في بيان أحواله عليه الصلاة والسلام: في ذكر مواليه وخدامه وكتابه وأمرائه ومؤذنيه

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

العصامي

 عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي، مؤرخ، من أهل مكة مولده ووفاته فيها (1049 - 1111 هـ)

الباب السادس من المقصد الثاني

في ذكر مواليه وخدامه وكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وجداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وما يتبع ذلك:

أما مواليه صلى الله عليه وسلم فمنهم: أسامة، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن زيد، وأبوه زيد بن حارثة، أعتقه عليه الصلاة والسلام وزوجه مولاته أم أيمن، واسمها بركة، فولدت له أسامة، وكان زيد قد أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فاستوهبه عليه الصلاة والسلام منها. ذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة، وأن أباه وعمه أتيا مكة فوجداه، فطلبا أن يفدياه، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفع لهما أو يبقى عنده، فاختار أن يبقى عنده عليه الصلاة والسلام. وفى رواية الترمذي قال: يا رسول الله، لا أختار عليك أحداً أبداً. واستشهد في غزوة مؤتة، رضي الله عنه. ومات ابنه أسامة هذا بالمدينة - أو بوادي القرى - سنة أربع وخمسين.

ومنهم: ثوبان، لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة أربع وخمسين.

وأبو كبشة أوس - ويقال: سليم - من مولدي مكة، شهد بدراً.

ومنهم: شقران - بضم الشين - واسمه صالح الحبشي، ويقال: فارسي، شهد بدراً، وهو مملوك ثم عتق، قاله الحافظ ابن حجر. قال: وأظنه مات في خلافة عثمان.

ومنهم: رباح - بفتح الراء وبالموحدة - الأسود، وكان يأذن عليه أحياناً إذا انفرد، وهو الذي أذن لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في المشربة.

ويسار الراعي، وهو الذي قتله العرنيون.

ومنهم: زيد، أبو يسار - وليس زيد بن حارثة والد أسامة - ذكره ابن الأثير.

ومنهم: مِدعَم - بكسر الميم وفتح العين - عبد أسود كان لرفاعة بن زيد الضبَيبي - بضم الضاد - المعجمة وبالباء المفتوحة على صيغة التصغير - فأهداه - رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: أبو رافع واسمه أسلم القبطي، وكان للعباس فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم. فلما بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام عمه العباس أعتقه. توفي قبل عثمان بيسير.

ومنهم: ابن زيد الجذامي.

ومنهم: سفينة بوزن كبيرة. واختلف في اسمه فقيل: طهمان، وقيل: كيسان، وقيل: مهران. سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة لأنهم كانوا حملوه شيئاً كثيراً في السفر.

ومنهم: مأبور القبطي، أخو مارية القبطية الذي أهدي إليه معها.

ومنهم: واقد أو أبو واقد.

ومنهم: سلمان الفارسي أبو عبد الله، ويقال له: سلمان الخير، أصله من أصفهان، وقيل: من رامهرمز، أول مشاهده الخندق، وهو المشير بعمله على رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة أربع وثلاثين، يقال: بلغ من العمر ثلاثمائة سنة.

ومنهم: سمعون بن زيد، قال ابن حجر: حليف الأنصار، ويقال: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد فتح دمشق، وقدم مصر، وسكن بيت المقدس.

ومنهم: أبو بكرة، نفيع بن الحارث سمى بذلك لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله صلى الله عليه وسلم: " من نزل إلينا فهو حر " .

ومن النساء: أم أيمن الحبشية وسلمى أم رافع ومارية وريحانة وسيرين أخت مارية وغير ذلك.

قال ابن الجوزي: مواليه ثلاثة وأربعون، وإماؤه إحدى عشرة.

وأما خدامه صلى الله عليه وسلم فمنهم: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد، الأنصاري، الخزرجي، يكنى أبا حمزة خدم النبي صلى الله عليه وسلم تسع أو عشر سنين، ودعا له صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة " . فقيل: بلغت أولاده المائة. قال أبو هريرة: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم منه. توفي سنة ثلاث وتسعين - وقيل: اثنتين، وقيل: إحدى - وقد جاوز مائة سنة.

ومنهم: ربيعة بن كعب الأسلمي، صاحب وضوئه عليه الصلاة والسلام، توفي سنة ثلاث وستين.

ومنهم: أيمن بن أم أيمن، صاحب مطهرته صلى الله عليه وسلم استشهد يوم حنين.

ومنهم: عبد الله بن مسعود بن غافل - بالغين والفاء - ابن حبيب الهذلي، أحد السابقين الأولين شهد بدراً والمشاهد كلها، كان صاحب وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواكه ونعليه وطهوره، كان يلي ذلك كله، وكان إذا قام النبي صلى الله عليه وسلم ألبسه نعليه، وإذا جلس جعلهما في ذراعه حتى يقوم. وكان قصيراً طوله ذراع، توفي بالمدينة، قيل: بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث.

ومنهم: عقبة بن عامر بن قيس بن عمرو الجهني، وكان صاحب بغلته، يقودها به في الأسفار، روينا عنه أنه قال: بينما أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي: يا عقبة اركب، فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه، ثم أشفقت أن يكون معصية. قال: فركبت هنية ثم نزلت، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم وقدت، قال لي: يا عقبة، ألا أعلمك من خير سورتين قرأهما الناس؟ فقلت: بلى، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فقال " قُل أَعُوذُ بِرَبِّ اَلفَلَق " ِ الفلق: ا، و " قُل أَعُوذُ بِرَب اَلنَاس " الناس: 1 الحديث. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وكان عقبة عالماً بكتاب الله والفرائض، فصيحاً شاعراً مفوهاً، ولاه معاوية مصر سنة أربع وأربعين، ثم صرفه عنها بمسلمة بن مخلد، وتوفى سنة ثمان وخمسين.

ومنهم: أسلع بن شريك صاحب راحلته صلى الله عليه وسلم، في الطبراني.

ومنهم سعد مولى أبي بكر، وقيل سعيد، ولم يثبت وروى عنه ابن ماجة. ومنهم: أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، أسلم قديماً، وتوفى بالربذة، وستأتي قصته مع عثمان رضي الله عنه في خلافته، توفي سنة إحدى وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود، ثم مات ابن مسعود بعده في ذلك اليوم، قال ابن الأثير وابن حجر: سنة اثنتين وثلاثين.

ومنهم: مهاجر مولى أم سلمة.

ومنهم: حنين والد عبد الله مولى ابن عباس، وكان يخدمه - عليه الصلاة والسلام - ثم وهبه لعمه العباس.

ومنهم: نعيم بن ربيعة الأسلمي.

ومنهم: أبو الحمراء، مولاه صلى الله عليه وسلم وخادمه، واسمه هلال بن الحارث وابن ظفر. توفي بحمص، رضي الله عنه.

ومنهم: أبو السمح، خادمه عليه الصلاة والسلام، واسمه إياد.

ومن النساء: بركة، أم أيمن الحبشية، وهي والدة أسامة بن زيد كما تقدم. ومنهن: خولة، جدة حفص.

ومنهن: سلمى، أم رافع، زوج أبي رافع.

ومنهن: ميمونة بنت سعد.

ومنهن: أم عياش، مولاة رقية بنته صلى الله عليه وسلم.

وأما كتابه: فالخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم.

وأول من كتب له بمكة عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري أحد بني عامر بن لؤي، أسلم وكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه فيما أهدر من الدماء، فجاء إلى عثمان فغيبه ثم أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن أهل مكة، واستأمن له رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فصمت عليه الصلاة والسلام طويلاً ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ماصمت إلا لتقتلوه " . فقال رجل: هلاّ أومأت إلينا يا رسول الله ؟ فقال: " ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين، ثم أسلم ذلك اليوم وحسن إسلامه، ولم يظهر منه بعد ذلك ما ينكر.

وهو أحد الفضلاء الكرماء من قريش، عرف فضله وجهاده. وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح مصر، ولاه عثمان رضي الله عنه مصر سنة خمس وعشرين ففتح الله على يده إفريقية، وكان فتحاً عظيماً بلغ سهم الفارس فيه ثلاثة آلاف مثقال، وكان معه عبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير. وغزا بعد إفريقية السوادَ من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين، وغزوة السواري في بدر الروم، واعتزل الفتنة حين قتل عثمان، فأقام بعسقلان وقيل: بالرملة، ودعا الله عز وجل أن يقبضه ويعجل وفاته وختم عمره بالصلاة، فسلم من صلاة الصبح التسليمة الأولى، ثم هما بالتسليمة الثانية فتوفى سنة ست وثلاثين وهو الصحيح، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة تسع وخمسين. قال خليفة بن خياط: ووهم من عدَ والده أبا سرح في كتابه. ومنهم: طلحة بن عبيد الله، أحد العشرة، استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين سنة.

ومنهم: الزبير بن العوام بن خويلد، أحد العشرة - أيضا - قتل كذلك سنة ست وثلاثين يوم الجمل.

ومنهم: أبي بن كعب - بضم الهمزة وفتح الباء - هو أبي بن كعب بن المنذر ابن قيس، الخزرجي، الأنصاري، أبو المنذر، أو أبو الطفيل، سيد القراء. شهد العقبة الثانية وبدراً وما بعدها، وهو أحد فقهاء الصحابة وأقرؤهم لكتاب الله عز وجل، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أمرني أن أقرأ عليك " لَم يكَن:ُ البينة: ا، لأن فيها " رَسُول مِنَ الله يَتلُوا صحفاً مُطَهَرة فِيهَا كُتب قَيمَة " البينة: 2، 3، روى ابن أبي شيبة وخيثمة ذلك. وهو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المنذر، وكناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا الطفيل بولده الطفيل بن أبي. مات أبي سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: اثنتين وعشرين، وقيل سنة ثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه.

ومنهم الأرقم بن أبي الأرقم، عبد مناف بن أسد بن جندب المخزومي، كان من السابقين إلى الإسلام، هاجر وشهد بدراً وما بعدها، ثم توفي وله خمس وثلاثون سنة.

ومنهم: ثابت بن قيس رضي الله تعالى عنه، وهو ثابت بن قيس بن شماس بن مالك، الأنصاري، الخزرجي، أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له بالجنة. شهد أحداً وما بعدها من المشاهد، قتل يوم اليمامة شهيداً في أيام أبي بكر سنة إحدى عشرة، وكان خرج مع خالد بن الوليد إلى قتال مسيلمة بها، فلما التقوا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم حفر كل واحد منهما لنفسه حفرة وثبتا وقاتلا حتى قتلا، وعلى ثابت درع له نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينا رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له: إني أوصيك، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعها، إني لما قتلت أمسِ مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستنُّ في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة. فائت خالداً فمره أن يأخذها، فإذا قدمت على أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن علىَّ من الدَّين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق. فأتى الرجل خالداً فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى بها. وحدث أبا بكر فأجاز وصيته، ولا يُعلم أحد أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت هذا.

ومنهم: خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن سعيد، القرشي، الأموي، أسلم قديماً، وقيل: إنه أول من كتب " بسم الله الرحمن الرحيم "quot; قيل: إنه أسلم بعد أبي بكر فكان ثلث الإسلام، وقيل غير ذلك. هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وأقام بها بضع عشر سنين، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه الذي نقش عليه " محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، الذي وقع في بئر أريس.

ومنهم: زيد بن ثابت - رضي الله عنه - وهو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري النجاري، كان هو ومعاوية ألزمهم لذلك. وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ليقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه، فتعلمه في خمسة عشر يوماً وروى ابن أبي هاشم عنه قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لواضع القلم على أذني فأمر بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بك يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت " ليسَ على الأعمَى حَرَج النور: 61. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة، شهد أحداً وما بعدها، وقيل أول مشاهده الخندق، وهو أحد فقهاء الصحابة والذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أفكه الناس إذا خلا في منزلة وأزمهم إذا جلس مع القوم. مات سنة ست وخمسين. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لما قدم عليه الصلاة والسلام المدينة ذهبت إليه فأعجب بي، فقيل: يا رسول الله هذا غلام من بني النجار، ومعه مما أنزل عليك بضع عشرة سورة. فاْعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا زيد، تعلم كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي. فما مر بي نصف شهر حتى نقلته وحذقته، فكنت أكتب إليهم وأقرأ له كتبهم كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي ويكتب له أيضاً المراسلات. وكان يكتب لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم " أفرضكم زيد " . وكان عمر رضي الله عنه يستخلفه إذا حج، وكان معه حين قدم الشام، وهو الذي تولى قسم غنائم اليرموك. وكان عثمان أيضاً يستخلفه إذا حج، وكان على بيت المال لعثمان. توفي بالمدينة سنة أربع وقيل سنة ست وقيل إحدى وقيل ثلاث وقيل خمس وخمسين وقيل سنة أربعين وقيل إحدى وقيل ثلاث وأربعين. رضي الله تعالى عنه.

ومنهم السجل رضي الله عنه. روى أبو داود والنسائي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول في هذه الآية " يَومَ نَطوِي السماء كطي السِجِل " ِ الأنبياء: 104، قال: السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن مردويه وابن منده من طريق حمدان بن سعيد عن ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له السجل، فأنزل الله تعالى " يَومَ نَطوي السماء كطي اَلسِجِلِ للكتب " الأنبياء: 104، والسجل هو الرجل بالحبشية ورواه أبو نعيم لكن قال: حمدان بن علي، ووهم ابن منده في قوله ابن سعيد. قال ابن منده: تفرد به حمدان. قال الحافظ: فإن كان هو ابن علي فهو ثقة وهو معروف، واسمه محمد بن على مهران من أصحاب أحمد، ولكن رواه الخطيب في ترجمة حمدان بن سعيد فترجحت رواية ابن منده. ونقل الخطيب عن البرقاني أن الأزدي قال: تفرد به ابن نمير من كبار الثقات. فهذا الحديث صحيح بهذه الطرق، وغفل من زعم أنه موضوع. نعم إنه ورد ما يخالفه، فروى الربعي والعوفي عن ابن عباس قال في هذه الآية: كطي الصحيفة على الكتاب. وكذلك قال مجاهد وغيره. قال الحافظ ابن كثير: وعرضت هذا الحديث - أي حديث ابن عباس السابق - على الحافظ المزي فأنكره جداً، وأخبرته أن ابن تيمية كان يقول:إنه حديث موضوع وإن كان في سنن أبي داود، قال المزي: وأنا أقوله. انتهى. قال الحافظ: وهذه مكابرة.

ومنهم معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية القرشي الأموي العبشمي ولى لعمر رضي الله عنه الشام، وأقره عثمان. قال ابن إسحاق: وكان أميراً عشرين سنة وخليفة عشرين سنة. وروى في مسند الإمام أحمد من طريق العرباض بن سارية قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب " وهو مشهور بكتابة الوحي. وروى الإمام أحمد ووصله أبو يعلى فقال عن معاوية، والطبراني، ورجال الأولين رجال الصحيح عن سعيد بن عمر بن سعد ابن أبي وقاص أن أبا هريرة اشتكى، وأن معاوية آخذ الإداوة، فبينما هو يوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إليه مرة أو مرتين وهو يتوضأ فقال: " يا معاوية إن وليت أمراً فاتق واعدل " ولفظ الصغير للطبراني برجال وثقوا وفيهم خلاف وفى سنده انقطاع عن مسلمة بن مخلد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية " اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب، ومكن له في البلاد " مات في رجب سنة ستين وقد قارب الثمانين.

ومنهم شرحبيل - بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة، بعدها باء مكسورة فتحتية ساكنة - ابن حَسنة وهي أمه.

ومنهم خالد بن الوليد سيف الله، أسلم بين الحديبية والفتح، مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين.

ومنهم عمرو بن العاص أسلم عام الحديبية، ولي إمرة مصر مرتين وهو الفاتح لها، ومات بها سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين.

ومنهم المغيرة بن شعبة الثقفي، أسلم قبل الحديبية، ولي إمرة البصرة ثم الكوفة. مات سنة خمسين على الصحيح.

وأما أمراؤه عليه الصلاة والسلام فمنهم: باذان بن سامان من ولد بهرام، أمره صلى الله عليه وسلم على اليمن، وهو أول أمير في الإسلام، وأول من أسلم من ملوك العجم. وأمر صلى الله عليه وسلم على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص، وولى زياد بن لبيد الأنصاري حضرموت، وولى أبا موسى الأشعري زبيد وعدن، وولى معاذ بن جبل الجند، وولى أبا سفيان بن حرب نجران، وولى ابنه يزيد تيماء، وولى عَتاب بن أسيد - بفتح العين المهملة وتشديد المثناة فوق وفتح الهمزة وكسر السين المهملة - مكة وإقامة الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان من الهجرة وهو عام فتحها، وولى علي بن أبي طالب القضاء باليمن، وولى عمرو بن العاص عُمان.

وأما مؤذنوه عليه الصلاة والسلام فأربعة: اثنان بالمدينة: بلال وسعد بن عائذ أو ابن عبد الرحمن المعروف بسعد القرظ أو القرظي، واثنان بمكة عمرو بن أم مكتوم وأبو محذورة.

أما بلال فهو ابن رباح وأمه حمامة، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وهو أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤذن بعده لأحد من الخلفاء، إلا أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام حين فتحها أذن بلال فتذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم قال أسلم مولى عمر رضي الله عنه: فلم أر أكثر باكياً من يومئ. وتوفى بلال سنة سبع عشرة أو عشرين بداريا ودفن بباب كيسان وله بضع وستون سنة، وقيل دفن بحلب، وقيل بدمشق.

وأما سعد بن عائذ أو ابن عبد الرحمن القرظي مولى عمار فأذن له عليه الصلاة والسلام بقباء. وبقي إلى ولاية الحجاج على الحجاز وذلك سنة أربع وسبعين من الهجرة.

وأما عمرو بن أم مكتوم القرشي الأعمى فأسلم وأذن له عليه الصلاة والسلام وهاجر إلى المدينة.

وأما أبو محذورة بالحاء المهملة والذال المعجمة واسمه أوس الجمحي المكي أبو معير - بكسر الميم وسكون العين وتحريك التحتية - مات بمكة سنة تسع وخمسين وقيل تأخر إلى بعد ذلك قال في الروض الأنف: وأبو محذورة الجمحي واسمه سلمة بن معير وقيل سمرة - : فإنه لما سمع الأذان وهو مع فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزئون ويحكون صوت المؤذن غيظاً، فكان أبو محذورة هذا من أحسنهم صوتاً فرفع صوته مستهزئاً بالأذان، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فمثل بين يديه وهو يظن أنه مقتول، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده الشريفة، قال: فامتلأ قلبي والله إيماناً ويقيناً، وعلمت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان وعلمه إياه، فأمره أن يؤذن لأهل مكة وهو ابن ست عشرة سنة، فكان مؤذنهم حتى مات، ثم عقبه بعده يتوارثون الأذان.

وكان هؤلاء المؤذنون المذكورون منهم من يرجع الأذان ويثني الإقامة، وبلال لا يرجع ويفرد الإقامة، فأخذ الشافعي بإقامة بلال، وأهل مكة أخذوا بأذان أبي محذورة وإقامة بلال، وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة، وأخذ أحمد بأذان بلال وإقامته، وخالفهم مالك في الموضعين إعادة التكبير وتثنية لفظ الإقامة.

وكان خطيبه عليه الصلاة والسلام ثابت بن قيس بن شماس - بمعجمة وميم مشددة وآخره سين مهملة، وهو خزرجي، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكان خطيبه وخطيب الأنصار، واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة، وقد تقدم ذكره.

وأما شعراؤه صلى الله عليه وسلم فمدحه بالشعر جماعة من رجال الصحابة ونسائهم، جمعهم لحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس في قصيدة ثم شرحها في مجلدة سماها فتح المدح ورتبهم على حروف المعجم قارب بهم المائتين.

وأما شعراؤه الذين كانوا بسبب المناضلة عنه والهجاء لكفار قريش - فإنهم ثلاثة: حسان بن ثابت بن المنذر بن عمرو بن حرام الأنصاري، وكان يقبل بالهجو على أنسابهم، دعا له عليه الصلاة والسلام فقال " اللهم أيده بروح القدس " فيقال إنه أعانه جبريل عليه السلام بسبعين بيتاً. وفى الحديث " إن جبريل مع حسان ما نافح " أي دافع، والمراد هجاء المشركين ومجاوبتهم على أشعارهم. ولما جاءه عليه الصلاة والسلام بنو تميم وشاعرهم الأقرع بن حابس - فنادوه: يا محمد اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك، فإن مدحنا زين وذمنا شين - فلم يزد عليه الصلاة والسلام على أن قال: ذلك الله إذا مدح زان واذا ذم شان، إني لم أبعث بالشعر ولم أؤمر بالهجر، ولكن هاتوا. فأمر عليه الصلاة والسلام ثابت بن قيس خطيبه أن يجيب على خطبتهم، فخطب ثابت فغلبه، فقام شاعرهم الأقرع بن حابس فقال: من الطويل.

أَتَينَاكَ كَيْمَا يَعْرِفَ الناسُ فَضلَنَاإِذَا خَالَفُونَا عِندَ ذِكْرِ المَكَارِمِ

وَأَنا رُؤُوسُ الناسِ في كُل مَعشَرِ ... وَأن لَيسَ في أَرضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ

فأمر - عليه الصلاة والسلام - حساناً أن يجيبه فقال: من الطويل.

بَنِي دَارِمِ لاَ تَفخَرُوا إِن فَخرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالاً عِندَ ذِكرِ المَكَارِم

هَبَلتُمْ عَلَينَا تَفْخَرُونَ وَأَنتُمُ ... لَنَا خَوَل مَا بَين ظِئرٍ وَخَادِمِ

وكان أول من أسلم شاعرهم، عاش حسان مائة وعشرين سنة: ستين منها في الجاهلية وستين في الإسلام. وكذا عاش أبوه ثابت وجده المنذر وجد أبيه حرام، كل واحد منهم مائة وعشرين سنة. وتوفي حسان سنة أربع وخمسين من الهجرة. قلت: وهؤلاء الوفد الذين أنزل في شأنهم " إنَ اَلًذِين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ اَالحجُراتِ أَكْثَرُهُم لا يعَقِلُونَ ولو أَنهُم صَبَروا... " الحجرات: 54، الآية والله أعلم.

وعبد الله بن رَواحة، وكان يعير قريشاً بالكفر.

وكعب بن مالك، وكان يخوفهم بالحرب. وكانوا لا يبالون قبل الإسلام بأهاجي ابن رواحة ويألمون من أهاجي حسان. فلما دخل من دخل منهم الإسلام وجد أهاجي ابن رواحة أشد وأشق. قال في زاد المعاد: وكان أشدهم على الكفار حسان ابن ثابت وكعب بن مالك يعيرهم بالشرك والكفر.

وأما حُداته فأربعة: أنجشة - بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم وبالشين المعجمة - كان عبداً أسود حسن الحداء يحدو بالنساء، فحدا بأمهات المؤمنين في حجة الوداع فأسرعت الإبل، فقال عليه الصلاة والسلام: " رويدك يا أنجشة، رفقاً بالقوارير " رواه الشيخان. وفى صحيح مسلم: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاد حسن الصوت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير " يعني ضعفة النساء. وفي المواهب: كان يحدو وينشد القريض والرجز، فقال عليه الصلاة والسلام له ذلك القول، يشبههن بالقوارير من الزجاج؛ لأنه يسرع إليهن الكسر، فلم يأمن عليهن أن يصيبهن أو يقع في قلوبهن حداؤه فأمره بالكف، وفى المثل: الغناء رقية الزنا. وقيل أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب وأتعبته، فنهاه عن ذلك بقوله: " رفقاً بالقوارير " لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة. هذه عبارته. قلت: لا ريب أن هذا هو المراد من الحديث، والعلة في النهي لا سواه. يؤيده ما رواه ابن سعد عن مجاهد عن طاوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فبينا هو يسير بالليل ومعه رجل يسايره إذ سمع حادياً يحدو وقوم أمامه، فقال لصاحبه: " لو أتينا حادى القوم " . فقربنا حتى غشينا القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ممن القوم؟ " فقالوا: من مضر. فقال عليه الصلاة والسلام: " وأنا من مضر. دنا حادينا يسمع حاديكم فسمعنا حاديكم فأتيناكم " . زاد طاوس: " نسمع حداءه " . فقالوا: يا رسول الله، أما إن أول من حدا منا رجل في سفر، ضرب غلاماً له على يده بعصا فانكسرت يده فجعل الغلام يقول وهو يشير: يا يداه يا يداه. فسارت الإبل على صوته وقطحت أودية بسرعة ويؤيده أيضاً قول الشاعر: من مجزوء الكامل:

إِن كُنْتَ تنكِرُ أَن في ال ... أَلحَانِ تَأثِيراً ونَفْعَا

فَانْظُرْ إِلَى الإبِلِ الَتِي ... لاَ شَك أَغْلَظُ مِنْكَ طَبْعَا

تُصْغِي إِلَى صَوْتِ الحُدَا ... ه فَتَقْطَعُ الفَلَوَاتِ قَطْعَا

والعجب من صاحب المواهب كيف جعل المعنى الأول هو المراد من الحديث فجعل علة النهي خوف أن يصيبهن أو يقع في قلوبهن حداؤه. وأردفه بإيراد المثل الدْى أورده فليته لم يورده، وهو معنى غير لائق التعليل به في آحاد حرائر نساء المسلمين، فكيف يعلل به في المحدو بهن في الواقع وهن أمهات المؤمنين. على أن تشبيه النساء بالقوارير من الزجاج في الضعف وسرعة الكسر إليها إنما يلائم المعنى الثاني الذي حكاه بصيغة التمريض، فما مرضه هو الصحيح، وما صححه فقدمه هو المريض، إذ لا تمكن صحته إلا بضرب من المجاز، مع أنك أيها المنصف لو نظرت إليه في جادة الشرع وجدته قريباً من عدم الجواز. والله أعلم.

وعامر بن الأكوع - بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو وبالعين المهملة - هو عم سلمة بن الأكوع. وفي البخاري من حديث سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلاً. فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر، ألا تسمعنا من هنياتك؟ وكان عامر رجلاً شاعراً، فنزل يحدو بالقوم: من الرجز

تَاللهِ لَؤلاَ الله مَا اهْتَدَينَا ... وَلاَ تَصَدقْنَا وَلاَ صَفينَا

فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَتَيْنَا ... وَثَبتِ الأَقْدَام إِن لاَ قَيْنَا

وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ... إِنا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا

وَبِالصيَاحِ عَوًلُوا عَلَيْنَا

وفى رواية في هذا الرجز زيادة:

إِن الَذِينَ قَدْ بَغَوا عَلَينَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتنَةً أَبَيْنَا

ونَحْنُ عَنْ فَضلِكَ مَا اسْتَغنَينَا

فقال عليه الصلاة والسلام: من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع. قال: يرحمه الله. فقال رجل من القوم: وجبت يا رسول الله، لو أمتعتنا به. وفى رواية أحمد: فجعل عامر يرتجز ويسوق الركاب. وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل من السير ينزل بعضهم فيسوقها ويحدو في تلك الحال. وقوله عليه الصلاة والسلام: من هذا السائق؟ فقالوا: عامر بن الأكوع، فقال: يرحمه الله، فقال رجل من القوم: وجبت. أي ثبتت له الشهادة، وستقع قريباً. وكان معلوماً عندهم أن من دعا له بهذا الدعاء في مثل هذا الموطن استشهد، فلذلك قالوا: هلا أمتعتنا به؟ أي وددنا أنك أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر؛ لنتمتع بمصاحبته ورؤيته مدة. واستشهد رضي الله عنه يوم خيبر.

وعبد الله بن رَواحة كان يحدو بين يديه عليه الصلاة والسلام في السفر، روى الترمذي في الشمائل من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة آخذ بزمام راحلته يرتجز فيقول: من الرجز

خَلوا بَني الكُفَارِ عَن سَبِيلِهِ ... قَذ أَنْزَلَ الرحمَنُ في تَنزِيلِهِ

بِأَن خَيرَ القَتْلِ في سَبِيلِهِ ... أليَومَ نَضرِبكُم عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْباً يُزِيلُ الْهَامَ عن مَقِيلِهِ ... وَيُذهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

يَارَب إني مُؤْمِن بِقِيلِهِ ... إني رَأَيتُ الحَق في قَبُولِهِ

والبراء بن مالك: قال أنس: كان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وأنجشة يحدو بالنساء.

ومن حراسه أبو قتادة الأنصاري حارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى اسمه أقوال: أشهرها الحارث بن ربعي. شهد أحداً والمشاهد كلها. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وسبعين حديثاً. قيل إنه شهد بدراً ولم يصح.

ومنهم أبو ريحانة رجل من الأنصار، روى الإمام أحمد برجال ثقات، والطبراني عنه رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأتينا ذات ليلة على شرف فبتنا عليه، فأصابنا عليه برد شديد، حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة فيدخل فيها ويلقي عليه جحفته يعنى الترس. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بالناس قال: " من يحرسنى الليلة وأدعو الله دعاء يكون فيه فضلاً؟ " فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله. ففتح عليه الصلاة والسلام بالدعاء فأكثر منه. قال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أنا رجل آخر. فقال: " ادنه فدنوت " . فقال: " من أنت؟ " فقلت: أنا أبو ريحانة. فدعا لي بدعاء دون دعائه للأنصاري.

ومنهم سعد بن معاذ يوم بدر حين نام في العريش، ذكره ابن عبد قيس.

ومنهم المغيرة بن شعبة حين وقف على رأسه بالسيف يوم الحديبية وعروة بن مسعود الثقفي يكلمه عليه الصلاة والسلام ويلمس لحيته، فضرب المغيرة يده بنعل السيف وقال: اكفف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان إذ ذاك عروة لم يسلم. ومنهم محمد بن مسلمة، حرسه يوم أحد.

ومنهم الزبير بن العوام يوم الخندق.

ومنهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي بوادي القرى. ذكره ذكوان بن عبد قيس.

ومنهم أبو أيوب الأنصاري وقت دخوله بصفية بخيبر أو ببعض الطرق، فدعا له عليه الصلاة والسلام فقال له: " حرسك الله يا أبا أيوب كما بت تحرس نبيه " . قال السهيلي في الروض الأنف: فحرس الله أبا أيوب بهذه الدعوة، حتى أن الروم لتحرس قبره ويستسقون به، وذلك أنه غزا مع يزيد بن معاوية سنة خمسين من الهجرة، فلما بلغوا القسطنطينية توفي أبو أيوب هناك شهيداً. وكان قد أوصى إلى يزيد أن يدفنه في أقرب موضع من مدينة الروم، فركب المسلمون ومشوا به حتى إذا لم يجدوا مساغاً دفنوه، فسألتهم الروم عن شأنهم فأخبروهم أنه كبير من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الروم ليزيد بن معاوية: ما أحمقك وأحمق من أرسلك، أأمنت أن ننبشه بعدك فنحرق عظامه؟ فأقسم لهم يزيد لئن فعلوا ذلك ليهدمن كل كنيسة لهم بأرض العرب، وينبش قبورهم. فحينئذ حلفوا له بدينهم ليكرمن قبره وليحرسنه ما استطاعوا، فذلك أثر دعوته عليه الصلاة والسلام.

ومنهم سعد بن أبي وقاص بوادي القرى، روى أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز اللغوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: بات رسول الله ء صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: " ليت رجلاً صالحاً يحرسني " . قالت: إذ سمعت: السلام عليكم. فقال: " من هذا " . لم قال: أنا سعد بن أبي وقاص، أنا أحرسك يا رسول الله. قالت: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه.

ومنهم عباد بن بشر، وهو الذي كان على حرسه، فلما نزلت آية " والله يعصمك مِنَ الناس " المائدة: 67، خرج عليه الصلاة والسلام فأخبرهم وصرف الحرس.

وأما خيله عليه الصلاة والسلام: فالسكب - بفتح السين وسكون الكاف - يقال فرس سكب أي كثير الجري كأنما يصب جريه صبا، وأصله من سكب الماء يسكبه.

وهو أول فرس ملكه، اشتراه عليه الصلاة والسلام بعشر أواق، وكان أغر محجلاً طلق اليمنى كميتا. وقال ابن الأثير: كان أدهم.

والمرتجز: سمي به لحسن صهيله، مأخوذ من الرجز الذي هو ضرب من الشعر. وكان أبيض، وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت فجعل عليه الصلاة والسلام شهادته بشهادة رجلين وقال: من شهد له خزيمة كفى. أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والظرب - بالظاء المعجمةآخره موحدة - : واحد الظراب للجبل الصغير، سمي به لكبره وسمنه، وقيل: لقوته وصلابة رجليه، أهداه له فروة بن عمرو الجذامي واللحيف - بالمهملة والفاء - : أهداه له ربيعة بن أبي البراء. سمي لسمنه وكبره، كأنه يلحف الأرض أي يغطيها بذيله لطوله، فعيل بمعنى فاعل، يقال لحفت الرجل باللحاف طرحته عليه. ويروى بالجيم وبالخاء المعجمة، رواه البخاري ولم يتحققه، والمعروف بالحاء المهملة قاله ابن الأثير في النهاية.

واللزاز سمى به لتلززه واجتماع خَلقه، لز به الشيء لزق به كأنه يلزق بالمطلوب لسرعته، وهذا أهداه له المقوقس.

والورد: قال ابن سعد: أهداه له تميم الداري رضي الله تعالى عنه، فأعطاه عمر فحمل عليه في سبيل الله، ثم وجده يباع برخص فاشتراه.

وسبحة - بالضم والموحدة: من قولهم فرس سابح إذا كان حسن مد اليدين في الجري - : قال ابن التين: هي فرس شقراء اشتراها من أعرابي من جهينة بعشر من الإبل.

فهذه سبعة متفق عليها. وذكر ابن بنين فيما حكاه الحافظ الدمياطي: البحر في خيله عليه الصلاة والسلام، قال: وكان اشتراه من تجر قدموا من اليمن فسبق عليه مرات، فجثا عليه الصلاة والسلام على ركبتيه ومسح وجهه وقال: ما أنت إلا بحر، فسمى بحراً. قال ابن الأثير: وكان لونه كميتاً.

والسجل - بكسر السين المهملة وسكون الجيم - ذكره علي بن محمد بن الحسين ابن عبدوس الكوفي، ولعله مأخوذ من قولهم سجلت الماء فانسجل إذا صببته فانصب.

وذو لملة - بكسر اللام وشد الميم - ذكره ابن حبيب.

وذو العُقار - بضم العين وشد القاف - وحكى بعضهم تخفيفها.

والسرحان - بكسر السين المهملة وسكون الراء - ذكره ابن خالويه.

والطرف - بكسر الطاء وسكون الراء بعدها - ذكره ابن قتيبة في المعارف، وذكر أن في رواية أنه هو الذي اشتراه عليه الصلاة والسلام من الأعرابي وشهد له خزيمة ابن ثابت فيه.

والمرتجل - بكسر الجيم - ذكره ابن خالويه، من قولهم ارتجل الفرس ارتجالاً إذا خلط العَنَق بشيء من الهملجة.

والمرواح - بكسر الميم - من أبنية المبالغة كالمطعام، مشتق من الريح لسرعته، أو من الرواح لتوسعه في الجرى، أهداه له قوم من مذحج، ذكره ابن سعد. وملاوح - بضم الميم وكسر الواو - ذكره ابن خالويه.

والمندوب: ذكره بعضهم في خيله صلى الله عليه وسلم وكان دفتا سرجه من ليف.

وأما سلاحه عليه الصلاة والسلام فكان له تسعة أسياف: مأبور: وهو أول سيف ملكه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يقال: إنه قدم به إلى المدينة في الهجرة.

العضب - بعين مهملة وضاد معجمة - ومعناه القاطع، أرسله إليه سعد بن عبادة حين سار إلى غزوة بدر.

ذو الفقار: لأنه كان وسطه مثل فقار الظهر، ويجوز في فائه الفتح والكسر، وصار إليه يوم بدر، وكان للعاصي بن منبه بن الحجاج الجمحي، فكان هذا السيف لا يفارقه عليه الصلاة والسلام يكون معه في كل حرب يشهدها صلى الله عليه وسلم، وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة، وهو الذي صار إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقيل: لاسيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي.

القلعي - بضم القاف وفتح اللام - وهو الذي أصابه من قلع: موضع بالبادية.

البتار أي: القاطع.

الحتف: وهو الموت.

المخذم: وهو القاطع.

الرسوب، أي: الذي يمضي في الضربة ويغيب فيها، وهو فعول من رسب يرسب إذا ذهب إلى أسفل، وإذا ثبت أصاب عليه الصلاة والسلام المخذم. والرسوب من الفلس بضم الفاء وسكون اللام اسم صنم كان لطيء.

وكان له سيف اسمه...

وأرماحه عليه الصلاة والسلام: المثوى، قال ابن الأثير: سمى بذلك لأنه يثوى المطعون به من الثوى وهو الإقامة. والمثنى، ورمحان آخران.

وكان له عليه الصلاة والسلام حربة كبيرة اسمها البيضاء، وحربة صغيرة دون الرمح شبه العكازة يقال لها العنزة، وكانت تركز أمامه ويصلي إليها في السفر، وبذلك اغتر بعض العنزيين فقال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، ظناً منه أنها القبيلة التي هو منها، وإنما هي العكازة كما رأيت.

وأما أدراعه عليه الصلاة والسلام فسبع: ذات الفضول بالضاد المعجمة لطولها، أرسلها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر، وهي التي رهنها عليه الصلاة والسلام عند أبي الشحم اليهودي على ثلاثين صاعاً من شعير، وكان الدين إلى سنة. وذات الوشاح، وذات الحواشي، والسغدية - بالسين المهملة والغين المعجمة - وهي درع عكبراء لقينقاعي، قيل: وهي درع داود عليه الصلاة والسلام التي لبسها حين قتل جالوت. وفضة وكان أصابها من بني قينقاع، والبتراء لقصرها، والخرنق باسم ولد الأرنب، وكان عليه - عليه الصلاة والسلام - يوم أحد درعان: ذات الفضول وفضة. وكان عليه يوم خيبر درعان: ذات الفضول والسغدية.

وأما أقواسه عليه الصلاة والسلام فكانت ستة: الأولى الزوراء، وثلاث من سلاح بني قينقاع: الروحاء والصفراء وشوحط. والكتوم كسرت يوم أحد فأخذها قتادة. والسداد.

وكانت له جعبة تسمى الكافور.

وكانت له منطقة من أديم فيها ثلاث حلق من فضة والإبزيم من فضة والطرف من فضة وأما أتراسه فكان له عليه الصلاة والسلام ترس اسمه الزلوق، يزلق عنه السلاح وترس يقال له العتق.

وترس أهدى إليه فيه صورة عقاب أو كبش، فوضع يده عليه فأذهب الله تلك الصورة.

وأما غنمه ولقاحه فكانت له مائة شاة. وكانت له سبع أعنز ترعاهن أم أيمن جاريته الحبشية. وكانت له من اللقاح: القصوى وهي التي هاجر عليها إلى المدينة. والعضباء، والجدعاء ولم يكن بهما عضب ولا جدع وإنما سميتا بذلك. وقيل: كان بأذنها عضب. وقيل العضباء والجدعاء واحدة. والعضباء هي التي كانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين، فقال عليه الصلاة والسلام: " إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه وغنم عليه الصلاة والسلام يوم بدر جملاً لأبي جهل في أنفه برة من فضة فأهداه إلى الكعبة يوم الحديبية ليغيظ بذلك المشركين. وكانت له خمسة وأربعون لقحة أرسل بها إليه سعد ابن عبادة. وكان له عليه الصلاة والسلام من البغال خمس: الأولى شهباء أهداها له المقوقس مع مارية وأختها فيما أهداه إليه عليه الصلاة والسلام. والثانية فضة أهداها له فروة بن عمرو الجذامي. والثالثة أهداها له ابن العكماء صاحب أيلة. الرابعة: من دومة الجندل. الخامسة أهداها له النجاشي. وقيل إنهن ست والسادسة أهداها له كسرى. قال في المواهب: وفيه نظر. وكان له عليه الصلاة والسلام من الحمير عفير أهداه له المقوقس. وكان له آخر يسمى يعفور. أخرج ابن عساكر عن أبي منظور قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصاب حماراً أسود، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمار فكلمه الحمار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اسمك. فقال يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً كلهم لا يركبهم إلا نبي، وقد كنت أتوقعك أن تركبني لم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك، قد كنت قبلك لرجل يهودي وكنت أتعثر به عمداً فكان يجيع بطني ويضرب ظهري فقال له عليه الصلاة والسلام: فأنت يعفور، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان الأنصاري فتردى فيها جزعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات رواه أبو نعيم بنحوه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. وكان له عليه الصلاة والسلام فسطاط يسمى الكن وكان له محجن قدر ذراع أو أكثر يمشي ويركب به يعلقه بين يديه على بعير. وكانت له مخصرة تسمى العرجون، وكان له قضيب من الشوحط يسمى الممشوق. وكان له قدح يسمى الريان، وآخر يسمى مغيثاً، وآخر مضبب بسلسلة من فضة في ثلاثة مواضع منه، وآخر من عيدان بفتح العين اسم شجرة معروفة، وآخر من زجاج، وتور من حجارة بالتاء المثناة فوق يسمى المخضب، وركوة تسمى الصادرة، ومخضب من نحاس، ومغتسل من صفر، ومدهن، وربعة إسكندرية تجعل فيها المرآة، ومشط من عاج وهو الذبل، ومكحلة يكتحل منها عند النوم. وكان في الربعة أيضاً المقراض والسواك. وهذه الربعة أهداها له المقوقس صاحب إسكندرية مع مارية وما معها وكانت له قصعة تسمى الغراء بأربع حلق، وكان له صاع ومد وقطيفة وسرير قوائمه من ساج وفراش من أدم حشوه ليف، وخاتم من فضة ملوي بفصه، وخاتم فضة فصه منه يجعله في يمينه، وقيل كان أولاً في يمينه ثم حوله إلى يساره منقوش عليه " محمد رسول الله " ثلاثة أسطر. قال الإمام الإسنوي: في حفظي أن أول الأسطر قرأت " محمد " ، ثم فوقه " رسول " ، ثم فوقه " الله " . فسطر اسم الله الأعلى.

وأهدى له النجاشي خفين سادجين فلبسهما.

وكان له عليه الصلاة والسلام ثلاث جبات يلبسهن في الحرب، وجبة سندس أخضر وجبة ممالسة، وعمامة يقال لها السحاب وأخرى سوداء. صلوات الله وسلامه عليه.