الحد السادس: في الشكر والمدح والحمد والذم والاغتياب والأدعية والتهنئة والهدية والمرض - الفرع الثاني

محاضرات الأدباء

الراغب الأصفهاني

الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب والمتوفي سنة 502هـ-1108م

 

الحد السادس

في الشكر والمدح والحمد والذم والاغتياب والأدعية والتهنئة والهدية والمرض

الفرع الثاني

مما جاء في الغيبة والنميمة

حقيقة الغيبة:

محمد بن عبيدة الغيبة: أن تغتابه إذا أقلع لا أن تغتابه وهو مقيم على فسقه. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس للفاسق غيبة. وقال عليه الصلاة والسلام: إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته، وإن لم يكن فقد بهته. وقيل: ما قلته في وجه الرجل ثم تقوله من ورائه فليس بغيبة. وقال بعض الفقهاء: الغيبة إن تذكر الإنسان بما فيه من العيب من غير أن تحوج إليه، وفي ذلك احتراز مما بقول الشاهد عند الحاكم.

ذم الغيبة والنميمة وفضل تركها:

قال الله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه؟ " . فما رضي بأن جعله آكلاً لحم أخيه حتى جعله ميتاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الغيبة أشد من الزنا لأن الله تعالى يتوب على الزاني، ولا يغفر الغيبة إلا بتحليل صاحبها. وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما: إياك والغيبة فإنها أدم كلاب النار. وقال قتيبة لرجل يغتاب آخر: لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام، الغيبة مرعى اللئام وجهد العاجز. وقال المأمون: حسبك من السعاية أن ليس في الدنيا صدق مذموم غيرها. وقال تعالى: " همّاز مشّاء بنميم " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتاة. وقال: النميمة تفطر الصائم وتنقض الوضوء. وقال: من قلّ ماله وكثر عياله وحسنت صلاته ولم يغتب المسلمين كان معي يوم القيامة كهاتين. وقال: عذاب القبر من ثلاثة: من الغيبة والنميمة والبول. وقيل: الساعي غاش وإن قال قول المتنصح. وقال ابن أكثم: القول بالمحاسن في المغيب فريضة على كل ذي نعمة. وقال المأمون لإبنه العباس: قلم أظفارك من جليسك، فأخس الناس من دمي جليسه بظفره. قال: ولله در القائل:

لا أخدش الخدش بالجليس ولا ... يخشى جليس إذا إنتشبت يدي

من امتنع أن يجعل مغتابه في حل:

قال رجل لابن سيرين: قد نلت منك فاجعلني في حل. فقال: لا أحل ما حرم الله عليك. وقيل للحسن: إن الحجاج كان يذكرك بسوء. قال: علم ما في نفسي له فنطق، وعلمت ما في نفسي له فسكت، وكل امرئ بما كسب رهين.

من سمحت نفسه بأن يجعل في حل:

كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا خرج يقول: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. وقال كثير:

هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت

وقيل لرجل: فلان شتمك واغتابك، فقال: هو في حل. فقيل: أتحل من يغتابك وبه يثقل ميزانك؟ فقال: لا أحب أن أثقل ميزاني بأوزار إخواني.

من قلت مبالاته بمن اغتابه:

قيل لفيلسوف: فلان يشتمك بالغيب. فقال: لو ضربني بالسياط في الغيب لم أبال به! قال:

وإن الذي يؤذيك منه استماعه ... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل

قال المتوكل لأبي العيناء: ما بقي أحد إلا اغتابك، فقال:

إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباناً عليّ لئامها

وقيل للأحنف: فلان اغتابك. فقال:

رب من يعيبه أمري ... وهو لم يخطر ببالي

قلبه ملآن من غيظي وقلبي منه خال

وقيل لأعرابية: فلانة تقع فيك. فقالت: دعوها فشكاتها وسكاتها عندي سواء. وقيل لرجل: فلان يغتابك. فقال: دعني يسترفعني الله بذلك، فمن أكثرت فيه الوقيعة رفعه الله، فإن بني أمية لعنوا علياً على المنابر فما زاده الله إلا رفعة. وحكي عن ببغا الشاعر البغدادي أنه قيل له: أن فلاناً يغتابك. فقال: لا ضير أنه أراد أن يمتحن ودي. وقيل لآخر ذلك فقال:

ولم يمح من نور النبي أبو جهل!

ذم ناقص يغتاب فاضلاً:

قيل: كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً وهو يقع في الصالحين.

شاعر:

عثيثة تقرض جلداً أملسا

المتنبي:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فخي الشهادة لي بأني كامل

الموسوي:

عادات هذا الدهر ذمّ مفضل ... وملام مقدام ونقص جواد

وكأنه من قول الآخر:

وما زالت الأشراف تهجى وتمدح

ونحوه قول الآخر:

إنما الغيبة تلقيح الشّرف

من رمى غيره بعيبه:

رمتني بدائها وانسلت. عير بجير بجره نسي بجير خيره. وقيل: أتبصر القذاة في عين أخيك وتدع الجذع المعترض في حلقك؟

اغتياب المرء غيره يدل على عيبه:

قيل: من وجدتموه عياباً وجدتموه معيباً لأنه بعيب الناس بفضل عيبه. وفي ذلك قال:

ويأخذ عيب المرء من عيب نفسه ... مراد لعمري ما أراد قريب

قال أبو العيناء: ما قطعني أحد كما قطعني المهدي فإنه قال: بلغني أنك تغتاب الناس! فقلت له: يبطل ما قيل في شغلي بعيني. فقال: والله ذاك أشد لغيظك على أهل العافية أعرف الناس بعوار الناس المعور.

تشهي الغيبة واستطابها:

قال قتيبة لرجل يغتاب آخر: لقد تلمظت بما يعافه الكرام. فقال: لو تلمظت به ما صبرت عنه. وقال رجل لبنيه: إذا اجتمعتم فعليكم حديث أنفسكم ودعوا الاغتياب. فقال أحدهم: نحن نحتاج في هذه السنة إلى كذا وكذا، ونفعل ونصنع كذا وكذا، فقد فرغنا من حديثنا فبماذا نشتغل؟ وقيل: الغيبة فاكهة النساك والقراء. وقصد رجل ابن عمه مسترداً لحق له فأحسن إليه، فلما عاد سئل فقال: منعني التلذذ بالغيبة والشكوى. ونحوه قول الآخر:

فقضت حاجتي معجلة ... فجعتني بلذة الشكوى

من اغتاب فاغتيب:

قيل: من رمى الناس بما فيهم رموه بما ليس فيه. وقيل: بحثك عن عيوب الناس يدعو إلى بحثهم عن عيوبك. وقال آخر:

ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل

الكاروشي:

تحللت بالسب لما رأيت ... أديمك صح، ومن سبّ سب

فإن لم نجد فيك من مغمز ... سلكنا إليك طريق الكذب

الشطني:

لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله ستراً عن مساويكا

النهي عن استماع الغيبة:

قال عمرو بن عبيد لرجل يستمع إلى آخر يغتاب: ويلك نزه أذنك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن النطق به.

شاعر:

وسمعك صنّ عن سماع القبيح ... كصون اللسان عن النطق به

آخر:

والسامع الذمّ شريك له ... والمطعم المأكول كالآكل

وقال الفضيل: الرجل يقول سبحان الله وأخشى عليه بذلك النار، وهو الذي يستمد بذلك الغيبة إذا سمعها. وقيل: إذا رأيت من يغتاب الناس فأجهد جهدك أن لا يعرفك، فأشقى الناس به معارفه.

إبراهيم بن المهدي:

من نمّ في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه

الممدوح بصيانة مجلسه عن الغيبة:

مدح بعضهم رجلاً فقال: ينزه مجالسه عن الغيبة ومسامعه عن التميمة.

كعب الغنوي:

إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب

ومثله قول البهلول:

نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس

الحث على التثبت فيما يسمع من السعاية:

وشي برجل إلى بلال فلما أتى به قال: قد أتاك كتاب الله في أمرنا فاعمل به؛ قال اله تعالى: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " . فقال: صدقت! وأبلغ ملك عن رجل منكراً فأمر بقتله فقال: إن قتلتني ومن سعى بي كاذب يعظم وزرك، وإن تركتني وهو صادق قل وزرك، وأنت من وراء ما تريد، والعجلة موكل بها الزلل، فأمر بإبقائه والفحص عن أحواله.

كثير:

وإن جاءك الواشون عني بكذبة ... فروها ولم يأتوا لها بحويل

فلا تعجلي يا عزّ أن تتبيني ... بنصح أتى الواشون أم بحبول

من سأل صاحبه أن لا يصغي إلى الساعي:

لما أراد عبد الملك بن صالح الهاشمي الخروج إلى الشام استدعى حوائجه من جعفر بن يحيى فقال: أسألك أن تكون لي كما قال ابن الدمينة:

فكوني على الواشين لدّاء شغبة ... كما أنا للواشي الدّ شغوب

فقال له جعفر: أكون كما قال الآخر:

وإذا الواشي أتى يسعى بها ... يقع الواشي بما جاء يضر

من بكت الساعي به ودل على بطلان قوله:

سعى رجل بالليث بن سعد إلى والي مصر فأحضره فقال: إن رأيت أن تسأله أسر ائتمنته عليه فخانه أم كذب بقوله؛ فالخائن والكاذب لا يقبل قولهما. ووشى واش إلى زياد بن همام وقال: إنه هجاك. فأحضره وأعلمه فقال: كلا. فقال: أخبرني بذلك الثقة. فقال: الثقة لا يكون نماماً. فأحضر الساعي وجبهه بذلك فقال:

وأنت امرؤ ما ائتمنتك خالياً ... فخنت، وإما قلت قولاً بلا علم

فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم

وقال الواثق لأحمد بن أبي داؤد: فلان قال فيك كذا. فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب في ونزهني عن الصدق فيه.

من رد السعاية على الساعي وبكته:

كان الفضل بن سهل يبغض السعاة، فإذا أتاه ساع يقول: إن صدقتنا أبغضناك، وإن كذبتنا عاقبناك، وإن إستقلتنا أقلناك. ودخل رجل على عبد الملك فقال: هل من خلوة؟ فأقبل عبد الملك على أصحابه وقال: إذا شئتم. فقاموا فقال له عبد الملك: إسمع لا تمدحني في وجهي فإني أعرف بنفسي منك، ولا تكذبني فليس لكذوب رأي، ولا تسعين بأحد إلي. فقال الرجل: أأنصرف؟ قال: إذا شئت. فقام وانصرف. ووقع عبد الله بن طاهر في قصة ساع: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. ورفع رجل قصة إلى أنوشروان أن رجلاً من العامة دعاه إلى منزله فأطعمه طعام الخاصة، فوقّع في قصته: قد أحمدنا فعلك فيما تأتيه وذممنا صاحبك لسوء اختياره لمن يؤاخيه. ووقع طاهر بن الحسين في رقعة متنصح: قد سمعنا ما كره الله فانصرف لا رحمك الله. ووقع السفاح في قصة ساع: أنت ظاهر السعاية قليل النكاية. وسعي إلى عبد الملك بن مروان في عبد الحميد فوقع:

أقلوا عليه لا أبا لأبيكم ... من اللؤم أو سدّوا المكان الذي سدّا

وقال الواثق لأحمد بن أبي داؤد: مازال القوم في ثلبك إلى الساعة! فقال: يا أمير المؤمنين لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم، والله وليّ جزائه وعقابك من ورائه فما الذي قلت لهم؟ قال قلت:

وسعى إلي بعيب عزة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالها

الموسوي:

وأوطأت أقوال الوشاة أخامصي ... وقد كان سمعي مدرجاً للنمائم

قلة التخلص من اغتياب الناس وذمهم:

سأل بعض الأنبياء ربه عزّ وجل أن يدفع عنه ألسنة الناس باغتيابه وذمه فقال: هذه خصلة لم أجعلها لنفسي فكيف أجعلها لك؟ وقيل: ليس إلى السلامة من ألسنة الناس سبيل، فانظر إلى ما فيه صلاحك فألزمه.

شاعر:

إذا كنت ملحياً مسيئاً ومحسناً ... فغشيان ما تهوى من الأمر أكيس

ذم ناقل الغيبة:

قيل: الراوية أحد الشاتمين. وقيل: من بلغك فقد سبك. قال:

مبلغك السوء كباغيه لكا

وقيل لحكيم: فلان عابك بكذا. فقال: لقد لقيتك نفحتني بما استحى الرجل من إستقبالي به. وقيل: ما ضرت كلمة ليس لها مخاطب. ويدخل في هذا الباب قول الشاعر:

وأنت امرؤ ما ائتمنتك خاليا

" البيتين " وقد تقدما. وكان أبو ضمضم إذا قعد للحكم يقوم بإزائه رجل يعلق نوادره، فعلم بذلك أبو ضمضم فرماه يوماً بلوح في يده فشجه، فقال له بعضهم: ما أصاب. فقال: استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب. 

الموصوف بالنميمة:

قال الله تعالى: " هماز مشاء بنميم " . وقيل: فلان أثم من الزهر. قال ابن الرومي:

أنم بما استودعته من زجاجة ... ترى الشيء فيها ظاهراً وهو باطن

آخر:

قد كان صدرك للأسرار جندلة ... ضنينة بالذي تحوي نواحيها

فصار من بثّ ما استودعت جوهرة ... رقيقة تستشف العين ما فيها

وأنكر بعضهم لمحة جليس له فنسبه إلى النميمة فقال: ما نطقت ولكن رمقت، ورب عين أنم من لسان وطرف أشد من سيف، وأوجع من حتف. وقال الرشيد لأبي عمرو الشفافي: فلان نمّ بك. فقال: يا أمير المؤمنين إن فلاناً لو كان بينك وبين واسطة لسعى بك إليه. وقال أعرابي: أتى فلان بنميمة منمنمة وسخيمة مسخمة.

العباس بن الأحنف:

أناس أمناهم فنمّوا حديثنا ... فلما كتمنا السر عنهم تقوّلوا

من قول أبي ذهل:

أمنّا أناساً كنت قد تأمنينهم ... فزادوا علينا في الحديث وأوهموا

وقالوا لنا ما لم نقل ثم أكثروا ... عليّ وراحوا بالذي كنت أكتم

من اغتاب غيره فرآه:

اغتاب أعرابي رجلاً فالتفت فرآه فقال: لو كان خيراً ما حضرته. ويقال لمن حضر إذا ذكر غائباً نزّه: اذكر الكريم وافرش له. اذكر الكلب وهيىء له العصا.

الحث على التحرز مما يقتضي الغيبة:

قال الحسن رضي الله عنه: من دخل مداخل التهمة لم يكن له أجر الغيبة. وقيل: من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن واغتابه.

من لا يحرم اغتيابه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس للفاسق غيبة. وقال: لا غيبة لثلاثة: فاسق مجاهر، وإمام جائر، ومبتدع فاجر.

نوع من ذلك:

روي فيما أظن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سعى رجلان بمؤمن آل فرعون إليه وقالا: إن فلاناً لا يقول أنك ربه. فأحضره فرعون وقال للساعيين: من ربكما؟ فقالا: أنت. وقال للمؤمن: من ربك؟ فقال: ربي بهما. فقال: سعيتما برجل على ديني لأقتله، لأقتلنكما! وأمر بهما فقتلا، فذلك قول الله عز وجل: " فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب. جرى بين بن رؤبة وبين بشار شيء فقال عتبة: أتقول لي كذا وأنا شاعر ابن شاعر ابن شاعر؟ فقال: أقول لك ذلك ولو كنت من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

مما جاء في التحية والأدعية والتهنئة

الحث على التحية ووصف فضلها:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقيتم فابدأوا السلام قبل الكلام، ومن بدأ بالكلام فلا تجيبوه. وقال صلى الله عليه وسلم: بلوا أرحامكم ولو بالسلام. وقال بعضهم: بثوا السلام فهو رفع للضغينة بأيسر مؤونة، واكتساب أخوة بأهون عطية.

شعر:

كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الودّ في قلوب الكرام؟

عني تحية. فقال: هدية فلاناً. وقال رجل لآخر: أبلغ حسنة ومحمل خفيف.

الحث على الجواب:

روي أن التحية نافلة والجواب فريضة. ويدل عل ذلك قوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها. وسلم نصراني على الشعبي فقال: وعليك السلام ورحمة الله. فقيل: أتقول ذلك لنصراني؟ فقال: أليس في رحمة الله يعيش؟ وقال صلى الله عليه وسلم: أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام.

ذم من بخل بالتحية وعذره:

أنشد ثعلب:

ومالك نعمة سلفت إلينا ... فكيف نراك تخل بالسلام؟

كشاجم:

إذا كتبوا صادفوا في الدعا ... كأن دعاءهم مستجاب

وأنشد المبرد:

إذا لم تجد بجميل السلام ... فما الذي بعده تبذل؟

آخر:

يا جوداً بالثراء ... وبخيلاً بالدعاء!

فتفضل يا أخا الفضل بتفخيم الثّناء

وسلم آخر على رجل بسوطه فلم يجبه فقيل له في ذلك فقال: سلم علي بالإيماء فرددت عليه بالضمير.

لقد مرّ عمرو على مجلسي ... فسلّم تسليمة خافية

لئن تاه عمرو بفضل الغنى ... لقد فضّل الله بالعافية

وقيل: من بدأ بغيضاً بالسلام فهو أبغض منه. وقال ابن المقفع: لا تكونن نزر الكلام والسلام، ولا تتهافتن بالبشاشة والهشاشة، فإن أحدهما كبر والآخر سخف. وقال الشعبي: انتهت التحية إلى قولهم وبركاته. ولقي رجل أبا العيناء فقال: أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك. فقال: هذا العنوان ما هو. وقال المتنبي في عذر تخفيف السلام:

أقلّ سلامي حب ما خف عنكم ... واسكت كيما لا يكون جواب

مواضع التسليم:

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فقال صلى الله عليه وسلم: إذا أتيتني على هذه الحال فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت لم أرد عليك. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم المجلس فليسلم، فإن قام والقوم جلوس فليسلم، فالأولى ليست بأحق من الأخرى. أتى أبو معكم الأسدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

يقول أبو معكم صادقاً: ... عليك السلام أبا القاسم

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليك السلام تحية الموتى وكذا يقال للميت نحو: عليك سلام الله قيس بن عاصم. ودخل الحسن بن الكناني على عبد الله بن جعفر فأنشده:

عليك السلام أبا جعفر ... ولست بهرّ لدى المحضر

فقال: أخطأت، حييتني بتحية الموتى وقد أمكنك أن تقول: سلام عليك أبا جعفر. قال:

ألا طرقتنا آخر الليل زينب ... عليك سلام، هل لما فات مطلب؟

فقلت لها: حييت زينب خدنكم ... تحية الموتى، وهو في الحي يشرب

ذم تحية من لا نفع لديه:

شاعر:

وما مرحب إلا كريح تنسمت ... إذا أنت لم تخلط نوالاً بمرحب

آخر:

إذا كان رد المرء ليس بزائد ... على مرحباً أو كيف أنت وحالكا؟

فلم يك إلا كاشراً وموارياً ... فأف لود ليس إلا كذلكا!

التسليم:

دخل رجل على أمير المؤمنين كرم الله وجهه فقال: السلام عليك سلاماً تتصل آماله بسمعك أبداً ما بقيت من وليك بطوع قلبه وصادق وده ومن عدوك برغم أنفه وذل خده.

في التلبية:

لبيك إذ دعوتني لبيكا ... أحمد ربّاً ساقني إليكا

حمد المصافحة والحث عليها:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا لقي المؤمن المؤمن فصافح أحدهما الآخر تناثرت الخطايا بينهما كما يتناثر ورق الشجر. وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافحه إنسان لم ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده. وقيل: المصافحة تزيد في المودة.

شاعر:

تصافحت الأكفّ وكان أشهى ... إلينا أن تصافحت الخدود

نعيش إذا التقى كفّ وكفّ ... فكيف إذا التقى جيد وجيد؟

آخر:

وصافحت من لاقيت في البيت غيرها ... وكلّ الهوى مني لمن لا أصافح

القصاني:

قد أحدث الناس ظرفا ... أربى على كلّ ظرف

كانوا إذا ما تلاقوا ... تصافحوا بالأكف

فأحدثوا اليوم لثم الخدود واللثم يشفي ... فصرت ألثم خدّيه من طريق التخفّي

بقية باب حمد المصافحة والحث عليها:

قيل لرجل من قريش: كيف حالك؟ فقال: حال من يهلك ببقائه ويسقم بصحته، ويؤتى من مأمنه. قال الربيع لأبي العتاهية: كيف أصبحت؟ فقال:

أصبحت والله في مضيق ... هل من دليل إلى طريق؟

ولها باب في غير هذا الموضع.

جواب من سئل من الصالحين عن حاله فشكا علة أو حالة منكرة:

قيل لأبي عمرو بن العلاء رضي الله عنه: كيف أصبحت؟ قال: لأصبحت كما قال الربيع الفزاري:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرل

والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا

وقيل للحسن بن وهب قال: أصبحت على النشاط كال القريحة صدئ الذهن ميت الخاطر من سوء اختيار الزمان وتغير الأخوان. وقيل لمحارب بن دثار فقال: كما قال الأعشى:

ولكن أراني لا أزال بحادث ... أعادي التي لم تمس عندي وأطرق

قيل لأبي العالية السامي: كيف أنت؟ فقال: على غير ما يحب الله وغير ما أحب، وغير ما يحب إبليس لأن الله يحب أن أطيعه وأنا أعصيه، وإبليس يحب أن أتعاطى ضروب الخسارة ولست كذلك، وأنا أحب أن يكون لي ثروة وصحة وليس كذلك. وقال أبو حزابة ليزيد بن المهلب: كيف الأمير؟ فقال: كما تحب. فقال: لو كنت كذلك لكنت قائماً مقامي وكنت قاعداً محلك.

الدعاء بالرحب والسعة:

قال رجل للأصمعي: مرحباً وأهلاً وسهلاً! فقال: أرحب الله بلدك وأهل رحلك وسهل أمرك. وقال رجل لخالد بن صفوان: مرحباً بك. فقال: رحب واديك وعز ناديك.

الدعاء بإطالة البقاء:

قيل: ليس في الدعاء مثل أطال الله لك البقاء وأدام لك العلاء. ومثل ذلك: عش ما شئت كما شئت.

المتنبي:

بقيت بقاء ما تبني فإني ... أراه بقاء يذبل أو أبان

آخر:

فلا زلت الشمس التي في سمائه ... مطالعة الشمس التي في لثامه

ولا زال يجتاز البدور بوجهه ... يعجب من نقصانها وتمامه

عمارة:

فذا الهرش زد في عمره من صلاتنا ... وأعمارنا حتى يطول له العمر

وقد نسب قوم أطال الله بقاءك وجعلني فداءك إلى الإحالة. وقد روي أن أول من خاطب بذلك أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه.

التفدية:

ابن بوقة:

أفديك بل أيام عمري كلّها ... يفدين أياماً عرفتك فيها

وله:

نفسي فداؤكما وقلّت في الورى ... للسيد المخدوم نفس الخادم

آخر:

بنفسي أنت لا بأبي فإني ... رأيت الجود بالآباء لؤما

وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: جعلني الله فداء نعلك. فقال: إذا يطيل الله هوانك.

يعقوب بن الربيع:

فلو أنني إذ كان وقت حمامها ... أحكم في عمري لشاطرتها عمري

فحل بنا المقدار في ساعة معاً ... فماتت ولا أدري ومتّ ولا تدري

الخوارزمي:

أطال الله أعمار المعالي ... وذاك بأن يطول لك البقاء

ولا زلت تمدّ إليك كفّ ... بضاعتها ثناء أو دعاء

وإن رضي الزمان بمثل روحي ... فداء عنك فهي لك الفداء

أبو سعيد الرستمي:

وقاك بنو الدنيا جميعاً صروفها ... فإن الجفن من خدم النصل

آخر:

فداؤك مالي فهو منك ومهجتي ... فإنك قد أقررتها في جوانحي

قال إبراهيم الصولي: إن قولهم قدمني الله قبلك مأخوذ من قول الأقرع بن حابس:

إذا ما أتى يوم يفرّق بيننا ... بموت فكن أنت الذي تتأخر

وقال منكة الطبيب الهندي ليحيى بن خالد البرمكي: لو أمكنني تخليف الروح عندك لفعلت وهذا يجوز على سبيل الدعاء له.

الدعاء بصبّحك الله بخير:

كانت العرب تتحيا في الجاهلية بقولهم:

صبّحك الله بخير فاخر ... ولحم طير وشراب خازر

قبل طلوع الشمس للمسافر

صبّحك الإفلاح بكل خير ونجاح. صبّحك الخير وجنبك الضير وقوى منك الأير. وقال رجل لآخر: كيف أصبحت؟ فقال: بخير. فقال: هلا قلت أحمد الله وأستغفره، فكان أوله شكراً وآخره عبادة. صبحتك الأنعمة بطيبات الأطعمة.

الدعاء بكبت العدا والحساد والأوغاد من شماتتها:

قال أعرابي: أراك الله في عدوك ما يعطفك عليه. وقالت امرأة لرجل: كبت الله كل عدو لك إلا نفسك. وإنما أرادت بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، أعاذك الله تعالى مما يقلق قلب الصديق ويضحك سن العدو، وأعاذك الله من خيبة الرجاء وشماتة الأعداء، وزوال النعمة وفجأة النقمة. الصاحب: لا زال أعداؤه في قل وذل وأمر منحل مضمحل.

الخوارزمي:

ولا زالت عداك بكل أرض ... لهم من سوء ظنهم نذير

قصير نهارهم خوف طويل ... بهم، وطويل عمرهم قصير

المتنبي:

وأراك دهرك ما تحاول في العدا ... حتى كأن صروفها الأقدار

الدعاء ببلوغ الأهل:

شاعر:

أنالك ربك ما تأمله ... وحق لك الله ما تسأله

الموسوي:

ظفرت بما اشتهيت من الليالي ... وأعطيت المراد من الأماني

الدعاء بأن جعل الله له النعم وأدامها عليه:

زادك الله كما زادنا بك وأعطاك أكثر مما أعطانا منك. وقال ابن القرية: لا زلت في رحب من البال وثروة من المال، في غبطة وسرور وبعد من المكروه والشرور، أعطاك تعالى حتى ترضى وزادك بعد الرضا، وتوفر لك من سعته ما لا تهتدي لمسألته ولا يحيط قلبك بمعرفته، وجعل ذلك موصولاً بالثواب المدخر للمحسنين، أنعم الله عليك بما يعجز عنه شكرك ولا أبلاك بما يضيق عنه صدرك. منحكم الله منحة لا تغار ليست بجداء ولا نكراء ولا ذات داء. جعل الله نعمك هبة مخلدة لا عارية مستردة.

المتنبي:

أتم سعدك من لقّاك أوله ... ولا استرد هبات منك معطيها

علي بن الجهم:

أتم الله نعمته علينا ... فإن تمامه نعم علينا

الدعاء بزيادة النعماء والعلاء:

المتنبي:

إن كان فيما نراه من حسن ... فيك مزيد فزادك الله

أبو تمام:

اسمع أقامت في ديارك نعمة ... خضراء ناعمة ترف رفيفا

عنان جارية الناطفي:

نعم إذا النعم انتقلن تخيمت ... وإذا نفرن عدت عليك ألوفا

آخر:

أيا رب زده نعمة وكرامة ... على غيظ أعداء وإرخام حاسد

الدعاء بأن يقيه الله من الفقر ويجعل له سعة من اليسر:

حعل الله لك في الخير جداً ولا جعل معيشتك كدّاً. أعاذك الله من القنوع والخضوع والخنوع، أعاذك من بطر الغنى ومذلة الفقر. جعل الله لك رزقاً واسعاً وجعلك به قانعاً. وهب الله لك من غناه ما لا يقدر عليه سواه. قال رجل لمسروق بن الأجدع: أعاذك الله من خشية الفقر وطول الأمل، ولا جعلك ردية السفهاء وشيناً على الفقهاء. وقال أعرابي: رزقك الله من غير طلب شديد، ولا سفر بعيد. جعلك الله في الرزق حولاً لغيرك.

الدعاء بالتوفيق والإعادة من الشرور:

فرغك الله لما له خلقك ولا شغلك بما تكفل به لك. وقال سعيد بن المسيب: مر بي صلة بن أشيم فقلت ادع لي فقال لي: رغبك الله في ما يبقى وزهدك في ما يفنى، أعاذك من هيجان الحرص وسورة الغضب وغلبة الحسد، ومخالفة الهدى وسنة الغفلة وإيثار الباطل على الحق، وأعاذك من سوء السيرة وإحصاء الصغيرة، ومن شماتة الأعداء والفقر إلى غير الأكفاء، ومن عيشة قي شدة وميتة من غير عدة، ومن سوء المآب وحرمان الثواب وحلول العقاب. وقال أعرابي: أعاذك الله من هول المطلع وضيق المضطجع وبعد المرتجع. وقال آخر: أعانك الله على الدنيا بالسعة وعلى الآخرة بالمغفرة.

المتنبي:

فلا تنلك الليالي إن أيديها ... إذا ضربن كسرن النبع بالغرب

ولا تعزّ عدوّاً أنت قاهره ... فإنهنّ يصدن الصقر بالخرب

ابن الرومي:

فزادكم بالمدح كل قصيدة ... ولا قصدتكم بالمراثي القصائد

أبو محمد الخازن:

لا زال ألسنة القريض نواطقاً ... يخدمن مجدك بالثناء الأفصح

تهنئة بولاية:

أهنىء بك العمل الذي وليته ولا أهنئك به، لأن الله تعالى أصاره إلى من يورده موارد الصواب، ويصدره مصادر الحجة. لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي اله عنه دخل عليه شاب من الأنصار فقال: ما طيبتك الخلافة ولك طيبتها وما زينتك الولاية بل زينتها، فأنت كما قال:

وتزيدن أطيب الطيب طيباً

إبراهيم بن العباس:

ما جددت لك من نعمي وإن عظمت ... إلا يصغرها القدر الذي فيكا

لا زلت مستحدثاً نعمى تسر بها ... على الليالي ولا زلنا نهنيكا

ابن الرومي:

قل لك الملك ولو أنه ... مجموعة فيه الأقاليم

والله يبقيك لنا سالماً ... يأتيك تبجيل وتعظيم

أبو الغمر:

ليهنك الفتح مشفوعاً حسا وزكا ... وصاحبتك الليالي غضة ضحكا

تهنئة بنيروز:

شاعر:

أنعم بنيروزك وابهج به ... متعت ألفاً مثله بعده

أهدى بعض الأدباء يوم نيروز وردة وسهماً وديناراً ودرهماً فقال:

لا زلت كالورد لذيذ المنسم ... ونافذاً مثل نفاذ الأسهم

في عز دينار ونجح درهم

تهنئة بمهرجان:

المهلب بن مالك:

جاءك المهرجان يختال طلقاً ... في هواء صاف وفي زعفرانه

نلت فيه الذي به نال افريدون من رغم حاسد وهوانه

تهنئة بزفاف:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال بالرفاه والبنين، وكان يقول: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما بخير. وهنا ابن القرية الحجاج فقال: أقر الله عينك ورزقك ودها وولدها، وجعلك الباقي بعدها.

ابن الرومي:

سيدة زفت إلى سيد ... أبدلنا اليسر من العسره

ألف بالتوفيق شملاهما ... في نعمة تمت وفي خيره

عمره الله وأبقى له ... ركنيه من عز ومن قدره

تهنئة بولد:

قال شبيب بن شبة المهدي: أراك الله في بنيك ما رأيته في أبيك. وقال رجل عند الحسن: ليهنك الفارس. فقال: لعله يكون بغالاً قل: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ورزقت رشده وبلغ أشده. ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل معه صبي فقال: أهذا ابنك؟ قال: نعم قال: أمتعك الله به. وقال اسحق الموصلي للفضل بن الربيع:

مد لك الله الحياة مدا ... حتى يكون ابنك هذا جدا

ثم يفدى مثلما تفدى ... أشبه منك سنة وقدا

الرفاء:

تمل فارسك المذكور في شيم ... بمثلها الذكر الصمصام مذكور

وافى ومولده الوافي يخبرنا ... بأنه ناصر للمجد منصور

فعاش ما نشر الديجور حلته ... وما انطوى بضياء الفجر ديجور

حتى تراه وقدح السيف في يده ... مثلم، وسنان الرمح مأطور.

تهنئة بابنة:

كانوا يقولون: أمنكم الله منها العار وكفاكم منها المؤنة.

الصاحب:

إياك أن تنكر الإناث فكم ... أنثى غدت في فخارها ذكرا

الدعاء للمسافر:

قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أراد سفراً: اللهم اطو له البعيد وهون عليه العسير. وكانوا يقولون: استودع الله دينك وأمانتك وخواتم أعمالك، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل.

السري الرفاء:

الله جارك ظاعناً ومقيما ... وظهير نصرك حادثاً وقديما

إن تغن كان لك النجاح مصاحباً ... أو تثو كان لك السرور نديما

المتنبي:

وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت وديمة مدرار

وصدرت أغنم صادر عن مورد ... مرفوعة لقدومك الأبصار

الخبزارزي:

رعاه الله حيث غدا وسارا ... وأعقبه الغنيمة والإيابا

أبو المعافاة:

ردك الله إلينا سالماً ... بعد غنم واغتباط وظفر

الدعاء للقادم من سفر:

أبو العتاهية:

لا زلت من غم إلى راحة ... تقدم يا خير فتى قادم

ابن الرومي:

لا زلت من غنم إلى ... دعة وأمن قادما

وله:

قدوم سعادة وقفول يمن ... هو البشر المخفف كل حزن

وقيل: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان نساؤها يقلن:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

تهنئة بالصوم:

الصنوبري:

نلت في ذا الصيام ما ترتجيه ... ووقاك الاله ما تتقيه

أنت في الناس مثل ذا الشهر في الأشهر بل مثل ليلة القدر فيه

تهنئة بالعيد:

قبل الله منك الفرض والسنة واستقبل بك الخير والنعمة.

ابن خلاد:

بأسعد طالع عيدت يا من ... بطلعته سعادة كل عيد

المتنبي:

هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده ... وعيد لمن سمى وضحى وعيدا

ولا زلت الأعياد لبسك بعدها ... تسلم مخروقاً وتعطى مجدداً

آخر:

البس النعماء ما أو ... مض برق في غمام

وأصلاً عيداً بعيد ... ودواماً بدوام

تهنئة بخلعة:

أبو بكر الصولي:

خلع خلعت بها القلوب عداكا ... ملأت سروراً كل من يهواكا

لا زلت تلبس كل يوم مثلها ... أبداً على ارغام من عاداكا

ووقاك رب الناس ما تخشاه من ... عنت الزمان وظلمه وكفاكا

تهنئة بدار:

ابن الرومي:

دار أمن وقرار واعتلاء واقتدار

أسست والطير باليمن وبالسعد جوار

خير دار حل فيها خير أرباب الديار

وقديماً وفق الله خياراً لخيار

القاضي علي بن عبد العزيز:

ليهن ويسعد من به سعد الفضل ... بدار هي الدنيا وسائرها فضل

دعاء لتناول شيء من لحيته:

نزع رجل من لحية الحسن قذاة فقال: لا بك السوء. وقال آخر: لا عدمت ربك نافعاً. وتناول بعضهم من لحية رجل شيئاً فقال: صر الله عنك السوء. فقال: إليك لا عاد. ورأى الفتح شيئاً في لحية المتوكل فلم يمد يده إليه ولا قال له شيئاً بل قال: يا غلام هات مرآة أمير المؤمنين. فجيء بها ونظر فيها فأخذه بيده.

وعلى العكس من هذا الباب:

قال الأصمعي: نزع رجل من لحية آخر شيئاً فقال: نزع الله ما بك من نعمة. وتناول بشار من لحية رجل شيئاً فقال: لا يمنعني أن أقول صرف الله عنك السوء إلا مخافتي أن يذهب الله بوجهك فإنه سوء. ومن هذا الباب قال أبو الأسود: لا يقض الله فاك أي لا يجعله فضاء بذهاب الأسنان. وقال بعضهم: طاب طيبك وعاش حبيبك ولا زال خير ينوب. وقال رجل لآخر: رحمك الله. فقال له مجيباً له: يغفر الله لي ولكم. فقال: ما أنصفتنا آثرناك على أنفسنا بالدعاء وجعلتنا علاوة على نفسك.

دعاء مكروه المبدأ:

دعا رجل لسلطان فقال: لا صبحك الله إلا بخير. فأمر بأن يصفع وقال: من آخذني باحتمال قبيح ابتداء سلامه والصبر على انتظار تمامه. ولما أنشد أبو مقاتل الضرير الراعي يهنئه بمهرجان:

لا تقل بشرى ولكن بشريان

أمر بطرده وقال: أعمى ينشد يوم المهرجان لا تقل بشرى! وقال رجل لبعض الخلفاء في كلام نفاة: لا أطال الله بقاءك! فقال: قد علمتم لو تعلمتم: ألا قلت لا وأطال الله بقاءك؟ وعنى بذلك ما روى أن رجلاً قال لبعضهم: لا وأطال الله بقاءك. فقال: ما رأيت واواً أحسن موقعاً من هذا الواو. وقال رجل لآخر: كيف أنت؟ فقال: كبر ضعفي! فقال: قوى الله ضعفك. فقال: اسكت! إذاً يزيد في علتي، قل قواك الله على ضعفك. ويقرب من ذلك ما حكي أن رجلاً تعرض للصاحب فقال: أنا قاضي شلنبة وأدعو أبداً على مولانا. فقال: ادع على نفسك. فقال: لا بل على مولانا، وقدر أن ذلك زيادة في الدعاء، فقال الصاحب: زادنا في البر.