في شرح اللفظ فنقول وبالله التوفيق

العقد الأول

في شرح اللفظ فنقول وبالله التوفيق

الكلم يقسم إلى ثلاثة أقسام اسم وفعل وحرف ولم يقل الكلام ن الكلام هو المفهم ولا يقع الإفهام إلا بالجملة والجملة تتركب من اسمين وتتركب من اسم وفعل وتتركب من شرط وجزاء كقولك إن جئتني أكرمتك وليس تتركب من حرف واسم وإن وجدت فلنيابة الحرف عن الفعل ودلالته واحد وذلك في باب واحد وهو النداء خاصة وقد يقيد الكلام باسم واحد وذلك في جواب الاستفهام المحقق المقدر

فالاسم الكلام باسم واحد على معنى غير مشعر بزمان يختص به

والفعل كل ما دل على معنى وزمان معا وهو ينقسم بانقسام الزمان ماض تقضي وحاضر أنت فيه ومستقبل تستأنفه

فالماضي ما لم يكن في أوله حرف زائد والآخران ما كان في أولهما إحدى الزوائد وهي حرف المد اللين أصلها الياء تقول يقوم زيد وثانيها التاء وهي بدل من الواو في قولك تقوم أنت والإبدال في مثل هذا كثير شائع والهمزة في قولك أقوم بدل من الإلف لأنها جعلت ساكنة لا يمكن النطق بها والنون في قولك نقوم نحن ملتحقة بها لأن فيه غنة فألحقوها بأختها وينفصل الحاضر من المستقبل باقتران

قولك الآن لأنك تقول أقوم يحتمل الحاضر والمستقبل فإذا قلت الآن حصلته للحضور

وأما الحرف فهو ما يفيد معنى في غيره والأسماء على ضربين مبنية ومعربة فالمبنية كقولك من وكيف وإنما سمي مبنيا لثبوته على حركة واحدة تشبيها بالبناء لا غير

والمعرب على ضربين متمكن وأمكن فالمتمكن كعمرو والأمكن كزيد

وأما الحرف فهو ما يراد لغيره ويدل على المعنى فيه وهو على قسمين مقطوع وموصول

فأما المقطوع فهو حروف المعجم السالمة عبارة ووصفا عنها المثبتة معنى كما تقدم فيها وأمهاتها فيما يحتاج إليها خمسة

أولهما الباء وقد غلط فيها كثير من العلماء وظنوها للتبغيض وذلك خطأ بين أما أنها قد تكون صلة للأفعال في قولك خذت ونصحت وشكرت ونحوه والذي أوجب ذلك قوله سبحانه: ( وأمسحوا برؤؤسكم ) فزعموا أنها تفيد التبغيض ها هنا بينا في كتاب الأحكام أنها من باب المفهوم عكساً كقول الشاعر

وعصفت بالكثتين عصف الأئمد

وذلك لحكمة بديعة بيانها في موضعها

الثاني: الواو وقد غلط فيها جماعة من العلماء حتى اعتقدوها للترتيب وهي لا تقتضي جمعا ولا ترتيبا

والدليل على صحة ذلك دخولها حيث يستحيل الترتيب وهو باب المفاعلة بيد أنها في باب العطف تدل على تقدم الأهم فالأهم ولذلك قال وقد وقف على الصفا نبدأ بما بدأ الله به

وأما الفاء فهي للتعقيب ومن ضرورتها الترتيب ومن روابطها التسبيب وهي ثلاثة مرتبطة

وما ثم فقد غلط فيها بعض علمائنا فقال إن ثم تقتضي المهلة في موضعها وقد تأتي لغير ذلك كقول الشاعر

كهز الرديني تحت العجاج جرى في الأنابيب ثم اضطرب

فجعل الاضطراب بعد الهز وهو هو ومعه وأبعد من هذه قول الشاعر

إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد بعد ذلك جده

والصحيح من القول الذي يبين المعنى ويكشف جواب السؤال ثم لا تكون أبداً إلا الترتيب والمهلة على بابها في كل موضع إلا أنها تذكر لترتيب المعاني وقد تذكر لترتيب الكلام

وأما الخامس: فهو الكاف وهو أن كان مفرداً مقطوعاً فإنه موصول المعنى لأنه موضوع للتبيخ وهو معنى مستقيل بيد أن بعضهم قد رام أن يكون حرفا مقطوعا وزعم إنه قد جاء زائداً لذلك في قوله تعالى (ليس كمثله شيئ ) وفي قول الشاعر

وصاليات ككما يوبقين

والكاف في هذاين المثالين حرف معنى مستقل مفيد وقد بينا ذلك في كتاب المشكلين

وأما الحروف الموصولة فهي كثيرة جداً لكنا نذكر أمهاتها خمسة عشر حرفا لابتغاء الأحكام عليها وتعلق الفتوى بها

أولها أما

وهو حرف وضع لتجريد عنه من توقع الاشتراك في الخبر وهو مركب من حرفين أن وما

وجعلوه في الإفادة نائبا وناب حرف الشرط والفعل المتصل به ولذلك دخلت في جوابه الفاء تقول أما زيد فمنطلق التقدير مهما يكن من شيء فزيد منطلق ووجه تركيبها وتفصيلها واستيفاء الكلام عليها وعلى أخواتها اللاتي يأتين بعدها مبين في ملجئة المتفقهين

الثاني إنما

وهي كلمة مفيدة للنفي والإثبات مركبة من إن وما وعبارة أهل سمرقند فيها إنها حرف موضوع لتحقيق المتصل وتلحيق المنفصل

وعبارة أهل العراق إنها موضوعة لتخصيص المخبر عنه بالخبر قال تعالى(إنما الله إله واحد) وقال إنما الكريم يوسف وقالت العرب إنما الشجاع عنترة

الثالث ما

ولها أحد عشر موضعا أصلها النفي والإثبات فمن فروع الإثبات أنها تكون بمعنى من قاله أبو عبد الله المغربي واحتج بقوله تعالى(والسماء وما بناها ) وأنكر بعضهم إنكاره وإنما هي بمعنى الذي بمعنى من فأسقط أبو عبد الله الواسطة وهي الذي وقال إنها بمعنى من ذلك فاسد للقانون اللغوي

الحرف الرابع أو

وقد عد أصحابنا لها مواضع سبعة أو ثمانية أمهاتها موضعان أحدهما التردد والآخر التفصيل ويدخل تحت قولنا التردد التخيير

وللتخيير خمسة شروط تأتي في باب الأمر بالواحد من أشياء على التخيير إن شاء الله تعالى

الحرف الخامس: حرف من

قال علماؤنا هي لابتداء الغاية تارة وللتبغيض أخرى ورأيت أبو بكر بن السراج رحمه الله قال في شرحه لكتاب سيبويه رحمه الله إنها لا تكون إلا لابتداء الغاية وأنها لا تكون للتبغيض بحال وهذا الذي قاله صحيح المال فإن كان تبغيض ابتداء غاية وليس كل ابتداء غاية تبغيض الحرف السادس هل

وهي أم حروف الاستفهام وما وراءها من حروف الاستفهام تال لها وقد ظن بعض الناس إنها بمعنى قد في قوله تعالى(هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) والصحيح إنها على بابها في هذا الموضع وسواه ولكن قد تكون بمعنى التقرير لأنه استفهام مقرر فهو بمنزلة المحقق

الحرف السابع الألف واللام

قال علماؤنا إنها ترد للحصر في قوله تعالى المال الإبل والناس العرب والذي يعتقده أرباب الصناعة إنها تارة تكون لبيان الجنس وتارة لبيان العهد والحصر من مقتضيات الجنس وقد روي عن النبي إنه سئل عن أكرم الناس فقال الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم قالوا ليس عن هذا نسألك قال :فعن معادن العرب تسئلوني قالوا نعم قال خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا

الحرف الثامن لو

وهو حرف يرد في لسان العرب لامتناع الشيء لامتناع غيره ولا معنى له سواه وقد ظن إنه يرد بمعنى إن في قوله تعالى(ولو أعجبتكم) قالوا المعنى هنا وإن أعجبكم وهذا ليس بصحيح بل هو على بابها وقد بينا ذلك في كتاب الأحكام

الحرف التاسع لولا

وهو حرف يدل على امتناع الشيء لثبوت غيره وقد اختلف الناس في لو لولا هل يفتقران إلى جواب أم لا

والصحيح افتقارهما إليه وقد تخرج لولا عن هذا الباب الذي حددناه به فتكون بمعنى الترغيب ولا تفتقر حينئذ إلى جواب اتفاقا

الحرف العاشر إلى

وهو موضوع لبيان الغاية وهي إذا اتصلت بمن وانتظم الكلام بها كانت حدا فلا يخلو أن تكون من جنس المحدود أو من غير جنسه فإن كانت من جنسه دخل فيه وإن كان من غير جنسه وقف عنده وقد ظن بعضهم أنها تكون بمعنى مع وهو غلط بين لا تقتضيه اللغة ولا تدل عليه الشريعة وغسل المرافق لم يكن بمقتضى إلى وإنما كان بالدليل الذي بيناه في كتاب الإنصاف

الحرف الحادي عشر بلى

وهي لاستدراك المنفي بجواب نفي يقترن به استفهام وهي بديلة نعم ولا يصح أن تكون معها حتى قال علماؤنا لو قال بنو آدم في جواب قول ربهم(ألست بربكم) نعم لكفروا لأنه كان يكون إثباتاً لما سئلوا عنه وهي نفي الربوبية

الحرف الثاني عشر على

وهي تكون على ثلاثة أنحاء

والأول الاسم تقول أخذته من على الدابة

وتكون فعلا فتقول أخذته من على الدابة

وتكون حرفا في قولك علوت عليه

قال لنا الطوسي رحمه الله قال لنا الإمام أبو عبد الله المغربي رحمه الله لا تكون على فعلا أبدا وإن أريد بها الفعل فليست تلك وإن شابهتها في الصورة

والمقدر الذي يتعلق به الفقه في ابتناء الأحكام فقد بيناه وما تقدم من وقول أبي عبد الله المغربي بحث نحوي لسنا الآن له

الحرف الثالث عشر حتى

وهي حرف موضوع للغاية المحضة لكنه قد يكون عطفاً وخاصيتها إذا كانت عطفاً ألا تعطف إلا بين الجنسين وقد تكون للاستئناف فيتضمن عطف الجمل معنى ولا يصح أن يتوهم لها معنى من رفع أو إزالة سوى الغاية

الحرف الرابع عشر مذ

وهو موضوع للإيصال بالزمان أو ما يكون في حكم الزمان ليس للمكان فيه مدخل وإن اتصل بما يتوهم عن هذا فهي راجعة إليه عند التحقيق وذلك بين في موضعه

الحرف الخامس عشر إلا

وهي أم حروف الاستثناء وهي عندنا لبيان مراد المخبر فيما سبق قبلها من الخبر وذلك نوع من العموم والخصوص وله أبواب ومسائل يكثر تعدادها سيأتي بيانها في مواضعها إن شاء الله تعالى

و أما القول في المعنى وهو المقصود الأكبر من غرضنا وعليه ينبغي الكتاب كله

فنقول إن الكلام في اللغة على ضربين مهمل ومستعمل

فالمهمل كل قول نظم من حروف المعجم نظما لا يفيد في لغة العرب شيئاً

والمستعمل على ضربين منه ما يفيد في غير ما وضع له كالألقاب ومنه ما يفيد فيما وضع له وهو على ضربين مجاز وحقيقة وقد تقدم بيانهما وكل كلام يفيد ما وضع له بين المتخاطبين لا بد له من شروط كثير عددها منها أصلان كبيران

أحدهما إنه لا بد من إرادة المخاطب إفادة المخاطب معنى ما فإن لم يرد ذلك كان القول عبثا إلا على وجه بيناه في موضعه

الثاني أن يريد إفادته مقصور الخطاب والمراد به بما يصح فهمه له وذلك هو البيان وله حقيقة ومراتب تجمعهما مسائل خمس

المسألة الأولى في حقيقة البيان

قال الصيرفي- وكان من علماء الأصول- :وهو إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي

وهذا ضعيف فإن الحيز والتجلي لفظان مشكلان فكيف يتبين بهما وقال آخرون

البيان هو العلم وهذا ضعيف لأنه لو اطرد لانعكس ولا يصح أن يقال العلم هو البيان فإنه لا يصح ذلك فيه إذ البيان والتبين يقتضي سبق استبهام فيخرج عنه علم الله تعالى

وقال قائلون البيان هو الظهور يقال بان لي أمر كذا وبانت المرأة من زوجها والصديق من صديقه وهو ظهور على وجه ما فرقت بين ذلك كله المصادر وهذا الحد وإن كان يحوم على الحقيقة لكنه مشترك بين الأجسام والمعاني

والصحيح ما حد به أبو الباقلاني رحمه الله لسان الأمة قال البيان هو الدليل وهذا صحيح لفظا ومعنى طردا وعكسا

المسألة الثانية في مراتبه

أول من رتبها الشافعي رضي الله عنه قال هو على خمس مراتب

أولها ما يدركه العوام الجفلى كقوله تعالى(فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة)

الثاني ما يدركه الخواص من أولى الحجى كآية الوضوء فإنها تحتاج لى معارف كثيرة منها الواو والفاء وغير ذلك

الثالث ما تولى الله تعالى تنزيله ووقعت الإحالة على النبي في بيانه كقوله تعالى(وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ) وكقوله سبحانه(وأحل الله البيع وحرم الربا) في أحد القولين

الرابع ما تولى النبي بيان أصله ووصفه كحديث عبادة لا تبيعوا الذهب إلى آخره

الخامس القياس

وقد رد عليه جماعة من العلماء هذا الترتيب بتركه للإجماع وهو من أعظم الأصول وذكروا ترتيبها على وجه يطول والذي يفتقرون إليه الآن في هذه العجالة أنا قدمنا أن البيان هو الدليل فمراتب البيان كمراتب الأدلة وأصل الأدلة في غرضنا هذا كتاب الله تعالى ثم بعد ذلك تتنوع إلى ما تنشأ عنه فمرتبته بحسب قربه منه كقوله النبي فإنه يليه وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم فإنه يليه وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم فإنه تالية وكلام الله تعالى المنزل علينا باللسان العربي يختلف بحسب اختلاف اللسان الذي نزل به فالنص أعلاه والظاهر تلوه وهكذا كلما تباعدت في الأمرين جميعا تفاوتت ومدركها لا يتبين إلا بمباشرتها

المسألة الثالثة في تأخير البيان عن وقت الحاجة

وقد اتفق الجفلى على أن ذلك لا يجوز لأنه تكليف مالا يطاق ولما تكرر ذكر ذلك في الكتب اتفق عليه العلماء قديما وحديثا ولم يعرف فيه نزاع من موالف ولا مخالف لاحظته مرة فظهر لي إن ذلك جائز ولا يكون من باب تكليف ما لا يطاق بل يكون رفعا للحكم واسقاطا له

المسألة الرابعة تأخير البيان إلى وقت الحاجة

زعمت طائفة أنه لا يجوز معظمهم من المعتزلة وباقيهم من سائر المبتدعة والدليل على جوازه أنه لا استحالة في أن يقول السيد لعبده خط لي هذا الثوب غدا فإذا من الغد يبين له الكيفية وتعسا للمعتزلة فإنهم قالوا إن النسخ بيان لانقضاء مدة العبادة فكيف أنكروا ما جوزوا

وأما الدليل على وقوعه فكثير نذكر منها ثلاثة أمور

الأول إن الله تبارك وتعالى أمر بني إسرائيل بذبح البقرة في وقت ثم بين لهم صفتها في آخر

الثاني إن الله عز وجل فرض الصلاة على رسول الله ليلاً في السماء وبينها في صلاة الظهرة على التواني عند الحاجة إليها

الثالث إن النبي سأله سائل عن وقت الصلاة فقال صل معنا هذين اليومين

وهذه الثلاثة الأدلة يعتمد فيها على الأوسط لأن الأول والثاني منهما معترضان

المسألة الخامسة في جواز تأخير التخصيص

وهو مثل ما تقدم وأبين منه والقول فيه كالقول فيه