الباب الرابع والعشرون: في ارتكاب سبيلي الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام

روضة المحبين ونزهة المشتاقين

لابن قيم الجوزية

أبو عبد الله، شمس الدين محمد ابن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة، الزُّرْعيّ الدمشقي(691 ـ 751هـ/1292 ـ 1350م)

  الباب الرابع والعشرون :في ارتكاب سبيلي الحرام وما يفضي إليه من المفاسد  والآلام

   حقيق بكل عاقل أن لا يسلك سبيلا حتى يعلم سلامتها وآفاتها وما توصل إليه تلك الطريق من سلامة أو عطب وهذان السبيلان هلاك الأولين والآخرين بهما وفيهما من المعاطب والمهالك ما فيهما ويفضيان بصاحبهما إلى أقبح الغايات وشر موارد الهلكات ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى سبيل الزنى سر سبيل فقال تعالى ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا فإذا كانت هذه سبيل الزنى فكيف بسبيل اللواظ التي تعدل الفعلة منه في الإثم والعقوبة أضعافها وأضعاف أضعافها من الزنى كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى فأما سبيل الزنى فأسوأ سبيل ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار يأتيهم لهبها من تحتهم فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا ثم يعودون إلى موضعهم فهم هكذا إلى يوم القيامة كما رآهم النبي في منامه ورؤيا الأنبياء وحي لا شك فيها   فروى البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال كان رسول الله مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص وإنه قال لنا ذات غداة إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ راسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت سبحان الله ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت لهما ما هؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على نهر أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيغفر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت لهما ما هؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على دوحة لم أر دوحة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي ارق فيها فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة قال فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله قال قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم وأما الولدان حوله فكل مولود مات على الفطرة قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم   وقال أبو مسلم الكجي حدثنا صدقة بن جابر عن سليم بن عامر قال حدثني أبو أمامة الباهلي قال سمعت النبي يقول بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأخرجاني فأتيا بي جبلا وعرا وقالا لي اصعد فقلت إني لا أطيقه فقالا سنسهله لك قال فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات مديدة فقلت ما هذه الأصوات فقالا هذا عواء أهل النار ثم انطلق بي فإذا أنا بفوج أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا وأسوأه منظرا فقلت من هؤلاء فقالا هؤلاء قتلى الكفار ثم انطلق بي فإذا بفوج أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا كأن ريحهم المراحيض فقلت من هؤلاء قال الزانون والزواني   وقال قتيبة بن سعيد حدثنا نوح بن قيس قال حدثني أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله ليلة أسري بي انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير نساء معلقات بثديهن ومنهن بأرجلهن منكسات ولهن صراخ وخوار فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء اللواتي يزنين ويقتلن أولادهن ويجعلن لأزواجهن ورثة من غيرهم   وقال أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا عبدالسلام بن شداد عن غزوان بن جرير عن أبيه أنهم تذاكروا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفواحش فقال لهم هل تدرون أي الزنى أعظم قالوا يا أمير المؤمنين كله عظيم قال ولكن سأخبركم بأعظم الزنى عند الله هو أن يزني الرجل بزوجة الرجل المسلم فيصير زانيا وقد أفسد على الرجل زوجته ثم قال عند ذلك إن الناس يرسل عليهم يوم القيامة ريح منتنة حتى يتأذى منها كل بر وفاجر حتى إذا بلغت منهم كل مبلغ وألمت أن تمسك بأنفاس الأمم كلهم ناداهم مناد يسمعهم الصوت ويقول لهم هل تدرون ما هذه الريح التي قد آذتكم فيقولون لا ندري والله إلا أنها قد بلغت منا كل مبلغ فيقال ألا إنها ريح

فروج الزناة الذين لقوا الله بزناهم ولم يتوبوا منه ثم يصرف بهم فلم يذكر عند الصرف بهم جنة ولا نارا   وقال الخرائطي حدثنا علي بن داود القنطري حدثنا سعيد بن عفير حدثني مسلم بن علي الخشني عن أبي عبدالرحمن عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله قال يا معشر المسلمين إياكم والزنى فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فذهاب البهاء ودوام الفقر وقصر العمر وأما اللواتي في الآخرة فسخط الله وسوء الحساب ودخول النار   ويذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال المقيم على الزنى كعابد وثن ورفعه بعضهم وهذا أولى أن يشبه بعابد الوثن من مدمن الخمر وفي المسند وغيره مرفوعا مدمن الخمر كعابد وثن فإن الزنى أعظم من شرب الخمر قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنى   وفي الصحيحين من حديث أبي وائل عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم منك قال قلت ثم أي قال أن تزني بحليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما   وقال قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن ابن أنعم عن رجل عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه ويقول له ادخل النار مع الداخلين وذكر سفيان بن عيينة عن جامع بن شداد عن أبي وائل عن عبدالله قال إذا بخس المكيال حبس القطر وإذا ظهر الزنى وقع الطاعون وإذا كثر الكذب كثر الهرج   وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر   وذكر سفيان الثوري عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله قال إن الله يبغض ثلاثة

الشيخ الزاني والمقل المختال والبخيل المنان 

 وذكر الأعمش عن خيثمة عن أبي عبدالرحمن عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي قال مثل الذي يجلس على فراش المغيبة مثل الذي ينهشه الأساود يوم القيامة المغيبة هي التي قد سافر زوجها في جهاد أو حج أو غيرهما وفي النسائي وغيره من حديث بريدة عن النبي قال حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كأمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فيقال يا فلان هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت ثم التفت النبي إلى أصحابه فقال ما ترون يدع له من حسناته شيئا وفي لفظ وإذ اخلفه في أهله فخانه قيل يوم القيامة هذا خانك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت فما ظنكم   ويكفي في قبح الزنى أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله ومن قبحه أن الله سبحانه فطر عليه بعض الحيوان البهيم الذي لا عقل له كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال رأيت في الجاهلية قردا زنى بقردة فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا وكنت فيمن رجمهما 

فصل :  والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة فلا تجد زانيا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله فالغدر والكذب والخيانة وقلةالحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته   ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له ومنها الفقر اللازم وفي أثر يقول الله تعالى أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن ومنها أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي أنه قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فسلبه اسم الإيمان المطلق وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث فخط دائرة في الأرض وقال هذه دائرة الإيمان ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال هذه دائرة الإسلام فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه ولا يسمى به عالما فقيها ومعه جزء من الشجاعة والجود ولا يسمى بذلك شجاعا ولا جوادا وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا ونظائره فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ولا يتأول بما يخالف ظاهره والله أعلم ومنها أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي فيه الزناة والزواني ومنها أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة كما قال الله تعالى الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   وقد حرم الله الجنة على كل خبيث بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب قال الله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وقال تعالى وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم والزناة من أخبث الخلق وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم فلا يدخل النار طيب ولا يدخل الجنة خبيث    

ومنها الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس ومن جالسه استأنس به والزاني تعلو وجهه الوحشة ومن جالسه استوحش به ومنها قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة ومنها أن الناس ينظرونه بعين الخيانة ولا يأمنه أحد على حرمته ولا على ولده ومنها الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم تفوح من فيه وجسده ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل   كل به مثل ما بي غير أنهم  من غيرة بعضهم للبعض عذال   ومنها ضيقة الصدر وحرجه فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له دع ربح العاقبة والفوز بثواب الله وكرامته ومنها أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه وإن ناله من حرام فاته نظيره يوم القيامة   ومنها أن الزنى يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند بعدها وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه وأعيى الأطباء دواؤه فأسيرها لا يفدى وقتيلها لا يودى وقد وكلها الله سبحانه بزوال النعم فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله فإنها ضيف سريع الانتقال وشيك الزوال قال الله تعالى ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم وقال تعالى وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له  

 فصل :  فهذا بعض ما في هذه السبيل من الضرر وأما سبيل الأمة اللوطية فتلك سبيل الهالكين المفضية بسالكها إلى منازل المعذبين الذين جمع الله عليهم من أنواع العقوبات مالم يجمعه على أمة من الأمم لا من تأخر عنهم ولا من تقدم وجعل ديارهم وآثارهم عبرة للمعتبرين وموعظة للمتقين   وكتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فجمع أبو بكر رضي الله عنه لذلك ناسا من أصحاب رسول الله وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاستشارهم فكان علي رضي الله عنه أشدهم قولا فيه فقال إن هذا لم يعمل به أمة من الأمم إلا أمة واحدة فصنع الله بهم ما قد علمتم أرى أن تحرقوه بالنار فأحرقوه بالنار  

  وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة والتابعين يرجم بالحجارة حتى يموت أحصن أو لم يحصن ووافقه على ذلك الإمام أحمد وإسحاق ومالك 

 وقال الزهري يرجم أحصن أو لم يحصن سنه ماضية وقال جابر بن زيد في رجل غشي رجلا في دبره قال الدبر أعظم حرمة من الفرج يرجم أحصن أولم يحصن وقال الشعبي يقتل أحصن أو لم يحصن   

 وسئل ابن عباس عن اللوطي ما حده قال ينظر أعلى بناء في المدينة فيرمى منه منكسا ثم يتبع بالحجارة ورجم علي لوطيا وافتى بتحريقه وكأنه رأى جواز هذا وهذا   

 وقال إبراهيم النخعي لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتين لكان ينبغي للوطي أن يرجم مرتين وذهبت طائفة إلى أنه يرجم إن احصن ويجلد إن لم يحصن وهذا قول الشافعي وأحمد في رواية عنه وسعيد بن المسيب في رواية عنه وعطاء بن أبي رباح   

 قال عطاء شهدت ابن الزبير أتي بسبعة أخذوا في اللواط أربعة منهم قد أحصنوا وثلاثة لم يحصنوا فأمر بالأربعة فأخرجوا من المسجد الحرام فرجموا بالحجارة وأمر بالثلاثة فضربوا الحد  

وفي المسجد ابن عمر وابن عباس فالصحابة اتفقوا على قتل اللوطي وإنما اختلفوا في كيفية قتله فظن بعض الناس أنهم متنازعون في قتله ولا نزاع بينهم فيه إلا في إلحاقه بالزاني أو قتله مطلقا   وقد اختلف الناس في عقوبته على ثلاثة أقوال أحدها أنها أعظم من عقوبة الزنى كما أن عقوبته في الآخرة أشد الثاني أنها مثلها الثالث أنها دونها 

 وذهب بعض الشافعية إلى أن عقوبة الفاعل كعقوبة الزاني وعقوبة المفعول به الجلد مطلقا بكرا كان أو ثيبا قال لأنه لا يلتذ بالفعل به بخلاف الفاعل  

  وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا حد على واحد منهما قال لأن الوازع عن ذلك ما في الطباع من النفرة عنه واستقباحه وما كان ذلك لم يحتج إلى أن يزجر الشارع عنه بالحد كأكل العذرة والميتة والدم وشرب البول ثم قال هؤلاء إذا أكثر منه اللوطي فللإمام قتله تعزيرا صرح بذلك أصحاب أبي حنيفة  

  والصحيح أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزاني لإجماع الصحابة على ذلك ولغلظ حرمته وانتشار فساده ولأن الله سبحانه وتعالى لم يعاقب أمة ما عاقب اللوطية  

  قال ابن أبي نجيح في تفسيره عن عمرو بن دينار في قوله تعالى إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين قال ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط وقال محمد بن مخلد سمعت عباسا الدوري يقول بلغني أن الأرض تعج إذا ركب الذكر على الذكر وذكر ابن أبي الدنيا بإسناده عن كعب قال كان إبراهيم يشرف على سدوم فيقول ويل لك سدوم يوما مالك فجاءت إبراهيم الرسل وكلمهم إبراهيم في أمر قوم لوط قالوا يا إبراهيم أعرض عن هذا ^ قال ^ ولم جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا فذهب بهم إلى منزله فذهبت امرأته فجاءه قومه يهرعون إليه فقال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم أزوجكم بهن أليس منكم رجل رشيد وجعل لوط الأضياف في بيته وقعد على باب البيت وقال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال أي عشيرة تمنعني قال ولم يبعث نبي بعد لوط إلا في عز من قومه فلما رأت الرسل ما قد لقي لوط في سببهم قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فخرج عليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم بجناحه ضربة طمست أعينهم قال والطمس أن تذهب حتى تستوي واحتمل مدائنهم حتى سمع أهل سماء الدنيا نبيح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل قال على أهل بواديهم وعلى رعاتهم وعلى مسافريهم فلم ينفلت منهم إنسان وقال مجاهد نزل جبرل عليه السلام فأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط فرفعها حتى سمع أهل السماء نبيح الكلاب وأصوت الدجاج والديكة ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم أتبعوا بالحجارة 

  وفي تفسير أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أغلق لوط على ضيفه الباب فخلعوا الباب ودخلوا فطمس جبرل أعينهم فذهبت أبصارهم فقالوا يا لوط جئتنا بالسحرة وتوعدوه فأوجس في نفسه خيفة قال يذهب هؤلاء ونؤذى فقالوا لا تخف إنا رسل ربك إن موعدهم الصبح قال لوط الساعة قال جبريل أليس الصبح بقريب قال فرفعت المدينة حتىسمع أهل السماء نبيح الكلاب ثم أقلبت ورموا بالحجارة وقال حذيفة بن اليمان لما أرسلت الرسل إلى قوم لوط لتهلكهم قيل لهم لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث مرات وطريقهم على إبراهيم قال فأتوا إبراهيم فبشروه بما بشروه فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط قال كان مجادلته إياهم أن قال لهم إن كان فيهم خمسون أتهلكونهم قالوا لا قال أفرأيتم إن كان فيهم أربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا حتى انتهى إلى عشرة أو خمسة فأتا لوطا وهو في أرض يعمل فيها فحسبهم ضيفا فأقبل بهم حين أمسى إلى أهله فأتوا معه فاتلفت إليهم فقال أما ترون ما يصنع هؤلاء قالوا وما يصنعون قال من من الناس أحد شر منهم قال فانتهى بهم إلى أهله فانطلقت العجوز السوء امرأته فأتت قومه فقالت لقد تضيف لوطا الليلة قوم ما رأيت قط أحسن وجوها ولا أطيب ريحا منهم فأقبلوا يهرعون إليه حتى دفعوا الباب ثم كادوا أن يقلبوه عليهم فقام ملك بجناحه فصفقه دونهم ثم أغلق الباب ثم علوا الأجاجير فجعل يخاطبهم فقال هؤلاء بناتي هن أطهر لكم حتى بلغ أو آوي إلى ركن شديد شديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فطمس جبريل أعينهم فما بقي أحد منهم تلك الليلة حتى عمي قال فباتوا بشر ليلة عميا ينتظرون العذاب قال وسار بأهله واستأذن جبريل عليه السلام في هلاكهم فأذن له فارتفع بالأرض التي كانوا عليها فألوى بها حتى سمع أهل السماء الدنيا ضغاء كلابهم وأوقد تحتها نارا ثم قلبها بهم قال فسمعت امرأته الوجبة وهي معه فالتفتت فأصابها العذاب   وفي تفسير العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما جادل إبراهيم الملائكة في قوم لوط أن يتركوا فقال أرأيتم إن كان فيهم عشرةأبيات من المسلمين أتتركونهم فقالت الملائكة ليس فيها عشرة أبيات ولا خمسة ولا أربعة ولا ثلاثة ولا اثنان فحزن إبراهيم على لوط وأهل بيته و قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين فذلك قوله فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب فقالت الملائكة يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود فبعث الله إليهم جبريل فانتسف المدينة ومن فيها بأحد جناحيه فجعل عاليها سافلها وتبعتهم الحجارة بكل أرض فأهلك الله سبحانه الفاعل والمفعول به والساكت الراضي والدال المحصن منهم وغير المحصن العاشق والمعشوق وأخذهم وهم في سكرة عشقهم يعمهون   وذكر ابن أبي داود في تفسيره عن وهب بن منبه قال إن الملائكة حين دخلوا على لوط ظن أنهم أضياف ضافوه فاحتفل لهم وحرص على كرامتهم وخالفته امرأته إلى فساق قومه فأخبرتهم أنه ضاف لوطا أحسن الناس وجها وأنضرهم جمالا وأطيبهم ريحا فكانت هذه خيانتها التي ذكر الله عز وجل في كتابه وفيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله فخانتاهما قال والله ما زنتا ولا بغت امرأة نبي قط فقيل له فما كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط فقال أما امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل على الضيف   

 وقال أبو مسلم الليثي في مسنده حثنا سليمان بن داود حدثنا عبدالوارث حدثنا القاسم بن عبدالرحمن حدثنا عبدالله بن محمد بن عقيل قال سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنه يقول قال رسول الله إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط وقال هشام بن عمار حدثنا عبدالعزيز الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال لعن الله من وقع على بهيمة ولعن الله من عمل عمل قوم لوط رواه الإمام أحمد وقال القعنبي حدثنا عبدالعزيز هو الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبدالله بن حنطب المخزومي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال لعن الله من تولى غير مواليه ولعن الله من غير تخوم الأرض ولعن الله من كمه أعمى عن السبيل ولعن الله من لعن والديه ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاثا ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من وقع على بهيمة هذا الإسناد على شرط البخاري   وقال أبو داود الطيالسي حدثنا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا باشر الرجل الرجل فهما زانيان وفي لفظ إذا أتى الرجل الرجل   وفي المسند والسنن من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله اقتلوا الفاعل والمفعول به وفي لفظ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به وإسناده على شرط البخاري   وروى سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال 

قال رسول الله من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فارجموه أو قال فاقتلوا الفاعل والمفعول به   وحرق اللوطية بالنار أربعة من الخلفاء أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير وهشام بن عبدالملك   وقال حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس عن عبيدالله بن معمر قال يقتل اللوطي وقال سعيد بن المسيب عندنا على اللوطي الرجم أحصن أو لم يحصن سنة ماضية وهذا يدل على أن ذلك سنة مضى عليها العمل   

 وقال الشعبي يقتل أحصن أو لم يحصن وقال الزهري وربيعة وابن هرمز ومالك بن أنس عليه الرجم أحصن أو لم يحصن   وقال بعض العلماء وإما قال سعيد بن المسيب إن ذلك سنة ماضية لقول النبي اقتلوا الفاعل والمفعول به ولم يقل محصنا أو غير محصن   وحرقهم أبو بكر رضي الله عنه بالنار بعد مشاورة الصحابة وأشار عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك وحرقهم علي وابن الزبير كما ذكره الآجري وغيره عن محمد بن المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر أنه وجد رجلا في بعض ضواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع أبو بكر لذلك اصحاب رسول الله وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فقال علي إن هذا ذنب لم يعمل به إلا أمة واحدة ففعل الله بهم ما قد علمتم أرى أن تحرقوه بالنار فاجتمع رأي أصحاب رسول الله أن يحرق بالنار فأمر به أبو بكر أن يحرق 

  قال وقد حرقهم ابن الزبير وهشام بن عبدالملك وقال ابن عباس رضي الله عنهما يرجم اللوطي بكرا كان أو ثيبا   وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه ولم يفرق أحد منهم بين المحصن وغره وصرح بعضهم بعموم الحكم للمحصن وغير المحصن فلذلك قال ابن المسيب إن هذا سنة ماضية   وفي مسائل إسحاق بن منصور الكوسج قلت لأحمد يرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن فقال يرجم أحصن أو لم يحصن قال إسحاق بن راهويه هو كما قال   والسنة في الذي يعمل عمل قوم لوط أن يرجم محصنا كان أو غير محصن لأن النبي قال من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه رواه ابن عباس عن النبي كذلك ثم أفتى ابن عباس بعد النبي فيمن يعمل عمل قوم لوط أنه يرجم وإن كان بكرا فحكم في ذلك بما رواه عن النبي   وكذلك روي عن علي بن أبي طالب مثل هذا القول إن اللوطي يرجم ولم يذكر محصنا كان أو غير محصن وكذلك فعل الله سبحانه بقوم لوط وكذا يروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه حرقهم بالنار هذا كلام إسحاق رحمه الله   وذكر الآجري في كتاب تحريم اللواط من حديث عبدالله بن عمر مرفوعا سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين الفاعل والمفعول به والناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها والجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره والمؤذي لجاره حتى يلعنه   

 وذكر عن أنس مرفوعا نحوه وقال ادخلوا النار أول الداخلين إلا أن يتوبوا إلا أن يتوبوا إلا أن يتوبوا فمن تاب تاب الله عليه الناكح يده والفاعل والمفعول به ومدمن الخمر والضارب أبويه حتى يستغيثا والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه والزاني بحليلة جاره   وقال مجاهد لو أن الذي يعمل ذلك العمل يعني عمل قوم لوط اغتسل بكل قطرة في السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسا وقد ذكر الله سبحانه عقوبة اللوطية وما حل بهم من البلاء في عشر سور من القرآن وهي سورة الأعراف وهود والحجر والأنبياء والفرقان والشعراء والنمل والعنكبوت والصافات واقتربت الساعة وجمع على القوم بين عمى الأبصار وخسف الديار والقذف بالأحجار ودخول النار وقال محذرا لمن عمل عملهم ما حل بهم من العذاب الشديد وما قوم لوط منكم ببعيد   وقال بعض العلماء إذا علا الذكر الذكر هربت الملائكة وعجت الأرض إلى ربها ونزل سخط الجبار جل جلاله عليهم وغشيتهم اللعنة وحفت بهم الشياطين واستأذنت الأرض ربها أن تخسف بهم وثقل العرش على حملته وكبرت الملائكة واستعرت الجحيم فإذا جاءته رسل الله لقبض روحه نقلوها إلى ديار إخوانهم وموضع عذابهم فكانت روحه بين أرواحهم وذلك أضيق مكانا وأعظم عذابا من تنور الزناة فلا كانت لذة توجب هذا العذاب الأليم وتسوق صاحبها إلى مرافقة أصحاب الجحيم تذهب اللذات وتعقب الحسرات وتفنى الشهوة وتبقى الشقوة  

وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ينشد   تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها  من الحرام ويبقى الخزي والعار   تبقى عواقب سوء في مغبتها  لا خير في لذة من بعدها النار 

 فصل :  وأما إن كانت الفاحشة مع ذي رحم محرم فذلك الهلك كل الهلك ويجب قتل الفاعل بكل حال عند الإمام أحمد وغيره   واحتج أحمد بحديث عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال لقيت خالي ومعه الراية فقلت أين تريد قال بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه أضرب عنقه وآخذ ماله رواه الإمام أحمد واحتج به   وقال شعبة حدثنا الركين بن الربيع عن عدي بن ثابت عن البراء 

قال رأيت أناسا ينطلقون فقلت أين تذهبون قالوا بعثنا رسول الله إلى رجل يأتي امرأة أبيه أن نقتله   وذكر عبدالله بن صالح حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله قال اقتلوا الفاعل والمفعول به والذي يأتي البهيمة والذي يأتي كل ذات محرم وقال هشام بن عمار حدثنا رفدة بن قضاعة حدثنا صالح بن راشد قال أتي الحجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها فقال احبسوه وسلوه من هاهنا من أصحاب محمد فسألوا عبدالرحمن بن مطرف فقال سمعت رسول الله يقول من تخطى الحرمتين فخطوا وسطه بالسيف وأفتى ابن عباس رضي الله عنهما بمثل ذلك وقال عمر بن شبة حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة قال أتي الحجاج برجل زنى بأخته فسأل عنها عبدالله فقال يضرب بالسيف فأمر به الحجاج فضرب عنقه بالسيف   وذكر جماعة عن حماد بن سلمة عن بكر بن عبدالله المزني أن رجلا تزوج خالته فرفع إلى عبدالملك بن مروان فقال إني ظننت أنها تحل لي 

فقال لا جهالة في الإسلام وأظن أنه أمر به فقتل وفي مسائل صالح بن أحمد قال سألت أبي عن الرجل الذي تزج ذات محرم منه فقال إن كان عمدا يقتل ويؤخذ ماله وإن كان لا يعلم يفرق بينهما وأستحب أن يكون لها ما أخذت منه ولا يرجع عليها بشيء وفي صحيفةعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال لا يدخل الجنة من أتى ذات محرم