سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
العصامي
عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي، مؤرخ، من أهل مكة مولده ووفاته فيها (1049 - 1111 هـ)
الباب السابع من المقصد الثاني:
في الحوادث من أول سنى هجرته إلى وفاته، عليه الصلاة والسلام.
لما دخل - عليه الصلاة والسلام - المدينة الشريفة، أقام بها عشر سنين، وقبض في الحادية عشرة؛ تتجمد له في كل سنة أمور وشرائع لا تنحصر؛ فلنذكر شيئاً من ذلك على الترتيب، نبدأ بما في كل سنة من غزوة، ثم من سرية، ثم من غيرهما.
حوادث السنة الأولى من الهجرة
لما استقر - عليه الصلاة والسلام بالمدينة واجتمع عليه أصحابه وقاموا بنصره، وصارت المدينة لهم دار إسلام، ومعقلاً وملجأ يلجئون إليه - شرع الله تعالى جهادَ الأعداء؛ فبعث البعوث والسرايا، وغزا وقاتل هو وأصحابه؛ حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً أفواجاً، وكان عدد مغازيه التي خرج فيها بنفسه: سبعاً وعشرين، قاتل في تسع منها بنفسه: بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف؛ وهذا على قول من قال: إن مَكَةَ فتحت عنوة. وكانت سراياه التي بعث بها: سبعا وأربعين سرية، وقيل: إنه قاتل في بني النضير.
قال في فتح الباري: السرية - بفتح السين، وكسر الراء، وتشديد التحتية - : هي التي تخرج بالليل، والسارية: هي التي تخرج بالنهار. وقيل: سميت بذلك؛ لأنها تخفي ذهابها، وهذا يقتيى أنها أُخذت من السر، ولا يصح: لاختلاف المادة.
وهى قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه، وهي من مائة إلى خمسمائة، فما زاد على خمسمائة، يقال له: منسر بالنون ثم السين المهملة، فإن زاد على الثمانمائة سمي: جيشاً فإن زاد على أربعة آلاف سمي: جحفلاً والخميس: الجيش العظيم، وما افترق من السرية يسمى: بَعْثاً، والكتيبة: ما اجتمع ولم ينتشر.
وكان أول بعوثه - عليه الصلاة والسلام - على رأس سبعة أشهر في رمضان، بعث حمزة بن عبد المطلب، مرة على ثلاثين رجلاً من المهاجرين، وقيل: من الأنصار، وفيه نظر؛ لأنه لم يبعث أحداً من الأنصار حتى غزا بهم بدراً.
خرج حمزة - رضي الله عنه - ومن معه يعترضون عيراً لقريش، فيهم أبو جهل اللعين، فلقيه في ثلاثمائة راكب، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص، فلما تصافوا حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان - عليه الصلاة والسلام - قد عقد له لواءً أبيض.
واللواء: هو العلم الذي يحمل في الحرب؛ يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش نفسْه، وقد يدْفعه لمقدم العسكر، وقد صرح جماعة من أئمة اللغة بترادف اللواء والراية: لكن روى أحمد والترمذي، عن ابن عباس: كانَت رَايَة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداءَ ولواؤُه أبيضَ ومثله عند الطبراني عن بريدة وعند ابن عدي عن أبي هريرة، وزاد فيه: مكتوب: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وهو ظاهر في التغاير؛ فلعل التفرقة بينهما عرفية.
وذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود عن عروة، أن أول ما حدثت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية، انتهى.
ثم فيها سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب إلى " بطن رابغ " في شوال في ستين رجلاً، وعقد له - عليه الصلاة والسلام - لواءً أبيض، حمله مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فلقي أبا سفيان بن حرب وكان على المشركين - وقيل: مكرز بن حفص، وقيل: عكرمة بن أبي جهل - في مائتين من المشركين، ولم يكن بينهم قتال؛ إلا أن سعد بن أبي وقاص رَمَى بسهم؛ فكان أولَ سهم رمى به في سبيل الله في الإسلام قال ابن إسحاق: وكانت راية عبيدة أولَ راية عقدت في الإسلام وقد تقدم أن أول راية عقدت لحمزة: وإنما أشكل أمرهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بعثهما معا فاشتبه ذلك على الناس.
وهذا يشكل بقولهم: إن بعث حمزة كان على رأس سبعة أشهر؛ لكن يحتمل أن يكون - عليه الصلاة والسلام - عقد رايتهما معاً، ثم تأخر خروج أبي عبيدة إلى رأس الثمانية؛ لأمرٍ اقتضاه.
ثم فيها سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار - بخاء معجمة فراءين مهملتين - وهو: واد يصب بالحجاز في الجحفة، كان ذلك في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر، وعقد له لواء أبيض، حمله المقداد بن الأسود في عشرين رجلاً، يعترض عيراً لقريش، فخرجوا على أقدامهم فصبحوا صبح خامسة، فوجدوا العير قد مرت بالأمس.
ثم فيها - غير ما سبق قريباً من بناء المسجد والمساكن - دعاؤه صلى الله عليه وسلم بنقل وباء المدينة إلى مهيعة برية مسبعة، وهي الجحفة؛ وسبب ذلك وَعكُ أبي بكر - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة، وذلك أنه روى أن هواء المدينة كان عَفِناً وخماً يكون فيه الوباء، وكانت مشهورة بالوباء في الجاهلية: فإذا دخلها غريب نهق نهيق الحمار؛ يسمونه: التعشير، يقال له: إذا أردت أن تسلم من الوعك والوباء، فانهق نهيق الحمار، فإذا فعل سلم: فاستوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتَهُم، فمرض كثير منهم، وضعفوا حتى لم يقدروا على الصلاة قياماً.
وفي سنن النسائي، وسيرة ابن هشام: أن الصديق لما قدم المدينة أخذته الحمى وعامرَ بنَ فهيرةَ وبلالاً، قالت عائشة: فدخلتُ عليهم وهم في بيتٍ واحد، قبل أن يضرب علينا الحجاب، فقلت: يا أبت، كيف أصبحت؟ فقال: من الرجز:
كُل امرِئٍ مُصَبحٌ فِي أَهلِهِ ... وَالمَوتُ أدنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
فقلت: إنا لله، إن أبي ليهذي! فقلت لعامر بن فهيرة: كيف تجدك؟ فقال: من الرجز:
لَقَذ وَجَدتُ المَوتَ قَبل ذَوْقِهِ ... وَالمَرءُ يَأتي مَوتُهُ مِن فَوقِهِ
كُل امرِئٍ مُجَاهِد بِطَوقِهِ ... كَالثورِ يَحمِي أَنْفَهُ بِرَوْقِهِ
قالت فقلت: هذا - والله - لا يدري ما يقول! ثم قلت لبلال: كيف أصبحت؟ وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته، ويقول: من الطويل:
أَلاَ لَيتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَن لَيْلَة ... بِفَخ وَحَولِي إِذخِرْ وَجَلِيلُ؟!
وَهَل أَرِدَن يَوماً مِيَاهَ مَجَنة ... ويَبدُو لِعَينِي شَامَة وَطَفِيلُ؟!
ثم يقول: اللهم العن عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء. قالت عائشة: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حباً، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها إلى مهيعة " ، فأجاب الله دعاءه، فجعل هواءها صحيحاً موافقاً لأمزجة الغرباء، ونقل وباءها وحماها وعفونة هوائها إلى الجحفة وهي - يومئذ - كانت دارَ اليهود ولم يكن بها مسلم؛ يقال: كانت لا يدخلها الطير إلا حم.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي قال: " رأيت امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة.
قال صاحب الخميس نقلاً عن الصفوة: مَهِيعة - كمعيشة كلتاهما بالمثناة - التحتية - : اسم للجحفة.
قلت: المشهور: أنها بسكون الهاء وفتح الياء التحتية: بوزن مَسْبعة كما تقدم. وفي تشويق الساجد إلى أشرف المساجد: الجحفة - بضم الجيم، وسكون الحاءِ - قريةٌ تسمى مهيعة على خمس مراحلَ من مكة وهي ميقاتُ أهل مصر والمغرب، وهي بقرب رابغ محاذية له على يسار الذاهب إلى مكة، بينها وبين البحر ستة أميال.
وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة لم يُسرة عن الطريق، وهذا الغدير تصب فيه عين، وحوله شجر كثير ملتف، وهي الغيضة التي تسمى خم، وبهذا الغدير قال - عليه الصلاة والسلام - في خطبته هنالك: من كنت مولاه فعلى مولاه، " اللهم والِ من والاه... " إلىآخره، وذلك منصَرَفَه من حجة الوداع، يوم ثامن من ذي الحجة الحرام.
وفيها وَآخَى بعد مقدمه إلى المدينة بخمسة أشهر، بين المهاجرين والأنصار - وكانوا تسعين كل طائفة خمسة وأربعون - على الحق والمساعدة والتوارث، وكانوا كذلك؛ حتى نزل بعد بدر قوله تعالى: " وَأُولوا اًلأرحامِ بَعضهم أَولى بَعض " الأنفال: 75 وكتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار.
وفيها وادع اليهود، وأقرهم، واشترط عليهم ولهم.
ذكر السبب في كون اليهود بالمدينة:
قال السهيلي في روضه: السبب في ذلك - مع أن المدينة وسط أرض العرب، واليهود أصلهم من أرض كنعان - هو أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق من أرض الحجاز، وكانت منازلهم: يثرب والجحفة إلى مكة فشكَت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى - عليه وعلى نبينا وسائر النبِيينَ أفضل الصلاة والسلام - فوجه إِلَيهِمْ جيشاً، وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحداً، ففعلوا،وتركوا منهم ابن ملك لهم كان غلاماً حسناً؛ فرقوا له، يقال للملك: الأرقم بن أبي الأرقم - فيما ذكره الزبير بن بكار - ثم رجعوا إلى الشام وموسى قد مات، فقالت لهم بنو إسرائيل: قد عصيتم وخالفتم: فلا نؤويكم، فقالوا: نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها، إلى أن نزلت عليهم الأوس والخزرج ابنا ثعلبة بن قيس، بعد سيل العَرم وتفرقهم من بلاد اليمن به؛ ذكر ذلك أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني.
والذي قاله غيره: أن طائفة من بني إسرائيل لحقت بأرض الحجاز حين دَوّخ بخت نصر البابلي بلادَهُم، وجاس هو وقومُه خلال ديارهم فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجار كقريظة والنضير، وسكنوا خيبر والمدينة.
وأما يثرب فاسم رجل من العماليق، أول من نزل بها، وقد تقدم ذكر هذا في المقصد الأول من هذا الكتاب وفيها أُرِي عبدُ الله بن زيد بن عبد ربه الأذانَ، ووافقه جَمع في رؤياه.
وبعد شهر من مقدمه زِيدَ في صلاة الحضر؛ على قول من قال: أول ما فرضت ركعتين، وهو الذي صح من حديث عائشة والأكثر على: أنها فرضت تامة، ثم خففت بالقصر فيْ السفر؛ لقوله تعالى: " فَلَيسَ عَليكم جنَاح أَن تقصروا مِنَ اَلصَلَوةَ " النساء: 101، الآية.
فيؤوّل حديث عائشة: إما بأن المعنى: أول ما فرضت ركعتين بعدهما تشهد وسلام، أي: وقبل ذلك كانت الأربع بلا تشهد أول، ويكون معنى قولها: أقرت في السفر أي: من غير زيادة ركعتين أخريين، وقيل: في التأويل - أيضاً - غير ذلك.
وفيها بعد دخوله - عليه الصلاة والسلام - المدينة أسلم عبد الله بن سلام، وكان اسمه: الحصين، فسماه - عليه الصلاة والسلام - عبد الله، وهو من ولد يوسف الصديق بن يعقوب، عليهما السلام.
وفيها كان ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم. وفيها أسلم سلمان الفارسي.
وفيها ولد عبد الله بن الزبير، جاءت أمه أسماء بنت أبي بكر حاملاً به بعد الهجرة، فنفِسَتْ به في قباء، في شوال من السنة المذكورة وهي الأولى وقال الذهبي: في السنة الثانية من الهجرة: وفي المواهب وتاريخ اليافعي وأسد الغابة: ولد بالمدينة على رأس عشرين شهراً من الهجرة وقيل: في السنة الأولى وقال الحافظ ابن حجر: المعتمد أنه ولد في السنة الأولى: للحديث المتفق عليه.
ومحل بسط أحوال هذه الحوادث كتب السير المدونة لذلك: المتناولة المشهورة المسالك؛ لكنا أردنا التبرك بنفح عبيرها، والتكفف بيسيرها عن تيسيرها.
حَوَادِث السنَةِ الثانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ
فيها كانت غزوة الأبواء؛ خرج - عليه الصلاة والسلام - في صفر، وهي أول مغازيه: كما ذكره ابن إسحاق وهي من ودان، على ستة أميال أو ثمانية مما يلي المدينة؛ ولتقاربهما أطلق عليها غزوة ودان أيضاً.
وودان: قرية من أمهات القرى، وقيل: واد في الطريق، يقطعه المصعدون من حجاج المدينة.
روى أنه - عليه الصلاة والسلام - استخلف على المدينة سعد بن عبادة؛ فيما قاله ابن هشام وخرج في صفر في ستين رجلاً من أصحابه: يعترض عير قريش وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فلما بلغ الأبواء، تلقى سيد بني ضمرة مخشي بن عمرو الضمري، فصالحه على مَا سيذكر؛ فانصرف - عليه الصلاة والسلام - إلى المدينة، بعد ما وادع مخشي بن عمرو وصالحه، وكانت الموادعةُ والمصالحة على أن بني ضمرة لا يغزونه، ولا يكثرون عليه جمعاً، ولا يعينون عدواً، ولم يلق كيداً، أي: حرباً.
وفيها غزوة بواط اسم جبل لجهينة، على أربعة برد من المدينة، في ربيع الأول من السنة المذكورة: يعترض عيراً لقريش فيها أمية بن خلف، فرجع ولم يلق كيداً.
بواط: بفتح الباء والواو، والطاء المهملة.
وفى الخلاصة: رَضوَى كسكرى " جبل على يوم من ينبع، وأربعة أيام من المدينة ذو شعاب وأودية، وبه مياه وأشجار، وهذا هو المعروف، ومنه تقطع حجارة المسان، وهو أول تِهَامة، وهو مما وقع بالمدينة من الجبل الذي تجلى الله - سبحانه وتعالى - فصار لهيبته جبلاً ورضوى: من جبال الجنة، وفي رواية: من الجبال التي بني منها البيت وفي الحديث: رضوى رضي الله عنه، وقدس قدسه الله، وأحد جبل يحبنا ونحبه.
وتزعم الكيسانية المنسوبون إلى كيسان - وهو لقب للمختار بن أبي عبيد الثقفي - داعية محمد بن الحنفية، أنه مقيمْ برضوى حَي يرزق، وينشدون لذلك أبياتاً لدعبل فيه، سيأتي ذكرها عند ذكره، رضي الله عنه.
خرج - عليه الصلاة والسلام - في هذه الغزوة في مائتي رجل من قريش، وكان في العير ألفان وخمسمائة بعير، فسْار فلم يلق كيداً فرجعْ إلى المدينة.
وفيها غزوة بدر الأولى في ربيع الأول؛ لطلب كرز بن جابر الفهري؛ لما أغار على سرح المدينة بشغر بلغ سفوان فلم يلحق كرزاً، وتسمى بدراً الأولى؛ لقرب سفوان المذكور من بدر؛ هكذا ذكرها الشمس البرماوي قبل غزوة العشيرة، وذكرها صاحب المواهب والخميس مؤخرة عن غزوة العشيرة، مؤرخة بعدها بعشرة أيام.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة زيد بن حارثة، وحمل اللواء علي بن أبي طالب.
وفيها غزوة العشيرة؛ بالشين المعجمة، والتصغير،آخرها هاء؛ لم يختلف أهل المغازي في ذلك وفي البخاري: العشير، والعسيرة بالتصغير، والأولى بالمعجمة بلا هاء، والثانية بالمهملة وبالهاء.
وأما غزوة العسرة - بالمهملة من غير تصغير - فهي غزوة تبوك، وستأتي.
ونسبت هذه الغزوة إلى المكان الذي وصلوا إليه، وهو موضع لبني مدلج بينبع.
قلت: أفادني بعض مشايخي من أهل مصر أن محلها هو محطة الحاج المصري الآن بينبع جائياً وذاهباً.
خرج إليها صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى، وقيل: الأخرى، في مائة وخمسين رجلاً، وقيل: في مائتين، ومعهم ثلاثون بعيراً يعتقبونها، وحمل اللواء حمزة بن عبد المطلب؛ خرج يريد قريشاً حالَ صدورها من مكة إلى الشام بالتجارة، فخرج إليها ليغنمها، فوجدها قد مضت.
ووادع بني مدلج من كنانة، وكانت نسخة الموادعة فيما ذكره غير ابن إسحاق: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لبني مدلج؛ فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصر على من رامهم، على ألا يحاربوا في دين الله ما بل بدر صوفة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لنصره أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله " .
واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
وقال ابن إسحاق - يعني: على مقتضى رواية من قدم غزوة العشيرة على بدر الأولى - : لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة العشيرة، لم يقم بالمدينة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر، وبَلغهَا صاحب المواهب فقال: عشر ليال، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة.
وشغر كزفر: جبل بأصل جماء أم خالد، وسفوان - بفتحات - : وادٍ من ناحية بدر، وبه سميت هذه الغزوة بدراً الأولى.
وفيها في رجب - كما في المواهب والخميس - كانت سرية عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي، إلى بطن نخلة، على ليلة من مكة.
ونخلة - بلفظ مفردة النخل - : موضع على يوم وليلة من مكة، وهي التي ينسب إليها بطن نخلة، الوارد فيها حديث استماع جن نصيبين لقراءته صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح بها سورةَ الجن، المعنيين بقوله تعالى: " وإذ صَرَفنآ إليك نَفَراً مِنَ اَلجِنِ " الأحقاف: 29، سبعة أو ثمانية: شاصر، وماص، ومنشي، وناشي، والأحقب، وعمر بن جابر، وزوبعة، وسرق؛ والأصح أنهم سبعة وأن الأحقب صفة لأحدهم.
وهما نخلتان: شامية ويمانية، فالشامية: تنصب من الغمير، واليمانية من بطن قرن المنازل، وهو طريق اليمن إلى مكة، فإذا اجتمعا فكانا واحداً فهو السد، ثم يضمهما بطن مَر.
بعثه - عليه الصلاة والسلام - في ثمانية من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد وقيل: اثنا عشر رجلاً - : سعد بن أبي وقاص الزهري، وعكاشة بن محصن الأسدي، وعتبة بن غزوان بن جابر السلمي، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة العبشمي، وسهيل بن بيضاء الحارثي، وعامر بن ربيعة الوائلي العنزي، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمي، وخالد بن البكير الليثي: كل اثنين منهم يعتقبان بعيراً.
وكتب له - عليه الصلاة والسلام - كتاباً وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به، ولا يستكره أحداً من أصحابه على المسير معه: فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب؛ فإذا فيه: " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً، وتعلم لنا من أخبارهم " وفي رواية: فإذا فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك؛ حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش: لعلك أن تأتي لنا بخبر " .
فلما نظر في الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ثم قال لأصحابه: " قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة؛ لنرصد بها قريشاً؛ حتى آتي إليه بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحداً منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، وأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد، وسلك على المجاز حتى إذا كان فوق الفرع بمحل يقال له بحران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً؛ فتخلفا في طلبه، وحبسهما ابتغاؤه، ومضى عبد الله بن جحش في بقية أصحابه.
وفي الوفاء: مضى العشرة حتى نزلوا نخلة، فمرت بهم عير قريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة لقريش، فمنهم عمرو بن الحضرمي - واسم الحضرمي: عبد الله - والحكم بن كيسان، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان، فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم، فقال عبد الله: إن القوم قد رعبوا منكم، فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم، فحلقوا رأس عكاشة فأشرف عليهم، فلما رأوه أمنوا، وقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم منهم، وتشاور القوم فيهم - وذلك آخر يوم من رجب - فقالوا: لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم، وليمتنعن عليكم به؛ ولئن قتلتموهم لنقتلنهم في الشهر الحرام.
وفي الكشاف: كان ذلك اليوم أول يوم من رجب، وهم يظنونه من جمادى الأخرى، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم؛ فرمى واقد بن عبد الله الليثي عمرو ابنَ الحضرمي بسهم فقتله، واستأسروا عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأعجزهم الباقون هرباً.
وأقبل عبد الله بن جحش بالعير والأسيرين، وقد عزل عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم خُمُس تلك الغنيمة، وقسم باقيها بين أصحابه، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من الغنائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أحل الله الفيء بعد ذلك، فأمر بقسمه، وفرض الخمس فيه - وقع على ما كان صنعه عبد الله بن جحش في تلك العير.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " ، فوقفَ العيرَ والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، سُقِطَ في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوتهم من المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدماء، وأخذوا الأموال، وأسروا الرجال، وعَير بذلك أهلُ مكة مَن فيها من المسلمين، وقالوا: يا معشر الصبَأة، قد استحللتم الشهر الحرام، وقاتلتم فيه، وكتبوا في ذلك تشنيعاً وتعييراً.
قال ابن إسحاق: فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان.
قلت: قول ابن إسحاق هذا، يرد قول الكشاف السابق قريباً، أن ذلك اليوم أول يوم من رجب، ويرده أيضاً قول أصحاب عبد الله بن جحش: " لئن تركتم القوم... إلىآخره " إذ تمحيض تعليلهم عدمَ تركهم إلى غد، بتخوفِ امتناعهم بدخول الحرم قاضٍ بما قاله ابن إسحاق حملاً لكلام فرسان الكلام على التقسيم الصرف الغير المتداخل، ولا يستقيم إلا إذا كان ذلك اليوم آخر يوم من رجب، لا أول يوم من شعبان، وإن جاز خلافه، والله أعلم.
وقالت اليهود: نتفاءل على رسول الله: عمرو بن الحضرمي قتله واقد؛ عمرو: عمرت الحرب، والحضرمي: حضرت الحرب، وواقد: وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم لا لهم؛ فلما كثر الناس في ذلك: أنزل الله تعالى على رسوله: " يَسألونَكَ عَنِ الشهرِ الحَرَام قِتَالِ فِيه قُل قِتَال فِيهِ كبَير وصَد عَن سبِيلِ اَللهَ وكفر به وَاَلمسجِدِ اَلحرامِ وَإخراجُ أهلِه مِنهُ أكبَرُ عِندَ اَللهِ والفِتنَةُ أكبَرُ مِنَ اَلقَتل " البقرة: 217، أي: إن أنكرتموه في الشهر الحرام، فقد كان صدودُكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجُكم أهلَه - أكبرَ عند الله من قَتل من قُتِل منكم، والفتنة أكبر من القتل، وكانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه؛ فذلك أكبر عند الله من القتل.
فلما نزل القرآن بهذا الأمر، وفرج الله عن المسلمين ما هم فيه من المشاق قبض - عليه الصلاة والسلام - العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فك عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان؛ فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم " فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فأما الحكم بن كيسان: فأسلم وحسن إسلامه، وأقام عنده - عليه الصلاة والسلام - حتى قتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما ابن عبد الله: فلحق بمكة فمات كافراً.
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه: حين نزل القرآن - طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول الله، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجرَ المجاهدين؟ فأنزل الله: " إنَ اَلذينَ آمنَوا وَالذِينَ هَاجروا وَجاَهَدُوا في سبِيلِ اللهِ أولئكَ يَرجوُنَ رَحمَتَ الله وَاَللهُ غَفُور رحِيم " البقرة:218، فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء قال ابن هشام: وهي أول غنيمة غنمها المسلمون.
قال: وقال عبد الله بن جحش في ذلك: من الطويل.
تعُدّونَ قَتْلِى فِي الحَرامِ عَظيمَةً ... وَأَعظَمُ مِنهُ لَو يَرَى الرشدَ رَاشِدُ
صُدُودُكُمُ عَما يَقُولُ مُحَمًد ... وَكُفر بِهِ، وَاللهُ رَاءٍ وَشَاهِد
وَإِخْرَاجُكم من مَسجِدِ الله أَهلَهُ ... لِئَلا يُرَى لله فِي البَيتِ سَاجِدُ
فَإنا وَإِن عَيرتُمُونا بِقَتلِهِ ... وَأَرجَفَ بِالإسلاَمِ بَاغٍ وَحَاسِدُ
سَقَينَا مِنِ ابنِ الحَضْرَمي رِمَاحَنَا ... بِنَخلَةَ لَما أَوقَدَ الحَربَ وَاقِدُ
وَسَارَ ابنُ عَبدِ الله عُثمانُ بَينَنَا ... يُنَازعُهُ غُل منَ القِد عَانِدُ
وفيها في نصف شعبان - وقيل: في نصف رجب - يوم الاثنين، وقيل: في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء بعد ستة عشر شهراً من مقدمه المدينة، وقيل: سبعة عشر، وقيل: ثمانية عشر - حولت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة الشريفة.
وقال الحربي: قدم - عليه الصلاة والسلام - المدينة، في ربيع الأول فصلى إلى بيت المقدس إلى تمام السنة، وصلى في سنة اثنتين من الهجرة ستة أشهر، ثم حولت القبلة.
روي أنه صلى الله عليه وسلم زار أم بشر، أم البراء بن معرور، في بني سلمة فصنعت له طعاماً، فتغدى هو وأصحابه، وجاءت صلاةُ الظهر، فصلى بأصحابه في مسجد القبلتين - ركعتين من الظهر نحو الشام، ثم أُمِرَ أن يستقبل الكعبة وهو راكع في الركعة الثالثة، فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب، ودارت الصفوف خلفه، ثم أتم الصلاة؛ فسمي: مسجد القبلتين.
قال ابن سعد: قال الواقدي: هذا أثبت من قول من قال: إنها في مسجده، عليه الصلاة والسلام.
وقيل: إن الصلاة كانت صلاة العصر؛ يشهد له حديث البراء في البخاري.
وأما أهل قباء: فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني كما في الصحيحين؛ وهذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به وإن تقدم نزوله: لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء، والله أعلم.
وفيها كان فرض صيام رمضان، بعد تحويل القبلة بشهر، في شعبان؛ على رواية من روى أن تحويل القبلة كان في رجب وفيها فرضت زكاة الفطر قبل العيد بيومين، وذلك قبل أن تفرض زكاة الأموال، وقيل: إن الزكاة فرضت فيها، وقيل: قبل الهجرة، والله أعلم وفيها غزوة بدر الكبرى، وتسمى: العظمى، والثانية، وبدر القتال وهي قرية مشهورة، نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة أول من نزلها، وقيل: نسبت لبدر بن الحارث حافر بئرها، وقيل: بدر: اسم للبئر التي بها سميت بدراً لاستدارتها ولصفائها ورؤية البحر فيها.
قال ابن كثير: وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ووضع فيه الشرك وخرب محله؛ هذا مع قلة عدد المسلمين، وكثرة العدو مع ما كانوا عليه: من سوابغ الحديد، والعدة الكاملة، والخيول المسومة، والخُيَلاء الزائد، فأعز الله رسولَه، وأظهر وحيه وتنزيلَه، وبيض وجه النبي وقبيلَه، وأخزى الشيطان وجيلَه؛ ولهذا قال ممتنا على عباده المتقين: " وَلَقَد نصًرَكمٌ اَللهُ ببدرِ وَأَنتم أَذِلة " اَل عمران: 123 أي: قليل عددكم لتعلموا أن النصر من عند الله لا بكثر العَددِ والعدَدِ، فقد كانت هذه الغزوة أعظَم الغزوات في الإسلام.
وحكى الواقدي - بعد أن ذكر الأقوال في سبب تسميتها بدراً - إنكار ذلك كله عن غير واحد من شيوخ بني غفار؛ قالوا: إنما هي مأوانا ومنازلنا، وما ملكها أحد قط يقال له: بدر،وإنما هي عَلم عليها كغيرها من البلاد، وهي على ثمانية وعشرين فرسخاً من المدينة.
قال ابن هشام في السيرة: إن رسول الله لما سمع بأبي سفيان صخر بن حرب، مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لهم وتجارة من تجاراتهم، وفيها ثلاثون رجلاً من قريش أو أربعون، منهم: أبو سفيان بن حرب، ومخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن العاص بن وائل، وهي العير التي كان خرج إليها - عليه الصلاة والسلام - فوصل إلى العشيرة حال إقبالها من مكة فلم يدركها، فرجع إلى المدينة، فأخبره جبريل بقفول العير من الشام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه المسلمين، فقال: " هذه عير قريش قد أقبلت، فيها أموالهم فاخرجوا إليها؛ لعل الله أن ينفلكموها " فانتدب المسلمون، فخف بعضهم، وثقل بعضهم؛ وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله ص يلقى حرباً، وكانت العير زهاء ألف، وفى أحمالها: من التمر والشعير والبر والزبيب، وغير ذلك.
وكان أبو سفيان بن حرب، حين دنا من الحجاز، يتجسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفاً عن أمر الناس، حتى أصاب خبراً من بعض الركبان: أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا؛ فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم، فقبل وصول ضمضم إلى مكة بثلاثٍ، رأت عاتكةُ بنت عبد المطلب رؤيا أفزعتها، وهي الرؤيا التي تقدم ذِكرُنَاهَا في ذكر أعمامه وعماته - عليه الصلاة والسلام - بما أغنى عن إعادتها هنا.
وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من رمضان؛ كذا في المواهب.
وقال ابن هشام: لثمان ليال وكان القتال يوم الجمعة صبيحة السابع عشر من رمضان، وقيل: التاسع عشر منه: والأول أصح.
ولما وصل ضمضم إلى مكة وفعل ما فعل، وحثهم على الخروج فقال: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمةَ! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوثَ الغوثَ! طلع أبو جهل على ظهر الكعبة فنادى: النجاءَ النجاء!، على كل صعب وذلول، عيركم وأموالكم؛ إن أصابها محمد لن تفلحوا إذن أبداً. فتجهز الناس سراعاً، وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟! كلا والله، ليعلمن غير ذلك!.
وقولهم: كعير ابن الحضرمي، يشيرون بذلك إلى العير التي غنمها عبد الله بن جحش في سريته إلى بطن نخلة لما المتقدم ذكرها في حوادث السنة الأولى قبل هذه السنة.
فكانوا بين رجلين: إما خارج، أو باعث مكانه، وأوعبت قريش، ولم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أَن أبا لهب بن عبد المطلب تخلف، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة؛ كانت له عليه أربعة آلاف درهم أفلس بها، فاستأجره بها على أن يجزي عنه.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح، أن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخاً جليلاً جسيماً، فأتاه عقبة بن أبي معيط، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه، بمجمرة يحملها فيها نار، حتى وضعها تحت ثوبه، ثم قال له: يا أبا صفوان، استجمر؛ فإنما أنت من النساء. فقال: قبحك الله وقبح ما جئت به ثم تجهز وخرج مع الناس.
ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا على المسير، ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب والعداوة، وقالوا: نخشى أن يأتونا من خلفنا؛ وكاد ذلك أن يثبطهم ويثنيهم، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم - وكان من أشراف كنانة - وقال لهم: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه، فساروا.
وفي الاكتفا لأبى بكر الكلاعي: أنهم كانوا يرونه في كل منزل على صورة سراقة لا ينكرونه، حتى كان يوم بدر والتقى الجمعان، وكان في صف المشركين آخذاً بيد الحارث بن هشام، أو بيد أخيه أبي جهل بن هشام، ورأى الملائكة نزلت من السماء، ورأى جبريلَ محتجراً ببرد يمشى بين يديه عليه الصلاة والسلام وبيده اللجام يقود الفرس، وما ركب بعد، وعلم أنه لا طاقةَ له بهم نكص على عقبيه مولياً هارباً، فقال له الحارث: إلى أين، أفِرَاراً من غير قتال، أتخذلنا في هذه الحالة؟! فقال: إني أرى ما لا ترون، ودفع في صدر الحارث فانطلق: فانهزم الناس.
ولما قدموا مكة قالوا: هزمَ الناسَ سراقةُ، فبلغ ذلك سراقة فقال: بلغني أنكم تقولون: إني هزمت الناس، فوالله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فقالوا: أما أتيتنا يوم كذا وكذا؟! فحلف لهم، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان!.
وروى عن السدي والكلبي أنهما قالا: كان المشركون حين خرجوا من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أهدى الفئتين، وأعلى الجندين، وأكرم الحزبين، وأفضل الدينين؛ ففيه نزلت: " إن تَستَفتحوا فَقَد جَاءكمُ اَلفتح " الأنفال: 19.
وكان عدة المسلمين: ثلاثمائة وثلاثة عشر، وفي البخاري والكشاف: ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً.
وفي الحديث: قال - عليه الصلاة والسلام - لأصحابه يوم بدر: " أنتم اليوم كعدد المرسلين، وأصحاب طالوت يوم عبروا النهر" : سبعة وسبعون منهم من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار، معهم ثلاثة أفراس: فرس المقداد ابن لأسود - والأسود، تبناه، واسم أبيه الحقيقي: عمرو - وفرس الزبير بن العوام، واسمه: اليعبوب، وفرس مَرثد بن أبي مرثد الغنوي. وكان معهم من الدروع: تسعة، وفي رواية: ستة، ومن السيوف: ثمانية أسياف، ومن الظهر: سبعون بعيراً.
وثمانية من المسلمين لم يشهدوها لعذر؛ إنما ضرب لهم - عليه الصلاة والسلام - بأجرهم وسهمهم، فكانوا كمن حضرها: ثلاثة من المهاجرين: عثمان بن عفان: تخلف: لتمريض رقية زوجته - رضي الله عنه - بنته - عليه الصلاة والسلام - في مرضها التي ماتت فيه في غيبته - عليه الصلاة والسلام - في هذه الغزوة.
والثاني والثالث: طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد؛ بعثهما - عليه الصلاة والسلام - عينين يتجسسان خبر العير، فسارا حتى بلغا الخرار فكمنا هناك فمرت بهما العير، فبلغه - عليه الصلاة والسلام - الخبر فخرج من: المدينة ورجعا إلى المدينة ولم يعلما بخروجه - عليه الصلاة والسلام - فقدماها بخبر العير فلم يجداه، وفي رواية: كان قدومهما المدينة في اليوم الذي كانت فيه الوقعة، فرجعا إليه فلقياه منصرفاًَ من بدر، فضرب لهما بسهمهما وأجرهما؛ فكانا كمن حضر.
وخمسة من الأنصار.
أبو لبابة: رده من الطريق إلى المدينة، بخلافة المدينة.
وعاصم بن عدي العجلاني: استعمله على أهل العوالي، وحارثة بن حاطب: بعثه من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف.
والرابع والخامس: الحارث بن الصمة، وخوات بن جبير؛ سقطا من البعير فأصابهما بعض كسرة فردهما من الطريق.
وأما عدد المشركين: فكانوا ألفاً، وقيل: تسعمائة وخمسون رجلاً، معهم من الخيل: مائة، ومن الظهر: سبعمائة، ومعهم القيان والدفوف.
ولما نظر - عليه الصلاة والسلام - إلى أصحابه، ورأى قلة عَددهم وعُددهم، قال: " اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسُهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم، اللهم إنهم عالة فأغنهم " فاستجيبت دعوته - عليه الصلاة والسلام - ففتح الله عليه؛ فما منهم رجل إلا رجع بخير، وجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا.
ودفع - عليه الصلاة والسلام - اللواء - وكان أبيض - إلى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أمامه - عليه الصلاة والسلام - رايتان سوداوان: إحداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها: العقاب، والأخرى مع بعض الأنصار.
وكانوا يعتقبون السبعين البعير؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي - يعتقبون بعيراً.
وفي الكشاف يعتقب النفر منهم البعير الواحد وفي الحديث: إذا كان عقبة النبي صلى الله عليه وسلم يقولان له: اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك، فيقول لهما: " ما أنتما بأقوى على المسير مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما " .
قال ابن إسحاق: فسلك طريقَهُ من المدينة إلى مكة على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذي الحليفة، ثم على أولات الجيش - قال ابن هشام: ذات الجيش - ثم مر على تربان ثم على ملل، ثم على عميس الحمام ثم، على صخيرات اليمام ثم على السيالة ثم على فج الروحاء ثم على شوكة وهي على الطريق المعتدلة.
حتى إذا كان بعرق الظبية لقوا رجلاً من الأعراب، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبراً، فقال له الناس: سَلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أوَ فيكم رسول الله؟!.
فقالوا: نعم، فسلم عليه، ثم قال: إن كنتَ رسولَ الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه: فقال له سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري: لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل إلي أنا أخبرك عن ذلك: نزوتَ عليها؛ ففي بطنها سخلة؛ فقال له - عليه الصلاة والسلام - : " أفحشت على الرجل " . ثم أعرض عن سلمة. ثم نزل سجسج وهي بئر الروحاء.
وأخذ عليه الصلاة والسلام بالروحاء عيناً له من جهينة حليفاً للأنصار، يدعى: ابن الأريقط، فأتاه بخبر القوم، وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ارتحل من الروحاء حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة، بيسار، وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدراً، فسلك في ناحية منها حتى جزع وادياً يقال له: صفان بين النازية وبين مضيق الصفراء ثم على المضيق ثم انصب به، حتى إذا كان قريباً من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني حليفَ بني ساعدة، وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتجسسان له الأخبار عن أبي سفيان وعيره، فمضى العينان حتى نزلا بدراً فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شناً لهما فاستقيا فيه، ومجدي بن عمرو الجهني على الماء، فسمعا جاريتين من جواري الحاضرة يتلازمان على الماء، والملزومة تقول للازمة: إنما ترد العير غداً أو بعد غد، فأعمل لهم، ثم أقضيك الذي لك. فقال مجدي بن عمرو صدقت، ثم خلص بينهما. فلما سمع عدي وبسبس ذلك، جلسا على بعير لهما ثم انطلقا؛ حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، ثم تقدم أبو سفيان العير حذراً، حتى ورد الماء، فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسست أحداً؟ قال: ما رأيت أحداً؛ إلا أن راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخَهُمَا فأخذ من أبعار بعيرهما ففتته؛ فإذا فيه كسرات النوى، فقال: هذه والله علائفُ يثرب، فرجع إلى أصحابه سريعاً، فصرف وجه عيره عن الطريق، فساحل بها وترك بدراً بيسار، وانطلق حتى أسرع.
قال ابن إسحاق: ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدم العينان، فلما استقبل الصفراء - وهي قرية بين جبلين - سأل عن اسم جبليهما؛ فقالوا: اسم أحدهما: مسلح، والآخر: مخرى، وسأل عن أهلها؟ فقيل له: يسمون: بني النار، وبني حراق، بطنان من غفار، فكرههما والمرورَ بينهما، فتركهما والصفراء بيسار، وسلك ذات اليمين على وادِ يقال له ذفران.
وفي خلاصة الوفا: ذفران: واد معروف، قبل الصفراء بيسير يصب سيله فيها من المغرب، يسلكه الحاج المصري في رجوعه إلى ينبع، فيأخذ ذات اليمين كما فعله - عليه الصلاة والسلام - في ذهابه إلى غزوة بدر، وبه مسجد يتبرك به على يسار السالك إلى ينبع وأظنه مسجد ذفران.
وفي القاموس: ذفران - بكسر الفاء - : واد قرب الصفراء.
قال: ولما نزل ذفران أتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش.
وفي الكشاف: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بذفران نزل عليه جبريل فقال: " يا محمد، إن الله وعدك إحدى الطائفتين: إما العير وإما قريش " فحينئذ استشار أصحابه فقال: " ما تقولون؟ إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أحب إليكم أم النفير؟ " قالوا: العير أحب إلينا من لقاء النفير، فتغير وجهه - عليه الصلاة والسلام - ثم رد عليهم فقال: " إن العير قد مضت من ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل " . قالوا: يا رسول الله، عليك بالعير ودع العدو، فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر وأحسن، ثم قام سعد بن عبادة فقال: انظر أمرك وامض لما أمرت؛ فوالله! لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله؛ فنحن معك، والله! ما نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " فَاَذهَب أَنتَ وَرَبك فَقاتلاَ إنَا ههُنَا قاعِدون " المائدة: 24، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، ما دامت منا عين تطرف، نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك، فوالذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيراً، ثم قال - عليه الصلاة والسلام - : " أشيروا علي " وإنما يريد الأنصار؛ وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا؛ نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا؛ فكان - عليه الصلاة والسلام - يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرة إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو بعيد عن بلادهم؛ فلما قال ذلك قال له سعد بن معاذ: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك مواثيقنا على السمع والطاعة فامض - يا رسول الله - لما أردت؛ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق! لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا؛ وإنا لصُبُر في الحرب، صُدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك؛ فسر بنا على بركة الله.
فقال: " سيروا وأبشروا؛ فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله! لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم! " .
ثم ارتحل - عليه الصلاة والسلام - من ذفران فسلك على ثنايا يقال لها: الأصافر، ثم انحط منها إلى بلد يقال له: الدَّبة بفتح الدال المهملة، وتشديد الباء الموحدة وفي القاموس: الدبة: موضع قرب بدر.
قال ابن إسحاق: وترك الحنان بيمين، وهو: كثيب عظيم كالجبل؛ ثم نزل قريباً من بدر فركب هو ورجل من أصحابه قال ابن هشام: الرجل: هو أبو بكر الصديق وسار حتى نزل على شيخ من العرب، فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه، فقال لهما الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أخبرتنا أخبرناك " . قال: وذاك بذاك؟ قال: " نعم قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فَإن كان صدقني الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره، قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن من ماء " ، ثم انصرفا عنه. قال: يقول الشيخ: ما من ماء؟ من ماء العراق؟ أراد - عليه الصلاة والسلام - أن يوهمه أنه من العراق، وكان العراق يسمى: ماءً؛ لكثرة الماء فيه، وإنما أراد - عليه الصلاة والسلام - أنه خلق من نطفة من ماء.
ثم رجع - عليه الصلاة والسلام - إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص - في نفر من أصحابه - إلى ماء بدر، يلتمسون الخبر، فأصابوا راوية لقريش، فيها غلام أسود لبني الحجاج، اسمه: أسلم، وغلام لبني العاص بن سعيد عريض بن يسار، وفر الباقون وكانوا كثيراً، وأول من بلغ قريشاً من الفرار: رجل اسمه عجير، فبلغهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا آل غالب، هذا ابن أبي كبشة مع أصحابه، قد أخذوا راويتكم مع غلامين منا أيها الوراد، فوقع في جيشهم انزعاج واضطراب وخوف، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغلامين سألوهما، وهو - عليه الصلاة والسلام - يُصلي، فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان صاحبِ العير، فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وسلم - عليه الصلاة والسلام - من صلاته فقال: " إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله! إنهما لقريش، أخبراني عن قريش " قالا: هم والله وراء هذا الكثيب العقنقل فقال لهما: " كم القوم؟ " .فقالا: كثير. قال: " كم عدتهم؟ " .قالا: ما ندري. قال: " كم ينحرون كل يوم من الإبل؟ " قالا: يوماً تسعاً، ويوماً عشراً. فقال - عليه الصلاة والسلام - : " القوم بين التسعمائة والألف " . ثم قال لهما: " فمن فيهم من أشراف قريش؟ " قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عديبن نوفل، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية ابن خلف، ونُبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو بن عبد ود العامري فأقبل - عليه الصلاة والسلام - على الناس قائلاً: " هذه - والله - مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها " .
قال ابن إسحاق ولما أقبلت قريش ونزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا؛ فقال: إني أرى فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان: إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس، حتى وقف ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وفلان، وفلان فعد رجالاً ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش - ثم رأيته ضرب في لبة بعيره، ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه، فبلغت هذه الرؤيا أبا جهل، فقال: وهذا - أيضاً - نبي من بني المطلب، سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا!.
قال ابن هشام: ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره، أرسل إلى قريش:إنكم إنما خرجتم لتمنعوا رجالكم وأموالكم وعيركم، فارجعوا. فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدراً وكانت بدر موسماً من مواسم العرب، يجتمع لهم بها سوق في كل عام - فنقيم عليها ثلاثاً، فننحر الجزر ونطعم الطعام، ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان بالدفوف، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا؛ فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها، فامضوا. فوافوها فَسُقوا كئوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان!.
وقال أبي بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي - وكان حليفاً لبني زهرة - : يا بني زهرة، قد نجى الله لكم أموالكم، وخلص لكم صاحبكم مخرمةَ بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا علي عارها وارجعوا: فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في ضيعة، لا تسمعوا ما يقول هذا - يعني: أبا جهل - فرجعوا فلم يشهدها زُهري.
وقيل: إن سبب رجوعه بهم: أنه خلا بأبي جهل حين تراءى الجمعان، فقال: يا أبا الحكم، أترى أن محمداً يكذب؟ فقال أبو جهل: كيف يكذب على الله، وقد كنا نسميه الأمين؛ لأنه ما كذب قط، ولكن إذا اجتمعت في بني عبد مناف: السقاية، والرفادة، والحجابة، والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة، فأي شيء بقي لنا؟! فحينئذ انخنس أبي ببني زهرة - وكانوا ثلاثمائة رجل - فسمي الأخنس من ذاك؛ لذلك فلم يشهد بدراً زهري، فأطاعوه وكان فيهم مطاعاً؛ كذا في الروض الأنف، ولم يبق بطن من قريش إلا وقد نفر منه ناس: إلا بني عدي بن كعب لم يخرج منهم أحد؛ فلم يشهد بدراً من هاتين القبيلتين: بني زهرة وبني عدي - أحد.
وروى أن أبا سفيان لقي بني زهرة، فقال: يا بني زهرة لا في العير ولا في النفير؟! وهو أول من قالها؛ قالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع.
ولما بلغ أبا سفيان قولُ أبي جهل: والله، لا نرجع... إلى آخر ما قاله - قال: واقوماه!، هذا عَمَل عمرو بن هشام، يعني: أبا جهل.
ولما بلّغ أبو سفيان العيرَ إلى مَكة لحق بقريش، فمضى معهم وشهد بدراً، وجرح - يومئذ - جراحاتٍ، وأفلت هارباً ولحق بمكة راجلاً.
قال ابن إسحاق: ومضى القوم، وكانت بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة، فقالوا: والله، لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أَن هواكم لَمَعَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فرجع طالب إلى مكة مع من رجع، وقال تلك الأبيات المتقدم ذكرها:
لا هم إما يغزون طالب... إلى آخره.
ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل، ونزل - عليه الصلاة والسلام - بطن الوادي، وهو يليل بين بدر وبين العقنقل الذي خلفه قريش في العدوة الدنيا أي: القربى إلى المدينة من بطن يليل، وبعث الله السماءَ وكان الوادي دهساً، فأصاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشاً منها ما لم يقدروا معه أن يرتحلوا، فخرج - عليه الصلاة والسلام - يبادرهم إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماء ببدر فنزل به.
روى أنه في الليلة السابقة على يوم الحرب، غلب النوم والأمنة على المسلمين؛ بحيث لم يقدروا أن يكونوا أيقاظاً، روى عن الزبير أنه قال: سلط علي النوم، بحيث كلما أردت أن أجلس يلقيني النوم على الأرض، وكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال سعد بن أبي وقاص: رأيتني تقع ذقني بين ثديي، فلما أنتبه أسقط على جنبي. وكان مشركو قريش بقرب منهم، وقد غلبهم الخوف، فبعث - عليه الصلاة والسلام - عمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود إليهم، فرجعا وقالا: يا رسول الله، غلب على المشركين الخوفُ؛ حتى إذا صهلت خيلهم، ضربوا وجوهها من شدة الخوف.
وروى أن المسلمين قاموا، فاحتلم أكثرهم وأجنبوا، وقد غلب المشركون على الماء، فتمثل لهم الشيطان فوسوس إليهم، وقال: كيف تُنصرون وقد غُلبتم على الماء، وأنتم تظلون محدثين مجنبين والحال أن آية التيمم لم تنزل بعد وتزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله؟! فأشفقوا، فأرسل الله عليهم السماء حتى سال الوادي، فاتخذوا الحياض، وشربوا وسقوا الركاب، واغتسلوا وتوضئوا، وملئوا الأسقية، وانطفأ الغبار، وتلبدت لهم الأرض؛ حتى ثبتت عليها الأقدام ولم يمنع السير، وزالت عنهم الوسوسة وطابت النفوس؛ كما قال تعالى: " إذ يُغَشِيكُم اَلنُعاسَ أَمنًةَ منهُ... " - الآية الأنفال: 11.
ولما كانت " العدوة القصوى مناخ قريش أرضاً سهلة لينة، لم تبلغ أن تكون رملاً، وليس هو بتراب - أصابهم ما لم يقدروا أن يرتحلوا معه؛ فبادر - عليه الصلاة والسلام - حتى نزل على ماء من بدر، فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله؛ ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟! فقال - عليه الصلاة والسلام - : " بل هو الرأي والحرب والمكيدة " . قال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني لك حوضاً فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال - عليه الصلاة والسلام - : " لقد أشرت بالرأي " . فنهض - عليه الصلاة والسلام - بالناس حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضاً على القليب الذي نزل عليه، فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية.
وكان نزوله عشاء ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان؛ كما مر.
ولما نزل، قام مع جماعة من أصحابه يسير في عرصة بدر، ويضع يده على الأرض، ويقول: " هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان " ؛ يرى أصحابه مصارع صناديد قريش، فوالله ما تجاوز أحد منهم الموضعَ الذي عين له.
وقال سعد بن معاذ: " يا رسول الله، ألا نبني لك عريشاً تكون فيه، ونعد عندك - ركائبك ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانتِ الأخرى قعدت على ركائبك؛ فلحقت بمن وراءنا من قومنا؛ فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك " .
فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله عريشاً فكان فيه وفي الخلاصة للسيد السمهودي: مسجد بدر مكان العريش الذي بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عنده، وهو معروف عند النخيل، والعين قريب منه، وبقربه في جهة القبلة مسجدَ آخر تسميه العامة: مسجد النصر لم أقف فيه على شيء.
قال ابن إسحاق: وارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت، فلما رآها - عليه الصلاة والسلام - تصوب من الكثيب إلى الوادي، قال: " اللهم، هذه قريش قد أقبلت بخيَلائها وفخرها وحديدها؛ تحادك وتكذّب رسولك: اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة " .
ثم قال - وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر - : " إن يكن في أحدِ من القوم خير، ففي راكب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا " .
وكان رجل من غفار يدعى: خفاف بن رحضة، بعث إلى قريش - حين مروا به - ابناً له بجزائر أهداها عليهم، وقال: إن أحببتم أمدكم بسلاح ورجال، فأرسلوا إليه: أن وصلتك رحم؛ فقد قضيت الذي عليك، ولعمري إن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله، كما يزعم محمد وأصحابه؛ فما لأحد بالله من قِبَل.
فلما نزل الناس أقبل ناس من قريش حتى وردوا حوضه - عليه الصلاة والسلام - فيهم حكيم بن حزام، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " دعوهم " . فما شرب أحد منه إلا قتل يومه، ما عدا حكيم بن حزام فإنه لم يقتل، ثم أسلم بَعدُ، فحسن إسلامه، فكان إذا حلف واجتهد في يمينه قال: والله الذي نجاني من ماء بدر.
ولما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي، فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد، فدار بفرسه حول العسكر، ثم رجع فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصونه؛ ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في بطن الوادي، حتى أبعد فلم ير شيئاً، فرجع فقال: ما رأيت شيئاً؛ ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل السم الناقع، قوم لا منعة لهم ولا ملجأ إلا سيوفهم! والله، ما أرى أن يُقتل منهم رجل حتى يُقتلَ منكم رجل فإن أصابوا أعدادهم منكم، فلا خير في العيش بعد ذلك: فَروا رأيكم.
ولما سمع حكيم بن حزام كلام عمير، مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها المطاع؛ هل لك في التي لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر!؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال عتبة: قد فعلت، أنت علي بذلك إنما هو حليفي فعلي عقله، وما أصيب من ماله، فائت ابن الحنظلية - يعنى: أبا جهل، واسم أمه: أسماء بنت مخرمة إحدى بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة - فإني لا أخشى أن يُشجر أمر الناس غيره؛ ثم قام عتبة خطيباً فقال: يا معشر قريش، إنكم - والله - ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً، والله لئن أصبتموهم لا يزال الرجل ينظر في وجه رجلٍ يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فان أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك كفاكم ولم تتعرضوا لما يكره.
قلت: وهذا مصداق قوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن يكن في أحد من القوم خير، ففي راكب الجمل الأحمر؛ إن يطيعوه يرشدوا " .
قال حكيم بن حزام: فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعاً له من جرابها فهو يهيئها، فقلت: يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا - للذي قاله عتبة - فقال أبو جهل: انتفخ - والله - سحر عتبة، حين رأى محمداً وأصحابه، كلا - والله - لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ذاك ولكنه قد رأى محمداً وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه؛ فقد تخوفكم عليه يعني: أبا حذيفة ابن عتبة، وكان قد أسلم قبل، وكان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ.
وفي رواية عن حكيم: فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، وإذا ابن الحضرمي واقفٌ على رأسه، وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. قال حكيم: فجئت إلى عتبة وهو متكئ على خفاف بن رحضة الغفاري - المهدي الجزرَ السابق ذكرها - فأخبرته بمقالة أبي جهل، فقال عتبة: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو؟!.
وانتفاخ السحر: تقوله العرب للجبان؛ كناية عن الفزع.
ومصفر استه: إنما قاله عتبة: لأن أبا جهل كان به بعض بَرَص في أليته، فكان يرد بالزعفران.
فغضب أبو جهل وطلع في وجهه الشر؛ فسل سيفه وضرب به متن فرسه، فقال له خفاف بن رحضة: بئس الفأل تفاءلت به.
ثم بعث أبو جهل إلى ابن الحضرمي فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثَأرَكَ بعينك؛ فقم وانشد خفرتك ومقتل أخيك.
فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صاح: واعمراه! واعمراه! فحميت الحرب، وحقب أمر الناس، واستوسقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد أبو جهل على الناس الرأي، الذي دعاهم إليه عتبة بن ربيعة.
وخرج الأسود بن عبدْ الأسد المخزومي - وكان رجلاً شرساً سيئ الخلق - فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه أو لأموتن دونه فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة، فأطن قدمه بنصف ساقه، وهو دون الحوض: فوقع على ظهره تشخب رجله دماً، ثم حباً إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد بر يمينه، فأتبعه حمزة فضربه؛ حتى قتله في الحوض.
ثم التمس عتبة بن ربيعة بيضةً ليدخلها في رأسه، فما وجد في الجيش بيضة تسعه؟ لعظم هامته أو انتفاخها، فلما رأى ذلك اعتجر ببرد له على رأسه، ثم خرج بين أخيه شيبة ابن ربيعة وولده الوليد بن عتبة بن ربيعة، حتى إذا نصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه ثلاثة من الأنصار: عوف ومعوذ ابنا الحارث، وعبد الله بن رواحة، فقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، قالوا: ما لنا بكم من حاجة.
وقال ابن إسحاق: إن عتبة قال للثلاثة من الأنصار حين انتسبوا له: أكَفَاء كرام؛ إنما نريد من قومنا ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج لنا أَكفَاءنا من قومنا؛ فقال - عليه الصلاة والسلام - : قم يا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا علي بن أبي طالب فلما دنوا منهم قالوا: من أنتم. قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي، قالوا: نعم، أكفَاء كرام، فبارز عبيدة وكان أسن القوم - عتبة بن ربيعة، وبارز حمزةُ شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة.
فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدةُ وعتبةُ بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي على عتبة فذففا عليه، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه.
قال ابن إسحاق: ثم تزاحف الناس، ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ألا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: " إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل " . ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، معه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فكانت وقعة بدر يوم الجمعة، صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان؛ كما تقدم.
قال ابن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع بن حبان، عن أشياخ من قومه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قِدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار، قال ابن هشام وهو مستنصل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال: " استو يا سواد " . فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل؛ فأقدني. قال: فكشف رسول الله ص عن بطنه، وقال: " استقد " . قال: فاعتنقه وقبل بطنه، فقال: " ما حملك على هذا يا سواد؟ " قال: يا رسول الله، حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك، أن يمس جلدي جلدك؟ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.
قال ابن إسحاق: ثم عدَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف، ورجع إلى العريش، فدخله ومعه فيه أبو بكر، ليس معه فيه غيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر؛ يقول - فيما يقول: " اللهم، إن تَهلِك هذه العصابةُ اليوم لا تُعبد " ؛ وأبو بكر يقول: يا نبي الله، بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك!.
وقد خفق رسول الله خفقة وهو في العريش، ثم انتبه فقال: " أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع! " .
قال ابن إسحاق: وقد رُمي مهجع، مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بسهم فقُتل؛ فكان أول قتيل من المسلمين، ثم رمي حارثة بن سراقة أحد بني عدي ابن النجار، وهو يشرب من الحوض، فأصاب نحره فقتل.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم، وقال: " والذي نفس محمد بيده!
لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة " قال: فقام عمير بن الحُمام أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن، فقال: بخ بخ، فما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء! قال: فقذف التمرات من يده، وأخذ السيف بيده فقاتل القوم حتى قتل.
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: " غمسُه يَده في العدو حاسراً " . قال: فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم آخذ سيفه فقاتل القوم، حتى قتل.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري، حليف بني زهرة، أنه حدثه لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة فكان هو المستفتح على نفسه.
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً، ثم قال: " شاهت الوجوه " . ثم نفحهم بها، فأمر أصحابه فقال: " شدوا " فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم. فلما وضع القومُ أيديهم يأسرون، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، متوشح بالسيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرة العدو - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟! " فقال: " أجل يا رسول الله، كانت أولَ وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخانُ في القتل أحب إلي من الاستبقاء للرجال " .
قال ابن إسحاق: وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ: " إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم، قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يقتله؛ فإنه إنما خرج مستكرهاً " .
قال فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس؛ والله! إن لقيته لألحمنه بالسيف قال ابن هشام: ويقال لألجمنه.
قال ابن إسحاق: فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " يا أبا حفص فقال عمر: والله، إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص أيضرب وجه عم رسول الله ؟! " فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق.
قال: فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمنٍ من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً، إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً.
قال ابن إسحاق: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري بن هشام: لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب، فلقيه المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار من بني سالم بن عوف، فقال المجذر لأبي البختري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك - ومع أبي البختري زميل له قد خرج معه من مكة، وهو: جنادة بن مليحة بن زهير بن الحارث بن أسد، وجنادة: من بني ليث واسم أبي البختري: العاصي قال: وزميلي؟ فقال له المجذر: لا والله، ما نحن بتاركي زميلك؛ وما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك.
قال: لا والله إذن لأموتن أنا وهو جميعاً؛ لا تحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصاً على الحياة. فقال أبو البختري - حين نازله المجذر وَأَبى إلا القتال - يرتجز:
لَنْ يُسلِمَ ابْنُ حُرة زَمِيلَهْ ... حَتى يَمُوتَ أو يَرَى سَبِيلَه
فاقتتلا، فقتله المجذر بن زياد، وقال المجذر في قتله أبا البختري:
إِمَا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبي ... فَأَثبتِ النسبَةَ أَني من بَلِي
أَلطَّاعِنِينَ بِرِمَاحِ اليَزَنِي ... وَالضارِبيِن الكَبشَ حَتى يَنحَنِي
بَشرْ بِيُتْمِ من أَبِيهِ البَختَرِي ... أَو بَشرَن بِمِثلِهَا مِني بَنِي
أَنا الَّذِي يُقَالُ: أَصْلِي مِنْ بَلِي ... أَطعُنُ بِالصعدَةِ حَتى تَنثَنِي
وَأَعْبِط انقِزنَ بِعَضبٍ مَشْرَفي ... أُرزِمُ لِلمَوتِ كَإرزامِ المَرِي
فَلاَ تَرَى مُجَذراً يَفرِي فَرِي
المري: الناقة التي يستنزل لبنها على عسر.
قال ابن إسحاق: ثم أتى المجذر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " والذي بعثك بالحق، لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلا أن يقاتلني، فقاتلته فقتلته " .
قال: وحدثني يحمى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، وحدثنيه أيضاً عبد الله بن أبي بكر وغيرهما، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: كان أمية بن خلف صديقاً لي بمكة وكان اسمي: عبد عمرو، فسميت حين أسلمت: عبد الرحمن، فكان يلقاني فيقول: يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماكه أبوك؟! فأقول: نَعَم فيقول: إني لا أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئاً أدعوك به، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول: وأما أنا فلا أدعوك لما لا أعرف، قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو، لم أجبه. قال: فقلت له: يا أبا علي، اجعل ما شئت. قال: فأنت عبد الإله. قال، فقلت: نعم. قال: فكنت إذا مررت به فيقول: يا عبد الإله فأجيبه، فأتحدث معه؛ حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي بن أمية آخذ بيده، ومعي أدراع قد استلبتها، فلما رآني قال: يا عبد عمرو، فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله، فقلت: نعم. فقال: هل لك في، فأنا خير لك من هذه الأدراع. قلت: نعم، ها الله إذن! فطرحت الأدراع وأخذت بيده ويد ابنه، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟! قال ابن هشام: أراد باللبن: أن من أسرني افتديت منه بالإبل الكثيرة اللبن.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن سعيد بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال لي أمية بن خلف - وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما - : يا عبد الإله، من الرجل منكم الْمعلم بريشة نعامة في صدره؟ قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال عبد الرحمن: فوالله، إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان هو الذي يعذب بلالاً بمكة على ترك الإسلام، فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد. فلما رآه بلال قال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا. قال: فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وأنا أَذُب عنه. قال: فأخلف رجل السيف فضرب رِجْل ابنِهِ فوقع، قال: وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، قال: فقلت له: انج بنفسك ولا نجاء بك، فوالله ما أغني عنك شيئاً. قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
قال: فكان عبد الرحمن بن عوف يقول: يرحم الله بلالاً، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث عن ابن عباس، قال: حدثني رجل من بني غفار، قال: أقبلت أنا وابن عم لي، حتى أصعدنا في جبل يشرف على بدر، ونحن مشركان؛ ننتظر الوقعة: على من تكون الدائرة فننتهب مع من ينتهب، قال: فبينا نحن في الجبل، إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلاً يقول: أقدم حيزوم. فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا فكدت أَهْلِك، ثم تماسكت وحيزوم: اسم فرس جبريل.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض بني ساعدة، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة - وكان قد شهد بدراً - قال بعد أن ذهب بصره. لو كنت اليوم - ببدر ومعي بصري، لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك فيه ولا أتمارى.
قال: وحدثني أبي، إسحاقُ بن يسار، عن رجال من بني مازن بن النجار، عن أبي داود المازني - وكان شهد بدراً - قال: إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر؛ لأضربه، إذ وقع رأسهُ قبل أن يصل إليه، سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري.
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس، قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر، عمائمَ بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين: عمائم حمراء.
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: العمائم: تيجان العرب، وكان سيما الملائكة يوم بدر: عمائم بيضاء قد أرخوها على ظهورهم، إلا جبريل، فإنه كانت عليه عمامة صفراء.
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن مقسم، عن ابن عباس: ولم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون.
قال ابن إسحاق: وأقبل أبو جهل يومئذ يرتجز؛ يقاتل وهو يقول:
ما تَنْقمُ الحَرب العَوَانُ مِني ... بَازِلُ عَامَينِ حَدِيث سِني
لِمِثل هَذا وَلَدَتني أُمي
قال ابن هشام: وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: أحد أحد قال ابن إسحاق: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه، أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى، وكان أولُ من لقي أبا جهل، كما حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن أبي بكر أيضاً قد حدثني ذلك قالا: قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجهّ قال ابن هشام: الحرجة: الشجر الملتف وفي الحديث: عن عمر بن الخطاب، أنه سأل أعرابياً عن الحرجة؟ فقال: هي شجرة بين الأشجار لا يصل راع إليها وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلتها من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملتُ عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه من نصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت؛ إلا بالنواة تطيح من تحت مِرضَخَةِ النوى حين يضرب بها.
قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلتُ عامة يومي وإني لأسحبها خلْفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم وطئت بها عليها، حتى طرحتها.
قال ابن إسحاق: ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمان عثمان.
ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل. فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل، حين أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - انظروا - إن خفي عليكم في القتلى - إلى أثر جرح في ركبته، إني ازدحمت أنا وهو يوماً على مائدة لعبد الله بن جُدعان ونحن غلامان، فكنت أسن مْنه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه: فجحشت إحداهما جحشاً لم يزل أثره به.
قال عبد الله بن مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته، فوضعت رجلي على عنقه، قال: وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني ولكزني، ثم قلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبما أخزاني، أعمد من رجل قتلتموه - وفي رواية: أعظم من رجل قتله قومه - أخبرني لمن الدبرة اليوم والدبرة: الغلبة والظفر قال: قلت: لله ولرسوله.
قال ابن إسحاق: فزعم رجل من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً، قال: ثم احتززت رأسه، ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل بن هشام. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله الذي لا إله غيره؟ " قال: وكانت يمْين رسول الله. قال: قلت: نعم، والله الذي لا إله غيره، ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله.
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي، أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص - ومر به - : إني أراك كأن في نفسك شيئاً، أراك تظن أني قتلت أباك: إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به، وهو يبحث بحث الثور بروقه، فحدتُ عنه، وقصد له ابنُ عمه علي فقتله.
قال ابن إسحاق: وقاتل عكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي حليف بني عبد شمس ابن عبد مناف، يوم بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جزلاً من حطب، فقال: " قاتل بهذا يا عكاشة " . فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه: فعاد سيفاً في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله به على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى: العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم الردة وهو عنده: قتله طلحة بن خويلد الأسدي.
قال ابن هشام: ونادى أبو بكر الصديق ابنه عبد الرحمن - وهو يومئذ مع المشركين - : أين مالي يا خبيث؟ فقال عبد الرحمن: من السريع.
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكَة وَيَعْبُوبْ ... وَصَارِم يَقتُلُ ضُلالَ الشيب
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب، طرحوا فيه؛ إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فذهبوا ليحركوه فتزايل، فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة. فلما ألقوهم في القليب، وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً؟ " قال فقال له أصحابه: يا رسول الله، أتكلم قوماً موتى؟! فقال لهم: " لقد - علموا أن ما وعدهم ربهم حق " قالت عائشة: والناس يقولون: لقد سمعوا ما قلت لهم: فإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد علموا.
قال ابن إسحاق: وحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، وهو يقول: " يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام فعد من كان منهم في القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟! فإني وجدت ما وعني ربي حقاً " . فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي أقواماً قد جيفوا؟! فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا " .
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - يوم قال هذه المقالة - : " يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم! كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس " . ثم قال: " هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ " للمقالة التي قالها.
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت: من الوافر:
عَرفْتُ ديَارَ زَيْنبَ بِالْكَثيبِ ... كَخَط الْوَحي في الوَرقِ الْقَشِيبِ
تَدَاوَلَهَا الريَاحُ وَكُلُّ جَونِ ... مِنَ الْوَسْمِي مُنهمِرٍ سَكُوب
فَأَمْسَى رَسْمُهَا خلقاً وَأَمْسَت ... يَباباً بَعْدَ سَاكِنهَا الْحَبِيبَ
فَدِعْ عَنْكَ التَّذَكرَ كُل يَوْمٍ ... وَرُّد حَرَارَة الصَدْرِ الْكَئِيَبِ
وَخبرْ بِالذِي لا عَيْبَ فِيهِ ... بِصِدْقِ غَيرِ إِخْبَارِ الْكَذُوب
بِمَا صَنعَ المَليكُ غَدَاةَ بدر ... لَنَا في المُشْركينَ مِنَ النَّصيبَ
غَدَاةَ كَأن جَمعَهُمُ حِرَاء ... بَدَت أَرْكَانُهُ جُنْحَ الغُرُوب
فَلاقَيْنَاهُمُ مِنَّا بِجَمْعٍ ... كَأُلسْدِ الغَابِ مرْدَانٍ وَشيبِ
أَمَامَ محمدٍ قَدْ وَازرُوهُ ... عَلَى الأَعْداء في لَفْح الحُرُوبِ
بِأَيْدِيهِمْ صَوَارمُ مُرْهَفات ... وكلُّ مجرَّب خاظي الكُعُوبِ
بَنُو الأَوْسِ الغَطَارِفُ وازرتها ... بَنُو النجار في الذين الصَّليبِ
فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعاً ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بالجُبُوبِ
وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكنَا فِي رِجَالِ ... ذَوِي حَسَب إِذَا نُسِبُوا حَسِيب
يُنَادِيهم رَسُولُ الله لما ... قَذَفنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي القَلِيبِ
أَلَمْ تجدُوا كَلاَمِيَ كَانَ حَقاً ... وَأَمرُ الله يأخُذُ بِالقُلوب
فَمَا نَطَقُوا؛ وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا: ... صَدَقْتَ، وَكُنْتَ ذَا رَأي مُصيبِ
قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - إلى وجه ابنه أبي حذيفة بن عتبة، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: " يا أبا حذيفة، لعلك قد داخلك من شأن أبيك شيء " أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقال: لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً؛ وكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر، بعد الذي - كنت أرجوه له؛ أحزنني ذلك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيراً.
وكان الفتيةُ الذين قتلوا ببدر، ونزل فيهم من القران - فيما ذكر لنا: " إنَ اَلَذِينَ تَوَفتهُمُ اَلملائكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِم قَالوا فِيمَ كنتم قَالوُا كناَ مُستَضعَفينَ في اَلأرَض قَالُوا ألَم تكَن أَرضُ الله وَاسِعَةَ فَتهَاجِروا فيهَا فأؤُلَئكَ مَآوَاهُم جَهَنَمُ وَسَاءت مَصِيراً " ، النساء:97، فتيةَ مسمين: من بني أسد بن عبد العزى بن قصي: الحارث بن زمعة؛ ومن بني مخزوم: أبو قيس ابن الفاكه، وقيس بن الوليد بن المغيرة ومن بني جمح: علي بن أمية بن خلف، ومن بني سهم: العاص بن منبه: وذلك أنهم كانوا أسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما هاجر إلى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر، فأصيبوا به جميعاً.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس، فجمع، فاختلف فيه المسلمون: فقال من جمعه: هو لنا، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه: والله لولا نحن ما أصبتموه، ولنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم! وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخلص إليه العدو. والله ما أنتم بأحق به منا، لقد رأينا أن نقاتل العدو إذ منحنا الله أكتافهم، ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، ولكن خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرةَ العدو فقمنا دونه؟ فما أنتم بأحق به منا.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي - واسمه: صدي بن عجلان - قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال. فقال: فينا - أصحاب بدر - نزلت، حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقُنا، فنزعه الله، من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء؛ يقول: على سواء.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: حدثني بعض بني ساعدة، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة، قال: أصبت سيف بني عائذ المخزوميين الذي يسمى: المرزبان يوم بدر، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما في أيديهم من النفل، أقبلت حتى ألقيته في النفل، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئاً يسأله فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم، فسألَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه.
قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة، بشيراً إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر - حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي كانت عند عثمان بن عفان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان بن عفان - زيد بن حارثة قد قدم، قال: فجئته وهو واقفٌ بالمصلى قد غشيه الناس، وهو يقول: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وزمعة بن الأسود، وأبو البختري العاص بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، قال قلت: يا أبت، أحق هذا؟ قال: نعم، والله يا بني.
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً إلى المدينة ومعه الأسارى من المشركين، وفيهم: عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث بن كلدة، واحتمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف ابن مبذول بن عمرو بن غنم بن مالك بن النجار، فقال راجز من المسلمين - قال ابن - هشام: يقال: هو عدي بن أبي الزغباء: من الرجز.
أَقم لَهَا صُدُورَها يَا بَسْبَسُ ... لَيس بِذي الطفح لَهَا معَرسُ
وَلاَ بِصَحرَاءِ غُمَيرٍ مَخبِسُ ... إن مَطَايَا القَومِ لاَ تُحَبسُ
فَحَملُهَا عَلَى الطَرِيقِ أَكيسُ ... قَد نَصَرَ اللهُ وَفر الأَخنَسُ
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على الكثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سَيَر إلى سرحة به، فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين، على السواء.
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين، فقال لهم سلمة بن سلامة - كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان - : ما الذي تهنئوننا به؟! فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعَاً كالبدن المعلقة، فنحرناها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " أي ابن أخي، أولئك الملأ " .
قال ابن هشام: يريد بالملأ: الأشراف والرؤساء.
قال ابن إسحاق: حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث صبراً، قتله عليّ بن أبي طالب؛ كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة. قال ابن إسحاق: ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط.
قال ابن إسحاق: والذي أسر عقبةَ عبدُ الله بن سلمة أحدُ بني العجلان، فقال عقبة - حين أمر رسول الله بقتله - : فمن للصبية يا محمد؟! قال: " النار " . فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، أخو بني عمرو بن عوف؛ كما حدثني أبو عبيدة بن عمار بن ياسر.
قال ابن هشام: ويقال قتله علي بن أبي طالب، فيما ذكره ابن شهاب الزهري وغيره.
ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي.
قال ابن هشام: وقد كان تخلف عن بدر، ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أبو هند امرؤ من الأنصار، فأنكحوه وانكحوا إليه " ففعلوا.
قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: قدم بالأسارى، حين قدم بهم، وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، قال: وذلك قبل أن يضرب عَلَيْهِن الحجاب.
قال: تقول سودة: والله إني لعندهم، إذ أُتينا فقيل: هؤلاء الأسارى قد أتى بهم، قالت: فرجعت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيلُ بن عمرو في ناحية من الحجرة، مجموعةً يداه إلى عنقه، قالت: فلا والله ما ملكت نفسي، حين رأيت أبا يزيد كذلك، أن قلت: أي أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، ألا متم كراماً؟! فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت: " يا سودة، أعلى الله وعلى رسوله تحرضين؟ " قالت: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، ما ملكت نفسي، حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه، أن قلت ما قلت.
قال ابن إسحاق: وحدثني نبيه بن وهب، أخو بني عبد الحارث أن رسول الله حين أقبل بالأسارى، فرقهم بين أصحابه، وقال: اسْتوصوا بالأسارى خيراً. قال: فكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه، في الأسارى، فقال أبو عزيز: مر بي أخي مصعبُ بن عمير، ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شُد يديك به؛ فإن أمه ذات متاع؛ لعلها تفديه منك. قال: وكنت في رهط من الأنصار، حتى أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم، خصوني بالخبز وأكلوا التمرة لوصية رسول الله ص إياهم بنا، فما تقع في يد رجل كسرة من الخبز إلا نفحني بها. قال: فأستحيي فأردها عليه، فيردها علي ما يمسها.
قال ابن إسحاق: وكان أبو عزيز صاحبَ لواء المشركين بعد النضر بن الحارث.
قال ابن إسحاق: فلما قال أخوه مصعب لأبي اليسر - وهو الذي أسره - ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي، هذه وصاتك بي؟! فقال أخوه مصعب: إنه أخي دونك، قال فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي؟ فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها.
قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش، الحيسمان بن عبد الله الخزاعي، فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم ابن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام. فلما جعل يعدد أشراف قريش، قال صفوان بن أمية - وهو قاعد في الحجر - : والله، إن يعقل هذا فاسألوه عني، فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية. قال: هو ذاك جالساً في الحجر، وقد - والله - رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: ناحت قريش على قتلاها، ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمداً وأصحابه: فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء.
وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة بن الأسود، وعقيل ابن الأسود، والحارث بن زمعة بن الأسود، وكان يحب أن يبكي على بنيه، قال: فبينما هو كذلك، إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له - وقد ذهب بصره: - انظر هل أُحل النحب؟! هل بكت قريش على قتلاها؟! لعلي أبكي علْى أبي حكيمة يعني: زمعة فإن جوفي قد احترق. قال: فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته.
قال: فذاك حين يقول الأسود: أمن الوافر:
أَتَبْكِي أنْ يَضِلَّ لهَا بَعِير ... وَيَمنعها مِنَ النومِ السهُودُ؟!
فَلا تَبْكي عَلَى بَكْر، وَلكنْ ... عَلَى بَدرٍ تَقَاصَرت الجُدُودُ
عَلَى بَدرٍ لسَرَاةِ بني هُصَيْص ... وَمَخزُومٍ وَرَهطِ أَبي الوَليدِ
وَبَكًي إن بَكَيتِ عَلى عَقِيلٍ ... وَبَكًي حَارثاً أَسَدَ الأُسُودِ
وَبَكي وَلاَ تَسمِي جَمِيعاً ... وَمَا لأبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ
أَلاَ قَدْ سَادَ بَعْدَهُمُ رِجَالٌ ... وَلَوْلا يَوْمُ بدر لَمْ يَسُودُوا
قال ابن إسحاق: وكان في الأسارى: أبو وداعة بن ضبيرة السهمي، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: " إن له بمكة ابناً كيساً تاجراً ذا مال، وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه " . فلما قالت قريش: لا تعجلوا في فداء أسراكم؛ لا يأرب عليكم محمد وأصحابه قال المطلب بن أبي وداعة - وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عني - : صدقتم لا تعجلوا، وانسل من الليل فقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم فانطلق به، ثم بعثت قريش في فداء الأسارى، فقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم، أخو بني سالم بن عوف، فقال: من المتقارب:
أَسَرْتُ سُهَيْلاً فَلاَ أَبتَغِي ... أَسِيراً بِهِ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمْ
وَخِنْدِفُ تَعلَمُ أَن الْفَتَى ... فَتَاهَا سُهَيلٌ إِذَا يُظلمْ
ضَرَبْتُ بِذِي الشَفْرِ حَتَى انثَنَى ... وَأَكرَهْتُ نَفْسي عَلَى ذِي العَلَمْ
وكان سهيل أعلم؛ وهو المشقوق من الشفة العليا.
قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لمالك بن الدخشم.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء، أخو بني عامر بن لؤي، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، انزع ثنيتي سهيل بن عمرو؛ يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً في موضع أبداً.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أمثل به؛ فيمثل الله بي؛ وإن كنت نبياً " .
قال ابن إسحاق: وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر - في هذا الحديث: " إنه عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه " وقد ذكر هذا المقام ابن هشام.
قال ابن إسحاق: فلما قاولهم فيه مكرز، وانتهى إلى رضاهم، قال: هات الذي لنا. قال: اجعلوا رجلي مكان رجله، وخلوا سبيله؛ حتى يبعث إليكم بفدائه. فخلوا سبيل سهيل، وحبسوا مكرزاً عندهم، فقال مكرز: من الطويل:
فديتُ بأذوادٍ ثَمَانٍ سِبَا فَتى ... يَنَالُ الصمِيمَ غُرمُهَا لاَ الموالِيَا
رَهَنتُ يَدِي والمالُ أَيْسَرُ من يَدِي ... علي وَلَكِني خَشيتُ المخَازِيَا
وقلتُ سُهْيل خَيْرُنَا فاذهَبُوا بهِ ... لأبنَائِنَا حتَى ندِيرَ الأَمَانِيَا
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: كان عمرو بن أبي سفيان بن حرب قال ابن هشام: أم عمرو بنت أبي عْمرو: أخت أبي معيط بن أبي عمرو - أسيراً في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر.
قال ابن هشام: أسره علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: قيل لأبي سفيان: افد عمراً ابنك، فقال: أيجمع علي دمي ومالي؟! قتلْوا حنظلة وأفدى عمراً؛ دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدا لهم. قال: فبينا هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال، أخو بني عمرو بن عوف، ثم أحد بني معاوية - معتمراً ومعه مرية له، وكان شيخاً مسلماً في غنم له بالبقيع، فخرج من هنالك معتمراً ولا يخشى الذي صنع به، لم يظن أنه يحبس بمكة إنما جاء معتمراً، وقد كان عهد قريش لا يعرضون لأحد جاء حاجاً أو معتمراً إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان ابن حرب فحبسه بابنه عمرو، ثم قال أبو سفيان: من الطويل:
أرهط ابْن أكَال أَجيبُوا دُعاءهُ ... تَعَاقدتمُ لاَ تُسلِمُوا السد الكَهلاَ
فَإن بني عَمْرو لِئَام أَذِلة ... لَئِن لَم يَفُكوا عَق أَسِيرهِمُ الكَبلاَ
فأجابه حسان بن ثابت: من الطويل:
لَو كَانَ سَعدٌ يَوْمَ مَكَةَ مُطلَقاً ... لأَكثَر فِيكم قَبل أن يُؤسَرَ القَتلاَ
بِعضْبٍ حُسامٍ أوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةِ ... تَحِن إِذَا مَا أُنبضَت تحفز النبلاَ
ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله4 صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان: يفكوا به صاحبهم، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد.
قال ابن إسحاق: وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح، وكان محتاجاً ذا بنات، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامنن علي، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عليه ألا يظاهر عليه أحداً أبداً، فقال أبو عزة في ذلك: يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر فضله في قومه: من الطويل:
منْ مُبْلغ عَني الرسُول مُحَمَداً ... بِأنكَ حَق والمليكُ حَمِيدُ
وَأَنتَ امرؤ يَدْعُو إِلى الحَق والهدَى ... عَلَيك مِن الله العظيمِ شَهيدُ
وأَنتَ امرؤٌ بُوئْتَ فِينَا مبَاءة ... لهَا دَرَجَاتٌ سَفلَة وصعُودُ
فَإِنَّكَ مَنْ حَارَبتَهُ لَمحُارَب ... شَقي وَمن سالمتَهُ لسعِيدُ
وَلكن إذَا ذُكرْتُ بَدراً وَأَهْلَهُ ... تَأَؤبَ مَا بي حَسرَة وَقُعُودُ
قال ابن هشام: وكان فداء المشركين يومئذ أربعة آلاف درهم؛ إلا من لا شيء له فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام، قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي، قال: فلما انقضى أمر بدر، أنزل الله - عز وجل - فيه من القران الأنفال بأسرها، وكان مما أنزل فيها من اختلافهم في النفل، حين اختلفوا فيه: " يسئلَونَكَ عَنِ الأنَفَال قُلِ اَلأنفَالُ للهِ وَاَلرَسُولِ فَآتَقُوا اَللهَ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينكمُ وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتمُ مُّؤمِنين " الأنفال:1 فكان عبادة بن الصامت - فيما بلغني - إذا سئل عن الأنفال قال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل يوم بدر، فانتزعه الله من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقنا، فرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه بيننا عن بواء يقول: على السواء وفي ذلك تقوى الله وطاعته، وطاعة رسوله، وصلاح ذات البين ثم ذكر القوم ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرف القوم أن قريشاً ساروا إليهم، وإنما خرجوا يريدون العير طمعاً في الغنيمة، فقال: " كَمَا أَخرَجَكَ رَبُك مِن بَيتك باَلحق وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلمُؤمنِينَ لَكاَرِهُونَ يجادلوُنَكَ في الحَقِّ بعَد َمَا تبينَ كأنَما يسُاقُونَ إِلَى اَلمَوتِ وَهُم يَنظُرُونَ " الأنفال: 5،6 أي: كراهية للقاء القوم، وإنكاراً لمسير قريش حين ذكروا لهم " وَإذ يَعِدُكُمُ اَللهُ إِحدىَ اَلطَائفتينِ أَنهَا لَكُم وَتَوَدُونَ أَن غَيرَ ذَاتِ اَلشَوكةِ تَكونُ لَكم " الأنفال: 7، أي: الغنيمة دون الحرب " وَيُرِيد الله أَن يحِق ألحَق بكلمتهِ ويقطَعَ دَابِرَ اَلكافِرِينَ " الأنفال: 7، أي: بالوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يومئذ؛ تأييداً لدين الحق، دين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وهذه تسمية من شهد بدراً من المسلمين، ثم من قريش، ثم من بني هاشم بن عبد مناف، وبني المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم أسد الله وأسد رسوله عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وزيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي أنعم الله عليه ورسوله عليه السلام.
قال ابن إسحاق: وآَنسَة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو مرثد كناز بن حصين بن يربوع، وابنة مرثد بن أبي مرثد حليفاً حمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخواه طفيل والحصين ابنا الحارث، ومسطح واسمه: عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب.
ومن عبد شمس: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه، قال: وأجري يا رسول الله؟! قال: " وأجرك " ، وأبو حذيفة بن ربيعة بن عبد شمس، وسالم مولى أبي حذيفة، واسم أبي حذيفة هذا: مهشم. وسالم: سائبة لثبيتة بنت يعار بن زيد، سيبته فانقطع إلى أبي حذيفة فتبناه.
قال ابن إسحاق: وزعموا أن صبيحاً مولى أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، تجهز للخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرض فحمل على بعيره أبا سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم شهد صبيح بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشهد بدراً من حلفاء بني عبد شمس، ثم من بني أسد بن خزيمة: عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد، وعكاشة بن محصن، وشجاع بن وهب بن ربيعة، وأخوه عقبة بن وهب، ويزيد بن رقيش بن رئاب، وأبو سنان بن محصن، وابنه سنان بن أبي سنان، ومحرز بن نضلة ابن عبد الله، وربيعة بن أكثم أخي عكاشة بن محصن بن سخبرة بن عمرو بن لكيز ابن عامر بن غنم بن دودان بن أسد.
ومن حلفاء بني كبير بن غنم بن دودان بن أسد: ثقف بن عمرو، وأخواه: مالك ابن عمرو، ومدلج.
قال ابن هشام: مدلاج بن عمرو، وهم من بني حجر آل بني سليم.
وأبو مخشي حليف لهم. قال ابن هشام: أبو مخشي: طائي، واسمه: سويد بن مخشي.
ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان بن جابر من بني قيس بن عيلان، وخباب مولى عتبة بن غزوان.
ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي: الزبير بن العوام، وحاطب بن أبي بلتعة، وسعد مولى حاطب.
قال ابن هشام: حاطب بن أبي بلتعة لخمي، وسعد مولاه كلبي.
ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وسويبط بن سعد بن حريملة.
ومن بني زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث ابن زهرة، وسعد بن أبي وقاص، وأخوه عمير بن أبي وقاص.
ومن حلفائهم: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن قضاعة.
قال ابن إسحاق: وعبد الله بن مسعود من هذيل، ومسعود بن ربيعة من القارة. قال ابن هشام: القارة: لقب لهم يقال: قد أنصف القارة من راماها، وكانوا رماة.
وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة من خزاعة، وإنما قيل له: ذو الشمالين؛ لأنه كان أعسر، واسمه: عمير. وخباب بن الأرت من بني تميم، ويقال: من خزاعة.
ومن بني تيم من مرة: أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - واسمه: عتيق، وقيل: عبد الله، ولقب بعتيق، لحسن وجهه وعتقه: وبلال بن رباح مولى أبي بكر، مولد من مولدي بني جمح، لا عقب له. وعامر بن فهيرة، مولى أبي بكر - رضي الله عنه - مولد من مولدي الأسد، لا عقب له. وصهيب بن سنان من النمر بن قاسط، ويقال: مولى عبد الله بن جُدعان، ويقال: إنه رومي، وقيل: كان أسيراً في الروم فاشترى منهم، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " صهيب سابق الروم " وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، كان بالشام لما قدم بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه، فقال: وأجري يا رسول الله؟. قال: " وأجرك " .
ومن بني مخزوم بن يقظة: أبو سلمة بن عبد الأسد، وشماس بن عثمان بن الشريد، والأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف بن أسد، وعمار بن ياسر قال ابن هشام: عنسي من مذحج ومعتب بن عوف بن عامر من خزاعة، حليف لهم، وهو الذي يقال له: معتب بن حمراء.
ومن بني عدي بن كعب: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي، وأخوه زيد ابن الخطاب، ومهجع مولى عمر - رضي الله عنه - من أهل اليمن أول من قتل بين الصفين رمى بسهم قال ابن هشام: مهجع من عك وعمرو بن سراقة، وأخوه عبد الله بن سراقة، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم حليف لهم، وخولى بن أبي خولى، ومالك ابن أبي خولى؛ حليفان لهم، وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب من عنز بن وائل، وعامر بن البكير بن عبد ياليل، وعاقل بن البكير، وخالد بن البكير، وإياس بن البكير حلفاء بني عدي بن كعب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: قدم بعد بدر فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه، قال: وأجرى يا رسول الله. قال: " وأجرك " . ومن بني جمح: عثمان بن مظعون، وابنه السائب، وأخواه: قدامة بن مظعون، وعبد الله بن مظعون، ومعمر بن الحارث بن معمر.
ومن بني سهم: خنيس بن حذافة بن قيس.
ومن بني عامر بن لؤي، ثم من بني مالك بن حسل بن عامر: أبو سبرة بن أبي رهم، وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، خرج مع أبيه سهيل بن عمرو، فلما نزل الناس بدراً فر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدها معه، وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو، وسعد بن خولة حليف لهم.
قال ابن هشام: سعد بن خولة من اليمن.
ومن بني الحارث بن فهر: أبو عبية، وهو: عامر بن عبد الله بن الجراح، وسهيل بن وهب بن ربيعة، وأخوه صفوان بن وهب، وهما ابنا بيضاء، وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة، وعمرو بن الحارث بن زهيرة الخمسة من هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث.
فجميع من شهد بدراً من المهاجرين، ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره - ثلاثة وثمانون رجلاً.
قال ابن هشام: وكثير من أهل العلم - غير ابن إسحاق - يذكرون في المهاجرين ببدر من قريش، ثم من بني هاشم: العباس بن عبد المطلب عمه - عليه الصلاة والسلام - وفي بني عامر بن لؤي: وهب بن سعد بن أبي سرح، وحاطب بن عمرو، وفي بني الحارث بن فهر: عياض بن أبي زهير.
قال ابن إسحاق: وشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين من الأنصار، ثم من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ثم من بني عبد الأشهل بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس - : سعد بن معاذ بن النعمان ابن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وعمرو بن معاذ بن النعمان، والحارث ابن أوس بن معاذ بن النعمان، والحارث بن أنس بن رافع بن امرئ القيس.
ومن بني عبيد بن كعب بن عبد الأشهل: سعد بن زيد بن مالك بن عبيد، ومن بني زاعوراء بن عبد الأشهل ويقال: زعوراء، فيما قاله ابن هشام: سلمة بن سلامة ابنْ وقش بن زغبة بن زاعوراء، وعباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زاعوراء، وسلمة ابن ثابت بن وقش، ورافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زاعوراء، والحارث بن خزمة ابن عدي، ويقال: خزيمة بن عدي، حليف لهم من بني عوف بن الخزرج، ومحمد ابن مسلمة بن خالد، حليف لهم من بني حارثة: وسلمة بن أسلم بن حريش، حليفهم من بني حارثة.
قال ابن إسحاق: وأبو الهثيم بن التيهان، وعبيد بن التيهان.
قال ابن هشام: ويقال: عتيك بن التيهان.
قال ابن إسحاق: وعبد الله بن سهل.
قال ابن هشام: عبد الله بن سهل: أخو بني زعوراء، ويقال: من غسان.
قال ابن إسحاق: ومن بني ظفر، ثم من بني سواد بن كعب قال ابن هشام: ظفر ابن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد، وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد، وهو الذي يقال له: مقرن؛ لأنه قرن أربعة أسرى في يوم بدر، وهو الذي أسر عقيل بن أبي طالب يومئذ.
قال ابن إسحاق: ومن بني عبد بن رزاح بن كعب: نصر بن الحارث بن عبد، ومعتب بن عبيد ومن حلفائهم من بليّ عبد الله بن طارق ثلاثة نفر، ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: مسعود بن سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة قال ابن هشام: ويقال: مسعود بن عبد سعد وأبو عبس بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم، ومن حلفائهم من بلي: أبو بردة بن نيار من بني عمرو بن الحاف بن قضاعة.
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ثم من بني ضبيعة: عاصم بن - ثابت بن قيس، وقيس أبو الأقلح بن عصمة بن مالك، ومعتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة، وأبو مليل بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة، وعمرو بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة قال ابن هشام: عمير بن معبد وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم من بني عمرو، الذي يقال له: بحزج ابن حنش بن عوف.
ومن بني أمية بن زيد بن مالك: مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية، ورفاعة بن عبد المنذر، وسعد بن عبيد بن النعمان، وعويم بن ساعدة، ورافع ابن عنجدة - وعنجدة: أمه - وعبيد بن أبي عبيد، وثعلبة بن حاطب. وزعموا أن أبا لبابة ابن عبد المنذر، والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعهما، وأمر أبا لبابة على المدينة فضرب لهما بسهمين مع أصحاب بدر.
قال ابن هشام: ردهما من الروحاء؛ قال ابن هشام: وحاطب بن عمرو بن عبيد ابنْ أمية، واسم أبي لبابة: بشير.
قال ابن إسحاق: ومن بني عبيد بن زبد بن مالك: أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث بن عبيد، ومن حلفائهم من بلي: معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة، وثابت بن أقرم بن ثعلبة، وعبد الله بن سلمة بن مالك، وزيد بن أسلم بن ثعلبة، وربعي بن رافع بن زيد، وخرج عاصم بن عدي بن الجد بن عجلان، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر.
ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف: عبد الله بن جبير بن النعمان، وعاصم بن قيس بن ثابت.
قال ابن إسحاق: وسالم بن عمير بن ثابت، وأبو ضياح بن ثابت بن النعمان، والحارث بن النعمان بن أمية، وخوات بن جبير بن النعمان: ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم مع أهل بدر.
ومن بني جحجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف: منّر بن محمد بن عقبة ابن أحيحة بن الجلاح.
ومن حلفائهم من بني أنيف: أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق: ومنْ بني غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس: سعد بن خيثمة بن الحارث، ومنذر بن قدامة، ومالك بن قدامة بن عرفجة.
قال ابن إسحاق: والحارث بن عرفجة.
قال ابن هشام: عرفجة بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم.
قال ابن إسحاق: وتميم مولى بني غنم.
ومن بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية، ومالك بن نميلة حليف لهم من مزينة، والنعمان بن عصر حليف لهم من بلى.
فجميع من شهد بدراً من الأوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ضرب له بسهمه وأجره - أحد وستون رجلاً.
قال ابن إسحاق: وشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين، ثم من الأنصار، ثم من الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ثم من بني الحارث ابن الخزرج، ثم من بني امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج - : خارجة بن زيد بن أبي زهير، وسعد بن ربيع بن عمرو بن أبي زهير، وعبد الله بن رواحة بن امرئ القيس، وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو ابن حارثة بن امرئ القيس.
ومن بني زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج: بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد، وأخوه سماك بن سعد؛ قال ابن هشام ويقال: جلاس، وهو عندنا خطأ.
ومن بني عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج: سبيع بن قيس بن عيشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي، وعباد بن قيس بن عيشة أخوه. قال ابن إسحاق: وعبد الله بن عبس.
ومن بني أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج: يزيد بن الحْارث بن قيس بن مالك بن أحمر.
ومن بني جشم بن الحارث بن الخزرج، وزيد بن الحارث بن الخزرج، وهما التوءمان - : خبيب بن أساف بن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم، وعبد الله ابن زيد بن ثعلبة، وأخوه حريث بن زيد بن ثعلبة، زعموا، وسفيان بن بشر.
قال ابن هشام: سفيان بن نسر بن عمرو بن الحارث بن كعب بن زيد.
قال ابن إسحاق: ومن بني جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج: تميم بن يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة، وعبد الله بن عمير بن عدي بن أمية بن جدارة، وزيد بن المزين بن قيس، وعبد الله بن عرفطة بن عدي بن أمية بن جدارة.
ومن بني الأبجر، وهم بنو خُدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج: عبد الله بن ربيع بن قيس بن عمرو بن عباد بن الأبجر.
ومن بني عوف بن الخزرج، ثم من بني عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهم بنو الحبلى قال ابن هشام: الحبلى سالم بن غنم: سمي به لعظم بطنه: - عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن مالك بن الحارث بن عبيد، وسلول أم أبيّ، وأوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد.
ومن بني جزء بن عدي بن مالك بن سالم: زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزء، وعقبة بن وهب بن كلدة، حليف لهم من بني عبد الله بن غطفان، ورفاعة بن عمرو بن زيد، وعامر بن سلمة بن عامر، حليف لهم من اليمن وأبو خميصة معبد ابن عباد بن قشير بن المقدم بن سالم بن غنم، وعامر بن البكير حليف لهم.
ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم: نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان.
ومن بني أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف: عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم، وأخوه أوس بن الصامت.
ومن بني دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم: النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد، والنعمان الذي يقال له: قوقل.
ومن بني قربوش بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم: ثابت بن هزال بن عمرو ابن قربوش، ويقال: قربوس بالمهملة.
ومن بني مرضخة بن غنم: مالك بن الدخشم قال ابن إسحاق: ومن بني لوذان ابن غنم بن سالم: ربيع بن إياس بن عمرو بن غنم بن أمية بن لوذان، وأخوه ورقة ابن إياس، وعمرو بن إياس حليف لهم من أهل اليمن.
قال ابن هشام: ويقال عمرو أخو ربيع وورقة.
قال ابن إسحاق: ومن حلفائهم من بلى، ثم من بني غصينة وغصينة: أمهم؛ كما قال ابن هشام، وأبوهم: عمرو بن عمارة: المجذر بن زياد، واسم المجذر: عبد الله بن عمرو بن زمزمة، وعباد، ويقال: عبادة بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة، ونحاب بن ثعلبة بن خزمة، ويقال: نحاث بن ثعلبة، وعبد الله بن ثعلبة ابن خزمة بن أصرم.
قال ابن هشام: وزعموا أن عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية حليف لهم من بهراء قد شهد بدراً.
قال ابن هشام: عتبة بن بهز من بني سليم.
ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، ثم من بني ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة: أبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان، والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة ابن لوذان.
ومن بني البدي بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة: أبو أسيد ماْلك بن ربيعة بن البدي، ومالك بن مسعود وهو إلى البدي.
ومن بني طريف بن الخزرج بن ساعدة: عبد ربه بن حق بن أوس بن وقش بن ثعلبة بن طريف، ومن حلفائهم من جهينة: كعب بن حمار بن ثعلبة قال ابن هشام: ويقال: كعب بن جماز وهو من غبشان وضمرة وزياد وبسبس بنو عمرو، ويقال: ضمرة وزياد ابنا بشر، وعبد الله بن عامر من بلي.
ومن بني جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة بن سعد، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم: خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح، والحباب بن المنذر بن الجموح، وعمير بن الحمام بن الجموح، وتميم مولى خراش بن الصمة، وعبد الله بن عمرو بن حرام، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، ومعوذ بن عمرو بن الجموح، وخلاد بن عمرو بن الجموح، وعقبة بن عامر بن نابي، وخبيب بن الأسود مولى لهم، وثابت بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام، وثعلبة الذي يقال له: الجذع، وعمير بن الحارث بن ثعلبة.
قال ابن هشام: وكل ما كان - ها ههنا - الجموح، فهو: الجموح بن زيد بن حرام، إلا ما كان من جد الصمة، فإنه الجموح بن حرام.
قال ابن إسحاق: ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة، ثم من بني خنساء بن سنان بن عبيد: بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء، والطفيل بن مالك بن خنساء، والطفيل بن النعمان بن خنساء، وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء، وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء، وعتبة بن عبد الله بن صخر ابن خنساء، وجبار بن صخر، وخارجة بن حمير، وعبد الله بن حمير حليفان لهم من أشجع، من بني دهمان.
قال ابن هشام: ويقال: جبار بن صخر بن أمية بن خناس.
قال ابن إسحاق: تسعة نفر.
ومن بني خناس بن سنان بن عبيد: يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس، ومعقل ابن المنذر بن سرح، وعبد الله بن النعمان بن بلدمة، والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد، وسواد بن زريق بن ثعلبة بن عبيد قال ابن هشام: ويقال: سواد بن رزن بن زيد بن ثعلبة ومعبد بن قيس بن صخر بن حرام، وعبد الله بن قيس بن صخر بن حرام.
ومن بني النعمان بن سنان بن عبيد: عبد الله بن عبد مناف بن النعمان، وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان، وخليدة بن قيس بن النعمان، والنعمان بن سنان مولى لهم.
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، ثم من بني حديدة بن عمرو بن غنم ابن سواد: أبو المنذر، وهو يزيد بن عامر بن حديدة، وسليم بن عمرو بن حديدة، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعنترة مولى سليم بن عمرو.
قال ابن هشام: عنترة: من بني سليم بن منصور ثم من بني ذكوان.
ومن بني عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم: عبس بن عامر بن عدي، وثعلبة بن غنمة بن عدي، وأبو اليسر، وهو: كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد، وسهل بن قيس بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد، وعمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم، ومعاذ بن جبل بن عمرو.
قال ابن هشام: إنما نسب ابن إسحاق معاذ بن جبل في بني سواد، وليس منهم؛ لأنه فيهم.
قال ابن إسحاق: والذين كسروا آلهة بني سلمة: معاذ بن جبل، وعبد الله بن أنيس، وثعلبة بن غنمة، وهم في بني سواد بن غنم.
قال ابن إسحاق: ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج، ثم من بني مخلد بن عامر بن زريق، ويقال: عامر بن الأزرق: قيس بن محصن بن خالد بن مخلد، وأبو خالد، وهو: الحارث بن قيس ابن خالد بن مخلد، وجبير بن إياس بن خالد بن مخلد، وأبو عبادة، وهو: سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد، وأخوه عقبة بن عثمان بن خلدة بن مخلد، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد، ومسعود بن خلدة بن عامر بن مخلد.
ومن بني خلدة بن عامر بن زريق: أسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة، والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة.
قال ابن هشام: بسر بن الفاكه، معاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة؛ وأخوه عائذ ابن ماعص بن قيس بن خلدة، ومسعود بن سعد بن قيس بن خلدة.
ومن بني العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق: رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، وأخوه خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان، وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان.
ومن بني بياضة بن عامر بن زريق: زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة، وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة، ورجيلة - بالمعجمة - وعطية بن نويرة بن عامر بن بن عامر بن بياضة، وخليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن فهيرة بن بياضة. قال ابن هشام: ويقال: عليفة.
ومن بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج: رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب.
ومن بني النجار، وهو: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، ثم من بني غنم ابن مالك بن النجار، ثم من بني ثعلبة بن عبد عوف بن غنم: أبو أيوب خالد بن زيد ابن كليب بن ثعلبة.
ومن بني عسيرة بن عبد عوف بن غنم: ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة. قال ابن هشام: ويقال: عشيرة.
قال ابن إسحاق: ومن بني عمرو بن عبد بن عوف بن غنم: عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو، وسراقة بن كعب بن عبد العزى بن غزية بن عمرو.
ومن بني عبيد بن ثعلبة بن غنم: حارثة بن النعمان بن زيد بن عبيد، وسليم بن قيس بن قهد، واسمه: خالد بن قيس بن عبيد.
ومن بني عائذ بن ثعلبة بن غنم، ويقال: عابد، بالموحدة والمهملة - : سهيل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ، وعدي بن أبي الزغباء، حليف لهم من جهينة.
ومن بني زيد بن ثعلبة بن غنم: مسعود بن أوس بن زيد، وأبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد، ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد.
ومن بني سواد بن مالك بن غنم: عوف ومعوذ ومعاذ، بنو الحارث بن رفاعة بن سواد؛ بنو عفراء، والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد ويقال: نعيمان؛ فيما قال ابن هشام وعامر بن مخلد بن الحارث بن سواد، وعبد الله بن قيس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد، وعصيمة حليف لهم من أشجع، ووديعة بن عمرو حليف لهم من جهينة، وثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد، وزعموا أن أبا الحمراء مولى الحارث بن عفراء شهد بدراً.
ومن بني عامر بن مالك بن النجار، وعامر مبذول، ثم من بني عتيك بن عمرو بن مبذول: ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو العتكي، وسهل بن عتيك بن عمرو ابن النعمان، والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك، كسر به في الروحاء، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.
ومن بني عمرو بن مالك بن النجار، وهم: بنو حديلة، ثم من بني قيس بن عبيد ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار: أبي بن كعب بن قيس، وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس.
ومن بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار: أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي، وأبو شيخ بن أبي ثابت بن المنذر بن حرام؛ أخو حسان بن ثابت، وأبو طلحة، وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام.
ومن بني عدي بن النجار، ثم من بني عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار: حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر، وعمرو بن ثعلبة ابن وهب بن عدي، وهو أبو حكيم، وأبو سليط: وهو أسيرة بن قيس بن عمرو، وعمرو أبو خارجة بن قيس بن مالك بن عدي بن عامر، وثابت بن خنساء بن عمرو ابن مالك بن عدي بن عامر، وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي ابن عامر، ومحرز بن عامر بن مالك بن عدي، وسواد بن غزية بن أهيب، حليف لهم من بلي، ويقال: سواد.
قال ابن إسحاق: ومن بني حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار: أبو زيد قيس بن سكن بن قيس بن زعوراء بن حرام، وأبو الأعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام، وسليم بن ملحان، وحرام بن ملحان.
ومن بني مازن بن النجار، ثم من بني عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار: قيس بن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة: عمرو بن زيد بن عوف، وعبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف، وعصيمة حليف لهم من بني أسد بن خزيمة.
ومن بني خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن: أبو داود عمير بن عامر بن مالك بن خنساء، وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء.
ومن بني ثعلبة بن مازن بن النجار: قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب ابن الحارث بن ثعلبة.
ومن بني دينار بن النجار، ثم من بني مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار ابن النجار: النعمان بن عبد عمرو بن مسعود، والضحاك بن عبد عمرو بن مسعود، وسليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن حارثة بن دينار، وهو أخو الضحاك، والنعمان ابني عبد عمرو، لأمهما؛ وجابر بن خالد بن عبد الأشهل بن حارثة، وسعد بن سهيل بن عبد الأشهل.
ومن بني قيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينار بن النجار: كعب بن زيد بن قيس، وبجير بن أبي بجير، حليف لهم من عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، ثم من بني جذيمة بن رواحة.
قال ابن إسحاق: فجميع من شهد بدراً من الخزرج: مائة وسبعون رجلاً.
قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم يذكر في الخزرج ببدر في بني العجلان بن زيد ابن غنم: عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان، ومليل بن وبرة بن خالد بن العجلان، وعصمة بن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان.
وفي بني حبيب بن عبد: حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج، وهم من بني زريق، وهلال بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن عدي بن زيد بن ثعلبة بن مالك بن زيد مناة بن حبيب.
قال ابن إسحاق: فجميع من شهد بدراً من المسلمين من المهاجرين والأنصار، ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلاثمائة رجل وأربعة عشر رجلاً؛ ثلاثة وثمانون من المهاجرين، ومن الأوس واحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلاً.
واستشهد من المسلمين يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قريش، ثم من بني المطلب بن عبد مناف: عبيدة بن الحارث بن المطلب: قتله عتبة بن ربيعة، قطع رجله فمات بالصفراء.
ومن بني زهرة بن كلاب: عمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة؛ أخو سعد بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة، حليف لهم من خزاعة.
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي: عاقل بن البكيرة حليف لهم من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
ومن بني الحارث بن فهر: صفوان بن بيضاء.
ومن الأنصار، ثم من بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر ابن زنبر، ويقال: مرة بن زنبر.
ومن بني الحارث بن الخزرج: يزيد بن الحارث، وهو الذي يقال له: ابن فسحم.
ومن بني سلمة، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عمير بن الحمام.
ومن بني حبيب بن عبد حارثة: رافع بن المعلى، ومن بني النجار: حارثة بن سراقة بن الحارث، ومن بني غنم بن مالك بن النجار: عوف ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد، وهما ابنا عفراء نقل صاحب تاريخ الخميس العلامة حسين بن محمد الديار بكري، عن الجلال الدواني، عن كبار مشايخه - أن الدعاء مستجابٌ عند ذكر أصحاب بدر، رضي الله تعالى عنهم ونفعنا بهم.
تسميةُ من قتل من المشركين يوم بدر:
من قريش، ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف: حنظلة بن أبي سفيان بن حرب ابن أمية بن عبد شمس: قتله زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: اشترك فيه حمزة، وعلي، وزيد؛ قاله ابن هشام. وعتبة بن ربيعة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأخوه شيبة بن ربيعة، وابنه الوليد بن عتبة. والحارث وعامر ابنا الحضرمي حليفان لهم: قتل عامراً عمارُ بن ياسر، وقتل الحارث النعمان بن عصر، حليف الأوس؛ فيما قال ابن هشام.
وعمير بن أبي عمير وابنه موليان لهم: قتل عميراً سالم مولى أبي حذيفة.
قال ابن إسحاق: وعبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس: قتله الزبير بن العوام، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية: قتله علي بن أبي طالب، وعقبة بن أبي معيط: قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أخو بني عمرو بن عوف - صبراً.
قال ابن هشام: ويقال: علي بن أبي طالب.
قال ابن إسحاق: وعتبة بن ربيعة: قتله عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
قال ابن هشام: اشترك فيه هو وحمزة وعلي.
قال ابن إسحاق: وشيبة بن ربيعة: قتله حمزة بن عبد المطلب. والوليد بن عتبة بن ربيعة: قتله علي بن أبي طالب. وعامر بن عبد الله، حليف لهم من بني أنمار ابن بغيض: قتله علي بن أبي طالب.
ومن بني نوفل بن عبد مناف: الحارث بن عامر بن نوفل: قتله - فيما يذكرون - خبيب بن أساف، أخو بني الحارث بن الخزرج. وطعيمة بن عدي بن نوفل: قتله علي بن أبي طالب، ويقال: حمزة بن عبد المطلب.
ومن بني أسد بن عبد العزي: زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، قال ابن هشام: قتله ثابت بن الجذع، أخو بني حرام، ويقال: اشترك فيه علي وحمزة وثابت.
قال ابن إسحاق: والحارث بن زمعة: قتله عمار بن ياسر؛ فيما قال ابن هشام.
وعقيل بن الأسود بن المطلب: قتله حمزة وعلي. وأبو البختري العاصي بن هشام: قتله المجذر بن زياد البلوي. ونوفل بن خويلد بن أسد، وهو ابن العدوية عدي خزاعة، أخو خديجة - رضي الله عنها - وكان من شياطين قريش، وهو الذي قرن أبا بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله، حين أسلما؛ فكانا يسميان: القرينين لذلك، قتله علي بن أبي طالب.
ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف ابن عبد الدار: قتله علي بن أبي طالب صبراً، عند عود رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء فيما يذكرون قال ابن هشام: ويقال: النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة وزيد بن مليص، مولي عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار: قتله بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وقيل قتله المقداد بن عمرو.
قال ابن إسحاق: ومن تيم بن مرة: عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم: قتله علي بن أبي طالب، ويقال: قتله عبد الرحمن بن عوف. وعثمان بن مالك بن عبيد الله بن عثمان بن كعب: قتله صهيب بن سنان.
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو جهل بن هشام، واسمه: عمرو بن هشام ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح، فقطع رجله، وضربَ ابنُه عكرمة، يد معاذ فطرحها، ثم ضربه معوذ بن عفراء؛ حتى أثبته وتركه وبه رمق، ثم ذفف عليه عبد الله بن مسعود، واحتز رأسه حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به أن يلتمس في القتلى.
والعاصي بن هشام بن المغيرة: قتله عمر بن الخطاب.
ويزيد بنْ عبد الله حليف لهم من بني تميم. قال ابن هشام: ثم أحد بني عمرو ابن تميم وكان شجاعاً قتله عمار بن ياسر. قال ابن إسحاق: وأبو مسافع الأشعري حليف لهم: قتله أبو دجانة الساعدي. وحرملة بن عمر حليف لهم: قتله خارجة بن زيد بن أبي زهير، أخو بني الحارث بن الخزرج، ويقال: قتله علي بن أبي طالب؛ قالهما ابن هشام.
وحرملة من بني الأسد، ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة: قتله علي بن أبي طالب، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة: قتله عمار بن ياسر، ويقال: علي بن أبي طالب؛ ورفاعة بن أبي رفاعة بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم: قتله سعد ابن الربيع، أخو بلحارث بن الخزرج، فيما قال ابن هشام.
والمنذر بن أبي رفاعة بن عائذ: قتله معن بن عدي بن الجد بن العجلان حليف لهم. وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة بن عائذ: قتله علي بن أبي طالب، والسائب ابن أبي السائب بن عائذ.
قال ابن هشام: والسائب بن أبي السائب: شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء في الحديث فيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم الشريكُ السائبُ لا يشاري ولا يماري " وكان أسلم فحسن إسلامه فيما بلغنا.
قال: وذكر ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس: أن السائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش، وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين، وذكر غير ابن إسحاق أن الذي قتله: الزبير بن العوام.
قال ابن إسحاق: والأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: قتله حمزة بن عبد المطلب. وحاجب بن السائب قتله علي بن أبي طالب. وعويمر بن السائب بن عويمر: قتله النعمان بن مالك القوقلي مبارزة، فيما قال ابن هشام وعمرو بن سفيان وجابر بن سفيان، حليفان لهم من طيئ: قتل عمراً يزيد بن رقيش، وقتل جابراً أبو بردة بن نيار.
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي: منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، قتله أبو اليسر أخو بني سلمة، وابنه العاصي بن منبه بن الحجاج: قتله علي بن أبي طالب، ونبيه بن الحجاج: قتله حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن أبي وقاص: اشتركا فيه فيما قاله ابن هشام وأبو العاص بن قيس بن علي ابن سعيد بن سهم: قتله علي بن أبي طالب، ويقال: النعمان بن مالك القوقلي، ويقال: أبو دجانة. وعاصم بن أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم: قتله أبو اليسر أخو بني سلمة.
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي: أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح: قتله رجل من الأنصار من بني مازن، وقيل: قتله معاذ بن عفراء، وخارجة بن زيد، وخبيب بن أساف؛ اشتركوا فيه. وابنه علي بن أمية بن خلف: قتله عمار بن ياسر. وأوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح: قتله علي ابن أبي طالب، ويقال: قتله الحصين بن الحارث بن المطلب، وعثمان بن مظعون؛ اشتركا فيه، فيما قاله ابن هشام.
ومن بني عامر بن لؤي: معاوية بن عامر، حليف لهم من عبد القيس: قتله علي ابن أبي طالب، ويقال: عكاشة بن محصن. ومعبد بن وهب، حليف لهم من بني كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث: قتله خالد وإياس ابنا البكير، ويقالة أبو دجانة.
قال ابن إسحاق: فجميع من أحصى لنا من قتلى قريش يوم بدر: خمسون رجلاً.
قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة معمر بن المثنى، عن أبي عمرو؛ أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلاً، والأسرى كذلك، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب، وفي كتاب - الله عز وجل: " أوَ لمَا أَصابتكمُ مصِيبَة قد أَصَبتُم مِثلَيها " اَل عمران: 165، يقول لأصحاب أحد وكان من استشهد منهم سبعين رجلاً، يقول: قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم بأحد سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً.
قال: وأنشدني أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك: من الكامل:
فأَقَامَ بِالعَطَنِ المُعَطنِ مِنهُمُ ... سَبعُونُ عُتبَةُ مِنهُمُ وَالأَسوَدُ
قال ابن هشام: يعني قتلى بدر. وهذا البيت في قصيدة له في حديث يوم أحد، سأذكرها في موضعها؛ إن شاء الله تعالى.
وممن لم يذكر ابن إسحاق من هؤلاء السبعين القتلى من بني عبد شمس بن عبد مناف: وهب بن الحارث من بني أنمار بن بغيض حليف لهم، وعامر بن زيد حليف لهم من اليمن.
ومن بني أسد بن عبد العزى: عقبة بن زيد حليف لهم من اليمن، وعمير مولى لهم.
ومن بني عبد الدار بن قصي: نبيه بن زيد بن مليص، وعبيد بن سليط، حليف لهم من قيس.
ومن بني تيم بن مرة: مالك بن عبيد الله بن عثمان، أسر فمات في الأسارى فعد في القتلى، ويقال: وعمرو بن عبد الله بن جُدعان.
ومن بني مخزوم بن يقظة: حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة؛ قتله سعد بن أبي وقاص، وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة: قتله صهيب بن سنان، وزهير بن أبي رفاعة: قتله أبو أسيد مالك بن ربيعة، والسائب بن أبي رفاعة: قتله عبد الرحمن بن عوف، وعائذ بن السائب بن عويمر: أسر ثم افتدى، فمات في الطريق من جراحة جرحه إياها حمزة بن عبد المطلب، وعمير حليف لهم من طيئ وخيار حليف لهم من القارة.
ومن بني جمح بن عمرو: سبرة بن مالك حليف لهم.
ومن بني سهم بن عمرو: الحارث بن منبه بن الحجاج: قتله صهيب بن سنان، وعامر بن أبي عوف بن صبيرة، أخو عاصم: قتله عبد الله بن سلمة العجلاني، ويقال: أبو دجانة
تسمية من أسر من المشركين يوم بدر:
قال ابن إسحاق: وأسر من المشركين من قريش يوم بدر، ثم من بني هاشم بن عبد مناف: عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
ومن بني المطلب بن عبد مناف: السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، ونعمان بن عمرو بن علقمة بن المطلب.
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عمرو بن أبي سفيان بن حرب، والحارث بن أبي وجرة بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، ويقال: ابن أبي وحرة - بالحاء المهملة - وأبو العاص بن نوفل بن عبد شمس، وأبو العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس؛ ومن حلفائهم: أبو ريشة بن أبي عمرو، وعمرو بن الأزرق، وعقبة ابن عبد الرحمن بن الحضرمي.
ومن بني نوفل بن عبد مناف: علي بن الخيار بن عدي بن نوفل، وعثمان بن عبد شمس ابن أخي غزوان بن جابر، حليف لهم من بني مازن بن منصور؛ وأبو ثور حليف لهم.
ومن بني عبد الدار بن قصي: أبو عزيز بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، والأسود بن عامر حليف لهم، ويقولون: نحن بنو الأسود بن عامر بن عمرو بن الحارث بن السباق.
ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي: السائب بن أبي حبيش بن المطلب بن أسد، والحويرث بن عباد بن عثمان بن أسد.
قال ابن إسحاق: وسالم بن شماخ حليف لهم.
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة: خالد بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وصيفي ابن أبي رفاعة بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وأبو المنذر بن أبي رفاعة بن عائذ، وأمية بن أبي حذيفة بق المغيرة، وأبو عطاء عبد الله بن أبي السائب بن عائذ، والمطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، وخالد بن الأعلم حليف لهم، وهو - فيما يذكر - كان أول من ولى فاراً منهزماً، وهو الذي يقول: من الطويل:
لَسنَا عَلَى الأدبارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقدَامِنَا يَقطُرُ الدمُ
قال ابن هشام ويروي: ولسنا على الأعقاب. وخالد بن الأعلم: من خزاعة، ويقال: عقيلي.
قال ابن إسحاق: ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب: أبو وداعة بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم، كان أول أسير افتدى من أسارى بدر، افتداه ابنه المطلب بن أبي وداعة. وفروة بن قيس بن عدي بن حذافة بن سعد بن سهم، وحنظلة بن قبيصة بن حذافة، والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدى بن سعيد.
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص: عبد الله بن أبي خلف بن وهب بن حذافة ابن جمح، وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذاقة بن جمح، والفاكه مولى أمية بن خلف، وهو يزعم أنه من بني الشماخ بن محارب بن فهر، ووهب بن عمير بن وهب، وربيعة بن دراج بن العنبس بن أهبان بن وهب.
ومن بني عامر بن لؤي: سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسان بن عامر أسره مالك بن الدخشم، أخو بني سالم بن عوف. وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس.
ومن بني الحارث بن فهر: الطفيل بن أبي قنيع، وعتبة بن عمرو بن جحدم.
فجميع من حفظ لنا من الأسارى ببدر ثلاثة وأربعون رجلاً.
قال أبن هشام: وبقي من جملة العدد رجل لم أذكر اسمه، وممن لم يذكر ابن إسحاق من الأسرى: من بني هاشم بن عبد مناف: عتبة حليف لهم من بني فهر، ومن بني المطلب بن عبد مناف: عقيل بن عمرو، حليف لهم، وأخوه تميم بن عمرو وابنه.
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: خالد بن أسيد بن أبي العيص، وأبو العريض يسار مولى العاص بن أمية.
ومن بني نوفل بن عبد مناف: نبهان مولى لهم.
ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي: عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث.
ومن بني عبد الدار: عقيل حليف لهم من اليمن.
ومن بني تيم بن مرة: مسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم، وجابر بن الزبير حليف لهم.
ومن بني مخزوم: قيس بن السائب.
ومن بني جمح بن عمرو: عمرو بن أبي بن خلف، وأبو رهم بن عبد الله، حليف لهم؛ وحليف لهم آخر ذهب عني اسمه، وموليان لأمية بن خلف، أحدهما: نسطاس، وأبو رافع غلام أمية بن خلف.
ومن بني سهم بن عمرو: أسلم مولى نبيه بن الحجاج.
ومن بني عامر بن لؤي حبيب بن جابر، والسائب بن مالك.
قال ابن إسحاق: ومن بني الحارث بن فهر: شافع وشفيع حليفان لهم من اليمن.
قلت: العجب من ابن هشام أنه لم يذكر العباس بن عبد المطلب في جملة الأسرى، وقد ذكره غيره ويدل له الحديث الشريف: " إني لم أبت من أنين العباس فاحللوا من وثاقه " أو كما قال صلى الله عليه وسلم!.
وكان مما قيل في بدر من الشعر، وترادَّ به القوم بينهم لما كان فيه، قول حمزة ابن عبد المطلب - يرحمه الله - قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها: من الطويل:
أَلَم تَرَ أَمْراً كَانَ مِنْ عَجَب الدَهْرِ ... وَلِلحَينِ أَسبَاب مُبَينةُ الأَمر
وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَ قَوْماً أَفَادَهُم ... فَخَانُوا تَوَاصَوا بِالعُقُوقِ وَبِالكُفر
عَشِيةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُوناً لِلركِيةِ من بَدرِ
وَكُنا طَلَبْنَا العِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَاروا إِلَينَا فالتقينا عَلَى قَدرِ
فَلَمّا التَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيةٌ ... لَنَا غَيرَ طَعنٍ بِالمثقفَةِ السمرِ
وَضَرْب بِبِيضِ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدهَا ... مُشَهَرَةِ الألوَانِ بَينةِ الأَثر
وَنَخنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَي ثَاوِياًوَشَيْبَةَ فِي قَتلَى تَجَرجَمَ فِي الجَفرِ
وَعَمْرو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِن حُمَاتِهِم ... فَشُفت جُيوبُ النائِحَاتِ عَلَى عَمرِو
جُيُوبُ نِسَاء مِنْ لُؤَي بْنِ غَالِب ... كِرَام تَفَزعنَ الذوَائِبَ من فِهرِ
أُولئكَ قَوْم قُتلُوا فِي ضَلاَلِهِم ... وَخَلوا لِوَاءً غَيرَ مُختَضَرِ النصرِ
لِوَاءَ ضَلاَلِ قَادَ إِبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِم إِن الخَبِيثَ إِلَى غَدرِ
وَقَالَ لَهُم إِذْ عَايَنَ الأَمْرَ وَاضِحَاً:بَرِئتُ إِلَيكُم مَا بي اليَومَ من صَبرِ
فَإني أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَإننِي ... أَخَافُ عِقَابَ الله، وَالله ذُو قَسرِ
فَقَدمَهُم لِلحَين حَتى تَوَرطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَم يَخبُرِ القَومُ ذَا خُبرِ
فَكَانُوا غَداةَ البِئْرِ ألفاً ؤجَمعُنَا ... ثَلاثَ مِئِينٍ كالمُسَدمَةِ الزهرِ
وَفِينَا جُنُودُ الله حِينَ يُمِدنَا ... بِهِم فِي مَقَامٍ ثَم مُستَضوِح الذكر
فَشَد بِهِم جِبرِيلُ تَختَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأزِق فِيهِ مَنَايَاهُمُ تَجرِي
فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة فقال من الطويل:
أَلاَ يَا لَقَومِي لِلصبَابَةِ وَالهَجرِ ... وَللحُزنِ مِنًي وَالحَرَارَةِ فِي الصدرِ
وَللدمعِ من عَينَيَ جوداً كَأنهُ ... فَرِيد هَوى من سِلك نَاظِمِهِ يَجرِي
عَلَى البَطَلِ الحُلوِ الشَمَائِلِ إِذ ثَوَى ... رَهِينَ مقَامٍ لِلركِيةِ من بَدرِ
فَلاَ تَبعَدَن يَا عَمرُو من ذِي قَرَابَةٍ ... وَمِن ذِي نِمَامٍ كَانَ ذا خُلُقٍ غَمرِ
فَإِن يَكُ قؤنم صَادَفُوا مِنكَ دولَةً ... فلا بُد لِلأيَامِ من دول الدهرِ
فَقَد كُنتَ فِي صَرفِ الزمَانِ الذِي مَضَى ... تُرِيهِم هَوَاناً مِنكَ ذا سُبُلٍ وَعرِ
فَإن لاَ أَمُت يَا عَمرُو أَترُككَ ثَائِراً ... وَلا أبقِ دبقيا فِي إِخَاءٍ وَلاَ صِهرِ
وأَقطَعُ ظَهراً من رِجَالٍ بِمَعشَرِ ... كِرَام عَلَيهِم مِثل مَا قَطَعُوا ظَهرِي
أَغَرهُمُ مَا جَمعُوا من وَشِيظَة ... وَنَحنُ الصمِيمُ فِي القَبَائِلٍ من فِهرِ؟!
فَيَالَ لُؤَي ذببُوا عَن حَرِيمِكُم ... وَآلِهَة لاَ تَترُكُوهَا لِذي الفَخرِ
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكمْ وَوَرِثتُمُ ... أَوَاسِيهَا والبَيتَ ذا السقفِ وَالسترِ
فَمَا لحليم قَد أَرَادَ هَلاَكَكُمفَلاَ تَغذرُوهُ آلَ غَالِبَ من عُذرِ
وَجِدوا لِمًنْ عَادَيتُمُ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعاً فِي التأسي وَفي الصبرِ
لَعَلكُمُ أَن تَثأَرُوا بِأَخِيكُمُ ... وَلاَ شَيْء إِن لَنم تَثأَرُوا بِذَوِي عَمرِو
بمُطرِدَاتٍ فِي الأكُف كَأنَهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الهَامَ بَينَة الأَئر
كأن مَدب الذر فَوقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُردَت يَوماً لأعدَائِهَا الخُزرِ
قال ابن هشام: أبدلنا في هذه القصيدة كَلمتين مِما رَوَى ابن إسحاق، وهما الفَخر في آخر البيت العاشر، وفَمَا لِحَلِيم في أول البيت الثاني عشر لأنه نال فيهما من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام: ولم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها ولا نقيضتها، وإنما كتبناها لأنه يقال: إن عمرو بن عبد الله بن جدعان قتل يوم بدر، ولم يذكره ابن إسحاق في القتلى، وذكره في هذا الشعر.
قال ابن إسحاق: وقال علي بن أبي طالب: من الطويل:
أَلَم تَرَ أَن الله أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلاَءَ عَزِيزٍ ذِي اقتِدَارٍ وذِي فَضلِ؟!
بِمَا أَنزَلَ الكُفارَ دَارَ مَذَلةٍ ... فَلاَقَوا هَوَانا من إسَارٍ وَمِن قَتل
فَأمسَى رَسُولُ الله قَد عَز نَصرُهُ ... وَكَانَ رَسولُ الله أُزسِلَ بِالعَدلِ
فَجَاءَ بِفُرقَانٍ مِنَ الله مُنزَلٍ ... مُبَينَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي العَقلِ
فَآمَنَ أَقوَام بِذَاكَ وَأيقَنُوا ... فَأَمسَوا بِحَمدِ الله مُجتَمِعِي الشملِ
وَأنكَرَ أَقوَام فَزَاغَت قُلُوبُهم ... فَزَادهمُ ذُو العَرشِ خَبلاً عَلَى خَبل
وَأَمكَنَ مِنهُمْ يَومَ بَدرٍ رَسُولَهُ ... وَقَوماً غِضَاباً فِعلُهُم أَحسَنُ الفِعلِ
بأَيديهِمُ بِيض خِفَافْ عَصَوا بِهَا ... وقَد حَادَثُوهَا بِالجلاَءِ وَبِالصقلِ
فَكَم تَرَكُوا من نَاشِئ ذِي حَمِية ... صَرِيعاً وَمِن ذِي نَجدةٍ مِنهُمُ كَهلِ
تَبِيتُ عُيُونُ النَائِحَاتِ عَلَيهِمُ ... تَجُودُ بِإِسبَالِ الرشَاشِ وَبِالوَيلِ
نَوَائِح تَنعَى عُتْبَةَ الغَي وَابنَهُ ... وَشَيبَةَ تَنعَاهُ وَتَنعَى أَبا جَهلِ
وَذَا الرجلِ تَنعَى وَابنَ جُدعَانَ فِيهِم ... مُسَلبَة حَرى مُبَينَةَ الثُّكل
ثَوَى مِنْهُمُ فِي بِئْرِ بدر عِصَابَةٌ ... ذَوُو نَجَدَاتٍ فِي الحُرُوبِ وَفي المَحلِ
دَعَا الغَيُّ مِنْهُم من دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَللغَيِّ أَسبَاب مُرَمقَةُ الوَصلِ
فَأَضحَوا لَدَى دَارِ الجَحِيمِ بمعزِلٍ ... عَنِ الشغبِ وَالعُدوَانِ في أَشغَلِ الشغلِ
فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة، فقال من الطويل:
عَجِبتُ لأَقوَام تَغَنَّى سَفِيههُم ... بِأَمرِ سَفَاهٍ ذِي اعتِرَاض وَذِي بُطل
تَغَنَّى بِقَتلَى يَومِ بَدرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَام المَسَاعِي من غُلاَمٍ وَمِن كَهلِ
مَصَالِيتُ بِيض مِنْ ذُؤَابَةِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينُ في الهَيجَا مَطَاعِيمُ في المَحلِ
أُصيبُوا كِرَاماً لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوم سِوَاهُم نَازِحِي الدارِ وَالأَصلِ
كَمَا أَصبَحَت غَسانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُم بَدَلاً مِنا فَيَا لَكَ من فِعلِ
عُقُوقاً وإِثْماً بَيناً وَقَطِيعَةً ... يَرَى جَورَكُم فِيهَا ذَوُو الرَّأي وَالعَقلِ
فَإِن يكُ قَوم قَدْ مَضَوا لِسَبِيلِهِم ... وَخَيرُ المَنَايَا مَا يَكُونُ مِنَ القَتلِ
فَلا تَفرَحُوا أَنْ تَقتُلُوهُم فَقَتلُهُمْ ... لَكُم كَائِن خَبلاً مُقِيماً عَلَى خَبل
فَإنكُمُ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتلِهِمْ ... شَتِيتاً هَوَاكُم غَير َمُجتَمِعِي الشملِ
بِفَقدِ ابنِ جُدْعَانَ الحَمِيدِ فعَالُهُ ... وَعُتبَةَ وَالمَدعُو فِيكُم أَبا جَهلِ
وَشَيبَةُ فِيهِم وَالْوَلِيدُ وفِيهِمُ ... أُمَيةُ مَأوَى المُقتِرِينَ وَذُو الرِّجلِ
أُولئِكَ فَابكِ ثم لاَ تَبْكِ غَيرَهُم ... نَوَائِحُ تَدعُو بِالرزِيةِ وَالثكلِ
وَقولُوا لأهلِ الْمَكَتَينِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إِلَى آطَامِ يَثربَ ذِي النخلِ
جَمِيعاً وَحَامُوا آلَ كَعبِ وَذَبِّبُوا ... بخَالِصَةِ الألوَانِ مُحدَثَةِ الصقلِ
وإلاَّ فَبِيتُوا خَائِفِينَ وَأَصبِحُوا ... أًذَلَّ لِوَطءِ الوَاطِئِينَ مِنَ النعلِ
عَلَى أنَّنِي، وَاللاتِ، يَا قَومِ فَاعلَمُوا ... بِكُم وَاثق أَلاَّ تقيمُوا عَلَى تَبل
سِوَى جَمْعِكَم لِلسَّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلبِيضِ والْبِيضِ القَوَاطِعِ وَالنبلِ
وقال ضرار بن الخطاب بن مرداس، أخو بني محارب بن فهر: من الطويل:
عَجِبتُ لِفَخرٍ الأوسِ، وَالحَينُ دَائِرُ ... عَلَيهِم غَداً، وَالدهرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وفَخرِ بَنِي النَّجَّارِ أَن كَانَ مَعشَر ... أُصِيبُوا بِبَدر كُلهُم ثَمَّ صَابِرُ
فَإِن تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنا رِجَالاً بَعدهم سَنُغَادِرُ
وَتَردِي بِنَا الْجُرد العَنَاجِيج وَسطَكُمبَنِي الأَوسِ حَتى يَشفِىَ النفسَ ثَائِرُ
وَوَسطَ بَني النجارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا ... لَهَا بِالقَنَا وَالدارِعِينَ زَوَافِرُ
فَنَترُك صَرعَى تَعْصِبُ الطيرُ حَوْلَهُم ... وَلَيسَ لَهُم إِلا الأَمَانِي نَاصِر
وَتَبكِيهِمُ مِنْ أَهْلٍ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُن بِهَا لَيل عَنِ النومِ سَاهِرُ
وَذَلِكَ أَنا لاَ تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنَّ دَم مِما يُحَارِبنَ مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْم بَدْرٍ فَإِنمَا ... بِأَحْمَدَ أَمسَى جَدكُم وَهوَ ظَاهِرُ
وَبالنفَرِ الأخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي اللأوَاءِ وَالمَوت حَاضِرُ
يُعَدُّ أَبُو بَكْر وَحَمْزَةُ فِيهمُ ... ويُدْعَى عَلِى وَسطَ من أَنتَ ذَاكِرُ
أُولئكَ لاَ مَنْ نَتَجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الأوسِ وَالنجارِ حِينَ تُفَاخِرُ
وَلَكِن أَبُوهُمْ مِن لُؤَي بْنِ غَالِب ... إِذَا عُدتِ الأَنسَابُ كَعب وعَامِرُ
هُمُ الطاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كل مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الهِيَاجِ الأَطيَبونَ الأكَابِرُ
فأجابه كعب بن مالك، أخو بني سلمة؛ فقال: من الطويل:
عَجِبتُ لأمرِ الله، وَالله قَادِرُ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيسَ لله قاهِرُ
قَضَى يَوْمَ بدر أَنْ نُلاَقِيَ مَعْشَراً ... بَغَوْا، وسَبِيلُ البَغي بِالناسِ جَائِرُ
وَقَد حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مَنْ يَلِيهِمُ ... مِنَ الناسِ حَتَى جَمعُهُم مُتَكَاثِرُ
وَسَارَت إِلَيْنَا لاَ تُحَاوِلُ غَيْرنَا ... بِأَجمَعِهَا كَعب جَمِيعاً وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُول الله، وَالأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِل مِنهُم عَزيزٌ وَنَاصِرُ
وَجَمْعُ بَنِي النجارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يَمِيسُونَ فِي المَاذِي وَالنَّقعُ ثَائِرُ
فَلَما لَقِينَاهُمْ، وَكُل مُجَاهِدٌ ... لأصحَابِهِ مُستبسِلُ النفسِ صَابِرُ
شَهِدْنَا بأن الله لاَ رَبَّ غَيرُهُ ... وأَن رَسُولَ الله بِالحق ظَاهِرُ
وَقَد عُرِّيَت بِيض خِفَافٌ كَأَنهَا ... مَقَابِيسُ يُزهِيهَا لِعَينيك شَاهِرُ
بِهن أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَددوا ... وَكَانَ يُلاَقِي الحَين من هُوَ فَاجِرُ
فَكب أَبُو جَهْلٍ صَرِيعاً لِوَجْهِهِ ... وَعُتبَةُ قَد غَادرنَهُ وَهوَ عَاثِرُ
وشَيبَةَ والتَيْمِيَّ غَادرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنهُمُ إِلا بِذِي الْعَرش كافِرُ
فَأَمسَوا وَقُودَ النارِ فِي مُستقرهَا ... وَكُل كَفُورٍ في جَهَنمَ صَائِرُ
تَلظى عَلَيهِم وهي قد شَب حَميَهَا ... بِزُبرِ الحَديدِ وَالحِجَارَةِ سَاجِرُ
وَكَانَ رَسُولُ الله قد قَالَ: أَقبِلُوا ... فَوَلوا، وَقَالُوا: إِنمَا أنتَ سَاحِرُ
لأمرٍ أَرَادَ الله أَن يَهلِكُوا بِهِ ... وَلَيسَ لأَمرٍ حَمَّهُ الله زَاجِرُ
وقال عبد الله بن الزبعري السهمي؛ يبكي قتلى بدر - قال ابن هشام: وتروى للأعشى بن زرارة بن النباش، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم، حليف بني نوفل بن عبد مناف؛ قال بن إسحاق: حليف بني عبد الدار - : من الكامل:
مَاذَا عَلَى بَدرٍ وَمَاذا حَولَهُ ... من فِتيةٍ بِيضِ الوُجُوهِ كِرَامِ
تَرَكُوا نُبَيهاً خَلفَهُم ومُنَبهاً ... وَابنَي رَبِيعَة خَيرَ خَصم فِئَامِ
والحَارِثَ الفَياضَ يَبرقُ وَجهُهُ ... كَالبَدرِ جَلى لَيلَةَ الإظلاَم
وَالعَاصِيَ بنَ مُنَبهٍ ذَا مِرةٍ ... رُمحاً تَمِيماً غَيرَ ذي أَوصَامِ
تَنمِي بِهِ أَعرَاقُهُ وَجُدودُهُ ... وَمَآثِرُ الأَخوَالِ وَالأَعمَام
وَإذا بَكَى بَاكٍ فَأَعوَلَ شَجوَهُ ... فَعَلَى الرئيسِ المَاجِدِ ابنِ هِشَام
حَيَّا الإلهُ أبا الوَلِيدِ وَرَهطَهُ ... رَب الأَنامِ وَخَصَّهُ بِسَلاَمِ
فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري فقال: من الكامل:
إِبكِ بَكَت عَينَاكَ ثُم تَبَادرت ... بدِمَ يَعُل غُرُوبَهَا سَجّامِ
مَاذَا بَكَيتَ بِهِ الذِينَ تَتَابَعُوا؟! ... هَلا ذَكَرتَ مَكَارِمَ الأَقوَامِ!
وَذَكَرتَ مِنَّا مَاجِداً ذَا هِمَّةٍ ... سَمح الخَلاَئِقِ صادق الإقدامِ
أَعني النبِي أَخَا الْمَكَارِمِ وَالندَى ... وَأَبر من يولِي عَلَى الأًقسَامِ
فَلَمِثلُهُ وَلَمِثلُ ما يَدعُو لَهُ ... كَانَ الممدحَ ثم غَيرَ كَهَامِ
وقال حسان بن ثابت - أيضَاً - :من الكامل:
تَبَلَت فُؤَادكَ فِي الْمَنَامِ خَرِيدَة ... تَشفِي الضجِيعَ بِبَارِد بسَامِ
كَالمسكِ تَخلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَو عَاتِقٍ كَدمَ الذبيح مُدامِ
نُفُج الحَقِيبَةِ بَوصُهَا مُتَنضّد ... بَلهَاءُ غَيرُ وَشِيكَةِ الأَقسَامِ
بُنِيَت عَلَى قَطَنٍ أَجَم كَأَنهُ ... فُضُلاً إِذا قَعَدَت مَداكُ رُخَامِ
وَتكادُ تَكسَلُ أَن تَجِيءَ فِرَاشَهَا ... فِي جِسمِ خَرعَبَةٍ وَحُسنِ قَوَامِ
أَما النهَارَ فَلاَ أُفَتَّرُ ذِكرَهَا ... وَالليل تُوزِعُنِي بهَا أَحلاَمِي
أَقسَمتُ أَنسَاهَا وَأَتركُ ذِكرَهَا ... حَتى تُغَيبَ فِي الضرِيحِ عِظَامِي
يَا من لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَد عَصَيتُ عَلَى الهَوَى لُوامِي
بَكَرَت عَلَى بِسُحرَةٍ بَعدَ الكَرَى ... وَتَقَارُبٍ من حَادِثِ الأيامِ
زَعَمَت بِأَن المَرءَ يُكربُ عُمرَه ... عَدَم لِمُعتَكِرٍ مِنَ الأصرَامِ
إِن كنتِ كاذِبَةَ الذِي حَدثتِنِي ... فَنَجَوتِ مَنجَى الحَارِثِ بنِ هِشَامِ
تَرَكَ الأَحِبةَ أَن يُقَاتِلَ دونَهُم ... وَنَجَا بِرَأسِ طِمِرةِ وَلجامِ
يذَرُ العَنَاجِيجَ الجيَادَ بِقَفرَة ... مَر الدمُوكِ بِمُحصَد وَرِجَامِ
مَلأت بِهِ الفَرجَين فَارمَدت بِهِ ... وَثَوَى أَحِبتُهُ بشَر مقَامِ
وبَنُو أبِيهِ وَرَهطُهُ في مَعرَكٍ ... نَصَرَ الإله بِهِ ذوِي الإسلاَمِ
طَحَنَتهُمُ، والله يُنفذُ أَمرَهُ ... حَرب يُشَب سَعِيرُها بِضِرَامِ
لَولاَ الإلَهُ وَجَريُهَا لَتَرَكنَهُ ... جَزَرَ السبَاع وَدسنَهُ بِحَوَامِ
من بَين مَأسور يُشَد وَثَاقهُ ... صَقرٍ إِذا لاقَى الأَسِنَّةَ حَامِي
ومُجَدلِ لاَ يَستَجِيبُ لِدَعوَةٍ ... حَتى تَزُولَ شَوَامِخُ الأَعلاَم
بِالعَارِ وَالذل المُبَينِ إِذ رَأَى ... بِيضَ السيُوفِ تَسُوقُ كُل هُمَامِ
بِيَدَي أَغَرَّ إِذَا انتَمَى لَم يُخزِه ... نَسَبُ القِصَارِ سَمَيدَعٍ مِقدام
بِيضْ إِذا لاَقَت حَدِيداً صَممَت ... كَالبَرقِ تَحتَ ظلام كُلً غَمَامِ
فأجابه الحارث بن هشام - فيما ذكر هشام - فقال: أمن الكامل:
الله أَعلَم مَا تَرَكتُ قِتَالَهُم ... حَتى حَبَوا مهرِي بِأَشقَرَ مُزبِدِ
وَعَلِمتُ أَني إِنْ أُقَاتِلْ واحداً ... أُقتَلْ وَلاَ يُنْكِي عَدُوي مَشهَدِي
فَصَددتُ عَنْهُم وَالأحِبَّةُ فِيهِمُ ... طَمَعاً لَهُمْ بِعِقَابِ يَومٍ مُفسِدِ
قال ابن إسحاق: قالها الحارث؛ يعتذر من فراره يوم بدر وتركهِ أخاه أبا جهل بن هشام.
قلت: رأيت في كتاب ألف با للبلوي نقلاً عن الأصمعي وجماعات: أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار: قول الحارث بن هشام هذه الثلاثة الأبيات. وخالفه من أئمة اللغة والأدب خلف الأحمر ومن تبعه، فقال: أحسن ما قيل في الاعتذار عن ذلك: قول هبيرة بن أبي وهب المخزومي، زوج أم هانئ بنت أبي طالب: حيث يقول من الطويل:
لَعَمْرُكَ مَا وليْتُ ظَهْرِي مُحَمداً ... وَأَصْحَابَهُ جُبْنَا وَلاَ خِيفَةَ القَتْلِ
وَلَكِننِي قَلَبْتُ طَرْفي فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي مَصَالاً إِن ضَرَبْتُ وَلاَنَبلِى
وَقَفتُ فَلَمَا خِفْتُ ضَيْعَةَ مَوْقِفِي ... فَرَرْتُ لِعَودِ كَالهِزَبرِ إِلَى الشبلِ
ولعمري! كلتا القطعتين غايتان في المعنى المراد؛ ما لبليغ إلى أفضل منهما منتجع ولا مراد؛ إلا أن الذي يحدوني إليه فكري وذوقي؛ ويجذبني بِردني وطوقي: هو ما ذهب إليه الأصمعي؛ فهل أنت أيها الناظر معي؛ فإن معي على ذلك شهوداً معدله؛ تثبت لعبد الملك الفخر له.
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت - أيضا - : من الوافر:
لَقَد عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدرٍ ... غَدَاةَ الأَشرِ وَالقَتلِ الشدِيدِ
بِأَنا حِينَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الوَلِيدِ
قَتَلنَا ابْنَى رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارَا ... إِلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الحدِيدِ
وَفَر بِهَا حَكِيم يَومَ جَالَت ... بَنُو النجارِ تَخطِرُ كَالأُسُودِ
وَوَلَّتْ عِنْدَ ذَاكَ جُمُوعُ فِهرِ ... وَأَسْلَمَهَا الحُوَيرِثُ من بَعِيدِ
لَقَدْ لاَقَيْتُمُ ذلاًّ وَقَتْلاً ... جَهِيزاً نَافِذاً تَحتَ الوَرِيدِ
وَكُل القَوم قَدْ وَلَّوْا جَمِيعاً ... وَلَمْ يلْوُوا عَلَى الحَسَبِ التلِيدِ
وقال طالب بن أبي طالب؛ يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبكي أصحاب القليب: من الطويل:
أَلاَ إِن عَيْنِي أَنْفَدَت دمْعَهَا سَكْبَا ... تُبَكي عَلَى كَعب وَمَا إِن تَرَى كَعبَا
أَلاَ إِن كَعباً فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُواوَأَردَاهُمُ ذَا الدهر وَاجتَرَحُوا ذَنبَا
وَعَامِرُ تَبكِي لِلْمُلِماتِ غُدْوَةً ... فَيَا لَيتَ شِعرِي هَل أَرَى لَهُمَا قُربَا؟!
هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدَّا لِغَيةٍ ... تُعَد وَلَنْ يُستَامَ جَارُهُمَا غَصبَا
فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوفَلاًفِدَى لَكُمَا لاَ تَبعَثُوا بَينَنَا حَربَا
وَلاَ تُصبِحُوا مِنْ بَعدِ وُد وَأُلفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيها كُلكُم يَشتَكِي النكبَا
أَلَمْ تَعلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍوَجَيشِ أَبِي يَكسُومَ إذ مَلَئُوا الشعبا
فَلَولاَ دِفَاعُ الله لا شيء غَيرُهُ ... لأَصبَحتمُ لاَ تَمنَعُونَ لَكُم سِربَا
فَمَا إن جَنَينَا في قُرَيْشٍ عَظِيمةً ... سِوَى أَن حَمَينَاخَيرَ من وَطِئَ التربَا
أَخَا ثِقَةٍ في النائِبَاتِ مرَزأً ... كَرِيماً نَثَاهُ لاَ بَخِيلاً وَلاَ ذَربَا
يُطِيفُ بِهِ العَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمُونَ نَهراً لاَ نَزُوراً وَلاَ صَربَا
فَوَالله لاَ تَنفَك نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلمَلُ حَتى تَصدُقُوا الخَزرَجَ الضربَا
وقال ضرار بن الخطاب الفهري؛ يرثي أبا جهل: من الطويل:
ألا مَنْ لِعَينٍ بَاتَتِ الليْلَ لَمْ تَنم ... تُرَاقِبُ نَجماً فِي سَوَاد مِنَ الظلم
كَأن قَذْى فِيهَا وَلَيسَ بِهَا قَذى ... سِوَى عَبرَةٍ من جَائِلِ الدمعِ تَنسَجِم
فَبَلغ قُريشاً أن خَير نَدِّيهَا ... وَأَكرَمَ من يَمشي بِسَاقٍ عَلَى قَدَم
ثوَى يَومَ بَدرٍ رَهْن خَوصاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيم المسَاعِي غَيرُ وَغدٍ وَلاَ بَرَم
فآليتُ لاَ تَنْهَل عَيني بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِك بَعدَ الرئِيسِ أبي الحَكم
عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيَّ بنَ غَالبٍ ... أَتَتهُ المَنَايَا يَومَ بَدرٍ فَلَم يرِمْ
تَرَى كِسَرَ الخَطِّيِّ فِي نحر مُهْرِهِ ... لدَى بَائِنٍ من لحمِهِ بَينَهَا خِذَم
وَمَا كَانَ لَيْث سَاكِنٌ بَطْنَ بيشَة ... لَدَى غَلَلٍ يَخرِي بِبَطحَاءَ في أَجَم
بِأَجرَأَ مِنهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وتُدعَى نَزَالِ في القُمَاقِمَةِ البُهُم
فَلاَ تَجزعُوا آلَ المغيرَةِ واصبِروا ... عَلَيهِ، وَمَن يَجزَع عَليهِ فَلَم يُلَم
وَجِدوا؛ فإن الْمَوتَ مَكْرُمَة لكم ... وَمَا بَعدَهُ فِي آخِرِ العَيشِ من نَدم
وَقَد قُلتُ: إن الريحَ طَيبَةٌ لكم ... وَعِز المقام غَيرَ شَكٍّ لِذِي فَهَم
قال ابن إسحاق: وقال أمية بن أبي الصلت؛ يرثي من أصيب من قريش يوم بدر: من مجزوء الكامل:
أَلاَّ بَكَيْتَ عَلَى الْكِرَا ... مِ بَنِي الكِرامِ أُولي المَمَادِح
كَبُكَا الحَمَامِ عَلَى فُرو ... عِ الأَيكِ في الغُصنِ الجَوانِح
يَبكِينَ حَرَّى مُسْتَكي ... ناتِ يَرُحنَ مَعَ الروَائِح
أمثَالُهُن البَاكِيَا ... تُ المُعولاَتُ مِنَ النَّوَائِح
مَن يَبكِهم يَبكِي عَلَى ... حُزنٍ وَيَصدُقُ كُل مَادِح
مَاذَا بِبَدْر والْعَقن ... قَلِ من مَرَازِبَةٍ جَحَاجِح
فَمَدَافِعِ البَرقين فَالْ ... حَنانِ من طَرفِ الأَوَاشح
شُمط وشُبانٍ بَهَا ... لِيلِ مَغَاوِيرِ وَحَاوِح
أَلاَّ تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَد أَبَانَ لِكُلِّ لاَمِح
أن قَدْ تَغَيرَ بَطْنُ مَك ... كَةَ فَهيَ مُوحِشَةُ الأَباطِح
مِن كُل بِطْرِيقٍ لِبِط ... ريق نَقِي اللونِ وَاضِح
دُعموصِ أَبْوَابِ المُلُو ... كِ وَجَائِب لِلخَرقِ فَاتح
مِنَ السراطمةِ الخلاَ ... جِمَةِ المَلاَوثَةِ المنَاجِح
القَائلينَ الفَاعِلي ... ن الاَمِرِينَ بِكُلِّ صَالِح
أَلمُطْعِمِينَ الشَحْمَ فَو ... قَ الخُبزِ شَحماً كالأَنافِح
نُقُلِ الجفَانِ مَعَ الجِفَا ... نِ إِلى جِفَانٍ كالمنَاضح
لَيسَت بِأَصْفَارٍ لمَن ... يَعفُو وَلاَ رح رَحَارح
لِلضيْفِ ثُم الضيفِ بع ... د الضَّيفِ والبسُطِ السلاَطِح
وهُبِ المِئينَ مِنَ المِئي ... نَ إِلَى المِئينَ مِنَ اللوَاقِح
سَوق المَؤبلِ لِلمؤب ... بلِ صادِرات عن بلادِح
لِكرامِهِمْ فَوقَ الكِرَا ... مِ مَزِيةٌ وَزنَ الروَاجِح
كَتَثَاقُلِ الأرَطَالِ بِال ... قسطَاسِ في الأَيدِي الموَائح
خَذَلتهُمُ فِئَة وَهُم ... يَحمُونَ عَورَاتِ الفَضَائِح
ألضارِبِينَ التًقْدُمِي ... يَةَ بِالمُهندَةِ الصفَائِح
وَلَقَدْ عَنَانِي صَوتُهُم ... من بَين مستسقٍ وَصَائِح
لله درُّ بَنِي عَلِى ... يٍ أَيمٍ مِنهُم وَنَاكِح
إن لَم يُغِيروا غَارَةً ... شَعوَاءَ تُجحِرُ كُل نَابِح
بالمُقربَاتِ المُبعِدَا ... تِ الطامِحَاتِ مَعَ الطوَامِح
مُرداً عَلَى جردٍ إِلَى ... أُسُد مُكَالِبَةٍ كَوَالِح
وَيُلاقِ قِرنٌ قِرنَهُ ... مَشيَ المُصَافِحِ لِلمُصَافِح
بِزُهَاءِ أَلْف ثُم أَل ... ف بَينَ ذِي بدَن وَرَامِخ
وقال أمية بن أبي الصلت؛ يبكي زمعة الأسود، وقتلى بني أسدة: من الخفيف:
عَينُ بَكي بِالمُسْبلاتِ أبا الْحَا ... رِثِ لاَ تَذخَرِي عَلَى زَمَعَه
إِبكِى عَقيلَ بنَ أًسْوَد أَسَدَ الْبَأ ... سِ لِيَومِ الهِياجِ وَالدفعَه
فَعَلَى مِثلِ هُلْكِهِم خَوَت الجَو ... زَاءُ لاَ خَانَة ولاَ خَدَعَه
وًهُمُ الأُسرَةُ الوَسِيطَةُ من كَع ... ب وَفِيهِم كَذروَةِ القَمَعَه
أَنبَتُوا من مَعَاشِر شَعَرَ الرأ ... سِ وَهُم أَلحَقُوهُمُ المنعَه
فَبَنُو عَمِّهِم إِذَا حَضَرُوا البَأ ... س عَلَيهِم أكبادهم وَجِعَه
وَهُمُ المُطْعِمُونَ إِنْ قَحَطَ القَط ... رُ وَحَالَت فَلاَ تَرَى قَزَعَه
قال ابن إسحاق: وقال أبو أسامة معاوية بن زهير بن قيس بن الحارث بن سعد بن ضبيعة بن مازن بن عدي بن جشم بن معاوية، حليف بني مخزوم. قال ابن هشام: وكان مشركاً، وكان مر بهبيرة بن أبي رهم، وهم منهزمون يوم بدر وقد أعيي هبيرة، فقام وألقى عنه درعه وحمله ومضى به، قال ابن هشام: وهذه أصح أشعار أهل بدر: من الوافر:
وَلَمَّا أن رَأَيْتُ القَومَ خفوا ... وَقَد شَالَت نَعَامَتُهُم لِنَفرِ
وأَن تُرِكَت سَرَاةُ القَومِ صَرعَى ... كَأَن خيارهم أذبَاحُ عِترِ
وَكَانَت جمة وَافَت حماماً ... وَلُقينَا المنَايَا يَومَ بَدرِ
نَصُدُ عَن الطَرِيقِ وأَدْرَكُونَا ... كَأَن زُهَاءَهم غَطيَانُ بَحرِ
وَقَالَ القَائِلُونَ: مَنِ ابْنُ قَيسٍ؟ ... فقُلْتُ: أبو أسَامَةَ غَيرَ فَخْر
اَنا الجُشَمِيُّ كَيْمَا يَعرِفُوني ... أُبَينُ نِسبتي نَقراً بِنَقرِ
فإِن تَكُ فِي الغَلاَصِمِ مِنْ قُرَيْشِ ... فَإِني من مُعَاويَةَ بنِ بَكرِ
فَأَبْلِغ مَالِكاً لَمَّا غُشِينَاوَعِندَكَ مالِ إن نبَّأتَ خُيرِي
وأَبْلِغْ إن عَرَضتَ القَوْمَ عَنَّا ... هُبَيْرةَ وَهوَ ذُو عِلم وَقَدرِ
بِأَني إن دعيتُ إلى أُفَيْدٍ ... كَرَرتُ وَلم يَضق بِالكَر صَدري
عَشِيةَ لا يُكَرُ عَلَى مُضَافٍ ... وَلاَ ذِي هِمةٍ مِنهُم وَصِهرِ
فَدُونَكم بَنِي لأي أَخَاكُم ... وَدُونَكِ مَالِكَاً يَا أم عَمرو
فَلَولاَ مَشْهَدِي قَامَت عَلَيهِ ... مُوقفَةُ القَوَائِمِ أُم أَجرِ
دَفُوع للقُبُورِ بمَنْكِبَيهَا ... كأن بوَجهها تَحمِيمَ قِدرِ
فَأُقْسِمُ بالذِي قَدْ كان ربي ... وأَنْصَابٍ لَدَى الجمَرَاتِ مُغرِ
لَسَوفَ تَرَونَ مَا حَسَبِي إِذَا مَا ... تَبَدلَتِ الجلودُ جُلُودَ نمر
فَمَا إنْ خَادرٌ من أُسْد تَرْج ... مُدِل عَنبس في الغيل مجرِى
فَقَد أَحمَى الأَبَاءة من كُلافٍ ... فَمَا يَدنُو لَهُ أَحَدٌ بنفرٍ
بِخلٍّ تعجز الحُلَفَاء عَنْهُ ... يَوَاثِبُ كُل هجهَجَةٍ وَزَجرِ
بِأَوشَكَ سَورَةً مِني إذَا مَا ... حَبَوْتُ لَهُ بقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ
ببيض كالأَسِنة مُرهَفاتٍ ... كَأَن ظُبَاتِهِن جحيمُ جَمْرِ
وأكلف مجنإ من جِلدِ ثَورٍ ... وَصَفْراءِ البُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ
وأَبْيَضَ كالغدِيرِ ثَوَى عَلَيهِ ... عُمَيْر بالمداوِسِ نصْف شَهْرِ
أُرَفلُ في حَمَائِلِهِ وأمشي ... كَمِشيَةِ خَادرٍ لَيْثِ سِبَطْرِ
يَقُولُ لِيَ الفَتَى سَعد هَدِيّاً ... فَقُلتُ: لعله تقريب غدر
وَقُلت: أبا عدي لاَ تَطُرْهُمْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْري
كَدَأْبِهِمُ بِفَرْوةَ إِذ أَتَاهُمْ ... فَظَلَّ يُقَادُ مَكتوفاً بضفرِ
وقالت هند بنت عتبة بن ربيعة، ترثي أباها يوم بدر: من المتقارب:
أعَينَيَّ جُودَا بِدمعٍ سَرِب ... عَلَى خَيرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لهُ رَهطُهُ غُدوَةَ ... بَنُو هَاشِم وَبَنُو المُطَّلِبْ
يُذيقُونَهُ حَدَّ أَسيَافِهم ... يَعُلُونَهُ بَعدَ ما قَدْ عَطِبْ
يَجرُونَهُ وَعَفِيرُ الترَابِ ... عَلَي وَجْهِهِ عَارِياً قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلاً رَاسِياً ... جَمِيلَ المَرَاةِ كَثِيرَ العُشُبْ
فأمَا بُريٌّ فَلَم أَعنه ... فَأوتيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ
وقالت هند - أيضاً - : من الطويل:
يَريبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ... وَيَأبَى فَمَا نَأْتِي بِشيء يغالبهْ
أَبَعدَ قَتِيلٍ من لُؤَيِّ بنِ غَالِب ... يُرَاعُ امْرؤٌ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ
أَلاَ رُبَّ يَوْم قَدْ رزِئتُ مُرَزأً ... تَرُوح وتَغدُو بِالجزِيلِ مَوَاهِبُه
فَأَبلِغ أبا سُفْيَانَ عَنّي مَألُكاً ... فإن أَلقهُ يوماً فَسَوفَ أُعَاتبُه
فَقَد كَانَ حَربٌ يَسْعَرُ الحْربَ؛ إنهُ ... لِكُلً امرِئ في الناس مَولى يُطَالِبُه
قال ابن إسحاق: وقالت - أيضاً - : مجزوء الكامل:
لله عَينَا من رَأَى ... هُلكاً كَهُلكِ رِجَاليَه
يَا رُب بَاكٍ لِي غَداً ... في النائِبَاتِ وَبَاكِيَه
كَم غَادَرُوا يَومَ القَلِي ... ب غَدَاةَ تلك الوَاعِيَه
مِن كُل غَيْث فِي السنِي ... نَ إِذَا الكَوَاكِب خَاوِيَه
قَد كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَاليومَ حق جذارِيَه
قَد كُنتُ أَحذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنا الغَداةَ مُوَاميه
بل رُب قائلة غَدَاً: ... يا وَيحَ أُمٍّ مُعَاويه
وقالت أيضَاً: من الرجز:
يَا عَينُ بَكي عُتبَه ... شَيخاً شَديد الرَّقَبَه
يُطعِمُ يومَ المسبغَبه ... يَدفعُ يومَ المغلبه
إِني عليه حَربَه ... مَلهُوفَةٌ مستلبه
لنهبطن يثربَه ... بغارة منثعبَه
فيها الخيول مقربه ... كل جواد سلهبه
وقالت صفية بنت مسافر بن أبي عمرو بن أْمية بن عبد شمس؛ تبكي أهل القليب الذين أصيبوا يوم بدر من قريش - : من البسيط:
يَا مَنْ لِعين قَذَاهَا عَائِرُ الرَمَدِ ... حَد النهَارِ وَقرنُ الشمْسِ لَم يَقد
أُخبرتُ أنَّ سَرَاةَ الأكْرَمِينَ مَعاً ... قد أحرَزَتهُم مَنَايَاهُم إِلَى أَمَدِ
وَفَر بالقَومِ أَصْحَابُ الركَابِ وَلَم ... تَعطِف غَدَاتَئِذ أُم عَلَى وَلَدِ
قومي صَفِيَّ وَلاَ تَنْسَى قَرَابَتَهُم ... وإن بَكَيتِ فَمَا تَبكِينَ من بُعُدِك
كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ البيت فَانقصفتْ ... فَأَضبَحَ السقف مِنهَا غَيرَ ذِي عُمُدِ
وقالت صفية - أيضا - : من الهزج:
أَلاَ يَا مَنْ لعين لِلت ... تَبكِّي دمعها فان
كَغَرْبَيْ دالِجٍ يَسْقِي ... خِلالَ الغَيثِ الدان
وَمَا لَيْثُ غَريفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسنَان
أبُو شِبْلَين وَثابٌ ... شَديد البَطش غرثان
كَحِبي إِذْ تَوَلى و ... وُجُوهُ القَومِ أَلوَان
وَبالكَف حُسَامٌ صَا ... رِم أَبْيَضُ ذُكرَان
وَأَنتَ الطَاعِنُ النجلاَ ... ءَ مِنهَا مُزبِذ آن
قال ابن إسحاق: وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب، ترثي عبيدة بن الحارث بن المطلب: من الطويل:
لَقَد ضمن الصفراء مجْداً وَسُؤدداً ... وَحِلْماً أصيلاً وَافِرَ اللبِّ وَالعقلِ
عُبيدةَ فابكِيهِ لأَضيافِ غُربَةٍ ... وَأَرملةٍ تهوي لأشعثَ كالجذلِ
وَبكيه للأقوام فِي كُل شَتوَةٍ ... إِذَا احمَرَّ آفاقُ السمَاء مِنَ المحل
وَبَكيه للأَيْتَام، وَالريحُ زفزف ... وَتَشبِيبِ قدر طالما أزبَدَت تَغْلِي
فَإِن تُصبح النيرَانُ قد مَاتَ ضَوْءُهَا ... فقد كانَ يذكيهن بِالحطَبِ الجَزلِ
لِطَارِقِ ليْلِ أوْ لمُلتَمِس القرى ... وَمُستنبحٍ أَضحى لديه على رسلِ
وقالت قتيلة بنت الحارث، أخت النضر بن الحارث: من الكامل:
يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسةِ وأنت موفقُ
أَبلعْ بها ميتاً بأنَّ تحتةَّ ... مَا إن تَزَالُ بِهَا النجَائِبُ تخفقُ
مِني إِلَيكَ وَعَبرة مسفوحةً ... جَادًت بوَاكِفها وأُخرَى تخنُق
هل يسمعني النضرُ إنْ نَادَيْتُهُ ... أَم كَيْفَ يسمعُ ميت لا ينطق؟!
أَمُحَمَدٌ يَا خَيْرَ ضنء كَريمَةٍ ... فِي قومها، والفحل فحل مُغرِق
مَا كَانَ ضركَ لَوْ مَنَنْتَ وَربَّمَا ... مَن الفتَى، وهُوَ المغيظُ المحنقُ
أَو كُنْتَ قَابِلَ فِديَةٍ فَلَيُنْفَقَنْ ... بِأَعَز مَا يغلو بِهِ ما يُنفقُ
فالنضْرُ أقرب مَنْ أَسرْتَ قَرَابَة ... وَأَحقهُم إن كان عِتق يعتقُ
ظَلتْ سُيُوفُ بني أبِيهِ تنوشُهُ ... لله أَرحَام هُنَاكَ تُشققُ
صَبْراً يُقَادُ إلى المنيةِ مُتْعباً ... رَسْفَ المُقيدِ وهو عَانِ مُوثَقُ
قال ابن هشام: فيقال - والله أعلم - : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر، قال: " لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه " .
قال ابن إسحاق: وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر عقب شهر رمضان، فلما قدم المدينة لم يقم بها إلا سبع ليال، حتى غزا بنفسه يريد بني سُليم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق فبلغ ماء من مياههم، يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاث ليالي، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فأقام بها شوال وذا القعدة، وأفدى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش.
أمر بني قينقاع:
قينقاع - بضم النون في الأشهر، ويجوز فتحها وكسرها - : بطن من اليهود لهم شجاعة وصبر.
خرج صلى الله عليه وسلم يوم السبت نصف شوال، على رأس عشرين شهراً من الهجرة، حاصرهم خمس عشرة ليلة، فقذف الله في قلوبهم الرعب: فنزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم، وعلى أن له أموالهم، ولهم النساء والذرية، فلحقوا بأذرعات. وأخذ من حصنهم سلاحاً كثيراً.
وقد كانت الكفار - بعد الهجرة - مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام: قسم: وادعهم - عليه السلام - على ألا يحاربوه ولا يؤلبوا عليه عدواً، وهم طوائف اليهود الثلاث: قريظة، والنضير، وبنو قينقاع.
وقسم: حاربوه ونصبوا له العداوة؛ كقريش.
وقسم: تركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره؛ كطوائف من العرب: فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر، ومنهم من كان معه ظاهراً ومع عدوه باطناً، وهم المنافقون.
وكان أولَ من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع، فحاربهم - عليه الصلاة والسلام - في شوال بعد وقعة بدر.
قال الواقدي: بشهر، وأغرب الحاكم؛ فزعم أن إجلاء بني قينقاع وبنى النضير، كان في زمن واحد، ولم يوافَقْ على ذلك؛ لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر - على قول عروة - أو بعد ذلك بمدة طويلة؛ على قول ابن إسحاق.
وكان من أمر بني قينقاع: أن امرأة من العرب جلست إلى صائغ يهودي، فراودها على كشف وجهها فأبت؛ فعمد إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءَتها فضحكوا منها فصاحت؛ فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله؛ فشدت اليهود على المسلم فقتلوه؛ ووقع الشر بين المسلمين وبين بني قينقاع، فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف أبا لبابة بن عبد المنذر، فحاصرهم أشد الحصار خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة، وكان اللواءُ بيد حمزة بن عبد المطلب، وكان أبيض، فقذف الله في قلوبهم الرعب، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن له أموالهم، ولهم النساء والذرية؛ فأمر - عليه الصلاة والسلام - المنذر بن قدامة بتكتيفهم، وكلم عبدُ الله بن أبي ابن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، وألح عليه من أجلهم؛ فأمر - عليه الصلاة والسلام - أن يجلوا وتركهم من القتل، وأمر بأن يجلوا من المدينة فلحقوا بأذرعات، فما كان أقل بقاءهم فيها!. وأخذ من حصنهم سلاحاً وآلة كثيرة.
وكانت بنو قينقاع حلفاءَ لعبد الله ابن سلول وعبادة بن الصامت، فتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم، فقال: " يا رسول الله، أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ففيهم وفي عبد الله أنزل: " يأيُهَا الذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذوْا اليهودَ والنَصَارى أوْلِياءَ بعْضُهُمُ أولياءَ بعضٍ " إلى قوله: " فإنَ حِزْبَ الله هُمُ الغالِبوْنَ " المائدة: 51 - 56.
ثم غزوة السويق: سميت بذلك؛ لأنه كان أكثرَ زاد المشركين، وتسمى أيضاً: غزوة الكُدر بضم الكاف وسكون الدال المهملة؛ اسم لماء هناك.
وهم مائتا راكب فيهم أبو سفيان، خرج صلى الله عليه وسلم لهم يوم الأحد، خامس ذي الحجة، على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة.
وقال ابن إسحاق: في صفر في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار، وقيل: في ثمانين راكباً.
وكان سبب هذه الغزوة: إن أبا سفيان حين رجع بالعير من بدر إلى مكة، نذر ألا يمس النساء والدهن، حتى يغزو محمداً - عليه الصلاة والسلام - فخرج في مائتي راكب من قريش؛ ليبر يمينه، حتى أتوا العريض ناحية من المدينة على ثلاثة أميال، فحرقوا نخلاً وقتلوا رجلاً من الأنصار، فرأى أبو سفيان أن قد انحلت يمينه، فانصرف بقومه راجعين، وخرج - عليه الصلاة والسلام - في طلبهم في مائتين من المهاجرين والأنصار، وجعل أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب السويق - وهي عامة أزوادهم - يتخففون للهرب؛ فيأخذها المسلمون، فلم يلحقهم - عليه الصلاة والسلام - فرجع إلى المدينة، وكانت غيبته خمسة أيام.
وفي ذي الحجة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، وأمر بالأضحية.
وفيه مات عثمان بن مظعون.
وفى هذه السنة تزوج علي بفاطمة، رضي الله عنهما.