الحد السادس: في الشكر والمدح والحمد والذم والاغتياب والأدعية والتهنئة والهدية والمرض - الفرع الثالث

محاضرات الأدباء

الراغب الأصفهاني

الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب والمتوفي سنة 502هـ-1108م

 

الحد السادس

في الشكر والمدح والحمد والذم والاغتياب والأدعية والتهنئة والهدية والمرض

الفرع الثالث

مما جاء في الدعاء على الإنسان

حذف اللئيم بالسباب وعجز الكريم عنه:

قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ما تساب اثنان قط إلا غلب ألأمهما؛ أخذه الشاعر فقال:

وإنك قد ساببتني فغلبتني ... هنيئاً مريئاً أنت بالسب أحذق!

ونازع رجل المهلب فأرى عليه فقيل له: لم سكت عنه؟ قال: استحييت من سخف المسابة ورغبت عن غلبة اللئام، وكان إذا سبني تهلل وجهه واستنار لونه وتبجحت نفسه، فإن غلب فيفضل القحة ونبذ المروءة وخلع ربقة الحياء، وقلة الاكتراث بسوء الثناء.

ما جعلته العرب تعجباً من الشتم:

تقول العرب: قاتله الله! قال ابن الأعرابي: إذا قيل قتله الله لا يكون إلا شتماً، وإذا قيل قاتله الله يكون تعجباً. ما له لا عد من نفره، وتربت يداه، وثكلته أمه وهدت أمه، كل ذلك يستعمل على طريق التعجب واستعظام القول فيه. ولهذا قال بعض الشعراء:

أسب إذا أجدت القول ظلما ... كذلك يقال للرجل المجيد

الحث على التعريض بالشتم دون التصريح:

قال أبو عمرو بن العلاء: أحسن الشتم ما يتذاكره ذوو المروءآت في مجالسهم، ولا يتحاشى من روايته أهل الأديان.

من شتم كثيراً معرضاً غير مصرح: سأل رجل بعض الكبار شيئاً فاعتذر إليه بفقر ناله فقال: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً، وإن كنت محجوباً فجعلك الله معذرواً. كتب هشام إلى ملك الروم: من هشام أمير المؤمنين إلى ملك الطاغية! فكتب إليه: ما ظننت أن الملوك تسب، وما الذي يؤمنك أن أكتب إليك: من ملك الروم إلى الملك المذموم: هشام الأحول المشؤوم! كان محرز الكاتب إذا رأى ابن شاهين قال: حياك الله وجهاً ألقاك به! وهو لا يفهم فلما أكثر قيل له: إنما عنى نفسه بما يقوله. فقال: دعوه لي، فلما رآه وقال له ذلك قال: لا حيا الله وجهاً أراك به! فضحك محرز وقال: آمنين.

بعضهم:

سلام ساقط الميم ... على وجهك بالحاء

لنا في البيت خروف ... فكل منه بلا فاء

ابن الحجاج:

وزنته ألفين يا ليته ... أصبح في تصحيف ألفين

أي في القبر. وسأل أمير المؤمنين بعض الناس فقال: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول علي منى كهرون من موسى، الله وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: كبرت سني ونسبته. فقال: إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامةَ! فصار ذا برص إلى أن مات. 

من تملح في شتم كبير:

خرج المهدي إلى الصيد فتفرد مع غلام فرأى أعرابياً فقال: إني أريد أن أضحك من هذا الأعرابي. فأتاه الغلام فقال: أجب أمير المؤمنين. فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟ فزناه وشتمه. فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين هذا شتمني فقال المهدي: يا غلام أعطه دانقاً. فقال الأعرابي: أدية فريتكم دانق يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: فأنت زان وابن زانية وابن زان، خذ درهماً ومر في حفظ الله! وقال هشام: من يسبني ولا يفحش وهذا المطرف له؟ فقال له أعرابي: هاته يا أحول! فقال: خذه قاتلك الله! وقال البوشجان: حضرت مجلس المبرد فسمعنا نفاشاً يقول في حرام أصفهان فقال أبو العباس: هذا قد شتمكم على قول الله تعالى: واسأل القرية أي أهلها.

الدعاء على إنسان بالمرض:

قال أعرابي لرجل: إن كنت كاذباً فبعث الله عليك داء ليس له دواء. وقال آخر: رماه لله من الداء بما يصير به رحمة للأطباء. وقيل: ما له خرب وحرب وذرب. معنى ذرب فسدت معدته ما له وراء الله الورى سعال يقيء منه الدم. قال عبد بني الحسحاس:

وراهن ربي مثل ما قد ورينني ... وأحمي على أكبادهن المكاويا

وقيل: بفيه الثرى وحمى خبيراً فإنه خيسرى ابن خاسر أبرد الله مخه أي أهزله ماله ال وغل وسل كساه الله عصابة رمد ورداء نكد وازار جذام.

الدعاء عليه بفقدان الجوارح:

جذعه الله جذعاً مرعباً، أشل الله عشره.

فلا استقلت أبداً ... سوطاً من الأرض يده

جارية الناطفي:

فليت من يضربها ظالماً ... تيبس يمناه على سوطه

الدعاء عليه بذهاب المال:

شرب بارداً وحلب قاعداً أي لا كان له لبن حتى يشرب الماء القراح، وعوض من الإبل غنماً يحلبها قاعداً. ونحوه: أباد الله رواغيه وأبقى ثواغيه. رماه الله بقرع الفناء وصغر الإناء. قرع مراحه وساف ماله. لا طلبته الخيول ولا تكاءدته المحول أي لا جعل الله له ما لا تطلبه الخيول للغارة أو يتكاءده جدب الزمان؛ فعلى هذا حمل قول الشاعر:

وجنبت الجيوش أيا زنيب ... وجاد على منازلك السحاب

الدعاء عليه بالهلاك:

رماه لله حيث لا يرى بفاقرة الثرى أي الأفعى. كقولهم: رماه لله بأفعى عادية ورماه الله ببنية لا أخت لها. وتقول: ثل عرشه وجذ ثدي أمه، وهوت أمه وزال زواله ولا عد من نفره. رماه الله بثالثة الأنافي ورياح عاصفة وسيول جارفة.: ويقال: ما لكم تفاقدتم فجع الله به وادا ودوداً وأشمت به حاسداً حسوداً، وسلط عليه هماً يضنيه وجاراً يؤذيه وعدواً يرديه، أقام الله عليه ناعيه وأشمت به أعاديه. 

امرأة:

ارم بسهمين على فؤاده ... واجعل حمام نفسه في زاده

وفي معنى أفقدنيه الله:

فقدت خيالك لا من عمى ... وصوت كلامك لا من صمم

الحميري:

رب قد أعطيتناه ... وهو من شر عطاء

فارجعنه رب عنا ... بإزار ورداء

الدعاء بإزالة الدولة:

أبو هفان:

أزال الله دولتهم سريعاً ... فقد ثقلت على عنق الزمان

جحظة البرمكي:

سألت الله تعميراً طويلاً ... ليبهجني بخطب يعتريكم

أخاف بأن أموت ولن تريني ... صروف الدهر ما أهواه فيكم

الدعاء على ظاعن:

ودعت على امرأة زوجها ورمته بروثة ونواة وحصاة وقالت: راث خبرك وتناءت دارك وانحص أثرك ثم أنشدت:

اتبعته إذ رحل العيس ضحى ... بعد النواة روثة حيث انتوى

للروثة الريث ... وللنأي النوى

علي بن عاصم:

أما وقد ضمه الفرار ... فلا يضمنه القرار

ولا اطمأنت به الفيافي ... ولا استقرت به الديار

ابن حازم:

وداع دون أوبته النشور ... ونأي لا يقر به مسير

وقالٍ غير ميمون ولكن ... بأنكد ما يدور وما يطير

أبو هفان:

في عذاب يطلب الطا ... لب من أدناه موته

ونحوس قاطعات ... لك عما قد نويته

الدعاء على متزوج:

قال بعضهم: المتزوج بالبيت المهدوم والطائر المشؤوم والرحم المعقوم أبو الفرج الكاتب:

بالرزايا والطائر المنكوس ... كان يوم الزفاف والتعريس

واصل الله باتصالك هذا ... نكبات مبيدة النفوس

دخلت رجلها دخول قدار ... وطويس ومنشم والبسوس

وتبدلت بالجلاء جلاء ... وبرحب الديار ضيق الحبوس

الدعاء على باني دار:

البسامي:

شدت داراً خلتها مكرمة ... سلط الله عليها الغرقا

وأرانيك فقيراً وسطها ... وأرانبها صعيداً زلقا

أنواع مختلفة:

أبو الوليد الكناني:

بلوناهم واحداً واحداً ... فكلهم شأنهم واحده

فلا ذرأ الرب أولادهم ... ولا بارك الرب في الوالده

أعرابي:

وصاحب قلت ولم أسمه ... لما به من مقته وغمه

لعن الإله ثعلة ابن سافر ... لعناً عليه يشق من قدامه

أبو الأشعث الهمداني وقد سرق له أضحية:

يا سارق الكبش رجلاه وجبهته ... في صدع أمك بالقرنين والذنب

هلا سرقت! جزاك الله لعنته ... من الموالي ولم تسرق من العرب

سمع ذو الرمة رجلاً يقول: على فلان لعنة الله! فقال: لم يرض بواحدة حتى شفعها بأخرى، ومعنى ذلك أنه اعتقد في قوله لما سمعه مفتوحاً أنه مرفوع مثنى كقولك هذان عبد الله.

شاعر:

وما دعوت عليه قط ألعنه ... إلا وآخر يتلوني بآمين

سقط مخنث من جبل فغشي عليه فلما أفاق قال: يا جبل ما أصنع بك؟ أضربك لا يوجعك أشتمك لا تبالي، ولكن بيني وبينك يوم يكون الناس كالفراش المبثوث. ومن كلام أبي العبر: استودعك الله حائطاً مائلاً وكنيفاً سائلاً. وقع بين أنس بن مالك وامرأته شر فقال لامرأته: لأدعون الله عليك! فقال: قد دعوته على الحجاج فما زادت رقبته إلا غلظاً. حكى الصاحب أن أبا علي بن مثوبة كان إذا شتم إنساناً في غضب عظيم يقول: يا قواد يا قواد تر. قال: هذه الزيادة لم تسمع إلا منه.

لرابية الأسدية:

فمن لامني في حب نجد وأهله ... فليم على مثل وأوعب جادعه

معاذ الداهلي:

لحى الله أدنانا إلى اللؤم زلفة ... وألأمنا أما وأسقطنا جداً

قال الأصمعي: كان النساء يقلن للشيخ إذا سعل: ورياً وقحاباً. وللشاب: عمراً وشباباً، القحب: السعال. حكي عن يهودي بأصبهان أنه كان إذا أتاه جندي فيقول: يا أخا القحبة! يقول: لما سمعت صوتك علمت أنه هو. وقال له غلامه: إن هذا يقول يا ديوث. فقال: الديوث ايش يعمل ههنا؟ يعرض به. وقال: إنسان امرأته قحبة! فقال: أليست أختاً لك، أليست بنتاً لك؟ قال له إنسان: امرأة قحبة فقال: حلالت هو ذا أي أنها امرأتك.

مما جاء في الهدايا

الحث على الاهداء وذكر فضيلته:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. وقال: الهدية تسل السخيمة. وقال عمر رضي الله عنه: نعم لشيء الهدية بن يدي الحاجة. وفي الخبر: إذا قدم أحدكم من سفر فليهد إلى أهله وليطرفهم وإن حجارة. وقيل: أسكفة الباب تضحك من الهدية. وقيل: الهدية هداية. قال:

ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوماً بأنجح في الحاجات من طبق

لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... عن رغبة يعظمون الناس أو فرق

أما الفعال ففوق النجم مطلبة ... والقول يوجد مطروحاً على الطرق

آخر:

إذا أتت الهدية دار قوم ... تطايرت الأمانة من كواها

وقيل: الهدية بضاعة تيسر الحاجة ومن صانع المال لم يحتشم. قال الغاضري لأصحابه: أي راكب أحسن؟ فقال بعضهم: تمرة على زبدة. فقال: لا بل هدية على حمال. ومن أمثال الفرس: الهدية تغالط العقول.

الحث على قبول الهدية:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الهدية رزق الله، فمن أهدي إليه شيء من غير سؤال ولا إسراف فليقبله، فإنما هو رزق ساقه الله إليه. من سألكم بالله فأعطوه. ومن استعاذكم فأعيذوه، ومن أهدي إليه كراع فليقبله. وقال: لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت.

 

الحث على المقابلة:

قال الله تعالى: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " ، فسره بعضهم بالهدية وجعل الثواب بها واجباً. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها ما هو خير منها. أنشدني بعضهم:

رأيت الناس طراً في الهدايا ... كبيع السوق خذ مني وهات

طلب الهدية ومعاتبة من تركها:

روي أن رجلاً أهدى إلى الحسن والحسين رضي الله عنهما ولم يهد إلى الحنيفة، فأنشأ أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يقول:

وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا

وكتب رئيس إلى بعضهم: لا تهدين ما يجحف بحالك فإنه لا يزيد في مالي ولا يمنعك من ملاطفتي بيسير، واللطف استعظامك لمكاني، فالكثير منك يسير واليسير عندنا كثير، والسلام: المعيطي:

أتاني أخ من غيبة كان غابها ... وكنت إذا ما غاب أنشده الركبا

فجاء بمعروف كثير فدسه ... كما دس السوء في حضنه رطبا

فقلت له: هل جئتني بهدية؟ ... فقال: بنفسي! قلت: أطعمتها الكلبا!

هي النفس لا أرثي لها من ملمة ... ولا أتمنى إن نأيت لها قربا

الهدية مشتركة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم بهدية فجلساؤه شركاؤه فيها. وكان الهيثم بن عدي يحدث بهذا الحديث، فما تم حتى طلعت هدية فقال: ما خلا هذه.

نهي الولاة عن قبول الهدية:

صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: ما بال أقوام استعملتهم على الصدقات فيجيء أحدهم فيقول هذا مالكم وهذا أهدي إلي، هلا جلس في حفش أمه فينظر أيهدى إليه؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله، فليأتين أحدكم وعلى رقبته بعير له رغاء، وبقرة لها خوار وشاة لها ثغاء، ثم رفع يده وقال: اللهم قد بلغت. وروي: إياكم والهدية فإنها ذريعة الرشوة. ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. قال الشيخ: وقد ذكرت خبر أنوشروان مع غيره في مثل هذا الباب في الولايات.

الممتنع من أخذ الهدية:

سأل رجل الخيزران حاجة فاستبطأها، فأهدى إليه هدية فكتب إليه: إن كان ما وجهته ثمناً لرأيي فيك فقد بخستني في القيمة، وإن اكن استزادة فقد استغششتني في النصيحة. وقال المدائني: أهدى رجل إلى مجوسي هدية فاغتم لذلك فقيل له فقال: لئن ابتدأني بها فإنه يدعوني إلى أن أتقلد منه منة، ولئن كافأني على معروف عنده إنه ليروم أخذ ذلك، فمن أي هذين لا أجزع. وطلب عبد الله ابن جعفر لأزاد مرد حاجة من أمير المؤمنين رضي الله عنه، فأهدى إليه ازاد مرد أربعين ألف درهم، فامتنع عبد الله من أخذها وقال: أنا أهل بيت لا نأخذ على معروفنا ثمناً. أهدى عبد الله ابن السري إلى عبد الله بن طاهر لما ولاه مصر مائة وصيفة، مع كل واحدة بدرة، وبعثها إليه ليلاً فردها وكتب إليه: لو قبلت هديتك ليلاً قبلتها نهاراً، وما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون.

من لان بعد شدة لأخذ هدية:

مر زياد بأبي العريان بالبصرة فقال: من هذا؟ فقالوا: زياد بن أبي سفيان. فقال: ما أعرف في ولد أبي سفيان زياداً فبلغه ذلك فوجه إليه دنانير ثم مر به فقال: من هذا؟ فقالوا: زياد بن أبي سفيان. فقال: لقد ذكرني شمائل أبي سفيان، فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه:

ما لبثتك دنانير رشيت بها ... أن لونتك أبا العريان ألوانا

لله در زياد منذ قدمها ... كانت لو دون ما يخشاه قربانا

فكتب له:

ابعث لناصلة تحيا النفوس بها ... قد كدت يا ابن سفيان تنسانا

من يسد خيراً يجده حيث يجعله ... أو يسد شراً يجده حيثما كانا

أما زياد فلا أنسيت نسبته ... ولم أرد بالذي حاولت بهتانا

ولما ولي الحسن بن عمارة المظالم قيل ذلك للأعمش فقال: ظالم ولي المظالم! فأهدى إلى الأعمش رزمة ثياب فجعل يقول من بعد: إن الحسن كريم وحر سخي. وكان رؤبة له حكومة فلم يكن يبلغ مراده فيها، فأهدى إلى الحاكم شيئاً فنال ما رام فقال:

لما رأيت الشفعاء بلدوا ... أسوتهم برشوة فقردوا

وسهل الله بها ما شددوا

وكان بعض الولاة يخاشن بعض عماله فأرضاه بما أهداه فسألته: كيف حالك مع فلان؟ فقال: قد سد ابن بيض الطريق وخبره معروف.

استرداد ظروف الهدايا وتركها:

قال الغنوي: استديموا الهدايا برد الظروف. وقال إسحاق بن إبراهيم: كنت مع الرشيد بالكوفة في شهر رمضان فقال لموسى بن عيسى: يا أبا عيسى حلواؤنا عليك. وكان يوجه إليه كل ليلة عشر صحاف؛ فلما كان بعد عشر ليال قطعها فقال له الرشيد: اصغوت فقطعت الحلواء. فقال: ما قطعها غيرك إن أنصفت. قال: كيف؟ قال: إن من يأخذها منا لا يرد صحفة ولا منديلاً ولا طبقاً. قال: بئس ما عمل! إن الهدايا تستدام برد الظروف، فإذا صرت المتقاضي وأنت القاضي فلا تحتشم أحد في استرداد الظروف. وقد أهدى دنانير على طبق فضة فكتب أبيات فيها:

والظرف يوجب أخذه مع ظرفه

الاعتذار من إهداء شيء طفيف:

كتب بعضهم: سهل لي سبيل الملاطفة فأهديت هدية من لا يحتشم إلى من لا يستغنم. كتب أحمد بن يوسف: للهدية معنيان كلاهما يوجب القبول وإن قل. وقيل: إن كان لك عند المهدي يد فلا تستقصر بمزيدك، وإن كان مبتدئاً فالتفضل لا يستقل الهدية، أظرفها أخفها وأقلها أنبلها. وكتب آخر: قدمت المعذرة في إهداء ما اتسعت به المقدرة. وروي أن سليمان عليه الصلاة والسلام مر بعش قنبرة، فأمر الريح أن تتجنب عشها الذي فيه فراخها، فجاءت القنبرة لما نزل سليمان فرفرفت على رأسه وألقت جرادة هدية له لما فعل، فقال سليمان: هي مقبولة فكل يهدي على قدر وسعه.

ومما يروى لأبي يوسف القاضي:

علينا بأن نهدي إلى من نحبه ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله

ألم ترنا نهدي إلى الله ما له ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

دعبل:

هذي هدية عبد أنت ملبسه ... ثوب الغنى فاقبل الميسور من خدمك

الخبزارزي:

تفضل بالقبول علي إني ... بعثت بما يقل لعبد عبدك

أهدى بعض الأدباء إلى المعتز شيئاً وكتب إليه: لا يعيب العبد أن يهدي إلى سيده القليل من نعمته عنده، ولا السيد أن يقبل ذلك، وإن كان الكل له، والسلام.

المقتصر في الهدية على الشكر:

قال المازني: أظرف من اعتذر للفقر واقتصر على الشكر في الإهداء أحمد بن إبراهيم؛ كتب إليه ابن ثوابة:

إني جعلت هديتي ... في المهرجان إليك شكري

لما تعذر واجب ... فسح التعذر فيه عذري

فإذا مررت بذكر من ... جاءت هديته ببر

فأدر على اسمي دارة ... واكتب عليه: أتى بعذر!

محمد بن أبي حكيم:

رأيت كثير ما يهدى قليلاً ... لعبدك فاقتصرت على الدعاء

وقال آخر:

وافق المهرجان والعيد مني ... رقة الحال وهي داء الكرام

فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام

المقتصر على إهداء النفس:

اقتصد المتوكل فلم يبق أحد من جواريه وحشمه إلا أهدى إليه، فأخبرت قبيحة بذلك، وكانت معشوقته، فتزينت ودخلت عليه فأنشدته:

طلبت هدية لك باحتيال ... على ما كان من حسي وبسي

فلما لم أجد شيئاً نفيساً ... يكون هديتي أهديت نفسي

فقال المتوكل: نفسك والله أحب إلي! عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:

حبيبي فصدت العرق من أجل علة ... فلم تهد لي فيه وصالاً مجددا

فأهديت نفسي يوم فصدي بوصلها ... إليك فخذها كي تكون لك الفدا

استهداء النفس:

كتب أبو العباس بن رشيد إلى صديق كان مشغوفاً به:

الناس يهدون إلى المفتصد ... أحسن ما يلقونه في البلد

فاهد لي وجهك يا سيدي ... فإنه أحسن شيء يرد!

المهدي شيئاً معيناً:

أهدى أبو عبادة الوزير إلى المأمون مصحفاً في يوم مهرجان ووافق أول يوم من شهر رمضان فكتب إليه: عدلت عن هدايا السلطان إلى التيمن بالقرآن، وما يرضي الرحمن. فوقع في رقعته: فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ وأهدى أحمد بن يوسف إلى المأمون هدايا وكتب إليه رقعة، فلم يستظرف من هديته شيئاً إلا قوله في رقعته: هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة. وبعث إبراهيم بن المهدي بجراب ملح وجراب اشنان وكتب معهما: قصرت البضاعة عن بلوغ الهمة، فكرهت أن تطوى صحف البر خالية من ذكرى، فبعثت بالمبدوء به لبركته والمختوم به لنظافته، والسلام. وشرب الرشيد دواء فأهدت إليه الخيزران جارية بكراً معها جام كتب عليه:

إذا خرج الإمام من الدواء ... وأعقب بالسلامة والشفاء

فليس له دواء غير شرب ... بهذا الجام ينزع بالطلاء

وفض الخاتم المهدى إليه ... فهذا العيش من بعد الدواء

وأهدى رجل إلى آخر قلنسوة ونعلاً وخاتماً فقال: لقد أشواني فلان بكسوته أي أصاب شواي.

ذكر الهدية بأنها أمارة لفضل صاحبها ونقصه:

قيل: يعرف فضل المرء بفضل هديته، وسخافته بسخافة بره. وقيل: ثلاثة تدل على عقول أربابها: الهدية والرسول والكتاب. وقد حكى الله تعالى عن بلقيس أنها قالت: " وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون " . فجعلت جواب الهدية دلالة.

كشاجم:

إن هدايا الرجال مخبرة ... عن قدرهم قللوا أو احتفلوا

المهدي هدية سخيفة:

أهدى أبو رهم السدوسي إلى قينة كان يعشقها زنبيل بصل فقال فيه ابن المعدل: قالت جبل ماذا العمل هذا الرجل حين احتفل أهدى بصل! أهدى رجل إلى إسماعيل الطالبي فالوذجة عتيقة قد زنخت وكتب معها: إني اخترت لعملها سكر السوس والعسل الماذي والزعفران الأصفهاني. فكتب إليه: برئت من الله إن كانت هذه الفالوذجة قد عملت إلا قبل أن يوحي ربك إلى النحل! وأهدى أبو علي البصير إلى أبي العيناء كرينجان قد كتب على كل واحدة منها: ادخلوها بسلام آمنين! فردها أبو العيناء وقد كتب عليها: فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن. وكان رجل قد شغف بصبي فأهدى إليه كلباً فقال أبو شبل:

وما رأت عيني ولا قيل لي ... أن فتىً مستهتراً صباً

لما دنا من ول أحبابه ... أهدى إلى أحبابه كلبا!

الصولي:

أهدى إلي هدية مذمومة ... وأذم منها عندنا مهديها

وكأنما هي في سماجة منظر ... تحكيه في قبح كما يحكيها

الممتن بهدية أهداها:

أهدى رجل إلى الأعمش بطيخة، فلما أصبح قال: يا أبا محمد كيف كانت البطيخة؟ قال: طيبة! ثم أعاد عليه ثانياً وثالثاً فقال: إن خففت من قولك وإلا قئتها! وأهدى أبو الهذيل إلى أستاذ له ديكاً فكان بعد ذلك إذا خاطبه أرخ بديكه فيقول: إنه كان يوم أهديت إليك الديك، وأنه كان قبل الديك بكذا وبعد الديك بكذا! وقدم زياد على معاوية وأهدى إليه هدايا كثيرة، فأعجب بها معاوية فلما رأى زياد سروره بذلك قال: يا أمير المؤمنين، إني دوخت لك العراق وجبيت لك برها وبحرها وغثها وسمينها، وحملت لك لبها وسروها. فقال له يزيد: أما إذا فعلت ذلك فقد نقلناك من ولاء ثقيف إلى شرف قريش، ومن عبيد إلى أبي سفيان، وما أمكنك تدويخ العراف إلا بنا. فقال معاوية: حسبك فداك أبوك ووريت زناده فيك!.

الشاكر المهدى إليه:

أتتنا هدايا منه أشبهن فضله ... ومنّ علي منعماً متفضلا

ولو أنه أهدى إلي وصاله ... لكان إلى قلبي ألّذ وأوصلا

مما جاء في الطب والمرض والعيادة

قيل: حد الطب دفع الضد بالضد. وقيل: هو معرفة الداء وتلقيه بالدواء، وأصل الطب العلم. والطبيب صار اسماً للعالم بمداواة أبدان الناس. وقيل: هو استدامة الصحة ومرمة السقم. وقال عبد الله بن المعتز: المرض حبس البدن والهم حبس الروح.

مدح طبيب حاذق:

حكي أن سلموية طبيب المأمون، وكان قد أسن وذهب بصره، كان قد دخل على المأمون يتكىء على صبية تقوده، فلما قام المأمون قام ثم رجع فرجع سلموية إلى حضرته واتكأ على تلك الصبية، فقال للمأمون: هذه الصبية كانت بكراً وخرجت من عندي الساعة وعادت ثيباً فاستخبرها فقالت: العباس ابن أمير المؤمنين دعاني إلى نفسه لما خرجت فافتضني. فقال له المأمون: وكيف علمت بذلك؟ فقال: كنت أخذت مجستها فوجدتها قوية، ثم جسستها فوجدت نقصانها، فعلمت ذلك. فتعجب المأمون من حذقه. ونحو ذلك في التنجيم. حديث الفيلسوف الذي كان ينام على سرير فنام عليه ذات يوم فأنكره.

وقال: إما أن تكون السماء قد انحدرت أو الأرض قد ارتفعت، فتأمل فإذا قد جعل تحت قائمة السرير شيء ارتفع به عن الأرض. ومن الحذق البين ما حكي أن عمرو بن الليث زلقت رجله فانخلعت إحدى فخذيه: فنام على الفخذ الوجعة واستحضر المجبرين وجعل يعرض على واحد واحد الفخذة الصحيحة ويئن إذا مست، وكان يقول: بهذا نختبرهم إلى أن حضر المعروف بابن المغازلي، فلما جسها أنّ عمرو فقال ابن المغازلي: ما هذه الجلبة؟ ما بك من قلبة وإن فخذك أصح من فخذ الظليم! فعرض عليه الفخذ الأخرى فقال: أما هذه فنعم! فعلم عمرو أنه حاذق فقال: إن مداواتها صعبة لأنها تحتاج إلى أشالة الرجل فقال: وأنا أستسمج ذلك ولكنني أحتال له، فعمد إلى زق فوضعه بين رجلي عمرو، وشد إبهامي رجليه بعضهما إلى بعض، وجعل ينفخ في الزق وهو يربو وينتفخ، ويرتفع الفخذ بانتفاخه إلى أن امتد الزق ورد العضو إلى موضعه، ثم حل الإبهامين وشده إلى أن برأ. وقال رجل: توجع رجلي مدة وتداويت بكل دواء فلم ينفع، فرأيت طبيباً فوصفت ذلك له قال: انظر فلعل إحدى ركابيك أطول من الآخر! فتأملت فإذا هو كذلك فأصلحته فزال الوجع السري.

الكندي:

أحيا لنا علم الفلاسفة الذي ... أودى فأوضح رسم طب عاف

فكأنه عيسى بن مريم ناطقاً ... يهب الحياة بأوهن الأوصاف

يبدو له الداء الخفي كما بدا ... للعين رضراض الغدير الصافي

وله:

كأنه من لطف تدبيره ... يجول بين الدم واللحم

لو غضبت روح على جسمها ... ألف بين الروح والجسم

ذم طبيب:

رأى أفلاطون إنساناً مدعياً للصراع ضعيفاً في دعواه ثم تحول طبيباً فقال له: الآن أحكمت الصراع، تهيأ لصراع من شئت فإنك تصرعه. ترك لافس التصوير وتطبب فقيل له في ذلك فقال: الخطأ في التصوير تدركه العيون وتلحقه العيوب، وخطأ الطبيب تواريه القبور. ورأى فيلسوف طبيباً جاهلاً فقال: هذا مستحث للموت! الخبزارزي في طبيب اسمه نعمان:

أقول لنعمان وقد ساق طبه ... نفوساً نفيسات على ساكني الأرض:

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض!

المصيصي الخياط:

لم يأت في الأربعا عليلاً ... إلا دفناه في الخميس!

مدح الحمية:

قيل: الحمية طابع الصحة. وقيل للحرث بن كلدة: ما الدواء الأكبر؟ فقال: الأزم. وقيل: حمية شهر أيسر من سهر ليلة، وإن تصبر على الحمية شبراً خير من أن تقاسي العلة فتراً. وقيل: لا تأكل ما تشتهي فيصيرك إلى ما لا تشتهي. وقيل للسري: قد تركت الشهوة. فقال: تركت ما أحب لأستغني عن العلاج بما لا أحب. واحتمى أحمد بن المعدل لعلة به فبرأ فقال: الحمية صالحة لأهل الدنيا تبرئهم من المرض، ولأهل الآخرة صالحة تبرئهم من النار. وقال عمر رضي الله عنه: عزم الرجل بحميته وحزمه بمتاع بيته. وقال المأمون لطبيبه: ما الذي يذهب بأكل الطين؟ فقال: عزمة من عزمات الرجال. قال: صدقت. فتركه بعد ذلك ولم يعاوده. قيل للصاحب يوماً: تحتمي وتشرب الأدوية؟ فقال: أفعل ذلك بغضاً في الحمية وشرب الأدوية.

ذم الأدوية أيام الصحة وتجاوز الحد فيها:

قيل: ليس الحمية في الصحة بأوجب من التخليط في الصحة. واستوصف العباس أخو المنصور طبيباً فقال له: كل في الصحة على الطبيب، وفي المرض على مقتضى قول الطبيب. ودخل بيادوق طبيب الحجاج على بشر بن مروان فقال: أما ترى هذه العلة قد طالت بي؟ فقال: إلى أن أختبرك ولا يكون ذلك إلا على الريق. فبكر إليه وأضجعه على الحصير وجسه ما بين أخمص قدمه إلى هامته ثم قال: أيما أحب إليك الصدق أم الكذب؟ فقال: وما حاجتي في الكذب؟ فقال: إنك ميت. فقال: أرني أمارة ذلك. فدفع إليه قطعة لحم طري وشدها في إبريسم وقال: ازدردها ففعل وتركها ساعة ثم قلعها. فإذا عليها دود كثير فقال: كيف أصابني ذلك وقد قدمت بلدكم وكننت نفسي من الحر والبرد؟ فقال: منها أتيت فقد نغل جسمك، فالأبدان لا تقوم إلا بالحر والبرد وإن أذياها فعاش بعد ذلك ثلاثة أيام. وقيل: الجوع للحمية أضر على البدن من العلة.

صعوبة الحمية ومدح تركها:

قيل: الحمية إحدى العلتين فمن احتمى فهو على يقين من المكروه. وفي شك من المحبوب.

عبد الصمد بن المعدل:

وقالوا: شفاؤك في حمية ... تعود عليك بها النضره

فأصبحت في بلد مخصب ... ببلقعة جدبة قفره

وقال الرشيد للفضل: ما أطيب ما في هذه الدنيا؟ فقال: رفض الحشمة وترك علم الطب، فلا عيش لمحتشم ولا لذة لمحتم. وقيل: من عرف ما يضره مما ينفعه فهو مريض. وقال أفلاطون: الموت موتان طبيعي وإرادي، فالطبيعي مفارقة الروح البدن، واللإرادي منه الأبدان الشهوات. وقيل: الأبدان المعتادة للحمية آفتها التخليط، والأبدان المعتادة للتخليط آفتها الحمية.

مدح التقليل من الطعام وذم الإكثار:

اجتمع أربعة من الأطباء عند المأمون عراقي ورومي وهندي وسوادي فقال: ليصف كل منكم الدواء الذي لا داء معه، فقال الرومي: حب الرشاد، وقال الهندي: الهليلج الأصفر، وقال العراقي: الماء الحار، وقال السوادي وهو أبصرهم: حب الرشاد يورث الرطوبة، والماء الحار يرخي المعدة، والهليلج يرقق البطن، ولكن الدواء الذي لا داء معه أن تجلس على الطعام وأنت تشتهيه وتقوم عنه وأنت تشتهيه. وقيل لطبيب: كم آكل؟ فقال: خوف الجوع ودون الشبع.

مضرة الشبع فوق مضرة الجوع:

بقراط: الإكثار من المنافع شر من الإقلال من المضار. وقال أرسطوطاليس: المطعم والمشرب إذا كثرا على المعدة أطفأ نارها، فجرت الأغذية في البدن غير نصيحة، فصار ذلك نقصاناً يورث الفترة، كالشجرة إذا كثر ماؤها عفنت وإن قل جفت، وكالسراج إذا قل دهنه أو كثر انطفأ وقال محمد بن عبد الله بن جعفر: من تغدى وتعشى ولم يأكل فيما بينهما سلم من الأوجاع، لقول الله تعالى: " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " . وقال بعض الأطباء: أحب الناس إلينا الرغيب البطن لكثرة حاجاتهم إلينا. وقد ذكر بعض هذا الباب في كتاب الأكلة.

ما تستدام به الصحة من الأكل والشرب والصوم والجماع:

قال طبيب الحجاج: لا يحفظ الصحة كالأكل بالنهار، وتقليل الشرب بالليل، وأن لا يحبس البول والنجو والرياح التي تعرض في البطن. من أراد حفظ الصحة فليقل الغذاء وغشيان النساء وشرب الماء. ولما احتضر الحارث بن كلدة اجتمع إليه شبان قريش فقالوا: أوصنا فقال: لا يتزوجن أحدكم إلا شابة، ولا يأكل إلا لحم فتى، ولا يتناولن أحدكم الدواء ما احتملت نفسه الداء، ولا تأكلوا الفاكهة إلا في إبان نضجها، وإذا تغدى أحدكم فلينم عليه نومة، وإذا تعشى فليتخط على إثر عشائه أربعين خطوة، وعليكم بالنورة في كل شهر فإنها مذيبة للبلغم مهلكة للمرة. وقال أبقراط لما حضرته الوفاة: خذوا جامع العلم مني، من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره. وقال اسكندر: اجمعوا إلي الطب في كلمات أتصورها فقالوا: لا تدخل الفضل على المعدة، ولا تمنع نفسك شهوتها، فإن النفس تقوى على هضم المشتهي، ولا تنكحن عجوزاً، ولا تخرج الدم وأنت مستغن عن إخراجه، فإنك لا تعل إلا علة الموت. وقيل: راع غذاءك فأنت تحكم به بناءك. أخبر حاتم بن يزيد بن المهلب بشيخ قد أتت له مائة وخمسون سنة في اعتدال جسم ونضارة لون فاستدعاه وسأله فقال: إن كان لما أرى من هذه الموهبة الجميلة سبب بعد تقدير الله تعالى فما أصفه ما احتملت مهما تبعد على مدافعته، ولا رأيت من زوجة مكروهاً، ولا اجتمع في بطني طعامان، وإذا شربت شراباً تناولته رقيقاً طيباً لا أثمل منه، ولا أستدعي الطبيعة من غير عارض، وما استدعيت للباه حركة إلا أن يهيج بالطبيعة على القلب، وإذا فعلت ذلك أقللت الحركة بقية يومي. وكان جالينوس يقول: اجتنبوا ثلاثة وعليكم بأربعة ولا حاجة لكم بالطبيب: اجتنبوا الغشيان والغبيراء والتتن، وعليكم بالدسم والطيب والحلواء والحمام.

نفع النوم ومضرة السهر:

قال المأمون: قد أصبت دواء يمرىء ولا يؤكل ولا يشرب. فقيل: ما هو؟ قال: النوم أثر الغداء. وقيل: إذا أكلت فاضطجع على جنبك الأيسر، فإن الكبد يقع على المعدة فينضج الطعام فيهضمه.

ما تتولد منه العلل:

قيل: أضر الأشياء طعام بين شرابين وشراب بين طعامين. وقيل: أضر الأشياء للبدن الفكرة والسهر، وأنهك الأشياء للبدن الخوف. وقيل: ثلاثة تورث الهزال شرب الماء على الريق، والنوم على غير وطاء، وكثرة الكلام برفع صوت. وقيل: أربع يهدمن الجسم وربما قتلنه: أكل القديد الجاف، والجماع على الامتلاء، ومجامعة العجوز، وإدخال الطعام على الطعام، وشرب الماء في ثلاثة مواضع متلف: تعقيب الخروج من الحمام، وأثر الجماع، وعلى الإعياء. وقيل: من أدوأ الداء الشرب على اللقمة في الفم. وقال طبيب الهند: اجتنبوا ما أخرج الضرع والبحر والنخل تسلموا. وقال الحارث بن كلدة لأنوشروان: الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحتها، وغشيان المرأة المولية يضعف القوة ويسقم البدن، لأنها كالشن البالي ماؤها سم قاتل ونفسها موت عاجل، تأخذ منك ولا تعطيك واجمع علماء الطب على مضرة اللحم الجاف والسمك والبيض البارد، واجمعوا على منفعة النبيذ والسويق والسكنجبين. وقيل: من حم يوماً فلا يأكل الكشك سنة. وقيل: كثير الرمان ضار كما أن قليله نافع.

من تناول طعاماً وتحقق تولد على منه:

اجتاز رجل بصديق له محموم فسأله عن سبب علته فقال: أكلت في هذا الصيف فراخاً وعلاً وشربت خمراً صلباً ونمت في الشمس فقال له: علي كل يمين لو كانت الحمى من حملة الشمس ورأتك بهذه الحالة لتركت عملها ووافتك. وقال بعضهم: أكل رجل سمكاً وخبز أرز ولبناً وشرب عليه ماء كثيراً بجليد، ودخل سرداباً فجامع ونام هناك، فأتى الموت حيه ودق عليهم الباب وقال: تعالوا وانظروا إلى هذا المتخلف وفعله، فإن هذا يموت فيقال اختطفته المنية، ولا يعرفون سوء تدبيره وقبح صنيعه. نظر طبيب إلى دهقان يغرس شجرة مشمش فقال له: ما تصنع؟ قال: اعمل لي ولك. يعني أن الطبيب ينتفع بالمشمش لسوء أثره على آكليه، وحاجتهم إلى الطبيب لما يتولد عليهم من الأدواء لأكل الطري منه. وفي هذا المعنى يقول ابن الرومي:

إذا ما رأيت الدهر بستان مشمش ... فأيقن يقيناً أنه لطبيب

يغل له ما لا يغل لغيره ... يغل مريضاً حمل كل قضيب

هيجان الدم ونقصانه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تبيغ بأحدكم الدم فليحتجم لئلا يقتله. قال ابن ماسويه: في الفصد ثلاث منافع وثلاث مضار، أما منافعه فإنه يحد البصر ويصفر اللون ويزيد في اللحم، ومضاره أنه يضعف البدن ويجلب الضعف ويقطع الباه. قال جالينوس: الدم في الجسد كالزيت في السراج إذا نفذ الدهن طفىء السراج. وقال بختيشوع للمأمون: البدن إلى الدم أحوج منه إلى إخراجه، ألا ترى إلى الطباخ الحاذق يجيء إلى القدر وهي تفور، فيأخذ رغوتها ويسكنها بشيء من الماء أو غيره وهي ممتلئة؟ فكذلك يفعل بالدم. واقتصد المأمون يوماً فأراد أن يشرح وكان قد أتخم، فشدوا الرباط عليه فلم يخرج الدم، فقال المأمون: قد عقرتموني فحلوا الرباط واعتزلوا وتشاوروا بظهر الغيب عني، فالهيبة أدهشتكم فاعتزلوا يتشاورون، فدعا فراشاً وأمره بمصه فمصه فخرج الدم. فقال: ادع هؤلاء الحاكة: فلما رأوه أخبرهم بذلك فقالوا: لو فعل جالينوس هذا كان عجيباً.

تهنئة بالفصد:

ابن رزين الواسطي:

أراق الفصد خير دم ... دم الأذهان والفهم

لقد أخطأ الطبيب غدا ... ة فصدك طيب النسم

وراح وفي حديدته ... دم المعروف والكرم

ابن الرومي:

يا قاصداً من يد جلت أياديها ... وذاق طعم الردى والبؤس شانيها

يد الندى هي فارفق لا ترق دمها ... فان أرزاق طلاب الندى فيها

واقتصد جعفر بن يحيى فكتب إليه الفضل:

إذا أنت أسبلت للباسليق ... عيوناً من أجفانه الواهيه

رأيت اعتدالك يبكي دماً ... وتضحك من جنبك العافيه

جملة التداوي:

قال بقراط: جملة المعالجة خمسة أضرب، يعالج ما في الرأس بالغرغرة، وما في المعدة بالقيء، وما في أسفل المعدة بالإسهال، وما بين الجلد بالعرق، وما في داخلا الجلد بإخراج الدم. وقال جالينوس: يعالج ما في قعر الكبد والطحال والكليتين بإخراج البول، وما في المعدة من ضعف أو تغير مزاج أو فضول زائدة يرقق بالأدوية، إن كانت حرارة بردت، وإن كانت رطوبة جففت. 

من امتنع في مرضه من التداوي وذكر قلة غنائه:

قيل لأبي بكر رضي الله عنه: ألا ندعو لك طبيباً؟ فقال: قد رآني الطبيب وقال: أنا فعال لما أريد. ودخل عثمان على بن مسعود رضي الله عنهما في مرضه فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: ما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: ألا نأمر لك بشيء؟ قال: فما منعتي قبل اليوم فلا حاجة لي فيه اليوم. قال: ندعه لعيالك؟قال: إني علمتهم شيئاً إذا راعوه لم يفتقروا؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ في كل يوم وليلة سورة الواقعة لم يفتقر أبداً. وقيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ذلك فقال: لو علمت أن دوائي في مسح أذني ما مسحتها، نعم المذهوب إليه ربي. وقيل للربيع بن خيثم في مرضه: ألا ندعو لك طبيباً؟ فقرأ: وعاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً؛ قد كان فيهم مرضى وأطباء فلا المداوي بقي ولا المداوى. وأستحسن قول الشاعر:

إن الطبيب بطبه ودوائه ... لا يستطيع دفاع مقدور أتى

م للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرئ مثله فيما مضى

هلك المداوي والمداوى والذي ... جلب الدواء، وباعه ومن اشترى

المتنبي:

يموت راعي الضأن في جهله ... ميتة جالينوس في طبه

وروي أن موسى عليه السلام قال: يا رب من أين الداء؟ قال: من عندي. قال: الدواء؟ قال: من عندي. قال: فالأطباء ما يصنعون؟ قال: يطيبون قلوب عبادي حتى تحل عافيتي أو بلائي.

ابن نباتة:

نعلل بالدواء إذا مرضنا ... وهل يشفي من الموت الدواء

ونختار الطبيب وهل طبيب ... يؤخر ما يقدمه القضاء

وما أنفاسنا إلا حساب ... ولا حركاتنا إلا فناء

وقال مسلمة: ما وعظني شيء بعد القرآن كما وعظني بيتان لعمران بن حطان:

لنا كل عام مرضة ثم نقهة ... ونبغي ولا نبغي متى وإلى متى

فيوشك يوم أن يوافق ليلة ... يسوقان حتفاً راح نحوك أو غدا

وصف الحمى:

دخل بختيشوع على يحيى بن خالد فقال له: توق فإن حمى ليلة يبقى في البدن تأثيره سنة. وعنده وكيع فقال: صدق! فقال يحيى: ما أقرب تصديقك إياه! قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حمى ليلة كفارة سنة. فعلمت أن هذا كما قال. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى يقول الحمى ناري أسلطها على عبدي، فإن لم يشكني إلى عوّاده أبدلته لحماً خيراً من دمه، وأخرجته من ذنوبه كهيئة يوم ولد. وقال صلى الله عليه وسلم: الحمى من فيح جهنم فأطفؤها بالماء. ويستجاد قول المتنبي:

وزائرتي كأن بها حياء ... فليس تزور إلا في الظلام

بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت في عظامي

إذا ما فارقتني غسلتني ... كأنا عاكفان على خرام

أراقب وقتها من غير شوق ... مراقبة المشوق المستهام

حم أعرابي في أيام القيظ بمكة، فأتى الأبطح وقت الظهيرة فتعرى وطلى بدنه بالزيت ونام في الشمس، وجعل يتقلب فيها ويقول مخاطباً الحمى: لتعلمن ما نزل بك يا حمى، عدلت عن الأمراء وأهل الثراء، وجئتني؟ فعرق وذهبت حماه وقام، فسمع قائلاً يقول: حم الأمير! فقال: أنا والله بعتها. فلعن الله من وشى به عليّ! وقيل: التقى حمتان فسألت إحداهما الأخرى فقالت: آني كل يوم رجلاً خريماً ناعماً فيضجعني على فراش وطئ فأضاجعه في أرغد عيش، فأنصرف عنه بأطيب حال. فقالت الأخرى: ويحك إني وقعت إلى كساح قذر متى قصدته يأت بي سبخة فيعركني في التراب فأرجع عنه متربة، فقالت: ويحك تعالي إلى صاحبي لأغاديه أنا وتراوحيه أنت.

الرمد:

كتب علي بن القاسم رحمه الله: بلغني عن حال رمد عرض له ما أرمد خاطري وأظلم ناظري، وأذهلني عن كل مهم وخفف في عيني وقلبي كل ملم. ويستحسن في عين محبوب رمداء قول ابن المعتز:

قالوا: شكت عينه! فقلت لهم: ... من شدة الفتك نالها الوصب

حمرتها من دماء من قتلت ... والدم في النصل شاهد عجب

ابن الحجاج:

أنا الفداء لعين بعض أسهمها ... مسكونة بين أحشائي وفي كبدي

فيها فتور سقام لا خفاء به ... يجرد السقم في قلبي وفي جسدي

كانت تعلّ فؤادي وهي سالمة ... فكيف بي وهي تشكو علة الرمد؟

النقرس:

كان أبو الفضل بن العميد يكثر برجله النقرس فقيل له: لا تغتم فإن ذلك يؤذن بطول العمر! فقال: طول العمر هو أن من به النقرس يسهر، فيصير ليله نهاراً فكأنما يتضاعف عمره.

شاعر:

ألا فاعجبوا من مفلس حلف نقرس ... أما نقرس في مفلس بعجيب

وقال المبرد: ذكر أعرابي رجلاً قد أثرى فقال تنقرس، كأنه سمع أن النقرس يكون مع النعمة. ومنه قول أعرابي:

فصرت بعد الفقر والتفلّس ... يخشى على الحي داء النقرس

وقال ماسرجوية: لا ينقرس الناطفي في رجله والشطرنجي في يده. 

الحبون:

دخل شبيب بن شبة إلى ابن هبيرة فقال: ما حبسك عنا؟ فقال: علة منعت الحركة ولم توجب العيادة حتى خرج علي، فقال ابن هبيرة: إن لحماً شديداً عاد قيحاً وصديداً لأهل أن يعاد صاحبه. وقيل: حبنك يؤذن بمالك. وقال بعض الأدباء: إنما يؤذن بما لك بفتح اللام أي يقتضي أن يقال أي شيء لك؟ شاعر:

وبي دمّل في كل يوم يزورني ... فيقلق أحشائي ويسهر مقلتي

يقول لي العوّاد: مال وصحّة ... فيا ليتهم آبوا بمالي وصحتي

أبو حكيمة:

أيحسدني إبليس داءين أصبحا ... برأسي ورجلي: دّملا وزكاما

فليتهما كانا به، وأزيده ... زمانة أير لا يطيق قياما

الجرب:

في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى. فقيل: أن البعير يجرب في القطيع فيجرب بجربه الإبل كلها. قال: فمن أجرب الأول؟ ويسمى الجرب حبيبات الطرب. وقيل: صاحب الجرب شاكر لأنه أبداً يقول قد ذهب.

الصنوبري:

الشيب عندي والإفلاس والجرب ... هذا هلاك وذا شؤم وذا عطب

عبدان:

ومستخبر حالتي إذ رأى ... أقض على جنبي المضجع

فقلت مجيباً له: إنني ... لضري كما قال لي أسجع

إذا الليل ألبسني ثوبه ... يقلب فيه فتى موجع

الزكام:

روي أنه قيل: ثلاثة لا يعدن، المزكوم والرمد والجرب. وقالت عائشة رضي الله عنها: من لا يعودني في الزكام لا أبالي أن لا يعودني في مرض آخر. وقيل: مؤونة أنف المزكوم أعظم من مؤونة استين. ودعا عيسى بن علي ابن المقفع إلى الغداء فقال: لست اليوم بمؤاكل للكرام لأنني مزكوم، والزكمة قبيحة الجوار مانعة من عشرة الأحرار. ويقال: أن الشيطان قال ما حسدت ابن آدم إلا على شيئين الطشاءة والحقوة أي الزكام والهيضة.

الوزير الرئيس الكافي الأوحد:

ونزلة كنت أحمي وجة موردها ... ففاجأتني على ضرب من الحمر

سدت علي طريق الروح متنشقاً ... وأسلمتني لأيدي الروع والخدر

وأنشأت مزنة في الرأس مضرمة ... ينعق بارقها في السمع والبصر

حتى إذا مخضتها مدة قدرت ... مدت بصفو حميم غير ذي كدر

ففي شؤوني حريق من تلهبه ... وفي الخياشيم ضيق محصد المرر

لا الفصد يغني ولا ماء الشعير ولا ... طول احتماء إذا ما همّ بالدرر

فالحمد لله حمداً لا كفاء له ... على السلامة، وقاها من الغير

شرب الأدوية المسهلة:

سئل طبيب كسرى عن دواء المشي فقال: سهم ترمي به في جوفك أخطأ أم أصاب. وقيل: الدواء مثل عدو إلى جانبه صديق، ترمي العدو فلا تأمن من أن يصيب الصديق. وقيل: الدواء في البطن كالصابون في الثوب، ينقيه لكن يخلقه. وقيل لبقراط: ما بال الإنسان أثور ما يكون بدنا إذا شرب الدواء؟ فقال: مثل ذلك مثل البيت أكثر ما يكون غباراً إذا كنس. وقيل: لا تستعمل الأدوية في ما تنفع فيع الأغذية. وقيل: النفس إذا ألفت الدواء فسدت، لأن الدواء يجب أن يطرأ عليها غريباً فتحتشم.

الكناية عن الأدوية المسهلة:

كان ظرفاء البصرة يقولون لشارب الدواء: لم لبست النعل؟ ويقال: شربت فما أنجاني؛ كناية عنه. وكتب الصنوبري إلى صديق له شارب الدواء:

نبّني كيف تخطيك إلى دار الكرامه ... كم جدار هدّ من رعد وكم سحّت غمامه؟

فلم يجبه. فكتب إليه ثانياً:

ابن لي كيف أصبحت ... وما كان من الحال؟

وكم سارت بك الناقة نحو المنزل الخالي؟

فأجابه:

كتبت إليك والنعلان ما إن ... أغبهما من السير العنيف

فإن رمت الكتاب إليّ فاكتب ... على العنوان يوصل في الكنيف

الحقنة:

كان كرتكين أمير بغداد أمره الطبيب بالحقنة قال: يوضع في استه كذا! فقال: في است من؟ فخاف الطبيب فقال: في استي أيد الله الأمير! وكان عين الدولة أصابه مغص فأشير عليه بالحقنة فأبى وتفادى منها. فلما اشتد به الوجع قال: يا قوم أدخلوا هذا الجذع في استي وأريحوني! فحقن وبرأ. واعتل أعرابي فأشير عليه بالحقنة. فقال صديق له:

كفى سوءة أنا نراك محبساً ... على شكوة قبحا، وفي استك عودها

الحث على التداوي بالأدوية:

روي في الخبر: تداووا فإن الله ما وضع داء إلا وضع دواء إلا الهرم. وقال الطبيب لرجل: بم تداوي من حماك؟ قال: بالنشرة. فقال: إن رأيت أن تغسلها بماء الشعير وتشربه فافعل. وقال رجل لآخر وكان معه إبل جرب: هلا داويتها؟ فقال: إن لنا عجوزاً صالحة نتكل على دعائها ونستغني به عن الدواء! فقال: اجعل مع دعائها شيئاً من القطران.

التداوي بالقرآن والأدعية:

وجد ابن أسقع يشكو حلقه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عليك بقراءة القرآن. ووجد بعض الصحابة شكوى في بعض بدنه فقال صلى الله عليه وسلم: ضع يدك اليمنى عليه وقل: بسم الله أعوذ بالله وبقدرته من شر ما أجده، سبع مرات.

ذكر التأني في المداواة والمبادرة:

قيل: حق الطبيب أن يتأنى في المداواة فعثرته لا تقال. وقيل: المتأني في علاج الداء بعد معرفة الدواء كالمتأني في إطفاء النار، وقد أخذت بحواشي ثيابه.

نوادر الأطباء:

جاءت امرأة إلى طبيب بقارورة فقال: ما يجد صاحبها؟ قالت: به حرارة وضيق ريبوسة. فقال: ليت ذاك في حر امرأتي! وجاءت أخرى ببستوقة فيها ماء فقال: لو جاز في البستوقة لجاز أن تحمليه في حرك! وشكا رجل إلى طبيب سوء الهضم فقال: كله مهضوماً. وجاء آخر إلى طبيب فقال: أكلت الشعير والرطبة فأصابني مغص فقال: هذا طعم الحمار فاذهب إلى يحيى البيطار يعالجك. واعتل رستاقي فجاء إلى الطبيب فقال له: كل الرائب. فقال: والله إني لو عصرت ما انعصر مني لا الرائب. وقال طبيب لمريض: لا تأكل السمك واللحم. فقال: لو كانا عندي ما اعتللت. شكا عبد الله بن جعفر ضرسه فقال له عبد الله بن صفوان: إن إبليس يقول دواء الضرس قلعه؛ فقال: إنما يطيع إبليس أولياؤه. شكا رجل إلى أبي السائب وجع رجله فقال له: لا تأكل القديد. فقال: أنا أحبه. قال: فالوجع أيضاً يحب رجلك. وظن خادم أن بشراً المريسي طبيب، فعرض عليه ماءه فقال: أنا طبيب الأديان لا طبيب الأبدان.

سخفيات في الطب:

نظر عبادة إلى رجل في عينه جرب فقال: أعطني مائة درهم أصف لك دواء. قال: إفعل. فقال: خذ ورق المدر وعروق الحجر واستحقهما واكتحل بهما سبع سنين، فإن لم تذهب عينك فخذني به! فرفع رجله وضرط عليه ضرطتين فقال: خذ هذين الدرهمين فإن نفع دواؤك زدناك! وركب بختيشوع يوماً مع المأمون فتعلق به مجنون وقال: أيها الطبيب خذ نبضي. فأخذه وقال: ما تشتكي؟ فقال المجنون: أشتكي الشبق! فقال بختيشوع: خذ مسواك أراك وأدخله من وراك فإنه صالح لذاك! فضرط المجنون وقال: خذ هذا لذاك حتى نجرب دواك، فإن كان صالحاً زدناك ولا يكون لنا طبيب سواك! فضحك المأمون.

شهوة المريض للطعام:

قيل للخليل في علته: أتشتهي شيئاً؟ قال: لا بودي أن أشتهي. وقيل ذلك لآخر فقال: أشتهي ما لا أجد وأجد ما لا أشتهي. وقيل ذلك لآخر فقال: أشتهي أن لا أموت. قال بقراط: المريض الذي يشتهي أرجى عندي من الصحيح الذي لا يشتهي.

المتنبي:

ومن يك ذا فم مرّ مريض ... يجد مرّاً به الماء الزلالا

من شكا علته:

أبو نواس وقيل هو آخر شعر قاله:

دب فيّ السقام سفلاً وعلوا ... وأراني أموت عضواً فعضوا

ليس يمضي من ساعة بي إلا ... نقصتني بمرها بي جزوا

لهف نفسي على ليال وأيا ... م تمتعهن لعبا ولهوا

قيل لعمرو بن العاص في مرضه: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزي فما بقاء للشيخ على ذلك. وقيل: ولا بد من شكوى إذا لم يكن صبر.

حمد شكوى العلة:

قال بعضهم: دخلت على سفيان وهو عليل فقال: أشتكي كذا وبت البارحة بكذا. فقلت: أما تخشى أن تكون هذه شكاية من الله؟ فقال: أنا أذكر قدرته علي. ولما مرض أمير المؤمنين دخل إليه الناس فقالوا: كيف تجدك؟ قال: بشر. قالوا: أهذا كلام مثلك؟ قال: أجل إن الله تعالى يقول: " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " ، فالخير الصحة والشر المرض. وقيل: الشكوى تخفف الهم وتزيل الألم. وقيل لآخر: ما تشكو؟ فقال: تمام العدة وانقضاء المدة. ووجه المتوكل إلى الجاحظ يدعوه فقال: ما يصنع أمير المؤمنين بشخص ليس بطائل ذي شق مائل، ولعاب سائل وفرج مائل وعقل حائل؟

شكوى العلة:

قال المأمون لابنه العباس وقد شكا إليه وجعاً في بطنه: يا بني إنك لا تجد مواساة في عرض ما تجده في بدنك ولا يشركك فيه صديقك فلا تشمتن به عدوك. وقال بعضهم لمن يشكو: أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ وقيل لسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وهو مريض: إن المريض يتفرج إلى الأنين وإلى أن يصف ما به إلى الطبيب. فقال: أما الأنين فو الله أنه لجزع وعار ولا يسمع الله مني أنيناً فأكون عنده جزوعاً، وأما الطبيب فو الله لا يحكم غير الله في نفسي، فإن شاء قبضها إليه وإن شاء منّ بها علي.

فضل الصحة والعافية:

قيل: شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما: الشباب والعافية. وقيل: لا يعرف طعم العافية إلا من نالته يد العلة ولا طعم الرخاء إلا من مسته يد البلاء. وقيل: الدنيا بحذافيرها الأمن والعافية. لا تزال غنياً ما دمت سوياً.

نفع المرض:

اعتل الفضل بن سهل بخراسان ثم برأ، فجلس للناس فهنؤوه بالعافية وتصرفوا الكلام، فلما فرغوا أقبل على الناس فقال: إن في العلل نعماً ينبغي للعاقل أن يعرفها: تمحيص الذنب والتعرض للثواب، والإيقاظ من الغفلة والإذكار بالنعمة في حال الصحة والاستدعاء للتوبة والحض على الصدقة، وفي قضاء الله وقدره الخيار. ودخل الحسن بن علي رضي الله عنهما على عليل فقال: إن الله قد أقالك فأشكره، وذكرك فأذكره. واعتل جعفر بن محمد عليهما الرضوان فقال: اللهم اجعله أدباً لا غضباً. وقال عليه السلام: إن المريض تتحات عنه خطاياه كما يتحات ورق الشجر. وذكرت الأدواء عند أبي الدرداء فقال رجل: ما اشتكيت قط! فقال: لا جرم أن ذنوبك لم تحط عنك. 

وجوب عيادة المريض:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: حق المسلم على المسلم ثلاث: عيادة المريض، وتشميت العاطس، وتشييع الجنازة. وقال صلى الله عليه وسلم: من عاد مريضاً خاض الرحمة، فإذا قعد عنده استنقع فيها، وإذا خرج من عنده خاض الرحمة، وقيل: عيادة المريض بعد ثلاث. وفي الخبر: عودوا مرضاه وشيعوا هلكاها وعزوا ثكلاها.

أدب عيادة المريض:

قيل: سوء العيادة تلقيح العلة. وقال الفضل بن الربيع: لا تقولوا كيف أمير المؤمنين ولا تسألوه عن حاله فتكلفوه الجواب ولعله يثقل عليه الكلام، ولكن إجعلوا مسألتكم الدعاء له، وقولوا بدل كيف يجد أمير المؤمنين نفسه: أنزل الله عليه الشفاء والرحمة.

شاعر:

حق العيادة يوم بعد يومين ... وجلسة لك مثل اللحظ بالعين

لا تبر من مريضاً في مسألة ... يكفيك من ذاك تسآل بحرفين

ودخل قوم على السري السقطي رحمه الله وهو عليل فأطالوا الجلوس وقالوا: أدع لنا فقال: إرفعوا أيديكم وقولوا اللهم اجعلنا ممن علمتهم عيادة المرضى! ودخل قوم على مريض فأطالوا ثم قالوا: أوصنا. فقال: أوصيكم أن لا تطيلوا الجلوس عند المريض إذا عدتموه. ودخل ثقيل على مريض فأطال الجلوس ثم قال: ما تشتكي؟ قال قعودك عندي!

شكاية من لا يعوده إخوانه:

جحظة البرمكي:

مرضت فلم يكن في الأرض حرّ ... يشرفني ببرّ أو سلام

وضنّوا بالعيادة وهي أجر ... كأن عيادتي بذل الطعام

الإعتذار من ترك العيادة:

شاعر:

إن كنت في ترك العيادة تاركاً ... حظي فإني في الدعاء لجاهد

ولربما ترك العيادة مشفق ... وأتى على غل الضمير الحاسد

من عادة ممرضه:

عبد بني الحسحاس:

يعدن مريضاً هنّ هيّجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد دائيا

آخر:

وخبّرت ليلى بالعراق مريضة ... فأقبلت من أهلي بمصر أعودها

فو الله ما أدري إذا أنا عدتها ... أأبرئها من دائها أم أزيدها؟

مريض عاد صحيحاً:

شاعر:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر

العباس بن الأحنف:

قالت: مرضت! فعدتها فتبرمت ... وهي الصحيحة والمريض العائد

والله لو أن القلوب كقلبها ... ما رقّ للولد الضعيف الوالد

وصف العلة بأنها تنال الأماثل:

روي أن الله تعالى يجعل تمحيصاً لذنوب أوليائه.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن مثل الحزمة من الزرع تفيؤها الريح مرة هكذا ومرة هكذا، ومثل المنافق مثل الأرزة المجدبة على الأرض يكون انجعافها مرة.

أبو تمام:

فإن يكن وصب قاسيت صورته ... فالورد حلف لليث الغابة الأضم

إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت ... عيدان نجد ولم يعرضن للرتم

البحتري:

وما الكلب محموماً وإن طال عمره ... ألا إنما الحمى على الأسد الورد

ذكر تباطؤ زوال العلة:

دخل سفيان على جار له مخنث فقال له: كيف تجدك؟ قال: جاءتني العلة باقات والعافية تأتيني طاقات. وقيل: العلة تحمل على الجمال وتثقل على النمال.

حث العائد على تنشيط المريض:

قال يوحنا: بشروا المريض بالبرء ونشطوه لشرب الدواء، ولا تصعبوا عليه العلة فتخاف نفسه ويموت حسه. وقال بقراط: حدثوا المريض حال من كان في أصعب من علته فبرأ، ولا تحدثوه عمن كان في مثل علته فمات. وقيل: أدب العيادة تشجيع العليل بلطيف اللطف وحسن الفأل.

الحث على تخويفه ليجتنب المضار:

قيل: خوفوا المريض ليجتنب المضار، فمن خوفك لتلقى الأمن خير لك ممن أمنك لتلقى الخوف. وقيل: من أوجرك المر لتبرأ خير ممن أوجرك الحلو لتسقم. ودخل طبيب على مريض قد أصاب إصبعه ريح فشمها فقال: إن أكلت اليوم شيئاً مت. فلما كان من الغد برأ فقيل له في ذلك فقال: لو لم أخوفه لتجاسر على الأكل فكان يطول عليه. 

رقيع خوّف مريضاً برقاعته:

عاد رجل مريضاً لم يكن به بأس فقال: لا ضير إذا رأيتم المريض هكذا فاغسلوا أيديكم منه، فقد كان أبي به هذا الداء فمات. وعاد آخر عليلاً فقال: ما علتك؟ قال: وجع الركبة. فقال: إن جريراً يقول بيتاً ذهب عني صدره وآخره:

وليس لداء الركبتين دواء

فقال: ليتما ذهب عنك عجزه مع نفسك! ودخل آخر على مريض فقال: آجركم الله. فقيل: إنه لم يمت! فقال: يموت إن شاء الله! وقال رجل لمريض:كيف أنت جعلني الله فداءك؟ فقال: على الموت. فقال: إذاً لا جعلني الله فداءك فإني قدرت أن في الأمر فسحة.

تهنئة من برأ من مرض والدعاء له:

أشجع:

لئن جرحت شكاتك كل قلب ... لقد قرت بصحتك العيون

وله:

لقد أمسى صلاح أبي علي ... لأهل الأرض كلّهم صلاحا

قيل لأعرابي برأ من علته: الحمد لله الذي سلمك. فقال: أو يسلم من الموت في عقبه؟ كتب عبد الله بن المعتز: أذن الله بشفائك وتلقى داءك بدوائك، ومسحك بيد العافية ووجه إليك وافد السلامة، وجعل علتك ماحية لذنوبك مضاعفة لثوابك.

ابن المعتز:

يا رب أمسك رمق الدنيا به ... وأغسله بالصحة من أوصابه

أبو تمام:

سقم أتيح له برء فزعزعه ... والرمح ينآد طوراً ثم يعتدل

قد حال لون فردّ الله نضرته ... والنجم يخمد حيناً ثم يشتعل

المتنبي:

صحّت بصحتك الغارات وابتهجت ... بها المكارم وانهلّت بها الديم

وراجع الشمس نور كان فارقها ... كأنما فقده في جسمها سقم

تفدية المريض:

شاعر:

فديناك لو نعطى المنى فيك والهوى ... لكان بنا الشكوى وكان لك الأجر

البحتري:

بأنفسنا لا بالطوارف والتلد ... نقيك الذي تخفي من السقم أو تبدي

بنا، معشر العافين، ما بك من أذى ... فإن أشفقوا مما أقول فبي وحدي

آخر:

يا ليت علّته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور

ديك الجن:

يا ليت حمّاه بي كانت مضاعفة ... يوماً بشهر وأن الله عافاه

فيصبح السقم منقولاً إلى جسدي ... ويجعل الله منه البرء عقباه

من ذكر شدة ما قاساه بعد ما صح:

عبد الله بن المعتز:

أتاني ببرء لم أكن فيه طامعاً ... كمثل أسير حلّ بعد وثاقه

فإن كنت لم أجزع من الموت جزعة ... فإني مججت الموت بعد مذاقه

تغير اللون:

قال الصولي: لم يسمع أحسن من قول البحتري في صفرة اللون:

بدت صفرة في لونه أن حمدهم ... من الدرّ ما أصفرت حواشيه في العقد

أبو تمام:

لم يشن وجهه البهيج ولكن ... جعلت ورد وجنتيه بهارا

أنواع مختلفة في الطب:

إشتكى رجل بطنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذهب إلى امرأتك واستوهب منها درهمين، واشتر بهما عسلاً واقرأ عليه القرآن وتناوله ففعل فبرأ فقيل له في ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى يقول: " فإن طبن لكم عن شيء منه فكلوه هنيئاً مريئاً " . وقال في العسل: فيه شفاء للناس. وقيل في الطعام: إذا خرج من الجوف قبل سبع ساعات فهو مذموم غير محمود، وإذا بقي بعد أربعة وعشرين ساعة يضر. وقيل: كل شيء ينام من الإنسان إلا أربعة: الوريد والسحر والمثانة والمعدة. وقال جعفر بن محمد: قيل الطبائع أربع، الدم وهو عبد وربما قتل صاحبه، والبلغم وهو خصم ألد إن خصمته من جانب احتج عليك من جانب، الصفراء وهي مرة كالصبي ومرة كالملك تداوى في الحالين، والسوداء وهي كالأرض إذا رجفت رجف ما فوقها. وقيل: إذا كان الطبيب حاذقاً والعليل عاقلاً والقيم فهما فأجدر بالداء أن يزول. لسعت عقرب سرم أعرابي فقيل: أين لسعتك؟ فقال: حيث لا يضع الراقي أنفه. ولسعت آخر فقال أعرابي: عندي دواؤه، فقيل له: ما هو؟ قال: الصياح إلى الصباح. قيل: فرط الغم والسرور يقتلان، أما الغم فإنه يجمد الدم والسرور يلهبه حتى تعلو حرارته على الحرارة الغريزية. ولما دخل الرشيد طوس اشتدت علته وطبيبه بختيشوع يغدو ويروح عليه ويعطيه الأباطيل ويمنيه الأماني ويقول: إن علتك من حدة السفر. فدعا الفضل يوماً وقال: أبغني رجلاً عاقلاً من التجار أشاوره في أمري وأفضي إليه بسر، فجاءه برجل من أهل طوس فاستنطقه فرآه عاقلاً، فقال: أتحفظ السر؟ قال: نعم. فخلا به وقال: خذ هذه القارورة فأت بها جبريل بن بختيشوع فقل له: هذه القارورة أبي فتأمله فإن كان له دواء فعرفني، وإن لم يكن له دواء فعرفني ليتجهز ويصلح أمره. فذهب إليه بالقارورة فلما نظر إليها جبريل أقبل على أبيه وقال: ويلي على ابن الزانية! يا فضل إذهب فاضرب عنقه يعني الطبيب، فأخذه الفضل وحبسه فقال: أتركني محبوساً عندك ثلاثة أيام، فإن عاش فاقتلني وإلا فلا تتقلد دمي. ففعل فمات الرشيد ليله الثالث. قال أنوشروان لوزيريه يوماً: أي الفراش ألذ؟ فقال أحدهما: ألذ الفراش الخز محشواً وقال الآخر: ألذ الفراش الحرير محشواً، وكان بين يديه غلام في عدد الحجاب فقال: أيها الملك أتأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم. قال: ألذ الفراش الأمن. قال: صدقت. قال: فما ألذ الطعام؟ قال: ما لا يهيج على طبيعة علة ولا يعقد في عنق آكله منّه. فقال: أحسنت! فما ألذ الشراب؟ فقال: ما لا يزيل عقلاً عن محله ولا يهيج على طبيعة شيئاً من علله. قال: أحسنت! فما ألذ الريحان؟ قال: الولد السار ريحان أبيه في حياته وخلف له بعد وفاته. فرفع محله وألحقه بأكابر حشمه. وكان بعض الأصبهانيين أصابه صداع فضمد رأسه بدار صيني وفلفل، فقال له الطبيب: هذا يعمل لرأس يوضع في التنور.