في ذكر الخلفاء الأربعة: خلافة أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

العصامي

 عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي، مؤرخ، من أهل مكة مولده ووفاته فيها (1049 - 1111 هـ)

خلافة أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه:

أخرج الواقدي من طرق: أن أبا بكر - رضي الله عنه - لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإنْ، فقال عبد الرحمن بن عوف: هو والله - أفضل من رأيك فيه.

ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال: أنت أخبرنا به، فقال: وإن، فقال: اللهم علمي به: أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله.

وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضا ويسخط للسخط، الذي يسره خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه، ثم دخل عليه بعض الصحابة، فقال قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن تولية عمر علينا، فقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، فأجلس، فقال أبالله تخوفني؟! خاب من يَزَوَد من أمركم بظلم!! أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني من وراءك ما قلت.

ثم دعا عثمان فقال اكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني قد استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطعيوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم إلا خيراً، فإن عدل فذلك ظني فيه وعلمي به، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظملوا أي منقلب ينقلبون. والسلام عليكم ورحمة الله".

ثم أمر بالكتاب فختمه، ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوماً، فبايع الناس لمن فيه، ورضوا به ورأيت في الجمع الغريب ما نصه - بعد قوله: " فبايم الناس لمن فيه " : حتى مر الكتاب بعلي - رضي الله تعالى عنه - فقال: بايعنا لمن فيه وإن كان عمر - بزيادة الواو قبل إن، وفي رواية أخرى بحذف الواو.

قلت: يؤيد رواية عدم الواو ما ذكره في الرياض النضرة، وعبارته: " روى أن أبا بكر لما ثقل أشرف على الناس من كوه، فقال: يأيها الناس، إني قد عهدت عهداً، أفترضون به؟ قال الناس: رضينا يا خليفة رسول الله، فقال علي: لا نرضى إلا أن يكون عمر، قال: فإنه عمر. انتهى. ثم دعا عمر - رضي الله عنه - خالياً، فأوصاه بما أوصاه به، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يده، فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت به أعلم، واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم وأحرصهم على ما أرشدهم، فقد حضرني من أمرك ما حضر، فأخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح ولايتهم، واجعله من خلفائك الراشدين، وأصلح له رعيته.

وفي الصفوة: أول ما تكلم به عمر - رضي الله تعالى عنه - حين صعد المنبر أن قال: اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني.

وعن الحسن: أول خطبة خطبها: حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني ابتليت بكم، وابتليتم بي، فما كان بحضرتنا باشرنا، ومهما غاب عنا وليناه أهل القوة والأمانة، فمن يحسن نزده حسنى، ومن يسئ نعاقبه ثم قال: بلغني أن الناس قد هابوا شدتي، وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشدد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فكيف الآن وقد صارت الأمور إليه؟! ولعمري من قال ذلك فقد صدق، كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه حتى قبضه الله، وهو راض عني ولله الحمد، وأنا أسعد الناس بذلك، ثم ولي أبو بكر، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه فأكون سيفاً مسلولاً حتى يغمدني، فما زلت معه كذلك حتى قبضه الله نعالى - وهو عني راض، ولله الحمد، وأنا أسعد الناس بذلك، ثم إني وليت الآن أموركم، اعملوا أن تلك الشدة قد تضاعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، وأما أهل السلامة في الدين والقصد فإنما اللين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحداً يظلمه أحد أو يتعدى عليه حتى أضع خده بالأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن للحق، ولكم علي أيها الناس، ألا أخبأ عنكم شيئاً من خراجكم، وإذا وقع عندي ألا يخرج إلا بحقه، ولكم علي ألا ألقيكم في المهالك، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا. أقول! قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

قال سعيد بن المسيب: ولي عمر، فزاد في الشدة في مواضعها واللين في مواضعه، وكان أباً للعيال حتى أنه كان يمشي إلى المغيبات، ويقول: ألكن حاجة حتى أشتريها لكن؟ فإني أكره أن تخدعن في البيع والشراء، فيرسلن معه بجواريهن، ومن كان ليس لها شيء اشترى لها من عنده وهو أول من قال: أطال الله بقاءك، قالها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد، قال: مر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على المساجد في رمضان وفيها القناديل، فقال: نور الله على عمر في قبره كما نور علينا مساجدنا.

وأوليات عمر مفردة بالتأليف، وذكر هذا العلامة جلال الدين السيوطي في تاريخه.

قال ابن الجوزي في المنتظم: روى أن أبا طلحة خرج في ليلة مقمرة، فرأى عمر - رضي الله عنه - قد دخل بيتاً ثم خرج منه، فلما أصبح أبو طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا فيه عجوز عمياء مقعدة. فقال لها أبو طلحة: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ فقالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا بما يصلحني، ويخرج عني الأذى والقذى.

ولما رجع رضي الله عنه من الشام إلى المدينة - انفرد عن الناس؛ ليتعرف أخبار رعيته، فمر بعجوز لها خباء، فقصدها، فقالت: يا هذا، ما فعل عمر؟ قال: قد أقبل من الشام سالماً، فقالت: لا جزاه الله عني خيراً. قال لها: ولم؟ قالت: لأنه ما فاتني من عطائه منذ ولي أمر المسلمين دينار ولا درهم، فقال: وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع؟! فقالت: سبحان الله: ما ظننت أن أحداً يلي على الناس، ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها. فبكى عمر، فقال: واعمراه بك أتدافعه منك حتى العجائز، ثم قال لها: يا أمة الله، بكم تبيعيني ظلامتك من عمر؟ فإني أرحمه من النار، فقالت: لا تهزأ بي، يرحمك الله؟ فقال عمر: لست بهزاء - فلم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين ديناراً - فبينما هو كذلك إذ أقبل: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فوضعت العجوز يدها على رأسها، وقالت: واسوأتاه، شتمت أمير المؤمنين في وجهه، فقال: لا عليك، يرحمك الله.

ثم طلب وفاء فلم يجده، فقطع قطعة من مرقعته، وكتب فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما اشترى عمر ظلامتها منذ ولي إلى يوم كذا بخمسة وعشرين ديناراً، فما تدعيه عند وقوفه في المحشر بين يدي الله تعالى فهو منه بريء شهد على ذلك من فلانة: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود " .

قال أبو طلحة: ثم دفع الكتاب إلي، وقال: إذا مت فاجعله في كفني؛ ألقى به ربي عز وجل.

وأخباره في مثل هذا كثيرة جداً، وإنما ذكرت هذا منها، لما جر إليه ذكره بالشدة واللين والرفق والشفقة على المسلمين.

ذكر نسبه رضي الله عنه:

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابن عدى بن كعب بن لؤي، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، أمه: حنتمة بنت هاشم بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وقال طائفة بنت هشام بن المغيرة، ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام، وإنما هي بنت هاشم، وهاشم وهشام أخوان

ذكر إسلامه

قال ابن إسحاق: كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة.

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا - والله - شاعر كما قالت قريش، فقرأ: " إِنَّهُ لَقَولُ رَسُول كرَيم وَما هُوَ بِقولِ شاعِر قَلِيلأً ما تؤمنوُنَ " الحاقة: 40، 41. قال: فقلت: كاهن، فقال: عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ: " وَلا بِقَولِ كاهِن قَلِيلاً ما تذَكَرونَ تنزِيل من رب العاَلمِينَ وَلَو تَقَؤَلَ عَلَينا بَعضَ الأقاوِيلِ " إلى " حَاجِزين " الحاقة:42، 47،. قال: فوقع الإسلام من قلبي كل موقع. خرجه أحمد.

وفي طريق آخر عن أنس بن مالك قال: خرج متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمداً، قال: وكيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمداً؟! فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت، وتركت دينك الذي أنت عليه، فقال الرجل: لا تلمني، ولم أختك وخَتنك إن كنت تلوم، فإنهما قد صبآ. فمشى عمر حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب بن الأرت، فلما سمع خباب حس عمر - توارى في البيت، فدخل عليهما، وكانوا يقرءون سورة طه فسكتوا، فقال: ما هذه الهمهمة التي سمعتها عندكم؟ فقال: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبأتما، فقال له خَتنه أرأيت يا عمر، إن كان الحق في غير دينك؛ فوثب عمر على ختنه، فوطئه وطأً شديداً، فجاءته أخته فدفعته عنه، فنفحها نفحة بيده، فحمى وجهها، فقالت غضبي: ويلي يا عمر، أرأيت أن الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

فلما تبين عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت له أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب، فقرأ " طه " إلى قوله: " إِنني أنا اللهُ لا إِلَهَ إلا أناَ فاعبدني وأقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكرِي " طه: 14، فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر، فإنى أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام " ، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا.

فانطلق عمر حتى أتى الدار. قال: وعلى الباب حمزة، وطلحة، وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: عمر، فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر - قال حمزة: نعم، هذا عمر، وإن يرد الله به خيراً يسلم، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، قال: والنبي داخل يوحى إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل سيفه، فقال: " ما أنت بمنته عني يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما لم ينزل بالوليد بن المغيرة. اللهم اهد عمر بن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب " . فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم عمر، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت تكبيرة سمعت من أعلى مكة.

فقال عمر: يا رسول الله علام نخفي ديننا ونحن على الحق؟ قال: يا عمر إنا قليل. قال عمر: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلسْ جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان. ثم خرج وطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهم ينظرونه، فقال له أبو جهل ابن هشام - وهو عم والدته حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومي - : زعم فلان أنك صبوت، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؛ فوثب عليه المشركون، ووثب عمر على عتبة بن ربيعة، فبرك عليه، وجعل يضربه، وأدخل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح؛ فتنحى الناس عنه. فقام عمر فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من، دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان يجلس فيها بالكفر، فأظهر الإسلام فيها.

ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر عليهم، فقال: ما يحبسك بأبي أنت وأمي؟! فوالله ما بقي مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإسلام غير هائب ولا خائف، فخرج - عليه الصلاة والسلام - في صفين من أصحابه، عمر بن الخطاب في يمينهما، وحمزة بن عبد المطلب في يسارهما، حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلنا. ثم انصرف إلى دار الأرقم هو ومن معه أخرجه أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال.

وعن ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. أخرجه البخاري وأبو حاتم.

وعنه - أيضاً - قال: كان إسلام عمر فتحاً، وهجرته نصراً، وإمارته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا، وصلى عند الكعبة، وصلينا معه أخرجه الحافظ السلفي.

وخرج الخلعي طرفاً من هذه القصة، وقال: فقال عمر: لا نعبد الله سراً بعد اليوم، فأنزل الله " يا أيَها النبيُ حَسبُكَ اللهُ وَمَنِ اتبعك مِنَ المُؤمينَ " الأنفال: 64، وكان ذلك أول ما نزل من القرآن في تسمية الصحابة مؤمنين، وكان عمر عند ذلك ينصب راية للحرب بمكة، ويحاربهم على الحق، فيقول لأهل مكة: والله لو بلغت عدتنا ثلاثمائة رجل لتركتموها لنا، أو لتركناها لكم.

وعن صهيب قال: لما أسلم عمر جلسنا حول البيت حلقاً حلقاً، وانتصفنا ممن غلظ علينا.

وعن علي - رضي الله عنه - : ما سمينا مؤمنين - حتى أسلم عمر. خرجه في الفضائل.

وعن ابن مسعود: لما أسلم عمر أظهر الإسلام، ودعا إلى الله؛ علانية.

وعن ابن عباس قال: لما أسلم عمر قال المشركون: انتصف القوم مِنا.

وهو أول من مصر الأمصار كالكوفة والبصرة، وحقق كلمته في إعلاء كلمة الله، ففتح الفتوحات العظيمة في المواضع العديدة، فتح مصر والشام ثم الروم ثم القادسية، ثم انتهى الفتح إلى حمص وحلوان والرقة والرُها وحرّان ورأس العين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس، وما يليها من السواحل، وبيت المقدس وبيسان واليرموك والأهواز وقيسارية وتستر ونهاوند والري وما يليها وأصفهان وبلاد فارس وغيرها.

ومع هذا كله بقى على حاله كما كان قبل الولاية في لباسه وزيه وأفعاله وتواضعه، يسير منفرداً في سفره وحضره من غير حرس ولا حجاب، لم تغيره الأمور ولم يستطل على مسلم بلسانه، ولا يحابي أحداً في الحق. وكان لا يطمع الشريف في حيفه، ولا يشفق الضعيف من عدله، ولا يخاف في الله لومة لائم، وينزل نفسه من مال الله منزلة رجل من أوساط المسلمين، وجعل فرضه كفرض رجل من المهاجرين، وكان يقول: أنا ومالكم كولي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، أراد: أنه يأكل ما تقوم به بنيته لا يتعداه.

قال مجاهد: تذاكر الناس في مجلس ابن عباس، فأخذوا في فضل أبي بكر ثم في فضل عمر، فلما سمع ابن عباس ذكر عمر بكى بكاءً شديداً حتى أغمي عليه، ثم قال: يرحم الله عمر، قرأ القرآن، وعمل بما فيه، فأقام حدود الله كما أمر لا تأخذه في الله لومة لائم، لقد رأيت عمر أقام الحد على ولده فقتله.

قلت: قصة إقامة الحد على ولده ذكرها في الرياض النضرة، وبعضها عن عمرو ابن العاص قال: بينما أنا بمنزلي بمصر إذ قيل: هذا عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، وأبو سرعة يستأذنان عليك، فقلت: يدخلان، فدخلا وهما متنكران، فقالا: أقم علينا الحد؛ فإنا أصبنا البارحة شراباً وسكرنا. قال: فزبرتهما وطردتهما. فقال لي عبد الرحمن: إن لم تفعل خبرت والدي عمر إذا قدمت عليه. قال عمرو: فقلت إني إن لم أقم عليهما الحد غضب علي عمر وعزلني، قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار، فضربتهما الحد، وأدخلت عبد الرحمن ناحية إلى بيت من الدار، فحلق رأسه، وكانوا يحلقونه مع الحدود، والله ماكتبت لعمر بحرف مما كان، حتى إذا كان كتابه جاءني فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر إلى عمرو بن العاص، عجبت لك وجوابك عَلي وخلافك عهدي فما أراني إلا عاذلك تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت إن هذا ليخالفني، إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلتَ: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفت إني لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق، فإذا جاءك كتابي - فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، والسلام. فبعثت به كما قال أبوه، وكتبت إلى عمر أعتذر إليه بأني ضربته في صحن داري، فبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن داري على المسلم والذمي، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر، فقدم عبد الرحمن على أبيه عمر، فدخل وعليه عباءتِي يستطيع المشي من سوء مركبه، فقال له عمرة يا عبد الرحمن، فعلت وفعلت فكلمه عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، قد أقيم عليه الحد. فلم يلتفت إليه، وأمر بإقامة الحد عليه، فجعل عبد الرحمن يقول: إني مريض، وأنت قاتلي. فأقام عليه الحد ثانياً، وحبسه، فمرض ومات. انتهى.

قال ابن قتيبة وأبو عمر وصاحب الصفوة: كان عمر بن الخطاب من المهاجرين السابقين، ممن صلى إلى القبلتين، وشهد بدراً والحديبية وبيعة الرضوان وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر علانية.

عن ابن عباس قال: قال علي: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده سهماً، واحتضن عنزته، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف على حلقهم واحدة واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يؤتم ولده، أو يرمل زوجته - فليلقني وراء هذا الوادي. ثم مضى. خرجه ابن السمان في الموافقة.

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عنه راض، وبشره بالجنة، وأخبره أن الله جعل الحق على لسانه وقلبه، وأن رضاه وغضبه عدل، وأن الشيطان يفر منه، وأن الله أعز به الإسلام، واستَبشر أهل السماء بإسلامه، وسماه عبقرياً ومحدثاً وسراج أهل الجنة، ودعاه صاحب رحا وافرة العرب، يعيش حميداً ويموت شهيداً، إنه رجل لا يحب الباطل، ولو كان بعده نبي لكان عمر وكل هذا وغيره يأتي في الأحاديث الواردة مع الآيات في شأنه.

قال صاحب الصفوة: وهو أول من عس بنفسه في عمله، وحمل الدرة، وأدب بها وكانت أهيب من سيف الحجاج، وكانت تخافه ملوك الروم وفارس وغيرهما، وكان - رضي الله تعالى عنه - إذا كان في سفر نادى الناس في المنزل عند الرحيل: ارحلوا أيها الناس، فيقول القائل: يا أيها الناس، هذا أمير المؤمنين قد ناداكم، تقدموا فاستقوا وارحلوا، ثم ينادي الثانية: الرحيل، فيقول الناس: اركبوا؛ فقد نادى أمير المؤمنين الثانية؛ فاذا استقلوا قام فرحل بعيره وعليه غرارتان، إحداهما: فيها سويق، والأخرى: فيها تمر وبين يديه قربة وخلفه جفنهَ، فكلما نزل جعل في الجفنة من السويق، وصب عليه من الماء وسط شنارة - قال: والشنارة مثل النطع الصغير - من جاءه لحاجة أو يستقضى قال له: كل من هذا السويق والتمر.

ثم يرحل فيأتي المكان الذي رحل الناس منه، فإن وجد متاعاً ساقطاً أخذه؛ وإن وجد أحداً فيه عرج أو عرض لدابته أو بعيره - يكارى له، ويسوق به، فيتبع آثار الناس؛ فإذا أصبح الناس من الغد لم يفقد أحد متاعاً له سقط منه إلا قال: حتى يأتي أمير المؤمنين، فيطلع عمر وإن جمله مثل المشجب مما عليه من المتاع للناس، فيأتي الرجل، ويقول: يا أمير المؤمنين، إداوتي، فيقول: هل يغفل الرجل الحليم عن إداوته التي يشرب فيها، ويتوضأ للصلاة منها؟! أو كل ساعة أبصر، أو كل الليل أكلأ عيني من النوم، ثم يدفع إليه إداوته؛ ويقول الآخر: يا أمير المؤمنين، قوسي؛ ويقول آخر: رشائي؛ أو ما وقع منهم فيصفونه فيدفعه إليهم.

ولما بلغ الشام تلقوه ببرذون وثياب، فكلموه أن يركب البرذون؛ ليراه العدو؛ فيكون ذلك أرهب بلباس البياض، ويطرح الفرو الذي عليه، فأبى، فألحوا عليه، فركب البرذون بفروته وثيابه، فهملج به البرذون وخطام ناقته بعد في يده، فنزل وركب راحلته، وقال: لقد غرني هذا حتى خفت أن أنكر نفسي. ذكر هذا كله أبو حذيفهَ إسحاق بن بشر في فتوح الشام.

قال العلامة ابن الجوزي: لما بعث عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص لحرب القادسية - كتب إليه وهو بالقادسية أن وجه نضلة الأنصاري إلى حلوان العراق؛ فيغزو أهلها، فبعث سعد بن أبي وقاص نضلة الأنصاري في ثلاثمائة فارس، فساروا حتى أتوا حلوان فأغاروا على أهلها، وأصابوا غنيمة وسبياً، وأثقلوا بذلك حتى أرهقتهم صلاة العصر وكادت الشمس أن تغرب، فألجأ نضلة السبي والغنيمة إلى سفح جبل؛ وقام فأذن فقال: " الله أكبر الله أكبر " ، فأجابه مجيب من الجبل: كبرتَ كبيراً يا نضلة؛ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: كلمة الإخلاص يا نضلة؛ ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: هو الذي بشرنا به عيسى بن مريم وعلى رأس أمته تقوم القيامة؛ ثم قال: حي على الصلاة، فقال: طوبى لمن سعى إليها، وواظب عليها؛ ثم قال: حي على الفلاح، فقال: قد أفلح من أجاب داعي الله؛ ثم قال: الله كبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: أخلصت الإخلاص كله يا نضلة، حرم الله تعالى بها جسدك على النار.

فلما فرغ نضلة من أذانه قام فقال: من أنت يرحمك الله، أملك أم طائف من الجن أم من عباد الله؟! قد سمعنا صوتك، فأرنا صورتك وشخصك، فإن الوفد وفد رسول الله ووفد عمر بن الخطاب، فانفلق الجبل عن هامة كالرحى، أبيض الرأس واللحية، عليه طمران من صوف، فقال: أنا زريب بن برتمك، وصي العبد الصالح عيسى بن مريم، أسكنني هذا الجبل، ودعا لي بطول البقاء إلى حين نزوله من السماء، قال: فسأل نضلةَ والخلق الذين معه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد قبض؛ فسأل عن أبي بكر، فقالوا: قد قبض؛ ثم سألهم عن عمر، فقالوا: حي، ونحن جيشه، فقال: أقرئوه مني السلام، وقولوا له: يا عمر، سدد وقارب، فقد وُفيَّ الأمر، وأخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها: يا عمر، إذا ظهرت هذه الخصال في أمة محمد فالهرب، الهرب؛ إذا استغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وانتسبوا إلى غير مناسبهم، وانتموا إلى غير مواليهم ولم يرحم كبيرهم صغيرهم، ولم يوقر صغيرهم كبيرهم، وترك الأمر بالمعروف فلم يؤمر به، وترك النهي عن المنكر فلم ينه عنه، ويعلم عالمهم العلم؛ ليجلب به الدنيا، ويأتي المطر فيضاً، والولد غيظاً، وطولوا المنارات، وفضضوا المصاحف، وزخرفوا المساجد، وأظهروا الرشا، وشيدوا البنا، واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، وقطعت الأرحام، وبيعت الأحكام، وأكلوا الربا، وصار الغنى عزاً، والفقر ذُلاً، وخرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه؛ وسلم عليه، وركبت الفروج السروج. قال: ثم غاب عنهم فلم يروه، فكتب بذلك نضلة إلى سعد، وكتب به سعد إلى عمر - رضي الله عنه - ، فكتب عمر إلى سعد: أن سر أنت بنفسك ومن معك من المهاجرين والأنصار حتى تنزلوا ذلك الجبل، فإن لقيته فأقرئه مني السلام، فخرج سعد في أربعة آلاف من المهاجرين والأنصار وأبنائهم حتى نزلوا ذلك الجبل، ومكث سعد أربعين يوماً، ينادي بالصلاة، فلم يجد جواباً، ولم يسمع خطاباً، فكتب بذلك إلى عمر - رضي الله عنه.

صفته رضي الله عنه:

عن زر بن حبيش - رضي الله عنه - قال: كان عمر - رضي الله عنه - أبيض، أبهق، يشبه لون الجص بياضاً، لا يكون له دم ظاهر، وكان طوالاً، أصلع، أبلج، شديد حمرة العينين، كث اللحية، خفيف عارضيها، سلتا، كثير الشعر، في أطرافه صهبة، أعسر أيسر - يعني يعمل بكلتا يديه - أروح كأنه راكب والناس مشاة - قال الجوهري: الأروح: هو الذي يتباعد صدور قدميه ويتدانى عقباه - وكان لا يغير شيبه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ألا تغيره. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة " ، وما لنا نغيره!!.

الآيات النازلة بما أشار به عمر رضي الله تعالى عنه في قضايا متعددة:

فمنها: اتخاذ مقام إبراهيم مصلى! عن طلحة بن مصرف قال: قال عمر: يا رسول الله، أليس هذا مقام أبينا إبراهيم. قال: بلى. قِال عمر: فلو اتخذته مصلى. فأنزل الله تبارك وتعالى: " واتخذوا مِن مَقامِ إِبرَاهيمَ مُصَلى " البقرة: 125.

ومنها: مشورته في أساري بدر عن ابن عباس عن عمر قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا رسول الله، بنو العم والعشيرة والإخوان، أرى أن نأخذ منهم الفداء، فيكون لنا قوة على المشركين، وعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام؛ فيكونون لنا عضداً. قال: " فما ترى يا بن الخطاب؟ " قلت: يا رسول الله، ما أرى الذي يراه أبو بكر، ولكن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده، فقدمهم لنا نضرب أعناقهم. قال: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلته، وقال: مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى إذ قال: " إن تعُذِّبهم فإنَهُم عِبادُك وإن تَغفِر لَهُم فإنَكَ أنتَ العَزيِزُ الحكيم " المائدة: 118، ومثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال: " وَقالَ نوُح رَب لا تَذَر عَلَى الأرض مِنَ الكافِربنَ دَياراً إِنَّكَ إن تَذَرهُم " الآية نوح: 26، 27.

ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الفداء، فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، قلت: يا نبي الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك. فإن وجدت بكاء، وإلا تباكيت لبكائكما، فقال: لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة منه - فأنزل الله: " ما كان لِنبَيٍ أن يَكوُنَ لَه أسرَى حَتَى يُثخِنَ في الأرَضِ ترُديُونَ عَرَضَ الدُنيا واللهُ يُرِيدُ الآخِرَة واللهُ عَزيزُ حَكِيم لَولا كِتاب مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمسَّكم فِيما أخَذْتم عَذابٌ عَظِيمٌ " الأنفال: 67، 68. أخرج هذا الحديث مسلم في صحيحه.

وعند البخاري معناه بزيادة قوله: إنه قتل من المشركين سبعين، وأسر سبعين، وبزيادة: ولكن أن تمكن علياً من عقيل، فيضرب عنقه، وحمزة من فلان - أخيه - فيضرب عنقه، وفلانا من فلان، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، ثم ذكر معنى ما بعده، وزاد: فلما كان يوم أحد من العام القابل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وشج وجهه، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله - عز وجل - : " أوَ لمَّا أصابتكمُ مُصِيبَةٌ قَد أصبتم مِثلَيها قلتم أنىَّ هَذا قُل هوَ مِنْ عِندِ أنفُسِكُم إنَ اللهَ عَلىَ كلِ شَيئٍِ قَدِير " آل عمران: 165.

وروى: أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: لقد كاد يصيبنا بخلافك شر يا بن الخطاب وفي رواية: لو نزل بنا عذاب ربي. وفي رواية: لو عذبنا في هذا الأمر - يعني عذاباً ظاهراً، فلا ينافي ما وقع لهم يوم أحد - لما نجا منه غير عمر. خرجها القلعي ومنها: قوله تعالى: " عَسَى ربه إِن طَلَقَكنّ أن يُبدِله، أزواجاً خَيراً مِنكنُ " التحريم: 5، وذلك أنه لما بلغه - رضي الله عنه - شيء في معاتبة أمهات المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهن: لتكففن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه أزواجاً خيراً منكن، فقالت له إحداهن: يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟! فأنزل الله هذه الآية المذكورة: " عَسَى ربه إِن طَلقَكنَُ أن يبدله أزوجاً... " الآية. أخرجه البخاري ومسلم وأبو حاتم.

ومنها: أنه لما أمر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن، قالت له زينب: وإنك علينا يا بن الخطاب، والوحي ينزل في بيوتنا، فأنزل الله: " وإذا سأًلتُمُوهُنَ مَتاعاً فَسئلُوهُن مِن وراء حجِاب " الآية الأحزاب: 53. أخرجه أحمد.

وفي رواية الطبراني عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيساً في قعب، فمر عمر - رضي الله عنه - فدعاه فأكل معنا، فأصابت أصبعي أصبعه، فقال: حس - وهذه كلمة يقولها الإنسان من العرب إذا أصابه ما مَضه أو أحرقه كالجمرة والضربة ونحوهما كذا في الصحاح - أوهٍ، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب.

ومنها: قوله تعالى: " فإن الله هُوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وَصاَلِحُ المُؤْمنِينَ والملائكة بَعدَ ذَلكَ ظَهِير " التحريم: 4 عن ابن عباس أن عمر حدثه، قال: لما اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وكان له وجد عليهن؛ فاعتزلهن في مشربة من خزانته - قال عمر: فدخلت لمسجد، فإذا الناس ينكثون بالحصى، ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، قلت: لأعلمهن هذا اليوم، وذلك قبل الأمر بالحجاب، فدخلت على عائشة بنت أبي بكر، فقلت: يا ابنة أبي بكر، بلغ من أمرك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!؟ قالت: ما لي ومالك يا بن الخطاب، عليك بنفسك؛ فأتيت حفصة بنت عمر، فقلت: يا حفصة، لو علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك. قال: فبكت أشد بكاء. قال: فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خزانته. قال: ذهبت، فإذا أنا برباح: غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على أسكفة الغرفة، مدلياً رجليه على نقير يعني جذعاً منقوراً، فقلت: يا رباح، استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إلي وسكت، قال: فرفعت صوتي، فقلت: استأذن يا رباح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يظن بي ربما جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني أن أضرب عنقها الآن لضربت عنقها. قال: فنظر رباح إلى الغرفة، ونظر إلي، ثم قال هكذا؛ يعني أشار بيده أن أدخل، فدخلت، فإذا هو - عليه الصلاة والسلام - مضطجع على حصير وعليه إزاره، فجلس، وإذا الحصير قد أثر في جسده، وقلبت عيني في الخزانة، فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين من شعير وقبضة من قرص نحو صاعين، وإذا أفيق معلق أو أفيقان. قال: فابتدرت عيناي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يبكيك؟ " فقلت: يا رسول الله، ما لي لا أبكي وأنت صفوة الله ورسوله وخيرته من خلقه، وهذه الأعاجم: كسرى وقيصر، في الثمار والأنهار وأنت هكذا، فقال: يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ فقلت: بلى يا رسول الله فأحمد الله فما تكلمت في شيء إلا أنزل الله تصديق قولي من السماء. قال: فقلت يا رسول الله، إن كنت طلقت نساءك تظاهرن عليك، فإن الله - عز وجل - وجبريل معك، وأنا وأبو بكر وصالح مؤمنين، فأنزل الله - عز وجل - : " وإن تَظاهَرا عَلَيهِ فإن الله هوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وصالِحُ المُؤمنِينَ " الآية التحريم:4. قال فما أخبرت بذلك نبي الله، وأنا أعرف الغضب في وجهه حتى رأيت وجهه يتهلل، وكشر؛ فرأيت ثغره - وكان أحسن الناس ثغراً صلى الله عليه وسلم - فقال: " إني لم أطلقهن " فقلت: يا نبي الله، فإنهم قد أشاعوا: أنك طلقت نساءك، أفأخبرهم أنك لم تطلق؟ قال: " إن شئت " فقمت على باب المسجد، فقلت: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه، فأنزل الله في الذي كان من شأني وشأنهم: " وإذا جاءهُم أمر مِنَ الأمَنِ أو الخوفِ أذاعُوا بهِ وَلَو رَدوُه إِلَى الرَسُولِ وَإلى أُولي الأمرِ منِهم لعَلِمَهُ الذَينَ يستَنبِطونه مِنهُم " النساء:83. قال عمر: فأنا الذي استنبطه منهم. خرجه أبو حاتم والبخاري ومسلم.

وفي رواية لأبي حاتم - أيضاً - قال له عمر: لو اتخذت يا رسول الله فراشاً أوبر من هذا؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : يا عمر ما لي وللدنيا - أو ما للدنيا وما لي - إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سائر في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة، ثم راح وتركها. خرجها الثقفي في الأربعين.

ومنها: منعه - رضي الله عنه - للنبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على المنافقين. عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول، جاء إليه عبد الله بن عبد الله، وكان قد أسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي قد مات، وسأله أن يعطيه قميصه، يكفنه فيه، وأن يصلي عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوبه - عليه الصلاة والسلام - وقال: لا تصل عليه وقد قال يوم كذا وكذا - وشرع يعدد عليه قوله - فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: " أخر عني يا عمر " فقال له عمر: ألم ينهك الله أن تستغفر لهم؟ فلما أكثر عليه قال: " إنما خُيرت " - يعني قوله: أستغفِرلهم أو لا تَستَغفِر لهمُ إن تستَغفِر لَهم سَبعِينَ مَرة " التوبة: 80 - فاخترت، ولو علمت إني إذا زدت على السبعين يغفر لهم لزدت عليها، فصلى رسول صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى أنزل الله الآيتين في سورة براءة: " ولا تصلِّ عَلَى أحد منهُم ماتَ أبداً وَلا تقُم على قَبرِه " إلى " وَهُم فاَسِقُونَ " التوبة:84. قال عمر: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال لما نزلت: " استَغفِر لَهم أو لا تستَغفِر لَهمُ إن تستَغفِر لَهم سَبعِينَ مرَةَ فَلَن يَغفِرَ الله لَهم " التوبة: 80 قال: فلأزيدن على السبعين واحداً في الاستغفار، فقال له عمر: والله لا يغفر لهم سواء استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم.

ومنها: موافقته في قوله: " فَتَبارَكَ اللهُ أحسنُ الْخَالقِينَ " المؤمنون: 114. عن أنس بن مالك لما نزل قوله تعالى: " وَلَقَد خلقنا الإنسانَ مِن سُلالة مِّن طِينِ " إلى قوله: " ثُمَ أنشأًنَاهُ خلقاً آخَرَ " المؤمنون: 12، 14 فقال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين، فنزلت " فَتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالقِينَ " المؤمنون: 14 أخرجه الواحدي في أسباب النزول، وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم قبل نزولها: أتزيد في القرآن يا عمر. فنزل جبريل بما قال عمر: " فَتَبارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ " .

ومنها: موافقته لقوله تعالى: " سُبحانك هذا بهتَانُ عَظِيم النور: 16 وذلك أنه صلى الله عليه وسلم استشار عمر في قصة الإفك في أمر عائشة حين قيل فيها من الإفك ما قيل، فقال عمر: يا رسول الله، من زوجكها؟ قال: الله تعالى، فقال عمر: أفتظن أن ربك دلس عليك فيها؟ سبحانك! هذا بهتان عظيم، فأنزل الله على وفق ما قال عمر: " سُبحَانك هذا بهتان عظِيم " .

ومنها: موافقة معنوية. روى عن علي - رضي الله عنه - : أن عمر انطلق إلى اليهود، فقال: إني أسألكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تجدون وصف محمد في كتابكم؟ قالوا: نعم. قال: فما يمنعكم من اتباعه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولاً إلا كان له من الملائكة كفيل، وإن جبريل هو الذي يكفل محمداً، وهو الذي يأتيه، وهو عدونا من الملائكة وميكائيل سلمنا، فلو كان هو الذي يأتيه اتبعناه.

قال عمر: فإني أشهد أنه ما كان ميكائيل ليعادي سلم جبريل، وبأن جبريل ما كان يسالم عدو ميكائيل. قال: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا صاحبك يا بن الخطاب، فقام إليه، وقد أنزل الله عليه: " قُل مَن كانَ عَدُوّاً لجِبرِيلَ فإنه نَزله عَلى قَلبِكَ... " إلى قوله " عَدُو للكافِرِينَ " البقرة:97، 98، فقال: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخبرك بقول اليهود، فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالوحي، فقرأ - عليه الصلاة والسلام - هذه الآية، وقال له: قد وافقك ربك يا عمر ومنها: تحريم الخمر والميسر، وذلك أن عمر كان حريصاً على تحريمها، وكان يقول: اللهم بين لنا في الخمر، فإنه يذهب المال والعقل، فنزل قوله تعالى: " يَسئَلوُنَكَ عَنِ الخمرِ والمَيسر قُل فِيهِما إِثم كبِير " البقرة: 219، الآية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر، فتلا بها عليه، فلم ير فيها بياناً، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فأنزل الله - تعالى - : يا أيُها الذِينَ آمَنُوا إنَما الخمرُ والميسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجسٌ من عَمَلِ الشَيطانِ فاجَتنبُوه " إلى قوله " فَهَل أنتمُ منَتهُونَ " المائدة: 90 فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاها عليه، فقال عمر عند ذلك: انتهينا يا ربنا، انتهينا ومنها: آية الاستئذان. عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل غلاماً من الأنصار إلى عمر بن الخطاب وقت الظهر، فدخل على عمر، فوافاه على حالة كره عمر رؤيته عليها، فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله أمرنا، ونهانا في حال الاستئذان، فنزلت: يا أيُّها الذَين آمَنُوا ليسَتئذنكم الذينَ مَلَكَت أيمانكم والذِين لم يبلغُوُا الحلمُ مِنكم " النور:58. خرجه أبو الفرج، وخرجه صاحب الفضائل، وزاد بعد قوله: فدخل عليه: وكان نائماً وقد انكشف بعض جسده.

ومنها: قوله تعالى: " ثُلة منَ الأولينَ وقليل مِنَ الآخِريِنَ " الواقعة: 13 14، بكى عمر، وقال: يا رسول الله، وقليل من الآخِرين، آمنا بالله، وصدقنا برسوله، ومن ينجو منا قليل! فأنزل الله: " ثلة منَ الأولينَ وَثُلَة تمنَ الآخِرينَ " الواقعة: 39، 40 فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر، وقال: لقد أنزل الله كما قلت: " ثُلة مِنَ الأوَلينَ وَثُلَه مِنَ الآخِرينَ " .

ومنها: موافقته في التوراة. عن طارق بن شهاب قال: دخل يهودي إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، فقال: أرأيت قوله تعالى: وَسارِعُوا إِلىَ مَغْفِرَة من ربكم وَجنَةٍ عَرضها السمَاواتُ والأرضُ " آل عمران:133، فأين النار؟ فقال للصحابة: أجيبوه، فلم يكن عندهم فيها شيء، فقال له عمر: أرأيت النهار إذا جاء ملأ السماوات والأرض؟ قال: بلى. قال: فأين الليل؟! قال: حيث شاء الله. قال: عمر: فالنار حيث شاء الله عز وجل. قال اليهودي: والذي نفسك بيده، يا أمير المؤمنين، إنها لفي كتاب الله المنزل على موسى كما قلت ومنها: الإشارة في الخروج إلى بدر، وذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - استشار أصحابه في الخروج إلى غزوة بدر، فأشار عمر - رضي الله عنه - بالخروج، فنزل قوله تعالى: " كَما أخرَجَكَ رَبكَ مِن بيتك بِالحق وإنَ فَرِيقاً مِنَ المُؤمنينَ لَكارِهُونَ " الأنفال: 5 وكان عمر من المحبين للخروج، وهو المشير به ومنها قصته في الصيام لما جامع زوجته بعد الانتباه في الليل، وكان ذلك محرماً في أول الإسلام، فنزل قوله تعالى: " أحل لُكم ليلَةَ الصِيامِ الرفَثُ إلىَ نسائكم " البقرة:187 أخرجه أحمد في مسنده.

ومنها قوله تعالى: " فَلا وَرَبك لا يؤمِنوُنَ حَتى يُحَكِموُكَ " النساء:65 أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى بينهما، فقال المقضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فأتيا إليه، فقال الرجل: قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال: ردنا إلى عمر، فقال له عمر: أكذلك كان؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل ثم خرج مشتملاً على السيف، فضرب به عنق الذي قال ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه قتل عمر - والله - صاحبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن " ، فأنزل الله تبارك وتعالى: " فَلا وَرَبك لا يؤمِنونَ حَتَى يُحَكَموُكَ فيما شَجَر بينهُم ثُم لا يَجِدُون في أنفُسِهمْ حرجاً مما قَقيَتَ وَيسُلِموُا تسلِيماً " النساء: 65 فأهدر - عليه الصلاة والسلام - دم الرجل لإخبار الله بكفره، وبرئ عمر - رضي الله عنه - من قتله، وأثيب عليه.

ومنها: ما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال: ويل لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه. فقال كعب: والذي نفسي بيده إنها محبرة في التوراة كما قلت، فخر عمر ساجداً لله سبحانه.

وعن علي - رضي الله تعالى عنه - : إن عمر ليقول القول، فينزل القران بتصديقه، وعنه - أيضاً - كنا نقول: إن في القرآن لكلاماً من كلام عمر، ورأياً من رأيه، رضي الله عنه وأرضاه.

الأحاديث في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

الحديث الأول - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم أعز الدين بأحب الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام " يعني أبا جهل، فكان عمر أحبهما إليه. أخرجه الإمام أحمد والترمذي.

الحديث الثاني - ما أخرجه ابن السمان في الموافقة عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب " وروى مثله ابن مسعود وعائشة وغيرهما.

الحديث الثالث - أخرج أبو حاتم والدار قطني والحلقي والبغوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أسلم عمر أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، لقد استبشر أهل السماءبإسلام عمر. قال ابن عباس، وكيف لا يكون ذلك، ولم يصعد للمسلمين صلاة ظاهرة، ولا نسك معروف إلا بعد إسلامه حين قال: والله لا نعبد الله سراً بعد هذا اليوم.

الحديث الرابع - عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " أخرجه أحمد والترمذي.

الحديث الخامس - ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد يكون في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد، فهو عمر بن الخطاب " وتفسير محدَّثون: ملهمون، أي يلهمون الصواب.

الحديث السادس - عن سعد بن أبي وقاص قال: دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه، ويستكثرنه رافعات أصواتهن، فلما استأذن عمر انقمعن وسكتن وابتدرن للحجاب، فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، لما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، فقال عمر: يا عدوات أنفسهن، أتهابنني، ولا تهابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقلن: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بن الخطاب، إن الشيطان ما لقيك سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك " . أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي قلت: أفعل هنا ليس على وصفه من الزيادة، بل هو مستعمل لأفعل الفعل كما في: " وَبعولتهن أحق بردهن " البقرة:228 الناقص واراشح أحد لا نبي الله.

الحديث السابع - أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، قلت: لمن هذا القصر. قالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرتك، فوليت مدبراً " ، فبكى عمر، وقال: أمنك أغار يا رسول الله

الحديث الثامن - أخرج الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينما أنا نائم شربت لبناً حتى إني أنظر إلى الري يجرى في أظفاري، ثم ناولته عمر. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: " العلم " .

الحديث التاسع - أخرج أحمد والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا على وعليهم قُمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ الركبة، ومنها ما يبلغ أنصاف الساقين، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين " .

وفي رواية للحكيم الترمذي: بالدين إن القميص يستر العورة في الدنيا، والدين يسترها في الآخرة، ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه: " وَلباسُ التقوى ذلك خير " الأعراف: 26، واتفق المعبرون على ذلك أعني تعبير القميص بالدين، وإن ذلك يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده. قال ابن العربي: إنما أول القميص بالدين؛ لأنه يستر عورة الجهل كما أن القميص يستر عورة البدن، وأما غير عمر فما يبلغ ثديه: هو ما يستر قلبه عن الكفر وإن عصى، وما يبلغ أسفل منه وفرجه باد: هو من لم يستر رجله عن المشي للمعصية، والذي يستر رجله: هو الذي احتجب بالتقوى من جميع الوجوه، والذي يجر قميصه زاد على ذلك بالعمل الصالح الخالص.

وقال العارف ابن أبي جمرة: المراد بالناس في الحديث: مؤمنو هذه الأمة، والمراد بالدين: امتثال الأوامر واجتناب النواهي. وكان لعمر في ذلك المقام العالي. ويؤخذ من الحديث أن كل ما يرى في القميص من حسن أو غيره عبر بدين لابسه، ونقصه إما بنقص الإيمان أو العمل، وفي الحديث: أن أهل الدين يتفاضلون في الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف، وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام، ويذم في اليقظة شرعاً أعني جر القميص، لما ورد من الوعيد في جره خيلاء.

الحديث العاشر - أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عمر، وأبو داود والحاكَم عن أبي ذر، وأبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة، والطبراني عن بلال ومعاوية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " .

الحديث الحادي عشر - أخرج الترمذي عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني أنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر،، وأخرج ابن عدي عنها:رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر " .

الحديث الثاني عشر - أخرج ابن ماجة والحاكم عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يأخذ كتابه بيمينه عمر، له شعاع كشعاع الشمس فيدخل الجنة عمر " والمصافحة هنا: كناية عن مزيد الإنعام والاتصال، وهو أن أبا بكر أول من يدخل الجنة، فيجمع بحمل الأولية على التشبيه، أي أول من يدخلها بعد أبي بكر.

الحديث الثالث عشر - أخرج البزار عن ابن عمر وابن عساكر عن أبي هريرة والصعب بن جثامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عمر سراج أهل الجنة " .

الحديث الرابع عشر - أخرج البزار عن قدامة بن مظعون عن عمه عثمان بن مظعون قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا غلق العتبة وأشار بيده إلى عمر، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم " .

الحديث الخامس عشر - أخرج الطبراني في الأوسط والحكيم في نوادر الأصول عن ابن عباس قال: جاء جبريل - عليه السلام - إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أقرئ عمر السلام، وأخبره أن؛ غضبه عز، ورضاه حكم " ، وفي رواية " أتاني جبريل، فقال: أقرئ عمر السلام، وقل له: إن رضاه حكم، وإن غضبه عز " .

الحديث السادس عشر - أخرج ابن عساكر وابن عدي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر " .

الحديث السابع عشر - أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: " إن الله باهى بأهل عرفة عامة، وباهى بعمر خاصة " .

الحديث الثامن عشر - أخرج الطبراني والديلمي عن الفضل بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحق بعدي مع عمر حيث كان، يدور معه حيث دار " .

الحديث التاسع عشر - أخرج الطبراني عن سديسة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه " .

الحديث العشرون - أخرج الطبراني عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال لي جبريل ليبكين الإسلام على موت عمر " رضي الله عنه.

الحديث الحادي والعشرون - أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وباهى بعمر خاصة، وإنه لم يبعث الله نبياً إلا كان في أمته محدَث، وإن يكن في أمتي منهم أحد، فهو عمر " قالوا: يا رسول الله، كيف محدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه.

الحديث الثاني والعشرون - أخرج أبو داود عن عمر: أن رسول الله قال: له: " لا تَنسَنا يا أخي من دعائك،، وفي رواية قال له: " يا أخي أشركنا في صالح دعائك، ولا تَنسَنا " .

الحديث الثالث والعشرون - أخرج النجار عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصدق بعدي مع عمر حيث كان " .

الحديث الرابع والعشرون - أخرج أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه عن أنس والشيخان عن جابر وأحمد عن بريدة بن الحصيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش، فظننت إني أنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب، فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته " .

الحديث الخامس والعشرون - أخرج الطبراني وابن عدى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عمر معي، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان " .

الحديث السادس والعشرون - أخرج الترمذي والحاكم عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما طلعت الشمس على خير من عمر " قلت: المراد: بعد أبي بكر، جمعا بينه وبين ما ورد من مثله في حق أبي بكر رضي الله عنهما.

الحديث السابع والعشرون - أخرج ابن سعد عن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وعمر الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل " .

الحديث الثامن والعشرون - أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا: " ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت " .

الحديث التاسع والعشرون - أخرج في المصابيح عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشد أمتي في أمر الله عمر " .

الحديث الثلاثون - عن الحسن الفردوسي قال: لقي عمر أبا ذر فأخذ بيده فعصرها، فقال أبو ذر: دع يدي يا قفل الفتنة، وعرف عمر أن لكلمته أصلاً، فقال: يا أبا ذر، ما قفل الفتنة؟ فقال أبو ذر: جئتَ يوماً ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فكرهتَ أن تتخطى رقاب الناس، فجلست في أدبارهم، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تصيبكم فتنة ما دام هذا معكم " خرجه المخلص الذهبي والرازي والملا في سيرته، ومعناه في الصحيح من حديث حذيفة، ولفظه: قال: كنا عند عمر، فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة. قال حذيفة: قلت: أنا، فقال: هات، فقلت: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، فقال عمر: ليس هذا أريد، أريد التي تموج كموج البحر. قال: قلت: مالك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها باباً مغلقاً، فقال: يكسر الباب أو يفتح. قال: لا بل يكسر. قال ذلك أحرى ألا يغلق. قال: قلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم عن الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة؛ فإني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. قال: فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب، فقلنا لمسروق: سله، فسأله، فقال: عمر. أخرجه البخاري ومسلم.

عن عبد الله بن سلام أنه مر بعبد الله بن عمر وهو نائم، فحركه برجله، وقال: من؟ قال: أنا عبد الله بن عمر، فقال: قم يا بن قفل جهنم، فقام عبد الله وقد تغير وجهه حتى أتى والده عمر، فقال له: ما سمعه من عبد الله بن سلام، فقال عمر: الويل لعمر إن كان بعد عبادة أربعين سنة، ومصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقضاياه في المسلمين بالاقتصاد أن يكون مصيره إلى جهنم، قالى: فقام عمر، وتقنع بطيلسانه، وألقى الدرة على عاتقه، فاستقبله عبد الله بن سلام، فقال له عمر: بلغني عنك أنك قلت لابني: يا بن قفل جهنم، قال ابن سلام: نعم. قال: فكيف قلت إني في جهنم حتى أكون قفل جهنم؟! قال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن تكون في جهنم، ولكنك قفل جهنم. قال كيف؟! قال: أخبرني أبي عن آبائه عن موسى بن عمران - عليه السلام - عن جبريل: أنه قال: " يكون في أمة محمد رجل يقال له: عمر بن الخطاب أحسن الناس ديناً، وأحسنهم يقيناً، ما دام فيهم فالدين عال، واليقين فاش، فاستمسك بالعروة الوثقى من الدين فجهنم مقفلة، فإذا مات عمر فرق الدين، وافترق الناس على فرق عن أهواء، وفتحت أقفال جهنم فيدخل فيها.

الحديث الحادي والثلاثون - عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كان يوم القيامة وحشر الناس، جاء عمر بن الخطاب حتى يقف في الموقف، فيأتيه شيء أشبه شيء به، فيقول له: جزاك الله خيراً، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا الإسلام، جزاك الله عني يا عمر خيراً، ثم ينادى مناد: ألا لا يدفعن لأحد كتاب حتى يدفع لعمر بن الخطاب، ثم يعطى كتابه بيمينه ويؤمر به إلى الجنة. قال: فبكى عمر، وأعتق جميع ما يملكه وهم إذ ذاك تسعة عشر " .

الحديث الثاني والثلاثون - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ذات يوم وتبسم، ثم قال: " أتدري يا بن الخطاب لم تبسمت إليك؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله - عز وجل - نظر إليك بالشفقة والرحمة ليلة عرفة، وجعلك مفتاح الإسلام " .

الحديث الثالث والثلاثون - عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عمر بن الخطاب أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة، وكل أحد مشغول بأخذ الكتاب وقراءته " أخرجه في الفضائل.

الحديث الرابع والثلاثون - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمر بن الخطاب من أهل الجنة " أخرجه أبو حاتم.

الحديث الخامس والثلاثون - عن زيد بن أبي أوفى: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر ابن الخطاب: " أنت معي في الجنة ثالث ثلاثة " .

الحديث السادس والثلاثون - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينادي مناد يوم القيامة: أين الفاروق؟ فيؤتى، فيقول: مرحباً بك يا أبا حفص، هذا كتابك إن شئت فاقرأه، وإن شئت فلا، فقد غفرت لك، ويقول الإسلام: يا رب، هذا عمر أعزني في دار الدنيا فأعزه في عرصات القيامة، فعند ذلك يحمل على ناقة من نور، وقد كسى حلتين لو نشرت إحداهن لغطت الخلائق؛ ثم يسير بين يديه سبعون ألف لواء؛ ثم ينادي مناد: يأهل الموقف هذا عمر فاعرفوه " خرجه الفضائلي.

الحديث السابع والثلاثون - عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب عمر عمر الله قلبه بالإيمان " ، أخرجه الفضائلي.

الحديث الثامن والثلاثون - عن مالك بن أنس - رضي الله عنه - قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا. قال فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: ائت عمر ومره أن يستسقي للناس فإنهم يسقون، وقل له: عليك الكيس، الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبره، فبكى عمر، وقال: يا رب، ما آلو إلا ما عجزت عنه. خرجه البغوي في الفضائل وأبو عمرو.

الحديث التاسع والثلاثون - عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه " خرجه الملا في سيرته وصاحب النزهة.

وفي رواية: " لا تغضبوا عمر فإن الله يغضب إذا غضب " .

الحديث الأربعون: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ثوباً أبيض على عمر، فقال: أجديد قميصك أم غسيل؟ فقال عمر: بل جديد، فقال صلى الله عليه وسلم: " البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً " . قال عبد الرزاق: وافقه الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد ويعطيك الله قرة العين في الدنيا والاخرة " . أخرجه أبو حاتم.

وعن عمر وقد قرأ يوماً على المنبر: " جَناتُ عَدنِ يدخُلونها " الرعد: 33 هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب، على كل باب عشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي، وهنيئاً لصاحب هذا القبر، وأشار إلى قبره - عليه الصلاة والسلام - ، أو صديق وأشار إلى قبر أبي بكر الصديق، أو شهيد وأنى لعمر الشهادة وهو بجزيرة العرب، ثم قال: إن الذي أخرجني عن حنتمة بنت هاشم بن المغيرة - يعنى أمه - قادر أن يسوقها إلى. قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : فساقها الله إليه على يد شر خلقه مجوسي عبد مملوك للمغيرة بن شعبة، كما سيأتي ذكر هذا بالأثر عند ذكر وفاته، رضي الله تعالى عنه.

الحديث الحادي والأربعون - عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كيف بك يا بن الخطاب إذا جاءك منكر ونكير، وهما ملكان فظان، غليظان، أسودان، أزرقان، ألوانهما كالليل الدامس، أصواتهما كالرعد القاصف، عيونهما كالشهب الثواقب، أسنانهما كالرماح، يسحبان شعورهما على الأرض، بيد كل منهما مطرقة لو اجتمع الثقلان لم يقدروا على حملها، يسألانك عن ربك وعن نبيك؟ فقال عمر - رضي الله عنه - : أيأتياني وأنا ثابت كما أنا؟ قال: نعم. قال عمر: فسأكفيكهما - وفي رواية بفيهما الحجر - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق نبياً لقد أخبرني جبريل: أنهما يأتيانك ويسألانك، فتقول أنت: الله ربى فمن ربكما. ومحمد نبي فمن نبيكما؟ والإسلام ديني فما دينكما. فيقولان: واعجباه! ما ندري نحن أرسلنا إليك أم أنت أرسلت إلينا؟! خرجه عبد الواحد بن محمد بن علي المقدسي في كتابه التبصرة.

الحديث الثاني والأربعون: روى الحاكم في تاريخه عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رضا الله رضا عمر، ورضا عمر رضا الله تبارك وتعالى " .

الحديث الثالث والأربعون: عن أبي هريرة: " لو لم أبعث فيكم لبعث عمر، إن الله - عز وجل - أيد عمر بملكين يوفقانه ويسددانه، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صواباً " ، أخرجه الديلمي في مسند الفردوس.

أقول: هذا ما ظفرت به من الأحاديث الواردة في شأنه خاصة، وما ورد مشتركاً بينه وبين أبي بكر أو مع الثلاثة أو مع الأربعة أو مع العشرة فهي كثير، لم أورد منه شيئاً، وكذلك ما ورد في الثناء عليه من الصحابة والسلف الصالح من المناقب والكرامات والصلابة في الدين والزهد والخوف من الله وغير ذلك من أوصافه الجميلة ومزاياه الجليلة، فهي كثير مبسوط مسطر، لم أورد منه شيئاً؛ طلباً للاختصار، واعتماداً على ما ذكره المؤلفون في محاله.

ذكر وفاته شهيداً رضي الله عنه:

قال الذهبي: قال سعيد بن المسيب: إن عمر لما نفر من مني أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. ثم رجع إلى المدينة، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن.

وقالت عائشة - رضي الله عنها - : لما كان آخر حجة حجها عمر بأمهات المؤمنين مررت بالمحصب، فسمعت رجلاً على راحلة رفع عقيرته، فقال: من الطويل:

أبعد قَتِيلٍ بالمدينة أظْلَمَتْ ... له الأرضُ تهتز العِضَاهُ بأسوقِ؟!

جزى الله خيراً من إمامٍ وباركتْ ... يَدُ الله في ذاك الأدِيمِ الممزقِ

فمن يَسْعَ أو يركبْ جناحي نعامةٍ ... ليدركَ ما قدمتَ بالأمس يُسْبَقِ

قَضيْتَ أموراً ثم غادرتَ بَعْدها ... بَوائِقَ في أكمامِها لم تُفَتَقِ

وما كنْت أخْشَى أنْ تكونَ وفاتُهُ ... بكفي سَبَنْتَى أهرتِ الشِّدقِ أزْرقِ

قالت: فلم ندر ذا الراكب من هو، وكنا نتحدث أنه من الجن، فرجع عمر من تلك الحجة، وطعن في ذي الحجة وقولها: لما كان آخر حجة؛ وذلك لأن سيدنا عمر - رضي الله عنه - حج عشر سنين متواليات بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم آخرهن سنة ثلاث وعشرين من الهجرة حج بهن في الهوادج عليهن الستور، ووصى عليهن ابنه عبد الرحمن، فكان ينزلهن في الشعب، لا منفذ له صوناً لهن، وينزل هو عند بابه.

وروي عن سيدنا عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه لما وصل إلى المدينة قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. كذا في البخاري.

وقال معدان بن أبي طلحة اليعمري: خطب عمر بعد رجوعه إلى المدينة يوم جمعة، فذكر نبي الله وأبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا لحضور أجلي، وإن قوماً يأمرونني أن أستخلف، وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، فإن عجل بى أمري فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض: عثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن ابن عوف، وسعد.

وقال الزهري: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب إليه المغيرة بن شعبة - وهو عامله على الكوفة - يذكر له أن عنده غلاماً عنده صنائع، ويستأذنه أن يدخل المدينة، ويقول؛ إن عنده أعمالاً كثيرة يحسنها فيها منافع للناس، إنه: حداد، نقاش، حجار؛ فأذن له أن يرسل به، وضرب عليه المغيرة بن شعبة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر فشكا كثرة الخراج عليه، فقال له عمر: ما خراجك بكثير وأنت تحسن هذه الصنائع، فانصرف ساخطاً يتذمر، ويقول: وسع عدل عمر العالمين غيري، فمكث عمر ليالٍ ثم دعاه، فقال له: ألم أخبر أنك لو تشاء لصنعت رحى تطحن بالريح. فالتفت إلى عمر عابساً، وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فلما ولى قال عمر لأصحابه: توعدني العبد آنفاً، ثم اشتمل العبد واسمه: فيروز، وكنيته: أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين، فقبضه في وسطه، فكمن له في زاوية من زوايا المسجد في الغلس، وكان عمر يقول للناس حال القيام للصلاة: أقيموا صفوفكم قبل أن يكبر، فجاء هذا الغلام المجوسي: فيروز أبو لؤلؤة، وقام حذاءه في الصف، فلما كبر عمر للصلاة ضربه بين كتفيه وفي خاصرته فسقط.

قال عمرو بن ميمون: إني لقائم في الصلاة وما بيني وبين عمر إلا ابن عباس، فما هو إلا أن كبر بعد أن ضرب، فسمعته - رضي الله عنه - يقول: قتلني الكلب، وطار العلج، لا يمر على أحد يميناً ولا شمالاً إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة أو تسعة، فطرح رجل عليه برنساً وضمه، فلما علم عدو الله أنه مأخوذ نحر نفسه، ثم قال عمر - رضي الله عنه - : الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي على يد أحد يدعي الإسلام.

قال ابن خلكان: ذكر أنه لما طعن عمر اختار من الصحابة - رضي الله عنهم - الستة النفر الذين تقدم ذكرهم، وكان سعد غائباً، فأرسل إليه، فجعل أمره إلى عبد الرحمن بن عوف كما سأذكره، وجعل ابنه عبد الله بن عمر مشيراً، وليس له من الأمر شيء، وأمر المسور بن مخرمة - وفي رواية أمر أبا طلحة الأنصاري - أن يكون في خمسين رجلاً يكونون مع هؤلاء النفر أهل الشورى، قال فإنهم فيما أحسب يجتمعون في بيت، فقم أنت في أصحابك على بابه فلا تترك أحداً يدخل عليهم، ثم إن اتفقوا على واحد إلى ثلاثة أيام، وإلا فاضربوا أعناق الكل؛ فلا خير للمسلمين فيهم، ولو افترقوا فرقتين فالفرقة التي فيها عبد الرحمن بن عوف وأوصى أن يصلي بالناس صهيب بن سنان الرومي في تلك الثلاثة الأيام.

عن أبي الحويرث قال: لما مات عمر، ووضع؛ ليصلى عليه، أقبل علي وعثمان أيهما يصلي عليه، فقال لهما عبد الرحمن بن عوف: إن هذا لهو الحرص على الإمارة، لقد علمتما ما هذا إليكما، وقد أوصى به إلى غيركما، يا صهيب تقدم فصل عليه.

قال الذهبي: قال سالم بن عبد الله بن عمر: دخل أصحاب الشورى ما عدا سعداً فإنه كان غائباً على عمر - رضي الله تعالى عنه - فنظر إليهم، ثم قال: إني نظرت لكم في أمر الناس، فلم أجد عند أحد شقاقاً إلا أن يكون فيكم، ثم قال مخاطباً عثمان وعلياً وابن عوف: إن قومكم لن يدَعوا أن يؤمروا أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنتَ على شيء من أمر الناس يا عثمان، فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت يا بن عوف على شيء من أمر الناس فلا تحملن بني زهرة على - رقاب الناس، وان كنت يا بن أبي طالب على شيء من أمر الناس، فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا، وأمروا أحدكم. فقاموا يتشاورون. قال بن عمر: فدعاني عثمال؛ ليدخلني في هذا الأمر، فقلت له: لم يدخلني أمير المؤمنين معكم، وقلت: وكيف تؤمروني وأمير المؤمنين حي؟ فكأنما أيقظتهم، فقال عمر: أمهلوا فإذا حدث بي حادث فأمروا.

قال الذهبي: فلما دفن اجتمع هؤلاء الرهط أهل الشورى، فقال عبد الرحمن لعثمان خلوة: إن لم أبايعك فبمن تشير علي؟ فقال: أشير عليك بعلي، وقال لعلي: إن لم أبايعك فبمن تشير علي؟ فقال: بعثمان، ثم قال لطلحة: أما أنا وأنت فلا نريدها، فبمن تشير علي؟ فقال: أشير بعثمان، ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقد كان سعد جعل أمره إلى عبد الرحمن بن عوف، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، فخلا عبد الرحمن بن عوف وعلي وعثمان، فقال عبد الرحمن: أنا لا أريدها، فأيكما يبرأ من هذا الأمر لصاحبه، فيجعله لله، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم، وليحرصن على صلاح الأمة؟ فسكت الشيخان: علي، وعثمان. فقال عبد الرحمن: اجعلاه إلي والله علي لا آلوكم عن أفضلكم. قالا: نعم، فخلا بعلي، وقال له: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، الله عليك وعهده، لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرتُ عليك لتسمعن وتطيعن؟ قال علي: نعم. ثم خلا بعثمان، فقال له مثل ذلك. فقال: نعم.

فلما أخذ ميثاقهما نودي في الناس: الصلاة جامعة، فخرج عبد الرحمن عليه عمامة النبي صلى الله عليه وسلم التي عممه إياها، متقلداً سيفه، وصعد المنبر، فوقف طويلاً يدعو سراً، ثم قال: يا أيها الناس، إني قد سألتكم سراً وجهراً، ثنا ووحدانا على أمانتكم، فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين: علي، وعثمان. قم إلي يا علي، فقام علي - رضي الله عنه - ووقف جنب المنبر، فأخذ بيده، فقال: تبايعني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر؟ فقال علي: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي.

ثم قال عبد الرحمن: يا عثمان، قم. فقام فأخذ بيده في موقف علي، وقال له: كما قال لعلي، فقال عثمان: اللهم نعم. فرفع عبد الرحمن بن عوف رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان، ثم قال: اللهم اشهد، اللهم إني جعلت ما في رقبتي في رقبة عثمان. قال: فازدحم الناس على عثمان يبايعونه حتى غشوه عند المنبر، فأقعد على الدرجة الثانية من المنبر، وعبد الرحمن قاعد في مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فوقه، قال: وتلكأ علي، فقال عبد الرحمن: " فَمَن نكَثَ فإنما يَنكُثُ عَلى نَفسِه " الفتح: 10، فرجع علي، وشق الناس حتى وصل إلى عثمان، وبايعه وهو يقول خدعة، وأي خدعة!!.

وبقي عمر - رضي الله عنه - بعد طعنه ثلاثة أيام، وكان طعنه يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة.

قال العلامة الشامي في سيرته: أرسل عمر - رضي الله عنه - وهو جريح ابنه عبد الله إلى عائشة - رضي الله عنها - فقال له: قل لها يقرأ عمر عليك السلام - ولا تقل أمير المؤمنين؛ فإني اليوم لست أميرهم - وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فجاء إليها عبد الله بن عمر، فسلم، واستأذن؛ فدخل، فوجدها تبكي، فقال لها؛ فأذنت وقالت: كنت أردته - تعني مكان القبر - لنفسي، ولأوثرنه اليوم على نفسي.

فلما أقبل عبد الله من عندها قيل لعمر: هذا عبد الله. قال: ارفعوني، فأسنده رجل، فقال لعبد الله: ما لديك؟ فقال عبد الله: الذي تحب، أذنت عائشة. قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قبضت فاحملوني، ثم سلم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردت فردوني إلى مقابر المسلمين.

وأوصاهم أن يقصدوا في كفنه، ولا يتغالوا.

وغسله ابنه عبد الله، وحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلي عليه صهيب في مسجده صلى الله عليه وسلم، وكبر عليه أربعاً، ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين وهو ابن ثلاث وستين سنة علي الصحيح، فنزل في قبره ابنه عبد الله، وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد.

كانت مدة خلافته عشر سنين، وستة أشهر، وخمس ليال.

قال الذهبي: لما توفي عمر أظلمت الأرض، فجعل الصبي يقول: يا أماه أقامت القيامة؟ فتقول: لا يا بني، ولكن قتل عمر.

ذكر أولاده رضي الله عنه:

كان له ثلاثة عشر: تسعة ذكور، وأربع إناث، الأول عبد الله، وكان يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم مع أبيه صغيراً بمكة، وصاحب مع أبيه وأمه وهو ابن عشر سنين، وشهد المشاهد كلها بعد أحد.

قال الدارقطني: استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فشهد المشاهد كلها. كان عالماً مجتهداً عابداً لزوماً للسنة فاراً من البدعة ناصحاً للأمة، رؤى في الكعبة ساجداً يقول في سجوده: يا رب، ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك. أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " إن عبد الله رجل صالح " .

قال نافع: أعتق ألف نسمة أو زاد، عاش إلى زمان عبد الملك بن مروان.

قال أبو اليقظان: زعموا أن الحجاج دس له رجلاً قد سم زج رمحه، فزحمه في الطريق، وطعنه في ظهر قدمه، فدخل عليه الحجاج، فقال له: يا أبا عبد الرحمن من أصابك؟ قال: أنت أصبتني. قال: وَلم تقول هذا يرحمك الله؟! قال: حملتَ صلاح في بلد لم يكن يحمل السلاح فيه، فمات، فصلي عليه عند الردم، ودفن في حائط أم خرمان.

قلت: هذا الحائط لا يعرف اليوم بمكة ولا حولها، وإنما بالأبطح موضع يقال له: الخرمانية فلعله نسب إلى أم خرمان. وقال غير أبي اليقظان: دفن ب " فخ " هو موضع مشهور وهو ابن أربع وثمانين سنة، وله عقب منهم: عبد الرحمن، سالم، وكان عبد الله هذا من الصلاح والدين والعقل عن أحوال الدنيا على جانب الأعظم، فمن ذلك ما نقله العلامة الصفدي في تذكرته، فقال: هجت عاتكة بنت عبد الرحمن زوجها ابن أبي عتيق بهذين البيتين: من الكامل:

ذهبَ الإلهُ بما تعيشُ به ... وَقَمَرتَ لبد أيما قَمَرِ

أنفقتَ مالَكَ غير مُحتَشِمٍ ... في كُل زانِيَةِ وفي الخَمْرِ

وكان ابن أبي عتيق هذا صاحب دعابة وفكاهة، فأخذ البيتين المذكورين في رقعة، وخرج فإذا هو بعبد الله بن عمر المشار إليه، فقال له: يا أبا عبد الرحمن اقرأ هذا وأشر علي برأيك، فلما قرأها قال له: ما ترى فيمن هجاني بهذا؟ قال له ابن عمر: أرى أن تعفو عنه، وتصفح، فقال ابن عتيق: والله لئن لقيت قائلهما لأ..كنه، فأربد لون عبد الله بن عمر، وأخذته رعدة واختلاط، فقال لابن أبي عتيق: ما هذا غضب الله عليك؟! فقال له: هو ما قلت لك، والله لأفعلنها. وافترقا.

فلما كان بعد أيام لقيه عبد الله بن عمر، فأعرض عنه مولياً، فقال ابن أبي عتيق: مت يا أبا عبد الرحمن إني لقيت قائل ذلك الشعر ف..كنه، فصعق ابن عمر، وليط به، فلما رأى ابن أبي عتيق ما ناله دنا منه، وسارَّه في أذنه، وقال: والله إن الشعر لامرأتي وهي التي فعلتُ بها، فقام ابن عمر - رضي الله عتهما - وقبل بين يه. انتهى ما ذكره الصفدي.

قلت: رأيت في كتاب أنساب قريش للزبير بن بكار: ابن أبي عتيق هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم.

وقريب من هذه ما وقع لولده سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - وهو ما رأيته بخط العلامة: نجم الدين بن عمر بن فهد القرشي، ما نصه: أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، وذكر سنداً، انتهى فيه إلى الزبير بن بكار قاضي مكة قال: حدثني عمي عن أشعب الطماع قال: كان عبد الله بن عمرو ابن عثمان بن عفان شفعني وبسخني ويدعوني، فأحدثه وألهيه، فمرض، ولهوت عنه في بعض جرياتي أياماً، ثم جئت منزلي، فقالت لي زوجتي بنت رومان: ويحك أين كنت؟ عبد الله بن عمرو كان ينفعك، مرض، فهو يقلق بالنهار ويسهر بالليل، أرسل إليك؛ تلهيه وتعلله فلم يجدك. قلت: إنا لله، ثم فكرت ساعة، ثم قلت: هات لي قارورة دهن خلوفية ومنديل الحمام، ففعلت، وخرجت أريد الحمام، فمررت بسالم بن عبد الله بن عمرة فقال لي: يا أشعب، هل لك في هريس أهديتْ إلي؟ قلت: نعم، جعلني الله فداك، فدعا بها؛ فأتى بصحفة كبيرة فأكلت حتى شبعت، فجعلت أتكاره عليها، فقال: ويحك يا أشعب لا تقتل نفسك!! فإن ما فضل عنك نبعث به إلى بيتك. قلت: وتفعل؟ قال: ما أردت إلا ذاك، فكففت يدي، فبعث بها إلى بيتي، وخرجت فدخلت الحمام فاطليت، ثم صببت علي دهن الخلوفية، ثم سكبت علي ماء، وخرجت وعلي صفرة الدهن، وقد صار لوني أصفر كأنه الزعفران. قال فلبست أطماري، وعصبت رأسي، وأخذت معي وصبة، ثم خرجت أمشي متكئاً عليها حتى جئت باب عبد الله بن عمرو بن عثمان، فلما رأني حاجبه قال: ويحك يا أشعب ظلمناك، وغضضنا منك، وأنت قد بلغتَ ما أرى من العلة. قال: قلت: أدخلني على سيدي أخبره، فأدخلني عليه، فإذا عنده سالم بن عبد الله بن عمر، أتى إليه، يعوده، وعبد الله بن عمرو بن عثمان المذكور: ابن أخت سالم بن عبد الله المذكور، فقال لي عبد الله بن عمرو بن عثمان: ويحك يا أشعب ظلمناك، وغضضنا عليك، وقد بلغتَ من العلة ما أرى؟ قال: فتضاعفت، ثم قلت: أي سيدي، كنت عند بعض من أغشاه فأصابني قيء وبطن، فما حملت إلى منزلي إلا جنازة، فبلغني عنك، فخرجت أدب إليك. قال أشعب: فنظر إلي سالم، قال لي: أشعب؟ قلت: أشعب. قال: ألم تكن عندي آنفاً. قلت: ومن أين أكون عندك جعلني الله فداك، وأنا أموت؟! فجعل سالم يمسح عينيه، ثم يقول: لم تأكل الهريس آنفاً عندي؟ فأقول: هل بي آكل جعلني الله فداك مع العلة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، يا أشعب إني لأرى الشيطان يتمثل على صورتك، ما أرى مجالستك تحل. قال أشعب: وفطن بي عبد الله بن عمرو، فقال لي:أشعب، أتخدع خالي؟! اصدقني خبرك. قال: قلت: بالأمان؟ قال: بالأمان، حدثته حديثي، فضحك ضحكاً شديداً طويلاً، انتهى. والحديث شجون، يجر الفن منه إلى فنون.

والثانى من أولاده الذكور - رضي الله عنه - عبد الرحمن الأكبر شقيقه، أمهما: زينب بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون الجمحي.

والثالث: زيد الأكبر، أمه: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، رمي بحجر فمات، وقد تقدم ذكره عند ذكر أمه أم كلثوم هذه، رضي الله عنها.

والرابع: عاصم، أمه: أم كلثوم جميلة بنت عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح، حمى الدبر، وهي التي كان اسمها: عاصية، فسماها عمر: جميلة، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليغير لها اسمها فسماها كما سماها عمر: جميلةً، وقد تقدم ذكر ذلك.

والخامس: زيد الأصغر. والسادس: عبيد الله، أمهما: مليكة بنت جرول الخزاعية: كان عبيد الله شديد البطش، ولما قتل عمر قتلَ الهرمزان، وقتل جفينة وهو رجلٌ نصراني وقتل ابنة صغيرة لأبى لؤلؤة؛ فأخذ عثمان عبيد الله ليقتص منه، فاعتذر بأن عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره أنه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة - وهو الرجل النصراني من أهل الحيرة - يدخلون يتشاورون، وبينهم خنجر له رأسان، مقبضه في وسطه، فقتل عمر صبيحة تلك الليلة. فاستدعى عثمان عبد الرحمن بن أبي بكر فسأله، فقال: انظروا إلى السكين، فإن كانت ذاتَ طرفين؛ فما أرى القوم إلا قد اجتمعوا على قتله. فنظروا إليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن، فقال عمرو بن العاص: قتل أمير المؤمنين بالأمس، ويقتل ابنه اليوم؟! والله هذا لا يكون أبداً! فترك عثمان قتله.

ثم لحق عبيدُ الله بمعاوية حين أفضت الخلافة إلى علي - كرم الله وجهه - خشية أن يقيده على بالهرمزان وصاحبه والبنتِ. ولما كان يومُ صفين، خرج مع معاوية، فقتل يومئذ.

والسابع: عبد الرحمن الأوسط، أمه أم ولد اسمها: لهية، وهو المكنى ب " أبي شحمة " المحدود في الخمر، الميتِ به؛ جزم بذلك الدارقطني.

والثامن: عبد الرحمن الأصغر، أمه أم ولد.

والتاسع: عياض بن عمر، أمه: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وهي أخت سعد بن زيد؛ أحد العشرة، زوج أخت عمر: فاطمة بنت الخطاب، وهى التي قتل عنها - رضي الله عنه - فتزوجها بعده الزبيرُ بن العوام.

وأما البنات الأربع: فحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكرها في باب أزواجه - عليه الصلاة والسلام - وهي شقيقة عبد الله وعبد الرحمن الأكبر.

والثانية: رقية بنت أم كلثوم، وهى شقيقة زيد الأكبر.

والثالثة؛ فاطمة، أمها: أم حكيم بنت الحارث بن هشام.

والرابعة: زينب، أمها: أم ولد اسمها فكيهة؛ ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب " الصفوة " .

وههنا حكاية ظريفة، وقعت لسيدنا عمر مع عمرو بن معدي كرب الزبيدي، أحببت إيرادها، وهى ما ذكره المسعودي في كتابه " مروج الذهب " ومنه نقلت؛ قال: بعث عمر بن الخطاب إلى عمرو بن معدي كرب: أن أرسلْ إليَّ سيفَك الذي تحضر به الحروب، المسمى ب " الصمصامة " ، فأرسل إليه به في قراب خَلقٍ بالٍ، فأخذه عمر ثم ضربَ به في الضريبة، فلم يَحكِ، فرماه من يده، ثم بعث إلى عمرو يستدعيه، فلما حضر قال له عمر: إن هذا سيفك، ضربت به فلم يحك. فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أرسلت تطلب السيف فأرسلت إليك بالسيف، ولم أرسل إليك بالزند الذي تضرب به، فعلاه عمر بالدرّة، فقال عمرو: الحمى أضرعتني به. ثم قال له عمر: أخبرني عن السلاح، قال: ما تريد منه؟ فقال عمر: ما تقول في الرمح؟ فقال: أخوك، وربما خانك فانقصف. قال: فما تقول في السهام؟ قال: رسل المنايا: فمنها طائش، ومنها مصيب. قال: فما تقول في الدروع؟ قال: لا ترد أجلاً قد حضر، وإنها لحصن حصين. قال: فما تقول في الترس؟ قال: نِعْمَ الجُنة، وعليه تدور الدوائر. قال: فما تقول في السيف؟ قال: عنده تبكيك أمك. قال: صف لي الحرب. فقال: الحرب مرة المذاق؛ إذا كشفت عن ساق، من صبر فيها عرف؛ ومن تهور فيها تلف، ثم أنشد: من الكامل:

الحَربُ أولَ ما تَكُونُ فتيةٌ ... تَسْعَى بِزِينَتها لِكُل جَهُولِ

حَتى إِذا حَمِيَتْ وشَب ضِرامُها ... عادَتْ عَجُوزاً غَيْرَ ذاتِ خَلِيلِ

شَمطاءَ جَرت شَعْرَها وَتَنَكرَتْ ... مَكرُوهَةً لِلَّثْمِ والتَقْبِيلِ

ثم قال: إني سائلك يا عمرو، هل انصرفت عن فارس قط؟ فقال عمرو: لأحدثنك حديثاً لم أحدث به أحداً غيرك؛ خرجت في خيل بني زبيد أريد بني كنانة، فأتينا قوماً سراة، فقال عمر - رضي الله عنه - : كيف علمت أنهم سراة؟ قال: رأيت مرابط خيل، وقدوراً تكفأ، وقباباً حمراً جديدة، ونعماً كثيرة وشاء. قال عمرو: فأهويت إلى أعظمها قبة، بعد ما حوينا السبي، وكان بيتاً منتبذاً من البيوت، فنظرت إليه، واذا بامرأة بادية الجمال على فرش لها. قال: فلما نظرت إلي والى الخيل، استعبرت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: والله ما أبكي على نفسي؛ ولكن أبكي حسداً لبنات عمي، سلمن وابتلى أناس دونهن. فقلت أنا - في ظني - : والله! إنها لصادقة. فقلت لها: وأين هن؟ قالت: في هذا الوادي وراءك. فقلت لأصحابي: لا تحدثوا شيئاً حتى آتيكم. ثم همزتُ فرسي حتى علوت كثيباً، فإذا كلام أصهب الشعر أهدب أقنى، يخصف نعلاً له، وسيفه بين يديه، وفرسه عنده، فلما نظر إلي نبذ النعل من يده، ثم أخذ سلاحه وأشرف على الكثيب، فلما نظر إلى الخيل محيطةً ببيته، أقبل نحوي ثم حمل علي يقول: من الرجز:

آقُولُ لما مَنَحَتنِي فاها

وألْبَسَتنِي بُكْرَة رِداها

إِذَن سأجوي الْيَوْمَ مَنْ جَواها

فَلَيْتَ شِعْري اليَومَ ما دهاها

الخيْلُ تَبغِيها عَلَى خواها

حَتى إذا خَلا بِها خواها

قال عمرو: فقدمت عليه، وأنا أقول: من الرجز:

عَمرو عَلَى طُولِ الوِجا دَهاها

بِالخيلِ يَبغِيها عَلَى خَواها

حَتى إِذا خَلا بِها خَواها

وحملت عليه، فإذا هو أروع من نهر؛ فراغ عني، ثم حمل علي فضربني بسيفه ضربة صرعني بها؛ فلما أفقت من صرعتي، حملت عليه، فراغ عني، ثم حمل علي فصرعني، واستاق ما في أيدينا من الغنيمة. ثم أفقتُ واستويت على فرسي، فلما رآني أقبل، وهو يقول: من الرجز:

انا ابْنُ عَبْدِ اللهِ مَحْمُودُ الشيَمْ

وَخَيْرُ مَنْ يَمْشي بِساقٍ وَقَدَمْ

عَدُوُهُ يَفْدِيهِ مِنْ كُل السقَمْ

قال عمرو: فحملت عليه، وأنا أقول من الرجز:

أنا ابْنُ ذِي التَقْلِيدِ في الشهْرِ الأصَمْ

أنا ابْنُ ذِي الإكلِيل قتال البُهَمْ

مَن يَلقَني يَردَى كَما أردَتْ إِرَمْ

أُنزِلُهُ لحماً عَلَى ظَهْرِ وَضَمْ

فراغ - والله - عني، ثم ضربني، ثم صرخ صرخة، فرأيت الموت - والله؛ يا أمير المؤمنين - ليس دونه شيء، وخفته خوفاً لم أخف أحداً قط قبله مثله، فقلت له: من أنت؛ فوالله! ما اجترأ علي أحد قط إلا عامر بن الطفيل؛ لإعجابه بنفسه، وعمرُو بن كلثوم؛ لسنه وتجربته؟! قال: بل من أنت، أخبرني وإلا قتلتك. قال عمرو: فقلت: أنا عمرو بن معدي كرب. فقال: وأنا ربيعة بن مكدم.

ثم قلت: اختر مني إحدى ثلاث: إن شئت اجتلدنا بالسيف حتى يموت أعجزنا، وإن شئت اصطرعنا، وإن شئت السلم؛ فإنك حدث وبقومك إليك حاجة. فقال: بل هذه الثلاث إليك. قال عمرو: فاخترت السلم. فقال لي: ألق سيفك، وانزل عن فرسك. قال عمرو: فقلت يا بن أخي، قد جرحتني جرحين، ولا يزال بي، فوالله: ما كف حتى نزلت عن فرسي، فأخذ بعنانه، ثم أخذ بيده في يده فانصرفنا إلى الحي، وأنا أجر رجلي، حتى طلعنا على الخيل، فلما رأوني همزوا خيولهم إلى نحوي، وأرادوا ربيعة، فناديتهم: إليكم عنه، فمضى - والله - كأنه ليث، حتى شقهم ثم أقبل إلي، وقال: كأن أصحابك يريدون غير الذي أردت، فصمتَ والله القوم لم يتكلم أحد، وأعظموا ما رأوا. فقلت: يا ربيعة بن مكدم، لا يريدون إلا خيراً؛ وإنما سميته ليعرفه القوم، ومضينا معه حتى نزل، فقامت إليه صاحبته وهى ضاحكة فمسحت وجهه، ثم أقبل بإبل فنحرت، وضرب علينا القباب، فأقمنا عنده يومين وانصرفنا.

قال عمرو: ثم غزوت بعد زمان في صناديد قومي بني كنانة فأخذنا عيالهم، ومنهم امرأة ربيعة بن مكدم وكان غائباً، فبلغه ذلك فأقبل في الطلب على فرس عري ومعه رمح بلا سنان، فلما لحق بنا قال لي: يا عمرو، خل عن الظعينة وما معك، فلم ألتفت إليه، ثم أعادها فلم ألتفت إليه. ثم قال: يا عمرو، إما تقف لي أو أقف لك، فوقفت، وقلت: قد أنصف القارة من راماها؛ فقف لي يا ابن أخي، فوقف، فحملت عليه وأنا أقول: من الرجز:

أنا ابنُ ثور ثم فَتَّاق الدَلَق

لستُ بمأمونٍ ولا في حَرَق

وأستُرُ القومَ إذا احمرَّ الحَدَق

إذا الرجالُ عَضهُم فوق الترَق

وَجدتني بالسيف فَتَّاقَ الحلق

حتى إذا ظن أن قد خالطه السنان إذا هو نقب لفرسه، ومر السنان على ظهر الفرس، ثم وقفت له، فحمل علي وهو يقول: من الرجز:

أنا الكِناني الغُلامُ لا برح ... كم من هِزَبرٍ رامَني قَدِ انشَرَح

فقرع رأسي بالرمح، ثم قال: إليك يا عمرو، فلولا إني أكره قتلك لقتلتك. فقلت: لا ينصرف إلا أحدنا. فحملت عليه، حتى إذا ظن أن قد خالطه السنان إذا هو حزام لفرسه، ثم إنه حمل علي فقرع رأسي بالرمح ثانية وقال: خذها إليك ثانية، وإنما العفو مرتان. فصاحت به امرأته: السنان له درك. فأخرج سناناً من بين إزاره كأنه شعلة نار، فركبه على رمحه، فلما نظرت إليه وذكرت طعنته بغير سنان، قلت له: خذ الظعينة. فقال: دعها وانج بنفسك. فقالت بنو زبيد: تتركها لغلام؟ فقلت: والله لقد رأيت الموت الأحمر في سنانه وسمعت صريره في تركيبه. فانصرفنا، ورجع بالظعينة والغنيمة.

ومثلها ما رأيته في كتاب المحاسن والمساوى، قال: وَفَدَ على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أعرابي يستحمله، فقال له: خذ بعيراً من إبل الصدقة، فنظر إلى بعير منها استحسنه واختاره فتعلق بذنبه، ونازعه البعير نفسه ونقر فاقتلع ذنبه في يده، فقال له عمر: يا أخا العرب، هل رأيت أشد منك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، خرجت بامرأة من أهلي أريد بها زوجها، فنزلت منزلاً أهله خلوف، فأنخت بها إلى جانب، ودنوت من الحوض، فإذا رجل قد أقبل معه ذود له، فصرف ذوده إلى الحوض، وأقبل نحو المرأة لا أدري ما يريد، فلما قرب منها ساورها، فنادتني، فلما انتهيت إليه إذا هو قد خالطها، فجئت لأدفعه، فأخذ رأسي ووضعه بين ذراعه وجنبه؛ فما استطعت أن أتحرك حتى قضى ما أراد، ثم قام عنها فأطلقني بعد، ثم احتلب من ذوده فروى، ثم ذهب فاضطجع، وقالت المرأة: نعم الفحل هذا، لو كانت لنا منه سخلة. فأمهلته حتى امتلأ نوماً، ثم قمت إليه فضربت ساقه بالسيف فقطعت، فوثب، فهربت وعليه الدم، فرماني بساقه، فأصابت بعيري فقتلته، فقال عمر: فما فعلت المرأة؟ فقال الرجل الأعرابي: هذا حديث الرجل. فكرر عليه عمر السؤال مراراً في كلها يقول: هذا حديث الرجل.