الباب السادس والعشرون: في ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما

روضة المحبين ونزهة المشتاقين

لابن قيم الجوزية

أبو عبد الله، شمس الدين محمد ابن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة، الزُّرْعيّ الدمشقي(691 ـ 751هـ/1292 ـ 1350م)

الباب السادس والعشرون في ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما

   هذا باب لا يدخل فيه إلا النفوس الفاضلة الشريفة الأبية التي لا تقنع بالدون ولا تبيع الأعلى بالأدنى بيع العاجز المغبون ولا يملكها لطخ جمال مغش على أنواع من القبائح كما قال بعض الأعراب وقد نظر إلى امرأة مبرقعة  

إذا بارك الله في ملبس  فلا بارك الله في البرقع

يريك عيون المها مسبلا  ويكشف عن منظر في أشنع

  وقال الآخر  

لا يغرنك ما ترى من نقاب  إن تحت النقاب داء دويا 

  فالنفس الأبية لا ترضى بالدون وقد عاب الله سبحانه أقواما استبدلوا طعاما بطعام أدنى منه فنعى ذلك عليهم وقال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وذلك دليل على وضاعة النفس وقلة قيمتها   

 وقال الأصمعي خلا رجل من الأعراب بامرأة فهم بالريبة فلما تمكن منها تنحى سليما وجعل يقول إن امرءا باع جنة عرضها السموات والأرض بفتر ما بين رجليك لقليل البصر بالمساحة 

  وقال أبو أسماء دخل رجل غيضة فقال لو خلوت هاهنا بمعصية من كان يراني فسمع صوتا ملأ ما بين لابتي الغيضة ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير  

 وقال الإمام أحمد حدثنا هيثم هو ابن خارجة حدثنا إسماعيل ابن عياش عن عبدالرحمن بن عدي البهراني عن يزيد بن ميسرة قال إن الله تعالى يقول أيها الشاب التارك شهوته لي المتبذل شبابه من أجلي أنت عندي كبعض ملائكتي   وذكر إبراهيم بن الجنيد أن رجلا راود امرأة عن نفسها فقالت له أنت قد سمعت القرآن والحديث فأنت أعلم قال فأغلقي الأبواب فأغلقتها فلما دنا منها قالت بقي باب لم أغلقه قال أي باب قالت الباب الذي بينك وبين الله فلم يتعرض لها 

   وذكر أيضا عن أعرابي قال خرجت في بعض ليالي الظلم فإذا أنا بجارية كأنها علم فأردتها عن نفسها فقالت ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذ لم يكن لك ناه من دين فقلت إنه والله ما يرانا إلا الكواكب قالت فأين مكوكبها   

 وجلس زياد مولى ابن عياش رضي الله عنهما إلى بعض إخوانه فقال له يا عبدالله فقال له قل ما تشاء قال ما هي إلا الجنة أو النار قلت نعم قال وما بينهما منزل ينزله العباد قلت لا والله فقال والله إن نفسي لنفس أضن بها على النار والصبر اليوم عن معاصي الله خير من الصبر على الأغلال   

 وقال وهب بن منبه قالت امرأة العزيز ليوسف عليه السلام ادخل معي القيطون تعني الستر قال إن القيطون لا يسترني من ربي   وقال اليزيدي دخلت على هارون الرشيد فوجدته مكبا على ورقه ينظر فيها مكتوبة بالذهب فلما رآني تبسم فقلت فائدة أصلح الله أمير المؤمنين قال نعم وجدت هذين البيتين في بعض خزائن بني أمية فاستحسنتهما فأضفت إليهما ثالثا فقال ثم أنشدني   

إذا سد باب عنك من دون حاجة  فدعه لأخرى ينفتح لك بابها

فإن قراب البطن يكفيك ملأه  ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها

فلا تك مبذالا لدينك واجتنب  ركوب المعاصي يجتنبك عقابها 

   وقال أبو العباس الناشئ   إذا المرء يحمي نفسه حل شهوة  لصحة أيام تبيد وتنفد   فما باله لا يحتمي من حرامها  لصحة ما يبقى له ويخلد   وقيل إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان ينشد هذين البيتين  

إقدع النفس بالكفاف وإلا  طلبت منك فوق ما يكفيها

إنما طول عمرك ما عمرت  في الساعة التي أنت فيها 

  ومن أحسن شعر العرب وكان عمرو بن العاص يتمثل بهما 

إذا المرء لم يترك طعاما أحبه  ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما

قضى وطرا منه وغادر سبة  إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما 

 وقال شعبة عن منصور عن إبراهيم كلم رجل من العباد امرأة فلم يزل بها حتى وضع يده على فخذها فانطلق فوضع يده على النار حتى نشت   

 وقال زيد بن أسلم عن أبيه كان عابد في صومعة يتعبد فأشرف ذات يوم فرأى امرأة ففتن بها فأخرج إحدى رجليه من الصومعة يريد النزول إليها ثم فكر وادكر فأناب فأراد أن يعيد رجله إلى الصومعة فقال والله لا أدخل رجلا خرجت تريد أن تعصي الله في صومعتي أبدا فتركها خارجة من الصومعة فأصابها الثلج والبرد والرياح حتى تقطعت  

  وقال بعض السلف من كان له واعظ من قلبه زاده الله عز وجل عزا والذل في طاعة الله أقرب من العز في معصيته   وقال أبو العتاهية لقيت أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته وقلت له أما آن لك أن ترعوي وتنزجر فرفع رأسه إلي وقال   

أتراني يا عتاهي  تاركا تلك الملاهي

أتراني مفسدا بالنسك  عند القوم جاهي 

 فلما ألححت عليه في العذل أنشأ يقول  

لا ترجع الأنفس عن غيها  مالم يكن منها لها زاجر 

فوددت أني قلت هذا البيت بكل شيء قلته   وقال ابن السماك عن امرأة كان تسكن البادية لو طالعت قلوب المؤمنين بفكرها ما ذخر لها في حجب الغيوب من خير الآخرة لم يصف لهم في الدنيا عيش ولم تقر لهم عين وقال ضيغم لرجل إن حبه عز وجل شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبةغيره فليس لهم في الدنيا مع محبته عز وجل لذة تداني محبته ولا يأملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجه مجبوبهم فسقط الرجل مغشيا عليه  

  وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن رسول الله قال ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران وفي السورين أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط ولا تعرجوا وداع يدعو فوق الصراط فإذا أراد أحد فتح شيء من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط الإسلام والستور المرخاة حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله والداعي على رأس الصراط كتاب الله عز وجل والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم   وقال خالد بن معدان ما من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما ما وعده الله بالغيب وإذا أراد الله به غير ذلك تركه على ما هو فيه ثم قرأ أم على قلوب أقفالها 

  وفي الترمذي عنه الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني   وفي المسند من حديث فضالة بن عبيد عن النبي المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله   وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا عبدالعزيز بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال من أصبح وأكثر همه غير الله فليس من الله  

  وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرحمن عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار قال قال موسى يا رب من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك قال هم البريئة أيديهم الطاهرة قلوبهم الذين يتحابون بجلالي الذين إذا ذكرت ذكروا بي وإذا ذكروا بي ذكرت بذكرهم الذين يسبغون الوضوء في المكاره وينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حرب

  وقال أحمد حدثنا إبراهيم بن خالد حدثني عبدالله بن يحيى قال سمعت وهب بن منبه يقول قال موسى عليه السلام أي رب أي عبادك أحب إليك قال من أذكر برؤيته 

  وقال أحمد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا هشام الدستوائي قال بلغني أن في حكمة عيسى بن مريم تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ويحكم علماء السوء الأجر تأخذون والعمل تضيعون توشكون أن تخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه والله عز وجل نهاكم عن المعاصي كما أمركم بالصوم والصلاة كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو في الدنيا أعظم رغبة كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما لا يضره كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله عز وجل في قضائه فليس يرضى بشيء أصابه كيف يكون من أهل العلم من طلب العلم ليتحدث به ولم يطلبه ليعمل به   وقال عبدالله بن المبارك عن معمر قال الصبيان ليحيى بن زكريا اذهب بنا نلعب قال أو للعب خلقنا   

 وقال أحمد حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبدالحميد بن جعفر حدثني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أن أمه فاطمة حدثته أن رسول الله قال إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب ويتشدقون بالكلام   وقال أحمد حدثنا أبو قطن حدثنا شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى يا أبا موسى شوقنا إلى ربنا قال فقرأ فقالوا الصلاة فقال عمر أولسنا في الصلاة 

 فصل :  وملاك الأمر كله الرغبة في الله وإرادة وجهه والتقرب إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه وإلى لقائه فإن لم يكن للعبد همة إلى ذلك فالرغبة في الجنة ونعيمها وما أعد الله فيها لأوليائه فإن لم تكن له همة عالية تطالبه بذلك فخشية النار وما أعد الله فيها لمن عصاه فإن لم تطاوعه نفسه بشيء من ذلك فليعلم أنه خلق للجحيم لا للنعيم ولا يقدر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه فهذه فصول أربعة هن ربيع المؤمن وصيفه وخريفه وشتاؤه وهن منازله في سيره إلى الله عز وجل وليس له منزلة غيرها فأما مخالفة الهوى فلم يجعل الله للجنة طريقا غير مخالفته ولم يجعل للنار طريقا غير متابعته قال الله تعالى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وقال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان قيل هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامه بين يديه في الآخرة فيتركها لله   وقد أخبر سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيله فقال الله تعالى 

يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ثم ذكر مآل الضالين عن سبيله ومصيرهم فقال إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب وأخبر سبحانه أن باتباع الهوى يطبع على قلب العبد فقال أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم وقد أخبر النبي أن العاجز هو الذي اتبع هواه وتمنى على الله وذكر الإمام أحمد من حديث راشد بن سعد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال قال رسول الله ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع   وذكر من حديث جعفر بن حيان عن أبي الحكم عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى وفي نسخة كثير ابن عبدالله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله إن أخوف ما أخاف على أمتي حكم جائر وزلة عالم وهوى متبع 

  وقيل لبعض الحكماء أي الأصحاب أبر قال العمل الصالح قيل فأي شيء أضر قال النفس والهوى وقال بعض الحكماء إذا اشتبه عليك أمران فانظر أقربهما من هواك فاجتنبه وأتي بعض الملوك بأسير عظيم الجرم فقال لو كان هواي في العفو عنك لخالفت الهوى إلى قتلك ولكن لما كان هواي في قتلك خالفته إلى العفو عنك وقال الهيثم بن مالك الطائي سمعت النعمان بن بشير يقول علىالمنبر إن للشيطان فخوخا ومصالي وإن من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله والفخر بإعطاء الله والكبرياء على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله   وفي المسند وغيره من حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله ثلاث مهلكات وثلاث منجيات فالمهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه والمنجيات تقوى الله تعالى في السر والعلانية والعدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى   وفي جامع الترمذي من حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله يقول بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى بئس العبد عبد بغى وعتا ونسي المبدأ والمنتهى بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات بئس العبد عبد طمع يقوده بئس العبد عبد هوى يضله بئس العبد عبد رغب يذله   

 وقد أقسم النبي أنه لا يؤمن العبد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به فيكون هواه تابعا لا متبوعا فمن اتبع هواه فهواه متبوع له ومن خالف هواه لما جاء به الرسول فهواه تابع له فالمؤمن هواه تابع له والمنافق الفاجر هواه متبوع له   وقد حكم الله تعالى لتابع هواه بغير هدى من الله أنه أظلم الظالمين فقال الله عز وجل فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين وأنت تجد تحت هذا الخطاب أن الله لا يهدي من اتبع هواه وجعل سبحانه وتعالى المتع قسمين لا ثالث لهما إما ما جاء به الرسول وإما الهوى فمن اتبع أحدهما لم يمكنه اتباع الآخر والشيطان يطيف بالعبد من أين يدخل عليه فلا يجد عليه مدخلا ولا إليه طريقا إلا من هواه فلذلك كان الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله وإنما تطاق مخالفة الهوى بالرغبة في الله وثوابه والخشية من حجابه وعذابه ووجد حلاوة الشفاء في مخالفة الهوى فإن متابعته الداء الأكبر ومخالفته الشفاء الأعظم وقيل لأبي القاسم الجنيد   متى تنال النفوس مناها فقال   إذا صار داؤها دواها فقيل له   ومتى يصير داؤها دواها فقال   إذا خالفت هواها ومعنى قوله يصير داؤها دواها أن داءها هو الهوى فإذا خالفته تداوت منه بمخالفته وقيل إنما سمي هوى لأنه يهوى بصاحبه إلى أسف السافلين والهوى ثلاثة أرباع الهوان وهو شارع النار الأكبر كما أن مخالفته شارع الجنة الأعظم وقال أبو دلف العجلى   واسوأتا لفتى له أدب  يضحى هواه قاهرا أدبه   يأتي الدنية وهو يعرفها  فيشين عرضا صائنا أربه   فإذا ارعوى عادت بصيرته  فبكى على الحين الذي سلبه   وقال ابن المرتفق الهذلي   أين لي ما ترى والمرء يأتي  عزيميته ويغلبه هواه   فيعمى ما يرى فيه عليه  ويحسب من يراه لا يراه 

 فصل : وأما الرغبة في الله وإرادة وجهه والشوق إلى لقائه فهي رأس مال العبد وملاك أمره وقوام حياته الطيبة وأصل سعادته وفلاحه ونعيمه وقرة عينه ولذلك خلق وبه أمر وبذلك أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ولا صلاح للقلب ولا نعيم إلا بأن تكون رغبته إلى الله عز وجل وحده فيكون هو وحده مرغوبه ومطلوبه ومراده كما قال الله تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب وقال تعالى ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون  

  والراغبون ثلاثة أقسام راغب في الله وراغب فيما عند الله وراغب عن الله فالمحب راغب فيه والعامل راغب فيما عنده والراضي بالدنيا من الآخرة راغب عنه ومن كانت رغبته في الله كفاه الله كل مهم وتولاه في جميع أموره ودفع عنه مالا يستطيع دفعه عن نفسهووقاه وقاية الوليد وصانه من جميع الآفات ومن آثر الله على غيره آثره الله على غيره ومن كان لله كان الله له حيث لا يكون لنفسه ومن عرف الله لم يكن شيء أحب إليه منه ولم تبق له رغبة فيما سواه إلا فيما يقربه إليه ويعينه على سفره إليه   ومن علامات المعرفة الهيبة فكلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت هيبته له وخشيته إياه كما قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء أي العلماء به وقال النبي أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية ومن عرف الله صفا له العيش وطابت له الحياة وهابه كل شيء وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله واستوحش من الناس وأورثته المعرفة الحياء من الله والتعظيم له والإجلال والمراقبة والمحبة والتوكل عليه والإنابة إليه والرضا به والتسليم لأمره وقيل للجنيد رحمه الله تعالى 

إن ها هنا أقواما يقولون إنهم يصلون إلى البر بترك الحركات فقال هؤلاء تكلموا بإسقاط الأعمال وهو عندي عظيم والذي يزني ويسرق أحسن حالا من الذي يقول هذا فإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإلى الله رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر شيئا   وقال لا يكون العارف عارفا حتى يكون كالأرض يطؤه البر والفاجر وكالمطر يسقى ما يحب ومالا يحب   وقال يحيى بن معاذ يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين بكاؤه على نفسه وشوقه إلى ربه وقال بعضهم لا يكون العارف عارفا حتى لو أعطي ملك سليمان لم يشغله عن الله طرفة عين وقيل العارف أنس بالله فاستوحش من غيره وافتقر إلى الله فأغناه عن خلقه وذل لله فأعزه في خلقه   وقال أبو سليمان الداراني يفتح للعارف على فراشه مالا يفتح له وهو قائم يصلي   وقال ذو النون لكل شيء عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله   وبالجملة فحياة القلب مع الله لا حياة له بدون ذلك أبدا ومتى واطأ اللسان القلب في ذكره وواطأ القلب مراد حبيبه منه واستقل له الكثير من قوله وعمله واستكثر له القليل من بره ولطفه وعانق الطاعة وفارق المخالفة وخرج عن كله لمحبوبه فلم يبق منه شيء وامتلأ قلبه بتعظيمه وإجلاله وإيثار رضاه وعز عليه الصبر عنه وعدم القرار دون ذكره والرغبة إليه والاشتياق إلى لقائه ولم يجد الأنس إلا بذكره وحفظ حدوده وآثره على غيره فهو المحب حقا   

 وقال الجنيد سمعت الحارث المحاسبي يقول المحبة ميلك إلى الشيء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك ثم موافقتك له سرا وجهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه وقيل المحبة نار في القلب تحرق ما سوى مراد الحبيب من محبه وقيل بل هي بذل المجهود في رضا الحبيب ولا تصح إلا بالخروج عن رؤية المحبة إلى رؤية المحبوب وفي بعض الآثار الإلهية عبدي أنا وحقك لك محب فبحقي عليك كن لي محبا وقال عبدالله بن المبارك من أعطي شيئا من المحبة ولم يعط مثله من الخشية فهو مخدوع   وقال يحيى بن معاذ مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب    

وقال أبو بكر الكتاني جرت مسألة في المحبة بمكة أيام الموسم فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد أصغرهم سنا فقالوا هات ما عندك يا عراقي فأطرق رأسه ودمعت عيناه ثم قال عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه قائم بأداء حقوقه ناظر إليه بقلبه أحرق قلبه أنوار هويته وصفا شربه من كأس وده فإن تكلم فبالله وإن نطق فمن الله وإن تحرك فبأمر الله وإن سكت فمع الله فهو بالله ولله ومع الله فبكى الشيوخ وقالوا ما على هذا مزيد جبرك الله يا تاج العارفين وقيل أوحى الله إلى داود عليه السلام يا داود إني حرمت على القلوب بان يدخلها حبي وحب غيري فأجمع العارفون كلهم أن المحبةلا تصح إلا بالموافقة حتى قال بعضهم حقيقة الحب موافقة المحبوب في مراضيه ومساخطه واتفق القوم أن المحبة لا تصح إلا بتوحيد المحبوب 

  ويحكى أن رجلا ادعى الاستهلاك في محبة شخص فقال له   كيف وهذا أخي أحسن مني وجها وأتم جمالا فالتفت الرجل إليه فدفعه الشاب وقال   من يدعي هوانا ينظر إلى سوانا وذكرت المحبة عند ذي النون فقال كفوا عن هذه المسألة لا تسمعها النفوس فتدعيها ثم أنشأ يقول   الخوف أولى بالمسي  ء إذا تأله والحزن   والحب يجمل بالتق  ي وبالنقي من الدرن   وقال سمنون ذهب المحبون لله بشرف الدنيا والآخرة إن النبي قال المرء مع من أحب فهم مع الله في الدنيا والآخرة وقال يحيى بن معاذ ليس بصادق من ادعى محبته ثم لم يحفظ حدوده  

فصل :   فالمحبة شجرة في القلب عروقها الذل للمحبوب وساقها معرفته وأغصانها خشيته وورقها الحياء منه وثمرتها طاعته ومادتها التي تسقيها ذكره فمتى خلا الحب عن شيء من ذلك كان ناقصا   وقد وصف الله سبحانه نفسه بأنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه فأخبر أنهم أشد حبا لله ووصف نفسه بأنه الودود وهو الحبيب قاله البخاري والود خالص الحب فهو يود عباده المؤمنين ويودونه   وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله فيما يروى عنه ربه عز وجل أنه قال من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت عن شي أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه وفي لفظ في غير البخاري فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا فتأمل كمال الموافقة في الكراهةكيف اقتضى كراهة الرب تعالى لمساءة عبده بالموت لما كره العبد مساخط ربه وكمال الموافقة في الإرادة كيف اقتضى موافقته في قضاء حوائجه وإجابة طلباته وإعاذته مما استعاذ به كما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي ما أرى ربك إلا يسارع في هواك وقال له عمه أبو طالب يا ابن أخي ما أرى ربك إلا يطيعك فقال له وأنت يا عم لو أطعته أطاعك وفي تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل واتخذ الله إبراهيم خليلا قال حبيبا قريبا إذا سأله أعطاه وإذا دعاه أجابه وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام يا موسى كن لي كما أريد أكن لك كما تريد وتأمل هذه الباء في قوله فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي كيف تجدهامبنية لمعنى قوله كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إلى آخره فإن سمع سمع بالله وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشى مشى به  

وهذا تحقيق قوله تعالى إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقوله وإن الله لمع المحسنين وقوله وأن الله مع المؤمنين وقوله فيما رواه عنه رسوله من قوله أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه وهذا ضد قوله أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون فالصحبة التي نفاها ها هنا هي التي أثبتها لأحبابه وأوليائه فتأمل كيف جعل محبته لعبده متعلقة بأداء فرائضه وبالتقرب إليه بالنوافل بعدها لا غير وفي هذا تعزية لمدعي محبته بدون ذلك أنه ليس من أهلها وإنما معه الأماني الباطلة والدعاوي الكاذبة   وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وفي لفظ لمسلم إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه ثم يوضع له البغضاء في الأرض وفي لفظ آخر لمسلم عن سهيل بن أبي صالح قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبدالعزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي يا أبت إني أرى الله يحب عمر بن عبدالعزيز قال   وما ذاك قلت   لما له من الحب في قلوب الناس فقال إني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله ثم ذكر الحديث وأخرجه الترمذي ثم زاد في آخره فذلك قول الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا انتهى وقال بعض السلف في تفسيرها يحبهم ويحببهم إلى عباده   وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي عن الساعة فقال   وما أعددت لها قال   لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله فقال أنت مع من أحببت قال أنس رضي الله عنه فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي أنت مع من أحببت قال أنس فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل أعمالهم   وفي الترمذي عنه أن رسول الله قال المرء مع من أحب وله ما اكتسب وفي سنن أبي داود عنه قال رأيت أصحاب النبي فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه قال رجل يا رسول الله الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله فقال رسول الله المرء مع من أحب وهذه المحبة لله توجب المحبة في الله قطعا فإن من محبة الحبيب المحبة فيه والبغض فيه   

 وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله يقول الله تعالى يوم القيامة   أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي وفي جامع أبي عيسى الترمذي من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول قال الله عز وجل المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء وفي لفظ لغيره المتحابون بجلال الله يكونون يوم القيامة على منابر من نور يغبطهم أهل الجمع وفي الموطأ من حديث أبي إدريس الخولاني قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا والناس حوله فإذا اختلفوا في شيء اسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقالوا هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت إليه فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك في الله فقال   آ لله قلت   الله فقال   آ لله فقلت   الله فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في    

وفي سنن أبي داود من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله   وفيه أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله قالوا يا رسول الله   تخبرنا من هم قال   هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور ولا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون   وفي لفظ لغيره إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء بمكانهم من الله قالوا يا رسول الله صفهم لنا حلهم لنا لعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أموال تباذلوها ولا أرحام تواصلوها هم نور ووجوههم نور وعلى كراسي من نور لا يخافون إذاخاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ هذه الآية ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون   

 وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال   أين تريد قال   أريد أخا لي في هذه القرية قال   لك عليه من نعمة تربها قال   لا غير أني أحبه في الله تعالى قال فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه 

  وقال رجل لمعاذ بن جبل إني أحبك في الله قال أحبك الذي أحببتني له   وفي سنن أبي داود أن رجلا كان عند رسول الله فمر رجل فقال يا رسول الله إني لأحب هذا فقال له رسول الله أعلمته قال لا قال   أعلمه فلحقه فقال إني أحبك في الله قال أحبك الذي أحببتني له   وفيها أيضا عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه   وفي الترمذي من حديث يزيد بن نعامة الضبي رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو فإنه أوصل للمودة  

  وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا   أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم   وقال الإمام أحمد حدثنا حجاج بن محمد الترمذي حدثنا شريك عن أبي سنان عن عبدالله بن أبي الهذيل عن عمار بن ياسر أن أصحابه كانوا ينتظرونه فلما خرج قالوا   ما أبطأك عنا أيها الأمير قال   أما إني سوف أحدثكم أن أخا لكم ممن كان قبلكم وهو موسى قال يا رب حدثني بأحب الناس إليك قال   ولم قال   لأحبه بحبك إياه قال عبد في أقصى الأرض أو طرف الأرض سمع به عبد آخر في أقصى أو طرف الأرض لا يعرفه فإن أصابته مصيبة فكأنما أصابته وإن شاكته شوكة فكأنما شاكته لا يحبه إلا لي فذلك أحب خلقي إلي قال يا رب خلقت خلقا تدخلهم النار أو تعذبهم فأوحى الله إليه كلهم خلقي ثم قال أزرع زرعا فزرعه فقال اسقه فسقاه ثم قال قم عليه فقام عليه ما شاء الله من ذلك فحصده ورفعه فقال   ما فعل زرعك يا موسى قال   فرغت منه ورفعته قال   ما تركت منه شيئا قال   مالا خير فيه أو مالا حاجة لي فيه قال فكذلك أنا لا أعذب إلا من لا خير فيه 

 فصل :  ولو لم يكن في محبة الله إلا أنها تنجي محبه من عذابه لكان ينبغي للعبد أن لا يتعوض عنها بشيء ابدا وسئل بعض العلماء   أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه فقال   في قوله تعالى وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم الآية   وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل بن يونس عن الحسن رضي الله عنه أن النبي قال والله لا يعذب الله حبيبه ولكن قد يبتليه في الدنيا   وقال الإمام أحمد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا أبو غالب قال بلغنا أن هذا الكلام في وصية عيسى بن مريم يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي وتقربوا إليه بالمقت لهم والتمسوا رضاه بسخطهم قالوا يا نبي الله فمن نجالس قال   جالسوا من يزيد في أعمالكم منطقه ومن تذكركم بالله رؤيته ويزهدكم في دنياكم علمه 

  ويكفي في الإقبال على الله تعالى ثوابا عاجلا أن الله سبحانه وتعالى يقبل بقلوب عباده إلى من أقبل عليه كما أنه يعرض بقلوبهم عمن أعرض عنه فقلوب العباد بيد الله لا بأيديهم   وقال الإمام أحمد حدثنا حسن في تفسير شيبان عن قتادة قال ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول ما أقبل عبد على الله بقلبه إلا أقبل الله عز وجل بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم   وقد روى هذا مرفوعا ولفظه وما أقبل عبد على الله بقلبه إلا أقبل الله غعز وجل عليه بقلوب عباده وجعل قلوبهم تفد إليه بالود والرحمة وكان الله بكل خير إليه أسرع وإذا كانت القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها وكل إحسان وصل إلى العبد فمن الله عز وجل كما قال الله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله فلا ألأم ممن شغل قلبه بحب غيره دونه   قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية قال حدثني الأعمش عن المنهال عن عبدالله بن الحارث قال أوحى الله إلى داود عليه السلام يا داود أحببني وحبب عبادي إلي وحببني إلى عبادي قال يا رب هذا أنا أحبك وأحبب عبادك إليك فكيف أحببك إلى عبادك قال   تذكرني عندهم فإنهم لا يذكرون مني إلا الحسن   ومن أفضل ما سئل الله عز وجل حبه وحب من يحبهوحب عمل يقرب إلى حبه ومن أجمع ذلك أن يقول اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي 

فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ومالي ومن الماء البارد على الظمأ اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم أحي قلبي بحبك واجعلني لك كما تحب اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله وأرضيك بجهدي كله اللهم اجعل حبي كله لك وسعيي كله في مرضاتك وهذا الدعاء هو فسطاط خيمة الإسلام الذي قيامها به وهو حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والقائمون بحقيقة ذلك هم الذين هم بشهادتهم قائمون والله سبحانه تعرف إلى عباده من أسمائه وصفاته وأفعاله بما يوجب محبتهم له فإن القلوب مفطورة على محبة الكمال ومن قام به والله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق من كل وجه الذي لا نقص فيه بوجه ما وهو سبحانه الجميل الذي لا أجمل منه بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد منهم وكانوا جميعهم بذلك الجمال لما كان لجمالهم قط نسبة إلى جمال الله بل كانت النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إلى حذاء جرم الشمس ولله المثل الأعلى   وقد روى عن النبي قوله إن الله جميل يحب الجمال عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو سعيد الخدري وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر بن الخطاب وثابت بن قيس وأبو الدرداء وأبو هريرة وأبو ريحانه رضي الله عنهم 

  ومن أسمائه الحسنى الجميل ومن أحق بالجمال ممن كل جمال في الوجود فهو من آثار صنعه فله جمال الذات وجمال الأوصاف وجمال الأفعال وجمال الأسماء فأسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها جميلة فلا يستطيع بشر النظر إلى جلاله وجماله في هذه الدار فإذا رأوه سبحانه في جنات عدن أنستهم رؤيته ماهم فيه من النعيم فلا يلتفتون حينئذ إلى شيء غيره ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه سبحانه وتعالى ما انتهى إليه بصره من خلقه كما في صحيح البخاري من حديث أبو موسى رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله بخمس كلمات فقال إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه   وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه وإن مقدار كل يوم من أيامكم عند الله اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس فتعرض عليه أول النهار أو اليوم فينظر فيها ثلاث ساعات فيطلع منها على بعض ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش وسرادقات العرش والملائكة المقربون وسائر الملائكة وينفخ جبريل في القرن فلا يبقى شيء إلا الثقلين الجن والإنس فيسبحونه ثلاث ساعات حتى يمتلىء الرحمن رحمة فتلك ست ساعات ثم يؤتى بما في الأرحام فينظر فيها ثلاث ساعات فيصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم فتلك تسع ساعات ثم ينظر في أرزاق الخلق كلهم ثلاث ساعات فيبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم ثم قرأ كل يوم هو في شأن ثم قال عبدالله هذا من شأنكم وشأن ربكم تبارك وتعالى رواه عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن الزبير بن عبدالسلام عن أيوب بن عبدالله الفهري عن ابن مسعود رضي الله عنه رواه الحسن ابن إدريس عن خالد بن الهياج عن أبيه عن عباد بن كثير عن جعفر بن الحارث عن معدان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن ربكم ليس عنده نهار ولا ليل وإن السموات مملوءات نورا من نور الكرسي وإن يوما عند ربك اثنتا عشرة ساعة فترفع فيها أعمال الخلائق في ثلاث ساعات فيرى فيها ما يكره فيغضبه ذلك وإن أول من يعلم بغضبه حملة العرش يرونه يثقل عليهم فيسبحون له ويسبح له سرادقات العرش في ثلاث ساعات من النهار حتى يمتلىء ربنا رضا فتلك ست ساعات من النهار ثم يأمر بأرزاق الخلائق فيعطى من يشاء في ثلاث ساعات من النهار فتلك تسع ساعات ثم يرفع إليه أرحام كل دابة فيخلق فيها ما يشاء ويجعل المدة لمن يشاء في ثلاث ساعات من النهار فتلك اثنتا عشرة ساعة ثم تلا ابن مسعود رضي الله عنه هذه الآية كل يوم هو في شأن هذا من شأن ربنا تبارك وتعالى وفي دعاء النبي الذي دعا به يوم الطائف أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل علي سخطك

لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك وإذا جاء سبحانه وتعالى يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده تشرق لنوره الأرض كلها كما قال الله تعالى وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وقول عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه نور السموات والأرض من نور وجهه تفسير لقوله تعالى الله نور السموات والأرض 

  وفي الصحيحين من حديث أبي بكر رضي الله عنه في استفتاح النبي قيام الليل اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن وفي سنن ابن ماجة وحرب السكرماني من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال قال رسول الله بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فيقول السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قوله سلام قولا من رب رحيم فيرفعون رؤوسهم فينظرون إليه وينظر إليهم ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم وعلى ديارهم ومنازلهم لفظ حديث حرب   فما ظن المحبين بلذة النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم وقد كان من دعاء النبي أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ذكره الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه فاسمع الآن شأن أوليائه وأحبائه عند لقائه ثم اختر لنفسك   أنت القتيل بكل من أحببته  فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي  

  قال هشام بن حسان عن الحسن إذا نظر أهل الجنة إلى الله تعالى نسوا نعيم الجنة وقال هشام بن عمار حدثنا محمد بن سعيد بن سابور حدثنا عبدالرحمن بن سليمان حدثنا سعيد بن عبدالله الجرشي القاضي أنه سمع أبا إسحاق الهمداني يحدث عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفعه قال إن الله إذا أسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بعث إلى أهل الجنة الروح الأمين فيقول يا أهل الجنة إن ربكم يقرئكم السلام ويأمركم أن تزوروه إلى فناء الجنة وهو أبطح الجنة تربته المسك وحصباؤه الدر والياقوت وشجره الذهب الرطب وورقه الزمرد فيخرج أهل الجنة مستبشرين مسرورين فثم يجمعهم وثم كرامة الله والنظر إلى وجهه وهو موعد الله أنجزه لهم فيأذن الله لهم في السماع والأكل والشرب ويكسون حلل الكرامة ثم ينادي مناد يا أولياء الله هل بقي مما وعدكم الله ربكم شيء فيقولون   لا وقد أنجزنا ما وعدنا فما بقي شيء إلا النظر إلى وجهه فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى في حجب فيقول يا جبريل ارفع حجابي لعبادي كي ينظروا إلى وجهي قال فيرفع الحجاب الأول فينظرون إلى نور من نور الرب فيخرون له سجدا فيناديهم الرب يا عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل إنما هي دار ثواب فيرفع الحجاب الثاني فينظرون أمرا هو أعظم وأجل فيخرون لله حامدين ساجدين فيناديهم الرب أن ارفعوا رؤوسكم إنها ليست بدار عمل إنما هي دار ثواب ونعيم مقيم فيرفع الحجاب الثالث فعند ذلك ينظرون إلى وجه رب العالمين فيقولون حين ينظرون إلى وجهه سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فيقول كرامتي أمكنتكم من النظر إلى وجهي وأحلتكم داري فيأذن الله للجنة أن تكلمي فتقول طوبى لمن سكنني وطوبى لمن يخلد في وطوبي لمن أعددت له وذلك قوله تعالى طوبى لهم وحسن مآب وقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة   

 وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن   وذكر عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا أبو الربيع حدثنا جرير بن عبدالحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث عن كعب قال ما نظر الله إلى الجنة إلا قال طيبي لأهلك فزادت طيبا على ما كانت وما من يوم كان عيدا في الدنيا إلا يخرجون في مقداره إلى رياض الجنة ويبرز لهم الرب تبارك وتعالى وينظرون إليه وتسفى عليهم الريح بالطيب والمسك فلا يسألون ربهم تبارك وتعالى شيئسا إلا أعطاهم فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفا   وقال عبد بن حميد أخبرني شبابة عن إسرائيل حدثنا ثوير بن أبي فاختة سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى خدمه ونعيمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم تلا هذه الآية وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة رواه الترمذي في جامعه عنه  

  وذكر عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه إلى النبي قال إن أهل الجنة إذا بلغ منهم النعيم كل مبلغ وظهنوا أن لا نعيم أفضل منه تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الرحمن فنسوا كل نعيم عاينوه حين نظروا إلى وجه الرحمن   وقال الحسن البصري في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال حسنها الله تعالى بالنظر إليه سبحانه وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها عز وجل قال أبو سليمان الداراني لو لم يكن لأهل المحبة أو قال المعرفة إلا هذه الآية وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة لاكتفوا بها   وذكر النسائي من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله   هل نرى ربنا يوم القيامة قال   هل تضامون فى رؤية الشمس في يوم لا غيم فيه وفي القمر ليلة البدر لا غم فيها قلنا   لا قال فإنكم سترون ربكم حتى إن أحدكم ليحاضره محاضرة فيقول عبدي   هل تعرف ذنب كذا وكذا فيقول   يارب ألم تغفر لي فيقول   بمغفرتي صرت إلى هذا   وفي الصحيحين من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله إن الله تعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول   هل رضيتم فيقولون   وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا مالم تعط أحدا من خلقك فيقول   ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون   يا رب   وأي شيء أفضل من ذلك فيقول   أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا   وفي الصحيح والسنن والمساند من حديث ثابت البناني عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنه عن النبي قال إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجز كموه فيقولون   ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلن ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم  

  وفي صحيح البخاري من حديث جرير بن عبدالله قال كنا جلوسا عند النبي إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا  

  وفي الصحيحين من حديث الزهرى عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس قالوا يا رسول الله   هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا لا يارسول الله قال قال فهل تضارون في الشمس ليس دوننا سحاب قالوا   لايا رسول الله قال فإنكم ترونه كذلك وفي لفظ فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤيتهما   وقال الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين تبارك وتعالى فيقول ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين تبارك وتعالى فيقول ألآ تتبعون الناس فيقولون نعود بالله منك نعوذ بالله منك ألله ربنا هذا مكاننا حتى نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم ثم يتوارى ثم يطلع عليهم فيقول ألا تتبعون الناس فيقولون نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك ألله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم قالوا وهل نراه يا رسول الله قال وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة قال ثم يتوارى ثم يطلع فيعرفهم نفسه ثم يقول أنا ربكم فاتبعوني فيقوم المسلمون ويوضع الصراط فيمرون عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه سلم سلم ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج فيقال هل امتلأت فتقول هل من مزيد ثم يطرح فيها فوج فيقال هل امتلأت فتقول هل من مزيد حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن تبارك وتعالى فيها قدمه فأزوى بعضها إلى بعض وقالت قط قط فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتى بالموت ملبيا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة واهل النار ثم يقال يا أهل الجنةفيطلعون خائفين ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة فيقال لأهل الجنة والنار   هل تعرفون هذا فيقولون هؤلاء وهؤلاء قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبجا على السور ثم يقال يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت  

  قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأصله في الصحيحين لكن هذا السياق أجمع وأخصر وفي لفظ الترمذي فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار  

  وفي مسند الحارث بن أبي أسامة من حديث قرة عن مالك عن زياد بن سعد حدثنا أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول سمت رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم ودعي كل أناس بإمامهم فجئنا آخر الناس فيقول قائل من الناس   من هذه الأمة قال فيشرف إلينا الناس فيقال هذه الأمة الأمينة هذه أمة محمد وهذا محمد في أمته فينادي مناد إنكم الآخرون الأولون قال فنأتي فنتخطى رقاب الناس حتى نكون أقرب الناس إلى الله تعالى منزلة ثم يدعى الناس كل أناس بإمامهم فيدعى اليهود فيقال من أنتم فيقولون نحن اليهود فيقول من نبيكم فيقولون نبينا موسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتابنا التوراة فيقول ما تعبدن فيقولون نعبد عزيرا ونعبد الله فيقول للملإ حوله اسلكوا بهم في جهنم ثم يدعى النصارى فيقول من أنتم فيقولون نحن النصارى فيقول من نبيكم فيقولون نبينا عيسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتبنا الإنجيل فيقول ما تعبدون فيقولون نعبد عيسى وأمه والله فيقول للملإ حوله اسلكوا بهؤلاء في جهنم فيدعى عيسى فيقول لعيسى يا عيسى ءأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله فيقول سبحانك ما يكون لي أن أقول مال ليس لي بحق إلى قوله ^ العزيز الحكيم ^ ثم يدعى كل أناس بإمامهم وما كانوا يعبدون ثم يصرخ الصارخ أيها الناس من كان يعبد إلها فليتبعه تقدمهم آلهتهم منها الخشب والحجارة ومنها الشمس والقمر ومنها الدجال حتى تبقى المسلمون فيقف عليهم فيقول من أنتم فيقولون نحن المسلمون قال قال خير اسم وخير داعية فيقول من نبيكم فيقولون محمد فيقول ما كتابكم فيقولون القرآن فيقول ما تعبدون ! فيقولون نعبد الله وحده لا شريك له قال سينفعكم ذلك إن صدقتم قالوا هذا يومنا الذي وعدنا فيقول أتعرفون الله إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقول وكيف تعرفونه ولم تروه فيقولون نعلم أنه لا عدل له قال فيتجلى لهم تبارك وتعالى فيقولون أنت ربنا تباركت اسماؤك ويخرون له سجدا ثم يمضى النور بأهله   

 وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث أبي الزبير قال سألت جابرا عن الورود فأخبرني أنه سمع رسول الله يقول نجيء يوم القيامة على كوم فوق الناس فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد ألأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول   ما تنتظرون فيقولون   ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك فيتبعونه 

  وذكر عثمان بن سعيد الدارمي أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري أتى عمر بن عبدالعزيز فقال حدثنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله قال يجمع الله الأمم يوم القيامة في صعيد واحدفإذا بدا له أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحموهم النار ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان فيقول من أنتم فبقول نحن المؤمنون فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا فيقول من أين تعلمون انه ربكم فنقول حدثتنا الرسل أو جاءتنا الكتب فيقول هل تعرفونه فيقولون نعلم أنه لا عدل فيتجلى لنا ضاحكا ثم يقول أبشروا معشر المسلمين فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا فقال عمر لأبي بردة آلله لقد سمعت أبا موسى يحدث بهذا الحديث عن رسول الله قال إي والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت أبي يذكره عن رسول الله غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثا فقال عمر بن عبدالعزيز ما سمعت في الإسلام حديثا هو أحب إلي منه  

  وفي الترمذي من حديث الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن سعيد ابن المسيب أنه لقي أبا هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة أسأل الله تعالى أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد   أو فيها سوق قال   نعم أخبرني رسول الله أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون الله تبارك وتعالى فيبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنار من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيهم دنيءعلى كثبان المسك والكافور ما يرون أن أهل الكراسي أفضل منهم مجلسا   

 قال أبو هريرة قلت يا رسول الله وهل نرى ربنا يوم القيامةقال نعم هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا لا قال كذلك لا تمارون في رؤية ربكم ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله تعالى محاضرة حتى يقول للرجل منهم يا فلان بن فلان أتذكر يوم كذا عملت كذا وكذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه فبيناهم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط ثم يقول قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة فيه مالم تنظرالعيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب فيحمل إلينا ما اشتهينا ليس يباع فيه شيء ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ثم ننصرف إلى منازلنا فتتلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا لقد جئت وإن

بك من الجمال والطيب أكثر مما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا    

وقال يعقوب بن سفيان في مسنده حدثنا ابن المصفى حدثنا سويد بن عبدالعزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل يوم جمعة وذكر ما يعطون قال ثم يقول الله تعالى اكشفوا الحجب فيكشفوا حجابا ثم حجابا حتى يتجلى لهم عن وجهه تبارك وتعالى وكأنهم لم يرو نعمة قبل ذلك وهو قول الله تعالى ولدينا مزيد   وذكر عثمان بن سعيد الدارمي من حديث الحسن رضي الله عنه عن النبي مرسلا أنه قال يأتينا ربنا يوم القيامة ونحن على مكان رفيع فيتجلى لنا ضاحكا مرسل + مرسل صحيح    

 وقال عثمان الدارمي حدثنا أبو موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا الأجلح حدثنا الضحاك بن مزاحم قال إن الله يأمر السماء يوم القيامة فتنشق بمن فيها فيحيطون بالأرض ومن فيها ثم يأمر السماء الثانية حتى ذكر سبع سموات فيكونون سبعة صفوف قد أحاطوا بالناس ثم ينزل الملك الأعلى جل جلاله في بهائه وجماله معه ماشاء من الملائكة  

  وقال عثمان بن سعيد حدثنا هشام بن خالد الدمشقي وكان ثقة حدثنا محمد بن شعيب بن شاور حدثنا عمر بن عبدالله مولى غفرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله جاءني جبريل وفي كفه مرآة فيها نكتة سوداء فقلت ما هذه يا جبريل قال هذه الجمعة أرسل بها إليك ربك فتكون هدى لك ولأمتك من بعدك فقلت ومالنا فيها قال لكم فيها خير كثير أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله خيرا هو له قسم إلا أتاه ولا خيرا ليس له بقسم إلا دخر له أفضل منه ولا يستعيذ بالله ما هو مكتوب عليه إلا دفع عنه أكثر منه قلت ما هذه النكتة السوداء قال هذه الساعة يوم تقوم القيامة وهو سيد الأيام ونحن نسميه عندنا يوم المزيد قلت ولم تسمونه يوم المزيد يا جبريل قال لأن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الجبار عن عرشه إلى كرسيه إلى ذلك الوادي وقد حف الكرسي بمنابر من نور يجلس عليها الصديقون والشهداء يوم القيامة ثم يجيء أهل الغرف حتى يحفوا بالكثيب ثم يبدو لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وأحللتكم دار كرامتي فسلوني فيقولون بأجمعهم نسألك الرضا عنا فيشهد لهم على الرضا ثم يقول لهم سلوني فيسألونه حتى ينتهي نهمة كل عبد منهم ثم يقول سلوني فيقولون حسبنا ربنا رضينا فيرجع الجبار جل جلاله إلى عرشه فيفتح لهم بقدر إشراقهم من يوم الجمعة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء وياقوتة حمراء وزمردة خضراء ليس فيها قصم ولا وصم مطردة أنهارها متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها ومساكنها فليسوا إلى يوم أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فضلا من ربهم ورضوانا   رواه عن أنس جماعة منهم عثمان بن عمير بن اليقظان ومن طريقه رواه الشافعي في مسنده وعبدالله بن الإمام أحمد في السنة ومنهم أبو صالح والزبير بن عدي وعلي بن الحكم البناني وعبدالملك بن عمير ويزيد الرقاشي وعبدالله بن بريدة كلهم عن أنس وصححه جماعة من الحفاظ وزاد الشافعي في مسنده في آخره وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وساقه عثمان بن أبي شيبة من طرق وقال في بعضها ثم يتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي إلى أن قال ثم يرتفع على كرسيه ويرتفع معه النبيون والصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم  

  وروى محمد بن الزبرقان عن مقاتل بن حيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا وذلك أنهم يزورون ربهم في كل جمعة فيقول لهم تمنوا فيقولون وما نتمنى وقد أدخلتنا الجنة وقد أعطيتنا ما أعطيتنا فيقال لهم تمنوا فيلتفتون إلى العلماء وذكر الحديث في قصة الجمعة   وروى ابن منده من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي قصة الجمعة بطولها وفيها يقول سلوني فيقولون أرنا وجهك رب العالمين ننظر إليك فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب ويتجلى لهم فينظرون إليه   وذكر عثمان الدارمي عن محمد بن كعب القرظي أنه حدث عمر بن عبدالعزيز قال إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل في ظلل من الغمام والملائكة فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام قال القرظي وهذا في القرآن ^ سلام قولا من رب رحيم ^ فيقول سلوني يفعل بهم ذلك في درجهم حتى يستوي على عرشه ثم تأتيهم التحف من الله تحمله الملائكة إليهم 

  وقال عبدالواحد بن زيد عن الحسن لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا وقال هشام بن حسان عنه أنه تبارك وتعالى يتجلى لأهل الجنة فإذا رأوه نسوا نعيم الجنة   أعجب الصبر صبر المحبين قال الشاعر

والصبر يحمد في المواطن كلها  إلا عليك فإنه لا يحمد 

   وقف رجل على الشبلي فقال أي الصبر أشد على الصابرين قال الصبر في الله فقال السائل لا فقال الصبر لله قال لا قال فالصبر مع الله قال لا قال فما هو قال الصبر عن الله فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تزهق قال الشاعر   

والصبر عنك فمذموم عواقبه  والصبر في سائر الأشياء محمود 

   الخوف يبعدك عن معصيته والرجاء يخرجك إلى طاعته والحب يسوقك إليه سوقا لما علم الله سبحانه أن قلوب المشتاقين إليه لا تهدأإلا بلقائه ضرب لهم أجلا للقاء تسكينا لقلوبهم فقال الله تعالى ^ من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ^  

يامن شكى شوقه من طول فرقته  إصبر لعلك تلقى من تحب غدا

وسر إليه بنار الشوق مجتهدا  عساك تلقى على نار الغرام هدى 

  المحب الصادق كلما قرب من محبوبه زاد شوقا إليه   وأعظم ما يكون الشوق يوما  إذا دنت الخيام من الخيام   كلما وقع بصر المحب على محبوبه أحدثت له رؤيته شوقا على شوقه   ما يرجع الطرف عنه حين يبصره  حتى يعود إليه الطرف مشتاقا   المحب الصادق إذا سافر طرفه في الكون لم يجد له طريقا إلا على محبوبه 

فإذا انصرف بصره عنه رجع إليه خاسئا وهو حسير   ويسرح طرفي في الأنام وينثني  وإنسان عيني بالدموع غريق   فيرجع مردودا إليك وماله  على أحد إلا عليك طريق   أقر شيء لعيون المحب خلوته بسره مع محبوبه حدثني من رأى شيخنا في عنفوان أمره خرج إلى البرية بكرة فلما أصحر تنفس الصعداء ثم تمثل بقول الشاعر  

وأخرج من بين البيوت لعلني  أحدث عنك القلب بالسر خاليا 

  الشوق يحمل المحب على العجلة في رضا المحبوب والمبادرة إليها على الفور ولو كان فيها تلفه ^ وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ^ قال بعضهم أراد شوقا إليك فستره بلفظ الرضا   ولو قلت طأ في النار أعلم أنه  رضا لك أو مدن لنا من وصالك   لقدمت رجلي نحوها فوطئتها  هدى منك لي أو ضلة من ضلالك   ليهنك إمساكي بكفي على الحشا  ورقراق عيني خشية من زيالك 

  وإن ساءني أن نلتني بمساءة  لقد سرني أني خطرت ببالك   من علامات المحبة الصادقة أن المحب لا يتم له سرور إلا بمحبوبه وما دام غائبا عنه فعيشه كله منغص

نحن في أكمل السرور ولكن  ليس إلا بكم يتم السرور

عيب ما نحن فيه يا أهل ودي  أنكم غيب ونحن حضور

   وقال آخر

من سره العيد الجديد فقد عدمت به السرورا

كان السرور يتم لي  لو كان أحبابي حضورا 

   لو قيل للمحب على الدوام ما تتمنى لقال لقاء المحبوب   ولما نزلنا منزلا طله الندى  أنيقا وبستانا من النور حاليا   أجد لنا طيب المكان وحسنه  منى فتمنينا فكنت الأمانيا   وقال الجنيد سمعت السري يقول الشوق أجل مقام العارف إذا تحقق فيه وإذا تحقق بالشوق لها عن كل ما يشغله عمن يشتاق إليه وقيل أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام قال لشبان بني إسرائيل لم تشغلون نفوسكم بغيري وأنا مشتاق إليكم ما هذا الجفاء ولو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم ورفقي بهم ومحبتي لترك معاصيهم لماتوا شوقا إلي وانقطعت أوصالهم من محبتي هذه إرادتي للمدبرين عني فكيف إرادتي للمقبلين علي وسئل الجنيد من أي شيء بكاء المحب إذا لقي المحبوب فقال إنما يكون ذلك سرورا به ووجدا من شدة الشوق إليه قال ولقد بلغني أن أخوين تعانقا فقال أحدهما واشوقاه وقال الآخر وواجداه وكانت عجوز لها غائب فقدم من السفر فأظهر أهلها الفرح والسرور به فجعلت تبكي فقيل لها ما هذا البكاء فقالت ذكرني قدوم هذا الفتى يوم القدوم على الله   وقال بعض المحبين قلوب المشتاقين منورة بنور الله فإذا تحرك اشتياقهم أضاء النور ما بين السماء والأرض فيعرضهم الله سبحانه وتعالى على الملائكة فيقول هؤلاء المشتاقون إلي أشهدكم أني إليهم أشوق 

 فصل :  قال ابن أبي الحواري رحمه الله تعالى سئل أبو سليمان الداراني رحمه الله وأنا حاضر ما أقرب ما يتقرب به إلى الله عز وجل فبكى ثم قال مثلي يسأل عن هذا أقرب ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو وقال يحيى بن معاذ النسك هو العناية بالسرائر وإخراج ما سوى الله من القلب وقال سهل بن عبدالله ما من ساعة إلا والله سبحانه يطلع فيها على قلوب العباد فأي قلب رأى فيه غيره سلط عليه إبليس وقال سهل بن عبدالله من نظر إلى الله عز وجل قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى الله ومن طلب مرضاته أرضاه الله سبحانه وتعالى ومن أحلم قلبه إلى الله تولى الله جوارحه وقال سهل أيضا حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين وفيه سكون إلى غير الله وحرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله وسئل يعضهم عن افضل الأعمال فقال رعاية السر عن الالتفات إلى شيء سوى الله عز وجل وقال مسلم تركتموه وأقبل بعضكم على بعض لو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب 

 فصل :   فإن تقاصرت همتك الدنية عن ترك الفواحش محبة لهذا المحبوب الأعلى ولست هناك فاتركها محبة للنساء اللاتي وصفهن الله في كتابه وبعث رسوله داعيا إلى وصالهن في جنة المأوى وقد تقدم ذكر بعض صفاتهن ولذة وصالهن فإن تقاصرت همتك عنهن ولم تكن كفؤا لخطبتهن ودعتك نفسك إلى إيثار ما هاهنا عليهن فكن من عقوبته العاجلة والآجلة على حذر واعلم أن العقوبات تختلف فتارة تعجل وتارة توخر وتارة يجمع الله على العاصي بينهما وأشد العقوبات العقوبة بسلب الإيمان ودونها العقوبة بموت القلب ومحو لذة الذكر والقراءة والدعاء والمناجاة منه وربما دبت عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة إلى أن يمتلئ القلب بهما فتعمى البصيرة وأهون العقوبة ما كان واقعا بالبدن في الدنيا وأهون منها ما وقع بالمال وربما كانت عقوبة النظر في البصيرة أو في البصر أو فيهما   قال الفضيل يقول الله تعالى ابن آدم إذا كنت أقلبك في نعمتي وأنت تتقلب في معصيتي فاحذر لئلا أصرعك بين معاصيك ابن آدم اتقني ونم حيث شئت إنك إن ذكرتني ذكرتك وإن نسيتني نسيتك والساعة التي لا تذكرني فيها عليك لا لك

  وقال الفضيل أيضا ما يؤمنك أن تكون بارزت الله تعالى بعمل مقتك عليه فأغلق عنك أبواب المغفرة وأنت تضحك وقال علقمة بن مرثد بينا رجل يطوف بالبيت إذ برق له ساعد امرأة فوضع ساعده على ساعدها فالتذ به فلصقت ساعداهما فأتى بعض أولئك الشيوخ فقال ارجع إلى المكان الذي فعلت هذا فيه فعاهد رب البيت أن لا تعود فقعل فخلي عنه   وقال ابن عباس وأنس رضي الله عنهم إن للحسنة نورا في القلب وزينا في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة ظلمة في القلب وشينا في الوجه ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق   وقال الحسن ما عصى الله عبد إلا أذله الله وقال المعتمر بن سليمان إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته وقال الحسن هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم 

 وكان شيخ من الأعراب يدور على المجالس ويقول من سره أن تدوم له العافية فليتق الله   

 وقال أبو سليمان الداراني من صفا صفا له ومن كدر كدر عليه ومن أحسن في ليله كفي في نهاره ومن أحسن في نهاره كفي في ليله ومن ترك لله شهوة من قلبه فالله أكرم أن يعذب بها قلبه وكتبت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى معاوية أما بعد فإن العامل إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاما   

 وقال محارب بن دثار إن الرجل ليذنب الذنب فيجد له في قلبه وهنا   وقال الحسين بن مطير  

ونفسك أكرم عن أمور كثيرة  فما لك نفس بعدها تستعيرها

ولا تقرب الأمر الحرام فإنما  حلاوته تفنى ويبقى مريرها 

  وكان سفيان الثوري يتمثل بهذين البيتين

تفنى اللذاذة ممن ذاق صفوتها  من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها  لا خير في لذة من بعدها النار 

 فصل : واعلم أن الجزاء من جنس العمل والقلب معلق بالحرام كلما هم أن يفارقه ويخرج منه عاد إليه ولهذا يكون جزاؤه في البرزخ وفي الآخرة هكذا   وفي بعض طرق حديث سمرة بن جندب الذي في صحيح البخاري أن النبي قال رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فانطلقت معهما فإذا بيت مبني على مثل بناء التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار فيه رجال ونساء عراة فإذا أوقدت النار ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها فقلت من هؤلاء قال هم الزناة فتأمل مطابقة هذا العذاب لحال قلوبهم في الدنيا فإنهم كلما هموا بالتوبة والإقلاع والخروج من تنور الشهوة إلى فضاء التوبة أركسوا فيه وعادوا بعد أن كادوا يخرجون   ولما كان الكفار في سجن الكفر والشرك وضيقه وكانوا كلما هموا بالخروج منه إلى فضاء الإيمان وسعته وروحه رجعوا على حوافرهم كان عقوبتهم في الآخرة كذلك قال الله تعالى ^ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ^ وقال في موضع آخر ^ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ^ فالكفر والمعاصي والفسوق كله غموم وكلما عزم العبد أن يخرج منه أبت عليه نفسه وشيطانه ومألفه فلا يزال في غم ذلك حتى يموت فإن لم يخرج من غم ذلك في الدنيا بقي في غمه في البرزخ وفي القيامة وإن خرج من غمه وضيقه هاهنا خرج منه هناك فما حبس العبد عن الله في هذه الدار حبسه عنه بعد الموت وكان معذبا به هناك كما كان قلبه معذبا به في الدنيا فليس العشاق والفجرة والظلمة في لذة في هذه الدار وإنما هم يعذبون فيها وفي البرزخ وفي القيامة ولكن سكر الشهوة وموت القلب حال بينهم وبين الشعور بالألم فإذا حيل بينهم وبين ما يشتهون أحضرت نفوسهم الألم الشديد وصار يعمل فيها بعد الموت نظير ما يعمل الدود في لحومهم فالآلام تأكل أرواحهم غير أنها لا تفنى والدود يأكل جسومهم   قال الإمام أحمد رضي الله عنه حدثنا إسماعيل بن عبدالكريم قال حدثني عبدالصمد بن معقل حدثني وهب بن منبه قال كان حزقيل قائما فأتاه ملك فذكر حديثا طويلا وفيه أنه مر بقوم أموات فقيل له ادعهم فدعاهم فأحياهم الله له فقال سلهم فيم كنتم فقالوا لما فارقنا الحياة لقيا ملكا يقال له ميكائيل فقال هلموا أعمالكم وخذوا أجوركم فذلك سنتنا فيكم وفيمن كان قبلكم وفيمن هو كائن بعدكم فنظروا في أعمالنا فوجدونا نعبد الأوثان فسلط الدود على أجسادنا وجعلت الأرواح تألم وسلط الغم على أرواحنا وجعلت الأجساد تألم فلم نزل كذلك نعذب حتى دعوتنا