ذكر بني قتادة أمراء مكة: ثم وليها مولانا الشريف بركات بن محمد بن إبراهيم

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

العصامي

 عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي، مؤرخ، من أهل مكة مولده ووفاته فيها (1049 - 1111 هـ)

ثم وليها مولانا الشريف بركات بن محمد بن إبراهيم بن بركات بن أبي نمى

قيل: ولايته بسعي الشيخ محمد بن سليمان المغربي السوسي، وذلك أن الشيخ محمد المذكور تشفع عند الشريف سعد في رجل أزبكي كان يسمى السيد محمد الفصيحي فعل جرماً مع مولانا الشريف سعد فلم يشفعه فيه، وذلك في سنة ثمانين وألف، فاتفق أن أخا الوزير الأعظم حج في موسم تلك السنة، وكان له ولع بعلم الفلك، فاجتمع بالشيخ محمد بن سليمان المذكور فأخذ عنه في ذلك، فطلب من الشيخ أن يسافر معه إلى الأبواب السلطانية، فسافر معه واجتمع بالسلطان، وطلب منه اْن يزيل أشياء بمكة المشرفة، فأمر السلطان بإبطالها.

منها: أن صدقة السلطان جقمق كانت تقسم على أرباب البيوت حبوباً، وكانت سابقاً تطبخ شربة وخبزاً للفقراء أصحاب القدح، فردت إلى ما كانت عليه سابقاً، وأضيف إلى ذلك حب السلطان قايتباي.

ومنها: توليته على جميع الأربطة وألا تكون إلا لمن يستحقها بشرط الواقف.

ومنها: إبطال الدفوف في الزوايا.

ومنها: منع النساء من الخروج ليلة المولد الشريف، وتم جميع ذلك، وجعله ناظراً على جميع أوقاف الحرمين. وسيأتي ذكر ورود الأمر بعدم إقامته في الحرمين بعد وفاة مستنده الوزير أحمد باشا الكبرلي.

ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وألف، خرج فيها مولانا الشريف بركات، وصحبته محمد جاوش بالعساكر في طلب الشريف سعد، فسلك طريق الثنية إلى الطائف، وكان الشريف سعد قد سلكها، ونزل بالطائف ثم ارتفع عنه إلى عباسة ثم إلى تربة ثم إلى بيشة فأقام بها، فتبعه الشريف بركات، ومحمد جاوش بمن معهما حتى انتهى في التبعية إلى قريب من البلد المسماة تَرَبَة، ثم عاد الشريف بركات إلى المبعوث ثم إلى الطائف فأقام.

وفيها في شهر رجب عدا السيد حيدرة على عمه السيد علي بن حسين فقتله غيلة.

يقال سبب ذلك الذي قامت به نفس السيد حيدرة غرارة من الحب حلف كل منهما أن الآخر لا يأخذها وهي بوادي مر، فركب السيد علي بن حسين من مكة يريد وادي مر، فسمع به السيد حيدرة، فوجده في المحل المسمى أبو الدود ممرحاً متكئاً، فأتاه من خلفه، فدخل حينئذ على بعض الأشراف فلم يمض كبار الأشراف دخله، فنهج إلى اليمن، ثم إلى مصر، ثم إلى مكة دخيلاً مع المحمل صحبة أمير الحاج الشامي، وباع عقاره وما يتعلق به، ثم رجع إلى مصر فتوفي بها بالفصل مع توفي.

ثم إن الشريف بركات استمر بالطائف إلى شعبان، فأتاه الخبر بوصول خلع سلطانية، ومراسيم خاقانية، وصل بها القاصد إلى مكة، ووضعت في مقام الخليل، على عادة التكريم والتبجيل، فجاء إلى مكة أواسط شعبان هو ومن معه من الأشراف والأتراك والعربان.

ثم في أواخره: كان القبض على رجل من الأعيان. ثم في ليلة السابع من رمضان قبض على آخر، وحملا من ليلتهما على الأدهم، ثم حدر بهما إلى جدة وأركبا غارب اليم. ثم قبض على ثلاثة من حواشي الدولة، وفعل بهم ما فعل بالأولين نعوذ بالله من سوء القولة.

ومثل ذلك فعل هذا القاصد بجماعة من أهالي المدينة المنورة فافتدوا أنفسهم بمال سلموه له، الله أعلم بكميته.

ثم خرج مولانا الشريف بركات في الموكب حتى نزل بقبة الدفتردار إبراهيم صائماً بها لطيب النسيم. فلما كانت ليلة الرابع والعشرين من رمضان: قدر الله وفاة ابنه السيد محمد بن بركات، فنزل من يومئذ إلى البلد، واصطبر رغبة في الأجر على لاعج الحزن والكمد. ثم خرج في أثناء شوال إلى جهة ركبة استدعاه السيد حمود ابن عبد الله.

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وألف، فيها كان خروج الشريف بركات، والسادة الأشراف، والعساكر والعربان إلى قتال حرب وشيخهم أحمد بن رحمة، كان الظفر فيها للشريف بركات، ولم تنفعهم خنادقهم التي حفروا، بل كانت قبوراً لهم حين قبروا، فاستبيحت ديارهم، ونهبت أموالهم، وهلكت نساؤهم وأطفالهم، وقتل خيارهم، وفيها يوم الوقعة المذكورة في موقف المصاف، اصطلح مولانا السيد حمود بن عبد الله هو ومولانا من صُنف هذا الكتاب برسمه، وشرف بشريف لقبه واسمه، مولانا الشريف أحمد بن غالب - متع الله بحياته - عن شحناء كانت بينهما قبل ذلك.

سبب الصلح على ما بلغنا: أنه اتجه به وهم يتشاوفون القوم، فأقسم عليهما مولانا الشريف بركات أن يصطلحا في ذلك الوقت، فاعتنقا حينئذ واصطلحا. رحم الله من سلف وأبقى من خلف.

ثم دخلت سنة خمس وثمانين وألف، في سابع رجب منها: كان خروج مولانا الشريف بركات إلى أهل الفروع، وخرج معه من جدة سنجقها بعسكره ونوبته ومدافعه، فتلاقيا على عسفان أو بعده، فصام بمحل قريب منها، يسمى قويزة وعيد به، ثم توجه فنزل بأم العيال منها، ونزل السيد ناصر ابن السيد أحمد الحارث بالمحل المسمى أبو ضباع، فدانوا له وأطاعوه، وتنصلوا مما اقترفوه.

قلت: لما كنا في رابغ - المنزل المعروف - عائدين من الفرع صحبة مولانا الشريف بركات، وكنت قد خرجت معه - رحمه الله - إلى الفرع بإلزام من الشيخ محمد بن سليمان إماماً له، ومدرساً له ولابنه الشريف سعيد ابن الشريف بركات، دخلت عليه فقال لي: يعيش رأسك في المغربي، فقلت أي المغاربة؟ فقال: عبد الرحمن المحجوب، فقلت: رحمه الله رحمة واسعة، فلم يتكلم بشيء، فعلمت من قوله وسكوته أنه سرى بغض شيخه الشيخ محمد بن سليمان للسيد عبد الرحمن إليه بحيث إنه تسبب لبعض خواص السيد عبد الرحمن المذكور في أذى بليغ، وإهانة من الشريف بركات.

وبلغني أنه قال لبعضهم حين مات السيد: مات إلهكم اليوم، فلا قوة إلا بالله، نسأل الله السلامة.

وفيها - أعني سنة خمس وثمانين وألف - في سادس صفر منها: كانت وفاة مولانا المرحوم ليث السراة الصيد من بني هاشم، غوث الطريد فما لجاره من حاشم. رأس بني حسن المشهورين، فارس أبطال قريش المذكورين، مولانا وسيدنا السيد حمود ابن الشريف عبد الله بن الحسن بن أبي نمي بن بركات، اختصه مولانا الشريف زيد واستدناه، واستخلصه دون رباعته واجتباه، فزوجه بابنته، لصدق نيته، وخلوص طويته، وألقى إليه مهمات البلاد، من الحواضر والبواد.

وفي يوم وفاة مولانا الشريف زيد: لم يشك أحد أنه يقوم بعده ذلك المقام، كان في ظن أركان الدولة فضلاً عن العوام، ولكن لم يرد الله أن يتقمصها، ولا أن يأوي طيره قفصها. ولقد سألته - رحمه الله - في مدة ذهاب عرض مولانا الشريف سعد وعرضه إلى الأبواب: ماذا يخمنه مولانا في الجواب؟ فأجابني بقوله: " قُلِ اَللَهُمَ مالكَ اَلمُلكِ " آل عمران: 26، الآية، وذلك جواب مثله. ودفن من الغد خلف مسجد الحبر ابن عباس، وبني على قبره تابوت، وحوط عليه حوطة فسيحة، رحمه ونور ضريحه.

وفي تاسع رجب منها: توفي مولانا السيد أحمد بن محمد الحارث بمكة المشرفة. كان رحمه الله آية في العقل والذكاء، مرجعاً للأشراف في جميع أمورهم، وإذا حكم بأمر لم يقدر أحد أن يستدرك عليه فيه شيئاً لحسن أحكامه، وشدة إحكامه.

وكان قد ولاه حسن باشا في طيبة - كما مر ذكر ذلك - مدة ستة أشهر أو قريباً منها. ولما رجع عماد أفندى إلى الديار الرومية سئل عمن يستحق الملك إذ ذاك من السادة الأشراف؟ فقال: ثلاثة لا غير: أحمد بن الحارث، وحمود بن عبد الله، وبشير بن سليمان.

ودفن في قبة السيد مسعود ابن الشريف حسن، ووضع عليه تابوت عظيم، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

ثم دخلت سنة سبع وثمانين وألف، فيها كان خروج الشريف سعيد صحبة الحاج الشامي إلى الديار الرومية بعروض من الشريف بركات يطلب فيها أن يكون ولده الشريف سعيد ولي عهده، فكتب له أمر سلطاني، وأن يكون هو صاحب مكة بعد وفاة أبيه، فكان ذلك برأي الشيخ محمد بن سليمان وتدبيره، فتم له ذلك كله بعد وفاة أبيه.

وفي سنة ثمان وثمانين وألف يوم الخميس ثامن شوال منها: وقع حادث غريب، وكارث عجيب، هو أنه وقع في ليلته أن لُوِّث الحجر الأسود، وباب الكعبة، ومصلى الجمعة، وأستار البيت الشريف - بشئ يشبه العذرة في النتن والخبث، فصار كل من يريد تقبيل الحجر يتلوث وجهه ويداه، ففزعت الناس من ذلك، وضجت الأتراك، واجتمعت وغسل الحَجَر والحِجر والباب والأستار بالماء، وبقى الأتراك والحجاج والمجاورون في أمر عظيم.

وكان إذ ذاك رجل من فضلاء الأروام يلقب درس عام، فكان يرى جماعة من الأرفاض بالمسجد الحرام، وينظر صلاتهم وسجودهم وحركاتهم عند البيت والمقام، فيتحرق لذلك ويتأوه.

فلما وقع هذا الواقع قال: ليس هذا إلا فعل هؤلاء الأرفاض اللئام، الذين يلازمون المسجد الحرام، وكان حينئذ مع قضاء الملك العلام، السيد محمد مؤمن الرضوي قاعداً خلف المقام، يتلو كتاب الله ذي الجلال والإكرام، فأتوا إليه، أخذت الختمة من يديه، وضرب على رأسه، وسحب حتى أخرج من باب المسجد المعروف بباب الزيادة، فطرح خارج الباب، وضرب بالحجارة والكسارات حتى زهق فمات.

وفي حال مسكهم إياه من المسجد كلمهم فيه شخص شريف من السادة الرفاعية سمي السيد شمس الدين، فعدوا عليه، وألحقوه به، فضرب حتى مإت وجُر، ثم أصابوا آخر فضربوه، وأخرجوه وقتلوه، وعلى من قبله طرحوه، ثم فعلوا ذلك برابع، ثم بخامس.

ولقد رأيتهم مطروحين، وبقى بعضهم على بعض، الآتي والذاهب يوسعهم السب والركض، ولقد رأيت ذلك الشيء، وتأملته فإذا هو ليس من القاذورات، إنما هو من أنواع الخضروات عجين بعدس ممخخ وأدهان معفنات، فصار ريحه ريح النجاسات. وكان هذا الفعل عند مغيب القمر من تلك الليلة ليلة الخميس ثامن الشهر المذكور، ولم يُعلم الفاعل لذلك.

وغلب علي بعض الظنون أن ذلك جعل عمداً وسيلة إلى قتل أولئك. والله العالم بالسرائر، وهو متولي البواطن والظواهر.

وفيها في ليلة النحر حصل مطر عظيم بعد نفر الحاج من عرفة، واستمر إلى بعد نصف الليل.

وفي سنة تسع وثمانين وألف رابع عشري ذي الحجة الحرام منها: سالت أودية طيبة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام، بما لم يسمع بهيئته الاجتماعية في سابق الدهور والأعوام. سال أبو جيد سيلاً هائلاً، أخرب جميع ما حوله من الديار، وأحدث في الحدائق الدمار، وأحدق بالمدينة، وخرب كثيراً من الدور التي تحفها، وكاد أن يدخلها من باب المصري، ورجفت البلاد، وانزعجت العباد، وضجت الأصوات بالدعاء، وجرت العيون بالدمع من البكاء، ولكن بحمد الله لم يهلك فيه إلا شخص أو شخصان، وتلك للرسول معجزة، ولأصحابه كرامة، وصارت تحية الناس بعضهم لبعض نهنيكم بالسلامة.

والحاصل أنه أمر حير الأفكار، وقصر عن تفصيله بيان الأخبار. وكان في ذلك اليوم بعينه سيل بوادي الصفراء، سد ما بين الجبلين، ولم يضر من القافلة أحداً من الناس، سوى أنه أخذ امرأة، وولدها بالحمراء بين الصفراء والخيف، وذهب ببعض نخيل الخيف إلى الحمراء، وذهب ببعض الجمال والأحمال، فَعَن البحر حدث ولا حرج.

وفي سنة تسعين وألف يوم الأحد الثالث والعشرين من شهر رمضان منها: كانت وقعة محمد بن أحمد الخلفاني وزير المدينة الشريفة من جهة الشريف بركات، سببها ثيار عسكر عليه، ودعواهم أنه سب السلطان، فاجتمعوا على بابه ودعوه إلى الشرع الشريف، فأجاب: إن هذا الجمع يتفرق ويتعين الخصم فأنزل معه، فأبوا عن ذلك وكتبت لهم حجة بعصيانه الشرع، فوصلوا إلى بيته، وكسروا عليه الباب، وكان معه جماعة في البيت، فأخرجوهم على أمان الله وأمان السلطان، فلما خرجوا قتلوهم، فكان ممن قتل القائد مُتعب بن إدريس حاكم البلد إذ ذاك، وولده وأخوه، ورفيع ولده، وا بن دريعة الظاهري، وعمران الزبيدي، ورفاع، وخُضير، والعمري، وعبيد للخلفاني، وفي جملتهم مثقال عتيق الجمال محمد علي بن سليم كان مستخدماً عند الخلفاني.

كل هذا في ضحوة يوم الأحد المذكور. وأما قتل الخلفاني، فكان عند الزوال من يومه فكان آخر من قتل؛ لأنه اختفى عند الحريم، حتى دلتهم عليه امرأة دخلت كأنها متوجعة له فأخبرت بمكانه أو رأته، فدلت عليه، فدخلوا عليه عند الحريم، وقتلوه ثم سحبوه من أعلى البيت إلى أن أخرجوه إلى قارعة الطريق، واستمر طريحاً إلى آخر النهار، وأوحى إلى مولانا الشريف بركات أسماء الفاعلين وكانوا قريباً من ثلاثين نفراً فعرض فيهم إلى الأبواب، فورد الأمر بقطع جوامكهم وتخريجهم من البلاد، فقطعت وأخرجوا، ثم عاد إلى المدينة بعضهم. بعد سنوات بشفاعات، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

وفي سنة إحدى وتسعين أواخر شهر شوال: ظهر نجم له ذنب طويل إلى جهة الشرق، واستمر إلى آخر السنة ثم اضمحل.

وفيها يوم الإثنين ثاني عشر ذي الحجة الحرام منها - والركب المصري في نفير السير من مكة - أمطرت السماء كأفواه القرب بل كأفواه الغروب وسالت الأودية من سائر الجنوب، وحصل سيل عظيم أخرب الدور، وأتلف من الأموال ما لا يحصى، وأخذ الجمال محملات، وأغرق نحو خمسمائة نفس، ودخل المسجد الحرام، وعلا على مقام إبراهيم، ومقام المالكي، والحنبلي، وعلا قفل باب الكعبة، وأكثر الغرقى غرباء؛ لأنه أتى وقت الشديد، وذلك أول الزوال، وسقط كثير من الدور، واقتلع الجميزة التي بسوق الليل.

ولقد شاهدت وأنا بباب المسجد النافذ على بيت الشريف، والماء ملأ الطريق وهو مكور في المسجد، شاهدت قطراً من الجمال عليه الركبان من رجال ونساء وصبيان دهمه السيل فانحاز إلى رأس الزقاق الغير النافذ جنب دار السعادة، ورأيت الماء وصل من الجمل - وهو قائم تحت دار السعادة - إلى منحره، ثم ازداد عليه الماء فاقتلع ذلك القطر بما عليه وتدهور فيه، وعلى هذا فقس.

وصعد جماعة من العسكر على سطح رواق المسجد اليماني أمام دار السعادة، وطلبوا حبالاً ليدلوها فيمسكها من أخذه السيل فيرفعوه، فأمر لهم المرحوم الشريف بركات بحبال ترمى من سطح دار السعادة إلى سطح الرواق المذكور، ورمى هو بنفسه بعض تلك الحبال، فرحمه الله تعالى ما كان أرحمه وأرأفه فنجا بذلك خلق وسبح بعض الجمال في المسجد حتى انتهى إلى المنبر، فارتفع عليه فصار مرتفعاً على المنبر يداه، وعنقه مرتفعان عن الماء وباقيه فيه، وكان طوفان والعياذ بالله ولم يبق من درج باب الزيادة التي في داخل المسجد إلا أربع سنن، ولم يبق من أعمدة الرخام إلا نحو الربع أو أقل. وأرخ بعضهم سنته بقوله: طغى الماء.

وخرج أمير الحاج بالمحمل بين العشاءين في نفر نحو العشرين بغير نوبة ولا موكب ولا ضوء ولا ثوب زينة، وخرج من أعلى مكة.

فلما كان بسوق المعلاة وقع جمل المحمل في حفرة من حفر السيل فما طلع إلا بجهد جهيد، فسبحان الله الفعال لما يريد.

وفي سنة ثلاث وتسعين وألف رابع عشر صفر: توفي الشيخ حسن بن علي الدهان. ولد بمكة سنة أربع وألف، ودفن بالمعلاة وقد ناهز التسعين.

وفي صفر المذكور: خرج مولانا الشريف أحمد بن غالب - متع الله بحياته - من مكة مفارقاً للمرحوم الشريف بركات في نحو خمسة وعشرين أو ثلاثين من السادة ذوي مسعود وغيرهم، فدخلت السادة الأشراف في الصلح بينهما فلم يتم، فخرج بهم إلى الركاني من وادي مر، واجتمعوا هناك وتأهبوا، وساروا منه في شهر ربيع الثاني قاصدين الأبواب السلطانية، فوصلوا إلى الشام، فأنزلهم متوليها حسين باشا السلحدار بيت نقيب الأشراف، وأجرى عليهم الأنعام والألطاف، وعرف بشأنهم إلى الأبواب، فأمروا بكتابة عرض بما يشكونه فكتبوه، وأرسلوه مع اثنين منهم هما السيد محمد بن مساعد، والسيد بشير بن مبارك، فوعدوا بإزاحة شكواهم.

وفيها في حادي عشري ربيع الأول منها: وقعت فتنة سببها عبد السيد حسن بن حمود بن عبد الله، اختصم مع عسكري من عسكر الرتبة عند الششمة، سطا العسكري على العبد، وضربه وأخذ سلاحه، فاستحث السيد حسن الأشراف، والعبدُ العبيد، واجتمعوا عند مولانا المرحوم السيد محمد بن أحمد بن عبد الله، فانفلتت شرذمة من العبيد نحو الخمسين شاهرين السلاح، فوصلوا إلى المروة، فهربت الأتراك وأرادوا الرجوع، فرماهم بعض الأتراك الساكنين في الربع بالأحجار، فأرادوا الطلوع إليهم، فكسروا بعض الدكاكين التي تحته بظن أنه باب الربع، فوجدوه ملآن من النحاس والجوخ والأثاث، فنهبوا جميع ذلك، وفعلوا بدكان آخر جنبه مثل ذلك، وصوبوا نحو ثلاثة من الترك بالسلاح، وقتلوا رجلاً من المجاورين كان يحتجم عند حلاق بالمروة ثم ذهبوا، ثم خرجت الأتراك، وجاءوا إلى الأفندي، وأرسلوا إلى مولانا الشريف يطلبون الغرماء، فصُبروا فلم يصبروا، وأتوا إلى بيت الشريف، وبيت السيد أحمد الحارث، وكان به جماعة من عسكر الشريف، فرموهم من بيت الحارث فقتلوا من الترك أيضاً اثنين فرجعوا، وأرسل مولانا الشريف إلى الأشراف يطلبهم الغرماء فامتنعوا، وخرج الأشراف إلى الشيخ محمود وقالوا: من يطلب الغرماء يأتي.

والعبيد خرجوا جميعاً حتى عبيد الشريف نفسه، والحاكم إلى بركة الماجن، ووجدوا جماعة من الأتراك مقيلين، فأخذوا جميع ما معهم، وضربوهم ونهبوا قريباً من أربعمائة رأس من الغنم، ثم أرسل الشريف بركات أخاه السيد عمرو، فرد العبيد، ثم قصد مولانا الشريف تسكين الفتنة، فأمر على عبدين كانا محبوسين في سرقة أن يشنقا فشنقا، فلم تطب نفوس الأتراك بعد رؤيتهما، ثم وجد السيد يحيى ابن الشريف بركات - وكان يعس البلد - عبدين سارقين، فضرب أعناقهما، ورمى بجثتيهما تحت جميزة المعلاة، وذكروا للأتراك أنهما الغرماء فرضوا.

واصطلح السادة الأشراف مع الشريف، ودخلوا مكة.

ثم حصل لمولانا الشريف بركات مرض، واستمر نحو شهر زمان، فلما كانت ليلة الخميس ثامن عشري ربيع الثاني من السنة المذكورة - أعني سنة ثلاث وتسعين - : توفي شريف مكة مولانا المرحوم الشريف بركات بن محمد بن إبراهيبم بن بركات بن أبي نمي، ودفن وقت الضحوة يومه في حوطة الشيخ النسفي بوصية منه، ولم يحصل للناس لا خوف ولا فزع. وكانت مدة ولايته عشر سنين، وأربعة أشهر وستة عشر يوماً. رحمه الله رحمة واسعة آمين.

ومما قيل فيه من الشعر قولي قصيدة حين عوده من ذهابه لخفارة الحاج الشامي، فوصل البلاد المسماة بالحِجر ديار ثمود، فوافق حال دخوله حصول مطر بها، اشرت إلى ذلك في القصيدة وهي: من البسيط:

ما ظَللَ البيرق المنصور سُلْطاناً ... إلا وكُلهُمُ في ظِل مَوْلانا

أبا زُهَير العلا بركات سيدنا ... وإلى البسيطةِ عجماناً وعُرْبانا

حامي حِمَى مكَة الغَرا وطيبةَ مَع ... أقطارِ أنحائها حفْظاً وإتْقانا

ذو هِمةٍ همة الإسكندري غدَتْ ... أقلُها وبها كَمْ دان بلدانا

وعزمة في مُهِم الخطبِ صادِقَةٍ ... تُصَيرُ الإمتِناعَ الصرْفَ إِمْكانا

تأمينُ حجاجِ بيتِ الله قمتَ له ... بالنفسِ والمالِ والأبناءِ إذ عانا

فحُطتَهُم مثلَ حوطِ الابنِ كافلُه ... وكَمْ بذلكَ قد أذهَبْتَ ذهبانا

في طاعةِ الله والسلطانِ لا برحَت ... له ملائكَةُ الرحمَنِ أعوانا

مولَى ملوكِ الورَى الغازِي محمد خا ... ن زادهُ الله نصراً أينما كانا

وشُرفت بك أرضُ الحِجْرِ إذ سقيَتْ ... غيثاً بمقدمِكَ الميمونِ هَتانا

حتى لقَد ظَن في الأجداثِ هالكُهُم ... لأَن ينالَ من الرحمنِ غفرانا

أنتَ الذي بكَ تاهَت مكة وزهَت ... بحسنِ أيامه عدلاً وإحسانا

أنتَ الذي بكَ ضم الشمل ناثره ... من بعدِ تفريقِهِ مثنَى ووُحدانا

أي الملوكِ بلادُ الله بلدتُهُ ... تمسي رعيته لله جِيرانا

أي الملوكِ على كل مودته ... حتى ملائكة الرحمنِ والجانا

أي السلاطينِ لولا صِيتُ هيبته ... لم يمكنِ الحَجُّ من بغدادَ إنسانا

ولا تيسر للعبادِ في غَسَقِ ... أن يلمسوا لاستلامِ البيتِ أركانا

بِيُمنِ طلعته الغَرّا قد امتلأتْ ... جميعُ وِجهاتنا أمناً وإيمانا

مباركُ الإسمِ والأفعالٍ قد خلصَتْ ... لله نيتُهُ سراً وإعلانا

له سريرَةُ صدقِ لا يزالُ بها ... يشيدُ حقاً لدينِ الله أركانا

ألفضلُ شيمتُة والعدلُ سيرتُهُ ... بالحَقِّ ينصفُ ممن عز أو هانا

يا وجهَ آل رسولِ الله قاطبةً ... ومَن يمُّن ولا نلقاه مَنَّانا

أهدِي الثناءَ لكُم في كل آونةٍ ... في محفلٍ جحفلٍ ما زالَ ملآنا

وما أقصرُ أصلاً في الدعاءِ لكُم ... إذا تلوتُ قبيلَ الفجرِ قرآنا

أدعو بطولِ البقا والمُلكِ تكنفهُ ... وقايةُ الله أزماناً فأزمانا

لا زالَ حظك والنصرُ المؤيدُ والسع ... دُ المؤَيدُ طولَ الدهرِ أقرانا

ولا فتئت قريرَ العينِ مبتهجاً ... حتى تَرَى إبنَ إبنِ الابنِ سلطانا

ثم الصلاةُ على جدَيكَ ما عطفَت ... أنفاسُ ريحِ الصبا المسكيِّ أغصانا

وقال محمد بن جذوع المشهور بالشاعر التغلبي: من الطويل:

دهمتُ بما لا أرضى ولا أطِيقُ بعضَهُ ... أتاني معاضول كثير بمحفلِ

نهضت معا ما جَذمِ العَزم مصرم ... من القهر خوفاً أن أموت أو انسل

فيا ليتني عن ذا بعيدٌ ومنزلي ... على الذكر ِفي ديراتِ بكرِ وموصلِ

ولا قُمتُ في دار ذراعي قصيرة ... ذليل ولا لي مِن جناها محصلِ

يهونُ عليَّ ازوامُ نفسي مشقة ... ولا حالتي هَذي لي المَوت أسهلِ

بأقوَى عُبابِ البَحر ماء ومَوجَة ... أَشُوف السما فَوقِي وتحتي ولا ازملِ

ذهلت بها مما جَرَى كُل ما مضَى ... حَفِظتُ بها مِن همتي كُل مجهلِ

وكَم ليلةٍ بَيضا سَرَيْتُ وليلةٍ ... بها الليلُ غدرا كالقَمِيصِ المفصَّلِ

إذا ما تَنَحى الليلُ وقفا وجدتني ... على كُل فَجَّا الصدرِ وَجناء مرقلِ

كَبِيرةِ عُثنُونِ القَفا صَيعَرِيةِ ... كأن مَرافِقها عنِ الزّورِ تفتلِ

لها اعلامُ شَيبٍ كَنهُن مَراوحٌ ... أَوَ اكمامُ رَقاصٍ إن أقفى وأقْبلِ

بخد كظهرِ الذيبِ وعرا قطعنها ... ومرا بصفصاف بداويةٍ خلى

ويا طالما استازي بغُرضة ناقتي ... فُرُوخ القَطا وابن النعامِ المجفلِ

مِن ازوامِ حَر القَيْظِ في هَوجَرية ... فَزائِدُها في الآلِ تَخفَى وتعتلي

تَتِم بها الأنظارُ شتى كثيرة ... كأن بها البيضَ الهواري تُسللِ

بها القوز غرقى كالقَواويقِ غطس ... على الرّوس في وسط المعمَّى المطول

صلبتُ النَّضا فيها بالاذلاجِ والسُّرى ... رجا كُل عادِي قديمٍ منَ اولِ

من الهجر را دمنَ الكلا في جنوبهِ ... كأنهُ بَدْر في كلاتيَّ جَدْولِ

وَكَمْ هام فيها قسمتاه راقدا ... أناس على الأناس فاغْفى وأغفلِ

وَكَثر خُوار القومِ فينا وأيقنوا ... بلدراك من شوفِ احدِهم يوم يكفلِ

خليليَّ لا تخشون مني معرة ... عليَّ لكُم ميرادكم أيٌّ منهلِ

فَصلنَ وصيل الرملِ في مُدلَهِمةِ ... خَلصنَ وَكَم فيها دليل تَوجلِ

وردتهُ والأفَّان ما أنا بخابرٍ ... سوى العزمِ إلا أنه بالاذكار وصْفَ لي

أنخنا عليها العيسَ من بَعدِ سريه ... ودرت بدَوسِ الدائسات تأملي

ولمينِ حط الغرب عجلا فقيل لي ... أما يَرْدها إلا رشاء موصلِ

ولمينِ وصلت الحبال بجدة ... واكتربَت عضدي في المغرب فجُز لي

أَرَى كُلهم يلطِم بكفيهِ خدهُ ... وَبَعضَهما من خَوفةِ الموَت هللِ

فَقُلْتُ لَهُم لاَ تحزنون فانا لكم ... أطوع من لدنِ الأديمِ المبللِ

نزلتُ بها واسقيتُ ربعى بسرعة ... وصدّرتهم روبا وصملانهم ملي

ولستُ بقوَّالٍ وَلا هُو بِصادقٍ ... وَلاَ خَيرَ فِيمَن لاَ إذا قالَ يفعلِ

أَما ضام وانا من عرانين تَغلبِ ... لَنا في نِزارٍ نِسبةٌ ما تُبدلِ

فإن قَصرَت عن فعلِ آباي همتي ... تكملن أَعمامِي وأَفْعال مخولِي

وَلاَ أَقصَرَت عن هؤلا بل لحقتُهم ... حَميدة افعالي صدوقٌ بِمِقْوَلي

ولي ثقة في سيد إبن سيد ... مَنِ اختارهُ المولَى علينا لَنا وَلي

أبو سَعدِ بركات بن محمد ... لهُ نَسب عدل بِطه موصّلِ

على الزين كم فرق من اصنام لا به ... وكم عكفوا بِه مِنْ رَسُولٍ ومرسلِ

وكَم لطم الضد القوي بغارةٍ ... بكل ابلَحِ ذربٍ تصَلصَل من علِ

على الخيل لدنين ولو ما تعاودوا ... وكم عطفوا بِصْدورهم روس ذبلِ

وكم فرقُوا بالسيف محزوم ضربة ... سراياه فيها مِنْ عراة وكملِ

علَى رأي حزام الحُرُوب ان تفاخنَت ... إلى هدم جمع عَن الجمع يعزلِ

ومنه يخلي الإبن عَم ابن عمه ... والابنا عن اباها تغض وتنسلِ

أغارت ملوك الرومِ واستنصروا بِهِ ... وقبلَه عَساكِرهُم تذل وتخذلِ

تقلل من وادي قُرَيش وجُرهُم ... عَلَى ضُمَّرٍ من طُول ممشاهُ محلِ

وقب تجابذهن الارسان حزب ... مَطاوِيعِ لَدنات المَراضِع قفل

فلمَّا تبين وجه ممشاهُ صائِل ... نشُوف ثَقِيل الطعْن أقفى وأشْملِ

وأنكَرَ بَعضْ بَعدَ الاجماعِ بعضَهُم ... وهُم قَبل ذاكم فككوا وشر محملِ

وطاع الضجر الصليب ولا قسا ... وَمنه تخلى العارض الفَرْد منْ بلي

وكَم من عَزِيزٍ عِندَ ملقاه غالي ... دَعاهُ على التالي قَطِيع مهملِ

من اوزام ها الجَمع القوي بمثلِه ... وحَرجَمَتِ الأظْعانُ في كُل منزلِ

بها الحدب لزمن النواصي بمكنه ... ولابق بيْنات المطاهير محولِ

وخفوا عَنَ اطفالٍ وشيبٍ كثيراً ... وَحُورٍ عَلَى ابناها تحِن وتُعوِلِ

وكَم طَلَبُوا منه الرحا في مراحِهِم ... على اطفالِهِم من مأخَذِ القومِ يعقلِ

عَساهُم يتوبوا عَن مناخاة ميمر ... مصالاه قَبل الفِعلِ للخَصمِ يقتلِ

بقَومٍ إذا زموا على الضِّدِّ واجملوا ... بالافكارِ من دارٍ لدار تحول

ومن عطوة واما بها من عطية ... ومن رمك فيها أصيل ومصهل

ومن عرض ما اعطى كم حكوا من جهامة ... بها ناقة حمرا وخوارة خلى

معاذا به الحارات بالقرب حسر ... ولو كان أزين من بها الشمس واجمل

كليل مقاو الطرف عنهن دائماً ... مدى العمر مع حدثها ما تخلل

فإن غاب عنها بعلها فهو سترها ... رؤوف بها كنه ولي موكل

فداه دويني قليل أمانة ... من الخوف الأرض بجارتيه تزلزل

فجزني على مدحي بميصال ديرتي ... فكل غريب ناقص لو تطول

ولي أسوة بالليث وان كان نادر ... بلا غابته لزما يكل وينكل

وللحر عادات إلى رب ما كرن ... من اطول مافي الأرض ماينزل اسفل

وصلوا على خير البرايا محمد ... عددْ ما مشوا لهْ من حفايا ونقل

ثم تولى الشريف سعيد ابن الشريف بركات ابن السيد محمد ابن السيد إبراهيم ابن السيد بركات ابن الشريف أبي نمي يوم موت والده الشريف بركات قبل أن يجهزه، ذهب السيد عمرو بن محمد في جماعة من الأشراف إلى حضرة أفندي الشرع، وطلبوا منه قفطاناً، فسألهم الأفندي هل رضوا السادة الأشراف؟ فقال له السيد عمرو: نعم رضوا بذلك، فأتوا منه بقفطان، فألبسوه للشريف سعيد، ثم نودي السيد باسمه، ومع المنادى مولانا الحسين بن يحيى، ومولانا السيد عبد الله بن هاشم، ثم جهز الشريف بركات، وصلى عليه فاتح بيت الله مولانا، وسيدنا الشيخ عبد الواحد ابن المرحوم سيدنا ومولانا الشيخ محمد الشيبي القرشي العبدري بوصية منه، ودفن في المحل المتقدم ذكره.

ثم عقد مجلس يوم الجمعة ثاني يوم الوفاة بالحطيم حضره الأشراف والعلماء والأعيان والعساكر، فأظهر الشريف سعيد أمراً سلطانياً مضمونه: إنه لما أرسله مولانا الشريف بركات إلى حضرة مولانا السلطان محمد خان، أنعم عليه بالملك بعد أبيه، فقرئ بمحضر ذلك الجمع، فسكنت الخواطر والأحوال، لموجب ذلك الأمر الواجب الامتثال، فلذا لم تقع مخالفة من أحد ولله الحمد والمنة.

ثم حصل بين الشريف سعيد، والسيد ناصر ابن المرحوم أحمد الحارث بعض مقاومة من جهة وعد لم يتم، فقامت نفس السيد ناصر، وعضد معه جماعة من الأشراف، منهم: السيد محمد بن يعلى، وذوي جود الله في خمسة وعشرين شريفاً، فما زالوا يسعون بينهم بالصلح حتى اصطلحوا ولله الحمد.

وفي ثاني عشر رجب من السنة المذكورة - أعني سنة ثلاث وتسعين وألف - وصل أغا صحبته قفطان من صاحب مصر لمولانا الشريف سعيد بن بركات جاء بحراً، وخرج من ينبع.

وفي ثامن عشر رمضان، منها: ورد مورق السميري يخبر أن السيد زيد بن حمزة رسول الشريف سعيد إلى الأبواب وصل إلى ينبع، ويخبر أن القفطان السلطاني واصل بحراً.

وفي سادس عشريه: وصل السيد حمزة إلى مكة.

وفي رابع شوال منها: ورد إلى الأفندي أمر سلطاني بإخراج الشيخ محمد بن سليمان من الحرمين إلى بيت المقدس، فأرسل إليه الأفندي يأمره بالخروج، فطلب مهلة ثلاثة أيام، فأمهل ثم لم يأمن على نفسه، فلما أتوه على الوعد امتنع، فجاء إليه العساكر إلى بيته فصاح، وصاح أهل بيته من نساء وأطفال وخدم، فتركوه ومضوا إلى الشريف، وأفندي الشرع، وأخبروهما بما وقع، فأرسلوا إليه مولانا السيد ثقبة ابن قتادة فحاوله على الخروج، فأجابه: إني ممتثل الأمر، وإنما تمهلوني إلى الحج، فتوجه السيد ثقبة في الإمهال إليه عند الشريف، وأفندي الشرع فأمهلاه، ثم خرج صحبة الحاج الشامي.

وفي ثامن عشر شوال من السنة المذكورة: دخل الأغا بالقفطان والمرسوم السلطانيين، فلبسه مولانا الشريف سعيد في الحطيم، وقرئ المرسوم على العادة بالتبجيل والتعظيم والتصريح بتفويض أمر الحرمين إليه والتحويل في حراستهما عليه، وكان له ذلك النهار موكب عظيم.

وفيها وصلت صدقة من ملك الهند إلى الحرمين قمرها مائة ألف ربية، أربعون ألفاً للشريف، وستون لمكة والمدينة، فكتبوا أسماء الناس في دفتر، وعدوهم بالتقسمة، ثم اقتضى رأيهم أن يأخذوها جميعاً، ويأمروا أهل مكة بأن يكتبوا باستلامها، فكتب أهل مكة بذلك.

وأرسل إلى أهل المدينة، وطلب منهم أن يسمحوا كما سمح أهل مكة بذلك، فكان جواب أفندي المدينة وشيخ حرمها وأغوات العساكر ما نصه: إن هذا شيء لعامة الناس فلا يسعنا السماح عن جماعة ما نعتقد رضاهم، وأبوا أن يجيبوا بغير هذا.

فلما وصل الخبر بذلك عنهم دبروا تدبيراً آخر لا حاجة بنا إلى كشفه، وأرسلوا به إلى السلطان أورنك زيب صحبة السيد محمد البرزنجي فلم يعط قبولاً، ولم يواجه سلطان هو ومن معه أصلا، ثم عاد إلى مكة بعد ذلك في سنة خمس وتسعين، وقد كان في غنية وعزة عن مثل هذه الرسالة التي هذا شأنها، وقد أخذت منه المكاتيب، بندر سُورَت، وأرسلت إلى السلطان، وذلك لما بلغ السلطان حقيقة الحال.

وقد كان المرحوم مولانا الشريف بركات عرض إلى الأبواب لما فارقه مولانا الشريف أحمد بن غالب متع الله بحياته ومن معه، فعرف أن السادة الأشراف أتعبوه بالطلب الشطيط، وأنه بالغ في إرضائهم بكل وجه، فقال: إلى حد أني رضيت أن أجعل لهم مغل ثلاثة أرباع البلاد، ويكون لي ربم، فكان جوابه أنهم أبرزوا له أمراً سلطانياً بذلك، فورد إلى مكة بعد مدته في الحج آخر سنة ثلاث وتسعين المذكورة.

ولم يُرد مولانا الشريف بركات طلب هذا الأمر، وإنما لما أرسل إلى الأبواب متنصلاً عن المخالفة على السادة الأشراف، ومبيناً أنه ساع في ملائمة هواهم بحيث إنه رضي بأن يجعل ذلك لهم، ظنت الدولة العثمانية أن ذلك مراد له، ومطلوب فأخرج له أمر بذلك، فلما وصل كتمه الشريف سعيد، فتحققته السادة الأشراف، وطلبوه من الشريف، فأحضره على ما أشيع مجلس الشرع، وسجل مضمونه، وقسموا مدخول البلاد، والإخوان أرباعاً، ربع لمولانا الشريف وربع تشيخ فيه مولانا السيد محمد بن أحمد بن عبد الله، ومولانا السيد ناصر بن أحمد الحارث ومعهما جماعة من الأشراف، والربع الثالث تشيخ فيه مولانا الشريف أحمد بن غالب دام علاه، ومولانا السيد أحمد بن سعيد، ومعهما جماعة من الأشراف، والربع الرابع تشيخ فيه مولانا السيد عمرو، ومولانا السيد غالب بن زامل، ومعهما جماعة من الأشراف، فحصل بذلك التشاجر في القسمة والتعب والتشاحن، ووقع في البلاد السرقات بل النهب الصريح، واختلفوا فيما بينهم، ولزم من ذلك أن كل صاحب ربع يكون له كتبة وخدام يجمعون ما هو له.

واستكتب مولانا الشريف أحمد متع الله بحياته عسكراً، وانضم إليهم عبيد ذوي زيد فحصل عند الشريف سعيد تعب من ذلك، فأمره بترك العسكر فامتنع، وذكر أن السوالف سبقت بمثل هذا لصاحب الربع، وشهد بذلك كبار الأشراف، فذكر الشريف سعيد أنه متوهم من هذا الفعل وطلب من يكفله له، فكفله عشرة من الأشراف، واصطلحا على ذلك، ثم ادعى الشريف سعيد على الأشراف أن عبيدكم أتلفوا البلاد، والقصد من أهل الأرباع أن يرسل كل منهم شخصاً من جانبه يعسون البلاد مع جماعتي، فأجابوه إلى ذلك.

فأرسل مولانا الشريف أحمد بن غالب أخاه مولانا السيد حسن بن غالب، وأرسل مولانا السيد محمد بن أحمد بن عبد الله ابنه بركات بن محمد، وأرسل الشريف سعيد مولانا السيد حمزة بن موسى بن سليمان في جماعة من الخيالة والدَّبابة معهم القائد حاكم البلاد أحمد بن جوهر.

ثم دخلت سنة أربع وتسعين وألف: وصل في خامس شهر رمضان منها إلى مكة هدية من ملكة آش بلد بأقصى الهند وتلك مقابل هدية كان أهداها إليها مولانا الشريف بركات، منها ثلاثة قناطير ذهب مصطنع يصفى على النصف خالصاً، وثلاثة غلايين ذهباً، وثلاثة أرطال كافور، وجانب عظيم من القرنقل والجاوي، وآواق زباد آشى، وللكعبة الشريفة بخمسة قناديل، ومبخرتين وشمعدانين، وللمدينة كذلك قناديل، ومباخر وشماعدين، فنازع السادة الأشراف الشريف سعيد طالبين الثلاثة الأرباع منها، فامتنع من ذلك، فقامت النفوس بينهم وبينه، ثم وقع الصلح على إعطائهم النصف منها فأخذوه.

وفي سادس عشري ذي القعدة منها: فتح البيت الشريف وجاء مولانا الشريف سعيد، ومولانا السيد محمد بن حمود، ونائب الحرم، وعلقوا الخمسة القناديل بالكعبة الشريفة.

وفيها يوم الأحد رابع عشر ذي القعدة الحرام منها: انتقل بالوفاة إلى رحمه الله تعالى مولانا السيد محمد بن أحمد بن عبد الله - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - .

وفي شهر ذي الحجة منها: لم يخرج السادة الأشراف جميعهم مع الشريف سعيد إلى العرضة، فبعد أن حج الناس، ونزلوا عقد الشريف سعيد محضراً فيه أمير الشامي صالح باشا، وأحمد باشا صاحب جدة، وأمير الحاج المصري ذو الفقار بك، وأمين الصرة والسرادير، وأكابر الحج وأغواته، وشكا من الشريف أحمد بن غالب كتابة العسكر، وأنه مناكد لي في البلاد وأنه أفسد عليَّ الأشراف، وأنه حصل ومن جماعته الفساد في البلاد.

وأرسلوا السيد غالب بن زامل إليه ليحضر فيظهر ممن الخلاف، فامتنع من الحضور في بيت الشريف، وقال: إن كان القصد الاجتماع ففي المسجد، وإن كان لكم دعوى، فأوكل وكيلاً يسمع ما تدَّعون به علي، ثم أرسلوا إليه عن كتابة العسكر وما بعده، فأجاب بما أجاب أولاً أن هذه قواعد بيننا قد سلفت أن صاحب الربع له أن كتب عسكراً. وأما قولكم: إنه قد حصل من جماعتي أو عسكري مفسدة، فأطلقوا منادياً في البلاد: معاشر الناس كافة هل أحد يشكو مني أو من جماعتي أو عسكري شيئاً أو أخذوا حق أحد ظلماً أو ضربوا أحداً؟ فإن وجدتم مشتكياً صح ما قلتموه، وإلا فلا وجه لكم.

وأما تركي العرضة فكان خوفاً أن يقع شيء فينسب ذلك إليَّ أو إلى جماعتي.

كل هذا والأشراف جميعهم اجتمعوا على قلب رجل واحد ولم تزل خيولهم مسرجة، ودروعهم عيابها غير مشرجة، بل قد لبسوها، وملئوا الأجياد إلى العقد، وتحركت الأنفة الهاشمية التي تأبى الضيم والضهد.

وبلغني عن الثقة أن صالح باشا أمير الحاج الشامي كان من جملة كلامه إلى الشريف أحمد متع الله بحياته: إن لم تصطلحوا طوعاً أصلحناكم بالسيف، فأرسل له في الجواب: السيف لنا يا بني هاشم ما هو لفلاليح الشام، ولكن إذا نمت فأحكم تزرير مضربك عليك.

ولما أن سمع الأمراء والأكابر جواب الشريف أحمد بالكلام الأول، وعلموا أنه لا وجه عليه، ولا خلاف ينسب إليه، سعوا في الصلح بينه وبين الشريف سعيد على أن يكفل كل منهما جماعة من الأشراف، ولا يتعدى أحد على صاحبه، وكتبت بينهما حجة شرعية، وطلبوا من الشريف أحمد متع الله بحياته أن يأتي إلى الشريف سعيد، فوصل إليه ليلة في شهر الحج قبل خروج الحاج الشامي، ثم بعدها وصل إليه الشريف سعيد ليلة أخرى، وتم الصلح ولله الحمد.

وأما صالح باشا ففي يوم الاجتماع المذكور وصل في نحو مائة من عسكره إلى بيت مولانا الشريف أحمد متع الله بحياته، وقبل يده واعتذر مما تكلم به، فقبله وقابله بوجهه الطلق الصبيح، ولاطفه بلفظه العذب الفصيح، ورفع عنه الملام، وأكرمه كما هو طبعه الشريف غاية الإكرام.

وفيها - أعني سنة أربع وتسعين وألف - : أمر مولانا الشريف سعيد بالنداء في البلاد ثامن عشر ذي الحجة الحرام أن لا يقيم أحد من الغرباء بالبلاد من جميع الأجناس على حسب ما ورد به الأمر السلطاني، ثم إن أرباب الأموال من الأتراك وغيرهم تكلموا مع سرادير العسكر، وجعلوا لهم مصلحة فاجتمعوا، وعزموا إلى أحمد باشا صاحب جدة، وذكروا له أن هؤلاء التجار المصارية أموالنا معهم، وأنهم نافعون لنا في البلاد، وحسنوا له التكلم مع الشريف سعيد، فأرسل إلى الشريف سعيد فتكلم معه في إبقائهم فساجل على ذلك، وأطلق مناديه سابع عشري ذي الحجة المذكورة: أن من كانت له مدة طويلة يقيم ولا خلاف عليه، فما أسرع انتقاض الحكم بضده بعد تسعة أيام.

وفي ثاني عشر شعبان منها: كانت وفاة والدة مولانا السلطان الغازي المجاهد السلطان محمد خان، كانت صاحبة خيرات وصلات، تغمدها الله بأتم الرحمات.

وفي عاشر ذي القعدة: كانت وفاة شيخنا الشيخ محمد بن سليمان المغربي المالكي السوسي المفتن في جميع العلوم، المشهور عند العرب والروم. توفي بدمشق الشام، مولده سنة ثلاث وثلاثين وألف. قرأ على كبار المشايخ ببلده، من أجلهم قاضي القضاة مفتي مراكش، ومحققها سيدى عيسى السجستاني، والعلامة محمد بن سعيد المراكشي، ومحمد بن بكر الدلائي، والشيخ سعيد بن إبراهيم المشهور بقَدُّورَة مفتي الجزائر ستين سنة، وتلقن منه الذكر ولبس الخرقة، ولازم الشيخ محمد بن ناصر الزرعي أربعة أعوام في التفسير والحديث والفقه والتصوف وغيرها، وصحبه وتخرج به.

ثم رحل إلى الشرق، ودخل مصر فأخذ بها عن العلامة الشيخ علي الأجهوري، والشهاب الخفاجي، والشيخ شهاب الدين بن سلامة القليوبي، والعلامة سلطان المراحي وأجازوه، وبرع في العربية والمعاني والبيان والعروض والحساب والفلك والهيئة والحكمة.

وأخذ عنه جماعة كثيرون عدة فنون. وألف كتباً مفيدة منها: مختصر جامع الأصول لابن الأثير. واختصر التلخيص وشرحه. ووضع حاشية على التسهيل وحاشية على التوضيح ومنظومة في علم الميقات وشرحها، وله جدول جمع فيه مسائل العروض كلها. واخترع كرة عظيمة فاقت على الكرة القديمة والإصطرلاب، وانتشرت في الهند واليمن والحجاز.

أقام بالمدينة سنين عزباً في خلوة بقايتباي، ثم جاء إلى مكة وجاور بها، ثم رحل إلى الروم في موسم سنة ثمانين صحبة أخي الوزير الأعظم أحمد باشا الكبرلي، وحظي عنده حظوة عظيمة، وفوض إليه أمر أوقاف مكة وغيرها، وعمَّر الأربطة الدامرة والمآثر الداثرة، وأنشأ تربة بالمعلاة وجعلها جداراً أوتاراً متقاطعة في نصف قامة على شكل شطرنجي، وعدتها ثلاثة آلاف وسبعمائة قبر بلغت النفقة عليها من مال الوزير المذكور أربعة آلاف أحمر ومائة أحمر كان ابتداؤها سنة سبع وثمانين وألف، وسعى في عزل مولانا الشريف سعد، وولى الشريف بركات بنظره وإشارته، وصار في مكة صاحب الحل والعقد، وأنيطت أمورها جميعها إليه، ويتردد الشريف بركات إلى بيته كل يوم، وربما جاء مرتين في اليوم الواحد، وأكابر الحاج وأمراؤه يأتون إليه، فمن قبل عليه أذن له ومن لا فلا، ولا يقطع الشريف بركات أمراً قل أو جل إلا بنظره، وربما فعل أمراً بغير نظره، فإذا علم به نقضه من يومه، إلى أن مات الوزير المذكور، فضعف أمره، وورد الأمر من الوزير الآخر مصطفى باشا أولاً بالتحذير والنهي عن مشاركة الدولة في أمورها من قليل أو كثير، والتنفير عن المكارشة فيما يتعلق بها من جليل وحقير، وذلك سنة سبع وثمانين وألف، فأغلق ذلك الباب، وصار لا ينفذ شيئاً إلا وحياً أو من وراء حجاب.

ثم في جمادى الأولى من السنة المذكورة عزم إلى بلدة الطائف وصاف بها، ثم ارتحل منها أواخر شعبان، فسقط عَلَى وادي مر، ثم توجه منه إلى المدينة المنورة الشريفة، فدخلها ثاني يوم من رمضان، فأقام بها نحو أربع سنين، وابتنى في أثناء تلك المدة داراً بلصق جدار المسجد النبوي الشمالي.

فلما كانت سنة إحدى وتسعين وألف: رحل منها في النصف من شهر شعبان عائداً إلى مكة فدخلها ثامن عشريه، فاستمر بها إلى أن ورد الأمر ثانياً سنة ثلاث وتسعين وألف بتخريجه من الحرمين، فخرج إلى مكة صحبة الحاج الشامي موسم سنة ثلاث وتسعين كما تقدم ذكر طرف من ذلك، وأخذ في سفره الأول إلى الروم عن الشيخ خير الدين بن محمد الرملي الحنفي، وبدمشق عن الشيخ محمد بن بدر الدين البلباني الحنبلي، والسيد محمد بن كمال الدين نقيب الأشراف.

وله فهرست بجميع مروياته وأشياخه سماها صلة الخلف بموصول السلف.

ووصل في سفرته الثانية إلى دمشق الشام، فأقام بها حتى كانت وفاته في هذه السنة - أعني سنة أربع وتسعين وألف رحمه الله وتجاوز عنه. انتهى.

ثم دخلت سنة خمس وتسعين فيها يوم الجمعة ثاني عشر محرم الحرام لما أراد أحمد باشا النزول إلى جدة حشكت عليه السادة الأشراف بسبب أنه استولى على الربع من حب الجراية التي ترد إلى مكة بعد أن كلموه في ذلك فامتنع، فسكتوا عنه إلى يوم نزوله جدة وهو يوم الجمعة المذكور، فتحزبوا جميعاً، وقالوا: لا ينزل حتى يعطينا ما هو لنا ولا يبقى عنده شيء، وكان ذلك بعد أن تقدمه أهله وثقله إلى جدة فصار أحير من ضب، واجتمعوا ببيت السيد محمد بن حمود، وأرسلوا إليه السيد ثقبة، فقال له: إن نزلت قبل أن تصلح الأشراف يأخذوا جميع أسبابك التي تقدمت، وينهبوا حريمك ويقتلوك، فأذعن حينئذ بوفائهم، فقالوا: لا نرضى بذلك حتى تكفل لنا، فكفل لهم كرد أحمد المعمار، وجميع السرادير، والوزير عثمان بن زين العابدين حميدان، وكتبوا بذلك حجة شرعية، وأنه إن حصل منه منع لبعض حقوقهم فيكون عاصي الشرع والسلطان. ثم خرج من مكة بعد عصر ذلك اليوم كالهارب: من البسيط:

ألجَدُّ في الجِدِّ والحرمانُ في الكَسَلِ...... ... ...

وفيها تاسع ربيع الأول: ورد أغا من صاحب مصر بقفطان للشريف سعيد، وبطلب كرد أحمد المعمار، وهذا كرد أحمد كان قد وصل قبل هذه السنة، أرسله الوزير الأعظم مصطفى باشا إلى عمارة المسجد الحرام وحده، وكانت عمارته في المسجد فرش أروقته بالحجر الشبيكي، وعمارته بجدة إجراء عين إليها استمر فيها نحو ثلاث سنوات ابتدأها من المحل المعروف بالقوز، وعمر بها أيضاً مسجداً ومنارةً وحماماً ووكالةً.

وسبب طلبه لما غضب على مرسله الوزير الأعظم مصطفى المذكور بسبب الولس الذي نسب إليه مع الكفار على المسلمين، وكان هذا كرد أحمد من خواص الوزير المذكور، فجاء الأمر لمولانا الشريف سعيد.

ففي يوم وصول الأغا ختم على بيت كرد أحمد الفى بمكة، وركب الأغا من يومه إلى جدة وختم على بيته بها وعلى جميع المال وأحضروا المهندسين فخمنوا العمارة فخمنوا كل ذراع بقرش ريال بعد أن ذرعوا من الابتداء إلى البلد فبلغ كذا وكذا ألف ذراع، وكذلك خمنوا ما صرف على فرش المسجد، وحسبوا جميع ذلك وكتبوا به حجة شرعية، وخرج من مكة إلى جدة في شهر ربيع الآخر فذهب إلى من طلبه.

ومما وقع في هذه السنة من العجائب: أن حرمة من جهة الشبيكه من نساء العرب وضعت كلباً فخافوا الفضيحة فقتلوه ودفنوه.

وفيها أيضاً: جاء نجاب من مصر، وأخبرني مشافهة أن بالمويلح القرية المعروفة حرمة ولدت ولداً، فذهب أبوه إلى جهة السوق، فلما رجع قال الولد المولود لوالده: العوافي يا باه قضيت حاجتك، وتكلم بأشياء كثيرة من ساعته. وهذا من العجائب التي لم يسمع بمثلها إلا نادراً والقدرة صالحة، وبعد ذلك فقد الولد فسبحان القادر على كل شيء.

وفيها: تضرر السادة من غلو سعر الذهب، ووصول الأحمر إلى ثمانية حروف وربع، وبسببه غلت الأسعار، فطلبوا من الشريف أن ينادى بنزول سعره إلى أربعة حروف؛ لتنزل أسعار المسعرات إلى النصف من كل شيء، فأجابهم إلى ذلك، فتعب من ذلك صاحب جدة أحمد باشا وعساكر مصر حين أرسل لهم الشريف بمثل ذلك، وامتنع من النداء عليه إلا بسبعة حروف، وكان ذلك عشري جمادى الأولى. ثم إن عسكر مصر شكوا إلى الشريف سعيد أن هذا ضرورة علينا، فنسأل الفضل أن تجعلوه بستة حروف ونصف لا علينا ولا على السادة الأشراف خلاف، فأمر الشريف سعيد بالنداء بذلك والفسح به، فلما سمعوا السادة الأشراف بموافقة الشريف سعيد للأتراك فيما طلبوه تعبوا، واجتمعوا في بيت السيد مبارك الحارث؛ لأنه هو أول من تكلم في ذلك الشأن.

ثم ركبوا إلى السيد غالب بن زامل وكان بالأبطح، وأخبروه بمخالفة الشريف هواهم واتباعه هوى الأتراك، فأتى مولانا السيد غالب ومولانا السيد محمد بن حمود، ومولانا السيد أحمد بن سعيد بن شنبر، فقالوا للسيد مبارك وبقية الأشراف القائمين في هذا الأمر: إن البلاد للشريف، وإن الأمر له في المعاملة وغيرها، ولستم شركاء للشريف في الأحكام بل في المدخول، فحجوهم بذلك.

وفيها في شهر ربيع الآخر: وجد رجل من أبناء المدينة، يقال له: محمد بن عمار الصعيدي بالمسجد النبوي بعد أن فتش المسجد، وأغلق فأخرجه الخدام، ثم لما كان من أعمال شيء من الليل وجدوه أيضاً تجاه القبر الشريف يقرأ في مصحف، فأخرجوه من المسجد.

ولما كان ليلة الجمعة وقت التذكير دخلوا لإيقاد قناديل الحجرة الشريفة، فوجدوه فيها داخلاً تحت الستر نصفه ونصفه الآخر خارخاً، فتقدموا إليه وأخرجوه، وأتوا به إلى شيخ الحرم، وأخبروه بما وقع فوضعه في بعض المخازن، وأغلق الباب وعلى الباب حرس، ثم فتحوا الباب بعد ساعة فلم يجدوه، فسألوا عنه فإذا هو في بيته عند والده، وأهله، والله أعلم بحقيقة حاله.

وفيها يوم الثلاثاء سابع عشر رمضان منها: عدا بعض أولاد الصاغة بمكة على أخيه فضربه جنبية عمداً فقتله - رحمه الله تعالى - ودخل على السيد حسن بن كالب، فدخل به على أخيه مولانا الشريف أحمد متع الله بحياته، فبذل لأبويه الدية فامتنعا وسمحا عفواً، فألزمه بسكنى بندر جدة فهو فيها.

وفيها ليلة الخميس سابع عشري رمضان منها: كانت وفاة الحرة الطاهرة والدرهَ الثمينة الفاخرة السيدة الشريفة عمرة بنت سلطان الحرمين مولانا المرحوم الشريف زيد - تغمدها الله برحمته، وأسكنها فسيح جنته - ودفنت صبيحة ذلك اليوم. وكانت جنازتها حافلة.

وفيها: إرسال الخريف سعيد ترجمانه المهتار على أغا إلى صاحب مصر يذكر فساد مكة وأنها خربت، وأحوالها اضطربت، وطلب منه عسكر اً لإصلاحها.

وفيها ثاني عشر رمضان: كانت وفاة الأمير الخطير، والسري الكبير، الذي حوى من الفضل أجمعه، ومن اللفظ أعذبه وأبرعه، الأمير الجليل، ذي القدر النبيل، والمجد الأثيل، والأصل الأصيل، الأمير يحيى بك ابن المرحوم على باشا كسائي ثم المدني الحنفي بطيبة المنورة. مولده سنة ثلاث وعشرين وألف بمدينة الإحساء، وبها نشأ في حجر والده وتأدب بأكابر علماء بلده. وأخذ عن العلامة إبراهيم بن حسن الأحسائي الفقه والحديث وعلوم العربية وأجازه بمروياته وجميع مؤلفاته.

وتلقن الذكر ولبس الخرقة، وصافح من طريق المعمرين الشيخ تاج الدين النقشبندي الهندي عن الشيخ عبد الرحمن الشهير بحاجي رمزي. قال: فصافحني أبو سعيد الحبشي، قال فصافحني النبي صلى الله عليه وسلم. وله شعر، منه قولى يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: من الكامل:

أتريدُ جاراً حامياً لكَ سيداً ... ومقامَ عِز عالياً متفرداً

وترود شرفاً للبلاد وغربَهَا ... متفكراً متحيراً متردداً

وترومُ ذا والحالُ منك مقصرٌ ... عما طرا والفعْلُ ليس مسددا

فعليك أن تردَ النجاةَ وتَتَقي ... خوفَ العقاب تلاوةً والمسْجِدا

وانزل بدارِ المصطفى متادباً ... ولجودِهِ مستمطراً متقصداً

واعرفْ لفيضِ الفضلِ منه مواسماً ... لتكُن لها مترقباً مترصداً

فلعل أن يحيى كما أحيى به ... للدين رسماً قد عفا وتهدَداً

فاجتهَذ تكُنْ جاراً له ودخيلَهُ ... وابذل له روحاً ومالاً مجهداً

أفما سمعْتَ لقائلٍ ذي فطنةٍ ... تسمو بساكِنِها فكُنْ مسترشِداً

واطلب بغالِي النفسِ منْكَ جوارَهُ ... واتركْ لِسَوْفَ ولا تقُلْ مهلاً غَدا

بل قُمْ وسارعْ للمدينةِ راغباً ... ولمنْ بها مستشفعاً متعبداً

فَهُوَ الذي يحمي ويغني جاره ... وعليه قد أوصى وحَث وأكدا

فلقَد ْنصحتُكَ إن قبلْتَ نصيحَتِى ... ولما نصحْتُ فعلته متوددا

وجنحْتُ مشتاقاً لطَيْبَةَ قاصداً ... غَوْثَ الورَى بَحْرَ الحقائقِ أحمدا

بدْرُ الهدَى بالحق أُرْسِلَ رحمةً ... للعالمينَ وبالملائكِ أُيدا

أوَ لَيْسَ قومي عالمينَ بأنني ... جاوَرْتُ خَيْرَ المرسلينَ محمَدا

وحَلَلْتُ ساحةَ جودِهِ متمسكاً ... بالعروةِ الوثقَى فلا أخشى الرَّدَى

حاشاكَ أن أخشَى وأنْتَ وسيلتي ... وذَخِيرتي حقاً وأنْتَ المقتدَى

فعلَيكَ خَيْرَ الخلقِ إني داخلٌ ... وببابِكَ الأعلَى أقمْتُ مقيدا

فعسَى بجاهِكَ أن يمنَّ بعفوها ... رب كريم بالنوالِ تفرَّدا

ويجودَ بالغفرانِ منه تفضلاً ... وأنالَ عِزا من مديحِكَ سَرْمَدا

قد قالها من كامل في كاملٍ ... يحيا لكَي يحيى سعيداً مسعدا

دنيا وأخرَى إذ لجا لجنابِكُمْ ... أيخيبُ مَنْ أم الجنابَ المُفْرَدا

حاشا وحاشا ثُم حاشا أن يُرَى ... متألما من جاًءكُمْ متعمدا

وصلاةُ ربي دائماً وسلامُهُ ... تغشَى ربوعَ المصطفى والمرقدا

والآلَ والصحْبَ الكرامَ جميعَهُمْ ... والتابعينَ لهم ومَنْ قد وَحَّدا

ما لاحَ نجمٌ في السماءِ وما أضا ... نجم وما أشجَى هزار غَرَّدا

وقوله مضمناً: من البسيط:

ظلمتُ نَفْسِي ولم أعمَلْ بموجبها ... وما علمْتُ بأنَّ الغيَّ يُتْلفنِي

يأتِي على المرءِ في أيامِ محنتِهِ ... حتَى يرى حسناً ما ليْسَ بالحسَنِ

كان والده المرحوم على باشا والياً على الأحساء، والأمير يحيى هذا على القطيف بأمره، فأرسل والده المذكور أكبر أولاده محمداً بهدية إلى سلطان الروم على جاري العادة، فزور كتاباً من والده مضمونه أنه قد كبر في السن، والتمس من السلطان أن يقيم ولده محمداً في الولاية على الأحساء مكانه بمرسوم سلطاني، فأجيب إلى ذلك.

ولما وصل محمد إلى الأحساء أرشى أكابر العساكر، وأعلمهم بالأمر، وتلقاه والده وإخوته.

فلما اجتمعوا أخرج المرسوم السلطاني وتولى بموجبه، وأراد حبس والده وإخوته، فطلبوا منه أن يجهزهم إلى الحرمين ويعين لهم مصرفاً، فجاءوا إلى المدينة، وجاوروا بها، وتوفي والدهم على باشا بها سنة ست وخمسين. ثم في موسم خمس وسبعين: توفي ابنه أبو بكر باشا ابن على باشا بعرفة يوم عرفة، فحمل في محفة إلى مكة، فدفن بها في المعلاة.

وكان ذا شهامة وصرامة، سلالة بيت عز وكرامة، ذا كرم يفوق البحر بالمد، وبأس يقصر عنه حد السنان والحد، إلى أدب بذ فيه فحول الأدباء وفاق، وممادح قيلت فيه فنفق سوقها لديه أحسن نفاق، إلى لطف أخلاق تُعير النسيم لطافة، وتوصل قاصده وتؤمنه مأموله ومخافه، إلى قريحة وقادة، وذكاء ملك به زمام الأدب وقاده.

له الشعر الرصين المبني، البطين المعنى، منه ما كتب به إلى مولانا وشيخنا العلامة أبي مهدي عيسى بن محمد الثعالبي الجعفري ونصه من الكامل:

يا من سما فوقَ السماكِ مقامُهُ ... ولقد يَراكَ الكل أنتَ إمامُهُ

حزتَ الفضائلَ والكَمالَ بأسرِها ... وعلوتَ قدراً فيكَ تَم نظامُهُ

لو قيلَ من حازَ العلومَ جميعَها ... لأقولُ أنتَ المسِكُ فيكَ ختامُهُ

كم صنْتَ من بِكرِ العلومِ خرائداً ... عن غيرِ كُفءٍ لم يجب إكرامُهُ

فاعلَم بإني غَير كُفِءٍ لائق ... إن لم يكن ذا الفضلُ منك تمامُهُ

ثم أتبعه بنثر صورته: لما أضاء نور المحبة في قنديل القلوب، صفت مرآة الحقيقة فظهر المطلوب، فاتضحت الرسوم الطامسة، وبانت الطرق الدارسة، فاكتحلت عين القريحة، فسالت في أنهر النطق فأثمرت بالمسطور، وهو المقدور، وأما المقام فهو أنهى من ذلك وأجل، وليس يدرك ذلك إلا من وصل. وأما العبد فهو مقر أنه قد قصرت به الركائب عن بلوغ ذلك. وعاقته عقبات الأسباب عن سلوك هذه المسالك، لكن حيث أن ثياب الستر من فضلكم على أمثاله مسبولة، يمكن أن يدخل في ضمن الأمثال مطلوبه والسلام. فأجابه مولانا المشار إليه بقوله من الكامل:

لله دركَ يا فريدَ محامِدٍ ... أربَى على البدرِ التمامِ تمامُهُ

قد صغتَ من سر البراعةِ مفرداً ... فاقَ الفرائدَ نثرُهُ ونظامُهُ

وكسوتَهُ من جزلِ لفظِكَ سابغاً ... وَشِيَت بكل لطيفةِ أكمامُهُ

أعربتَ فيه عنِ اعتقادٍ خالصٍ ... ومكينِ ودَّ أحكمَت أحكامُهُ

وجلوتَهُ يختالُ تيهاً آمناً ... من أن يشابه في الوجودِ قوامُهُ

وحبوتَ ذا شكرِ ببيتِ قصيدة ... وبفضِّ خاتمه العلي اسرامه

أهلاً به فرداً أتى من مفردٍ ... وحبا بِهِ ضيفاً يجلُّ مقامُهُ

حتماً علي ولازماً تبجيلُهُ ... فوراً وحقاً واجباً إكرامُهُ

لكق علِى قدري فلَستُ بكُفءِ مَن ... وطئَت على هامِ العلا أقدامُهُ

وإليكَها عذرا عَلَى مَهَلٍ أنت ... خجلاً لمحتدِكَ العزيزِ مَرامُهُ

فاصفَح بفضلكَ عن صحيفةِ وُدَّها ... فالفضلُ مؤتمٌّ وأنتَ إمامُهُ

واسحَب رداءَ المجدِ غيرَ مدافَعٍ ... فلأنتَ عنصرُهُ وأنتَ خِتامُهُ

وله ديوان شعر مجلدان، حاوٍ ما يفوق الدر والجمان، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

وفيها - أعني سنة خمس وتسعين - : اشتد البلاء بالسرق ليلاً ونهاراً، سرّاً بل وجهاراً، وكسرت البيوت والدكاكين، وترك الناس صلاة العشاء في المسجد والفجر، خوف القتل أو الطعن أو الكسر، وصارت العبيد لا يأتون إلا ثمانية وعشرة، ولا يبالي أحد منهم بمن ننصره، يدخلون بيت الرجل يقفون على رأسه بالسلاح، وربما نكح بعضهم زوجته وعينه تنظر كأنها حلاله المباح، وانقلب ليل الناس نهاراً لأنهم إنما يبيتون سهارى، بل من الخوف سكارى.

وكثرت القتلى في الرعية بأيدي العبيد، وعدم المشتكي الناصر، وفعل كل شقي ما يريد.

ولا يجاب الصائح حين يصيح، وإن اتفق أنه صاح فلا يوجد في مرقده إلا وهو ذبيح، حتى ضُبطت القتلى بمكة في شهر رمضان فكانت تسعة أشخاص، فضجت الأمة إلى الله - تعالى - أن ينقذهم من هذا الحال الوبيل، والداء العضيل بمن يهنأ نقبها، ويشد سلبها، ويصلح اعوجاجها، ويؤمن طرقها وفجاجها.

فاستجاب الله دعاءهم في الأسحار، وآناء الليل، وأطراف النهار، بأن ولى أمرها المرحوم الشريف أحمد ابن مولانا المرحوم الشريف زيد - تغشاه الله بالرحمة والرضوان - .

وشرح مبدأ ذلك وتفصيل ما هنالك؛ أنه لما انفصل عن إمرة مكة هو، وأخوه مولانا الشريف سعد إلى الطائف ثم منها إلى بيشة، فأقام بها، وتوجه مولانا الشريف أحمد إلى ديرة بني حسين، فإن له بها أهلاً وولداً، واستمر مقيماً بتلك الديرة إلى أول ذي القعدة الحرام، فرحل منها قاصداً المدينة لزيارة جده - عليه الصلاة صلام - ، فدخلها ليلة سابع العشرين منها ليلة دخول الحاج الشامي، وواجه بها في ذلك العام باشا الشام، فقابله بأتم الإجلال والإكرام، والتمس منه إتمام بعض مرام من شريف مكة بركات، ثم رحل من المدينة الشريفة ثاني شهر ذي الحجة من العام المذكور، ونزل على الشيخ حرب أحمد بن رحمة، واستمر عنده إلى عودة الحاج الشامي، فواجهه الباشا وأخبره بعدم تمام ذلك المرام، بعد أن أرسل له الخبر مكة بالإعلام.

ثم توجه في أول عام أربعة وثمانين إلى الفرع، واستمر بها مدة يسيرة. ثم لما خرج الشريف بركات إلى حرابة حرب في أواسط السنة المذكورة عاد إلى حرب وحضر الحرابة، ثم بعد انقضائها توجه أيضاً إلى الفرع، ثم وصل إليه أخوه مولانا الشريف سعد، واستمر بين السوارقية والفرع، وأكثر الإقامة بالفرع.

ولما توعد الشريف بركات أهل الفرع أوائل سنة خمس، تنحيا إلى جهة وادي النقيع من ديرة حرب من بني السفر وبني علي وعوف، واستمرا ومن معهما إلى شهر رمضان، ثم عن لهم التوجه إلى الأبواب العالية، فوصلوا إلى حول المدينة الشريفة، ونزلوا بالغابة مجتمع الأسيال غربي أحد أواخر رمضان، فعيدوا بذلك المحل، وليس في نزول الأسود بالغابة، ملامة ولا معابة، وتقضوا مصالح وأغراضاً وأزوادا منها.

قد أخبرني الثقة أنهما اجتمعا بالمحل المعروف ببئر واسط بمولانا السيد مبارك الحارث، وكان هو المشير عليهما بقصد الأبواب العالية، ثم ترحلوا من الغابة خامس شوال من السنة المذكورة متوجهين إلى الشام، لا يمرون بحي من الأحياء إلا أكرمهم غاية الإكرام.

ومن أعجب الاتفاق نزولهم على مراح ابن سحيم من غير علم منهم بذلك، وكان الشريف سعد قد قتل أباه، فلما علم بهم، وعلموا به حصل لهم كرب عظيم، فلم يشعروا إلا وولده مواجه له بالعبودية والسلام، والإجلال والإعظام، وأهدر دم والده، وأكرمهم وذبح الذبائح، ومنح المنائح، وهذه - ولا شك - معجزة من جدهم، وكرامة من سعادة جدهم. ولم يزالوا على مثل ذلك مع كل من مروا عليه من العربان من جمع ووحدان إلى أن وصلوا الشام، فتلقاهم أهل الشام وأمراؤها، وعلماؤها وكبراؤها، وأشرافها ونقباؤها، وكان يوماً مشهوداً، ثم أقاموا بالشام، وأرسل صاحب الأمر بها يستأذن لهم في الوصول، فعاد الجواب بالإذن، فتوجهوا ودخلوا إلى أدرنة في ربيع الأول من سنة ست وثمانين، وحصل لهم من المقابلة واللطف ما يقصر عنه الوصف، فأقاموا بها مدة يسيرة، ثم توجهوا بأمر من الدولة العلية إلى إسلام بول، واستمروا بها بقية سنتهم المذكورة.

ثم دخلت عليهم سنة سبع وثمانين وهم بها، فلما كان شهر صفر من السنة المذكورة: وصل مولانا السلطان، وجميع الدولة من أدرنة إلى بلاد إسلام بول.

وفي شهر ربيع الثاني: أنعم على مولانا الشريف سعد بولاية المعزة، وأمر بالتوجه إليها، واستمر يتجهز إلى أن كان خروجه إليها حادي عشر جمادى الأولى، واستمر مولانا الشريف أحمد بإسلام بول، وعرضت عليه ولاية طرسوس وهي بلد على ساحل بحر الشام، وأخرى بجهة الروملي فلم يقبل واحدة منهما، وكان جوابه: إن تفضلتم بولاية بلادنا، وإلا فنحن تحت أعتاب السلطنة العلية. واستمر السلطان بإسلام بول إلى أواسط شعبان من السنة المذكورة، ثم توجه إلى أدرنة أيضاً.

ثم بعد خروجه في ثاني أو ثالث مرحلة توفي الوزير أحمد باشا بعد أن خرج مريضاً فأعيد إلى إسلام بول ودفن بها، وتولى مكانه قائم مقامه مصطفى باشا.

واستمروا متوجهين إلى أدرنة، وأقاموا بها إلى آخر السنة المذكورة وشهر من أول سنة ثمان وثمانين، ثم عادوا إلى إسلام بول في شهر صفر أيضاً، وتأخر الوزير أياماً، ثم وصل واستقرت الدولة بإسلام بول، واستمر مولانا الشريف أحمد مقيماً بها تحت ظل الدولة العلية، وفي كل سنة يتجدد له من الإكرام والترقيات ما فوق المرام، وفي كل شتاء بثلاثمائة بغل محملة من جميع ما يحتاج إليه البيت، وزيد سنة واحد وتسعين ثلاثمائة أخرى، وحصلت بينه وبين قزلار أغاسى محبة أكيدة، وطلب الاجتماع بالوالدة، فاجتمع بها، وأغدقت عليه سوابغ الإنعام، ووعدته بالمرام، وقد سبق وعدها وعد الملك العلام.

واستمر كذلك إلى سنة ثلاث وتسعين وألف، فوصل فيها إلى الديار الرومية السيد محمد بن مساعد والسيد بشير بن مبارك مرسولين من السيد أحمد بن غالب من الشام، فركبا إليه وقيَّلا عنده، فأوحى بعض المفسدين إلى الوزير الأعظم، وقال: إن إقامة مولانا الشريف أحمد بإسلام بول يخشى منها، فالأولى عدم إقامته بها فأحضره الوزير وألبسه قفطاناً بولاية كرك كنيسة اسم محل بينه وبين أدرنة ثمان ساعات فلكية.

وكان قبل ولايته بشهرين أرسل بأخيه الشريف سعد إلى البلد المسماة ويزه بكسر الواو وتخفيف الزاي وهي قرية أيضاً من كرك كنيسة بينها وبينها ثمان ساعات أيضاً، واستمر كل منهما بمكانه إلى سنة أربع وتسعين، فتوجه السلطان إلى السفر، فعند حلوله بأدرنة فسح لهم بالتوجه إلى حيث شاءوا من الديار الرومية، فتوجه مولانا الشريف سعد إلى إسلام بول، واستمر الشريف أحمد في بلده المذكورة، وطابت له وتأنس بها، إلى أن كانت سنة خمس وتسعين فوصل فيها ترجمان مولانا الشريف سعيد بعرض إلى صاحب مصر يذكر فيه ما شرحناه من إفساد مكة بأيدي العبيد، والنهب الذي لا ينقص بل يزيد، وأن البلاد خربت، والأحوال اضطربت، وطلب منه عسكراً لإصلاحها، ومالا يستعين به على أمور نجاحها، وأظهر أنه مغلوب عليه، وأن كل من أراد شيئاً فمنه وإليه.

فلما وصل إليه أرسل رسولاً إلى الأبواب العلية بالتعريف بهذه الأحوال وأرسل معه الترجمان المذكور، فوصلا يوم عيد الفطر، وحصل عند السلطنة العلية اضطراب لهذا الخبر، فاشتورت الدولة، واتفقت على إلا يصلح هذا الخلل إلا أهله العريفون، وحماته الذين هم في بيت الملك عريقون.

وبرز في الوجود ما كان في علم الله كائناً، وما قدر به لبلده أن يعود كما كان آمناً، فاستدعي مولانا السلطان، وهو مقيم بأدرنه عند رجوعه من السفر مولانا الشريف أحمد من محلة كرك كنيسة المذكورة يوم ثالث شوال من السنة المذكورة، فبادر بالوصول إليه، فدخل عليه بعد صلاة العصر، فقابله بالإجلال والإكرام، والتحية والقيام، ووضع كفه بكفه، وتصافحا من قيام، قائلاً: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد عليه الصلاة والسلام.

فكان أول خطاب وقع بينهما أن قال له: يا شريف أحمد، الحجاز خراب؛ أريدك تصلحه، فوضع مولانا الشريف يده على رأسه ممتثلاً للأمر قائلاً: نَوْلَهْ: - كلمة تؤدي معنى القبول والطاعة، فأكرم بها قوله - فعندها خلع عليه من الفرو القاقم الأبيض، وهو الذي دخل مكة لابساً له، ثم جلس مولانا السلطان، وأشار إلى مولانا الشريف بالجلوس فجلس، ثم أعاد عليه قوله الأول ففعل فعله الأول، ففي الثالثة فعل ما فعل في الأوليين ثم قال: يا بادشاهي، الحجاز يحتاج إلى فتوح جديد، فأمر حينئذ مولانا السلطان بإحضار يازجي، وأمره بأن يمليه مولانا الشريف أحمد ما يريده فيكتب بمضمون ذلك أوامر متعددة.

ثم قام مولانا السلطان، فخرج مولانا الشريف وقدم له مركوب من خيل السلطان بعدته، وتبعه من الإكرام والإحسان ما لا يحصره بنان ولا بيان.

ثم توجه مولانا الشريف إلى سرايته التي عينت له بأدرنه، واستمر بها إلى يوم التاسع من شوال المذكور.

ثم توجه مولانا الشريف إلى بلده كرك كنيسة، وأقام بها يومين وضم متفرق أموره وأحواله، وأوصى على أهله وعياله.

ثم توجه إلى إسلام بول وبات بها رابع عشر الشهر المذكور، وقال بها نهاره، ثم توجه إلى أسكدار ورحل منها يوم خامس عشر الشهر المذكور متوجهاً منها إلى مكة على خيل البريد المسماة في عرف أهل الروم الولاق، فدخل إلى الشام وقد خرج الحاج منها، واستمر مجداً في السير والدءوب بما لا يحتمله بشر مما يشق على الراكب والمركوب، بعزمة تطوى مفاوز الأرض طياً، وينقطع عنها سليك المقانب كلالا وعياً. فأرسل إلى مكة بكتاب إلى مولانا، الشريف أحمد بن غالب متع الله بحياته، وإلى الوزير عثمان بن زين العابدين حميدان، وكان قد أرسل إلى أمير الحاج الشامي أن يتربص له بالعلا، فتربص يوماً أو يومين.

ووصل مولانا الشريف إليه، فدخل مدينة جده سيد الكونين، ولبس الخلعة السلطانية بحجرة جده كما لبسها فيها أبوه، واسترَت القلوب برؤية محياه وتبلجت الوجوه.

وأما الشريف سعيد، وعمه السيد عمرو فلم يزالا في انتظار الجواب بالمال العساكر، وما علما ما صنعه الواحد القاهر.

وفي ثالث شوال: وصل إلى مولانا الشريف سعيد قفطان من صاحب مصر أرسله إليه بعد أن عرض إلى الأبواب، وسير مع رسوله إليها ترجمان الشريف سعيد كأنه تطمين للفؤاد، وتبشير بإتمام ما أرسل في طلبه من ذلك المراد.

وحين وصول العسكر إلى بيت الشريف أصيب ابن الشريف بركات السيد عبد الله ببندقة أذهبت خنصر يده وكان إذ ذاك مشرفاً من طاق خارجة دار السعادة، فالحمد لله على السلامة لا مانع لما أراده.

فوصلوا بالقفطان، ولبسه الشريف سعيد مستبشراً بحصول الأماني والأمان، وكان في ذلك اليوم بعينه - أعني ثالث شوال المذكور - ولاية مولانا الشريف أحمد - رحمه الله - للحرمين بالديار الرومية فسبحان الحكيم.

واستمر الشريف سعيد إلى أن اتفق يوم سابع عشري ذي القعدة من سنة خمس وتسعين وألف المذكورة أن ركب إلى أحمد باشا صاحب جدة، وكان قائلاً بالأبطح ببستان الوزير عثمان، واستمر عنده إلى جانب يسير من الليل، ثم ركب وقصد ثنية الحجون ذاهباً إلى السيد غالب بن زامل، وكان نازلاً بذي طوى، فلما جاوز الحجون إذا هو براعي ذلول، فاستخبره من أي العرب؟ فقال: من بني الصخر.

فقال الشريف: معك كتاب من السيد يحيى بن بركات؟ فقال: لا.

وكان السيد يحيى قد ذهب لمقابلة الحاج الشامي، فأمر الشريف بضمه فضم وتهدد بالقتل، فأقر بأنه مورق من الشريف أحمد بن زيد إلى مولانا الشريف أحمد ابن غالب متع الله بحياته، وأنه قد جاء متولي مكة، وأنه لحق الحاج الشامي في العلا، فذهب به إلى بيت السيد عمر، واستدعي السيد غالب بن زامل، وعبد الله بن هاشم، واشتوروا في إظهار هذا الأمر على أي وجه يكون، فاتفق الأمر على أن يرسلوا إلى السيد مساعد ابن الشريف سعد، فأرسلوا إليه السيد عبد الله بن هاشم، فذهب إليه وقال: نريد السيد غالب وكان نازلاً بذي طوى، فلما خرج معه عطف به إلى طريق بيت السيد عمرو، فلما دخل بيت السيد عمرو استراب من ذلك، ثم لما رأى الجماعة مجتمعين جلس معهم، فقال له الشريف سعيد: يا سيد مساعد لم أرسل لك هذا الوقت إلا قصدي أودعك أهلي، وإن عمك الشريف أحمد بن زيد تولى مكة، وأنك تقوم مقامه إلى أن يصل، فتلكأ عن ذلك حتى قال السيد غالب بن زامل نقيم سليم أغا، ونحفظ نحن الديرة إلى وصول صاحبها، فوافق السيد مساعد حينئذ على القيام مقر عمه.

ثم أرسل الشريف سعيد إلى أغوات العساكر الذين معه، وقال لهم: إن الأمر أتى إلى الشريف أحمد بن زيد، فأنتم اخدموا سيدكم، وخرج الشريف سعيد آخر تلك الليلة.

ومما قيل فيه من الشعر قولي حين رجع من الديار الرومية موسم سنة سبع وثمانين قصيدة هي من الطويل:

تجلتْ بمرآكَ السعيدِ لنا البُشرَى ... وأَبْدَى الهنا والسعْدَ وجهُكَ والبِشْرا

وعادتْ لأحشاها بعودكَ سالماً ... قلوب حَشاها طولُ غيبتكم جَمْرا

وأضحَى وطيرُ السعدِ يسجَعُ مذ بدا ... محياكَ فينا مسفراً واضحاً بَدْرا

وقرتْ عيونٌ طالما أسهرَتْ أَسى ... فنامتْ سروراً بَعْدُ وانشرحَتْ صَدرا

وما خصَّ هذا الحالُ بعدك واحداً ... بل الناسُ جمعاً بالدعا لم تَزَلْ تترى

سروراً بملقاك السعيدِ مبلغاً ... مراماً سما كَم من نفوسٍ به حَسْرى

فيا ابن الكِرامِ الصيد مِنْ آل هاشمِ ... سلالة خَيْرِ الخلقِ من ذا الورى طُرّا

ويا درَةَ العقدِ الثمينِ نظامُهُ ... وفَرْعَ الشناخيبِ الميامينِ في الذكْرَى

ويا مَنْ له من طينةِ المَجْدِ جوهر ... تلألأ نوراً من صفاتِ له زُهْرا

ويا مَنْ غذى دُرَّ الكمالاتِ يافعاً ... وطفلاً ففاق الشيبَ في عقلها قَدْرا

له من سنام المجدِ ذرْوةُ شأوِهِ ... وكان لها أهلاً وكانتْ به أحرَى

له منطقٌ فصل ورأيٌّ مسدَّدٌ ... وجودَةُ نفسِ طابَ منشقها نَشْرا

وبسط يمينٍ بالنوالِ بنانها ... حكَتْ خُلُجا فعما ًبمد الندَى تُجْرَى

طَوِيل البنا رَحب الفنا مَنْهَل الغِنَى ... مُزِيل العَنا مولى المُنَى فائضاً بَحْراً

عَرِيض الجدا غَوث الندا مَوْرِد الندا ... حمام العدَى والخيل دُهْمْ حكَتْ شقرا

إذا ثوبَ الداعِي الصريخُ أجابَهُ ... سعيد على سعدَي فيظفر فى المَسْرَى

رلا عجب فالفرعُ يتبعُ أصلَهُ ... على خيرِ نعتٍ يوجبُ الحمدَ والشُكْرا

طموح إلى نيلِ العلومِ فؤادُهُ ... على همة تعلُو السماكَيْنِ والنّسْرا

لبيبٌ أريب لوذعيٌّ مهذبٌ ... له الفكْرُوالفهْمُ الذي يقلقُ الصخرا

أديبٌ ربي حجر الخلافة مَهْده ... إلى أن رقى مِنْ سَرْجِ شيظمةٍ ظَهْرا

وهز متون البيضِ من مرهفاتِهِ ... وكان ابنَ راعيها وكان بها أَدْرَى

فبوركَ فيه قارئاً لعلومِهِ ... وفي الروعِ أرواحُ العدَى سيفه يَقْرا

فحيناً لتقليبِ الكراريسِ كَفهُ ... وحيناً يقلبها القواضب والسمرا

وكَم من صفاتٍ فيكَ يعجزُ خاطري ... مداها من الوصْفِ الحميدِ أتتْ كُثْرا

وكمْ من سجايا فيكَ طابَتْ أصولها ... وكم جهد ما يحصى البليغُ وإن أَطرَى

فدونَكَ يا نجلَ الملوكِ قصيدة ... جمعتُ بها من وصفِ مجدِكُمُ النزرا

مُفَوَّفَة من خالصِ الودِّ أنشئَتْ ... لمدحكَ صدقاً لا رياءَ ولا نكرا

وقد شرفَت لما أتَى فيكَ مدحُها ... وزانَت معاني حسنِ أوصافِكَ الشعْرا

فجاءَتكَ من شوقِ إليكَ محبةً ... ولا تبتغي إلا قبولَكَها مَهْرا

فدم وابقَ واسْلَم لا برحتَ على المدَى ... مصوناً من الأسوا ومن حادِثِ يَطْرا

ولا برحَتْ أيامُ دهركَ كلها ... بآثاركَ الحسنَى محجَّلَةً غَرّا

وقال الشيخ محمد البصري ثم المدني، سامحه الله تعالى من البسيط:

زارت سعادُ وهي بالبشرِ متزرَه ... ترمِي بألحاظِها سهماً بلا وترهْ

وهي مبرقعة والحسنُ ساترُها ... والشعرُ منسبلٌ جَلَّ الذي فطَرَه

فقلتُ شيلي الغطا قالَت بمعذرةٍ ... ذا كوكبُ الصبحِ أبدى والظلام سره

فقلتُ ما الأمرُ، قالت إن تزر بِغَدٍ ... تَلْقَ البساتينَ فادخُلْ تجتني ثمرَهْ

فودعتنِي وسارَت سرت في قلق ... والقلبُ ينشدني من هَجرِها شعرَهْ

ليلُ المحبينَ مطوي جوانبُهُ ... مشمر ما قضَى في جنحه وطرَه

ما ذاكَ إلا كأنَ الصبحَ نم بهم فأطلع الشمس ضغناً مضمراً قهرَه

فبتُ أرقبُ نجمَ الليلِ في سهدِ ... حتى أتى الصبح متبسم بمنفجره

وصرتُ أسعَى وقلبي هائم جذل ... طرقتُ باباً لها في روضَةِ عَطِرَه

أَفتَحَ لي الباب واكساني السرور إذا ... قد أمنى الدهرُ من عَيْن نفى نكرَه

قلتُ الوصالُ فقالَت وهي معذرة ... هذا دلالاً فإني خائفَه ذعرهْ

والفَت تقولُ بإعْجاب الدلاَل لها ... كأنها دُرةٌ من عقد منتثرَهْ

ما جابكَ اليومَ يا غاوى بساحتنا ... عَسَى رضيعُ العلا أبدى لكُمْ فخرَه

فقلتُ هو القصد والمأمولُ يا أملي ... إني أديبْ غريبٌ أستحق قرهْ

فاقر السلامَ له من سيدٍ سبقَتْ ... منه الملاقاةُ في مدحِ نقى درَرهْ

أعني سعيد بنَ مولانا الشريفِ ومَن ... راياتُ عِز له في الحربِ مشتهرَهْ

فهو شريفُ الذي قامَت عدالتُهُ ... وغْدت أمانيه في البر منتشره

وهو العزيزُ الذي فاضَتْ براحتِهِ ... كاسُ المنونِ غزيراً زايداً مررهْ

وهو الهزبرُ الذي هابَت لسطوتِهِ ... وحشُ الفلاةِ فأمسَتْ ساكنه القفرَهْ

وهو المليكُ الذي ماتَت حواسدُهُ ... نعم وبادوا حقيقاً أن رأوا خبرَهْ

لا زالَ في شرفٍ كالبدرِ في ترفٍ ... بآية النورِ والأعرافِ والبقرهْ

يعنيك نظم بدا من سيدِ بعدتْ ... عنه المنازلُ أمسَى في زمان تِرَهْ

محمد إسمهُ من طيبَة سعدَت ... بنورِ خيرِ الورَى طه به فخرَهْ

صلَى عليه إلهُ العرشِ خالقُنا ... والآلُ والصحْبُ واهلُ البيتِ والسيرَهْ