في ذكر الخلفاء الأربعة: خلافة أمير المؤمنين عثمان ذى النورين، رضي الله عنه

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

العصامي

 عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي، مؤرخ، من أهل مكة مولده ووفاته فيها (1049 - 1111 هـ)

خلافة أمير المؤمنين عثمان ذى النورين، رضي الله عنه:

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي، الأموي، العبشمي. يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، فهو أقربهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - أمه أروَى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، أسلمت، رضي الله عنها، رواه أبو بكر بن مخلد. وأمها البيضاء، أم حكيم بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اسمه في الجاهلية والإسلام عثمان، ويكنى أبا عمرو، وأبا عبد الله، والأولى أشهر. قيل: إنه ولدت له رقية ولداً أسماه عبد الله فاكتنى به فمات، وولد له عمرو فاكتنى به إلى أن مات، ويدعى ب " ذي النورين " ؛ لأنه تزوج بإبنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقية وأم كلثوم، ولم يعلم أحد تزوج بإبنتي نبي غيره. وقيل: إنه إذا دخل الجنة زفت له برقيتين، وقيل: لأنه كان يجمع القرآن في الوتر؛ فالقران نور، وقيام الليل نور، وقيل غير ذلك.

وهو من السابقين الأولين، وصلى إلى القبلتين، وهاجر الهجرتين، وهو أول من هاجر إلى الحبشة فاراً بدينه، ومعه زوجته رقية، رضي الله عنهما. وعد من البدريين، ومن أهل بيعة الرضوان، ولم يحضرهما. وكان سبب غيبته عن بدر أن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضت، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجلوس ليمرضها، وقال له: لك أجر رجل شهد بدراً، وضرب له بسهمه من غنيمتها.

وأما غيبته عن بيعة الرضوان؛ فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلى مكة. عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: " لما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أهل مكة، دعا رسول الله أصحابه إلى البيعة، وقال: إن عثمان في حاجة لله ورسوله، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، وقال: هذه عن عثمان، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم له خيراً من أيديهم لأنفسهم " . خرجه الترمذي وإنما أرسله عليه الصلاة والسلام لعزته فيهم، ولو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه؛ لأنه كان له في قريش محبة وعزة لا توصفان، حتى ضربوا بذلك المثل فقالوا: أحبك الرحمن، حب قريش عثمان.

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ، وبشره بالجنة، ودعا له بالخصوص غير مرة؛ فأثرى وكثر ماله، وكانت له شفقة ورحمة ورأفة على المسلمين. فلما ولي زادت رحمته وتواضعه ورأفته برعيته، وكان يُطعِمُ طَعامَ الإمارة، ويأكل الخل والزيت.

وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيراً بأحلاسها وأقتابها، وأتم الألف بخمسين فرساً، وقال قتادة: حمل على ألف بعير وسبعين فرساً، واشترى بئر رومة بخمسة وثلاثين ألفاً وسبَّلها. وله من أفعال الخير وأنواع البر ما يطول ذكره.

ولد بمكة. قلت: لم أظفر بتعيين موضع ولادته في كلام أحد ممن يعتمد كلامه. افتتح في أيامه الإسكندرية، وسابور، وافريقية، وقبرص، وسواحل الروم، واصطخر الآخرة، وفارس الأولى، وخوزستان، وطبرستان، وكرمان، وسجستان، وساحل الأردن، ومرو، والأساورة.

ذكر إسلامه رضي الله تعالى عنه:

قال في الرياض النضرة، في مناقب العشرة: عن عمرو بن عثمان - رضي الله عنهما - قال: كان إسلام عثمان أبي فيما حدثنا عن نفسه قال: كنت رجلاً مشتهراً بالنساء، وإني ذات ليلة بفناء الكعبة قاعد في رهط من قريش، إذ أتينا فقيل لنا: إن محمداً أنكح عتبة بن أبي لهب رقية، وكانت رقية ذات جمال رائع. قال عثمان: - فدخلتني الحسرة، لم لا أكون أنا سبقت إلى ذلك، فلم ألبث أن انصرفت إلى منزلي، فأصبت خالة لي قاعدة، وهى سعدى بنت كريز، وكانت قد ظرفت وتكهنت عند قومها، فلما رأتني قالت: من الرجز:

أبشِر وحُيَّيتَ ثَلاثاً تَترَى ... أتاكَ خيرٌ ووُقِيتَ شرا

أُنكِحتَ والله حَصاناً زَهراً ... وأنتَ بَكرٌ ولَقِيتَ بِكرا

وافيتها بنتَ عَظيمٍ قَدرا ... لله أمرٌ قَدَ أشاد ذِكرا

قال عثمان: فعجبت من قولها فقلت: يا خالة ما تقولين؟ فقالت: يا عثمان، من الرجز:

لَكَ الجَمالُ ولَكَ اللسانُ ... هَذا نَبي مَعَه البُرهانُ

أرسلَهُ محبه الديانُ ... فاتبَعهُ لا يعبأ لَكَ الأوثانُ

قال: قلت يا خالة، إنك لتذكرين شيئاً ما وقع ذكره في بلدنا فأبينيه لي. قالت: محمد بن عبد الله، رسول من عند الله، جاء بتنزيل الله، يدعو إلى الله، ثم قالت: مصباحه مصباح، ودينه فلاح، وأمره نجاح، وقرنه نطاح، دانت له البطاح، ما ينفع الصياح، لو وقع الذباح، وسلت الصفاح، ومدح الرماح، قال: ثم انصرفت ووقع كلامها في قلبي، فجعلت أفكر فيه. وكان لي مجلس عند أبي بكر، فأتيته، فأصبته في مجلس ليس عنده أحد، فجلست إليه؛ فرآني منكسراً؛ فسألني عن أمري، وكان رجلاً شايباً، فأخبرته بما سمعت من خالتي، فقال: يا عثمان، ويحك!! إنك رجل حازم لا يخفى عليك الحق من الباطل، ما هذه الأوثان التي يعبدها قومنا؟! أليست حجارة لا تضر ولا تنفع، صم لا تبصر ولا تسمع؟ قلت: بلى والله، إنها كذلك. فقال: والله صدقتك خالتك. هذا محمد بن عبد الله قد بعثه الله برسالته إلى خلقه، فهل لك أن تأتيه فتسمع منه؟ قلت: بلى. فوالله ما كان بأسرع من أن مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي بن أبي طالب يحمل ثوباً، فلما رآه أبو بكر قام فسارَّه في أذنه بشيء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد ثم أقبل علي فقال: يا عثمان أجب الله إلى جنته؛ فإني رسول الله إليك والي خلقه - قال: فوالله ما تمالكتُ حين سمعت قوله أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، ثم لم ألبث أن أتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي إسلام عثمان تقول خالته سعدى المذكورة من الطويل:

هَدَى الله عثماناً بِقَولي إلى الهُدَى ... وأرشَدَهُ والله يَهدِي إلى الحق

فَتابَع بالرأي السديدِ محمداً ... وَكانَ برأي لا يحيدُ عن الصدْقِ

وأنكَحَهُ المبعوثُ بالحق بِنتهُ ... فَكانَ كَبَدرِ مازَجَ الشَّمْسَ في الأُفْقِ

فِدَى لَكَ يا بْنَ الهاشِمِيين مُهجتي ... فأنتَ أمينُ الله أُرْسِلْتَ للخَلْقِ

وأسلمت أخت عثمان آمنة بنت عفان، وأسلم إخوته لأمه الوليد وخالد وعمارة، أسلموا يوم الفتح، خرجه الفضائلي.

صفته رضي الله تعالى عنه:

كان رضي الله عنه رجلاً مربوعاً، ليس بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه، بوجنته نكات جدري، أقنى الأنف، من أجمل الناس، رقيق البشرة، خفيف الجسم، عظيم اللحية طويلها، أسمر اللون، كثير الشعر، ذو جمة أسفل من أذنيه، ضخم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، أصلع، وبكثرة شعر رأسه ولحيته كان أعداؤه يسمونه نعثلاً، كما سيأتي ذكر ذلك.

عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة فيها لحم إلى عثمان، فدخلت عليه فإذا هو جالس مع رقية ما رأيت زوجاً أحسن منهما، فجعلت مرة أنظر إلى عثمان ومرة أنظر إلى رقية. فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت عليهما؟ قلت: نعم. قال: هل رأيت زوجاً أحسن منهما؟ قلت: لا " . خرجه البغوي في معجمه، والحافظ الدمشقي.

وفى سيرة الشامي: لما بويع عثمان رقى المنبر بعد العصر أو قبل الزوال يومئذٍ، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله، ثم قال: أيها الناس، إنكم في بقية آجالكم؛ فبادورا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. واعتبروا بمن مضى من القرون وانقضى، ثم جدوا ولا تغفلوا. أين أبناء الدنيا وإخوانها؟ أين الذين شيدوها وعمروها وتمتعوا بها طويلاً، ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا خير رمي، واطلبوا الآخرة حيث رغب الله عز وجل فيها؛ فإنه سبحانه ضرب لكم مثلاً فقال: " واضرِب لَهُم مَثَلَ الحياة الدنيا كَمَاءٍ أنزلتَه مِنَ السَمَاءِ... " إلى " ...مُقتَدرِاً " الكهف: 45 فاتقوا الله، إن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. إن الله أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها. إن الدنيا تفنى، والآخرة تبقى؛ فلا تشتغلوا بالفانية عن الباقية؛ فإن الدنيا منقطعة والمصير إلى الله تعالى، واتقوا الله؛ فإن تقواهُ جنة من سأله، ووسيلة عنده " واذكروا نعمَتَ اللهِ عليكُم إذ كُنتم أعداءً " آل عمران: 103 الآية. ثم نزل.

أخرج ابن سعد عن الزهري قال: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة فلم ينقم الناس عليه شيئاً مدة ست سنين، بل كان أحب إلى قريش من عمر؛ لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما ولي عثمان لان لهم ووصلهم، ثم توانى في أمورهم، واستعمل أقاربه - أهل بيته في الست السنين الأواخر، وأعطاهم المال متأولاً في ذلك الصلة التي أمر الله بها، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي - فكان ذلك مما نقم عليه.

وأخرج ابن عساكر عن الزهري قال: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان، ما كان شأن الناس وشأنه ولم خذله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن المسيب: قتل عثمان مظلوماً، ومن قتله كان ظالماً، ومن خذله كان معذوراً. قلت كيف قال: لأنه لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة؛ لأنه كان يحب قومه، وكان كثيراً ما يولي بنى أمية ممن لم يكن له صحبة، وكان، من أمرائه ما ينكره الصحابة، فكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الست الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم دون غيرهم، وأمرهم بتقوى الله.

ولما كانت سنة خمس وثلاثين خرج المصريون وغيرهم على عثمان، قال إسماعيل بن أبي خالد: لما نزل أهل مصر الجحفة وأتوا يعاتبون عثمان في هذه الأشياء، صعد عثمان المنبر فقال: أيكم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا منا وما يريدون؟ وكان القوم الذين من مصر نحو أربعمائة، فقال المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص: نحن نذهب، فلما وصلا إليهم ردوهما أقبح رد. فقام علي فقال: أنا أذهب إليهم، فذهب فقال: ما الذي نقمتم على عثمان؟ فذكروا الأمور الستة عشرة المذكورة، فأجابهم عن الأول بأن دعواهم إسرافه في بيت المال فإنما كان من مال نفسه.

وأما عن الثاني وهو الحمى، فأجاب بأني إنما حميته لإبل الصدقة كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك؛ فقالوا: إنك زدت. فقال: إنما زدت لإبل الصدقة لما زادت، ولم أحم بإبلي ولا لغنمي، وليس هذا مما ينقم على الإمام.

وأما الثالث وهو حمى سوق المدينة، فأجاب بأنه افتراء عليه ولا أصل له.

وأما الرابع وهو حمى البحر، فليس كذلك، وإنما لما كان متسعاً في المال منبسطاً في التجارات حمى سفينه أن يُحمل فيها متاع غير متاعه.

وأما الخامس وهو ضربي لابن مسعود، فإنه إنما كان للأدب حين امتنع من إتيانه بالمصحف ليجتمع الناس على مصحف واحد؛ فكان لي ذلك؛ فأحرقت مصحفه وكان من أكبر المصالح؛ فإنه لو بقي في أيدي الناس أدى ذلك إلى فتنة كبيرة في الدين؛ لكثرة ما فيه من الشذوذ، رولحذفه المعوذتين مع شهرتهما - وأما هجري له فلم تزل هذه سيمة الخلفاء قبلي.

قلت: وهجره إياه ليس بأعظم من هجر علي أخاه عقيلاً وأبا أيوب الأنصاري حين فارقاه بعد انصرافه من صفين، وذهب إلى معاوية ولم يوجب ذلك طعناً عليه ولا عيباً فيه. وقد روي عن أعرابي من هَمذان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى يطعنون على عثمان فقال: أنشدكم الله لو أن عثمان ردكم إلى أعمالكم وعطاياكم أكنتم ترضرن؟ قالوا: اللهم نعم. فقال الهمداني: اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطغوا على أئمتكم. ولما كان تلقيه به مما يكره؛ فإن منصب الخلافة لا يحتمل ذلك، وليس هذا بأعظم من ضَربِ عُمَرَ سَعدَ بن أبي وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له، وقال له: إنك لم تهب الخلافة، فأردتُ أن تعرف أن الخلافة لم تهبك. ولم يغير ذلك سعداً ولا رآه عيباً. وكذلك ضرب أبي بن محب حين رآه يمشي وخلفه قوم، وقال: إن هذه مذلة للتابع وفتنة للمتبوع.

وأما السادس وهو قصة عبادة، فهي دعوى باطلة وكذب مختلق.

وأما السابع وهو قولهم: إن عبد الرحمن ندم على توليته فكذب صريح، ولو كان كذلك لصرح بخلعه إذ لا مانع له؛ فإن أعيان الصحابة على زعمهم منكرون ناقمون أحداثه، والناس تبع لهم، فلا مانع من خلعه. فكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما في حق الآخر؟ وإنما الذي صح في قصته أن عثمان استوصى منه، فإن عبد الرحمن كان يبسط عليه من القول لا يبالي ما يقول. ويروى أن عثمان قال له: إني أخاف يا بن عوف أن يبسط من دمي.

وأما الثامن وهو ضرب عمار فقد حلف أنه لم يكن ذلك عن أمره، وذلك أن عماراً جاء هو وسعد إلى المسجد، وأرسلا إلي أن ائتنا، فإنا نريد أن نذاكرك أشياء فعلتها، فأرسلت إليهما إني عنكم اليوم مشغول فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا. فانصرف سعد وأبي عمار أن ينصرف، فأعدت إليه الرسول فأبى، فتناوله رسولي بغير أمري، والله ما أمرته ولا رضيت بضربه، وهذه يدي لعمار فليقتص مني إن شاء.

وأما التاسع وهو انتهاك حرمة كعب ابن عبدة الفهري، قال: فقد استرضيته؛ إذ كتبت إليه، فلما دخل علي قلت: يا كعب، كتبت إليك كتاباً غليظاً، ولقد كتبت إلى بعض الذي هتكت مشورتك، ولكنك خدشتني وأغضبتني حتى نلت منك ما نلت، ونزعت قميصي ودعوت بسوط ودفعته إليه، وقلت: قم فاقتص مني ما ضربتك، فقال كعب: أما إذ فعلت فأنا أدعه لله لا أكون أول من اقتص من الأئمة. ثم صار بعد من خواصِّي.

وأما العاشر وهو تركي إقامة الحد على عبيد الله بن عمر؟ فما ذاك إلا بخوفي ثوران فتنة عظيمة من قبله؟ لأنه كان بنو تميم وبنو عمي مانعين من قتله ودافعين عنه، وكان بنو سهم أيضاً مانعين من ذلك، حتى قال عمرو بن العاص: قتل أمير المؤمنين بالأمس فيقتل ابنه اليوم.لا يكون وإلله هذا أبداً، ومال في بني سهم. فلما رأيت ذلك اغتنمت تسكين الفتنة، وقلت: أمره إلي وسأرضي أهل الهرمزان عنه.

وأما الحادي عشر وهو انفرادي بأقوال شاذة، فلم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو ذلك ينفرد الواحد منهم بما يقول ويخالفه الباقون؛ وهذا علي بن أبي طالب في مسألة بيع أم الولد على مثل ذلك، وفي الفرائض عدة مسائل على هذا النحو لكثير من الصحابة، فلم أنفرد بهذا المعنى.

وأما الثاني عشر فهو هتكي حرمة الأشتر - فهل أثار الفتنة في هذه القصة إلا فعل الأشتر بالكوفة من هتك حرمتي وتسليط العامة على ضرب عاملي بلا اعتذار عن الأمر بنفيه بل ذلك أقل ما يستوجب، ثم لم ينفعه ذلك حتى سار من الشام إلى الكوفة وأضرم نار الفتنة.

وأما الثالث عشر وهو إتمامي الصلاة بمنى؛ فعذري في ذلك ظاهرة لأني ممن لا يوجب القصر في السفر وأنا أبيحه فيه، وأيضاً هي مسألة اجتهادية، فقولي لا يوجب تكفيراً ولا فسقاً.

وأما الرابع عشر وهو نفيي لأبي ذر؛ فلتجاسره علي وتجبيهي بالكلام الخشن ومفسدة علي، وإثارة الفتنة، وتأدية ذلك التجاسر لإذهاب هيبتي وتقليل حرمتي؛ ففعلت ما فعلت؛ صيانة لمنصب الشريعة، وإصابة لحرمة الدين.

قلت: كان عذر أبي ذر فيما كان يدعو عثمان - رضي الله تعالى عنه - إلى ما كان عليه صاحباه من التجرد عن الدنيا والزهد فيها - مخالفة عثمان إلى أمور مباحة من اقتنائه الأموال، وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على الحروب، وكل منهما على هدى من الله تعالى.

وأما الخامس عشر وهو ردي الحكم، فقد استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في رده إلى المدينة فوعدني بذلك، فلما ولي أبو بكر سألته في ذلك فقال: كيف أرده إليها وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقلت له: بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياي بذلك، فقال أبو بكر: لم أسمعه يقول لك ذلك، ولم يكن لي أنا بينة على ذلك. ثم لما ولي عمر سألته ذلك فأبى ولم يردده بقول الواحد، فلما وليت قضيت بعلمي، وكان قد تاب وأصلح عما كان طرد لأجله مما تقدم ذكره، وإغاثة التائْب مما يحمد.

رأما السادس عشر وهو عزل ابن مسعود وعمرو بن العاص ونحوهما، فأما عمرو العاص فإنما عزلته؛ لأن أهل مصر أكثروا شكايته، وأما ابن مسعود فلما بلغني عنه، ولم تزل الأئمة على مثل ذلك، ولم يكن قصدي من منع عطائه حرمانه ألبتهَ، وإنما التأخير إلى غاية اقتضى نظري التأخير إليها، فكان لما قضى الله وصلت به ورثته، ولعله كان أنفع لهم فأزال عنهم وعثتهم، وأرسل إلى ابن أبي سرح يتهدده، ورجعوا إلى أوطانهم.

قلت: وأحسن ما يقال في الجواب عن جميع ما ذكر أنه عليه الصلاة والسلام قد أخبر عن وقوع فتنة عثمان، وأنه على الحق في حديث كعب بن عجرة كما سيأتي، وفي رواية على الهواء أخرجها أحمد، وأخبر أنه يقتل ظلماً كما في حديث ابن عمر الآتي أيضاً، وأمر باتباعه عند ثوران الفتنة كما في حديث مرة بن كعب كما يأتي، فمن شهد له عليه الصلاهَ والسلام أنه على الحق وأنه يقتل ظلماً وأمر باتباعه - كيف - يتطرق الوهم إلى أنه على الباطل. ثم قد ورد في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام أخبره أن الله يقمصه بقميص، وأن المنافقين يريدونه على خلعه، فأمره ألا يخلعه، وأمره بالصبر فامتثل أمره ! وصبر على ما ابتلى به، وهذا من أدل دليل، أنه كان على الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فمن خالفه يكون على الباطل، فكيف وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذين أرادوا خلعه بالنفاق؛ فعلم بالضرورة أن كل ما روي عنه مما يوجب الطعن عليه أمر بين مفتري عليه مختلق وبين مجهول، وعلى تقدير صحته يحمل على أحسن الحالات، فيكون معه على الحق تصديقاً لخبر النبوة المقطوع بصدقه.

ولما بلغ عبد الرحمن بن عوف قول عثمان فيه ما قال أرسل إلى عثمان يقول: ما تخلفت عن بدر، ولا فررت يوم أحد، ولا خالفت سنة عمر؛ فأرسل إليه عثمان: تخلفت عن بدر لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها. أما يوم أحد فقد عفا الله عني. وأما سنة عمر فوالله ما استطعتها أنا ولا أنت.

ثم لما كان شوال من السنة المذكورة خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في سبعمائة. وأمراؤهم: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة ابن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، والغافقي بن حرب الحكي، ومعهم ابن السوداء.

وخرج أهل الكوفة في مائتين، فيهم: زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر المسمعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، وهو مقدمهم.

وخرج أهل البصرة في نحو مائة وخمسين، فيهم: حُكيم بن جبلة، وذَريح بن عباد العبدي، وبثر بن شريح القيسي، وعليهم: حرقوص بن زهير السعدي.

فأما أهل مصر فكانوا يشتهون علياً. وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون الزبير. وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون طلحة، فخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها يتم دون الأخرى حتى كانوا من المدينة على ثلاث فقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب وتقدَم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص. وجاء زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم ليكشفا خبر المدينة فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة والزبير، وعلياً، فقال: إنما نؤم هذا البيت ونستعفي من بعض عمالنا واستأذنوهم للناس، فكلهم أبى ونهى، فرجعا فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا علياً. ومن أهل البصرة أنفر، فأتوا الزبير. ومن أهل الكوفة نفر فأتوا طلحة وقال كل فريق منهم: إن بايعنا صاحبنا وإلا كدناهم، وفرقنا جماعتهم ثم كررنا حتى نبغتهم. فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت وقد سرح ابنه الحسن إلى عثمان واجتمعوا عليه فسلم المصريون على علي وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وقال: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون فارجعوا لا صحبكم الله تعالى. فانصرفوا وفعل طلحة والزبير نحو ذلك. وأزال عثمان شكواهم وعزل عنهم ابن أبي سرح، وكتب لمحمد على مصر بعد أن اختاروه، فذهب القَوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم، فلما بلغ القوم إلى عساكرهم كروا بهم وفجأوا أهل المدينة فدخلوها وضجوا بالتكبير ونزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان. وقالوا: من كف يده فهو آمن، ولزم الناس بيوتهم، فأتى علي رضي الله عنه وقال: ما ردكم بعد ذهابكم. قالوا وجدنا مع بريد كتاباً بقتلنا.

وقال الكوفيون والبصريون: نحن نمنع إخواننا المصريين وننصرهم، فعلم الناس أن ذلك مكر منهم.

وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمد بهم فساروا إليه على الصعب والذلول فبعث معاوية إليه حبيب بن مسلمة الفهري. وبعث إليه ابن أبي سرح معاوية بن خديج، وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو.

فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب فقال: يا هؤلاء اتقوا الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب فإن الله لا يمحو السيئ إلا بالحسن، فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك، فأقعده حكيم بن جبلة، فقام زيد بن ثابت فقام إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع.

وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد. وحصبوا عثمان حتى صرع نحو المنبر فغشي عليه فاحتمل وأدخل الدار.

وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم إلا ثلاثة فإنهم كانوا يراسلونهم: محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر.

قال: وأستقبل أناساً منهم: زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وسعد بن مالك، والحسن بن علي، فنهضوا لنصرة عثمان، فبعث إليهم عثمان يحلف عليهم: أن ينصرفوا فانصرفوا.

وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته، ثم رجعوا إلى منازلهم.

قال الواقدي: وقولهم: وجدنا بريداً معه كتاب بقتلنا: هو أنهم لما كانوا ب " البويب " وفي رواية ب " ذي خشب " رأوا جملاً عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلام أسود لعثمان ففتشوا متاعه بعد أن سألوه فتارة يقول: أنا عبد لمروان،وتارة: لفلان، فلما فتشوه وجدوا قصبة من رصاص فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء ففتحوه فإذا هو: إلى عبد الله بن أبي سرح أن: افعل بفلان كذا واقتل فلاناً واقطع رجل فلان ويده، وعدد جماعة من القوم واثبت في عملك حتى يأتيك أمري: وعلى الكتاب ختم بخاتم عثمان. قال الواقدي؛ فحدثني عبد الله بن الحارث عن أبيه لما رجعوا إلى المدينة أتوا علياً فقالوا له ألم تر إلى عدو الله؟ فقم معنا. قال: والله ما أقوم معكم.

قالوا: فلم كتبت إلينا؟.

قال: والله ما كتبت إليكم. فنظر بعضهم إلى بعض وخرج علي من المدينة. فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا، فقال: إنما هما اثنتان: تقيمون رجلين من المسلمين، يعني شاهدين، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو - ما كتبت ولا علمت. قالوا: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به؟ وزعموا أنه خط مروان وسألوه أن يدفعه إليهم فأبى وعلموا أنه لم يحلف كاذباً ولزموا بيوتهم.

فقال عثمان: قد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم على الخاتم. فقالوا: قد أحل الله دمك ونقض العهد والميثاق. وحصروه في الدار.

وروى بشر بن شغاف عن عبد الله بن سلام قال: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه رجل فنال منه، فوذأته فاتذأ. فقال رجل؛ لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلاً فإنه من شيعته. فقلت له: لقد قلت عظيماً في الخليفة من بعد نوح.

أقول: وذأته: زجرته، وقمعته. وقالوا لعثمان نعثلاً؛ تشبيهاً له برجل مصري اسمه: نعثل، كان طويل اللحية. والنعثل في اللغة: ذكر الضباع.

وكان عمر يشبه بنوح في الشدة. ولما أخذت من يد عثمان العصا وهو قائم يخطب وكان الآخذ لها جهجاه بن عمرو الغفاري، وكسرها بركبته وقعت الآكلة في ركبته والعياذ بالله تعالى.

ثم إنهم أحاطوا بالدار وحصروه.

قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بالبقيع، فكتب عثمان: أما بعد فقد بلغ الحزام الطُّبيين، وجاوز السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه من الطويل:

فإنْ كُنْتَ مأكُولاً فَكُنْ خَيرَ آكِلٍ ... وإلا فادْرِكني وَلَما أُمزقِ

وعن أبان بن عثمان: لما ألحوا على عثمان بالرمي خرجت حتى أتيت علياً فقلت: يا عم أهلكتنا الحجارة. فقام معي فلم يزل يرمي حتى فتر كتفه ثم قال: يا بن أخي اجمع حشمك ثم يكون هذا شأنك.

وعن أبي إدريس الخولاني أنه قال: أرسل عثمان إلى سعد فأتاه فكلمه فقال له حد: أرسل إلى علي. فإن أتاك ورضي صلح الأمر. قال: فأنت رسولي إليه. فأتاه فقاام معه علي فمرا بمالك الأشتر، فقال الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا. قالوا: يد عثمان. فقال: والله لئن دخل علي عثمان لتقتلن عن آخركم. فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد، وأجلسه في أصحابه وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا. فدخلوا عليه فقتلوه وعن أبي حبيبة: لما اشتد الحصار على عثمان قالوا له - يعني الذين عنده في الدار فكانوا قريباً من ستمائة فيهم مروان بن الحكم - : ائذن لنا في القتال. قال: أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل، أيما عبد من عبيدي أغمد سيفه فهو حر.

وعن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية أنه محصور، ويأمره أن يجهز له جيشاً سريعاً. فلما قدم على معاوية ركب معاوية لوقته هو وسالم بن عقبة، ومعاوية بن خديج فساروا من دمشق إلى عثمان عشراً فدخل نصف الليل على عثمان وقبل رأسه وقال له عثمان: أين الجيش؟ قال ما جئت إلا ثالث ثلاثة، فقال عثمان لا وصل الله رحمك ولا أعز بعيرك ولا جزاك خيراً، فوالله لا أقتل إلا فيك ولا ينقم على إلا من أجلك.

فقال: بأبي أنت وأمي لو بعثت إليك جيشاً فسمعوا عاجلوك بالقتل ولكن معي نجائب فاخرج معي، فما شعر بي أحد فوالله ما هي إلا ثلاث حتى ترى معالم الشام، فقال: بئسما أشرت به وإني لن أحسمه. فأسرع معاوية راجعاً، وورد المسور يريد المدينة ولقي معاوية ب " ذي المروة " فقدم على عثمان وهو رام لمعاوية غير عاذر له. فلما كان في آخر حصره بعث المسور ثانياً إلى معاوية يستنجده فقال معاوية: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به. فشدد المسور عليه، فقال معاوية: تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب فادفع عنه الموت وليس ذاك بيدي. ثم أنزله في مشربة على رأسه فما دخل عليه داخل حتى قتل عثمان. ولما أنكر عثمان، وحلف بعد أن أحضروا الكتاب ونصوه بمحضر من الصحابة فيهم طلحة، وعلي، والزبير، وسعد - لم يبق أحد إلا حنق على عثمان وزاد ذلك غضباً وحنقاً أعوان أبي ذر، بما فعله بأبي ذر، وقبيلة هذيل، بما فعله في ابن مسعود، وبني مخزوم، بما فعله بعمار بن ياسر.

قلت: قد تقدم ذكر ما فعله مع أبي ذر، وابن مسعود، وعمار، وأرسل علي بالحسنين وأرسل الزبير بابنه عبد الله، وطلحة بابنه، وأبناء غيرهم وأمروهم وهم شاكوا السلاح أن يحرسوا عثمان رضي الله عنه، فلما دخلوا على عثمان قال لهم أعزم عليكم إلا ما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير: نحن نعزم على أنفسنا ألا نبرح.

قال الأوزاعي: حدثنى محمد بن عبد الملك بن مروان أن المغيرة بن شعبة دخل على عثمان فقال: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالاً؛ إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عدداً وقوة. وإما أن تخرق لك باباً آخر فتقعد على ركائبك فتلحق ب " مكة " فإنهم لن يستحلوا دمك وأنت بها. وإما أن تلحق ب " الشام " ففيها معاوية. فقال عثمان: أما أن ألحق ب " الشام " فلن أفارق دار هجرتي، وأما أن أقاتل، فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بسفك الدماء، وأما أن أخرج إلى مكة فإني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد رجل من قريش ب " مكة " يكون عليه نصف عذاب العالم.

وروى نافع عن ابن عمرة أصبح عثمان يحدث الناس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له " أفطر عندنا " فأصبح صائماً وقتل يومه.

وقال ثمامة بن حزن القشيري يوم الدار وأشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم - فدعيا له كأنهما جملان أو حماران، فقال:؟ أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء - عذب غير بئر رومة فقال: من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين وله في الجنة خير منها. فاشتريتها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح؟؟! قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها وزدتها في المسجد وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيه؟؟! قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير ب " مكة " ، فتحرك وعليه أبو بكر، وعمر، وأنا، فقال: اسكن ثبير، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان. قالوا: اللهم نعم. فقال: الله أكبر شهدوا ورب الكعبة أني شهيد. ثم قال: ولكن طال عليكم أمري واستعجلتم وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل.

ثم أشرف عليهم ذات يوم، قال ابن عمر: فقال: عَلامَ تقتلونني؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد حصان، أو رجل قتل نفساً " . فوالله ما زنيت في الجاهلية ولا في الإسلام، ولا قتلت نفساً، ولا كفرت قال الحسن: حدثني وثاب قال: بعثني عثمان فدعوت له الأشتر فقال: ما يريد الناس. قال: ثلاثاً يخيرونك بين الخلع وبين أن يقتص منك فإن أبيت فإنهم قاتلوك. فقال: ما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله، وبدني ما يقوم بقصاص. ثم حاصره أولئك القوم حتى منعوه الماء، فأشرف عليهم يوماً فقال: أفيكم علي؟ قالوا: لا. قال أفيكم سعد. قالوا: لا. فسكت ثم قال: ألا أحد يسقينا ماء؟ فبلغ ذلك علياً فبعث إليه بثلاث قرب فجرح بسببها جماعة من موالي بني هاشم حتى وصلت إليه. وبلغ علياً أن عثمان يراد قتله فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما عثمان فإنا لا ندع أحداً يصل إليه.

ورمى الناس عثمان بالسهام حتى خضب بالدماء على بابه فأصاب مروان سهم وخضب محمد بن طلحة وشج قنبر مولى علي، فخشي محمد بن أبي بكر أن يغضب بنو هاشم لشأن الحسن فلا يتم لهم ما أرادوه، فاتفق هو وصاحباه وتسوروا من دار حتى دخلوا عليه ولا يعلم أحد؛ لأنهم كانوا فوق البيوت ولم يكن مع عثمان إلا امرأته، فدخل محمد فأخذ بلحيته ثم قال بها حتى سمع وقع أضراسه، وقال: يا نعثل قد أخزاك الله. فقال: لست بنعثل، ولكني عبد الله وأمير المؤمنين، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك عبد الله بن عامر، ما أغنى عنك فلان وفلان، فقال له عثمان: أرسل لحيتي، فوالله لو يراك أبوك لساءه مكانك مني، فقال: إن ما يراد بك أشد من ذلك. وطعن جنبه بمشقص، وقيل: إنه أطلق لحيته وتراخت يده فرجع وقال: اللهم إني أشهدك إني بريء من دم عثمان. وكذلك قالته امرأتة نائلة وقالت: لكنه هو الذي أدخلهما يعني الرجلين كنانة بن بشر، وسودان بن حمران، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان فمضت حتى دخلت حلقه ثم علاه بالسيف وضرب جبينه بعمود حديد وضربه سودان بن حمران المرادي، فقتله ووثب عليه عمرو بن الحمق وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه.

وعن رَيطة مولاة أسامه قالت: جاء رجل من خلف عثمان بسعفة فضرب بها جبهته، فرأيت الدم يسيل وهو يمسحه، ويقول: اللهم لا يطلب بدمي غيرك. وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأفقصه، وتعاوروه بأسيافهم فرأيتهم ينتهبون بيته. وقال الشعبي: جاء رجل من " تُجيب " من المصريين والناس حول عثمان فأسبل سيفه ثم قال: أفرجوا، ففرجوا له فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان فأمسكت زوجته نائلة بنت الفرافصة السيف لتمنع عنه فجز السيف أصابعها. وقيل الذي قتله رجل يقال له حمار. ووجدوه وعنده زوجته نائلة وهو يقرأ في المصحف صائماً.

وعن الزهري قال قتل عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة بن بشر فقتله، فشد سودان بن حمران على العبد فقتله.

وقال أبو نضرة: عن أبي سعيد ضربوه فجرى الدم من المصحف على قوله: " فَسَيَكفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَمِيع العَلِيم " البقرة:137 قال فإنها في المصحف ما حكت، فإن أبا خريت ذكر أنه ذهب هو وسهيل المري فأخرجوا إليهما المصحف إذا قطر الدم على الآية المذكورة.

وعن الزهري قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان. قال: قتل مظلوماً ومن خذله كان معذوراً ومن قتله كان ظالماً. إنه لما استخلف كره ذلك ناس من الصحابة الذي يحب قومه ويوليهم وكان يكون منهم ما يكره الصحابة فيستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الست السنين الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وما اشترك معهم فولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر، فمكث عليها، جاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك منه هنات إلى ابن مسعود وأبي ذر وعمار، فحنق عليه قومهم.

قلت: قد ذكرت فيما تقدم أسباب ذلك. انتهى.

وجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح فكتب إليه يتهدده فأبى أن يقبل وضرب بعض من أتاه ممن شكا فقتله فخرج من أهل مصر ستمائة رجل وقيل سبعمائة فنزلوا المسجد وشكوا إلى الصحابة صنع ابن أبي سرح بهم فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد وأرسلت إليه عائشة تقول: أنصفهم من عاملك ودخل عليه علي وكان متكلم القوم فقال: إنما يسألونك رجلاً مكان رجل، وقد ادعوا فتكه دماً فاعزله واقض بينهم. فقال: اختاروا رجلاً أوليه عليكم، فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر فكتب عهده وخرج معه عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر، وبين ابن أبي سرح، فلما كان محمد ومن معه على مسيرة ثلاث من المدينة وقيل بعد أن وصلوا إلى " عقبة أيلة " إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعاً فسألوه فقال وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا: هذا عامل مصر يعني محمد بن أبي بكر ففتشوه فإذا إداوة تقلقل فشقوها، فإذا فيها كتاب عثمان إلى ابن أبي سرح فجمع محمد من عنده من الصحابة ففكوا الكتاب بمحضر منهم فرجعوا إلى المدينة، وكان ما كان فيما تقدم ذكره. انتهى.

ثم لما قتلوه هربوا من حيث دخلوا ثم صرخت المرأة فلم يسمع صراخها، لما في الدار من الجلبة فصعدت إلى الناس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وابن الزبير وغيرهم فوجدوه مذبوحاً. وبلغ علياً وطلحة والزبير الخبر فجاءوا وقد ذهبت عقولهم ودخلوا عليه فرأوه مذبوحاً. فقال علي: كيف قتل وأنتم على الباب؟! ولطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم ابن الزبير وابن طلحة، فقالوا لم يؤت من جهتنا بل تسور عليه من الدار، وخرج علي غضباناً إلى منزله فجاء الناس يهرعون إليه ليبايعوه فقال: ليس ذلك إليكم إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة، فلم يبق أحد من البدريين إلا أتى علياً. ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر فكان أول من صعد إليه طلحة فبايعه بيده اليمنى وكانت شلاء لأنه وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهم يوم أحد فشلت، فكانت كالفأل السوء لخلافة علي، فإنه لم يتهن فيها بل من حرب إلى حرب إلى أن قتل - رضي الله تعالى عنه - كما سيذكر جميع ذلك فيما يأتي قريباً، ثم بايعه الزبير وسعد والصحابة جميعاً، ثم نزل فدعا الناس وطلب مروان فهرب منه هو وأقاربه.

قال الإمام الذهبي في تاريخه دول الإسلام: كان قاتلوا عثمان يدا واحدة في الشر، وكان حثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة فظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلما قتل ندموا على ما صنعوا في أمره. ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين، لكن الفتن لها أسباب، نعوذ بالله منها ومن أسبابها.

وعن الشعبي قال: ما سمعت في مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك: من الطويل:

فَكَف يَدَيهِ ثم اغلَقَ بابَهُ ... وأيقَنَ أن الله ليسَ بِغافلِ

وقالَ لأهْلِ الدار: لا تَقْتلوهُمُ ... عَفا الله عن كل امرئِ لم يقاتل

فَكَيف رأيتَ الله صَب عليهمُ ال ... عداوَةَ والبَغضاءَ بَعد التَواصُلِ

وقال حسان يرثيه من الخفيف:

خَذَلَتهُ الأنصارُ إِذ حَضَر المَو ... تُ وَعابَت وُلاتهُ الأنصارُ

مَن عذيري مِنَ الزبَيرِ ومن طَل ... حَةَ هاجا أمراً له مِقدارُ

فَوَلِيه محمدُ بْنُ أبي بَك ... رِ عِياناً وخَلفهُ عَمارُ

وقال أيضاً من البسيط:

مَنْ سَرهُ الموتُ صِرْفاً لا مِزاجَ لَهُ ... فَليأتِ مأسَدةً في دارِ عثمانا

ضَحوْا بأشمَط عُنوانُ السجودِ بِهِ ... يُقَطعُ الليلَ تَسبيحاً وقرآنا

صَبراً فِدى لَكُمُ أمي وَما وَلَدت ... قَد ينفعُ الصبرُ في المَكروهِ أحيانا

لَتَسمَعُن وَشِيكاً في دِيارِكُمُ ... الله أكَبر يا ثاراتِ عثمانا

ورثته زوجته بنت الفرافصة التي كفها قطعت بالسيف من الطويل:

ألا إِن خيرَ الناسِ بَعدَ ثلاثةٍ ... قَتيِلُ التجِيبي الذي جاء من مصرِ

فَما ليَ لا أبْكي وَتَبكِي قَرابَتِي ... وَقَد غَيبوا عَنا فُضُولَ أبي عَمْرِو

وقال الوليد بن عقبة من الطويل:

بَنِي هاشِمٍ إِنا وَما كانَ بيننا ... كَصَدعِ الصفا ما يرمض الدهر شائِبُه

بني هاشمٍ كَيْفَ المودةُ بَينَنا ... وسيفُ ابنِ أروَى عِندكم وَخَزائِنُه

بني هاشم رُدُوا سِلاحَ ابن أُخْتكُم ... وَلا تَنهَبُوه لا تَحِل نَهاًئِبُه

غَدَرتُم بِهِ كيما تَكُونُوا مَكانه ... كما غَدَرَتْ يوماً بِكِسْرَى مَرازِبُهْ

فأجابه عتبة بن أبي لهب - رضي الله عنه - من الطويل:

فإن تسألونا سيفَكُم إن سيفَكُم ... أضِيعَ وألقاه لَدى الرَوْعِ صاحِبُه

سَلُوا أهلَ مصرٍ عن سلاحِ ابن أُختِنا ... فَهُم سَلَبُوهُ سَيْفَهُ وخَزائِبُه

وكأنَ وليَّ الأمرِ بَعدَ محمدٍ ... علينا وفي كُل المواطن صاحِبُهْ

علي إِلى أن أظهَرَ الله دينَهُ ... وأنتَ مع الأشْقَين فيمَن يحارِبه

وأنت امرؤ من أهل صنوانَ نازحْ ... فَما لَكَ فينا من حَمِيمٍ تُعاتِبُهْ

وَقَد أنزلَ الرحْمَنُ أنكَ فاسِق ... فما لك في الإِسلام سَهم تُطالِبُهْ

قال ابن لهيعة: عن يزيذ بن أبي حبيب قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جُنّوا والعياذ بالله.

وروى عمر بن علي بن الحسين عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم، يعني: علياً عن عثمان. قال فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر. قال: " لا يستقيم الأمر إلا بذلك " رواه ابن خيثمة بإسناد قوي عن عمر وكان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسون ومائة ألف دينار.

وقال الليث بن أبي سليم: عن طاوس، عن ابن عباس سمع علياً يقول: والله ما قتلت عثمان ولا أمرت، ولكن غلبت. يقول ذلك ثلاثا. وجاء نحوه عن علي من طرق. وجاء عنه أنه لعن قتلة عثمان.

وقال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة غير اثني عشر يوماً.

وقال السدي: قتل يوم الجمعة لثمان خلون من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين بعد العصر، ودفن ب " البقيع " بين العشاءين ليلة السبت وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وهو الصحيح، وقيل: ست وثمانين. واختلف في مدة الحصار فقيل أكثر من عشرين يوماً، وعن عبد الله بن فروخ شهدته دفن في ثيابه بدمائه ولم يغسل، رواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وخرجته نائلة وهى تصرخ ومعها سراج فقال لها جبير بن مطعم: أطفِئي السراج لا يُفطن لنا. ثم انتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه أبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم وزوجتاه نائلة وأم البنين وهما دلياه في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره، ولحدوا له وغيبوا قبره وتفرقوا.

والمكان الذي دفن فيه يقال له: حش كوكب، أي: بستان رجل يسمى: كوكباً، خارج البقيع أو في طرفه الأقصى. وروى أن نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثغر جداً فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، رضي الله تعالى عنه.

وقال حسان بن ثابت من البسيط:

يا لَلرجالِ لأمرٍ هاجَ لي حُزناً ... لَقَد عَجِبتُ لِمَن يَبكِي عَلَى الدمَن

إِني رأيتُ وَلي الله مُضطَهداً ... عُثمانَ يَهوي إِلَى الأحداثِ في كَفَنِ

ومن المتقارب:

لَعَمرُ أبِيكَ فَلا تَكذِبَ ... لَقَد ذَهبَ الخَيْرُ إِلا قَلِيلا

لَقَد سَفِهَ الناسُ في دِينهِم ... وَخَلَّى ابنُ عَفانَ شَراً طَوِيلا

قال العلامة ابن الجوزي في المنتخب: قال شعبة: أخبرني عبد الرحمن، سمعت أبي يقول: سمعت علياً - رضي الله تعالى عنه - يقول: قتل الله عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس فقال صدق علي، يقول: الله قتل عثمان ويقتلني معه.

وقد روى شعبة عن حبيب بن الزبير عن عبد الرحمن بن الشرود أن علياً - رضي الله عنه - قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى فيهم: " وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم من إخواناً علىَ سُرُر متقابليِنَ " الحجر: 43، وقال عبد الله بن شوذب: حدثني زهدم الحرمي، قال: كنت في سمر عند ابن عباس فقال: لأحدثنكم حديثاً: إنه لما كان من أمر هذا الرجل - يعني: عثمان - ما كان. قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر فوالله لو كنت في جحر لأتاك الناس حتى يبايعوك وأيم الله ليتأمرن عليه معاوية، ذلك بأن الله تعالى يقول: " وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً " الإسراء: 33 الآية، كما قال في الرياض. وعن محمد بن عبد الله أن الحكم بن عبد الملك بن مروان قال: لما قتل عثمان ألقي على المزبلة. قال سهم بن حبيش - وكان ممن شهد مقتل عثمان - : فلما أمسينا قلت لئن تركتم صاحبكم حتى يصبحَ مثلُوا به فلما كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلاً منهم حويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وجبير بن مطعم، وعبد الله بن الزبير، وجدي مروان بن الحكم، فاحتملوه فلما ساروا به إلى المقبرة ليدفنوه فإذا هم بقوم من بني مازن فقالوا: والله لئن دفنتموه هنا لنخبرن الناس غداً فاحتملوه وكان على الباب وإن رأسه يقول طق طق حتى صاروا به إلى حش كوكب فاحتفروا له، فلما أخرجوه ليدفنوه صرخت ابنته عائشة وكان مصباح في حق، فقال لها ابن الزبير: لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عيناك، فسكتت فدفنوه خرجه القلعي.

قال: ولما حملناه وسرنا غشينا سواد من خلفنا فهبناهم حتى كدنا نفر منهم فإذا مناد: لا روع عليكم اثبتوا، فإنا جئنا نشهده معكم. وكان ابن خنيس يقول: هم الملائكة. أخرجه ابن الضحاك وعن هارون بن يحيى أن عثمان جعل يقول حين ضرب والدماء تسيل على لحيته: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستعينك وأستعيذك على جميع أموري، وأسألك الصبر على بليتي.

الآيات في شأن عثمان رضي الله عنه:

منها قوله تعالى: " الذينَ يُنفِقُونَ أموَالهُم في سَبِيلِ اللهِ ثُمَ لا يتبِعُونَ ما أنفَقُوا مَناً وَلا أذى " البقرة:262 الآية، عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت في عثمان، رضي الله تعالى عنه.

ومنها قوله تعالى: " إنَ الذَّين سبَقَت لَهُم منا الحسنى " الأنبياء: 101. الآية، عن محمد بن حاطب قال سمعت علياً - رضي الله تعالى عنه - يقول: " إنَ الذَينَ سبَقَت لَهُم مِنا الحسنى " الأنبياء: 101 عثمان. خرجه الحاكمي.

ومنها عن ابن عباس في قوله تعالى: " هَل يستَوِي هُوَ وَمَن يَأمُر بالعَدل وَهُوَ عَلى صراط مُّستَقِيم " النحل: 76، هو عثمان. خرجه البخاري.

ومنها قوله تعالى: " أمَن هُو قَانِت آناء اليلِ ساجِداً وَقائماً يحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجوا رَحمَةَ رَبه " الزمر:9 عن ابن عمر قال: إنها نزلت في عثمان - رضي الله تعالى عنه - . خرجه الواحدي في الفضائل.

الأحاديث في شأن عثمان رضي الله تعالى عنه:

الحديث الأول: عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: هاجر إلى أرض الحبشة عثمان - رضي الله عنه - وخرج معه بابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية، فلما أبطأ عليه خبرهما جعل يتوكف الأخبار، فقدمت امرأة من قريش من الحبشة، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقالت: أنا رأيتهما. فقال - عليه الصلاة والسلام - : على أي حال رأيتهما؟ قالت: رأيتهما وقد حملها على حمار وهو يسوق بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صحبهما الله، إن كان عثمان أول من هاجر إلى الله عز وجل " . أخرجه خيثمة بن سليمان والملا في سيرته.

الحديث الثاني: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أوحى إلي أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان " خرجه الطبراني. وفي رواية: " بنتي " ، يعني: رقية، وأم كلثوم.

الحديث الثالث: عن أبي هريرة قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان عند باب المسجد فقال: يا عثمان هذا جبريل أخبرني أن الله قد أمرني أن أزوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها " . أخرجه ابن ماجة القزويني، وأبو سعيد النقاش.

وفي رواية ابن عباس: " والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة تموت واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى حتى لا يبقى من المائة شيء " .

الحديث الرابع: عن أبي هريرة قال: دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عثمان وفي يدها مشط فقالت خرج من عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً رجلت رأسه فقال: كيف تجدين أبا عبد الله؟ قلت: خير الرجال. قال: أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خلقاً الحديث الخامس: أخرج الملا عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عثمان بن عفان أشبهُ الناس بي خلقاً وخلقاً وديناً وسمتاً وهو ذو النورين، زوجته ابنتي وهو معي في الجنة كهاتين " وحرك السبابة والوسطى.

الحديث السادس: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عثمان أحمى أمتي وأكرمها " .

الحديث السابع: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فَخِذَيهِ أو عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال فحدثه، ثم استأذن عمر فآذن له، وهو على تلك الحالة فحدثه، ثم استأذن عثمان، فجلس - عليه الصلاة والسلام - وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرجوا قلت: يا رسول الله، دخل أبو بكر فلم تهش له ولم تبال به، ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تبال به، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك. فقال - عليه الصلاة والسلام-: " ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة " خرجه أحمد ومسلم وأبو حاتم.

الحديث الثامن: عنها أيضاً قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: " وددت لو أن عندي بعض أصحابي. قالت: فقلت: يا رسول الله ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت. قالت: فقلنا: عمر؟ فسكت. قالت: فقلنا؛ عثمان؟ قال:نعم فأرسلنا إلى عثمان " . خرجه الترمذي.

الحديث التاسع: عن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حض - عليه الصلاة والسلام - على الجيش، فقام عثمان فقال: يا رسول الله مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر وهو يقول: " ما على عثمان ما فعل بعدهن، ما على عثمان ما فعل بعدهن " خرجه الترمذي.

وقال أبو عمر: جهز عثمان جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيراً وأتم الألف بخمسين فرساً. وفي رواية عن قتادة: حمل على ألف بعير وسبعين فرساً.

الحديث العاشر: عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بعشرة آلاف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة؛ فصبها في حجره - عليه الصلاة والسلام - ، فرأيته - عليه الصلاة والسلام - يقلبها في حجره ويقول: " ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم". خرجه الترمذي وأحمد.

الحديث الحادي عشر: عن بشر بن بشير السلمي عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكان لرجل من بنى غفار بئر يقال لها: رومة يبيع القرب منها بمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تبيعها ببئر في الجنة؟ " فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي بئر غيرها، ولا أستطيع ذلك. قال: فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها منه بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة، فإنً قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين.

الحديث الثاني عشر: عن الأحنف بن قيس قال: انطلقت حاجاً فمررت بالمدينة، فبينما نحن بمنزلنا إذ جاءنا جاءٍ فقال: الناس مجتمعون في المسجد، فانطلقت أنا وصاحبي، فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد، قال الأحنف: فتخللتهم حتى قمت عليهم وإذا علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد، فلم يكن أسرع مما جاء عثمان عليه ملاءة صفراء قد قنع بها رأسه فقال: أههنا علي؟ قالوا: نعم. قال: أههنا الزبير؟ قالوا: نعم. قال: أههنا طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أههنا سعد؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم الله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له " فابتعته بعشرين ألفاً فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد ابتعته، فقال " اجعله في مسجدنا وأجره لك؟ فقالوا اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم الله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من يبتاع بئر رومة غفر الله له " فابتعتها بخمسة وثلاثين ألفاً فقال: " اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك؟ " . فقالوا: اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجوه القوم فقال: " من يجهز هؤلاء غفر الله له " - يعني جيش العسرة - فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالاً ولا خطاماً؟ قالوا: اللهم نعم. قال اللهم اشهد ثلاثاً. أخرجه الدارقطني وأبو حاتم وأحمد.

الحديث الثالث عشر: أخرج أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فتحرك الجبل حتى سقطت حجارته بالحضيض، فركضه - عليه الصلاة والسلام - برجله وقال " اسكن حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان " . ومثله في الترمذي إلا أنه ذكر ثبيراً مكان حراء.

الحديث الرابع عشر: أخرج الترمذي عن أنس قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة فبايع الناس بيعة الرضوان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن عثمان في حاجة الله وفي حاجة رسوله " فضرب - عليه الصلاة والسلام - إحدى يديه على الأخرى، وقال: " هذه عن عثمان " فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيراً من أيديهم لأنفسهم.

ونسبة الحاجة إلى الله تعالى على طريق الاستعارة والتمثيل المعروف في علم البيان.

الحديث الخامس عشر: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا بنا نعود عثمان " . قلنا: عليل يا رسول الله؟ قال: نعم. فقام صلى الله عليه وسلم واتبعناه حتى أتى منزل عثمان فاستأذن فأذن له فدخل ودخلنا فوجدنا عثمان مكبوباً على وجهه، فقال له: " مالك يا عثمان لا ترفع رأسك. فقال: يا رسول الله إني أستحيي يعني من الله تعالى - قال: ولم ذاك؟ قال: إني أخاف أن يكون علي غضبان. - فقال - عليه الصلاة والسلام - ألست صاحب بئر رومة، ومجهز جيش العسرة، والزائد في مسجدي، وباذل المال في رضا الله ورضائي، ومن تستحيي منه ملائكة السماء؟ هذا جبريل يخبرني عن الله عز وجل أنك نور أهل السماء، ومصباح أهل الأرض، وأهل الجنة.

خرج المُلاَّ عن عثمان بن موهب قال: جاء رجل من أهل مصر وحج البيت فرأى قوماً فقال: من هؤلاء. قالوا: هؤلاء قريش. قال: فمن الشيخ فيهم. قالوا: عبد الله بن عمر. فقال الرجل: يا بن عمر إني سائلك فحدثني هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد. قال نعم. قال: تعلم أنه تغيب عن بدر؟ قال: نعم. قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال الرجل: الله أكبر وقام. فقيل لابن عمر إن هذا يقول إنك وقعت في عثمان. قال: أو قد فعل ذلك؟ قالوا إنه يقول ذلك. قال: فردوه، فردوه. فقال: أعقلت ما قلت لك؟ قال الرجل: نعم سألتك: أشهد عثمان بيعة الرضوان فقلت: لا، وسألتك: أشهد بدراً، فقلت: لا، وسألتك: أكان ممن استزله الشيطان، فقلت؛ نعم. فقال ابن عمر: أبين لك: أما فراره يوم أحد، فأشهد أن الله تعالى عفا عنه وغفر له.

قلت: يشير إلى قوله تعالى: " إنَ الذِينَ تَوَلَوا مِنكم يَومَ التَقىَ الجَمعان " ِ إلى قوله " وَلقد عَفا اللَهُ عَنهُم " آل عمران: 155 وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وكانت مريضة فتخلف ليمرضها بأمره صلى الله عليه وسلم وقال له: " إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه " .

وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز بمكة منه لبعثه مكانه فكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال - عليه الصلاة والسلام - بعد أن وضع إحدى يديه على الأخرى: " هذه يميني عني وشمالي عن عثمان " ، قال عثمان - رضي الله عنه - : كانت بيعة الرضوان فيَّ وضرب صلى الله عليه وسلم عني بشماله على يمينه وشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من يميني.

قلت: وقول عثمان كانت بيعة الرضوان في أي بيميني، وذلك أنه قد ورد أن سببها أنه أشيع أن عثمان قتل بمكة قتله المشركون فكان هذا هو السبب في أن دعاهم - عليه الصلاة والسلام - إلى المبايعة فمعنى الظرفية هنا السببية مثل " دخلت النار امرأة في هرة " .

وَزِيدَ والظَّرفِيةَ اسْتَبِنْ ببا ... وفي وَقَد يبينانِ السبَبا

فدخل في جوار أبان بن سعيد بن العاص ابن عمه وحمله على السرج وأردف خلفه، فلما قدم به إلى مكة قال له: طف يا بن عم، فقال عثمان: يا بن عم إن لنا صاحباً لا نبتاع أمراً حتى يكون هو الذي يعمله فنتبع أثره صلى الله عليه وسلم.

الحديث السادس عشر: عن إياس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع لعثمان بإحدى يديه على الأخرى قال الناس: هنيئاً لأبي عبد الله الطواف بالبيت. فقال - عليه لصلاة والسلام - : " لو مكث عثمان كذا كذا ما طاف حتى أطوف " . أخرجه ابن الضحاك. قلت: قد أشار إلى ذلك البوصيري صاحب الهمزية بقوله: من الخفيف:

وأبي أن يَطُوفَ بالبيْتِ إِذْ لَم ... يَدنُ مِنْهُ إِلَى النبي فِناءُ

فَجزتهُ عَنها ببيعةِ رضوا ... نَ يَد من نبيهِ بَيْضاءُ

أدَبٌ عِندَهُ تَضاعَفتِ الأع ... مال بالتركِ حَبذا الأدُباءُ

الحديث السابع عشر: عن فاطمة بنت عبد الرحمن عن أمها أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقالت: إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان فإن الناس قد شتموه، فقالت عائشة: لعن الله من لعنه، والله لقد كان قاعداً عند نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسند ظهره إلي، وإن جبريل ليوحي إليه القرآن وإني لأمسح العرق عن جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه يقول له: اكتب يا عثيم، فما كان الله لينزل تلك المنزلة إلا كريماً على الله ورسوله. أخرجه أحمد والحاكم.

الحديث الثامن عشر: روى ابن عساكر وأبو نعيم والطبراني في الأوسط عن بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم ارض عن عثمان " ثلاثاً وفي رواية: " رضيت عن عثمان فارض عنه " ، وفي لفظ: " غفر الله لك يا عثمان ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة " .

الحديث التاسع عشر: أخرج ابن عدي في الكامل، وابن عساكر، والديلمي، عن ابن عمر: رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنا والله لنشبه عثمان بأبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام " .

الحديث العشرون: روى ابن عساكر، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والله ليشفعن عثمان في سبعين ألفاً من أمتي قد استوجبوا النار حتى يدخلهم الله الجنة " .

الحديث الحادي والعشرون: روى أبو نعيم، وابن عساكر، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عثمان وليي في الدنيا والآخرة " رضي الله عنه.

الحديث الثاني والعشرون: أخرج ابن عساكر، عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عثمان في الجنة " .

الحديث الثالث والعشرون: أخرج الترمذي عن طلحة، وابن ماجة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي رفيق في الجنة، ورفيقي فيها عثمان بن عفان " .

الحديث الرابع والعشرون: أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة فقرَّ بها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: " هذا يومئذ على الهدى " فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت إليه بوجهي فقلت: هذا. قال: نعم.

الحديث الخامس والعشرون: عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم في المنام متعلقاً بالعرش، ثم رأيت أبا بكر آخذاً بحقوي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رأيت عمر آخذاً بحقوي أبي بكر، ثم رأيت عثمان آخذاً بحقوي عمر، ثم رأيت الدم منصباً من السماء إلى الأرض فحدث الحسن بهذا الحديث وعنده ناس من الشيعة فقالوا: ما رأيت علياً؟ قال؛ ما كان أحد أحب إلي أن أراه آخذاً بحقوي النبي صلى الله عليه وسلم من علي، ولكن إنما هى رؤيا: فقال لهم أبو مسعود - عقبة ابن عمرو - : إنكم لتجدون على الحسن في رؤيا رآها، لقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وأصاب المسلمين جهد حتى عرفت الكآبة في وجوه المسلمين والفرح في وجوه المنافقين، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والله لا تغيبن حتى يأتيكم الله برزق " . فعلم عثمان أن الله ورسوله تصدقاً، فوجه راحلته فإذا هو بأربعة عشر راحلة فاشتراها وما عليها من الطعام فوجه منها سبعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه سبعاً إلى أهله. فلما رأى المسلمون العير قد جاءت عرف الفرح في وجوههم، والكآبة في وجوه المنافقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا. فقالوا: أرسل به عثمان هدية إليك. قال أبو مسعود: فرأيته - عليه الصلاة والسلام - رافعاً يديه يدعو لعثمان بدعاء ما سمعته يدعو لأحد قبله ولا بعده مثله: اللهم أعط لعثمان وافعل لعثمان، رافعاً يديه حتى رأيت بياض إبطيه. خرجه القزويني الحاكمي.

الحديث السادس والعشرون: عن أبي سعيد الخدري قال: رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر يدعو لعثمان: " اللهم إني رضيت عن عثمان فارض عنه " فما زال رافعاً يديه يدعو حتى طلع الفجر.

الحديث السابع والعشرون: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: مكث آل محمد صلى الله عليه وسلم أربعة أيام ما يطعمون شيئاً حتى تضاغوا صبياننا. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عائشة هل أصبتم شيئاً بعدي؟ فقلت: من أين إن لم يأتنا الله عز وجل به على يديك؟ فتوضأ وخرج مستخفياً يصلي ههنا مرة وههنا مرة. قالت: فأتى عثمان من آخر النهار فاستأذن، فهممت أن أحجبه، ثم قلت: هو رجل من مكاثير الصحابة لعل الله عز وجل إنما ساقه إلينا ليجري على يديه خيراً، فأذنت له فقال: يا أماه، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: يا بني ما طعم آل محمد منذ أربعة أيام شيئاً، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم متغيراً ضامر البطن، فأخبرته بما مال لي وما رددت عليه. قالت: فبكى عثمان، وقال: مقتاً للدنيا. ثم قال: يا أم المؤمنين ما كنت بحقيق أن ينزل بك بعض الأمر ثم لا تذكرينه لي، ولعبد الرحمن بن عوف، ولثابت بن قيس، ثم خرج فبعث إلينا بأحمال من دقيق، وأحمال من حنطة، وأحمال من التمر وبملوح وثلاثمائة درهم في صرة. ثم قال: يبطئ هذا عليكم. ثم بعث بخبز وشواء كثير فقال: كلوا أنتم واصنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجيء، ثم أقسم على أن لا يكون مثل هذا إلا أعلمته به. قالت ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة: هل أصبتم بعدي شيئاً؟ قلت: يا رسول الله قد علمت أنك إنما خرجت تدعو إلى الله عز وجل، وقد علمت أن الله لا يرد سؤالك. فقال: ما أصبتم؟ قلت: كذا وكذا حمل بعير دقيقاً، وكذا وكذا حمل بعير حنطة، وكذا وكذا حمل بعير تمراً وثلاثمائة درهم في صرة، وخبزاً وشواء كثيراً. قال ممن. قلت: عثمان بن عفان.

قلت: قد بكى وذكر الدنيا بالمقت وأقسم علي أن لا يكون مثل هذا إلا كلمته. فلم يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج إلى المسجد فرفع يديه وقال: " اللهم قد رضيت عن عثمان فارض عنه " وكررها ثلاثاً ودعا له كثيراً. أخرجة الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين.

الحديث الثامن والعشرون: عن جابر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل ليصلي عليه فلم يصل عليه، فقيل: يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا. قال: " فإنه كان يبغض، عثمان، فأبغضه الله عز وجل " . خر جه الترمذي.

الحديث التاسع والعشرون: عن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء " قلت يا رسول الله: عثمان خاصة أو الناس عامة. قال: " عثمان خاصة " . خرجه الحافظ الدمشقي الحديث الثلاثون: أخرج الحافظ ابن بشران عن علي بن أبي طالب أنه قال: قلت با رسول الله من أول من يحاسب يوم القيامة؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: عمر. قلت: ثم من؟ قال: أنت يا علي. قلت: يا رسول الله أين عثمان؟ قال:إني سألت عثمان حاجة سراً فقضاها سراً، فسألت الله أن لا يحاسب عثمان إلا سراً " .

عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان لعثمان شيئاًن ليسا لأبى بكر ولا لعمر: صبر نفسه حتى قتل ظلماً. وجمعه الناس على مصحف.

عن أنس بن مالك أن حذيفة قدم على عثمان وكان يتمارى أهل الشام في فتح أرمينية، وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرِك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي بالصحف ننسخها في المصحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا. وأرسل إلى كل أفق مصحفاً، وأمر بما سوى ذلك من القرآن على كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. خرجه البخاري.

الحديث الحادي والثلاثون: عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أسرى بي دخلت جنات عدن فناولني جبريل تفاحة فانفلقت عن حوراء عيناء مرضية كأن مقادم عينيها أجنحة النسور، فقلت: لمن أنت. فقالت: للخليفة المقتول ظلماً عثمان بن عفان. خرجه خيثمة بن سليمان، والحاكمي " .

الحديث الثاني والثلاثون: عن مرة بن كعب النمري قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة إذ قال: كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي البقر؟ قالوا: فنصنع ماذا يا رسول الله؟ قال عليكم بهذا وأصحابه فاتبعوا هذا وأصحابه. قال فأسرعت حتى عقلت الرجل فقلت: هذا يا نبي الله؟ قال هذا. فإذا هو عثمان بن عفان. خرجه أبو حاتم وأحمد وقال فيه: فأسرعت حتى غبت فلحقت بالرجل، فقلت: هذا يا نبي الله. ثم ذكر ما بقي.

الحديث الثالث والثلاثون: عن أبي حبيبة قال سمعت أبا هريرة وعثمان محصور يستأذن في الكلام فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنها تكون فتنة واختلاف. قلنا: يا رسول الله فماذا تأمرنا. قال: عليكم بالأمير وأصحابه " وأشار إلى عثمان ابن عفان. خرجه القزويني الحاكمي.

الحديث الرابع والثلاثون: عن زيد بن أبي أوفى أنه - عليه الصلاة والسلام - دعا عثمان وقال: ادن أبا عمرو فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه، ثم نظر - عليه الصلاة والسلام - إلى السماء وقال: سبحان الله ثلاث مرات، ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرها صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال: اجمع عِطْفَى ردائك على نحرك. قال: إن لك لشأناً في أهل السماء أبا عمرو، وترد علي الحوض وأوداجك تشخب دماً، فأقول لك: من فعل بك هذا. فتقول فلان وفلان. وذلك كلام جبريل. خرجه أبو الخير الحاكمي، وأبو القاسم الدمشقي.

الحديث الخامس والثلاثون: أخرج الصوفي عن عبد الله بن عمر أنه - عليه الصلاة والسلام قال لعثمان: " يا عثمان إن كساك الله قميصاً وأرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه، فو الذي نفسي بيده لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سمِّ الخياط".

الحديث السادس والثلاثون: عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يشفع عثمان يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر " . خرجه الحاكمي القزويني.

الحديث السابع والثلاثون: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة يؤتى بعثمان وأوداجه تشخب دماً، اللون لون الدم، والرائحة رائحة المسك، يكسى حلتين من نور، فينصب له منبر على الصراط فيجوز المؤمنون بنور وجهه وليس لمبغضه منه نصيب " . خرجه المُلاَّ في سيرته.

الحديث الثامن والثلاثون: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتف عثمان فقال: " كيف أنتم إذا قتلتم إمامكم وتجالدتم بأسيافكم، وورث دهماءكم شراركم، فويل لأمتي إذا فعلوه " . خرجه الحاكمي.

الحديث التاسع والثلاثون: عن أبي سهلة قال: قال عثمان يوم الدار:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى عهداً وإني صابر عليه " أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. خرجه أحمد فزاد: قال قيس فكانوا يرونه ذلك اليوم.

الحديث الأربعون: عن عبد الله بن سلام قال: أتيت عثمان وهو محصور أسلم عليه، فقال: مرحباً بأخي مرحباً بأخي، أفلا أحدثك ما رأيت الليلة في المنام؟ قلت نعم. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حصروك. فقلت نعم. فقال عطشوك؟ قلت نعم. فأدلى دلوا من ماء فشربت حتى رويت، فإني لأجد برداً بين كتفي وبين قدمي. فقال: إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا. قال ابن سلام: فأصبح صائماً وقتل من يومه، رضي الله عنه.

الحديث الحادي والأربعون: عن أبي ذر عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال لعثمان: " كيف أنت يا عثمان إذا جئتني وأوداجك تشخب دماً، فأقول من فعل هذا بك. فتقول: بين خاذل وآمر، إذ نادى مناد من تحت العرش: إن الله تعالى قد حكم عثمان في القاتل والخاذل " . أخرجه الديلمي في مسند الفردوس قلت: هذا ما ظفرت به مما ورد في شأنه خاصة. وأما ما ورد في شأنه مع الاثنين أو مع الثلاثة أو مع الأربعة أو مع العشرة فلم أورد منه. وكذلك ما ورد في نعته ومناقبه من الأحوال الجميلة، والمناقب الجليلة، وصلاته وصيامه، وإعتاقه الألوف رجالاً ونساءً، وختمه القرآن في ركعة واحدة وغير ذلك، فلم أورد منه شيئاً، وكذا ما قيل فيه من الثناء من الصحابة، والسلف فلم أورد منه شيئاً؛ لكثرته وشهرته في موضعه من الكتب المفردة لذلك.

ذكر أولاده رضي الله عنه:

كان له من الولد ستة عشر: تسعة ذكور، وسبع إناث. أما الذكور فعبد الله الأكبر أمه فاختة بنت غزوان وبه كان يكنى. وعبد الله الأصغر أمه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك صغيراً، وقيل بلغ ست سنين فنقره ديك في عينه فكان سبب موته. وعمرو وكان أسنهم وبه كان يكنى بعد عبد الله الأكبر، وهو - يعني عمراً - أكثرهم عقبا، وتوفي بمنى. وخالد وهو الذي كان بيده المصحف الذي قطر عليه دم عثمان حين قتل. وأبان شهد الجمل مع عائشة، وعقبه كثير. وعمرو له عقب أيضاً أمهم بنت جندب بن الأزد. وسعيد والوليد أمهما فاطمة بنت الوليد وعبد الملك أمه أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري. وأما الإناث فمريم أخت عمرو لأمه. وأم سعيد أخت سعيد لأمه وعائشة. فأم أبان وأم عمرو وأمهن رملة بنت شيبة بن ربيعة، ومريم أمها نائلة بنت الفرافصة، وأم البنين وأمها أم ولد.

وفى دول الإسلام كانت مدة خلافته رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة وأحد عشر يوماً أو أربعة عشر يوماً.

وقال في الرياض: قال ابن إسحاق كانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً، وقيل: وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ثمانين سنة، وقيل: ست وثمانين سنة، قال قتادة: وقيل ثمان وثمانين، وقيل: ابن تسعين.

قال الواقدي: لا خلاف عندنا في القول الأول أنه الأصح رضي الله عنه.