القول في أصول الفقه

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم

قال الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن العربي رضي الله عنه

القول في أصول الفقه

أما الفقه فهو معرفة الأحكام الشرعية

وأما أصوله فهي أدلته

وقد قيل معرفة أحكام أفعال المكلفين الشرعية دون العقلية وهي تكملة للأول وقريب منه

فأما الدليل فهو الموصل بصحيح النظر إلى المدلول

وأفعال المكلفين هي حركاتهم التي يتعلق بها التكاليف من الأوامر والنواهي وهي على خمسة أضرب

واجب وفي مقابلته محظور

ومندوب وفي مقابلته مكروه

وواسطة بينهما وهو المباح

واختلف فيه هل هو من الشرع أم لا على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى

فأما الواجب فقال بعض علمائنا هو الذي في فعله ثواب وفي تركه عقاب وزاد بعضهم من حيث هو ترك له

والمحظور عكسه وهو الذي في فعله عقاب وفي تركه ثواب

والمندوب هو الذي في فعله ثواب وليس في تركه عقاب

والمكروه هو الذي في تركه ثواب وليس في فعله عقاب

والمباح هو الذي يستوي تركه وفعله وكذلك قيل في هذه الحدود كلها من حيث هو ترك له

وهذه الحدود كلها باطلة

والصحيح

أن الواجب هو الذي يذم تاركه والمحظور هو الذي يذم فاعله والمندوب هو الذي يحمد فاعله ولا يذم تاركه والمكروه عكسه والمباح هو ما ليس له متعلق في الشرع على قول وقيل ما وقع عليه العفو ما أذن فيه

وتحقيق ذلك وبيانه يأتي إن شاء الله تعالى

والأحكام ليست من التكليف ولا من صفات الأفعال وإنما الحكم هو قول الله سبحانه ودليله الذي نصبه علما على الفعل أو التكليف وهذه الكلمة التي صدرنا بها هي على رسم الحدود

فأما الحد فاختلف العلماء فيه على قولين

فمنهم من يجعله القول المفسر ومنهم من يجعله حقيقة الشيء وخاصيته التي تتميز بها من عن غيره

فأما الحكم فليس بصفة للأفعال وإنما هو عبارة عن خطاب الله فيها كما أن النبوة ليست بصفة للنبي وإنما هي عبارة عن مطالعة الله تعالى له بالغيب واتخاذه واسطة بينه وبين خلقه

وأما المكلف وهو البالغ المتدارك العقل

والبلوغ يكون بوجهين أحدهما السن والثاني الاحتلام وهذا يبين في بابه من فروع الفقه إن شاء الله تعالى

وأما المتدارك العقل فهو المميز الذي لا يطرقه في عقله خلل من ضد يطرأ عليه خلا الذهول والنسيان

فأما العقل فقد اختلف الناس فيه واضطربوا فيه اضطرابا شديداً والصحيح إنه العلم وهو مذهب شيخنا أبي الحسن رضي الله عنه فرق عنده بين قولنا عقلت الشيء وبين قولنا علمت وذلك مستقصى في الحدود إن شاء الله تعالى

وأما العلم فقد تباين الناس فيه مع إنه أصل كل قول ومنتهى كل مطلب وقيدنا فيه عشرين عبارة أمثلها قول القاضي رحمه الله معرفة المعلوم على ما هو به وهذا لفظ يأباه النحاة لأن المعرفة عندهم خلاف العلم إذ المعرفة عندهم علم واحد والعلم لا يكون إلا معرفتين وهذا المعنى يستقصى في الحدود إن شاء الله

والصحيح أن العلم لا يقتنص بشبكة الحد وإنما يتوصل إليه على سبيل الرسم المقرب للمعنى

والتكليف هو إلزم المكلف ما في فعله كلفة وهي النصب والمشقة ومسائلة كثيرة ومتعلقاته طويلة وجماع أصولها خمس مسائل

المسألة الأولى: في تكليف ما لا يطاق

وقد اختلف الناس فيه واختلف فيه علماؤنا كاختلافهم فمنهم من منعه ومنهم من جوزه

واحتج علماؤنا على ذلك بقول الله تعالى (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) ولولا حسن وقوعه ما سألوا دفعه

والصحيح أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلا واقع شرعا فإن الله تعالى كلف العباد العبادات والوظائف كلها قبل أن يقدروا عليها لأن القدرة مع الفعل

فأما تكليف المحال فلا يجوز عقلا لكن إذا وردت به الصيغة شرعا حمل على التكوين والتعجيز كقوله تعالى (كونوا حجارة أو حديداً ) وكقوله تعالى (كونوا قردة خسئين)

المسألة الثانية

اتفق أهل السنة على جواز تكليف المكره وخالف في ذلك جماعة من المبتدعة واحتج عليهم القاضي بنهي المكره على القتل عن القتل مع وجود الإكراه وهذه هفوة من القاضي لأن المنع من الفعل مع إلزام الإقدام أعظم في الابتلاء والقوم لا ينكرون مثل هذا وإنما يتحقق الخلاف في الأمر بفعل الشيء مع الإكراه على فعله فهذا ما جوزناه ومنعوه وهو فرع من فروع التحسين والتقبيح يأتي في بابه إن شاء الله تعالى

المسألة الثالثة : في تكليف السكران

وهو على ضربين منتش وملتج فأما الملتج وهو لاحق المجنون والناشيء وسيأتي بيانه إن شاء الله

وأما المنتشي فلا خلاف فيه وفي مثله نزلت (يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)

المسألة الرابعة :

اختلف العلماء رحمه الله عليهم في المجنون والناشي والملتج والنائم هل هم مخاطبون بالتكليف في حال الجنون والسهو والسكر والنوم أم لا ؟

ولا يظن بمن جوز ذلك من علمائنا التزم معرفة الأوامر والتكليفات مع قيام هذه الموانع وإنما يتصور الخلاف بينهم إذا ارتفعت الموانع وقد ذهبت عبادات مؤقتة أو وقعت أسباب فائتة فمنهم من ألزم الأحكام كلها بعد الزوال لهذه الموانع ومنهم من ردها ومنهم من قسم الحال وفرق الأحكام بحسب النوازل على ما انتهى إليه اجتهاد كل فريق في طلب الأدلة وتتبع مدارك الأحكام على ما يأتي بيانه في مسائل الفقه إن شاء الله تعالى

المسألة الخامسة : في تكليف الكفار بفروع الشريعة

وقد اختلف في ذلك علماؤنا وغيرهم على قولين فمنهم من قال لا تصح مخاطبتهم بأمر لاستحالة وقوع الفعل منهم حال كفرهم

ومنهم من قال هم مخاطبون بذلك وتلوا في ذلك قرآنا وسطروا فيه آيات منها ما يتطرق غليه الاحتمال القوي ومنها الضعيف

والطريق في المسألة الكلام على فصليها جميعاً من جواز تكليفهم ومن وجود تكليفهم

فأما الجواز فظاهر لأنه لا يمتنع أن يقال للكافر صل ويتضمن الأمر بالصلاة الأمر بشرطها في الإيمان إذ لا يتوصل إلى فعلها إلا به كما يؤمر المحدث القاري المدبر بالصلاة ولا يتوصل إليها إلا بعد هذه الشروط الثلاثة فإذا ثبت فصل الجواز بهذه النكتة

فالدليل على وجود ذلك في الشرع ظواهر الكتاب وأمثلها في التعليق قوله تعالى ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين) فإن قيل أراد تعالى لم تك على اعتقاد المصلين قلنا إنما يعدل علن الظاهر لضرورة داعية ولا ضرورة ها هنا لما تقدم من الجواز والله أعلم

فائدة

حق كل من يحاول الخوض في فن من العلوم إذا علم مقصوده منه أن يحاول بدءا الإحاطة بسواقه التي لا بد له منها في معرفته وشروطه التي هي معونة عليه

ولهذا الباب الذي تصدينا له وأشرعنا مقاصد القول فيه عشرة سوابق هي المبينة له والمعينة عليه

السابقة الأولى : في وجه بيان الحاجة إلى العبارة التي بها يقع البيان

فنقول لما كان الإنسان مدنيا بالجبلة مفتقراً إلى الصحبة بالضرورة لأنه خلق خلقا لا ستقل بمعاشه ولا يستبد بمنافعه بل هو مفتقر في ذلك إلى غيره وكان ذلك الغير إما مجتمعنا معه وإما مبايناً عنه والمنفعة التي يفتقر إليها إما حاضرة وإما غائبة وكانت الإشارة موضوعة لاختلاف المنفعة وسد الخلة في الحاضر ووضعت العبارة لتقوم مقام ذلك في الغائب فهذه حكمة الله تعالى في وضع العبارات الدالة على المعاني

فإذا فهمت هذا فقد فرض علماؤنا رحمة الله عليهم مسألة وهي أن اللغات هل هي توقيف من المعلم الأعظم وهو الباري تعالى أو هي متواضعة متفق عليها بين الناس فمنهم من قال بالقولين المذكورين ومنهم من قال أما ما به يكون الاتفاق ومنع التواضع فلا بد فيه من التوقيف وأما ما وراء ذلك فجائز أن يكون توفيقاً وجائز أن يكون تواضعا

وتعلق الألوان بقوله تعالى (وعلم أدم الأسماء كلها ) قالوا هذا نص على أن الباري وتعالى قد فاتح آدم صلى الله على نبينا وعليه بالبيان فهذه بالعبارة وهذه اية لا متعلق فيها لوجهين

أحدهما أنها مبنية على القول بالعموم وسيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى

والثاني أن المعترض قال لا إشكال فيه إن شاء الله تعالى علم آدم الأسماء كلها وهل علمه ما كان قبل معلوما متواضعاً أم ابتدأه مفاتحة بما لم يكن قبل هذا هو موضع الخلاف ولا تتناوله الآية ببيان

والصحيح أن الأمر محتمل فجائز أم يكون بتوقيف وتعليم وجائز أن يكون بمواضعه واتفاق

والدليل القاطع عليه ما نشاهد من لقن الطفل عن أبويه ما لم يتواضعا معه عليه فمن الجائز إذا بعد ثبوت هذه المشاهدة التعليم والتواضع في أصل اللغة كلها وفي بعضها وهذان الجائزان ليس في الشرع قاطع يتعين واحد منهما به

السابقة الثانية : قسم علماؤنا رحمهم الله العبارة إلى قسمين

أحدهما الحقيقة والأخرى المجاز

فالحقيقة كل ما دل بموضوعه على المراد به أصلاً

وأما المجاز فترددت عبارتهم فيه تردداً يدل على تقصير المعرفة به وأقرب عبارة فيه أن يقال إنه على وجهين

أحدهما التشبيه كقولك في الشجاع أسد وفي البليد حمار تشبيهاً للعاقل بغير العاقل

والثاني التسبيب وهو على وجهين

أحدهما أن يعبر عن الشيء بمقدمته السابقة له

والثاني أن يعبر عنه بفائدته

قال ذو الرمة

حتى ذوي العود في الثرى وكف الثريا في ملاله الهجر

فهذا قسم

وقال ابن أحمد

كثور العذاب الفرد يضربه الندى وتجلى الندى في متنه وتحددا

وقال رويشد الطائي

وقل لهم بالعدب والتمسوا قولا يبريكم إني أنا الموت

وهو كثير في الاستعارة موجود في القرآن

السابقة الثالثة : اختلف الناس هل في كتاب الله تعالى مجاز أم لا

فمنعه الأقل وجوزه الأكثر ومن أجل من منعه قدراً الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني رحمه الله

فأما تحقيق هذه المسألة فبابها الأصول الدينية لكن مع هذا نشير إلى نبذة كافية في غرضنا فنقول

إن عنى الأستاذ بنفي المجاز نفي الاستعارة فكثير من القرآن ترد عليه لا سيما في سورة يوسف عليه السلام فإن فيها استعارات عظيمة

وإن عنى بالمجاز أمراً تجوز به ولم يجر مجرى الحقيقة فليس من الشريعة

السابقة الرابعة : قسم بعض الناس الأسماء إلى قسمين لغوية وشرعية

وقسمها بعضهم إلى ثلاثة أقسام لغوية ودينية وشرعية

فاللغوية كالألفاظ التي انفردت اللغة بها لم يجر لها في الشريعة ذكر

وأما الدينية فكالإيمان والكفر والفسق

وأما الشرعية فكالصلاة والزكاة والصوم

وفائدة هذا الخلاف أن الألفاظ هل جاءت في الشريعة على معانيها في اللغة أم جاءت مغيرة

فمن الناس من قال أنها مبقاة على اصلها فإن الإيمان هو التصديق لغة وشرعاً والصلاة هي الدعاء لغة وشرعاً والصوم هو الإمساك لغة وشرعا والفسق هو الخروج عن شيء لغة وشرعاً

ومنهم من قال إنها منقولة مغيرة فإن الإيمان وإن كان في اللغة التصديق فإنه موضوع في الشريعة على تصديق ما على وجه ما وكذلك الصلاة في الشريعة هي عبارة عن دعاء مقترن بأفعال كالركوع والسجود

والصحيح لا يتبين إلا ببسط مقدمة تغني عن كثير من التطويل وهي أننا نقول بأن الشريعة تصرفت في ألفاظها تصرف أهل اللغة في ألفاظهم وأهل اللغة لما سموا المسمى على اللفظ الجاري وقصروه أيضا عليه

واللفظ الجاري تارة عمموه وتارة خصصوه

فالأول كقولنا دابة فإنها وإن كانت جارية في كل ما يدب لكنها مخصوصة ببعض الجاري عندهم

وكقولهم قارورة فإنها مقصورة على بعض ما يستقر فيه فإن الدار لا تسمى قارورة

والثاني كتسميتهم الأذى غائطا لأنه محل له فتصرفت الشريعة على هذين الوجهين

فالإيمان وإن كان تصديقا مطلقا في اللغة لكنه مقصور كقصر الدابة والحج وإن كان القصد العام فهو مخصوص ببقعة كتخصيص القارورة

وأما الثاني فقوله عزوجل ( حرمت عليكم أمهاتكم) فإنه لما كان موضع التحريم الأم سميت الأم سميت به كما أنه لما الغائط موضع الأذى سمي به

السابقة الخامسة :

اختلف الناس في جريان القياس في اللغة فمنعم من جوزه ومنهم من منعه ومن الواجب تنقيح محل النزاع حتى يتبين النزاع فنقول أما جريان الأفعال بحسب ورود المصادر أو جريان المصادر بحسب ورود الأفعال على اختلاف علماء النحو في هذا الأصل فلا خلاف بأنه جائز

وأما تسمية الدار فرساً ونحوه فلا خلاف في أنه لا يجوز فأما كل لفظ مشتق توجد الإشارة إلى اشتقاقه فهذا ما اختلف العلماء فيه وعينوا فيه

مسألة وهي أن النبيذ المعتصر من غير العنب أو النبيذ المعتصر من العنب إذا طبخ هل يسمى خمراً اعتبار أن فيه معنى الخمرية

فمن أجل من جوزه الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني اعتباراً بالقياس في الأحكام الشرعية

وهذه وهلة فإن القياس في الأحكام الشرعية إنما جاز لقيام الدليل عليه ولم يقم ها هنا دليل على جوازه بل قام على خلافة لأنا نعلم أن القارورة من الاستقرار وهي مخصوصة بذلك والدار من الدوران وهي مخصوصة به في أشياء كثيرة لا سيما والعرب قد استغرقت بالبيان جميع المعاني بالألفاظ حتى ما قيل مسكوتا عنه منهما

والقياس قيل فالقياس في هذه المسألة إنما هو في حكم الشرعي وهو حمل النبيذ في التحريم على الخمر

فالجواب إن هذه غفلة فإن حمل النبيذ على الخمر في التحريم إنما ينبغي على حمل النبيذ على الخمر في الاسم والأول وإن كان قياساً شرعيا فالثاني قياس لغوي وفيه اختلفنا وقد بينا إنه لا يجوز والله أعلم

السابقة السادسة

صيغة النفي وهي لا إذا اتصلت باسم كقولك لا رجل في الدار مما اختلفت الناس فيه فصار صائرون إلى أنها مجملة لا يسوغ الاحتجاج بها ومنهم من صار إلى أنها عامة ومنهم من صار إلى أنها ظاهرة يجوز التمسك بها في الأحكام والمسألة تتصور في كثير من الأدلة الشرعية بيد أنا نضرب منها مثالا واحداً فنقول

قال النبي لا صيام لمن لم يبيت من الليل ويروي لمن لم يؤرض فتعلق بذلك علماؤنا رضي الله عنهم على أصحاب أبي

حنيفة في قولهم أن صوم رمضان بنية من النهار جائز فقالوا لا حجة في ذها الحديث فإنه يحتمل أن يريد لا صيام موجود أو يحتمل أن يريد لا صيام مجزيا فيسقط الاحتجاج به لاحتماله فقال علماؤنا رحمهم الله لا يصح أن يكون المراد بهذا النفي نفي الوجود لأن النبي لم يبعث لبيان الحسيات فيتصرف فيها بنفي أو إثبات وإنما بعث لبيان الشرعيات فإذا أثبت شيئاً فمنعاه ثبوته في الشرع وإذا نفى شيئا فمنعاه نفيه في الشرع فكأنه قال لا صيام شرعيا لمن لم يبيت من الليل فإذا نفاه شرعاً فلم يبق للقوم حجة ولكن مال حبر من أحبارنا إلى أن الإجمال يبقى فيه وإن كان معناه لا صيام شرعياً لأنه يتردد بين نفي الأجزاء وبين نفي الفضيلة وسنستقصي ذلك في كتاب التأويل إن شاء الله تعالى وإنما جعلنا هذا الدستور في السوابق حتى يرد على ما يتصل به من اللواحق بمشيئة الله تعالى

السابقة السابعة

صيغة الإثبات اتصلت بالنكرات أو المعارف فهي للخصوص كقولك كرم رجلا ولا خلاف في هذا اللهم إلا أنها إذا تناولت الاسم في هذا الباب فهي على قسمين

أحدهما أن يتعلق الحكم باسم جامد أو يتعلق الحكم باسم مشتق فإذا تعلق باسم جامد كقولك أكرم هذا

وإذا تعلق باسم مشتق كقولك أكرم العالم واحترم الشيخ فهذا يفيد معنيين أحدهما يفيد بيان الحكم وهو الإكرام والثاني بيان العلة وهي

العلم والشيخوخة فيفيد بلفظه الحكم ويفيد بمعناه التعدي إلى كل عالم وشيخ ومثاله في الشريعة قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) معناه لسرقتهما (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) معناه لزناهما وسيأتي بمستقصى في كتاب التأويل إن شاء الله تعالى

السابقة الثامنة

انقسمت الأسماء في اللغة في دلالتها على المعاني إلى قسمين

أحدهما: ما يدل على معنى واحد لا يشترك معه فيه سواه وذلك كثير في اللغة

والثاني :ما يدل على معنيين وهو على قسمين

أحدهما أن يكون المعنيان حقيقيين كقولك عين فإنه يدل بحكم الاشتراك على أكثر من ثمانية أشياء

وكقولنا قرء فإنه يدل على معنيين مختلفين هما الحيض والطهر

والثاني أن يكون أحدهما حقيقة والآخر مجازاً كقولنا لمس ونكاح فإنه حقيقة في اللمس باليد كناية عن الجماع والنكاح حقيقة في الوطء كناية عن العقد فهذا مما اختلف العلماء فيه

فمنهم من صار إلى حمله على الجميع وقال إنه يجوز أن يريد المعبر بهذه الألفاظ جميع ما تتناوله من المعاني على اختلاف أنواعها أو اتقانها

ومنهم من قال ذا كانت الماني متمائلة فكذلك جائز وأما إذا كانت مختلفة كالقرء والنكاح فإنه لا يجوز للمعبر أن يريدهما معا في عبارة واحدة لأنهما مختلفان فلا يجوز أن يقصد المعبر بهما معانيها المختلفة كما لا يجوز أن يريد بصيغة افعل الوعيد والوجوب لاختلافها وهذا ضعيف وسنشبع القول فيه في كتاب التأويل إن شاء الله تعالى

ولكن نشير إلى نكنة تكسر المتشوف إلى معرفة الصحيح في هذا فنقول لا يصح للناظر أن يدعي استحالة في قصد المعبر بالاسم الواحد عن جميع معانيه على اختلافهما ويعمها الحكم كله جاز أن يقصدهما في الإثبات فهذا ظاهر

وأما تعلقهم بأن الصيغة هي فعل لا يصح أن يريد بها الوجوب والتهديد فإنما امتنع ذلك لاستحالة تعلق القصد بهما في حالة واحدة من جهة واحدة بخلاف مسألتنا فإنه يصح أن يجتمعا في اللفظ والقصد فلذلك جاز والله أعلم

السابقة التاسعة

وهي اللفظ الصريح إذا احتمل الشيء وضده فلا يخلو أن يكون احتمالهما سواء أو يكون في أحد المحتملين أظهر فإن كان في أحد المحتملين أظهر فهو الظاهر فلا خلاف في صحة التعليق به في الأحكام وإن كان الاحتمال واحداً فهو العموم وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وكذلك إن كان خلافين

السابقة العاشرة

الكلام في اللغة ينقسم إلى اللفظ وإلى المعنى

أما اللفظ فهو المعبر عن المعنى فلا غنى عنه على سبق بيانه وأما المعنى فهو المراد باللفظ وسنبرم فيهما عقدين يظهر المقصود بهما إن شاء الله تعالى