كتاب الإجماع

وفيه خمس مسائل

المسألة الأولى في صورة الإجماع

واختلف الناس فيه فمنهم من قال صورته

أن يتفق أهل العصر بأجمعهم عامتهم وخاصتهم علمائهم وجهالهم وقيل صورته

أن يتفق أهل العلم والحل والعقد

وتعلق من قال بالقول الأول بأن خلاف العامي الجاهل إنما راعيناه لأنه ربما سمع من عالم فنقل ما يوجد عنده من خلاف ليس من قبله وإنما هو مما يعيه عن غيره ممن له القول وعلى لسانه الفتوى وهذا الذي قالوه لا متعلق به لأن العامي وإن ظن به السماع فيتحقق منه عدم الوعي وقلة التحصيل فلا يوثق بنقله

المسألة الثانية

مطالب الشريعة على قسمين

معقول ومظنون فالمطلوب في المعقول العلم والمطلوب في المظنون بذل الوسع والاجتهاد في طلب الحكم

فالأول لا يجوز أن يكون الإجماع عليه دليلا ولا يصح أن يجعل فيه حجة لأن مسلك النظر فيه متيقن فكان أقرب منه

وأما المظنون ففيه يكون الكلام وفيه يقع التقسيم والتفصيل وعليه يدل الدليل

المسألة الثالثة في دليل الإجماع

وقد عول علماؤنا فيه على دليلين

أحدهما معقول والآخر منقول

فأما المعقول

يبعد عرفا ويستحيل عادة في مسالك الظنون وتعارض الاجتهاد أن تتفق الخواطر وتتوارد الأدلة على حكم واحد في ملتطم الطنون ومزدحم المعارضات إلا عند اتفاقهم على ظهور ترجيح أحد الوجوه والسبل التي أفضت إلى ذلك الحكم المتفق عليه فيستحيل عادة خلاف ذلك فكيف يحوز بعد هذا أن يظن ظان أن مسلكه أوضح من مسلكهم وترجيحه أوفي من ترجيحهم يحقق ذلك ويوضحه أم من قال لزوجته أنت على حرام فقد اختلف العلماء فيما يلزمه على نحو من خمسة عشر قولا ولم يكن من لدن زمان الصحابة رضي الله عنهم إلى زماننا هذا اتفاق منها على قول ولا رجوع منها إلى وجه وهذا يدلك على قوة التعارض فيها كما يدل الاتفاق الأول على ترجيح المتفق عليه على سواه من المحتملات فيها

وأما المنقول

فقول الله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) على هذه الآية عول

علماؤنا في دليل السمع المقتضي كون الإجماع حجة فإن الله تبارك وتعالى توعد على المخالفة لسبيل المؤمنين بالنار ولا يتوعد إلا على ترك الفرض

المسألة الرابعة

إذا اتفقت الصحابة على قولين أو وقعت النازلة في عصر فاختلف العلماء فيها على وجهين فهل يجوز إحداث قول ثالث أو لا ؟

فاختلف الناس في ذلك فمنهم من قال بجواز ذلك ومنهم من يمنعه فأما من جوزه فاحتج بأدلة منها إن قال حصول الخلاف في المسألة دليل على جواز الاجتهاد فيها فيجتهد كل أحد على قدر وسعة

وأما من منعه فقال أن الظنون قد اتفقت والخواطر قد اجتمعت على ترجيح هذين الوجهين على سائر الوجوه فيكون نبذ ما سواهما واجبا كما نبذنا في الإجماع سائر الوجوه كلها إلا المجتمع عليه وبهذا أقول

المسألة الخامسة

إجماع أهل كل عصر فيما ينزل بهم كإجماع الصحابة رضي الله عنهم فيما صدر عنهم لأن الدليل الذي قدمناه في كون الإجماع حجة لا يخص قرنا دون قرن بل هو عام في كل طائفة على حسب ما تقدم بيانه والحمد لله وحده