أحمر بينا أنا أطوف بالبيت إذ بصرت بامرأة متبرقعة تطوف بالبيت وهي تقول

لا يقبل الله من معشوقة عملا  يوما وعاشقها غضبان مهجور

ليست بمأجورة في قتل عاشقها  لكن عاشقها في ذاك مأجور 

  فقلت لها في هذا الموضع فقالت إليك عني لا يعلقك الحب قلت وما الحب قالت جل والله عن أن يخفى وخفي عن أن يرى فهو كالنار في أحجارها إن حركته أورى وإن تركته توارى ثم أنشدت تقول  

غيد أوانس ما هممن بريبة  كظباء مكة صيدهن حرام

يحسبن من لين الحديث أوانسا  ويصدهن عن الخنا الإسلام 

  وقد روى محمد بن عبدالله الأنصاري حدثنا عبدالوارث عن محمد بن جحادة عن الوليد عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة وقال هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله أيما امرأة اتقت ربها وأحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها يوم القيامة ادخلي من أي أبواب الجنة شئت   وقال الزبير بن بكار أخبرني سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثني أبي أن امرأة لقيت كثير عزة فقالت تسمع بالمعيدي خير من أن تراه قال مه رحمك الله فأنا الذي أقول  

فإن أك معروق العظام فإنني  إذا ما وزنت القوم بالقوم أوزن 

  قالت وكيف توزن بالقوم وأنت لا تعرف إلا بعزة قال والله لئن قلت ذاك لقد رفع الله بها قدري وزين بها شعري وإنها لكما قلت

وما روضة بالحزن طاهرة الثرى  يمج الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزة موهنا  وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

من الخفرات البيض لم تلق شقوة  وبالحسب المكنون صاف نجارها

فإن برزت كانت لعينيك قرة  وإن غبت عنها لم يعمك عارها 

  قالت أرأيت حين تذكر طيبها فلو أن زنجية تخمرت بالمندل الرطب لطاب ريحها ألا قلت كما قال امرؤ القيس   

خليلي مرا بي على أم جندب  نقضي لبانات الفؤاد المعذب

ألم ترياني كلما جئت طارقا  وجدت بها طيبا وإن لم تطيب 

 فقال والله الحق خير ما قيل هو والله أنعت لصاحبته مني   ودخلت عزة على عبدالملك بن مروان وهو لا يعرفها ترفع مظلمة لها فلما سمع كلامها تعجب منه فقال له بعض جلسائه هذه عزة كثير فقال لها عبدالملك إن أردت أن أرد عليك مظلمتك فأنشديني ما قال فيك كثير فاستحيت وقالت والله ما أعرف كثيرا ولكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال في

 

قضى كل ذي دين فوقى غريمه  وعزة ممطول معنى غريمها 

  فقال عبدالملك ليس عن هذا أسألك ولكن أنشديني من قوله  

وقد زعمت أني تغيرت بعدها  ومن ذا الذي يا عز لا يتغير

تغير جسمي والخليقة كالذي  عهدت ولم يخبر بسرك مخبر 

قالت ما سمعت هذا ولكن سمعت الناس يحكون عنه أنه قال في

كأني أنادي صخرة حين أعرضت  من الصم لو تمشي بها العصم زلت

صفوح فما تلقاك إلابخيلة  فمن مل منها ذلك الوصل ملت 

  فقضى حاجتها ورد مظلمتها وقال أدخلوها على الجواري يأخذن من أدبها وذكرت عنه أنه قال فيها أيضا

وما نلت منها محرما غير أنني  أقبل بساما من الثغر أفلجا

وألثم فاها تارة ثم تارة  وأترك حاجات النفوس تحرجا 

 وقال الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال بينا أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال هل لكم في جميل نعوده فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه وما يخيل إلي إلا أن الموت يكرثه فنظر إلي ثم قال يا ابن سهل ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط ولم يزن ولم يقتل نفسا يشهد أن لا إله إلا الله قلت أظنه قد نجا وأرجو له الجنة فمن هذا الرجل قال أنا قلت والله ما أحسبك سلمت وأنت تشبب منذ عشرين سنة في بثينة فقال لا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة فإني في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة فما برحنا حتى مات   وقال عوانة بن الحكم كان عبدالمطلب لا يسافر إلا ومعه ابنه الحارث وكان أكبر ولده وكان شبيها به جمالا وحسنا فأتى اليمن وكان يجالس عظيما من عظمائهم فقال له لو أمرت ابنك هذا يجالسني وينادمني ففعل فعشقت امرأته الحارث فراسلته فأبى عليها فألحت عليه فأخبر بذلك أباه فلما يئست منه سقته سم شهر فارتحل به عبدالمطلب حتى إذا قدم مكة مات الحارث وذكرها هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وذكر رثاء أبيه له بقصيدته التي فيها

والحارث الفياض أكرم ماجد  أيام نازعه الهمام الكاسا 

  ولما احتضر أبو سفيان بن الحارث هذا وهو ابن عم النبي قال لأهله لا تبكوا علي فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت   ولما قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبدالملك خرجت برجله الآكلة فاجتمع رأي الأطباء على نشرها وأنه إن لم يفعل سرت إلى جسمه فهلك فلما عزم على ذلك قالوا له نسقيك مرقدا قال ولم قالوا لئلا تحس بما يصنع قال لا بل شأنكم فنشروا ساقه بالمنشار فما أزال عضوا عن عضو حتى فرغوا منها ثم حسموها فلما نظر إليها في أيديهم تناولها وقال الحمد لله أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط   ولما حضرت عمر بن أبي ربيعة الوفاة بكى عليه أخوه الحارث فقال له عمر يا أخي إن كان أسفك لما سمعت من قولي قلت لها وقالت لي فكل مملوك لي حر إن كنت كشفت حراما قط فقال الحارث الحمد لله تعالى طيبت نفسي   وقال سفيان بن محمد دخلت يوما عزة على أم البنين أخت عمر بن عبدالعزيز فقالت يا عزة ما قول كثير   

قضى كل ذي دين فوفى غريمه  وعزة ممطول معنى غريمها 

  ما كان هذا الدين فقالت كنت وعدته بقبلة فتحرجت منها فقالت أم البنين أنجزيها وعلي إثمها قالت فأعتقت أم البنين بكلمتها هذه أربعين رقبة وكانت إذا ذكرتها بكت وقالت ليتني خرست ولم أتكلم بها   ولما احتضر ذو الرمة قال لقد هممت بمي عشرين سنة في غير ريبة ولا فساد   وكان الحارث بن خالد بن هشام المخزمي عاشقا لعائشة بنت طلحة وله فيها أشعار أفرد لها ابن المرزبان كتابا فلما قتل عنها مصعب بن الزبير قيل للحارث ما يمنعك الآن منها قال والله لا يتحدث رجالات قريش أن تشبيبي بها كان لريبة ولشيء من الباطل   وقال ابن علاقة دخلت على رجل من الأعراب خيمته وهو يئن فقلت ما شأنك قال عاشق فقلت له ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا عفة فجعلت أعذله وأزهده فيما هو فيه فتنفس الصعداء ثم قال   ليس لي مسعد فأشكو إليه  إنما يسعد الحزين الحزين   وقال سعيد بن عقبة لأعرابي ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا قال عذري ورب الكعبة فقلت له ومم ذاك قال في نسائنا صباحة وفي رجالنا عفة   وقال سفيان بن زياد قلت لامرأة من عذرة ورأيت بها هوى غالبا خفت عليها الموت منه ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب فقالت فينا جمال وتعفف والجمال يحملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفني آجالنا وإنا نرى عيونا لا ترونها   وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى قال رجل من بن بني فزارة لرجل من بني عذرة ما يعد موتكم من الحب مزيه وإنما ذاك من ضعف البنية ووهن العقل وضيق الرئة فقال له العذري أما لو رأيتم المحاجر البلج ترشق بالأعين الدعج من فوقها الحواجب الزج والشفاه السمر تفتر عن الثنايا الغر كأنها نظم الدر لجعلتموها اللات والعزى ونبذتم الإسلام وراء ظهوركم   وقال بشر بن الوليد سمعت أبا يوسف يقول في مرضه الذي مات فيه اللهم إنك تعلم أني لم أطأ فرجا حراما قط وأنا أعلم ولم آكل درهما حراما قط وأنا أعلم   وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي دخلت على المعتضد وعلى رأسه غلمان صباح الوجوه أحداث فنظرت إليهم فرآني المعتضد وأنا أتأملهم فلما أردت القيام أشار إلي فمكثت ساعة فلما خلا قال لي أيها القاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط   وقال اليزيدي جلس محمد بن منصور بن بسام وعلى رأسه عدة خدم لم ير قط أحسن منهم ما منهم من ثمنه ألف دينار بل أكثر فجعل الناس ينظرون إليهم فقال محمد هم أحرار لوجه الله إن كان الله كتب علي ذنبا مع واحد منهم فمن عرف خلاف ذلك منهم فليمض فإنه قد عتق وهو في حل مما يأخذ من مالي   وقال إبراهيم بن أبي بكر بن عياش شهدت أبي عند الموت فبكيت فقال ما يبكيك فما أتى أبوك فاحشة قط 

  وقال عمر بن حفص بن غياث لما حضرت أبي الوفاة أغمي عليه فبكيت عند رأسه فقال لي حين أفاق ما يبكيك قلت أبكي لفراقك ولما دخلت فيه من هذا الأمر يعني القضاء قال لا تبك فإني ما حللت سراويلي على حرام قط ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من توجه الحكم منهما   وقال سفيان بن أحمد المصيصي شهدت الهيثم بن جميل وهو يموت وقد سجي نحو القبلة فقامت جاريته تغمز رجليه فقال اغمزيهما فإن الله يعلم أنهما ما مشتا إلى حرام قط   وقال محمد بن إسحاق نزل السري بن دينار في درب بمصر وكانت فيه امرأة جميلة فتنت الناس بجمالها فعلمت به المرأة فقالت لأفتننه فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها فقال مالك فقالت هل لك في فراش وطي وعيش رخي فأقبل عليها وهو يقول  

وكم ذي معاص نال منهن لذة  ومات فخلاها وذاق الدواهيا

تصرم لذات المعاصي وتنقضي وتبقى تباعات المعاصي كما هيا

فيا سوءتا والله راء وسامع  لعبد بعين الله يغشى المعاصيا 

  وقال عمر بن بكير قال أعرابي علقت امرأة كنت آتيها فأحدثها سنين وما جرت بيننا ريبة قط إلا أني رأيت بياض كفيها في ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت مه لا تفسد ما بيني وبينك فإنه ما نكح حب قط إلا فسد قال فقمت وقد تصببت عرقا حياء منها ولم أعد إلى شيء من ذلك   وذكر أبو الفرج وغيره أن امرأة جميلة كانت بمكة وكان لها زوج فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتتن به قال نعم قالت من قال عبيد بن عمير قالت فائذن لي فيه فلأفتننه قال قد أذنت لك قال فأتته كالمستفتية فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر فقال لها يا أمة الله استتري فقالت إني قد فتنت بك قال إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتني نظرت في أمرك قالت لا تسألني عن شيء إلا صدقتك قال أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو دخلت قبرك وأجلست للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو أردت الممر على الصراط ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك قالت اللهم لا قال صدقت قال اتسقي الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك قال فرجعت إلى زوجها فقال ما صنعت قالت أنت بطال ونحن بطالون فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فكان زوجها يقول مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي كانت في كل ليلة عروسا فصيرها راهبة 

  وقال سعيد بن عبدالله بن راشد علقت فتاة من العرب فتى من قومها وكان عاقلا فجعلت تكثر التردد إليه فلما طال عليها ذلك مرضت وتغيرت واحتالت في أن خلا لها وجهه فتعرضت إليه ببعض الأمر فصرفها ودفعها عنه فتزايد المرض حتى سقطت على الفراش فقالت له أمه إن فلانة قد مرضت وها علينا حق قال فعوديها وقولي لها يقول لك ما خبرك فسارت إليها أمه وسألتها ما بك فقالت وجع في فؤادي هو أصل علتي قالت فإن ابني يسألك عن علتك فتنفست الصعداء ثم قالت   يسائلني عن علتي وهو علتي  عجيب من الأنباء جاء به الخبر   فانصرفت إليه أمه وأخبرته وقالت له تريد أن تصير إليك فقال نعم فذكرت أمه لها ذلك فبكت وقالت   ويبعدني عن قربه ولقائه  فلما أذاب الجسم مني تعطفا   فلست بآت موضعا فيه قاتلي  كفاني سقاما أن أموت تلهفا   وتزايدت بها العلة حتى ماتت   وأحب رجل من أهل الكوفة يسمى أبا الشعثاء امرأة جميلة فلما علمت به كتبت إليه وقالت   لأبي الشعثاء حب دائم  ليس فيه تهمة لمتهم   يا فؤادي فازدجر عنه ويا  عبث الحب به فاقعد وقم  

  جاءني منه كلام صائد  ورسالات المحبين الكلم   صائد يأمنه غزلانه مثل ما يأمن غزلان الحرم   صل إن أحببت أن تعطى المنى  يا أبا الشعثاء لله وصم   ثم ميعادك بعد الموت في  جنة الخلد إن الله رحم   حيث ألقاك غلاما ناشئا  ناعما قد كملت فيه النعم   وقال الأصمعي عن أبي سفيان بن العلاء قال بصرت الثريا بعمر بن أبي ربيعة وهو يطوف حول البيت فتنكرت وفي كفها خلوق فزحمته فأثر الخلوق في ثوبه فجعل الناس يقولون يا أبا الخطاب ما هذا زي المحرم فأنشأ يقول   أدخل الله رب موسى وعيسى  جنة الخلد من ملاني خلوقا   مسحت كفها بجيب قميصي  حين طفنا بالبيت مسحا رفيقا   فقال له عبدالله بن عمر مثل هذا القول في هذا الموضع فقال له يا أبا عبدالرحمن قد سمعت مني ما قد سمعت فورب هذه البنية ما حللت إزاري على حرام قط   وقيل لليلى الأخيلية هل كان بينك وبين توبة ما يكرهه الله قالت إذا أكون منسلخة من ديني إن كنت ارتكبت عظيما ثم أتبعه بالكذب   وقال العتبي خرجت إلى المربد فإذا بأعرابي غزل فملت إليه فذكرت النساء فتنفس ثم قال يا ابن أخي إن من كلامهن لما يقوم مقام الماء فيشفي من الظمأ فقلت صف لي نساءكم فقال نساء الحي تريد قلت نعم فأنشأ يقول 

رجح ولسن من اللواتي بالضحى لذيولهن على الطريق غبار

يأنسن عند بعولهن إذا خلوا  وإذا هم خرجوا فهن خفار 

   قال العتبي فأخبرت به أبي قال تدري من أين أخذ قوله وإن من كلامهن ما يقوم مقام الماء فيشفي من الظمأ قلت لا قال من قول القطامي

يقتلننا بحديث ليس يعلمه  من يتقين ولا مكنونه بادي

فهن يبدين من قول يصبن به  مواقع الماء من ذي الغلة الصادي 

   وهذه الطائفة لعفتهم أسباب أقواها إجلال الجبار ثم الرغبة في الحور الحسان في دار القرار فإن من صرف استمتاعه في هذه الدار إلى ما حرم الله عليه منعه من الاستمتاع بالحور الحسان هناك قال من يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة فلا يجمع الله للعبد لذة شرب الخمر ولبس الحرير والتمتع بما حرم الله عليه من النساء والصبيان ولذة التمتع بذلك في الآخرة فليتخير العبد لنفسه إحدى اللذتين وليطب نفسا عن إحداهما بالأخرى فلن يجعل الله من أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها كمن صام عنها ليوم فطره من الدنيا إذا لقي الله ودون ذلك مرتبة أن يتركها خوف النار فقط فإن تركها رغبة ومحبة أفضل من تركها لمجرد خوف العقوبة 

  ثم أدنى من ذلك أن يحمله عليها خوف العار والشنار ومنهم من يحمله على العفة الإبقاء على محبته خشية ذهابها بالوصال ومنهم من يحمله عليها عفة محبوبه ونزاهته ومنهم من يحمله عليها الحياء منه والاحتشام له وعظمته في صدره ومنهم من يحمله عليها الرغبة في جميل الذكر وحسن الأحدوثة ومنهم من يحمله عليها الإبقاء على جاهه ومروءته وقدره عند محبوبه وعند الناس ومنهم من يحمله عليها كرم طبعه وشرف نفسه وعلو همته ومنهم من يحمله عليها لذة الظفر بالعفة فإن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس ثم تعقبها اللذة وأما قضاء الوطر فبالضد من ذلك ومنهم من يحمله عليها علمه بما تعقبه اللذة المحرمة من المضار والمفاسد وجمع الفجور خلال الشر كلها كما ستقف عليه في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى  

فصل :   ولم يزل الناس يفتخرون بالعفة قديما وحديثا قال إبراهيم بن هرمة   

ولرب لذة ليلة قد نلتها  وحرامها بحلالها مدفوع

وقال غيره

إذا ما هممنا صدنا وازع التقى  فولى على أعقابه الهم خاسئا

وقال آخر

أتأذنون لصب في زيارتكم  فعندكم شهوات السمع والبصر

لا يضمر السوء إن طالت إقامته  عف الضمير ولكن فاسق النظر 

  وقال مسلم بن الوليد

ألا ريب يوم صادق العيش نلته  بها ونداماي العفافة والنهى

  وقال آخر

إن تريني زاني العينين  فالفرج عفيف   ليس إلا النظر الفا  تر والشعر الظريف

  وقال الموسوي

بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى  يلفنا الشوق من فرق إلى قدم

يشي بنا الطيب أحيانا وآونة  يضيئنا البرق مجتازا على إضم

ثم انثنينا وقد رابت ظواهرنا  وفي بواطننا بعد عن التهم

وقال نفطويه

كم قد خلوت بمن أهوى فيمنعني  منه الحياء وخوف الله والحذر

وكم ظفرت بمن أهوى فيقنعني  منه الفكاهة والتجميش والنظر

أهوى الحسان وأهوى أن أجالسهم  وليس لي في حرام منهم وطر

كذلك الحب لا إتيان معصية  لا خير في لذة من بعدها سقر 

وقال الشهاب محمود بن سليمان صاحب ديوان الإنشاء الحلبي

لله وقفة عاشقين تلاقيا  من بعد طول نوى وبعد مزار

يتعاطيان من الغرام مدامة  زادتهما بعدا من الأوزار

صدقا الغرام فلم يمل طرف إلى  فحش ولا كف لحل إزار

فتلاقيا وتفرقا وكلاهما  لم يخش مطعن عائب أو زار 

  وقيل لبثينة هذا جميل لما به فهل عندك من حيلة تنفسين بها وجده فقالت ما عندي أكثرمن البكاء إلى أن ألقاه في الدار الأخرى أو زيارته وهو ميت تحت الثرى وقيل لعتبة بعد موت عاشقها ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك قالت منعني من ذلك خوف العار وشماتة الجار ومخافة الجبار وإن بقلبي أضعاف ما بقلبه غير أني أجد ستره أبقى للمودة وأحمد للعاقبة وأطوع للرب وأخف للذنب   وهوي فتى امرأة وهويته وشاع خبرهما فاجتمعا يوما خاليين فقال لها هلمي نحقق ما يقال فينا فقالت لا والله لا كان هذا أبدا وأنا أقرأ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وقيل لبعضهم وقد هوي جارية فطال عشقه بها ما أنت صانع لوظفرت بها ولا يراكما إلا الله قال والله لا جعلته أهون الناظرين إلي لا أفعل بها خاليا إلا ما أفعله بحضرة أهلها حنين طويل ولحظ من بعيد وأترك ما يسخط الرب ويفسد الحب   إذا كان حظ المرء ممن يحبه  حراما فحظي ما يحل ويجمل   حديث كماء المزن بين فصوله  عتاب به حسن الحديث يفصل

ولثم فم عذب اللثات كأنما  جناهن شهد فت فيه القرنفل

وما العشق إلا عفة ونزاهة  وأنس قلوب أنسهن التغزل

وإني لأستحيي الحبيب من التي  تريب وأدعى للجميل فأجمل

  وقال آخر

وإني لمشتاق إلى كل غاية  من المجد يكبو دونها المتطاول

بذول لمالي حين يبخل ذو النهى  عفيف عن الفحشاء قرم حلاحل 

   وما ألطف قوله حين يبخل ذو النهى فإن ذا النهى لا يبخل إلا في موضع البخل فأخبر هذا أنه يبذل ماله حين يبخل به ربه في موضع البخل   وقال عامر بن حذافة رأيت بصحار جارية قد ألصقت خدها بقبر وهي تبكي وتقول

خدي يقيك خشونة اللحد  وأقل ما لك سيدي خدي

يا ساكن الترب الذي بوفاته  عميت علي مسالك الرشد

إسمع فديتك قصتي فلعلني  أشفي بذلك غلة الوجد 

 قال فسألتها عن صاحب القبر فقالت فتى رافقته في الصبا ثم أنشأت تقول  

كنا كزوج حمائم في أيكة  متنعمين بصحة وشباب

فغدا الزمان مشتتا بفراقه  إن الزمان مفرق الأحباب 

  قال فبكيت لرقة شعرها فأنشأت تقول  

تبكي عليه ولست تعرف أمره  فلأعلمنك حاله ببيان

ما كان للعافين غير نواله  فإذا استجير ففارس الفرسان

لا يتبع الجيران رفة طرفه  ويتابع الإحسان للجيران

عف السريرة والجهيرة مثلها  فإذا استضم أراك فتق طعان 

  فقلت أعلميني من هو قالت سنان بن وبرة الذي يقول فيه الشاعر  

يا رائدا غيثا لنجعة قومه  يكفيك من غيث نوال سنان 

 ثم قالت يا هذا والله لولا أنك غريب ما متعك من حديثي قلت فكيف كان حبه لك قالت ما كان يوسدني إذا نمت إلا يده فمكثت معه أربعة أحوال ما توسدت غيرها إلا في حال يمنعه مانع   وقال سعيد بن يحيى الأموي حدثني عمي محمد بن سعيد حدثنا عبدالملك ابن عمير قال كان أخوان من ثقيف من بني كنة بينهما من التحاب شيء لا يعلمه إلا الله وكل واحد منهما أخوه عنده عدل نفسه فخرج الأكبر منهما إلى سفر له وله امرأة فأوصى أخاه بحاجة أهله فبينا المقيم في دار الظاعن إذ مرت امرأة أخيه في درع تجوز من بيت إلى بيت وكانت من أجمل البشر فرأى شيئا حيره فلما رأته ولت ووضعت يدها على رأسها ودخلت بيتا ووقع حبها في قلبه فجعل يذوب وينحل جسمه ويتغير لونه وقدم أخوه فقال مالك يا أخي متغيرا ما وجعك قال ما بي من وجع فدعا له الأطباء فلم يقف أحد على دائه غير الحارث بن كلدة وكان طبيبا فقال أرى عينين صحيحتين وما أدري ما هذا الوجع وما أظنه إلا عاشقا فقال له أخوه سبحان الله أسألك عن وجع أخي وأنت تستهزىء بي فقال ما فعت وسأسقيه شرابا عندي فإن كان عاشقا فسيتبين لكم فأتاه بشراب فجعل يسقيه قليلا قليلا فلما أخذه الشراب هاج وقال

ألما بي على الأبيا  ت من خيف نزرهنه

غزال ما رأيت اليو  م في دور بني كنه

أسيل الخد مربوب  وفي منطقه غنه 

  فقال أنت طبيب العرب فبمن قال سأعيد له الشراب ولعله يسمي فأعاد له الشراب فسمى المرأة فطلقها أخوه ليتزوجها فقال المريض علي كذا وكذا إن تزوجتها فقضى ولم يتزوجها   وقال علي بن المبارك السراج حدثنا أبو مسهر عن بكر بن عبدالله قال عرض الحجاج بن يوسف سجنه يوما فأتي برجل فقال ما كان جرمك فقال أصلح الله الأمير أخذني العسس وأنامخبرك بخبري فإن كان الكذب ينجي فالصدق أولى بالنجاة قال وما قصتك قال كنت أخا لفلان فضرب الأمير عليه البعث إلى خراسان فكانت امرأته تهواني وأنا لا أشعر فبعثت إلي ذات يوم رسولا أن قد جاء كتاب صاحبك فهلم لتقرأه فمضيت إليها فجعلت تشغلني بالحديث حتى صلينا المغرب ثم أظهرت لي ما في نفسها مني ودعتني إلى السوء فأبيت ذلك فقالت والله لئن لم تفعل لأصيحن ولأقولن إنك لص فخفتها والله أيها الأمير على نفسي فقلت أمهليني حتى الليل فلما صليت العتمة وثقت بشدة حرس الأمير فخرجت من عندها هاربا وكان القتل أيسر علي من خيانة أخي فلقيني عسس الأمير فأخذوني وقد قلت في ذلك شعرا قال وما قلت فقال   

رب بيضاء آنس ذات دل  قد دعتني لوصلها فأبيت

لم يكن شأني العفاف ولكن  كنت خلا لزوجها فاستحيت

  فأمر بإطلاقه

وقال الربيع بن زياد رأيت جارية عند قبر وهي تقول   بنفسي فتى أوفى البرية كلها  وأقواهم في الموت صبرا على الحب   فقلت لها بم صار أوفاهم وأقواهم قالت هويني فكان أهلي إن جاهر بحبي لاموه وإن كتمه عنفوه فلما أخذه الأمر قال

يقولون إن جاهرت قد عضك الهوى  وإن لم أبح بالحب قالوا تصبرا

وليس لمن يهوى ويكتم حبه  من الأمر إلا أن يموت فيعذرا 

 ولم يزل يردد هذين البيتين حتى مات فوالله يا هذا لا أبرح أو يتصل قبرانا ثم شهقت شهقة فصاح النساء وقلن قضت والذي اختار لها الوفاة فما رأيت أسرع ولا أوحى من أمرها قال ابن الدمينة   

وبتنا فويق الحي لا نحن منهم  ولا نحن بالأعداء مختلطان

وبات بقينا ساقط الطل والندى  من الليل بردا يمنة عطران

نذور بذكر الله عنا غوى الصبا  إذا كان قلبانا له يردان

ونصدر عن ري العفاف وربما  نقعنا غليل الحب بالرشفان 

  قال أبو الفرج وشت جارية بثينة بها إلى أبيها وأخيها وقالت لهما إن جميلا عندها فأتيا مشتملين على سيفيهما فرأياه خاليا حجرة منها يحدثها ويشكو إليها بثه ثم قال لها يا بثينة أرأيت ما بي من الشغف والعشق ألا تجزينيه قالت له بماذا قال بما يكون من المتحابين فقالت له يا جميل أهذا تبغي والله لقد كنت عندي بعيدا منه فإذا عاودت تعريضا بريبة لا رأيت وجهي أبدا فضحك وقال والله ما قلت لك هذا إلا لأعلم ما عندك ولو علمت أنك تجيبينني إليه لعلمت أنك تجيبين غيري ولو رأيت منك مساعدة لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي إن طاوعتني نفسي أو هجرتك أبدا أما سمعت قولي   وإني لأرضى من بثينة بالذي لو أبصره الواشي لقرت بلابله   بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى  وبالأمل المرجو قد خاب آمله   وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي  أواخره لا نلتقي وأوائله   فقال أبوها لأخيها قم بنا فما ينبغي لنا بعد هذا اليوم أن نمنع هذا الرجل من إتيانها