الخاتمة: في ذكر من ولي مكة المشرفة من آل أبي طالب إلى يومنا هذا: الباب الأول: في ذكر نسب الطالبيين

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

العصامي

 عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي، مؤرخ، من أهل مكة مولده ووفاته فيها (1049 - 1111 هـ)

الباب الأول:

في ذكر نسب الطالبيين

وذكر المشاهير من أعقابهم:

أما أنساب الطالبيين فأكثرها راجع إلى الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب من فاطمة عليهم السلام، وهما سبطا الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى أخيهما محمد بن الحنفية، وإن كان لعلي رضي الله تعالى عنه غيرهم من الولد، إلا أن الذين طلبوا الحق في الخلافة، وتعصب لهم الشيعة، ودعوا لهم في الجهات إنما هم من هؤلاء الثلاثة لا من غيرهم.

فأما الحسن: فمن ولده: الحسن المثنى وزيد، ومنهما العقب المشهود له في الدعوة والإمامة. أما الحسن المثنى، فكان جليلاً فاضلاً ورعاً، أمه خولة بنت منظور بن ريان بن سيار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن مازن، وكانت قبل الحسن السبط تحت محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي أحد العشرة رضوان الله تعالى عليهم، فقتل عنها يوم الجمل وله منها أولاد، فتزوجها الحسن بن علي بن أبي طالب، فسمع بذلك أبوها منظور فدخل المدينة الشريفة، وركز راية سوداء عند باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق قيسي إلا دخل تحتها، ثم قال: أمثلي يفتات عليه في ابنته؟ فقالوا: لا.

فلما رأى الحسن ذلك سلم إليه ابنته فحملها في هودج، وخرج بها من المدينة، فلما صارت بالبقيع قالت: يا أبت أين تذهب بي؟ إنه الحسن ابن أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لها: إن كان له فيك حاجة فسيلحقنا.

فلما صارا في نخل المدينة إذا بالحسن والحسين وعبد الله بن جعفر قد لحقوا بهم، فأعطاه إياها فردها إلى المدينة، وفي ذلك يقول جد حفيز العبسي: من البسيط:

إن الندَى مِنْ بني ذُبيَانَ قَدْ عَلِمُوا ... والجودَ في آل مَنْظورِ بنِ سَيّارِ

ألماطرينَ بِأَيديهِم نَدىً ديماً ... وكل غَيثٍ مِنَ الوَسْمِي مِدرَارِ

تَزُورُ جارَهَمُ وهناً هديتُهُمْ ... وما نهاهم لها وهناً بزوارِ

وكان الحسن وصي أبيه، وولي صدقة علي بن أبي طالب في عصره.

قال في كتاب أنساب قريش: كان الحجاج بن يوسف قال للحسن وهو يسايره في موكبه بالمدينة، والحجاج يومئذ أمير المدينة: أدخل عمك عمر بن علي معك في صدقة علي، فإنه عمك وبقية أهلك. فقال: لا أغير شرط علي ولا أدخل فيها من لم يدخل.

قال: إذن أدخله معك. فنكص عنه الحسن حتى غفل عنه الحجاج، ثم كان وجهه إلى عبد الملك حتى قدم عليه، فوقف ببابه يطلب الإذن، فمر به يحيى بن الحكم فلما رآه يحيى، عدل إليه فسلم عليه، وسأله عن مقدمه وخبره وتحفى به، وقال له: إني سأنفعك عند أمير المؤمنين يعني عبد الملك.

فدخل الحسن على عبد الملك فرحب به وأحسن مسألته: وكان الحسن قد أسرع إليه الشيب، ويحيى بن الحكم في المجلس، فقال له يحيى: وما يمنعه يا أمير المؤمنين شيبته أماني أهل العراق كل عام يقدم عليه منهم ركب يمنونه الخلافة.

فأقبل عليه الحسن بن الحسن، فقال: بئس والله الرفد رفدت، وليس كما قلت، ولكنا أهل بيت يسرع إلينا الشيب، فأقبل عليه عبد الملك، فقال: هلم ما قدمت له؟ فأخبره بقول الحجاج فقال له: ذلك إليك، اكتبوا إليه كتاباً لا يجاوزه ووصله، فلما خرج من عنده لقيه يحيى بن الحكم، فعاتبه الحسن على سوء محضره، وقال: ما هذا الذي وعدتني.

فقال له: إيهاً عنك فوالله لا يزال يهابك، ولولا هيبته إياك ما قضى لك حاجة، وما آلوتك رفدَاً.

وكان عبد الملك بن مروان غضب عليه، فكتب إلى هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة عامله على المدينة، وكانت بنت هشام تحت عبد الملك بن مروان، وولدت له هشام بن عبد الملك: أن أقم آل علي يشتمون علي بن أبي طالب، وأقم آل الزبير يشتمون الزبير. فقدم كتابه على هشام، فأبى كل منهما ذلك، وكتبوا وصاياهم، فركبت أخت هشام إليه وكانت جزلة عاقلة فقالت: يا هشام أتراك الذي تهلك عشيرته على يده؟ راجع أمير المؤمنين. فقال: ما أنا بفاعل، قالت: فإن كان لابد من ذلك فمر آل علي يشتمون الزبير، وآل الزبير يشتمون علياً.

قال: هذه أفعلها. فاستبشر الناس بذلك وكان أهون عليهم. فكان أول من أقيم إلى جانب المرمر الحسن المذكور وكان رجلاً رقيق البشرة عليه يومئذ قميص كتان رقيق، فقال له هشام: تكلم فسب الزبير، فقال: إن لآل الزبير رحماً أبلها ببلالها وأربها بربابها، يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار.

فقال هشام لحرسي عنده: اضربه، فضربه سوطاً واحداً من فوق قميصه، فخلص إلى جسده، فشرحه حتى سأل دمه تحت قدميه في المرمر. فقام أبو هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية، فقال: أنا دونه أكفيك أيها الأمير فنال من آل الزبير فشتمهم.

ولم يحضر علي بن الحسين - كان مريضاً أو تمارض - ولم يحضر عامر بن عبد الله بن الزبير، فهم هشام أن يرسل إليه، فقيل له: لا تفعل أفتقتله؟ فأمسك، وحضر من آل الزبير من كفاه.

وكان عامر يقول: إن الله لم يرفع شيئاً فيستطيع الناس خفضه، انظروا إلى ما تصنع بنو أمية يخفضون علياً، ويغرون بشتمه، وما يزيده الله بذلك إلا رفعة. وكان ثابت بن عبد الله بن الزبير غائباً، فقدم فقال لهشام بن إسماعيل: إني لم أحضر هذا الجمع فاجمع الناس حتى آخذ بنصيبي. فقال هشام: وما تريد بذلك ولود من حضر أنه لم يحضر.

فقال: لتفعلن أو لأكتبن إلى أمير المؤمنين بعرضي نفسي عليك فلم تفعل، فجمع له الناس فقام فيهم فقال: " لعِنَ الذَينَ كفَرُوا مِن بَني إسرائيلَ " إلى " كانوُا يَفعَلوُنَ " المائدة:78: 79، لعن الله من لعن، ولعنته قوارع القرآن، لعن الله المندوب يلعنه الله بين عينيه إلا شدة لطيم الشيطان، المتناول ما ليس له هو أقصر ذراعاً وأضيق باعاً.

لعن الله الأثعل المترادف الأسنان المتوثب في الفتن توثب الحمار في القيد محمد ابن أبي حذيفة الرامي أمير المؤمنين عثمان برؤوس الأفانين.

ثم قال: إن الله رماك، وكذب، لو رماه الله ما أخطأه.

لعن الله الأعور بن سمرة ابن شر العضاه، وألأمها مرعى، وأقصرها فرعاً، لعنه الله ولعن من أخذ حباه، يعرض بأم هشام بن إسماعيل، وكان عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة خلف عليها بعد إسماعيل بن هشام. وعبيد الله بن عبد الرحمن هو الذي عناه ثابت بن عبد الله بن الزبير. فلما بلغ ثابت هذا من القول في هشام أمر به إلى السجن وقال: ما أراك تشتم إلا رحم أمير المؤمنين. فقال له ثابت: إنهم عصاة مخالفون، فدعني حتى أشفي أمير المؤمنين منهم. فلم يزل ثابت في السجن حتى بلغ خبره عبد الملك فكتب: أن أطلقه فإنما شتم أهل الخلاف.

أولاده: محمد وبه كان يكنى، وعبد الله وفيه البقية، وحسن وإبراهيم، وزينب وأم كلثوم ولما خطب الحسن بن الحسن إلى عمه الحسين بن علي بن أبي طالب، قال له الحسين: يابن أخي قد انتظرت هذا منك قبل اليوم، فخرج به حتى أدخله منزله، ثم أخرج له ابنتيه فاطمة وسكينة فقال: اختر. فاختار فاطمة فزوجه إياها. فكان يقال: إن امرأة سكينة مرذولتها لمنقطعة الحسن.

وأتت منه بأولاده المذكورين حسن المسمى حسن المثلث، وعبد الله وزينب وأم كلثوم ما عدا محمد فإن أمه رملة بنت سعيد بن زيد أحد العشرة.

فلما حضرت الوفاة الحسن قال لفاطمة: إنك امرأة مرغوب فيك، فكأني بعبد الله ابن عمرو بن عثمان بن عفان قد جاء على فرس مرجلاً جمته، لابساً حلته، يسير في جانب الناس يتعرض لك، فانكحي من شئت سواه، فإني لا أدع من ورائي هماً غيرك.

فقالت: من من ذلك وأثلجته بالإيمان من العتق والصدقة لا نتزوجه.

ومات الحسن رضي الله عنه وخرج به فوافى عبد الله بن عمرو بالحال التي وصفها الحسن.

وكان يقال لعبد الله بن عمرو المطرف من حسنه.

فنظر إلى فاطمة حاسراً تضرب وجهها فأرسل إليها: إن لنا في وجهك حاجة فارفقي به. فاسترخت يداها وعرف ذلك فيها وخمرت وجهها.

فلما جاءت رسله تخطبها قالت: كيف بيميني التي حلفت بها؟ فأرسل إليها: لك مكان كل مملوك مملوكان ومكان كل شيء شيئان، فعوضها عن يمينها فنكحته وزوجها به ابنها عبد الله بن الحسن، وولدت له محمداً الديباج والقاسم ورقية بني عبد الله بن عمرو بن عثمان، فكان عبد الله بن الحسن، وهو أكبر أولادها يقول: ما أبغضت بغض عبد الله بن عمرو أحداً، ولا أحببت حب ابنه محمد أخي أحداً.

مات الحسن وسنه خمس وثلاثون سنة في حياة أخيه زيد بن الحسن السبط، ولم يدع الإمامة ولا ادعاها له أحد، والعقب منه في خمسة أشخاص: عبد الله المحض، والكامل يلقب بهما، وسيأتي ذكره عند ذكر قيام ولده محمد النفس الزكية.

ومن بنيه: الملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى، وهم بنو إدريس بن إدريس المحض، ومن عقبهم بنو حمود ملوك الأندلس الدائلون بها من بني أمية آخر دولتهم، وهم بنو حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن إدريس.

ومنهم: بنو سليمان بن عبد الله المخض الملوك بنواحي تلمسان.

ومنهم: بنو موسى الجون بن عبد الله المحض، كان من عقبه ملوك اليمامة بنو محمد الأخيضر بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله المحض. ومنهم: بنو صالح بن موسى بن عبد الله الثاني، ويلقب بأبي الكرام بن موسى الجون، وهم الذين كانوا ملوكاً بغانة من بلاد السودان بالمغرب الأقصى وعقبهم هنالك معروف.

ومن عقبه أيضاً: الهواشم بنو أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد الأكبر بن موسى الثاني ابن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون، كانوا أمراء مكة بعهد العبيديين.

ومن عقبه: بنو قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن موسى الجون، ملكوا مكة بعد الهواشم على يد قتادة أبيهم هذا، فمنهم بنو أبي نمي بن أبي سعيد الحسن بن علي بن قتادة أمراء مكة إلى عهدنا الآن.

والثاني من أولاد الحسن المثنى الخمسة: داود بن الحسن المثنى، وكان رضيع جعفر الصادق، وكان المنصور حبسه فأفلت منه بالدعاء الذي علمه جعفر أمه، ويعرف بدعاء أم داود.

ومن عقبه السليمانيون، الذين كانوا بمكة وهم بنو سليمان بن داود، وغلبهم عليها الهواشم آخراً وهم المسمون بآل أبي الطيب، كما ذكر ذلك الفاسي في تاريخه: شفاء الغرام فساروا إلى اليمن، فقامت الزيدية بدعوتهم، وغلبوا على بني طباطبا بصعدة.

والثالث من أولاد الحسن المثنى الخمسة: حسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، ومن عقبه قتيل فخ حسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط الفخي الخارج علي الهادي بن الرشيد، وسيأتي ذكره.

والرابع من أولاد الحسن المثنى: إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى. ومن عقبه بنو طباطبا أبي الأئمة بصعدة الذين غلبهم عليها بنو سليمان بن داود بن الحسن المثنى حين جاءوا من مكة ثم غلبهم عليها بنو الرسي، ورجعوا إلى إمامتهم بصعدة، وهم فيها إلى عهدنا الآن.

والخامس جعفر بن الحسن المثنى، وكان يكنى أبا الحسن، وكان أكبر إخوته سناً.

ومن عقبه من بني علي: باغر آل حمزة ويعرفون ببني الشجري، منهم: السيد أبو السعادات بن الشجري، له أمالي في النحو. انقرض عقبه. ومن عقبه أيضاً: بنو الكشيش، وآل أبي زيد، لهم أعقاب. فهفه خمسة أسباط من الحسن المثنى.

وأما أخوه زيد بن الحسن السبط فكنيته أبو الحسين، عاش تسعين سنة، وقيل: خمساً وتسعين، وقيل: مائة.

وكان زيد قد تخلف عن عمه الحسين بن علي فلم يخرج إلى العراق معه، مات زيد ولم يدع الإمامة، ولا ادعاها له مدع من الشيعة.

والإمامة لأولاد الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو أعقب سبطاً واحداً، وهو مع الخمسة الأول.

السبط السادس من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب: وهو الحسن بن زيد، ويكنى أبا محمد، وكان أمير المدينة من قبل أبي جعفر المنصور، وعمل له على غيرها.

وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى. وهو أول من لبس السواد من العلويين، ولا عقب لزيد إلا من ابنه الحسن هذا.

وكانت لزيد بنت اسمها نفيسة أخت للحسن بن زيد، وهي التي يسميها أهل مصر الست نفيسة ويعظمونها ويقسمون بها، وكانت زوجة الوليد بن عبد الملك.

وكان زيد يفد على الوليد فيقعده على السرير معه، ويكرمه لمكان ابنته، ووهب له ثلاثين ألف دينار دفعة واحدة.

وزعم بعض الناس أن نفيسة المذكورة بنت الحسن بن زيد بن الحسن لا أخت له، وقد كانت تزوجت بإسحاق بن جعفر الصادق، وكان الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه يروي عنها، ولما مات أدخلت جنازته عليها فصلت عليه. والله أعلم.

قال الزبير بن بكار: حدثني نوفل بن ميمون، قال: حدثني أبو مالك محمد بن مالك بن علي بن هرمة، أنه قال يمدح الحسن بن زيد بن الحسن السبط، ويعرض بعبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط، وبابنيه محمد النفس الزكية، وإبراهيم بن عبد الله المحض: من البسيط:

إني امرؤ مَنْ رعَى غَيْبي رَعَيْتُ لَهُ ... غَيْبَ الذمامِ، ومن أنكرْتُ أنكَرَني

أَمّاً بَنُو هَاشِمٍ حَوْلِي وَقَدْ رَدَعُوا ... نَبْلي الصيَاب التي جمعْتُ في قَرنِ

فَماً بِيَثْرِبَ منْهُمْ مَنْ أُعَاتبُه ... إلا عَوَائِدُ أرْجُوهُن مِنْ حَسَنِ

وذَاكَ مَنْ يَأتِهِ يَعْمِدْ إلى رَجُلٍ ... من كُل صَالحَةِ أَوْ صَالحٍ قَمنِ

لاَ يُسلِمِ الحمْدَ للُّوامٍ إنْ شَحطُوا ... بَل يَأْخُذ الحمد بالغالي من الثمن

ما زَالَ يَنْمى وزَال الله يَرْفعُهُ ... طولاً عَلَى بغْضَةِ الأَعْدَاءِ والإِحَنِ

أَمَات فِي جَوْفِ ذي الشَحْنَاِء ظنتَه ... وكانَ داءً لذي الشَّحْنَاءِ والظننِ

إذا بَنُو هَاشِمٍ آلَتْ بأَقْدُحِهَا ... إلى المفِيضِ وخَافَتْ دَوْلَةَ الغَبَنِ

حازتْ يَداً حسنِ قِدْحَين من كرمٍ ... لَمْ يُعْمَلا بِشباً المبراةِ والسفنِ

لا يَسْتَريحُ إلى إثمٍ ولا كَذِبٍ ... عندَ السؤالِ ولا يجتن بالجُنَنِ

ماً قَاَل أَفعَلُ أمضاهُ لِوِجْهَتِهِ ... وَما أبَى لح ما يَأْتِي فَلَمْ يَكُنِ

ما أَطلَعْت رَأسَهاً كَيْماً تُهَددني ... حَصْباءُ تطرح من نفسي على شزنِ

إلاَّ ذَكَزتُ ابنَ زَيْدٍ وهْوَ ذُو صلةٍ ... عند السنينَ وعواد على الزمنِ

فاسلَمْ ولا زالَ من عَاداكَ محتملاً ... غيظاً ولا زالَ معفوراً على الذقَنِ

لم يعتب اللهُ أنفاً فيك أرغَمَهُ ... حتى تزولَ رواسي الصخْرِمن حضنِ

إذا خَلوت به ناجَيْت ذا طهرٍ ... يأوي إلى عقل صافي العقلِ مؤتمنِ

طَلق اليدَينِ إذا أضيافه طرقوا ... يشكُونَ من قرة شكوى ومِنْ وَسَنِ

بَاتُوا يَعُدُونَ نَجْمَ الليْلِ بَيْنَهُمُ ... في مستجيرِ النواحي زاهق السمنِ

ثم اغتدوْا وهُمُ دسم شواربهم ... ولم يبيتوا على ضَيحٍ من اللبنِ

قد جعل الناس حقباً نحو منزلِهِ ... شقا كقرنِ أثيثِ الرأسِ مدّهنِ

فهم إلى نائلٍ منه ومنفعةِ ... يعطونها سكناً تهوى إلى سكنِ

أوصاك زيْذ بأعْلى الأمْرِ منزلة ... فما أخذتَ قبيحَ الأمرِ بالحسنِ

خَلأَت صدقٍ وأخلاق خُصصْتَ بها ... فلم يُضَعْن ولم يُخلْطَن بالدرنِ

يلقى الأيامِن مَنْ لاقاك سانحة ... وجه طليق وعُود غَيْر ذي أُبنِ

وأنتَ من هاشمٍ حقاً إذا نسبوا ... في المنكب اللينِ لا في المنكبِ الخشنِ

بنوكَ خَيْرُ بنيها إن حفلت بهم ... وأنتَ خيرُهُمُ في اليسرِ والَّلزَنِ

واللهُ أعطاك فضلاً من عطيته ... على هَنٍ وهنٍ فيما مضَى وهنِ

قال: فقال له إبراهيم بن عبد الله بن الحسن - وجاءهم بعد ذلك - : لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق، ألست الذي تقول للحسن بن زيد:

اللهُ أَعْطَاكَ فَضْلاً مِنْ عَطِيتهِ ... عَلَى هَن وَهَنٍ فيما مضَى وَهَنِ

تريد أبي عبد الله المحض، وأخي محمداً النفس الزكية وإياي؟ فقال ابن هرمة: والله ما أردتكم بذلك. قال له إبراهيم: فمن أردت؟ قال: قارون وفرعون وهامان.

قلت: هذا التوجيه عما الكلام فيه أبعد من زمان المذكورين عن زمان نحن فيه. لكنه قد حلف بالله والله عليم بالنيات. ثم قال ابن هرمة يعتذر إلى إبراهيم الغمر من ذلك ويمدحه وأباه وأخاه من البسيط:

يا ذا النُبُوَّةِ يَدْعُونِي لِيُسْمِعَنِي ... مواعظاً من جَمِيلِ رَأْيِهِ الحَسَنِ

أَقْبِلْ عَلَيَّ بوَجْهٍ منْكَ أَعْرِفُهُ ... فقد فَهِمْتُ وسُدَّ السمْعُ للأُذُنِ

لا والذي أنتَ مِنْه رَحْمَةٌ نَزَلَتْ ... نَرجُو عَواقِبَهاً في غَابِرِ الزمَنِ

لَقَد أَتَيْت بِأَمْرِ ما أَبهْتُ له ... وَلا تَعَمدَهُ قَصْدي ولا عنني

إلا مَقَالةَ أقوامٍ ذوي إحَن ... وما مَقَالُ ذَوِي الشَحْنَاءِ والإحَن؟!

لَمْ يُحْسنُوا الظن إذْ ظنوا لِذِي حَسَب ... وفِيهِمُ الغَدرُ مَقْرُون إلى الظنَنِ

ما غيرت وجهه أم مقصرةٌ ... إِذا القتامُ تغشَى أوجه الهجنِ

وكَيْفَ أَمْشِي مَعَ الأَقْوامِ مُعْتَدِلاً ... وَقد رَميتُ صَحِيحَ العودِ بالأُبنِ؟

وكيف يأْخذُ مثلي في تحيزِهِ ... وسط المعاشِرِ مَبْخُوساً من الثمَنِ

وقد صَحِبْتُ وجَاوَرْتُ الرجَالَ فلمْ ... أَمْلُلْ إِخَاءً وَلَمْ أَغْدرْ ولَمْ أَخُنِ

وماً بَرِحت بِحمْدِ اللهِ في سَنَن ... مِن صَالح العَهْدِ أُمْضيهاً إلى سَنَنِ

يا بنَ الفَوَاطِمِ خَير النَّاسِ كلِّهمُ ... بَيتاً وأولاهُمُ بالفَوْز لا الغَبَنِ

إنْ لِنْتَ نَحوِي فإن الله جَابِرُنا ... ولا اخْتِيارَ لنا إنْ أنْتَ لَمْ تَلِنِ

وماً لَبِسْتُ عنانِي في مساءتكُمْ ... ولا خَلَعْتُ لغش نَحْوَكُمْ رَسَني

وأنتَ مِنْ هَاشِمِ في سِر نَبعَتها ... وطينةٍ لم تُقَارِفْ هجنَةَ الطينِ

لَوْ رَاهنَتْ هاشمٌ عَن خَيرهاً رجلاً ... لكان أبُوكَ الذي يَخْتَصُّ بالرَهنِ

واللهِ لَوْلا أَبُوكَ الخَيْرُ قد نَزَلَتْ ... منى قَوَافٍ بِأَهْلِ اللُؤْمِ والوَهَنِ

تَبْرِي العِظَامَ فَتُبدي عَنْ جَنَاجِنِها ... أَخْذَ الشَرِيحَةِ بالمبراةِ والسفنِ

أنت الجَوَادُ الذي نَدعُو فَتلْحقُنَا ... إذا تَرَاخَى المَدى بالقرح والحصنِ

فما أبالي إذا ما كُنْتَ لي كنفاً ... من صدَ أو بَتَّ مِنْ أَقْرانِهِ قَرنِي

وماً أبالي عَدُوَّ اللهِ شَاحَنني ... أَمْ زَاحَمَتْ شعفات الصم من حضنِ

أنتَ المُرَجى لأمَرِ النَّاس إنْ أَزِمَتْ ... جَداءُ صَرمَاءُ لمْ تَصْدُرْ على لبنِ

يأوونَ مِنكَ إلى حِصْنٍ يُلاذُ به ... تأوِى إِلَيْه الطرادى وَاسِع العطنِ

وأعقب الحسن بن زيد من سبعة رجال، ثلاثة منهم مكثرون: أبو محمد القاسم، وعلي الشريد، وأبو محمد إسماعيل. وأربعة مقلون أبو الحسن إسحاق، وأبو طاهر زيد، وأبو زيد عبد الله، وأبو إسحاق إبراهيم.

أعقب القاسم بن الحسن، وهو الفرع الأول من رجلين: محمد البطحاني، وعبد الرحمن الشجري.

أما محمد البطحاني ونسبه إلى بطحان بالضم. موضع بالمدينة، وبالفتح إلى البطحاء، وكلاهما ورد، وكان فقيهاً له عقب كثير منهم: إبراهيم بن محمد البطحاني، أعقب في بلاد شتى وفيهم مجانين وبله ونقص وسفهاء.

من ولده الوزير أبو منصور ناصر بن مهدي، كان فاضلاً تولى الوزارة ببغداد للخليفة الناصر العباسي في عشر ذي الحجة سنة اثنتين وستمائة. وعزل في ثالث عشر جمادى الآخرة، ونقل وعياله إلى دار الخلافة وأجري عليه النفقة إلى أن مات ليلة السبت لثمان خلون من جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة في السنة التي توفي فيها الشريف قتادة النابغة جد ساداتنا ولاة مكة المشرفة وانقرض عقبه.

قال في عمدة الطالب: كان فيه تجبر وتكبر. فحكي أنه وجد يوماً في دواته رقعة فأنكرها فأخذها فإذا فيها من السريع:

لاَ قَاتَلَ الله يَزِيذاً وَلاَ ... مُدَت يَدُ السوءِ إلَى نَعْلِهِ

لأنهُ قد كَانَ ذا قدرةٍ ... عَلى اجْتِثَاثِ الفَرْع منْ أصلِهِ

لَكنًّه أَبْقَى لَناً مِثلَكُمْ ... أَحْيَاءَ كَيْ يُعْذَرَفي فِعْلِهِ

فاضطرب لذلك واجتهد أن يعلم واضعها.

قلت: هذا تجرؤ إلى الغاية والعياذ بالله لكن الابن السوء يكسب الآباء الكرام السوء.

ومنهم: الداعي الصغير بالري وطبرستان وهو الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد. وكان بين هذا الداعي الصغير وبين الأطروش حروب.

وقتل هذا الداعي سنة تسع عشرة وثلاثمائة.

ومن عقبه أيضاً: القاسم بن علي بن إسماعيل أحد قواد الحسن بن زيد وهم غيروا نعم أهل تلك الآفاق، وأذهبوا بهجتهم، وكانوا سبباً لتورد الديلم دار الإسلام بما يستجيشونهم، خرج معهم ومع الحسيني ما كانُ بن ماهان ملك الديلم.

وكان مرداويج وبنو بويه من بعض رجاله، وكان لهم من عشيرتهم قواد ورجال يسمون بأسماء الديلم من أجل مرباهم بينهم. والله يخلق ما يشاء.

وأما عبد الرحمن الشجرىِ: فنسبته إلى قرية قريبة من المدينة الشريفة، يكنى أبا جعفر، له عقب من ثلاثة: علي ومحمد وجعفر. ومنهم بنو المنقوب، وبنو أبي الغيث، وبنو أبي نفيشة، وبنو شكر، وبنو أسود.

الفرع الثاني: على الشريد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، سمي بذلك لقوته. مات في حبس المنصور وأعقب من ولده عبد الله. ولعبد الله هذا عقب منهم السبعية، وهذه نسبة إلى محلة بالكوفة.

الفرع الثالث: أبو محمد إسماعيل، ويلقب جالب الحجارة بالجيم، وقيل بالحاء لشدته وقوته. ويلقب بالمهفهف أيضاً. أعقب من محمد وعلي النازوكي. أما علي هذا فله عقب منهم: بنو طرخان. وأما محمد فأعقب من ولده زيد. ومنه محمد الداعي، وأخوه الحسن ملكا طبرستان فملكها أولاً الحسن ولقب بالداعي الكبير وبالداعي الأول سنة خمسين ومائتين. وتوفي سنة سبعين ومائتين ولم يعقب. وكان جريئاً على سفك الدماء على ما حكاه صاحب عمدة الطالب.

الفرع الرابع: أبو الحسن إسحاق بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان أعور ويلقب بالكوكبي، وكان مع الرشيد، قيل: إنه كان يسعى بآل أبي طالب فكان عيناً للرشيد عليهم، وسعى بجماعة من العلويين فقتلوا برأيه. وغضب الرشيد عليه آخر الأمر فحبسه حتى مات في الحبس.

قال أبو عبد الله: أولد من هارون والحسن، وقيل: إسحاق ليس له ولد.

الفرع الخامس: أبو طاهر زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. عقبه من ولد طاهر، ومنه في محمد بن طاهر.

الفرع السادس: أبو زيد عبد الله بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. له خمسة: علي والحسن ومحمد ويزيد وإسحاق. لهم أعقاب.

الفرع السابع: أبو إسحاق إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. أعقب من ولده إبراهيم بن إبراهيم، وأعقب إبراهيم من الحسن ومحمد لهما عقب.

قال ابن خلدون: ومن عقب إبراهيم بن الحسن: محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أقام بالمدينة أيام المعتمد، وجاهر بالمنكرات والقتل إلى أن تعطلت الجماعات، ولا قوة إلا بالله.

وأما الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وهو القتيل بالطف أيام يزيد. أولاده اثنا عشر، وقيل أقل، قتل غالبهم بكربلاء ولم يعقب منهم إلا على زين العابدين فقط، فجميع بني حسين ينسبون إليه، وهو الإمام بعد أبيه الحسين، ولد بالمدينة يوم الخميس خامس شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة في حياة جده علي بن أبي طالب قبل وفاته بسنتين. كنيته أبو الحسن، وقيل أبو محمد، وقيل أبو بكر، ألقابه زين العابدين، والزكي، والأمين، وذو الثفنات، وزين العابدين أشهرها.

صفته: أسمر قصير رقيق. معاصروه: مروان وعبد الملك والوليد ابنه. عمره سبع وخمسون سنة أقام منها مع جده علي بن أبي طالب سنتين، ومع عمه الحسن بعد وفاة جده عشر سنين، ومع أبيه بعد وفاة عمه إحدى وعشرين سنة، وبقي بعد وفاة أبيه أربعاً وعشرين سنة وهي مدة إمامته.

قال السيد نور الدين علي السمهودي مؤرخ المدينة الشريفة في كتابه جواهر العقدين: كانت أمه سلامة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس. وكانت له ثلاث بنات، وسبين في زمن عمر بن الخطاب، فحصلت واحدة منهن لعبد الله بن عمر بن لخطاب، فأولدها سالم بن عبد الله بن عمر، وحصلت الأخرى لمحمد بن أبي الصديق، فأولدها القاسم بن محمد بن أبي بكر، وحصلت الثالثة للحسين بن علي، فأولدها علياً زين العابمين المذكور، فهم بنو خاله.

كان زين العابدين مع أبيه رضي الله عنهما بكربلاء فاستبقي، قيل لصغر سنه لأنهم قتلوا كل من أنبت، وكان قد أمرهم عبيد الله بن زياد بقتله ثم صرفه الله تعالى عنه. وأشار بعض الفجرة على يزيد بقتله أيضاً فحماه الله منه، والحمد لله والمنة.

ثم إن يزيد صار يكرمه ويعظمه، ويجلس معه ولا يكل إلا وهو معه. ثم بعثه إلى المدينة فكان بها محترماً معظماً.

قال ابن عساكر: ومسجده بدمشق معروف وهو الذي يقال له مشهد على جامع دمشق.

قال الإمام الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه.

وقال محمد بن سعد: كان زين العابدين ثقة مأمونَاً، كثير الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عالماً لم يكن في أهل بيته مثله، وكان إذا توضأ يصفر لونه، فإذا قام إلى الصلاة أرعد من الفزع، فقيل له في ذلك. فقال: أتدرون بين يدي من أقوم ولمن أناجي؟ ويروى أنه احترق البيت الذي هو فيه وهو قائم يصلي، فلما انصرف قيل له ما بالك لم تنصرف حين وقعت النار؟ فقال: إني شغلت عن هذه النار بالنار الأخرى.

وروى أنه لما حج وأراد أن يلبي أرعد واصفر وخر مغشياً عليه. فلما سئل قال: إني أخشى إذا قلت لبيك اللهم لبيك أن يقول لي لا لبيك ولا سعديك. فشجعوه وقالوا: لابد من التلبية، فلما لبى غشي عليه حتى سقط من الراحلة. وكان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة. وكان رضي الله عنه يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب عز وجل.

وكان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني أتصدق اليوم وأهب عرضي لمن يغتابني.

ومات لرجل ولد مسرف على نفسه فجزع عليه فقال له علي رضي الله عنه: إن من وراء ذلك لخلالاً ثلاثاً: شهادة أن لا إله إلا الله، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحمة الله تعالى.

واختلف في تاريخ وفاته، والجمهور أنها سنة أربع وتسحين في أولها.

وأغرب المدائني فقال: في سنة مائة، ودفن بالبقيع في القبر الذي فيه عمه الحسن ابن علي بقبة العباس بن عبد المطلب، ودفن في هذا القبر ابنه محمد الباقر وابنه جعفر الصادق فهم أربعة في قبر واحد فأكرم به قبراً ويقال: إن رأس الحسين أرسل به إلى المدينة فدفن فيه. والله أعلم.

أولاده خمسة عشر ولداً، وقيل أكثر، وقيل أقل. العقب منه في ستة أسباط فقط وهم: محمد الباقر، وعبد الله الباهر، وزيد الشهيد، وعمر الأشرف، والحسين الأصغر، وعلي الأصغر السبط الأول الإمام بعد أبيه هو: محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وسيأتي ذكر ترجمته أيضاً عن ذكر الأئمة الاثني عشر قريباً. أولاده ستة العقب منه في جعفر.

السبط الثاني: عبد الله الباهر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. لقب بالباهر لجماله. قالوا: ما حضر مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر.

توفي وهو ابن سبع وخمسين سنة. يكنى أبا محمد. وعقبه قليل. أعقب من ابنه محمد الأرقط وحده. ويكنى محمد هذا أبا عبد الله، وكان محدثاً. وأقطعه السفاح عين خالد بن سعيد ويلقب بالأزرق. قال العمري: كان مجدراً فلقب بالأرقط.

قال أبو نصر البخاري: من يطعن في الأرقط فلا يطعن من حيث النسب وإنما يطعن بشيء آخر جرى بينه وبين جعفر الصادق.

ويقال: إنه بصق في وجه الصادق فدعا عليه فصار أرقط الوجه به نمش كريه المنظر، وأما نسبه فلا مطعن فيه.

وأعقب الأرقط من إسماعيل وحده، وإسماعيل من اثنين محمد والحسين البنفسج.

أما محمد فله أحمد الدح وإسماعيل الناصب ولهما أعقاب. وأما الحسين فعقبه في عبد الله وأحمد وإسماعيل الدح لهم أعقاب. ومن ولد الأرقط الحسين الكوكبي ابن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الأرقط.

السبط الثالث: زيد الشهيد بن علي زين العابدين بن الحسين يكنى أبا الحسن وستأتي ترجمته عند ذكر قيامه في الباب الثاني المعقود لمن دعا من الأهل إلى المبايعة.

أعقب من ثلاثة: الحسين ذي الدمعة، قيل له ذلك لكثرة بكائه. وعيسى موتم الأشبال وهو الذي حارب المنصور أول خلافته. ومحمد. وأما ابنه يحيى فلم يعقب وخرج بعد قتل أبيه. وسيأتي ذكره في الدعاة في الباب المشار إليه.

أعقب الحسين من ثلاثة: يحيى والحسين وعلي، وأعقب عيسى من أربعة: أحمد المختفي وزيد ومحمد والحسين عصارة.

وأعقب محمد من رجل واحد وهو أبو عبد الله جعفر الشاعر. وأعقب الشاعر من ثلاثة: محمد الخطيب وأحمد مسكين والقائم.

ولهم أعقاب منهم: علي بن محمد الخطيب. ولعلي المذكور قوله من المتقارب:

وإنّا لنُصْبِحُ أَسْيَافَنَا ... إِذاً ماً اصْطَبَحناً بيَوْم سَفوكِ

مَنَابِرهُنَّ بُطُونُ الأكُف ... وأَغْمَادُهُن رؤوس المُلُوك

وله أيضاً من الوافر:

لَناً مِنْ هَاشِم هَضَبَات غُر ... مُطَنبةْ بِأَوتَادِ السمَاءِ

تُطِيفُ بِناً الملاَئكُ كُل يَوْمٍ ... ونكفلُ في حُجُورِ الأَنْبياءِ

ويَهتَز المَقَامُ لَناً ارتِياحاً ... ويَلْقَاناً صفاه بالصفاءِ

ومن ولد الحسين ذي الدمعة: الحسن بن الحسين بن زيد. وقتل مع أبي السرايا، ويحيى بن الحسين الذي كان من عقبه يحيى بن عمر بن يحيى القائم بالكوفة أيام المستعين، وسيأتي ذكره في الباب الثاني المذكور، وعلي بن زيد بن الحسين بن زيد قام بالكوفة ثم هرب إلى صاحب الزنج بالبصرة، فقتله وأخذ جارية له كان سباها من البصرة.

السبط الرابع: عمر الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم. وهو أخو زيد الشهيد لأبويه وأسن. ويكنى أبا علي وقيل أبا جعفر.

وكان محدثاً فاضلاً أعقب من رجل واحد وهو علي الأصغر والعقب من علي الأصغر هذا في ثلاثة: القاسم وعمر الشجري وأبو محمد الحسن من ابنه علي، وأعقب علي من ثلاثة رجال أبو علي الصوفي، وأبو عبد الله الحسين الشاعر المحدث، وأبو محمد الحسن الناصر الكبير الأطروش إمام الزيدية ملك الديلم صاحب المقالة، إليه تنتسب الناصرية من الزيدية، ورد الديلم سنة سبعين ومائتين وكان بطبرستان، فلما غلب رافع عليها أخذه فضربه ألف سوط فطرش، وأقام بأرض الديلم يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى الإسلام أربع عشرة سنة، ودخل طبرستان في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثمائة فملكها ثلاث سنين وثلاثة أشهر، ويلقب بالناصر للحق، وأسلموا على يده وعظم أمره. وتوفي بآمُل، عن سبع وتسعين سنة، له عقب، وعمر الشجري له عقب.

السبط الخامس: أبو عبد الله الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين بن الحسين رضي الله تعالى عنهم.

كان عفيفاً محدثاً عالماً توفي سنة تسع وخمسين ومائة عن سبع وخمسين سنة ودفن بالبقيع، وعقبه عالم كثير بالحجاز والعراق والشام والمغرب وبلاد العجم، منهم أمراء المدينة، وسادات العراق، وملوك الري.

أعقب من خمسة رجال: عبيد الله الأعرج وعبد الله وعلي وأبي محمد الحسن وسليمان.

أما سليمان بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين فأعقب من ابنه سليمان بن سليمان، وعقبه بالمغرب يقال لهم الفواطم.

وأما أبو محمد الحسن بن الحسين الأصغر، فعقبه من ابنه محمد بن الحسن، ومنه من عبد الله ولعبد الله محمد السليق وعلي المرعش وعقبهما كثير ببلاد العجم. وأما علي بن الحسين الأصغر، فأعقب من ثلاثة: عيسى الكوفي وأحمد جفينة وموسى حمضة لهم أعقاب.

وأما عبد الله بن الحسين الأصغر مات في حياة أبيه فعقبه من جعفر صحصح بن عبد الله، وكان له عشرة وانقرضوا. ابنته زينب بنت عبد الله بن الحسين الأصغر تزوجها الرشيد، وفارقها ليلة دخوله بها، وذلك أنه بعث إليها تلك الليلة خادماً ومعه تكة يريد أن يربطها لئلا تمتنع على الرشيد فلما دنا الخادم منها ركلته برجلها فكسرت ضعلين من أضلاعه، فخافها الرشيد، ولم يدخل بها، وردها من غدها إلى الحجاز، وأجرى عليها في كل سنة أربعة آلاف مثقال، وأدرها عليها بعده ابنه المأمون. فأعقب جعفر صحصح بن عبد الله بن الحسين الأصغر من ثلاثة: محمد العقيقي وإسماعيل المنقذي ويقال لولدهما المنقذيون سموا بذلك لأنهم سكنوا دار المنقذ بالمدينة فنسبوا إليها.

وبنو محمد العقيقيون لهم أعقاب، وتنسب إليهم بنو ميمون، وآل البكري، وآل عدنان.

قال ابن خلدون: ومن ولد الحسين عبد الله العقيقي بن الحسين، كان من ولده الحسين بن محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقي، قتله الحسن بن زيد صاحب طبرستان.

وأما عبيد الله الأعرج بن الحسن الأصغر بن علي زين العابدين، فيكنى أبا علي، كان في إحدى رجليه نقص.

وفد على أبي العباس السفاح، فأقطعه ضيعة بالمدائن تغل في السنة ثمانين ألف دينار.

وكان عبيد الله قد تخلف عن بيعة محمد النفس الزكية لما خرج بالمدينة، فحلف محمد إن رآه ليقتلنه فلما جيء به إليه غمض محمد إحدى عينيه مخافة أن يحنث.

توفي عبيد الله في حياة أبيه عن سبع وثلاثين سنة.

وانقسم عقبه بطوناً وأفخاذاً وعشائر.

أعقب من أربعة رجال: جعفر الحجة وعلي الصالح ومحمد الجوابي وحمزة مختلس الوصية.

أما حمزة مختلس الوصية، فأعقب من ثلاثة رجال محمد والحسين وعلي، وكان له عبيد الله لم يطل له ذيل.

وأعقب محمد من رجلين: أبي علي ويلقب سنَّور الله، له عقب ببلاد العجم، والحسين الحرون وكان أحد الأبطال المشهورين، مات في حبس المهدي العباسي.

وأما الحسين بن حمزة، ويكنى أبا الشنف له عقب من ابنه محمد. منهم بنو ميمون وبنو حمزة. وأما علي فأعقب علي بن علي وله عقب وقيل انقرض.

وأما محمد الجوابي بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر - والجواب قرية بالمدينة إليها نسب - له عقب من ولده الحسن بن محمد.

وأما علي الصالح بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر، أعقب من رجلين عبيد الله الثاني وإبراهيم، ولهما أعقاب مبسوطة التفاريع في محالها. ومن أعقاب عبيد الله الثاني: الأمير أبو الحسين محمد الأشتر، ممدوح أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي بالقصيدة الدالية التي مطلعها: من المنسرح:

أَهلاً بدارٍ سباك أَغيدها............

وأما جعفر الحجة ابن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين فكان من أئمة الزيدية، وكان له شيعة يسمون الحجة، وكان القاسم الرسي بن طباطبا يقول: جعفر بن عبيد الله إمام آل محمد وكان فصيحاً.

ومن عقبه الملقب بمسلم الذي يريد مصر أيام كافور وهو محمد بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن جعفر حجة الله، وابنه طاهر بن مسلم.

ومن عقب طاهر هذا أمراء المدينة إلى هذا العهد بنو جماز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة بن هاشم بن القاسم بن مهنا.

ومهنا هو الحسن بن طاهر بن مسلم.

قال ابن خلدون: هكذا قال المسبحي مؤرخ العبيديين.

وقال العتبي مؤرخ دولة بني سبكتكين: إن مهنا هو ابن داود بن القاسم أخي مسلم وعم طاهر.

قلت: رأيت في جواهر العقدين ما نصه: جد أهل بيت بني مهنا أمراء المدينة من الولاة والمعزولين يحيى المحدث ابن الحسن بن جعفر الحجة ابن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ لأن مهنا المذكور هو ابن داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى المذكور.

بل غالب من بالمدينة اليوم من أشراف بني حسين من نسله، وهو مؤيد لما قاله العتبي لا كما تراه كما قال المسبحي.

وزعم ابن سعيد أن بني جماز بن شيحة أمراء المدينة من عقب عيسى بن زيد الشهيد وفيه نظر.

ومن ولد عبيد الله الأعرج حمزة بن الحسن بن سليمان بن سليمان بن حسين ملك هاز في أرض المغرب، وملك قطيعاً بلد صنهاجة وإليه ينسب سوق حمزة هنالك فيما قاله ابن حزم وولده بها كثير، وعم أبيه الحسن بن سليمان من قواد الحسن بن زيد بطبرستان.

السبط السادس: علي الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم يكنى أبا الحسن.

أعقب من ابنه الحسن الأفطس. مات أبوه وهو حمل وأعقب الأفطس وأنجب و أكثر.

وعقبه من خمسة رجال: علي حروري وعمر والحسين والحسن المكفوف وعبد الله الشهيد قتيل البرامكة.

وأما الحسين بن الحسن الأفطس الذي قام بمكة أيام أبي السرايا من قبل محمد الديباج بن الصادق ثم دعا لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر وأخذ مال الكعبة وفيه يطعنون لقبح سيرته.

وقد تكلم فيه قوم، منهم؛ الشريف أبو جعفر بن معية الحسنى صاحب المبسوط وأبو عبد الله الحسين بن طباطبا، وأثبته أكثر العلماء.

وعمل شيخ الشرف العبيدلي كتاباً سماه الانتصار، لبني فاطمة الأبرار. ذكر الأفطس وولده بصحة النسب وذم الطاعن عليهم. قال العمري: وهو في الجرائد والمشجرات ما دفعهم دافع.

وقال الشيخ تاج الدين بن النقيب لما سئل عن الأفطس وولده قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد أن يفترق من ذريته عدد أسباط بني إسرائيل وقد افترق من ولد الحسين ستة أسباط هم أولاد على زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فلو توجه الطعن على الأفطس لم يكن لعلي بن علي بن الحسين عقب ولا يكون أولاد فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها اثني عشر سبطاً.

قال: وهذه حجة ظاهرة على صحة نسبهم.

وقيل: إن الحسين بن الحسن الأفطس كان حامل راية محمد النفس الزكية، ولم يخرج معه أسمع منه ولا أبصر.

وكان يقال له رمح أبي طالب، لطَوْلِهِ وطُولِهِ.

ولما قتل محمد النفس الزكية اختفى الحسن الأفطس، فلما دخل الصادق العراق ولقي المنصور قال له: يا أمير المؤمنين أتريد أن تسدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يداً. قال: نعم يا أبا عبد الله. قال الصادق: تعفو عن الحسن بن علي بن علي زين العابدين بن الحسين فعفا عنه.

قال أبو نصر البخاري: فهذه شهادة قاطعة من الصادق أنه ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلي ومحمد ابنا الأفطس قتلهما المأمون.

وأما محمد الباقر يكنى أبا جعفر الغاية الساكن والهادي وأشهرها الباقر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنك ستعيش حتى ترى رجلاً من أولادي اسمه اسمي يبقر العلم بقراً فإذا لقيته فأقره مني السلام فلقيه جابر وأقرأه السلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات جابر بعد ذلك بقليل.

ولد بالمدينة يوم الخميس ثالث صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة قبل قتل الحسين جده بثلاث سنين.

صفته: معتدل السمرة، معاصره الوليد، وولداه يزيد وإبراهيم.

عمره ثمان وخمسون سنة وقيل ستون، أقام منها مع جده الحسين ثلاث سنين، ومع ابنه علي زين العابدين ثلاثاً وثلاثين سنة وقيل خمساً وثلاثين سنة، وبقي بعد موت أبيه سبع عشرة سنة وهي مدة إمامته.

يقال: مات بالسم في زمن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك سنة عشر ومائة، وقيل: سنة أربع عشرة، ودفن بالبقيع بالقبر الذي فيه أبوه، وعم أبيه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم.

أولاده ستة؛ أربعة ذكور: جعفر الصادق، وعبد الله الأفطح أمهما زُرَيْوَةُ بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وإبراهيم وعلي.

وبنتان: زينب وأم سلمة، والعقب منه في جعفر الصادق فقط.

فأما عبد الله الأفطح فكانت له شيعة يدعون إمامته، منهم زرارة بن أعين الكوفي، ثم قام بالمدينة، وسأله عن مسائل من الفقه فألفاه جاهلاً، فرجع عن القول بإمامته، وانقطعت الشيعة الأبطحية، وزعم ابن حزم أن بني عبيد ملوك مصر ينتسبون إليه، وليس ذلك بصحيح.

وأما الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زبن العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو القائم بعد أبيه، وهو سادس الأئمة فيكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا إسماعيل، وله ألقاب: الفاضل والطاهر، وأشهرها الصادق، وكان يقال له عمود الشرف.

صفته: معتدل، آدم اللون، معاصره أبو جعفر المنصور، أمه فُرَيْوَةُ بنت القاسم ابن محمد كما تقدم ذلك، وولد بالمدينة يوم الإئنين لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثمانين من الهجرة وقيل ثلاث وثمانين. عمره ثمان وستون سنة.

أقام منها مع جده علي زين العابدين اثنتي عشرة سنة وأياماً، ومع أبيه محمد الباقر ثلاث عشرة سنة وأياماً، وبقي بعد موت أبيه أربعاً وثلاثين سنة وهي مدة إمامته. وتوفي بالمدينة يوم الإثنين منتصف رجب سنة ثمان وأربعين ومائة.

يقال: مات بالسم في زمن المنصور، ودفن مع أبيه وجده، وعم جده الحسن بن علي بن أبي طالب، وعم جد جده العباس بن عبد المطلب بالبقيع بقبة العباس، فلله دره من قبر ما أشرفه وأطهره وأكرمه وأنوره.

أولاده سبعة، وقيل أكثر، العقب منه في خمسة رجال، وهم الإمام موسى الكاظم وإسماعيل وعلي العريضي، ومحمد المأمون وإسحاق، وليس له ابن اسمه ناصر معقب ولا غير معقب بإجماع أهل النسب، وبنواحي أهل خراسان قوم ينسبون إلى ناصر بن جعفر وهم أدعياء كذابون لا محالة، وهم هناك يخاطبون بالشرف، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ومن أولاد جعفر الصادق محمد الديباج خرج بمكة أيام المأمون، وبايع له أهل لحجاز بالخلافة، وحمله المعتصم لما حج وجاء به إلى المأمون فعفا عنه، ومات سنة ثلاث ومائتين بجرجان.

وأما إسماعيل الإمام، وموسى الكاظم فعليهما وعلى بنيهما مدار اختلاف شيعة، وكان الكاظم على زي الأعراب مائلاً إلى السواد، وكان الرشيد يؤثره، ويتجافى عن قبول السعاية فيه ثم حبسه.

ومن عقبه بقيه الأئمة الاثني عشر عند الإمامية من لدن علي بن أبي طالب فهو أولهم، وقد تقدم ذكره عند ذكر خلافته، ثم ابنه الحسن بن علي وقد تقدم كذلك، وبيان ترجمته، وتاريخ وفاته في سنة خمس وأربعين، ثم أخوه الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، ثم ابنه على زبن العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، وقد ذكرت تراجم هؤلاء.

ومن عقب جعفر الصادق من غير الأئمة محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر قاما بالمدينة سنة إحدى وسبعين ومائتين، وسفكا الدماء، وانتهبا الأموال واستلحما آل جعفر بن أبي طالب، وأقامت المدينة شهراً لا تقام فيها جمعة ولا جماعة.

ومن عقب إسماعيل الإمام ابن جعفر الصادق العبيديون خلائف القيروان ومصر بنو عبيد الله المهدي بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وقد تقدم ذكرهم. وما للناس من الخلاف في نسبهم وهو مطرح كله وهذا أصح ما فيه، هذه عبارة ابن خلدون وهو ممن يرجح القول بصحة نسبهم، وأنه إلى إسماعيل بن جعفر الصادق كما ترى، والله أعلم بالحقائق.

الإمام السابع موسى الكاظم: يكنى إسحاق وأبا إبراهيم، وهو موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم.

ألقابه: الكاظم والصابر والصالح أشهرها الأول، لقب به لفرط تحمله وتجاوزه عن المعتدين عليه. أمه أم ولد اسمها حميدة.

ولد بالأبواء بين مكة والمدينة يوم الأحد لسبع ليال خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة.

وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى أيام الرشيد، فلما قدم الرشيد المدينة حمله معه وحبسه ببغداد إلى أن توفي في رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة.

وفي شواهد النبوة: مات في حبس الرشيد ببغداد يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة فقبره ببغداد.

ويقال: إن يحيى بن خالد البرمكي سمه في رطب بأمر الرشيد، وقيل لف في بساط، وغم حتى مات رحمه الله من شهيد.

معاصره: المهدي والهادي والرشيد. عمره خمس وخمسون سنة منها مقامه مع أبيه عشرون سنة، وبقي بعد وفاة أبيه خمساً وثلاثين سنة وهي مدة إمامته ودفن في مقابر قريش.

أولاده سبعة وثلاثون ولداً بين ذكر وأنثى، العقب منهم في أربعة عشر رجلاً هم: الحسن والحسين وعلي الرضا وإبراهيم المرتضى وزيد النار وعبد الله وعبيد الله والعباس وحمزة وجعفر وهارون وإسحاق وإسماعيل ومحمد العابد، وإبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم هو الذي ولى محمد بن طباطبا وأبو السرايا على اليمن فذهب إليها ولم يزل بها أيام المأمون يسفك الدماء حتى لقبه الناس بالجزار، وأظهر الإمامة عند ما عهد المأمون لأخيه علي الرضا بن موسى الكاظم، ثم اتهم المأمون بقتله، فجاء هو وطلب الإمامة لنفسه، ثم عقد المأمون على حرب الفاطميين باليمن لمحمد بن زياد بن أبي سفيان لما بينهم من البغضاء، فأوقع بهم مراراً وقتل شيعتهم وفرق جماعتهم.

ومن عقب إبراهيم المرتضى هذا الشريف الرضى وأخوه المرتضى واسم كل منهما علي بن الحسين بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم.

وزيد النار بن موسى الكاظم هو الذي ولاه أبو السرايا أيضاً على الأهواز، فسار إلى البصرة وملكها، وأحرق دور العباسيين بها فسمي زيد النار، ومن عقبه زيد الجنة بن محمد بن زيد بن الحسين بن زيد النار، من أفاضل أهل البيت وصلحائهم، حمل إلى بغداد في محنة الفاطميين أيام المتوكل ودفع إلى ابن أبي دواد يمتحنه فشهد له وأطلقه. ومن عقب موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم من غير الأئمة السيد أبو جعفر محمد ابن موسى بن أحمد بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى الكاظم.

قال العتبي في تاريخه المسمى باليميني لدولة محمود بن سبكتكين وابنه يمين الدولة - والعتبي صاحب هذا التاريخ نسبة إلى عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب ابن أمية بن عبد شمس - في ترجمته السيد المذكور: ألفاظه منابع العلوم، وأقواله مراتع العقول، ومجاله حدائق الجد والهزل، وجوامع الكلم الفصل. فلم تبق يتيمة خطاب، ولا كريمة صواب، ولا غرة حكمة، ولا درة نكتة، ولا طرفة حكاية، ولا فقرة رواية إلا هي عرضة خاطره، وثمرة هاجسه، ونصب تذكره، ومثال تصوره. لا تصدأ صفيحة حفظه، ولا تدرس صحيفة ذكره، ولا يكسف بدر معارفه، ولا ينزف بحر لطائفه. هو واحد خراسان من بين الأشراف العلوية في قوة الحال، وسعة المجال، واشتداد باع العز، وامتداد شعاع الجاه، والعلم الغامر، والأدب الباهر، والشعر الزاهر. فمن شعره قوله من البسيط:

وشَادنٍ وَجْهُهُ بالحُسْنِ مَخطُوطُ ... وَخَذُهُ بِمدادِ الخَالِ مَنْقُوطُ

تَرَاهُ قَدْ جَمَعَ الضدَيْنِ في قَرنٍ ... فالخِصْرُ مُخْتَصَر والردْفُ مَبْسوطُ

وقد أكثر الشعراء والأدباء في مدائحه، فمن ذلك قول أبي الفتح البستي من الخفيف:

أنا للسيَّدِ الشَّريفِ غُلاَمٌ ... حَيْثُ ماً كَانَ فَلْيُبَلَّغْ سَلاَمي

وِإذاً كُنتُ للشَريفِ غُلاَمَاً ... فَأناً الحُرُ والزمَانُ غُلاَمِي

وقد اتفق في مجلس السيد المذكور - وكان مجمعاً للعلماء الفضلاء والجهابذة النبلاء - مناظرة بين أبي الفضل الهمذاني المعروف بالبديع، وبين أبي بكر الخوارزمي سببها معارضة الهمذاني والمجلس غاص، والمصدر فيه السيد أبو جعفر المذكور، وكان الخوارزمي ينسب البديع الهمذاني إلى مذهب الخوارج والنواصب، يريد بذلك الوضع من قدره عند السيد أبي جعفر المذكور، فقال البديع هذه الأبيات الخمسة مخاطباً بها السيد ومبيناً له طهارة اعتقاده مما نسبه إليه الخوارزمي من النصب.

قلت: قد خلبت خلبي، واستلبت لبي، بجنسها وفصلها، فكانت هي السبب لذكر الترجمة من أصلها وهي من مجزوء الكامل:

أنا في اعتقادي للتَسنْ ... نُنِ رافضي في ولائِكْ

فَلَئنْ شُغِلْتُ بهَؤُلا ... ء فَلَسْتُ أَغْفُلُ عَن أولئِك

يا عقْدَ مُتتَظِمِ النبُوْ ... وةِ بَيْتَ مُخْتَلِفِ الملائِكْ

يِاَ بنَ الفَوَاطِمِ والعَوَا ... تِكِ والتَرائِكِ والأرائِكْ

أَناً حَائِك إن لَم أكُنْ ... عَبداً لِعَبْدِكَ وابْنُ حائِكْ

وقوله يابن الفواطم يريد بهن فاطمة بنت عمرو المخزومية أم أبي طالب وعبد الله والزبير بني عبد المطلب فإن هؤلاء أشقاء أمهم فاطمة بنت عمرو المذكورة، والثانية فاطمة بنت الأصم أم خديجة بنت خويلد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثالثة: فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب.

والرابعة: فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله والعواتك يريد بهن عاتكة بنت هلال بن فالح بن ذكوان أم عبد مناف ابن قصي، وعاتكة بنت مرة بن هلال أم هاشم بن عبد مناف، وعاتكة بنت الأوقص ابن هلال أم وهب أبي آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه العواتك كلهن من سليم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " أنا ابن العواتك من سُلَيْم " وقوله والترائك: جمع تريكه وهي الخوذة. قال الشاعر البحتري من الكامل:

حَص التَرِيكُ رُؤُوسَهُمْ فَرُؤُوسُهُم ... فِي مِثْلِ لألاَءِ التريكِ المُذهَب

وأراد بالترائك أسلحة الحرب جميعها مجازاً مرسلاً.

فكأنه قال: يابن الفواطم والعواتك وابن أسلحة الحرب لملازمتك إياها وملازمة آبائك من قريش. وابن الأرائك يعني ابن الجالسين عليها من الملوك.

وقوله: أنا حائك... إلى آخره، هذه طريقة للشعراء يدعون على أنفسهم تأكيداً وحثاً على فعل ما يحمد أو ترك ما يذم، فمن ذلك قول مالك الحارثي بن الأشتر النخعي من شيعة علي - كرم الله تعالى وجهه - وأمرائه المشهورين من الكامل:

بَقيتُ وفرى وانحرفتُ عَنِ العلا ... وَلَقِيتُ أَضيافي بِوَجْهِ عَبُوسِ

إِن لَم أشُنَّ عَلَى ابنِ هِندٍ غَاَرةً ... لَم تَخلُ يَوماً مِنْ ذَهَاب نُفُوسِ

والحائك من شأنه الرذالة والسقاطة وقلة العقل، فكيف إذا كان أبوه أيضاً حائكاً، جعل الهمداني كونه حائكاً وابن حائك دعاء على نفسه إن لم يكن عبداً لعبد السيد المذكور يريد بذلك تبيين محبته له وصدق ولائه وإكذاب ما رماه الخوارزمي به.

الإمام على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ثامن الأئمة والإمام بعد أبيه يكنى أبا الحسن ككنية أبيه.

ألقابه: الصابر والمزكى والولي، وأشهرها الرضا. أمه أم ولد اسمها أروى. ولد بالمدينة يوم الخامس عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة.

معاصره: الأمين والمأمون. عمره خمس وخمسون سنة.

مدة إمامته: عشرون سنة. كان أولها في بقية ملك الرشيد ثم ملك ولده محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوماً، ثم خلع الأمين وجلس مكانه عمه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوماً، ثم أخرج الأمين ثانية، وبويع له وبقي سنة وسبعة أشهر وقتله طاهر بن الحسين، ثم ملك بعده المأمون بن هارون الرشيد عشرين سنة.

عهد المأمون له بالخلافة، وزوجه ابنته أم الفضل، دخل عليه دعبل الخزاعي الشاعر بمرو فقال: يابن رسول الله، إني قلت فيكم أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي لا أنشدها أحدا قبلك.

فقال له الرضا: هاتها. فأنشد من الطويل:

ذكرتُ مَحل الربعِ من عَرَفَاتِ ... فأَجْرَيتُ دَمعَ العَيْنِ بالعَبَرَاتِ

وقَدْ عَزنِي صَبرِي وهاجَت صبابتي ... رُسُومُ دِيَارٍ قَفرةٍ وَعِرَاتِ

مَدَارسُ آياتٍ خلَت من تلاوةٍ ... وَمَنزل وَحي مُقْفِر العَرَصَاتِ

لآلِ رَسُولِ اللهِ بِالخيفِ من مِنى ... وبِالبَيتِ والتَعرِيفِ والجَمَرَاتِ

ديار علي والحسينِ وجعفرٍ ... وحمزةَ والسجادِ ذي الثفناتِ

دِيَار لعَبْدِ اللهِ والفَضلِ صِنوِهِ ... نَجِيِّ رَسُولِ الله فِي الخَلَوَاتِ

مَنَازلُ كانَت للصَلاَةِ وللتُقَى ... وللصَومِ والتَّطهيرِ والحَسَنَاتِ

مَنَازل جِبرِيلُ الأمين يَحُلُهَا ... مِنَ اللهِ بالتَسْلِيمِ والرَحَمَاتِ

مَنَازِلُ وَحْي اللهِ مَعدِن عِلمِهِ ... سَبِيل رَشادٍ وَاضِح الطُرُقَاتِ

فَأَينَ الألى شًطت بِهِم غُربةُ النوَى ... فأَمسَيْنَ في الأقطارِ مُفْتَرِقَاتِ

هُمُ آل مِيراثِ النبي إذا انتَمَوا ... وهُمْ خيرُ ساداتِ وخَيرُ حُمَاةِ

مَطَاعيم فِي الإِعْسَارِ في كُل مَشهَدٍ ... لَقَدْ شَرُفُوا بِالفَضلِ والبَرَكَاتِ

أَئمةُ عَدْلٍ يُقتَدَى بِفعَالِهِم ... وتُؤمَنُ مِنهُمْ زَلةُ العَثَرَاتِ

فَياً رَب زِدْ قَلْبِي هدى وبَصيرَةَ ... وزد حُبهُم ياً رب في حَسَنَاتي

لَقَد أَمنتْ نَفسِي بِهم فِي حَيَاتِها ... وإني لأرَجُو الأمْنَ بَعْدَ وَفَاتِي

أَلَم تَرَ أني مذْ ثَلاثِينَ حِجةَ ... أَروحُ وأَغْدُو دائمَ الحَسَرَاتِ

أَرَى فَيْئَهُم فِي غَيْرِهم مُتَقَسمَا ... وأَيْدِيَهُمْ مِنْ فَيئهمْ صفرَاتِ

سَأَبْكِيهمُ ما ذَر في الأفُقِ شَارق ... ونادَى مُنَادِي الخَيْرِ بالصَلَوَاتِ

وماً طَلَعتْ شَمس وَحَانَ غُرُوبُها ... وبِالليلِ أبكيهمْ وبِالغدوَاتِ

دِيارُ رَسُولِ اللهِ أَصبحن بَلْقَعاً ... وآلُ زِيادٍ تَسْكُنُ الحُجُرَاتِ

وآلُ زِيادٍ في القُصُورِ مَصُونَةْ ... وآلُ رَسُولِ اللهِ في الفَلَوَاتِ

فلولا الذي أرْجُوه في اليَومِ أو غَدٍ ... لَقُطع نَفسِي إِثرَهُمْ حَسَرَاتِ

خُرُوجُ إِمَامٍ لا مَحَالةَ خَارج ... يَقُومُ عَلَى اسْمِ اللهِ بِالبَرَكَاتِ

يُمَيزُ فِيناً كُل حَق وبَاطِلٍ ... ويَجزِي عَلَى النعْمَاءِ والنقَمَاتِ

فَياً نَفْسُ طِيبي ثُم ياً نَفْسُ فاصبِرِي ... فَغَيرُ بَعِيدٍ كل ماً هُوَ آتِ

قلت: دعبل هذا محب لأهل البيت، ومن ذا الذي لا يحبهم فمن لا يحبهم لا يحبه الله، ولكنه كان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس، هجا الخلفاء وغيرهم، هجا المأمون بأبيات منها من الكامل:

إني مِنَ القَوْمِ الذِينَ سُيُوفُهُم ... قَتَلَتْ أَخَاك وشَرَفَتْكَ بِمَقْعَدِ

شَادُوا بحُسْنِ فعَالِهِمْ لَكَ مَنصِباً ... واستَرفَعُوكَ مِنَ الحَضِيضِ الأَوْهَدِ

يُشيرُ بذلك إلى ما فعله طاهر بن الحسين، مقدم عساكر المأمون فإنه خزاعي، ودعبل هذا خزاعي. ولما بلغ هذا المأمون قال: تعس دعبل، ومتى كنت خاملاً رفعني قومه. وطال عمر دعبل، وكان يقول لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك. كان مولده بين واسط العراق وكور الأهواز سنة ثمان وأربعين ومائة. والدعبل بكسر الدال المهملة إسكان العين وكسر الباء الموحدة اسم الناقة الشارف وهو لقبه. واسمه علي بن رزين بن سليمان، قاله ابن الأثير.

واستشهد الرضا في أيام المأمون مسموماً بطوس في قرية شاه باز يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان سنة ثلاث ومائتين ودفن إلى جنب قبر الرشيد. أولاده خمسة، العقب منه في ابنه: الإمام محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو التاسع من الأئمة، ولد بالمدينة يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة تسعين ومائة.

كنتيته: أبو جعفر.

ألقابة: القانع والمرتضى وأشهرها الجواد، زوجه المأمون ابنته أم حبيب.

صفته: أبيض اللون معتدل القامة. معاصره: المأمون والمعتصم.

عمره: خمس وعشرون سنة وأشهر.

مات ببغداد يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين، وكانت مدة إمامته سبع عشرة سنة أوائلها في بقية ملك المأمون، واَخرها في أول ملك المعتصم، قيل: مسموماً، ولكن لم يصح، ودفن بمقابر قريش إلى جنب قبر جده موسى الكاظم.

أولاده أربعة، العقب منه في رجلين هما الهادي وموسى المبرقع.

فالإمام علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق: هو الإمام بعد أبيه وعاشر الأئمة.

أمه أم ولد: اسمها شهامة. ويلقب: بالتقي والهادي، أشهرهما الأول. ولد بالمدينة ثالث عشر رجب سنة أربع عشرة ومائتين. مات ب " سر من رأى " مسموماً يوم الإثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره ب " سر من رأى " .

أولاده أربعة. أعقب من ثلاثة: أبي جعفر محمد وأبي عبد الله جعفر، وأبي محمد: الإمام الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم، وهو الإمام بعد أبيه وحادي عشر الأئمة. أمه أم ولد، اسمها سوسن.

كنيته؛ أبو محمد.

ألقابه: الخالص والسراج وأشهرها العسكري.

ولد بالمدينة سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ومائتين.

صفته: بين السمرة والبياض.

معاصره: المعتز والمهتدي والمعتمد.

عمره ثمان وعشرون سنة، ومدة إمامته ست سنين.

مات في أوائل خلافة المعتمد مسموماً في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ب " سر من رأى " ، ودفن عند قبر أبيه الهادي. خلف ولده محمداً أوحده.

وهو الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري بن علي التقي بن محمد الجواد ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وقيل: سنة ست وهو الصحيح.

أمه أم ولد: اسمها أصقيل، وقيل سوسن، وقيل نرجس.

كنيته: أبو القاسم.

ألقابه: الحجة، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، المهدي وهو أشهرها.

صفته: شاب مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، أجلى الجبهة. ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين وشيعته يقولون: إنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين، وعمره سبع عشرة سنة، وهم ينتظرون خروجه في آخر في الزمان من السرداب، وأقاويلهم فيه كثيرة، والله أعلم أي ذلك يكون.

قال الشيخ علاء الدين أحمد بن محمد السماني في ذكر الأبدال والأقطاب: وقد صل إلى رتبة القطبية محمد المهدي بن الحسن العسكري، وهو إذ اختفى دخل في دائرة الأبدال متدرجاً طبقة بعد طبقة إلى أن صار سيد الأبدال.

وكان القطب حينئذ علي بن الحسين البغدادي، فلما حانت منيته صلى عليه المهدي هذا، ودفنه وجلس مجلسه، وبقي في رتبة القطبية تسع عشرة سنة، والله أعلم. وأما محمد بن الحنفية - وهو الفرع الثالث من أولاد علي بن أبي طالب لصلبه الذين ذكرنا أن أنساب الطالبيين أكثرها راجع إلى الحسن والحسين وإليه - فهو محمد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المشهور بابن الحنفية، يكنى أبا القاسم، روى أنه عليه الصلاة والسلام رخص لأمير المؤمنين في تسمية ابنه هذا، وتكنيته بأبي القاسم.

قال في أنساب قريش: يقولون أمه خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن عبد الله بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم وتسميه الشيعة... المهدي.

حدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر عن قيس بن سعيد بن عقبة الجهني عن أبيه، قال: سمعت كثيراً ينشد علي بن عبد الله بن جعفر لنفسه في محمد بن الحنفية من الوافر:

أَقَر الله عَيني إذ رَعَانِي ... أَمِينُ اللهِ يُلطِفُ في السؤالِ

وأَثنَى في هَوَايَ عَلَىَّ خيراً ... وساءَلَ عَن بَنِي وَكيف حَالي

وكَيف ذَكَرتُ شَأنَ أَبِي خبيبِ ... وَزَلَةَ نَعلِهِ عِندَ النضَالِ

هُوَ المَهدِي خَبرنَاهُ كَعب ... أخو الأَحبَاِر في الحِقَب الخَوَاِلي

وكان كثير كيسانيا يقول بإمامة محمد بن الحنفية، ويزعم أن الأرواح تتناَسخ ويحتج بقول الله عز وجل: " فِي أَيِ صوُرةٍ ما شاء ركبَكَ " الانفطار: 8 ويقول: ألا ترى أنه يحوله في صورة بعد صورة. فقال له علي بن عبد الله بن جعفر: يا أبا صخر ما يثني عليك في هواك خيراً إلا من كان على مثل رأيك.

وقيل له: إنك تقول خبرناه كعب، ألقيت كعب الأحبار؟ قال: لا. قيل: فلم قلت: خبرناه كعب؟ قال: هو بالوهم.

وكانت شيعة محمد يزعمون أنه لم يمت.

وفي ذلك يقول كثير أيضاً من الوافر:

أَلا إن الأئِمةَ من قُرَيشٍ ... وُلاة الحَق أَربَعَةٌ سَوَاءُ

عَلي والثَّلاثَةُ مِنْ بَنِيه ... هُمُ الأسبَاطُ لَيْسَ بِهِم خَفَاءُ

فَسِبْط سِبْطُ إيمانٍ وبر ... وسبْط غَيبَتْهُ كَرْبِلاَءُ

وسِبْط لاَ تَرَاه العَيْنُ حَتى ... يقودَ الخيلَ يَقْدُمُهاً اللواءُ

تَغَيبَ لاَ يُرَى عَنْهُم زَمَاناً ... برَضْوى عِنْدَهُ عَسلٌ ومَاءُ

وفي محمد بن الحنفية يقول الحميري من الوافر:

أَلا قُل لِلْوصيِّ فَدَتْكَ نَفْسِي ... أَطَلْتَ بذَلكَ الشعْبِ المُقَامَا

أَضَرَ بِمعشرِ وَالَوْكَ مِنا ... وسَمَوْك الخليفَةَ والإمَامَا

وعَادَوْا فِيكَ أهْلَ الأَرْضِ طُرا ... مقَامك عَنْهُمُ سِتينَ عَامَا

وَما ذَاقَ ابنُ خَوْلَةَ طَعْمَ مَوْتٍ ... وَلاَ وَارَت لَهُ أَرض عِظَاما

لَقَدْ أَمْسَى بمُورِقِ شعب رَضوَى ... تُراجِعُهُ الملائِكَةُ الكَلامَا

وإن لَهُ بِه لمِقيل صدقِ ... وأَنْدِيةً تُحَدثُهُ كِرَامَا

هَدَاناً اللهُ إذْ حِرتُمْ لأمرٍ ... بِهِ وعليه نَلْتَمِسُ التَمَاما

تَمامَ مَوَدَةِ المَهدِي حَتَى ... تَرَوْا راياتِناً تَتْرَى نِظَاما

وقال أيضاً من الكامل:

يا شِعْبَ رَضْوَى ماً لِمَنْ بِكَ لاَ يُرَى ... وبِناً إلَيْهِ مِنَ الصبابة أوْلَقُ

حتى متَى وإلَى متَى وكَمِ المَدَى ... يا بْنَ الوصي وأنْتَ حَي تُرْزَقُ؟!

قال المسعودي في المروج: وشيعته تسمى الكيسانية وقد تنازعوا بعد قولهم لإمامته: فمنهم من قطع بموته، ومنهم من زعم أنه لم يمت وأنه حي مقيم بجبل رضوى المعروف بقرب ينبع.

وإنما سموا الكيسانية؛ لإضافتهم إلى المختار بن أبي عبيد وكان اسمه كيسان، ويكنى أبا عمرو، كان يدعي أن علي بن أبي طالب لقبه بذلك.

أولاد محمد بن الحنفية أربعة وعشرون، منهم أربعة عشر ذكراً.

وقال النقيب تاج الدين: أولاد محمد بن الحنفية قليل جداً، ليس بالعراق ولا بالحجاز منهم أحد، وإن كان فبالكوفة.

وقال في عمدة الطالب: بشيراز وأصفهان وقزوين وبمصر والصعيد منهم جماعة. والعقب المتصل الآن من ولده في رجلين: على وجعفر قتيل الحرة.

وأما عقب ابنه أبي هاشم عبد الله الأكبر إمام الشيعة الكيسانية فمنقرض، وهذا أبو هاشم هو الذي أسند وصيته فيما قاله الشيعة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأخوه علي بن محمد بن الحنفية وابنه الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية، وكلهم ادعت الشيعة إمامتهم.

قال ابن خلدون: وخرج باليمن على المأمون، ومن ولد علي بن أبي طالب من غير هؤلاء عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب. ومن ولد جعفر بن أبي طالب عبيد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القائم بفارس وبويع بالكوفة، وأراد بعض شيعة العباسية تحويل الدعوة إليه فمنعه أبو مسلم الخراساني من ذلك، وكانت له شيعة ينتظرونه وساقوا الخلافة من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية بالوصية.

وكان فاسقاً.

وكان ابنه معاوية بن عبيد الله نظير أبيه في الشر.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.