باب الثلاثي اللفيف

المحكم والمحيط الأعظم في اللغة

ابن سيده

علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده، المولود عام (398 - 458 هـ = 1007 - 1066 م)

الجزء الرابع

حرف الخاء

باب الثلاثي اللفيف

الخاء والهمزة والياء

الأخِيَة، والأخِيَّة، والآخِيَّةُ: عُود يُعرَّض في الحائط تُشد إليه الدابة.

وقيل: هو حَبل يُدفن في الأرض ويبرز طَرفُه فيُشدّ به.

وفي الحديث: "مَثل المؤمن والأيمان كمثل الفرس في آخيته، يَجُول ثم يَرجع إلى أخِيَّته، وإن المؤمن يَسْهو ثم يرجع إلى الأيمان".

والجمع: أخايا، وأواخيّ.

وقد أخَّيْتُ للدابة.

وتأخَّيَتِ الأَخِيَّة.

والأخِيّةُ: غَيْرُ الطُّنُب.

 

الخاء والهمزة والواو

خاءِ بك علينا، أي اعجل، قال الكميت: بخاء بك اعجل يَهتفون وحي هَل وكذلك الاثنان والجميع، وقد تقدم ذلك في الخاء والياء.

مقلوبه: - ء خ و-

الأخ، من النسب، معروف، وقد يكون الصديق والصاحب.

والأَخَا، مقصور، والأخْو، لغتان فيه، حكاهما ابن الأعرابي، وانشد لخليج الاعيوي:

قد قلتُ يوماً والرِّكابُ كأنها قواربُ طَيْرِحانَ منها ورُودُها

لأخْوين كاناخير أخْوَين شيمة وأسرعَه في حاجةِ لي أريدها

حمل "اسرعه" على معنى: خَيْر أخوين وأسْرَعه، كقوله:

شَرّ يَوْميها وأغواه لها ركِبت عَنز بحدج جمَلاَ

وهذا نادر.

وأما كُراع فقال: أخْو، بسكون الخاء، وتَثنيتُه: أخَوان، بفتح الخاء، ولا ادري كيف هذا.

وحكى سيبويه: لا أخَا، فاعْلَم، لك.

فقوله. "فاعلم" اعتراض بين المضاف والمضاف اليه، كذا الظاهر.

وأجاز أبو عليّ أن يكون "لك" خبرا، ويكون "اسما مقصورا تاما غير مضاف، كقولك: لا عصا لك.

والجمع من كل ذلك: أخوُنٌ: وآخاءٌ، وإخْوان. واخْوان، وإخْوة، وأُخْوة، بالضم.

هذا قول أهل اللغة، فأما سيبويه فالأخوة، بالضم عنده، اسم للجمع وليس بجمع، لأن:فعلا" ليس مما يُكسَّر على "فُعْلة"،و يدل على أن "أخاً" "فَعَل" مَفتوحة العين، جَمعهم إيّاها على "أفعالٍ" نحو: آخاءٍ، حكاه سيبويه، عن يونس، وأنشد أبو علي:

وجدتُم بَنيكم دُوننا إذ نُسِبُتمُ وأيَّ بَني الآخاءِ تنُبو مَناسِبُه

وحكى اللحياني في جمعه: أخوّة.

وعندي انه "أخوّ"، على مثال "فُعُول"، ثم لحقت الهاء لتأنيث الجمع، كالبُعولة والفُحولة.

وأما قوله عز وجل: -فإن كان له إخْوة فلأُمه السُّدس-، فإن الجمع هاهنا مَوْضوعٌ مَوْضَع الاثنين، لأن الاثنين يُوجبان لها السُّدس.

وقوله تعالى: -و إخوانهم يَمُدوّنهم في الغَيّ-، يعني بإخوانهم: الشياطين، لأن الكُفار إخوان الشياطين.

وقوله تعالى: -فإخوانكم في الدّين-، أي: قد درأ عنهم إيمانُهم وتوبتهم إثم كُفرهم ونَكْثهم العُهود.

وقوله تعالى: -و إلى عادِ أخاهم هُودا-، ونحوه.

قال الزجاج: قيل في الأنبياء، عليهم السلام: أخوهم، وإن كانوا كَفرة، لأنه إنما يعني انه قد أتاهم بشر مثلهم من ولد آدم، عليه السلام، وهو أحجّ، وجائز أن يكون أخاهم، لأنه من قومهم، فيكون أفهمَ لهم بأن ياخذوه عن رَجل منهم.

وقولهم: فلان أخُو كُرْبة، وأخو لَزْبة، وما أشبه ذلك، أي: صاحبها.

وقولهم: إخوان العَزَاء، وإخْوان العَمل، وأشباه ذلك، إنما يريدون أصحابه ومُلازميه.

ويجوز أن يعنوا به أنّهم إخوانه، أي: إخوته الذين وُلدوا معه، وإن لم يُولد العَزاء ولا العمل ولا غير ذلك من الأغراض، غير أنا لم نَسمعهم يقولون: إخوة العزاء، ولا إخوة العَمل، ولا غيرهما، إنما هو إخوان، ولو قالوا لجاز، وكل ذلك على المثل، قال لَبيدٌ: إنما يَنجح إخوان العَمل يعني: من دأبَ وتحرَّك ولم يُقم، قال الرّاعي:

على الشَّوق إخوان العَزاء هَيوُجُ أي: الذين يَصبرون فلا يَجزعون ولا يَخْشعون، والذين هم أشقَّاء العمل والعَزاء.

وقالوا: الرُّمح أخوك وربمّا خانك.

والأخت: أنثى الأخ، صيغة على غَير بناء المذكر، والتاء بدل من الواو، وزنها "فَعَلة"، فنقلوها إلى "فُعْل"، وألحقتها التاء المُبدلة من لامها بوزن "فُعْلٍ"، فقالوا: أخت، وليست التاء فيها بعلامة تأنيث، كما ظَن من لا خِبرة له بهذا الشأن، وذلك لسكون ما قبلها.

هذا مَذهب سيبويه، وهو الصحيح، وقد نص عليه في باب ما لا ينصرف، فقال: لو سَّميت بهذا رجلا لصَرفتها مَعْرفة، ولو كانت للتأنيث لما انصرف الاسم.

على أن سيبويه قد تَسمَّح في بعض ألفاظه في الكتاب فقال: هي علامة تأنيث.

وإنما ذلك تَجُوّز منه اللفظ، لأنه أرسله غُفْلاً، وقد قيده في باب ما لا ينصرف، والأخذ بقوله المُعلّل أقوى من الأخذ بقوله الغفل المُرْسل، ووَجه تجوُّزه أنه لما كانت الثاء لا تُبدل من الواو فيها إلا مع المؤنث صارت كأنها علامة تأنيث، واعني بالصيغة فيها بناءها على "فُعْل"، واصلها "فَعَل"، وإبدال الواو فيها لازم، لأن هذا عمل اختص به المؤنث.

والجمع: أخوات.

وقالوا: رماه الله بليلةَ لا أخت لها، وهي ليلة يموت.

وآخى الرجلمؤاخاة، وإخاء، ووخاء، وواخاه، لغة ضعيفة، وقيل: هي بدل: وأرى "الوخاء" عليها.

والاسم: الأخُوَّةُ.

وما كُنت أخاً ولقد تأخّيت، وآخّيْت، وأخَوْت.

وأخَوْت عشرةً، أي: كنت لهم أخاً.

وتأخّى الرجلَ: اتخذه أخا، أو دَعاه أخا.

ولا أخا لك بفلان، أي: ليس لك بأخ، قال النابغة:

وأبلغ بني ذُبيَان أنْ لا أخا لهم بعَبْسٍ إذا حَلُّوا الدِّماخَ فأظْلماَ

وقوله:

ألا بكر الناعي بأوْسٍ بن خالدٍ أخى الشَّتْوة الغَبراء والزَّمن المَحْلِ

وقول الآخر:

ألا هَلك ابن قُرّانَ الحَميدُ أبو عَمرو أخُو الجُلَّي يَزيدُ

فقد يجوز أن يَعْنيا بالاخ هنا: الذي يَكفيهما ويُعين عليهما، فيَعود إلى معنى الصُّحبة، وقد يكون انهما يفعلان فيهما الفِعل الحسن فُيكسبانه الثناء والحمد، فكأنه لذلك أخ لهما.

وقوله:

والخمُر لَيستْ من أخيك ول كنْ قد تَغُرّ بآمِن الحِلْمِ

فسّره ابن الأعرابي، فقال: معناه: أنها ليست بمُحابيتك فتكُف عنك بَأسَها، ولكنها تَنْمِى في رأسك.

وعندي أن "أخيك" هاهنا: جمع "أخ"، لأن التِّبعيض يقتضي ذلك.

وقد يجوز أن يكون "الأخ" هاهنا: واحداً، يَعني به الجمع، كما يقع الصديق على الواحد والجميع، قال تعالى: -و لا يَسأل حميمٌ حميما. يُبصَّرونهم-.

وقال: دَعْها فما النَّحوىّ من صديقها وحكى اللِّحياني، عن أبي الدِّينار، وأبي زياد: القوم بأخي الشّر، أي: بشرّ.

الخاء والياء والواو

خَوت الدارُ: تَهدّمت، وفي التنزيل: -فهي خاوية على عُروشها-.

وخَوَّت الدارُ: وخَويت، خَياً، وخُوِياً، وخَوَاءً، وخَوَاية: خَلت من أهلها.

وأرض خاويةٌ: خاليةٌ من أهلها، وقد تكون خاويةً من المطر.

والخَواء: خُلوّ الجَوف من الطعام، يُمدّ ويُقصر، والقَصْر أعلى.

وخَوَى خَوىً، وخَواءً: تتابع عليه الجُوع.

وخَوِيت المرأةُ خَوىً، وخَوَتْ: وَلدت فخَوى بطنُها.

وكذلك إذا لم تأكل عند الولادة.

والخَوِيّةُ: ما أطعمتها على ذلك.

وخوّاها: وخَوّى لها، الأخيرة عن كُراع: عَمل لها خَوِيّة تأكلها.

وخَوَّت الإبلُ: خَمُصت بُطونها وارتفعت.

وخَوَّى الرجلُ: تجافى في سُجوده وفَرّج ما بين عَضُديه وجَنْبيه، وكذلك البعيرُ إذا تجافى في بُروكه ومَكَّن لثَفِناته، قال: خَوَّت على ثَفِناتها وقوله، انشده ثعلب:

يَخْرُجْنَ من خَلل الغُبار عَوابساً كأصابع المَقْرور خَوَّى فاصْطَلَى

فسّره فقال: يُريد أن الخيل قريبٌ بعضها من بعض.

والخَوَى: الرُّعاف.

والخَواء: الهواء بين الشَّيئين. وكذلك الهواء الذي بَين الأرض والسماء.

والخَوِىّ: الوِطاء بين الجَبلين، وهو اللَّيِّن من الأرض.

وقال أبو حنيفة: الخوِىُّ: بَطْنٌ يكون في السَّهل والجَبل داخلاً في الارض، أعظمُ من السَّهب، مِنْبات.

والخَوِيّةُ: مَفْرجُ ما بين الضَّرع، والقُبُل من النَّاقة وغيرها من الأنعام.

وخَوَاَيةُ السِّنان: جُبّته، وهي ما التَقم ثَعلبَ الرُّمح.

وخَوَاية الرَّحْل: مُتَّسع داخله.

وخَوَى الزَّنْدُ، وأخْوى: لم يُورِ.

وخَوَتَ النجومُ خَيّاً، وأخْوت، وخَوَّت: أمحلت فلم تُمطر، قال كعبُ بنُ زُهير:

قومٌ إذا خَوَتِ النُّجومُ فإنَّهم للطَارقين النازلين مَقَارِى

وقال آخر:

وأخْوَتْ نجومُ الأخذ إلا أنِضّة أنِضّةَ مَحْلٍ ليس قاطُرها يُثْرِى

وقال الأخطل:

فأنت الذي تَرْجُو الصَّعاليكُ سَيْبَه إذا السَّنةُ الشَّهباءُ خَوَّت نُجومُها

وخَوت: مالت للمغِيب.

وخَوَى الشيء خَياً، وخَوَاية، وأختواه: اختطفه، عن ابن الاعرابي، وأنشد:

حتى اخْتَوى طِفلَها في الجوّ مُنْصَلِت أزلُّ منها كنَصْل السَّيْفِ زُهْلُولُ

وخَوَاية الخَيل: حَفيف عَدْوها، كذلك حكاه ابن الأعرابي بالهاء.

وخَواية المطر: حَفيف انهلاله، بالهاء عنه أيضا.

وخواية الريح: صوتها، عنه أيضا.

والخَوِىّ: الثابت، طائية.

والخاوية: الداهية، عن كراع.

والخَوُّ: العَسل، عن الزجاجيّ.

ويومُ خَوىً، وخُوىً، وخُوَىً: يوم مَعْروف.

وخَوِىٌّ: موضع.

والخاء: حرف هجاء، وهو حرف مهموس. يكون أصلا لا غير.

وحكى سيبويه: خَيّيت خاءً، فإذا كان هذا، فهو من باب عَييت.

وهذا عندي من صاحب العين صنعة لا عربية، وقد قدَمت علَّة ذلك في الحاء.

قال سيبويه: الخاء واخواتها من الثُّنائية، كالهاء والباء والتاء والطاء إذا تُهجيت مقورة، لأنها ليست باسماء دائما وإنما جاءت في التهجِّي على الوقف، ويُدلك على ذلك أن القاف والدال والصاد موقوفة الاواخر. فلولا أنها على الوقف حُرِّكت اواخرهن، ونظير الوقف هاهنا الحذف في الياء واخواتها، وإذا أردت أن تلفظ بحروف المُعجم قَصَرْتَ وأسكنت، لأنك لست تريد أن تجعلها أسماء، ولكنك أردت أن تُقطِّع حروف الأسم، فجاءت كأنها أصوات تصوت بها، إلا انك تقف عندها لأنها بمنزلة "عه"، وإذا اعربتها لزمك أن تَمُدَّها، وذلك أنها على حرفين، الثاني منهما حرفُ لِين، والتَّنوين يُدرك الكلمة فَتحذف الألف لالتقاء الساكنين، فيلزمك أن تقول: هذه خاً يا فتى، ورأيت خاً حسنة، ونظرت إلى خاً حسنة، فيبقى الاسم على حرف واحد، فإن ابتدأته وجب أن يكون مُتحرِّكا، وإن وقفت عليه جميعا وَجب أن يكون ساكنا، فإن ابتدأته ووقفت عليه جميعا وجب أن يكون ساكنا مُتحركا في حال، وهذا ظاهر الاستحالة.

فأما ما حكاه أحمدُ بن يُحيى، من قولهم: شربتُ "مَا" بَقصر "ماء" فحكاية شاذة لا نظير لها، ولا يسوغ قياس غيرها عليها.

وأنشد ابنُ الأعرابي للاسود بن يَعْفُر:

جُنِّبْتَ خاويةَ السِّلاحِ وكَلْمَهُ أبداً وجانب نَفسَك الأسْقامُ

ولم يُفسَّرْ "الخاوية"، فتأمله.

مقلوبه: - وخ ي -

الوَخْىُ: الطريقُ المُعتمد.

وقيل: هو الطريقُ القاصد.

وقال ثَعلب: هو القَصد، وأنشد:

فقلتُ وَيحك أبْصِرْ أين وَخْيُهمُ فقال قد طَلعوا الاجمادَ واقتحمُوا

قال: والجمع: وُخِىٌّ ووِخِىُّ.

فإن ثعلب عَنى بالوَخْى: القصد، الذي هو المصدر، فلا جمع له، وإن كان إنما عَنى الوَخْى، الذي هو الطريق القاصد، فهو صحيح، لأنه اسم.

ووَخَى الأمرَ: قَصده، قال: قالت ولم تَقْصدْ به ولم تَخِهْ ما بالُ شيخ آضَ من تَشيُّخه كالكُرَّز المَربوط بين أفرُخه وتوخَّاه، كوَخَاه.

وقد وَخَيْتُ غيري.

الخاء والياء والياء

قال ثعلب: العري تقول: خاي بك: اعجل، وخاي بكما: اعجلا، وخاي بكم: اعجلوا، وأنشد: بخاي بك اعجلْ يهْتِفُون وحَى هَلْ وخاي بكِ: اعجلي، وخاي بكن: اعجلن. وكل ذلك بلفظ واحد، إلا الكاف فإنك تُثَنِّيها وتجمعها.

وقد قدمت "خاء" في الخاء والواو والهمزة.