باب الثلاثي اللفيف

المحكم والمحيط الأعظم في اللغة

ابن سيده

علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده، المولود عام (398 - 458 هـ = 1007 - 1066 م)

الجزء الثالث

حرف الهاء

باب الثلاثي اللفيف

الهاء والهمزة والياء

الهَيْئَةُ والهِيئَةُ: حال الشيء وكيفيته.

ورجل هَيِّئٌ: حسن الهَيْئَةِ، وقد هاءَ يهاء ويَهِيئُ، قال اللحياني: وليست الأخيرة بالوجه،و رجل هَيِئٌ على مثال هييع، كَهَيِّئٍ، عنه أيضا، وقد هَيُؤَ بضم الياء، وحكى اللحياني عن العامرية: كان لي أخ هَيِئٌّ عَليّ، أي يتأنث للنساء هكذا حكاه: هي بغير همز، وأرى ذلك إنما هو لمكان عَلَيّ.

وهاءَ للأمرِ يَهاءُ ويَهِيئُ وتَهَيَّأ: أخذ له هَيْأتَه.

وهَيَّأ الأمر تَهْيِئَةً وتَهْيِئاً: أصلحه.

وتَهايَئُوا على كذا: تمالؤوا.

والمُهايَأةُ: الأمر المَتَهايَأُ عليه.

وهاءَ إلى الأمر يَهاءُ هِيئَةً: اشتاق.

والهَيْءُ والهِيءُ: الدعاء إلى الطعام والشراب، وهو أيضا دعاء الإبل إلى الشرب، قال الهرَّاء:

وما كانَ عَلى الجِيءِ

 

ولا الهِيءِ امْتِداحِيكا

وهَيْءَ: كلمة معناها الأسف على الشيء يفوت، وقيل: هي كلمة التعجب، قال:

يا هَيْءَ مالي! مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِه

 

مَرُّ الزَّمانِ عَلَيْهِ والتَّقْلِـيبُ

ويروى: "يا شيء مالي" و"يا فيء مالي" وكله واحد.

وهاءَ: كلمة تستعمل عند المناولة فيقول: هاءَ يا رجل، وفيه لغات، وقد أنعمت استقصاءها وتعليلها في الكتاب المخصص، وأذكر هنا أعيانها مجردة، يقال للمذكر والمؤنث: هاء، على لفظ واحد، وللمذكرين هاءَا، وللمؤنثين: هائِيا، وللمذكرين: هاءُوا ولجماعة المؤنث هائِينَ، ومنهم من يقول للمذكر: هاءَ وللمؤنث هائِي، وللمذكرين والمؤنثين: هائِيا، ولجماعة المذكر: هاءُوا، ولجماعة المؤنث هائِينَ، ومنهم من يقول: هاءَ، وهاؤُما يا رجلان، وهاؤُمُوا يا رجال، وهاءِ يا امرأة، وهاؤُما وهاؤُمْنَ، ومنهم من يقول:هَأْ يا رجل وللاثنين هاءا، وللجمع هاءوا، وللمرأة هائي وللاثنتين كالاثنين، وللنسوة هَأْنَ.

وما أدري ما أَهاءُ، أي ما أُعطِى، وما أُهاءُ، أي ما أعطى.

وهاءَ، ممدود مفتوح الهمزة: كلمة بمعنى التلبية.

مقلوبه: - أ ي ه -

إِيهِ: كلمة استزادة واستنطاق، وقد ينون.

وإِيِه: كلمة زجر بمعنى حسبك، وتنون فيقال: إيهاً، وقد أنعمت شرح ذلك كله من جهة الإعراب في الكتاب المخصص. وقال ثعلب: إيهٍ: حدث، وأنشد:

وقَفْنَا فَقُلْنا إيهِ عَنْ أُمِّ سالـمٍ

 

وما بالُ تَكليمِ الدِّيارِ الَبَلاقِعِ

أراد: حدثنا عن أم سالم، فترك التنوين واكتفى بالوقف. قال الأصمعي: اخطأ ذو الرمة، إنما كلام العرب إيه. وقال يعقوب: أراد إيه فأجراه في الوصل مجراه في الوقف. والصحيح أن هذه الأصوات إذا عنيت بها المعرفة لم تنون، وإذا عنيت بها النكرة نونت، فإنما استزاد ذو الرمة هذا الطلل حديثا معروفا، كأنه قال: حدثنا الحديث، أو خبرنا الخبر، وقال بعض النحويين: إذا نونت فقلت: إيه فكأنك قلت: استزادة، وإذا قلت: إيه فلم تنون فكأنك قلت الاستزادة، فصار التنوين علم التنكير، وتركه علم التعريف، واستعار الحذلمي هذا للإبل، فقال:

حتى إذا قالَتْ لَهُ إيهٍ إيهْ

وإن لم يكن لها نُطق، كأن لها صوتا ينحو هذا النحو، قال: وإيها: كف. وحكى اللحياني عن الكسائي: إيه وهيه، على البدل، أي حدثنا.

وأيه بالرجل والفرس والإبل: صوت وهو أن يقول لها: ياهْ ياه، كذا حكاه أبو عبيد، وياه ياه من غير مادة "أيه".

وأيْهانَ بمعنى هيهات، حكاه ثعلب، يقال: أيهان ذلك، أي بعيد ذلك. وقال أبو علي: معناه بعد ذلك، فجعله اسم الفعل، وهو الصحيح.

الهاء والهمزة والواو

هاءَ بنفسه إلى المعالي يَهُوءُ هَوْءاً: رفعها، وإنه لبعيد الهَوْءِ، أي الهمة، وإنه لذو هَوْءٍ، إذا كان صائب الرأي ماضيا.

وما هُؤْتُ هَوْأَهُ، أي ما شعرت به ولا أردته.

وهُؤْتُ به خيرا هَوْءاً: أزننته به، والصحيح هُوتُ، كذلك حكاه يعقوب، وقد تقدم. وقال اللحياني: هُؤتهُ بمال كثير هَوْءاً أزتنته به.

ووقع ذلك في هَوْئِي وهُوئِي، أي ظني، قال اللحياني: وقال بعضهم: إني لأَهُوءُ بك عن هذا الأمر، أي أرفعك عنه.

وهاوَأتُ الرجل: فاخرته، كهاويته.

مقلوبه: - أ ه و-

أَهَا: حكاية صوت الضحك، عن ابن الأعرابي، وأنشد:

أهَاأهَا عِندَ زادِ القَوْمِ ضِحْكَتُهُمْ

 

وأنتُم كُشُفٌ عِندَ الوَغَى خُورُ

مقلوبه: - أ وه -

الآهَةُ: الحصبة، حكى اللحياني عن أبي خالد في قول الناس: آهَةٌ وماهَةٌ، فالآهَةُ ما تقدم ذكره، والماهَةُ: الجدري.

وإنما قضينا بأن ألف الآهَةِ واو لما قدمنا من أن العين واوا أكثر منها ياء.

وآوَّهْ، وأوَّهْ، وآوُوهْ، وأوْه، وأوْهَ، وآهَ كلها: كلمة معناها التحزن.

وأوْهِ من فلان، ولفلان، إذا اشتد عليك فقده، قال:

فَأوْهٍ لذِكْراها إذا ما ذَكَرْتُها

 

ومِنْ بُعْدِ أرْضٍ دوَنها سَماءِ

وروى: "فَأوَّ لذكراها" وسيأتي، وقد تَأَوَّه آهاً وآهَةً، قال المثقب العبدي:

إذا ما قُمتُ أرْحَلُها بِلَيلٍ

 

تَأوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ

وعندي انه وضع الاسم موضع المصدر، أي تَأوَّهُ تَأوُّهَ الرجل.

ورجل أوَّاهٌ: كثير الحزن، وقيل: هو الدعاء إلى الخير، وقيل: الفقيه، وقيل: المؤمن بلغة الحبشة، وقيل: الرحيم الرفيق، وفي التنزيل: -إنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ أوَّاهٌ مُنيبٌ- وقيل: الأوَّاهُ هنا: المُتَأوِّه شفقا، وقيل: المتضرع يقينا، أي إيقاناً بالإجابة ولزوما للطاعة، هذا قول الزجاج.

الهاء والواو والياء

الهَواءُ: الجو، وكل فارغ هواء.

والهَواءُ: الجبان، لأنه لا قلب له، فكأنه فارغ، الواحد والجميع في ذلك سواء.

وقَلْبٌ هَواءٌ: فارغ، وكذلك الجميع، وفي التنزيل: -و أفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ-.

والمَهْواةُ، والهُوَّةُ، والأهْوِيَّةٌ، والهاوِيَةُ: كالهَواء.

وهَوَتِ الطعنة، فتحت فاها، قال أبو النجم:

فاخْتاضَ أُخْرَى فَهَوَتْ رُجُوحا

لِلشِّقّ يَهْوِى جُرْحُها مَفْتُوحا

وقال ذو الرمة:

هَوَى بَينَ الكُلَى والكَراكِرِ

أي خلا وانفتح وهَوَى وأهْوَى وانْهَوَى: سقط، قال يزيد ابن الحكم:

وكَمْ مَنزِلٍ لَوْلايَ طِحْتَ كما هَوَى

 

بأجرامهِ منْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَـوِي

وهَوَتِ العُقابُ هُوِيًّا: إذا انقضَّت على صيد أو غيره ما لم ترغه، فإذا أراغته قيل: أهْوَتْ له، قال زهير:

أهْوَى لَها أسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّـرِقٌ

 

ريشَ القَوادِمِ لم يُنْصَبْ له الشَّبَكُ

والإهْواءُ والاهْتِواء: الضرب باليد والتناول.

وهَوَتْ يدي للشيء، وأهْوَت: امتدت وارتفعت، وقال ابن الأعرابي: هَوَى إليه من بُعد، وأهْوَى إليه من قرب.

وأهْوَى إليه بسهم، واهْتَوى إليه به.

والهَاوِي من الحروف واحد، وهو الألف سمى بذلك لشدة امتداده، وسعة مخرجه.

وهَوَت الريح هُوِياًّ: هبت. قال:

كأنَّ دَلْوِي في هُوِىِّ رِيحِ

وهَوَى يَهْوِى هَوِياًّ، وهُوِياًّ وهَوَياناً، وانهَوى: سقط من فوق إلى أسفل، وأهْواهُ هو.

وهَوَى السهم هُوِياًّ: سقط من علو إلى سفل.

وهَوا هَوِياًّ وهاوَى: سار سيرا شديدا، قال ذو الرمة:

فَلَمْ تَسْتَطعْ مَيٌّ مُهاواتَنا السُّـرَى

 

ولا لَيْلَ عِيسٍ في البُرِينَ خَواضعِ

ومضى هَوِىٌّ من الليل وهُوِىٌّ وتَهْواءٌ، أي ساعة منه.

والهَوَى: العشق يكون في مداخل الخير والشر.

والهَوِىُّ: المَهْوِيُّ، قال أبو ذؤيب:

فَهُنَّ عُكوفٌ كَنَوْحِ الكَري

 

مِ قَدْ شَفَّ أكْبادَهُنَّ الهَوِىُّ

أي فقد المَهْوِيِّ.

وهَوَى النَّفْسِ: أرادتها، وقول أبي ذؤيب:

سَبَقوا هَوَىَّ وأعْنَقوا لِهَواهُـمُ

 

فَتُخِّرمُوا ولِكُلِّ جَنْبٍ مَصرعُ

قال ابن حبيب قال: هَوَىَّ لغة هذيل، قال الأصمعي: أي ماتوا قبلي ولم يلبثوا لِهَوايَ، وكنت أُحِبُّ أن أموت قبلهم "و أعنقوا لهواهم" جعلهم كأنهم هَوُوا الذهاب إلى المنية لتسرعهم إليها، وهم لم يهووها في الحقيقة.

وأثبت سيبويه الهَوَى لله عز وجل، فقال: فإذا فعل ذلك فقد تقرب إلى الله عز وجل بهَواه.

وقوله عز وجل: -فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوَي إليهم- فيمن قرأ به إنما عداه بالى لأن فيه معنى تميل، والقراءة المعروفة "تَهْوِي إليهم" أي ترتفع.

والجمع أهواء.

وقد هَوِيَهُ هَوىً، فهو هَوٍ.

والهَوَى أيضا: المَهْوِيُّ، قال أبو ذؤيب:

زجَرْتُ لَها طَيرَ السَّنيحِ فإنْ تَكُنْ

 

هَواكَ يُصِبْكَ اجْـتِـنـابُـهـا

واستهوته الشياطين: ذهبت بِهَواهُ وعقله، وفي التنزيل: -كالذي استَهْوتْهُ الشياطينُ- وقيل: استَهوَتْهُ: استهامته وحيرته، وقيل: زينت له هَواهُ.

وهَوَى الرجل: مات، قال النابغة:

وقالَ الشَّامِتُونَ هَوَى زِيادٌ

 

لِكُلِّ مَنِيَّة سَبَبٌ مَـتـينُ

وهاوِيَةُ، والهاوِيَةُ: من أسماء جهنم، وقوله عز وجل: -فَأمُّهُ هاوِيَهٌ- أي مسكنه جهنم، أي إن الذي له بدل ما يسكن إليه نار حامية.

وقالوا: إذا اجدب الناس أتى الهاوِي والعاوِي، فالهاوِي: الجراد، والعاوِي: الذئب، وقال ابن الأعرابي: إنما هو الغاوي، بالغين معجمة، والهاوِي، فالغاوي: الجراد، والهاوِي: الذئب، لأن الذئاب تأتى إلى الخصب.

وأهْوَى، وسوقه أهْوَى، ودارة أهْوَى: موضع أو مواضع.

والهاء: حرف هجاء، وهو حرف مهموس يكون أصلا وبدلا وزائدا، فالاصل نحو: هند وفهد وشبه، وتبدل من خمسة أحرف، وهي: الهمزة، والالف، والياء، والواو، والتاء، وإنما قضيت على إنها من "ه وى" لما قدمته في الحاء، وقال سيبويه: الهاء وأخواتها من الثنائي كالباء والحاء والطاء والياء، إنما تهجيت مقصورة لأنها ليست باسماء، وإنما جاءت في التهجي، على الوقف، قال: ويدلك على ذلك أن القاف والدال والصاد موقوفة الاواخر، فلو لا إنها على الوقف لحركت اواخرهن، ونظير الوقف هنا الحذف في الهاء والحاء وأخواتها، وإذا أردت أن تلفظ بحروف المعجم قصرت واسكنت، لأنك لست تريد أن تجعلها أسماء، ولكنك أردت أن تقطع حروف الاسم، فجاءت كأنها أصوات يصوت بها إلا انك تقف عندها، لأنها بمنزلة عه.

مقلوبه: - وه ى -

الوَهْىُ: الشق في الشيء، وجمعه وُهِىٌّ، وقيل: الوُهِىُّ: مصدر مبني على فعول، وحكى ابن الأعرابي في جمع وهى أوْهِيَة، وهو نادر، وأنشد:

حَمَّالُ ألْوِيَةٍ شَهَّادُ أنْجِيَةٍ

 

سَدَّادُ أوْهِيَةٍ فَتَّاحُ أسْدادِ

ووَهَى الشيء ووَهِىَ يَهِي فيهما جميعا، وَهْياً فهو واهٍ: ضعف، قال ابن هرمة:

فإنَّ الغيثَ قَدْ وَهِيَتْ كُلاهُ

 nbsp;

بِبَطْحاءِ السَّيالَةِ فالنَّظـيمِ

والجمع وُهِىٌّ.

وأوْهاهُ: أضعفه.

وكل ما استرخى رباطه فقد وَهَى، ويقال للسحاب إذا انبثق انبثاقا شديدا: قد وَهَتْ عزاليه قال أبو ذؤيب:

وَهَى خَرْجُه واستُجِيلَ الرَّبا

 

بُ منهُ وغَرِّمَ ماءً صَريحا

والوَهِيَّةُ: الدُّرَّةُ، سميت بذلك لثقبها، لأن الثقب مما يضعفها، عن ابن الأعرابي، وأنشد:

فَحَطَّتْ كما حَطَّتْ وَهِـيَّةُ تـاجِـرٍ

 

وَهَى نَظْمُها فارفَضَّ مِنها الطَّوائفُ

قال: ويروى: "ونية تاجر" وهي درة أيضا، وسيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله.

مقلوبه: - وي ه -

وَيْهِ: إغراء، ومنهم من ينون، فيقول: وَيْهاً الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث في ذلك سواء، قال سيبويه: أما عمرويه وما أشبهها فألزموا آخره شيئا لم يلزم الأعجمية، فكما تركوا صرف الأعجمية جعلوا ذا بمنزلة الصوت، لأنهم رأوه قد جمع أمرين فحطوه درجة عن إسماعيل، وشبهه في الفكرة بمثال غاق منونة مكسورة في كل موضع.

ووَاهَ: تلهُّف وتلوُّذ، وقيل: استطابة، وتنون يقال: واهاً لفلان، قال:

وَاهاً لِرَيَّا ثمَّ وَاهاً واها

قال ابن جني: إذا نوَّنت فكأنك قلت: استطابة، وإذا لم تنون فكأنك قلت: الاستطابة، فصار التنوين علم التنكير، وتركه علم التعريف.