كتاب المقدمات: الجزء الثاني

رياض الصــــالحين من كلام سيد المرسلين 

الإمام النووي 

الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقيّ المولود عام 631 هـ والمتوفى عام 676 هـ/ 1233م - 1277 م

 

كتاب المقدمات 

الجزء الثاني 

8- باب الاستِقامة

قال اللَّه تعالى :  { فاستقم كما أمرت } .

وقال تعالى:  { إن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم } .

وقال تعالى :{ إن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون } .

85- وَعَنْ أبي عمرو ، وقيل أبي عمْرة سُفْيانَ بنِ عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قُلْتُ : يا رسول اللَّهِ قُلْ لِي في الإِسلامِ قَولاً لا أَسْأَلُ عنْه أَحداً غيْركَ . قال: « قُلْ : آمَنْت باللَّهِ: ثُمَّ اسْتَقِمْ » رواه مسلم .

86- وعنْ أبي هُريْرة رضي اللَّه عنه : قال قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « قَارِبُوا وسدِّدُوا ، واعْلَمُوا أَنَّه لَنْ ينْجُو أحدٌ منْكُمْ بعملهِ » قَالوا : ولا أنْت يَا رسُولَ اللَّه؟ قال : « ولا أَنَا إلا أنْ يتَغَمَّدني اللَّه برَحْمةٍ منْه وَفضْلٍ » رواه مسلم .

و « الْمُقارَبةُ » : الْقَصْدُ الَّذي لا غلُوَّ فيه ولا تقْصيرَ . و « السَّدادُ » : الاسْتقَامةُ وَالإِصابةُ ، و « يتَغَمَّدني » يُلْبسُني ويَسْتُرني .

قالَ الْعُلَمَاءُ : معنَى الاستقَامَةِ : لُزومُ طَاعِة اللَّهِ تَعالى ، قالُوا : وَهِي مِنْ جوامِعِ الْكلِم، وهِيَ نظام الأمُورِ ، وباللَّه التَّوفيق.

9- باب في التفَكُّر في عظيم مخلوقات الله تعالى وفناء الدنيا وأهوال الآخرة وسائر أمورهما وتقصير النفس وتهذيبها وحملها على الاستقامة

قال اللَّه تعالى :  { إنَّمَا أعِظُكُمْ بِوَاحدةٍ أنْ تقُوموا للَّهِ مَثْنَى وفُرادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا }  [سبأَ 46 ] وقال تعالى :  { إنَّ في خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ واخْتلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرونَ اللَّه قِياماً وَقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهمْ ويَتَفَكَّرون في خَلْق السَّمواتِ وَالأرْضِ ربَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطلاً سُبْحَانَك } الآيـــــات [ آل عمران 190 ، 191 ] .وقال تعالى :  { أفلا ينْظُرونَ إلَى الإِبلِ كِيْفَ خُلِقَتْ وإلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعتْ وإلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبتْ وَإَلى الأرضِ كيْفَ سُطِحتْ فَذَكِّرْ إنما أنْتَ مُذَكِّرٌ }  [ الغاشية : 17 ، 21]. وقال تعالى:  { أفلَمْ يَسيروا في الأرْضِ فَيَنْظُروا }  [ محمد : 10 ] . الآية والآيات في الباب كثيرةٌ . ومِنْ الأحَاديث الحديث السَّابق : « الْكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَه » .

10- باب في المبادرة إلى الخيرات وحثَّ من توجَّه لخير على الإِقبال عليه بالجدِّ من غير تردَّد 

قال اللَّه تعالى:  { فاستبقوا الخيرات } .

وقال تعالى:  { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } .

وأما الأحاديث:

87- فالأوَّل : عَنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « بادِروا بالأعْمالِ الصَّالِحةِ ، فستكونُ فِتَنٌ كقطَعِ اللَّيلِ الْمُظْلمِ يُصبحُ الرجُلُ مُؤمناً ويُمْسِي كافراً ، ويُمسِي مُؤْمناً ويُصبحُ كافراً ، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدُّنْيا» رواه مسلم .

88- الثَّاني: عنْ أبي سِرْوَعَةَ  بكسرِ السين المهملةِ وفتحها عُقبةَ بنِ الْحارِثِ رضي اللَّه عنه قال: صليت وراءَ النَبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالمدِينةِ الْعصْرَ ، فسلَّم ثُمَّ قَامَ مُسْرعاً فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلى بعض حُجَرِ نسائِهِ ، فَفَزعَ النَّاس من سرعَتهِ ، فخرج عَليهمْ ، فرأى أنَّهُمْ قدْ عَجِبوا منْ سُرْعتِه ، قالَ : «ذكرت شيئاً من تبْرٍ عندَنا ، فكرِهْتُ أن يحبسَنِي، فأمرْتُ بقسْمتِه» رواه البخاري .

وفي رواية له: كنْتُ خلَّفْتُ في الْبيتِ تِبراً من الصَّدقةِ ، فكرِهْتُ أنْ أُبَيِّتَه» . «التِّبْر» قطع ذهبٍ أوْ فضَّةٍ .

89- الثَّالث: عن جابر رضي اللَّهُ عنه قال: قال رجلٌ للنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يومَ أُحُدٍ: أرأيتَ إنْ قُتلتُ فأينَ أَنَا ؟ قال: «في الْجنَّةِ » فألْقى تَمراتٍ كنَّ في يَدِهِ ، ثُمَّ قاتل حتَّى قُتلَ. متفقٌ عليه .

90- الرابع: عن أبي هُريرةَ رضي اللَّهُ عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ الصَّدقةِ أعْظمُ أجْراً ؟ قال: «أنْ تَصَدَّقَ وأنْت صحيحٌ شَحيحٌ تَخْشى الْفقرَ، وتأْمُلُ الْغنى، ولا تُمْهِلْ حتَّى إذا بلَغتِ الْحلُقُومَ. قُلت: لفُلانٍ كذا ولفلانٍ كَذَا، وقَدْ كان لفُلان » متفقٌ عليه .

« الْحلْقُوم » : مجرى النَّفسِ . و « الْمريءُ » : مجرى الطَّعامِ والشَّرابِ .

91- الخامس: عن أنس رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَخذَ سيْفاً يوم أُحدٍ فقَالَ: « مَنْ يأْخُذُ منِّي هَذا ؟ فبسطُوا أَيدِيهُم ، كُلُّ إنْسانٍ منهمْ يقُول : أَنا أَنا . قَالَ: «فمنْ يأَخُذُهُ بحقِه؟ فَأَحْجمِ الْقومُ ، فقال أَبُو دجانة رضي اللَّه عنه : أَنا آخُذه بحقِّهِ ، فأَخَذهُ ففَلق بِهِ هَام الْمُشْرِكينَ». رواه مسلم .

اسم أبي دجانة : سماكُ بْنُ خرسة . قولُهُ : «أَحجم الْقوم» : أي توقَّفُوا . و «فَلق بِهِ» : أَي شَق «هام الْمشرِكين» : أَيْ رؤوسهُمْ.

92- السَّادس: عن الزُّبيْرِ بنِ عديِّ قال: أَتَيْنَا أَنس بن مالكٍ رضي اللَّه عنه فشَكوْنا إليهِ ما نلْقى من الْحَجَّاجِ. فقال: «اصْبِروا فإِنه لا يأْتي زمانٌ إلاَّ والَّذي بعْده شَرٌ منه حتَّى تلقَوا ربَّكُمْ » سمعتُه منْ نبيِّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . رواه البخاري .

93- السَّابع: عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « بادروا بالأَعْمال سبعاً، هل تَنتَظرونَ إلاَّ فقراً مُنسياً، أَوْ غنيٌ مُطْغياً، أَوْ مرضاً مُفسداً، أَو هرماً مُفْنداً أَو موتاً مُجهزاً أَوِ الدَّجَّال فشرُّ غَائب يُنتَظر، أَوِ السَّاعة فالسَّاعةُ أَدْهى وأَمر،» رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن .

94- الثامن: عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال يوم خيْبر: «لأعطِينَّ هذِهِ الراية رجُلا يُحبُّ اللَّه ورسُوله، يفتَح اللَّه عَلَى يديهِ» قال عمر رضي اللَّهُ عنه: ما أَحببْت الإِمارة إلاَّ يومئذٍ فتساورْتُ لهَا رجَاءَ أَنْ أُدْعى لهَا، فدعا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عليَ بن أبي طالب، رضي اللَّه عنه، فأَعْطَاه إِيَّاها، وقالَ: «امش ولا تلْتَفتْ حتَّى يَفتح اللَّه عليكَ» فَسار عليٌّ شيئاً، ثُمَّ وقف ولم يلْتفتْ، فصرخ: يا رسول اللَّه، على ماذَا أُقاتل النَّاس؟ قال: «قاتلْهُمْ حتَّى يشْهدوا أَنْ لا إله إلاَّ اللَّه، وأَنَّ مُحمَّداً رسول اللَّه، فَإِذا فعلوا ذلك فقدْ منعوا منْك دماءَهُمْ وأَموالهُمْ إلاَّ بحَقِّها، وحِسابُهُمْ على اللَّهِ» رواه مسلم  «فَتَساورْت» هو بالسِّين المهملة: أَيْ وثبت مُتطلِّعاً.

11- بابُ المجاهدة

قال اللَّه تعالى :  { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن اللَّه لمع المحسنين } .

وقال تعالى :  { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } .

وقال تعالى :  { واذكر اسم ربك، وتبتل إليه تبتيلا }  أي انقطع إليه.

وقال تعالى :  { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } .

وقال تعالى:  { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند اللَّه هو خيرا وأعظم أجرا } .

وقال تعالى :  { وما تنفقوا من خير فإن اللَّه به عليم } .

والآيات في الباب كثيرة معلومة.

95- فالأَول: عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. قال قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إِنَّ اللَّه تعالى قال: منْ عادى لي وليًّاً. فقدْ آذنتهُ بالْحرْب. وما تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وما يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ به، وبَصره الذي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التي يمْشِي بها، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه» رواه البخاري.

«آذنتُهُ» أَعلَمْتُه بِأَنِّي محارب لَهُ «استعاذنِي» رُوى بالنون وبالباءِ.

96- الثاني: عن أَنس رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فيمَا يرْوِيهِ عنْ ربهِ عزَّ وجَلَّ قال: «إِذَا تقرب الْعبْدُ إِليَّ شِبْراً تَقرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِراعاً، وإِذَا تقرَّب إِلَيَّ ذراعاً تقرَّبْتُ منه باعاً، وإِذا أَتانِي يَمْشِي أَتيْتُهُ هرْوَلَة» رواه البخاري.

97- الثالث: عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «نِعْمتانِ مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» رواه مسلم.

98- الرابع: عن عائشة رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَان يقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تتَفطَرَ قَدمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ، لِمْ تصنعُ هذا يا رسولَ اللَّهِ، وقدْ غفَرَ اللَّه لَكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وما تأخَّرَ؟ قال: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أكُونَ عبْداً شكُوراً؟» متفقٌ عليه. هذا لفظ البخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المُغيرة بن شُعْبَةَ.

99- الخامس: عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: «كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذَا دَخَلَ الْعشْرُ أحيا اللَّيْلَ، وأيقظ أهْلهْ، وجدَّ وشَدَّ المِئْزَرَ» متفقٌ عليه.

والمراد: الْعشْرُ الأواخِرُ من شهر رمضان: «وَالمِئْزَر»: الإِزارُ وهُو كِنايَةٌ عن اعْتِزَال النِّساءِ، وقِيلَ: المُرادُ تشْمِيرهُ للعِبادَةِ. يُقالُ: شَددْتُ لِهذا الأمرِ مِئْزَرِي، أيْ: تشمرتُ وَتَفَرَّغتُ لَهُ.

100- السادس: عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «المُؤمِن الْقَوِيُّ خيرٌ وَأَحبُّ إِلى اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا ينْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ. وإنْ أصابَك شيءٌ فلاَ تقلْ: لَوْ أَنِّي فَعلْتُ كانَ كَذَا وَكذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قدَّرَ اللَّهُ، ومَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان». رواه مسلم.

101- السابع: عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «حُجِبتِ النَّارُ بِالشَّهَواتِ، وحُجِبتْ الْجَنَّةُ بَالمكَارِهِ» متفقٌ عليه.

وفي رواية لمسلم: «حُفَّت» بَدلَ «حُجِبتْ» وهو بمعناهُ: أيْ: بينهُ وبيْنَهَا هَذا الحجابُ، فإذا فعلَهُ دخَلها.

102- الثامن: عن أبي عبد اللَّه حُذَيْفةَ بن اليمانِ، رضي اللَّهُ عنهما، قال: صَلَّيْتُ مع النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذَاتَ ليْلَةٍ، فَافَتَتَحَ الْبقرة، فقُلْت يرْكَعُ عِندَ المائة، ثُمَّ مضى، فَقُلْت يُصلِّي بِهَا في رَكْعةٍ، فَمَضَى.

فَقُلْت يَرْكَع بهَا، ثمَّ افْتتَح النِّسَاءَ، فَقَرأَهَا، ثمَّ افْتتح آلَ عِمْرانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرُأُ مُتَرَسِّلاً إذَا مرَّ بِآيَةٍ فِيها تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإِذَا مَرَّ بِسْؤالٍ سَأل، وإذَا مَرَّ بِتَعَوذٍ تَعَوَّذَ، ثم ركع فَجعل يقُول: «سُبحانَ رَبِّيَ الْعظِيمِ» فَكَانَ ركُوعُه نحْوا مِنْ قِيامِهِ ثُمَّ قَالَ: «سمِع اللَّهُ لِمن حمِدَه، ربَّنا لك الْحمدُ» ثُم قَام قِياماً طوِيلاً قَريباً مِمَّا ركَع، ثُمَّ سَجَدَ فَقالَ: «سبحان رَبِّيَ الأعلَى» فَكَانَ سُجُوده قَرِيباً مِنْ قِيامِهِ». رواه مسلم.

103- التاسع: عن ابن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: صلَّيْت مع النَبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَيلَةً، فَأَطَالَ الْقِيامَ حتَّى هممْتُ أَنْ أجْلِسَ وَأدعَهُ. متفقٌ عليه.

104- العاشر: عن أنس رضي اللَّه عنه عن رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «يتْبعُ الميْتَ ثلاثَةٌ: أهلُهُ ومالُه وعمَلُه، فيرْجِع اثنانِ ويبْقَى واحِدٌ: يرجعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويبقَى عملُهُ» متفقٌ عليه.

105- الحادي عشر: عن ابن مسعودٍ رضيَ اللَّهُ عنه قال: قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «الجنة أقَربُ إلى أَحدِكُم مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ والنَّارُ مِثْلُ ذلِكَ» رواه البخاري.

106- الثاني عشر: عن أبي فِراس رَبِيعةَ بنِ كَعْبٍ الأسْلَمِيِّ خادِم رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ومِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ رضي اللَّهُ عنه قال: كُنْتُ أبيتُ مع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فآتِيهِ بِوَضوئِهِ، وحاجتِهِ فقال: «سلْني» فقُلْت: أسْألُكَ مُرافَقَتَكَ في الجنَّةِ. فقالَ: «أوَ غَيْرَ ذلِك؟» قُلْت: أسْألُكَ مُرافَقَتَكَ في الجنَّةِ. فقالَ: «أوَ غَيْرَ ذلِك ؟» قُلْت: هو ذَاك. قال: «فأَعِنِّي على نَفْسِكَ بِكَثْرةِ السجُودِ» رواه مسلم.

107- الثالث عشر: عن أبي عبد اللَّه ويُقَالُ: أبُو عبْدِ الرَّحمنِ ثَوْبانَ موْلى رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: عليكَ بِكَثْرةِ السُّجُودِ، فإِنَّك لَنْ تَسْجُد للَّهِ سجْدةً إلاَّ رفَعكَ اللَّهُ بِهَا درجةً، وحطَّ عنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» رواه مسلم.

108- الرابع عشر: عن أبي صَفْوانَ عبدِ اللَّه  بن بُسْرٍ الأسلَمِيِّ، رضي اللَّه عنه، قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «خَيْرُ النَّاسِ مَن طالَ عمُرُه وَحَسُنَ عملُه» رواه الترمذي، وقال حديثٌ حسنٌ.

«بُسْر»: بضم الباءِ وبالسين المهملة.

109- الخامس عشر: عن أنسٍ رضي اللَّه عنه، قال: غَاب عمِّي أَنَسُ بنُ النَّضْرِ رضي اللَّهُ عنه، عن قِتالِ بدرٍ، فقال: يا رسولَ اللَّه غِبْت عن أوَّلِ قِتالٍ قَاتلْتَ المُشرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أشْهَدَنِي قتالَ المشركين لَيُرِيَنَّ اللَّهُ ما أصنعُ، فلما كانَ يومُ أُحدٍ انْكشَفَ المُسْلِمُون فقال: اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إليْكَ مِمَّا صنَع هَؤُلاءِ  يَعْني أصْحَابَه وأبرأُ إلَيْكَ مِمَّا صنعَ هَؤُلاَءِ  يعني المُشْرِكِينَ  ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سعْدُ بْنُ مُعاذٍ، فَقالَ: يا سعْدُ بْنَ معُاذٍ الْجنَّةُ ورَبِّ الكعْبةِ، إِنِى أجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قال سعْدٌ: فَمَا اسْتَطعْتُ يا رسول اللَّه ماصنَعَ، قَالَ أنسٌ: فَوجدْنَا بِهِ بِضْعاً وثمانِينَ ضَرْبةً بِالسَّيفِ، أوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أو رمْيةً بِسهْمٍ، ووجدْناهُ قَد قُتِلَ وَمثَّلَ بِهِ المُشرِكُونَ فَما عرفَهُ أَحدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبنَانِهِ. قال أنسٌ: كُنَّا نَرى أوْ نَظُنُّ أنَّ هَذِهِ الآيَة نزلَتْ فيهِ وَفِي أشْباهِهِ: [مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صدقُوا ما عَاهَدُوا اللَّه علَيهِ] [الأحزاب: 23] إلى آخرها. متفقٌ عليه.

قوله: «لَيُريَنَّ اللَّهُ» رُوى بضم الياءِ وكسر الراءِ، أي لَيُظْهِرنَّ اللَّهُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، ورُوِى بفتحهما، ومعناه ظاهر، واللَّه أعلم.

110- السادس عشر: عن أبي مسعود عُقْبَةَ بن عمروٍ الأنصاريِّ البدريِّ رضي اللَّهُ عنه قال: لمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنا. فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا: مُراءٍ، وجاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فقالُوا: إنَّ اللَّه لَغَنِيٌّ عَنْ صاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ}  [التوبة 79] الآية. متفقٌ عليه.

«ونُحَامِلُ» بضم النون، وبالحاءِ المهملة: أَيْ يَحْمِلُ أَحَدُنَا على ظَهْرِهِ بِالأجْرَةِ، وَيَتَصَدَّقُ بها.

111- السابَع عشر: عن سعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، عن رَبيعةَ بنِ يزيدَ، عن أَبِي إدريس الخَوْلاَنيِّ، عن أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ، رضي اللَّهُ عنه، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فيما يَرْوِى عَنِ اللَّهِ تباركَ وتعالى أنه قال: «يا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلاَ تَظالمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُم ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُوني أهْدكُمْ، يَا عِبَادي كُلُّكُمْ جائعٌ إِلاَّ منْ أطعمتُه، فاسْتطْعموني أطعمْكم، يا عبادي كلكم عَارٍ إلاَّ مِنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوني أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أوَّلَكُمْ وآخِركُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتقَى قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما زادَ ذلكَ فِي مُلكي شيئاً، يا عِبَادِي لو أَنَّ أوَّلكم وآخرَكُم وإنسَكُم وجنكُمْ كَانوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِركُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُوني فَأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا َيَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي إنَّما هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمِدِ اللَّه، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ». قَالَ سعيدٌ: كان أبو إدريس إذا حدَّثَ بهذا الحديث جَثَا عَلَى رُكبتيه. رواه مسلم. وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث.

12- بابُ الحثِّ على الازدياد من الخير في أواخِر العُمر 

قال اللَّه تعالى :  { أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير }

قال ابن عباس والمحققون: معناه: أولم نعمركم ستين سنة، ويؤيده الحديث الذي سنذكره إن شاء اللَّه تعالى. وقيل معناه: ثماني عشرة سنة. وقيل: أربعين سنة. قاله الحسن والكلبي ومسروق، ونقل عن ابن عباس أيضاً، ونقلوا أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة. وقيل هو: البلوغ. وقوله تعالى:  { وجاءكم النذير }  قال ابن عباس والجمهور: هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقيل: الشيب. قاله عكرمة وابن عيينة وغيرهما، والله أعلم.

112- وأمَّا الأحاديث فالأوَّل : عن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «أعْذَرَ اللَّهُ إلى امْرِىءٍ أخَّرَ أجلَه حتى بلَغَ سِتِّينَ سنةً » رواه البخارى.

قال العلماءُ معناه : لَمْ يتْركْ لَه عُذْراً إذ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ . يُقال : أعْذَرَ الرَّجُلُ إذا بلغَ الغاية في الْعُذْرِ .

113- الثاني : عن ابن عباس ، رضي اللَّه عنهما ، قال : كان عمر رضي اللَّه عنه يُدْخِلُنى مَع أشْياخ بْدرٍ ، فَكأنَّ بعْضَهُمْ وجدَ فِي نفسه فقال : لِمَ يَدْخُلُ هَذِا معنا ولنَا أبْنَاء مِثْلُه ،؟ فقال عمرُ : إِنَّهُ من حيْثُ علِمْتُمْ ، فدَعَانى ذاتَ يَوْمٍ فَأدْخلَنى معهُمْ ، فما رأَيْتُ أنَّه دعانى يوْمئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيهُمْ قال : ما تقولون في قول اللَّه تعالى:  { إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ} [الفتح : 1 ] فقال بَعضُهُمْ : أمِرْنَا نَحْمَدُ اللَّهَ ونَسْتَغْفِره إذَا نَصرنَا وفَتَحَ علَيْنَا . وسكَتَ بعضهُمْ فلم يقُلْ شيئاً فقال لى : أكَذلك تقول يا ابنَ عباس ؟ فقلت : لا . قال فما تقول ؟ قلت : هُو أجلُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، أعْلمَه له قال : { إذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفتحُ}  وذلك علامة أجلِك { فَسَبِّحْ بِحمْدِ رَبِّكَ واسْتغْفِرْهُ إِنَّه كانَ تَوَّاباً}  [ الفتح : 3 ] فقال عمر رضي اللَّه عنه : ما أعْلَم منها إلاَّ ما تَقُول . رواه البخارى .

114- الثالث : عن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالت : ما صَلَّى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم صلاةً بعْد أَنْ نزَلَتْ علَيْهِ  {إذَا جَاءَ نصْرُ اللِّهِ والْفَتْحُ }  إلاَّ يقول فيها : « سُبْحانك ربَّنَا وبِحمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لى » متفقٌ عليه .

وفي رواية الصحيحين عنها : كان رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِر أنْ يَقُول فِي ركُوعِه وسُجُودِهِ : « سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ربَّنَا وَبحمْدِكَ ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لي » يتأوَّل الْقُرْآن .

معنى : « يتأوَّل الْقُرُآنَ » أيْ : يعْمل مَا أُمِرَ بِهِ في الْقُــرآنِ في قولِهِ تعالى :  {فَسبِّحْ بِحمْدِ ربِّكَ واستَغْفِرْهُ } .

وفي رواية لمسلم : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ أنْ يَقولَ قبْلَ أَنْ يَمُوتَ : «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحْمدِكَ ، أسْتَغْفِركَ وأتُوبُ إلَيْكَ » . قالت عائشةُ : قلت : يا رسولَ اللَّه ما هذِهِ الكلِمَاتُ الَّتي أرَاكَ أحْدثْتَها تَقولها ؟ قــال : « جُعِلَتْ لِي علامةٌ في أمَّتي إذا رَأيتُها قُلتُها  {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ والْفَتْحُ }  إلى آخر السورة».

وفي رواية له : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ : « سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمْدِهِ . أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأَتُوبُ إلَيْه » . قالت : قلت : يا رسولَ اللَّه ، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْل : سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمْدِهِ ، أسْتغْفِر اللَّه وأتُوبُ إليْهِ ؟ فقال : « أخْبرني ربِّي أنِّي سَأرَى علاَمَةً فِي أُمَّتي فَإِذَا رأيْتُها أكْثَرْتُ مِن قَوْلِ : سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمْدِهِ ، أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأتُوبُ إلَيْهِ : فَقَدْ رَأَيْتُها:  {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ والْفَتْحُ } فَتْحُ مَكَّةَ ،  { ورأيْتَ النَّاس يدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أفْوَاجًا ، فَسبحْ بحمْدِ ربِّكَ واسْتَغفِرْهُ إنَّهُ كانَ توَّاباً }  .

115- الرابع : عن أنسٍ رضي اللَّهُ عنه قال : إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ تَابعَ الوحْيَ على رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَبْلَ وَفَاتِهِ ، حتَّى تُوُفِّى أكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ . متفقٌ عليه .

116- الخامس : عن جابر رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُبْعثُ كُلُّ عبْدٍ على ما مَاتَ علَيْهِ » رواه مسلم .

13- باب في بَيان كثرةِ طرق الخير 

قال اللَّه تعالى :  { وما تفعلوا من خير فإن اللَّه به عليم } .

وقال تعالى :  { وما تفعلوا من خير يعلمه اللَّه } .

وقال تعالى :  { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } .

وقال تعالى :  { من عمل صالحاً فلنفسه } .

والآيات في الباب كثيرة.

117- الأوَّل : عن أَبِي ذرٍّ جُنْدَبِ بنِ جُنَادَةَ رضي اللَّه عنه قال : قلت يا رسولَ اللَّه، أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ ؟ قال: « الإِيمانُ بِاللَّهِ ، وَالجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ » . قُلْتُ : أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ ؟ قال : « أنْفَسُهَا عِنْد أهْلِهَا ، وأكثَرُهَا ثَمَناً » . قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أفْعلْ ؟ قال : « تُعينُ صَانِعاً أوْ تَصْنَعُ لأخْرَقَ » قُلْتُ : يا رسول اللَّه أرَأيتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعملِ ؟ قال : « تَكُفُّ شَرَّكَ عَن النَّاسِ فَإِنَّها صدقةٌ مِنْكَ على نَفسِكَ » . متفقٌ عليه .

« الصانِعُ » بالصَّاد المهملة هذا هو المشهور ، ورُوِى « ضَائعاً » بالمعجمة : أيْ ذَا ضياع مِنْ فقْرِ أوْ عِيالٍ ، ونْحو ذلكَ « والأخْرَقُ » : الَّذي لا يُتقنُ ما يُحاوِلُ فِعْلهُ .

118- الثاني : عن أَبِي ذرٍّ رضي اللَّه عنه أيضاً أنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : يُصْبِحُ على كلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صدقَةٌ ، فَكُلٌ تَسبِيْحةٍ صَدقةٌ ، وكُلُّ تحْمِيدَةٍ صدقَةٌ ، وكُلُّ تهْلِيلَةٍ صَدَقةٌ ، وكلُّ تَكْبِيرةٍ صَدَقَةٌ، وأمْرٌ بالمعْرُوفِ صدقَةٌ ، ونَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صدقَةٌ . ويُجْزِئُ مِنْ ذَلكَ رَكعَتَانِ يرْكَعُهُما مِنَ الضُّحى » رواه مسلم . « السُّلاَمَى » بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم : المفْصِلُ .

119- الثَّالثُ عنْهُ قال : قال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمالُ أُمَّتي حسَنُهَا وسيِّئُهَا فوجَدْتُ في مَحاسِنِ أعْمالِهَا الأذَى يُماطُ عن الطَّرِيقِ ، وَوجَدْتُ في مَساوَىءِ أعْمالِها النُّخَاعَةُ تَكُونُ فِي المَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ» رواه مسلم.

120- الرابع عنه : أنَّ ناساً قالوا : يا رسُولَ اللَّهِ ، ذَهَب أهْلُ الدُّثُور بالأجُورِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ بَفُضُولِ أمْوَالهِمْ قال : «أوَ لَيْس قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ : إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدقَةً، وكُلِّ تَكبِيرةٍ صدقة ، وكلِّ تَحْمِيدةٍ صدقةً ، وكلِّ تِهْلِيلَةٍ صَدقَةً ، وأمرٌ بالمعْرُوفِ صدقةٌ ، ونَهْىٌ عنِ المُنْكر صدقةٌ وفي بُضْعِ أحدِكُمْ صدقةٌ » قالوا : يا رسولَ اللَّهِ أيأتي أحدُنَا شَهْوَتَه ، ويكُونُ لَه فيها أجْر ؟، قال : «أرأيْتُمْ لو وضَعهَا في حرامٍ أَكَانَ عليهِ وِزْرٌ ؟ فكذلكَ إذا وضَعهَا في الحلاَلِ كانَ لَهُ أجْرٌ» رواه مسلم .

« الدُّثُورُ » : بالثاءِ المثلثة : الأموالُ ، واحِدُها : دَثْرٌ .

121- الخامس : عنه قال : قال لي النبيُّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم : «لاَ تَحقِرنَّ مِن المعْرُوفِ شَيْئاً ولَوْ أنْ تلْقَى أخَاكَ بِوجهٍ طلِيقٍ » رواه مسلم .

122- السادس : عن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ علَيْهِ صدَقةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ : تعدِلُ بيْن الاثْنَيْنِ صدَقَةٌ ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ ، فَتحْمِلُهُ عَلَيْهَا ، أوْ ترْفَعُ لَهُ علَيْهَا متَاعَهُ صدقةٌ ، والكلمةُ الطَّيِّبةُ صدَقةٌ، وبِكُلِّ خَطْوَةٍ تمْشِيها إلى الصَّلاَةِ صدقَةٌ ، وَتُميطُ الأذَى عَن الطرِيق صَدَقةٌ» متفق عليه .

ورواه مسلم أيضاً من رواية عائشة رضي اللَّه عنها قالت : قال رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسانٍ مِنْ بني آدم علَى سِتِّينَ وثلاثمائَةِ مَفْصِلٍ ، فَمنْ كَبَّر اللَّه ، وحمِدَ اللَّه ، وَهَلَّلَ اللَّه ، وسبَّحَ اللَّه واستَغْفَر اللَّه ، وعَزلَ حَجراً عنْ طَرِيقِ النَّاسِ أوْ شَوْكَةً أوْ عظْماً عن طَرِيقِ النَّاسِ ، أوْ أمر بمعرُوفٍ أوْ نهى عنْ مُنْكَرٍ ، عَددَ السِّتِّينَ والثَّلاَثمائة ، فَإِنَّهُ يُمْسي يَوْمئِذٍ وَقَد زَحزحَ نفْسَهُ عنِ النَّارِ » .

123- السابع : عنه عن النَبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « منْ غدَا إلى المَسْجِدِ أو رَاحَ ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ » متفقٌ عليه .

« النُّزُل » : القُوتُ والرِّزْقُ ومَا يُهَيَّأ للضَّيفِ .

124- الثامن : عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يا نِسَاء المُسْلِماتِ لاَ تَحْقِرنَّ جارَةٌ لِجارتِهَا ولَوْ فِرْسِنَ شاةٍ » متفقٌ عليه .

قال الجوهري : الفِرْسِنُ مِنَ الْبعِيرِ : كالحافِرِ مِنَ الدَّابَّةِ ، قال : ورُبَّمَا اسْتُعِير في الشَّاةِ

125- التاسع : عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسبْعُونَ ، أوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شَعْبَةً : فَأفْضلُهَا قوْلُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عنِ الطَّرِيقِ ، وَالحيَاءُ شُعْبةٌ مِنَ الإِيمانِ » متفقٌ عليه .

« البضْعُ » من ثلاثة إلى تسعةٍ ، بكسر الباءِ وقد تفْتَحُ . « والشُّعْبةُ » : القطْعة .

126- العاشر : عنه أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فيها فَشَربَ ، ثُمَّ خرج فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فقال الرَّجُلُ : لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه. قَالُوا: يا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً ؟ فَقَالَ: « في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ » متفقٌ عليه .

وفي رواية للبخاري : « فَشَكَر اللَّه لهُ فَغَفَرَ لَه ، فَأدْخَلَه الْجنَّةَ » .

وفي رواية لَهُما : « بَيْنَما كَلْبٌ يُطيف بِركِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقْتُلُه الْعطَشُ إِذْ رأتْه بغِيٌّ مِنْ بَغَايا بَنِي إِسْرَائيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فاسْتَقت لَهُ بِهِ ، فَسَقَتْهُ فَغُفِر لَهَا بِهِ».

« الْمُوقُ » : الْخُفُّ . « وَيُطِيفُ » : يَدُورُ حَوْلَ « رَكِيَّةٍ » وَهِيَ الْبِئْرُ .

127- الْحادي عشَرَ : عنْهُ عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَقَد رأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجنَّةِ فِي شَجرةٍ قطَعها مِنْ ظَهْرِ الطَّريقِ كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسلِمِينَ » . رواه مسلم .

وفي رواية : « مرَّ رجُلٌ بِغُصْنِ شَجرةٍ عَلَى ظَهْرِ طرِيقٍ فَقَالَ : واللَّهِ لأُنَحِّينَّ هذا عنِ الْمسلِمِينَ لا يُؤْذِيهُمْ، فأُدْخِلَ الْجَنَّةَ » .

وفي رواية لهما : « بيْنَما رجُلٌ يمْشِي بِطريقٍ وجد غُصْن شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ ، فأخَّرُه فشَكَر اللَّهُ لَهُ، فغَفر لَهُ » .

128- الثَّاني عشَر : عنْه قالَ : قَال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ توضَّأ فأحَسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ أتَى الْجُمعةَ ، فَاستمع وأنْصتَ ، غُفِر لَهُ ما بيْنَهُ وبيْنَ الْجُمعةِ وزِيادةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ، ومَنْ مسَّ الْحصا فَقد لَغَا » رواه مسلم .

129- الثَّالثَ عَشر : عنْه أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إذَا تَوضَّأَ الْعبْدُ الْمُسْلِم ، أو الْمُؤْمِنُ فغَسلَ وجْههُ خرج مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خطِيئةٍ نظر إِلَيْهَا بعينهِ مَعَ الْماءِ ، أوْ مَعَ آخِر قَطْرِ الْماءِ ، فَإِذَا غَسَل يديهِ خَرج مِنْ يديْهِ كُلُّ خَطِيْئَةٍ كانَ بطشتْهَا يداهُ مع الْمَاءِ أَو مع آخِرِ قَطْرِ الْماءِ ، فَإِذَا غسلَ رِجليْهِ خَرجَتْ كُلُّ خَطِيْئَةٍ مشَتْها رِجْلاُه مع الْماءِ أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يخْرُج نقِياً من الذُّنُوبِ» رواه مسلم .

130- الرَّابعَ عشرَ : عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « الصَّلواتُ الْخَمْسُ ، والْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعةِ ، ورمضانُ إِلَى رمضانَ مُكفِّرَاتٌ لِمَا بينَهُنَّ إِذَا اجْتنِبَت الْكَبائِرُ » رواه مسلم

131- الْخَامسَ عشر: عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ألا أدلُّكَم على ما يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطايا ، ويرْفَعُ بِهِ الدَّرجاتِ ؟ » قالوا : بلى يا رسُولَ اللَّهِ ، قال : « إسباغ الْوُضوءِ على الْمَكَارِهِ وكَثْرةُ الْخُطَا إِلَى الْمسَاجِدِ ، وانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْدِ الصَّلاةِ ، فَذلِكُمُ الرّبَاطُ » رواه مسلم .

132- السَّادسَ عشرَ : عن أَبِي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ صلَّى الْبَرْديْنِ دَخَلَ الْجنَّةَ » متفقٌ عليه .

« البرْدَانِ » : الصُّبْحُ والْعَصْرُ .

133- السَّابِعَ عشَر : عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذَا مرِضَ الْعبْدُ أَوْ سافَر كُتِب لَهُ ما كانَ يعْملُ مُقِيماً صحيِحاً » رواه البخاري .

134- الثَّامنَ عشَرَ : عنْ جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كُلُّ معرُوفٍ صدقَةٌ » رواه البخاري ، ورواه مسلم مِن رواية حذَيفَةَ رضي اللَّه عنه .

135- التَّاسع عشر : عنْهُ قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ما مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ ما أُكِلَ مِنْهُ لهُ صدقةً ، وما سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً ، ولا يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ له صدقةً» رواه مسلم . وفي رواية له : « فَلا يغْرِس الْمُسْلِم غرساً ، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنسانٌ ولا دابةٌ ولا طَيرٌ إلاَّ كانَ له صدقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامة ».

وفي رواية له : « لا يغْرِس مُسلِم غرْساً ، ولا يزْرعُ زرْعاً ، فيأْكُل مِنْه إِنْسانٌ وَلا دابَّةٌ ولا شَيْءٌ إلاَّ كَانَتْ لَه صدقةً ، ورويَاه جميعاً مِنْ رواية أَنَسٍ رضي اللَّه عنه .

     قولُهُ : « يرْزَؤُهُ » أي : يَنْقُصهُ .

136- العْشْرُونَ : عنْهُ قالَ : أَراد بنُو سَلِمَة أَن ينْتَقِلوا قُرْبَ المَسْجِدِ فبلَغَ ذلك رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ لَهُمْ: « إِنَّه قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُربَ الْمَسْجِدِ ؟ » فَقَالُوا : نَعَمْ يا رسولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلكَ ، فَقالَ : « بَنِي سَلِمةَ ديارَكُمْ ، تكْتبْ آثَارُكُمْ ، دِياركُم ، تُكْتَبْ آثارُكُمْ » رواه مسلم .

وفي روايةٍ : « إِنَّ بِكُلِّ خَطْوةٍ درجةً » رواه مسلم . ورواه البخاري أيضاً بِمعنَاهُ مِنْ روايةِ أَنَسٍ رضي اللَّه عنه .

و « بنُو سَلِمَةَ » بكسر اللام : قبيلة معروفة من الأَنصار رضي اللَّه عنهم ، و «آثَارُهُمْ» خُطاهُمْ .

137- الْحَادي والْعِشْرُونَ : عنْ أَبِي الْمُنْذِر أُبيِّ بنِ كَعبٍ رضي اللَّه عنه قال : كَان رجُلٌ لا أَعْلمُ رجُلا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ ، وكَانَ لا تُخْطِئُهُ صلاةٌ فَقِيل لَه ، أَوْ فقُلْتُ لهُ: لَوْ اشْتَريْتَ حِماراً ترْكَبُهُ في الظَّلْماءِ ، وفي الرَّمْضَاءِ فَقَالَ : ما يسُرُّنِي أَن منْزِلِي إِلَى جنْب الْمسْجِدِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَب لِي ممْشَايَ إِلَى الْمَسْجد ، ورُجُوعِي إِذَا رجعْتُ إِلَى أَهْلِي ، فقالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « قَدْ جمع اللَّهُ لكَ ذلِكَ كُلَّهُ » رواه مسلم .

وفي روايةٍ : « إِنَّ لَكَ مَا احْتسَبْت » . « الرمْضَاءُ » الأَرْضُ الَّتِي أَصَابَهَا الْحرُّ الشَّديدُ.

138- الثَّاني والْعشْرُونَ : عنْ أَبِي محمدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَرْبعُونَ خَصْلةً أَعلاها منِيحةُ الْعَنْزِ، ما مِنْ عامَلٍ يعملَ بِخَصْلَةٍ مِنْها رجاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ موْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجنَّةَ» رواه البخارى.

« الْمنِيحةُ » : أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا ليأْكُل لبنَهَا ثُمَّ يَردَّهَا إِليْهِ .

139- الثَّالثُ والْعشْرونَ : عَنْ عدِيِّ بنِ حاتِمٍ رضي اللَّه عنه قال : سمِعْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « اتَّقُوا النار وَلوْ بِشقِّ تَمْرةٍ » متفقٌ عليه .

وفي رواية لهما عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سيُكَلِّمُه ربُّه لَيْس بَيْنَهُ وبََينَهُ تَرْجُمَان ، فَينْظُرَ أَيْمنَ مِنْهُ فَلا يَرى إِلاَّ مَا قَدَّم ، وينْظُر أشأمَ مِنْهُ فلا يَرَى إلاَّ ما قَدَّمَ، وَينْظُر بَيْنَ يدَيْهِ فَلا يَرى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فاتَّقُوا النَّارَ ولوْ بِشِقِّ تَمْرةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلِمَة طيِّبَةٍ » .

140- الرَّابِعِ والْعشرونَ : عنْ أَنَسٍ رضي اللَّه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه لَيرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فيحْمدَهُ عليْهَا ، أَوْ يشْربَ الشَّرْبَةَ فيحْمدَهُ عليْهَا » رواه مسلم .

« وَالأَكْلَة » بفتح الهمزة : وهي الْغَدوة أَوِ الْعشوة .

141- الْخَامِسُ والْعشْرُونَ : عن أَبِي رضي اللَّه عنه ، عن النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صدقةٌ » قال : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجدْ ؟ قالَ : « يعْمَل بِيَديِهِ فَينْفَعُ نَفْسَه وَيَتَصدَّقُ » : قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يسْتطِعْ ؟ قال : يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْملْهوفَ » قالَ : أَرأَيْت إِنْ لَمْ يسْتَطِعْ قالَ : « يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ » قالَ : أَرأَيْتَ إِنْ لَمْ يفْعلْ ؟ قالْ : «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صدَقةٌ » متفقٌ عليه.

14- باب في الاقتصاد في العبادة 

قال اللَّه تعالى :  { طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى }

وقال تعالى :  { يريد اللَّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .

142- عن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها أَن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دخَلَ عليْها وعِنْدها امْرأَةٌ قال : منْ هَذِهِ ؟ قالت : هَذِهِ فُلانَة تَذْكُرُ مِنْ صَلاتِهَا قالَ : « مَهُ عليكُمْ بِما تُطِيقُون ، فَوَاللَّه لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا وكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ ما داوَمَ صَاحِبُهُ علَيْهِ » متفقٌ عليه .

« ومهْ » كَلِمة نَهْى وزَجْرٍ . ومَعْنى « لا يملُّ اللَّهُ » أي : لا يَقْطَعُ ثَوابَهُ عنْكُمْ وَجَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ ، ويُعَامِلُكُمْ مُعاملَةَ الْمالِّ حَتَّى تَملُّوا فَتَتْرُكُوا ، فَينْبَغِي لكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا ما تُطِيقُونَ الدَّوَامَ علَيْهِ لَيَدُومَ ثَوَابُهُ لَكُمْ وفَضْلُه عَلَيْكُمْ .

143- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : جاءَ ثَلاثةُ رهْطِ إِلَى بُيُوتِ أَزْواجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَلَمَّا أُخبِروا كأَنَّهُمْ تَقَالَّوْها وقالُوا : أَين نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ غُفِر لَهُ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ . قالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فأُصلِّي الليل أَبداً ، وقال الآخَرُ : وَأَنا أَصُومُ الدَّهْرَ أبداً ولا أُفْطِرُ ، وقالَ الآخرُ : وأَنا اعْتَزِلُ النِّساءَ فلا أَتَزوَّجُ أَبداً، فَجاءَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إلَيْهمْ فقال : « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كذا وكذَا؟، أَما واللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم له لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّى» متفقٌ عليه.

144- وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه أن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ » قالَهَا ثلاثاً ، رواه مسلم .

« الْمُتَنطِّعُونَ » : الْمُتعمِّقونَ الْمُشَدِّدُون فِي غَيْرِ موْضَعِ التَّشْدِيدِ .

145- عن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ » رواه البخاري .

وفي رواية له « سدِّدُوا وقَارِبُوا واغْدوا ورُوحُوا ، وشَيْء مِنَ الدُّلْجةِ ، الْقَصْد الْقصْد تَبْلُغُوا » .

قوله : « الدِّينُ » هُو مرْفُوعٌ عَلَى ما لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . وروِي مَنْصُوباً ، وروِيَ: « لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ» .. وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِلاَّ غَلَبَهُ » : أَيْ : غَلَبَه الدِّينُ وَعَجزَ ذلكَ الْمُشَادُّ عنْ مُقَاومَةِ الدِّينِ لِكَثْرةِ طُرقِهِ. « والْغَدْوةُ » سيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ . «وَالرَّوْحةُ » : آخِرُ النَّهَارِ «والدُّلْجَةُ » : آخِرُ اللَّيْلِ . وَهَذا استَعارةٌ ، وتَمْثِيلٌ ، ومعْناهُ : اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعةِ اللَّهِ عز وجلَّ بالأَعْمالِ فِي وقْتِ نشاطِكُمْ ، وفَراغِ قُلُوبِكُمْ بحيثُ تًسْتلذُّونَ الْعِبادَةَ ولا تسـأَمُونَ مقْصُودَكُمْ ، كَما أَنَّ الْمُسافِرَ الْحاذِقَ يَسيرُ في هَذهِ الأَوْقَاتِ وَيستَريِحُ هُو ودابَّتُهُ فِي غَيْرِهَا ، فيصِلُ الْمقْصُود بِغَيْرِ تَعبٍ ، واللَّهُ أَعلم .

146- وعن أَنسٍ رضي اللَّهُ عنه قال : دَخَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الْمسْجِدَ فَإِذَا حبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فقالَ : « ما هَذَا الْحبْلُ ؟ قالُوا ، هَذا حبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَترَتْ تَعَلَقَتْ بِهِ . فقال النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « حُلّوهُ ، لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذا فَترَ فَلْيرْقُدْ » متفقٌ عليه .

147- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِذَا نَعَسَ أَحدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فإِن أَحدَكم إِذَا صلَّى وهُو نَاعَسٌ لا يَدْرِي لعلَّهُ يذهَبُ يسْتَغْفِرُ فيَسُبُّ نَفْسَهُ » . متفقٌ عليه .

148- وعن أَبِي عبد اللَّه جابر بن سمُرَةَ رضي اللَّهُ عنهما قال : كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الصَّلَوَاتِ ، فَكَانَتْ صلاتُهُ قَصداً وخُطْبَتُه قَصْداً » رواه مسلم .

قولُهُ : قَصْداً : أَيْ بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ .

149- وعن أَبِي جُحَيْفَةَ وَهبِ بْنِ عبد اللَّه رضي اللَّهُ عنه قال : آخَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَيْن سَلْمَانَ وأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاء مُتَبَذِّلَةً فقالَ : ما شَأْنُكِ؟ قالَتْ : أَخْوكَ أَبُو الدَّرداءِ ليْسَ له حَاجةٌ فِي الدُّنْيَا . فَجَاءَ أَبُو الدرْدَاءِ فَصَنَعَ لَه طَعَاماً ، فقالَ لَهُ : كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ ، قالَ : ما أَنا بآكلٍ حَتَّى تأْكلَ ، فَأَكَلَ ، فَلَّمَا كانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْداءِ يقُوم فقال لَه : نَمْ فَنَام، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُوم فقالَ لَه : نَمْ ، فَلَمَّا كان من آخرِ اللَّيْلِ قالَ سلْمانُ : قُم الآنَ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً ، فقالَ له سَلْمَانُ : إِنَّ لرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لنَفْسِكَ عَلَيْكَ حقًّا ، ولأهلِك عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَذَكر ذلكَ لَه ، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « صَدَقَ سلْمَانُ» رواه البخاري.

150- وعن أَبِي محمد عبدِ اللَّهِ بن عمرو بنِ العاص رضي اللَّه عنهما قال : أُخْبرَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنِّي أَقُول : وَاللَّهِ لأَصومَنَّ النَّهَارَ ، ولأَقُومنَّ اللَّيْلَ ما عشْتُ ، فَقَالَ رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «أَنْتَ الَّذِي تَقُول ذلك ؟ فَقُلْت له: قَدْ قُلتُه بأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يا رسولَ اللَّه . قَالَ: « فَإِنكَ لا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ ، فَصُمْ وأَفْطرْ، ونَمْ وَقُمْ ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحسنَةَ بعَشْرِ أَمْثَالهَا ، وذلكَ مثْلُ صِيامٍ الدَّهْرِ قُلْت : فَإِنِّي أُطيق أفْضَلَ منْ ذلكَ قالَ : فَصمْ يَوْماً وَأَفْطرْ يَوْمَيْنِ، قُلْت : فَإِنِّي أُطُيق أفْضَلَ مِنْ ذلكَ ، قَالَ : « فَصُم يَوْماً وَأَفْطرْ يوْماً ، فَذلكَ صِيَام دَاوود صلى الله عليه وسلم، وَهُو أَعْدَل الصِّيَامِ » . وَفي رواية : « هوَ أَفْضَلُ الصِّيامِ » فَقُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلكَ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « لا أَفْضَلَ منْ ذلك» وَلأنْ أَكْونَ قَبلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامِ الَّتِي قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحَبُّ إِليَّ منْ أَهْلِي وَمَالِى.

وفي روايةٍ : « أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصومُ النَّهَارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ ؟ » قلت : بلَى يَا رسول اللَّهِ . قال : « فَلا تَفْعل: صُمْ وأَفْطرْ ، ونَمْ وقُمْ فَإِنَّ لجَسَدكَ علَيْكَ حقًّا ، وإِنَّ لعيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لزَوْجِكَ علَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لزَوْركَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وإِنَّ بحَسْبكَ أَنْ تَصْومَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنةٍ عشْرَ أَمْثَالِهَا ، فَإِذن ذلك صِيَامُ الدَّهْرِ» فشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ، قُلْتُ: يا رسول اللَّه إِنّي أَجِدُ قُوَّةً، قال : « صُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ داوُدَ وَلا تَزدْ عَلَيْهِ» قلت: وما كَان صِيَامُ داودَ؟ قال : « نِصْفُ الدهْرِ » فَكَان عَبْدُ اللَّهِ يقول بعْد مَا كَبِر : يالَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصةَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم .

وفي رواية : « أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تصُومُ الدَّهْرِ ، وَتْقَرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَة ؟ » فَقُلْتُ : بَلَى يا رسولَ اللَّهِ، ولَمْ أُرِدْ بذلِكَ إِلاَّ الْخيْرَ، قَالَ : « فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللَّهِ داودَ ، فَإِنَّه كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ ، واقْرأْ الْقُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ » قُلْت: يَا نَبِيِّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضل مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : « فَاقْرَأه فِي كُلِّ عِشرِينَ » قُلْت : يَا نبيِّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْر » قُلْت : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضلَ مِنْ ذلِكَ ؟ قَالَ : « فَاقْرَأْه في كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ » فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ ، وقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعلَّكَ يَطُول بِكَ عُمُرٌ قالَ : فَصِرْت إِلَى الَّذِي قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أنِّي قَبِلْت رخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم .

وفي رواية : « وَإِنَّ لوَلَدِكَ علَيْكَ حَقًّا » وفي روايةٍ : لا صَامَ من صَامَ الأَبَدَ » ثَلاثاً . وفي روايةٍ : « أَحَبُّ الصَّيَامِ إِلَى اللَّه تَعَالَى صِيَامُ دَاوُدَ ، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ : كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، وَكَانَ يَصُومُ يوْماً ويُفْطِرُ يَوْماً ، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى » .

 وفي رواية قَالَ : أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حسَبٍ ، وكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتهُ أي : امْرَأَة ولَدِهِ     فَيسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا ، فَتَقُولُ لَهُ : نِعْمَ الرَّجْلُ مِنْ رجُل لَمْ يَطَأْ لنَا فِرَاشاً ولَمْ يُفتِّشْ لنَا كَنَفاً مُنْذُ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طالَ ذَلِكَ عليه ذكَرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فقَالَ : « الْقَني به » فلَقيتُهُ بَعْدَ ذلكَ فَقَالَ : « كيفَ تَصُومُ ؟ » قُلْتُ كُلَّ يَوْم ، قَالَ: « وَكيْفَ تَخْتِم ؟ » قلتُ: كُلَّ لَيلة ، وذَكَر نَحْوَ مَا سَبَق وكَان يقْرَأُ عَلَى بعْض أَهْلِه السُّبُعَ الَّذِي يقْرؤهُ ، يعْرضُهُ مِن النَّهَارِ لِيكُون أَخفَّ علَيِهِ بِاللَّيْل ، وَإِذَا أَراد أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَر أَيَّاماً وَأَحصَى وصَام مِثْلَهُنَّ كَراهِيةَ أَن يتْرُك شيئاً فارقَ علَيهِ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.

كُلُّ هذِه الرِّوَايات صحيِحةٌ مُعْظَمُهَا فِي الصَّحيحيْنَ وقليلٌ منْهَا في أَحَدِهِما .

151- وعن أَبِي ربْعِيٍّ حنْظَلةَ بنِ الرَّبيع الأُسيدِيِّ الْكَاتِب أَحدِ كُتَّابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : لَقينَي أَبُو بَكْر رضي اللَّه عنه فقال : كَيْفَ أَنْتَ يا حنْظلَةُ ؟ قُلْتُ : نَافَقَ حنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحانَ اللَّه ما تقُولُ ؟،: قُلْتُ : نَكُونُ عِنْد رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُذكِّرُنَا بالْجنَّةِ والنَّارِ كأَنَّا رأْيَ عين ، فَإِذَا خَرجنَا مِنْ عِنْدِ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عافَسنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعاتِ نَسينَا كَثِيراً قال أَبُو بكْر رضي اللَّه عنه : فَواللَّهِ إِنَّا لنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فانْطلقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْر حتى دخَلْنَا عَلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فقُلْتُ نافَقَ حنْظَلةُ يا رسول اللَّه ، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « ومَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يا رسولَ اللَّه نُكونُ عِنْدكَ تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ والْجنَةِ كَأَنَّا رأْيَ العَيْنِ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسنَا الأَزوَاج والأوْلاَدَ والضَّيْعاتِ نَسِينَا كَثِيراً . فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ أن لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْر لصَافَحتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وفي طُرُقِكُم ، وَلَكِنْ يا حنْظَلَةُ ساعةً وساعةً » ثَلاثَ مرَّاتٍ ، رواه مسلم .

152- وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال : بيْنما النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرجُلٍ قَائِمٍ ، فسأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا : أَبُو إِسْرائيلَ نَذَر أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْس وَلا يقْعُدَ ، ولا يستَظِلَّ ولا يتَكَلَّمَ، ويصومَ ، فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ولْيَستَظِلَّ ولْيُتِمَّ صوْمَهُ » رواه البخاري .

15- باب المحافظة على الأعمال 

قال اللَّه تعالى:  { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللَّه وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } .

قال تعالى:  { ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللَّه، فما رعوها حق رعايتها}.

قال تعالى:  { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } .

قال تعالى:  { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } .

وأما الأحاديث فمنها حديث عائشة: وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه. وقد سبق في الباب قبله (حديث رقم 142) .

153- وعن عمرَ بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « منْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْل، أَو عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرأَه ما بينَ صلاةِ الْفَجِر وَصـلاةِ الظهرِ ، كُتب لَهُ كأَنما قرأَهُ مِن اللَّيْلِ » رواه مسلم .

154- وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاص رضي اللَّه عنهما قال : قال لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يَا عبْدَ اللَّه لا تَكُنْ مِثلْ فُلانٍ ، كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ فَتَركَ قِيامَ اللَّيْل » متفقٌ عليه

155- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالت : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وجعٍ أَوْ غيْرِهِ ، صلَّى مِنَ النَّهَارِ ثنْتَى عشْرَةَ ركعةً » رواه مسلم .

16- باب الأمر بالمحافظة على السُّنَّة وآدابِها 

قال اللَّه تعالى:  { وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا } .

قال تعالى:  { وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى } .

قال تعالى:  { قل إن كنتم تحبون اللَّه فاتبعوني يحببكم اللَّه، ويغفر لكم ذنوبكم } .

قال تعالى:  { لقد كان لكم في رَسُول اللَّهِ أسوة حسنة لمن كان يرجو اللَّه واليوم الآخر} .

قال تعالى:  { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً } .

قال تعالى:  { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللَّه والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } .

قال العلماء: معناه: إلى الكتاب والسنة.

قال تعالى:  { من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه } .

قال تعالى:  { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } .

قال تعالى:  { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

قال تعالى :  { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللَّه والحكمة } . والآيات في الباب كثيرة.

وأما الأحاديث:

156- فالأَوَّلُ : عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «دَعُونِي ما تَرَكتُكُمْ: إِنَّما أَهْلَكَ من كَانَ قبْلكُم كَثْرةُ سُؤَالِهمْ ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبيائِهمْ، فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ » متفقٌ عليه .

157- الثَّاني : عَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْباضِ بْنِ سَارِيَة رضي اللَّه عنه قال : وَعَظَنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً بليغةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون ، فقُلْنَا : يا رَسولَ اللَّه كَأَنَهَا موْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قال : « أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإِنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيٌ ، وَأَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرى اخْتِلافاً كثِيرا . فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلُفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ » رواه أبو داود ، والترمذِي وقال حديث حسن صحيح .

« النَّواجِذُ » بالذال المعجمة : الأَنْيَابُ ، وقيلَ : الأَضْرَاسُ .

158- الثَّالِثُ : عَنْ أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبِي » . قِيلَ وَمَنْ يَأَبى يا رسول اللَّه ؟ قالَ : « منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبِي» رواه البخاري .

159- الرَّابعُ : عن أَبِي مسلمٍ ، وقيلَ : أَبِي إِيَاسٍ سلَمةَ بْنِ عَمْرو بن الأَكْوَعِ رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِشِمَالِهِ فقالَ : « كُلْ بِيمِينكَ » قَالَ : لا أَسْتَطِيعُ . قالَ : « لا استطعَت » ما منعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ فَمَا رَفعَها إِلَى فِيهِ ، رواه مسلم .

160- الْخامِسُ : عنْ أَبِي عبدِ اللَّه النُّعْمَانِ بْنِ بَشيِرٍ رضي اللَّه عنهما، قال: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : « لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وُجُوهِكمْ » متفقٌ عليه

وفي روايةٍ لِمْسلمٍ : كان رسولُ اللُّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُسَوِّي صُفُوفَنَآ حَتَّى كأَنَّمَا يُسَوي بِهَا الْقِداحَ حَتَّى إِذَا رأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوماً ، فقامَ حتَّى كَادَ أَنْ يكبِّرَ ، فَرأَى رجُلا بادِياً صدْرُهُ فقالَ: « عِبادَ اللَّه لَتُسوُّنَّ صُفوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بيْن وُجُوهِكُمْ ».

161- السَّادِسُ : عن أَبِي موسى رضي اللَّه عنه قال : احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ مِنَ اللَّيْل فَلَمَّا حُدِّث رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِشَأْنِهمْ قال : « إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ » متَّفقٌ عليه.

162- السَّابِعُ : عَنْهُ قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضاً فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ ، قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ ، فَنَفَعَ اللَّه بها النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا. وأَصَابَ طَائِفَةً أُخْرَى ، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه ، وَنَفَعَه ما بعَثَنِي اللَّه به ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْساً وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بِهِ » متفقٌ عليه . « فقُهَ » بِضم الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وقيلَ: بكَسْرِهَا ، أَيْ : صارَ فَقِيهاً .

163- الثَّامِنُ : عن جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي » رواه مسلمٌ .

« الْجَنَادبُ » : نَحْوُ الجَراد والْفرَاشِ ، هَذَا هُوَ المَعْرُوفُ الَّذِي يَقعُ في النَّار . «والْحُجَزُ»: جَمْعُ حُجْزَةٍ ، وهِي معْقِدُ الإِزَار والسَّراويلِ .

164- التَّاسعُ : عَنْهُ أَنْ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَمَر بِلَعْقِ الأَصابِعِ وَالصحْفةِ وقال: « إِنَّكُــم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ » رواه مسلم .

وفي رواية لَهُ : « إِذَا وَقَعتْ لُقْمةُ أَحدِكُمْ . فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ، وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلا يَدَعْهَا لَلشَّيْطانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَندِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعهُ ، فَإِنَّهُ لا يدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ الْبَركَةَ » .

وفي رواية له : « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَان بِهَا منْ أَذًى، فَلْيأْكُلْها ، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ .

165- الْعَاشِرُ : عن ابن عباس ، رضيَ اللَّه عنهما ، قال : قَامَ فينَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بمَوْعِظَةٍ فقال : « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ محشورونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى حُفَاةَ عُرَاةً غُرْلاً  { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً علَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }  [ الأنبياء : 103] أَلا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبراهيم صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَلا وإِنَّهُ سَيُجَاء بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمال فأَقُولُ: يارَبِّ أَصْحَابِي ، فيُقَالُ : إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُول كَما قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ : {وكُنْتُ عَلَيْهمْ شَهيداً ما دُمْتُ فِيهمْ }  إِلَى قولِهِ :  { العَزِيز الحَكيمُ } [ المائدة: 117 ، 118 ] فَيُقَالُ لِي : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مرْتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِمْ مُنذُ فارَقْتَهُمْ » متفقٌ عليه .

« غُرْلاً » أَيْ : غَيْرَ مَخْتُونِينَ .

166- الْحَادِي عَشَرَ : عَنْ  أَبِي سعيدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : نَهَى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، عَن الخَذْفِ وقالَ : « إِنَّهُ لا يقْتُلُ الصَّيْدَ ، ولا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ ، ويَكْسِرُ السِّنَّ » متفقٌ عليه .

وفي رواية : أَنَّ قريباً لابْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ ، فَنَهَاهُ وقال : إِنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى عن الخَذْفِ وقَالَ : « إِنَّهَا لا تَصِيدُ صَيْداً » ثُمَّ عادَ فقالَ : أُحَدِّثُكَ أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، نَهَى عَنْهُ ، ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ ،؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبداً .

167- وعنْ عابسِ بن ربيعةَ قال : رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخطاب ، رضي اللَّه عنه ، يُقَبِّلُ الْحَجَرَ     يَعْنِي الأَسْوَدَ ويَقُولُ : إِني أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ ، ولَوْلا أنِّي رأَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ .. متفقٌ عليه .

17- باب في وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دُعي إلى ذلك ، وأُمِرَ بمعروف أو نُهِيَ عن منكر 

قال اللَّه تعالى:  { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً} .

وقال تعالى:  { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللَّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون.

وفيه من الأحاديث حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب قبله (انظر الحديث رقم 156) وغيره من الأحاديث فيه.

168- عن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه ، قال : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:   {للَّهِ ما في السَّمواتِ وَمَا فِي الأرض وإن تبدوا مافِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفوهُ يُحاسبْكُمْ بِهِ اللَّه}  الآية [البقرة 283 ] اشْتَدَّ ذلكَ عَلَى أَصْحابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فأَتوْا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ثُمَّ برَكُوا عَلَى الرُّكَب فَقالُوا : أَيْ رسولَ اللَّه كُلِّفَنَا مِنَ الأَعمالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلاَةَ وَالْجِهادَ وَالصِّيام وَالصَّدقةَ ، وَقَدَ أُنْزلتْ عليْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا . قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «أَتُريدُونَ أَنْ تَقُولوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتابَين مِنْ قَبْلكُمْ : سَمِعْنَا وَعصينَا ؟ بَلْ قُولوا : سمِعْنا وَأَطَعْنَا غُفْرانَك رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمصِيرُ » فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَومُ ، وَذَلقَتْ بِهَا أَلْسِنتهُمْ ، أَنَزلَ اللَّه تَعَالَى في إِثْرهَا : { آمنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِليْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤمِنونَ كُلٌّ آمنَ بِاللَّه وَملائِكَتِهِ وكُتبِه وَرُسُلهِ لا نُفرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلهِ وَقالوا سمعْنَا وَأَطعْنا غُفْرَانكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ }  فَلَمَّا فعَلُوا ذلك نَسَخَهَا اللَّه تَعَالَى ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لا يُكلِّفُ اللَّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبتْ ، رَبَّنَا لا تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَو أَخْطَأْنَا }  قَالَ : نَعَمْ  { رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } قَالَ: نعَمْ  { رَبَّنَا ولا تُحَمِّلْنَا مَالا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } قَالَ : نَعَمْ { واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْت مَوْلانَا فانْصُرنَا عَلَى الْقَومِ الْكَافِرينَ } قَالَ : نعَمْ . رواه مسلم .

18- باب النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور 

قال اللَّه تعالى:  { فماذا بعد الحق إلا الضلال } .

وقال تعالى:  { ما فرطنا في الكتاب من شيء } .

وقال تعالى:  { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللَّه والرسول } : أي الكتاب والسنة.

وقال تعالى:  { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } .

وقال تعالى:  { قل إن كنتم تحبون اللَّه فاتبعوني يحببكم اللَّه، ويغفر لكم ذنوبكم } .

والآيات في الباب كثيرة معلومة.

وأما الأحاديث فكثيرة جداً وهي مشهورة فنقتصر على طرف منها:

169- عن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ أَحْدثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فهُو رَدٌّ » متفقٌ عليه .

 وفي رواية لمسلمٍ : « مَنْ عَمِلَ عمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُو ردٌّ » .

170- وعن جابرٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، إِذَا خَطَب احْمرَّتْ عيْنَاهُ ، وعَلا صوْتُهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبهُ ، حتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ : «صَبَّحَكُمْ ومَسَّاكُمْ » وَيقُولُ : « بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعةُ كَهَاتيْن » وَيَقْرنُ بين أُصْبُعَيْهِ ، السبَابَةِ ، وَالْوُسْطَى ، وَيَقُولُ: « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيرَ الْحَديثَ كِتَابُ اللَّه ، وخَيْرَ الْهَدْى هدْيُ مُحمِّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدثَاتُهَا وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ » ثُمَّ يقُولُ : « أَنَا أَوْلَى بُكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسِهِ . مَنْ تَرَك مَالا فَلأهْلِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً، فَإِليَّ وعَلَيَّ » رواه مسلم .

وعنِ الْعِرْبَاض بن سَارِيَةَ ، رضي اللَّه عنه ، حَدِيثُهُ السَّابِقُ في بابِ الْمُحَافَظةِ عَلَى السُّنَّةِ.

19- باب في مَنْ سَنَّ  سُنَّةً حسنةً أو سيئةً 

قال اللَّه تعالى:  { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً } .

وقال تعالى:  { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } .

171- عَنْ أَبَي عَمروٍ جَرير بنِ عبدِ اللَّه ، رضي اللَّه عنه ، قال : كُنَّا في صَدْر النَّهارِ عِنْد رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَجاءهُ قوْمٌ عُرَاةٌ مُجْتابي النِّمار أَو الْعَباءِ . مُتَقلِّدي السُّيوفِ عامَّتُهمْ ، بل كلهم مِنْ مُضرَ ، فَتمعَّر وجهُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، لِما رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقة ، فدخلَ ثُمَّ خرج ، فَأَمر بلالاً فَأَذَّن وأَقَامَ ، فَصلَّى ثُمَّ خَطبَ ، فَقالَ :  {يَا أَيُّهَا الناسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذي خلقكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدةٍ }  إِلَى آخِرِ الآية: { إِنَّ اللَّه كَانَ عَليْكُمْ رَقِيباً} ، وَالآيةُ الأُخْرَى الَّتِي في آخر الْحشْرِ :  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا اتَّقُوا اللَّه ولْتنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمتْ لِغَدٍ} تَصدٍََّق رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاع بُرِّه مِنْ صَاعِ تَمرِه حَتَّى قَالَ : وَلوْ بِشقِّ تَمْرةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كادتْ كَفُّهُ تَعجزُ عَنْهَا ، بَلْ قَدْ عَجزتْ ، ثُمَّ تَتابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْميْنِ مِنْ طَعامٍ وَثيابٍ ، حتَّى رَأَيْتُ وجْهَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يَتهلَّلُ كَأَنَّهُ مذْهَبَةٌ ، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ سَنَّ في الإِسْلام سُنةً حَسنةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وأَجْرُ منْ عَملَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ مِنْ أُجُورهِمْ شَيءٌ ، ومَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً سيَّئةً كَانَ عَليه وِزْرها وَوِزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بعْده مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزارهمْ شَيْءٌ » رواه مسلم .

قَوْلُهُ : « مُجْتَابي النَّمارِ » هُو بالجِيمِ وبعد الأَلِفِ باء مُوَحَّدَةٌ . والنِّمَارُ : جمْعُ نَمِرَة، وَهِيَ : كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّط . وَمَعْنَى « مُجْتابيها » أَي : لابِسِيهَا قدْ خَرَقُوهَا في رؤوسهم . « والْجَوْبُ » : الْقَطْعُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :  { وثَمْودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بالْوَادِ }  أَيْ : نَحَتُوهُ وَقَطَعُوهُ . وَقَوْلهُ « تَمَعَّرَ » هو بالعين المهملة، أَيْ : تَغَيرَ . وَقَوْلهُ: « رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ » بفتح الكاف وضمِّها ، أَيْ : صَبْرتَيْنِ . وَقَوْلُهُ : « كَأَنَّه مَذْهَبَةٌ» هـو بالذال المعجمةِ ، وفتح الهاءِ والباءِ الموحدة ، قَالَهُ الْقَاضي عِيَاضٌ وغَيْرُهُ . وصَحَّفَه بَعْضُهُمْ فَقَالَ : « مُدْهُنَةٌ » بِدَال مهملةٍ وضم الهاءِ وبالنون ، وَكَذَا ضَبَطَهُ الْحُمَيْدِيُّ ، والصَّحيحُ الْمَشْهُورُ هُوَ الأَوَّلُ . وَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ : الصَّفَاءُ وَالاسْتِنَارُة .

172- وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ليس مِنْ نفْسٍ تُقْتَلُ ظُلماً إِلاَّ كَانَ عَلَى ابنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دمِهَا لأَنَّهُ كَان أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ » متفقٌ عليه.

20- باب في الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة

قال تعالى:  { وادع إلى ربك } .

وقال تعالى:  { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } .

وقال تعالى:  { وتعاونوا على البر والتقوى } .

وقال تعالى:  { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } .

173- وعن أَبِي مسعودٍ عُقبَةَ بْن عمْرٍو الأَنْصَارِيِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلهُ مثلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ » رواه مسلم .

174- وعن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «منْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ منْ تَبِعَهُ لا ينْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئاً ، ومَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا ينقُصُ ذلكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً » رواه مسلم.

175- وعن أَبي العباسِ سهل بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال يَوْمَ خَيْبَرَ : « لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ ، يُحبُّ اللَّه ورسُولَهُ ، وَيُحبُّهُ اللَّه وَرَسُولُهُ » فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا . فَلَمَّا أصبحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : كُلُّهُمْ يَرجُو أَنْ يُعْطَاهَا ، فقال: « أَيْنَ عليُّ بنُ أَبي طالب ؟ » فَقيلَ : يا رسولَ اللَّه هُو يَشْتَكي عَيْنَيْه قال : « فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ» فَأُتِي بِهِ ، فَبَصقَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في عيْنيْهِ، وَدعا لَهُ ، فَبَرأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجعٌ ، فأَعْطَاهُ الرَّايَةَ . فقال عليٌّ رضي اللَّه عنه : يا رسول اللَّه أُقاتِلُهمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟ فَقَالَ : « انْفُذْ عَلَى رِسلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبرْهُمْ بِمَا يجِبُ مِنْ حقِّ اللَّه تَعَالَى فِيهِ ، فَواللَّه لأَنْ يَهْدِيَ اللَّه بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمَ» متفقٌ عليه.

قوله : « يَدُوكُونَ » : أَيْ يخُوضُونَ ويتحدَّثون ، قوْلُهُ : « رِسْلِكَ » بكسر الراءِ وبفَتحِهَا لُغَتَانِ ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ .

176- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَنْ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قال : يا رسُولَ اللَّه إِنِّي أُرِيد الْغَزْوَ ولَيْس مَعِي مَا أَتجهَّزُ بِهِ ؟ قَالَ : « ائْتِ فُلاناً فإِنه قَدْ كانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ » فَأَتَاهُ فقال : إِنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُقْرئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ : أَعْطِني الذي تجَهَّزْتَ بِهِ ، فقال : يا فُلانَةُ أَعْطِيهِ الذي تجَهَّزْتُ بِهِ ، ولا تحْبِسِي مِنْهُ شَيْئاً ، فَواللَّه لا تَحْبِسِينَ مِنْهُ شَيْئاً فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ . رواه مسلم .

21- باب التعاون على البرّ والتقوى 

قال اللَّه تعالى:  { وتعاونوا على البر والتقوى } .

وقال تعالى:  { والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر}  قال الإمام الشافعي رحمه اللَّه كلاماً معناه: إن الناس أو أكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة.

177- عن أَبي عبدِ الرحمن زيدِ بن خالدٍ الْجُهَنيِّ رضيَ اللَّه عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : مَنْ جهَّزَ غَازِياً في سَبِيلِ اللَّه فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً في أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» متفقٌ عليه .

178- وعن أَبِي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، بَعَثَ بَعْثاً إِلى بَني لِحيانَ مِنْ هُذَيْلٍ فقالَ : « لِيَنْبعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا » رواه مسلم.

179- وعن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَقِيَ ركْباً بالرَّوْحَاءِ فقال: «مَنِ الْقوْمُ ؟ » قالُوا : المُسْلِمُونَ ، فَقَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قال : «رسولُ اللَّه» فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ : أَلَهَذَا حَجٌّ؟ قال : « نَعمْ وَلَكِ أَجْرٌ » رواه مسلم .

180- وَعَنْ أَبِي موسى الأَشْعَرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قال: « الخَازِنُ المُسْلِمُ الأَمِينُ الذي يُنَفِّذُ ما أُمِرَ بِهِ ، فَيُعْطِيهِ كَامِلاً مَوفَّراً ، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلى الذي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ » متفقٌ عليه .

وفي رواية : « الذي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ » وضَبطُوا « المُتَصدِّقَيْنِ » بفتح القاف مع كسر النون على التَّثْنِيَةِ ، وعَكْسُهُ عَلَى الجمْعِ وكلاهُمَا صَحِيحٌ .

22- باب النصيحة 

قال اللَّه تعالى:  { إنما المؤمنون إخوة }

وقال تعالى إخباراً عن نوح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:  { وأنصح لكم }  وعن هود صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:  { وأنا لكم ناصح أمين}.

وأما الأحاديث:

181- فَالأَوَّلُ : عن أَبِي رُقيَّةَ تَميمِ بنِ أَوْس الدَّارِيِّ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ « للَّه وَلِكِتَابِهِ ولِرسُولِهِ وَلأَئمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » رواه مُسْلم .

182- الثَّاني : عَنْ جرير بْنِ عبدِ اللَّه رضي اللَّه عنه قال : بَايَعْتُ رَسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى : إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكلِّ مُسْلِمٍ . متفقٌ عليه .

183- الثَّالثُ : عَنْ أَنَس رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفقٌ عليه .

23- باب الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر 

قال اللَّه تعالى:  { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون} .

وقال تعالى:  { كنتم خير أمة أخرجت للناس: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } .

وقال تعالى:  { خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين } .

وقال تعالى:  { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض: يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر } .

وقال تعالى:  { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه؛ لبئس ما كانوا يفعلون } .

وقال تعالى:  { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } .

وقال تعالى :  { فاصدع بما تؤمر } .

وقال تعالى:  { فأنجينا الذين ينهون عن السوء، وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } . والآيات في الباب كثيرة معلومة. 

وأما الأحاديث

184- فالأَوَّلُ : عن أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي اللَّه عنه قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ : « مَنْ رَأَى مِنْكُم مُنْكراً فَلْيغيِّرْهُ بِيَدهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطعْ فبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلبهِ وَذَلَكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ » رواه مسلم .

185- الثَّاني : عن ابنِ مسْعُودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «مَا مِنَ نَبِيٍّ بعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كان لَه مِن أُمَّتِهِ حواريُّون وأَصْحَابٌ يَأْخذون بِسُنَّتِهِ ويقْتدُون بأَمْرِه، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بعْدِهمْ خُلُوفٌ يقُولُون مَالاَ يفْعلُونَ ، ويفْعَلُون مَالاَ يُؤْمَرون ، فَمَنْ جاهدهُم بِيَدهِ فَهُو مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جاهدهم بقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ ، وليس وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خرْدلٍ » رواه مسلم .

186- الثالثُ : عن أَبي الوليدِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي اللَّه عنه قال : « بايعنا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على السَّمعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ ، وَعلى أَثَرَةٍ عَليْنَا، وعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدكُمْ مِنَ اللَّه تعالَى فيه بُرهانٌ ، وعلى أن نقول بالحقِّ أينَما كُنَّا لا نخافُ في اللَّه لَوْمةَ لائمٍ » متفقٌ عليه .

« المنْشَط والمَكْره » بِفَتْحِ مِيميهما : أَيْ : في السَّهْلِ والصَّعْبِ . « والأَثَرةُ : الاخْتِصاصُ بالمُشْتَرك ، وقَدْ سبقَ بيَانُها . « بوَاحاً» بفَتْح الْبَاءِ المُوَحَّدة بعْدَهَا وَاوثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ حاء مُهْمَلَةٌ أَيْ ظَاهِراً لاَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً .

187- الرَّابع : عن النعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه ، والْوَاقِعِ فيها كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا على سفينةٍ فصارَ بعضُهم أعلاهَا وبعضُهم أسفلَها وكانَ الذينَ في أسفلها إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصَيبِنا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعاً ، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجوْا ونجوْا جَمِيعاً » . رواهُ البخاري .

القَائمُ في حُدودِ اللَّه تعَالى » مَعْنَاهُ : المُنْكِرُ لها ، القَائمُ في دفعِهَا وإِزالَتِهَا والمُرادُ بِالحُدودِ : مَا نهى اللَّه عَنْهُ : «اسْتَهَمُوا» : اقْتَرعُوا .

188- الخامِسُ : عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَة هِنْدٍ بنتِ أَبِي أُمَيَّةَ حُذيْفَةَ رضي اللَّه عنها ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنه قال : « إِنَّهُ يُسْتَعْملُ عَليْكُمْ أُمَراءُ فَتَعْرِفُونَ وتنُكِرُونَ فَمِنْ كَرِه فقَدْ بَرِىءَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ ، وَلَكِنْ منْ رَضِيَ وَتَابَعَ » قالوا : يا رَسُولَ اللَّه أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ : «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاَةَ » رواه مسلم .

مَعْنَاهُ : مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ ولَمْ يَسْتطِعْ إنْكَاراً بِيَدٍ وَلا لِسَانٍ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الإِثمِ وَأَدَّى وَظِيفَتَهُ ، ومَنْ أَنْكَرَ بَحَسَبِ طَاقَتِهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ المعصيةِ ، وَمَنْ رَضِيَ بِفِعْلِهمْ وتابعهم ، فَهُوَ العَاصي .

189- السَّادسُ : عن أُمِّ الْمُؤْمِنين أُمِّ الْحكَم زَيْنبَ بِنْتِ جحْشٍ رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزعاً يقُولُ: « لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه ، ويْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتربَ ، فُتحَ الْيَوْمَ مِن ردْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ » وَحَلَّقَ بأُصْبُعه الإِبْهَامِ والَّتِي تَلِيهَا . فَقُلْتُ: يَا رسول اللَّه أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالحُونَ ؟ قال : « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ » متفقٌ عليه .

190- السَّابعُ : عنْ أَبِي سَعيد الْخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطرُقاتِ » فقَالُوا : يَا رسَولَ اللَّه مَالَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ ، نَتحدَّثُ فِيهَا ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ» قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يا رسولَ اللَّه ؟ قال : « غَضُّ الْبَصَر ، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ ، وَالأَمْرُ بالْمعْروفِ ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرَ » متفقٌ عليه .

191- الثَّامنُْ : عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رأى خَاتماً مِنْ ذَهَبٍ في يَد رَجُلٍ، فَنَزعَهُ فطَرحَهُ وقَال : « يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيجْعلهَا في يَدِهِ ، » فَقِيل لِلرَّجُل بَعْدَ مَا ذَهَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : خُذْ خَاتمَكَ ، انتَفعْ بِهِ . قَالَ : لا واللَّه لا آخُذُهُ أَبَداً وقَدْ طَرحهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . رواه مسلم .

192- التَّاسِعُ : عَنْ أَبِي سعيدٍ الْحسنِ البصْرِي أَنَّ عَائِذَ بن عمْروٍ رضي اللَّه عنه دخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بن زيَادٍ فَقَالَ : أَيْ بن زيَادٍ فَقَالَ : أَيْ بنيَّ ، إِنِّي سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقولُ : « إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطَمَةُ » فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ . فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقال : وهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخالَةُ بَعْدَهُمْ وَفي غَيرِهِمْ، رواه مسلم .

193- الْعاشرُ : عَنْ حذيفةَ رضي اللَّه عنه أَنَّ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمعرُوفِ ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعثَ عَلَيْكمْ عِقَاباً مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجابُ لَكُمْ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

194- الْحَادي عشَرَ : عنْ أَبِي سَعيد الْخُدريِّ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عندَ سلْطَانٍ جائِرٍ » رواه أبو داود ، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ .

195- الثَّاني عَشَر : عنْ أَبِي عبدِ اللَّه طارِقِ بنِ شِهابٍ الْبُجَلِيِّ الأَحْمَسِيِّ رضي اللَّه عنه أَنَّ رجلاً سأَلَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وقَدْ وَضعَ رِجْلَهُ في الغَرْزِ : أَيُّ الْجِهادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : «كَلِمَةُ حقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِر » رَوَاهُ النسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ .

« الْغَرْز » بِعَيْنٍ مُعْجَمةٍ مَفْتُوحةٍ ثُمَّ راءٍ ساكنة ثم زَاي ، وَهُوَ ركَابُ كَورِ الْجمَلِ إِذَا كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ ، وَقِيلَ : لاَ يَخْتَصُّ بِجِلدٍ وَخَشَبٍ .

196- الثَّالِثَ عشَرَ : عن ابن مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا اتَّق اللَّه وَدعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لك ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ ، فلا يمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقعِيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّه قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ » ثُمَّ قال :  { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ بنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ داوُدَ وعِيسَى ابنِ مَرْيمِ ذلِك بما عَصَوْا وكَانوا يعْتَدُونَ ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعلُون صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَرى كثِيراً مِنْهُمُ يَتَوَلَّوْنَ الَّذينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ }

إلى قوله :  { فَاسِقُونَ }  [ المائدة : 78، 81 }  ثُمَّ قَالَ : « كَلاَّ ، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بالْمعْرُوفِ ، وَلَتَنْهوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ ، ولَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً ، ولَتقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ لَيَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ » رواه أبو داود، والترمذي وقال : حديث حسن .

197- الرَّابعَ عَشَر : عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق ، رضي اللَّه عنه . قال : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تقرءونَ هَذِهِ الآيةَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا علَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ منْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }  [المائدة : 105 ] وإِني سَمِعت رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ » رواه أبو داود ، والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة .

24- باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قولُه فِعله 

قال اللَّه تعالى:  { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون!}

وقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟! كبر مقتاً عند اللَّه أن تقولوا ما لا تفعلون! }

وقال تعالى إخباراً عن شعيب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:  { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } .

198- وعن أَبي زيدٍ أُسامة بْنِ حَارثَةَ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : «يُؤْتَـى بالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيامةِ فَيُلْقَى في النَّار ، فَتَنْدلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ، فيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحا ، فَيجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّار فَيَقُولُونَ : يَا فُلانُ مَالَكَ ؟ أَلَمْ تَكُن تَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، كُنْتُ آمُرُ بالمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيه، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآَتِيهِ » متفق عليه .

قولُهُ : « تَنْدلِقُ » هُوَ بالدَّالِ المهملة ، وَمَعْنَاهُ تَخْرُجُ . و « الأَقْتابُ » : الأَمْعَاءُ ، واحِدُهَا قِتْبٌ .

25- باب الأمر بأداء الأمانة 

قال اللَّه تعالى:  { إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }

وقال تعالى:  { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان؛ إنه كان ظلوماً جهولاً }

199- عن أَبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وإِذَا آؤْتُمِنَ خَانَ » متفقٌ عليه.

وفي رواية : « وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وزعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ » .

200- وعن حُذيْفَة بنِ الْيمانِ ، رضي اللَّه عنه ، قال: حدثنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَديثْين قَدْ رَأَيْتُ أَحدهُمَا ، وَأَنَا أَنْتظرُ الآخَرَ : حدَّثَنا أَنَّ الأَمَانَة نَزلتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرآنُ فَعلموا مِنَ الْقُرْآن ، وَعلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثنا عَنْ رَفْعِ الأَمانَةِ فَقال : «يَنَـامُ الرَّجل النَّوْمةَ فَتُقبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَيظلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ، ثُمَّ ينامُ النَّوْمَةَ فَتُقبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَيظَلُّ أَثَرُهَا مِثْل أثرِ الْمَجْلِ ، كجَمْرٍ دَحْرجْتَهُ عَلَى رِجْلكَ ، فَنفطَ فتَراه مُنْتبراً وَلَيْسَ فِيهِ شَيءٌ » ثُمَّ أَخذَ حَصَاةً فَدَحْرجَهَا عَلَى رِجْلِهِ ، فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتبايَعونَ، فَلا يَكادُ أَحَدٌ يُؤدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ : إِنَّ في بَنِي فَلانٍ رَجُلاً أَمِيناً ، حَتَّى يُقَالَ لِلَّرجلِ : مَا أَجْلدهُ مَا أَظْرَفهُ ، مَا أَعْقلَهُ ، وَمَا في قلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ مِنْ إِيمانٍ. وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بايعْتُ ، لَئِنْ كَانَ مُسْلماً ليردُنَّهُ عَليَّ دِينُه ، ولَئِنْ كَانَ نَصْرانياً أَوْ يَهُوديًّا لَيُرُدنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيه ، وأَمَّا الْيَوْمَ فَما كُنْتُ أُبايُعُ مِنْكمْ إِلاَّ فُلاناً وَفلاناً » متفقٌ عليه .

201- وعن حُذَيْفَةَ ، وَأَبي هريرة ، رضي اللَّه عنهما، قالا : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «يَجْمعُ اللَّه ، تَباركَ وَتَعَالَى ، النَّاسَ فَيُقُومُ الْمُؤمِنُونَ حَتَّى تَزْلفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ صلواتُ اللَّه عَلَيْهِ ، فَيَقُولُون : يَا أَبَانَا اسْتفْتحْ لَنَا الْجَنَّةَ ، فَيقُولُ : وهَلْ أَخْرجكُمْ مِنْ الْجنَّةِ إِلاَّ خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ ، لَسْتُ بصاحبِ ذَلِكَ ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إبْراهِيمَ خَلِيل اللَّه ، قَالَ: فَيأتُونَ إبْرَاهِيمَ ، فيقُولُ إبْرَاهِيمُ : لَسْتُ بصَاحِبِ ذَلِك إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وراءَ ، اعْمَدُوا إِلَى مُوسَى الذي كَلَّمهُ اللَّه تَكْلِيماً ، فَيَأْتُونَ مُوسَى ، فيقُولُ : لسْتُ بِصَاحِب ذلكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسى كَلِمَةِ اللَّه ورُوحِهِ فَيقُولُ عيسَى : لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلكَ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّداً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ ، وَتُرْسَلُ الأَمانَةُ والرَّحِمُ فَيَقُومَان جنْبَتَي الصراطِ يَمِيناً وشِمالاً ، فيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ » قُلْتُ : بأَبِي وَأُمِّي ، أَيُّ شَيءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ ؟ قال : « أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ يمُرُّ ويَرْجعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الريحِ ثُمَّ كَمرِّ الطَّيْرِ ؟ وَأَشَدُّ الرِّجالِ تَجْرِي بهمْ أَعْمَالُهُمْ ، ونَبيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصرِّاطِ يَقُولُ : رَبِّ سَلِّمْ ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعَبَادِ ، حَتَّى يَجئَ الرَّجُلُ لا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إلاَّ زَحْفاً ، وفِي حافَتَي الصرِّاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمُكَرْدَسٌ في النَّارِ » وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهنَّم لَسبْعُونَ خَريفاً . رواه مسلم .

قوله : « ورَاءَ وَرَاءَ » هُو بالْفَتْحِ فِيهمَا . وَقيل : بِالضَّمِّ بِلا تَنْوينٍ ، وَمَعْنَاهُ: لسْتُ بتلْكَ الدَّرَجَةِ الرَّفيعَةِ، وهِي كَلِمةٌ تُذْكَرُ عَلَى سبِيل التَّواضُعِ . وَقَدْ بسِطْتُ مَعْنَاهَا في شَرْحِ صحيح مسلمٍ ، واللَّه أعلم .

202- وعن أَبِي خُبَيْبٍ بضم الخاءِ المعجمة  عبد اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ ، رضي اللَّه عنهما قال : لَمَّا وَقَفَ الزبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ ، وإِنِّي لاأُرَنِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَومَ مَظْلُوماً، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَينْيِ أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقى مِنْ مالنا شَيْئاً ؟ ثُمَّ قَالَ : بعْ مَالَنَا واقْضِ دَيْنِي ، وَأَوْصَى بالثُّلُثِ ، وَثُلُثِهُ لبنيه ، يَعْنِي لبَنِي عَبْدِ اللَّه بن الزبير ثُلُثُ الثُّلُث . قَالَ : فَإِن فَضلِ مِنْ مالِنَا بعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيءٌ فثُلُثُهُ لِبَنِيك ، قَالَ هِشَامٌ : وكان وَلَدُ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ ورأى بَعْضَ بَني الزبَيْرِ خُبيبٍ وَعَبَّادٍ ، وَلَهُ يَوْمَئذٍ تَسْعَةُ بَنينَ وتِسعُ بَنَاتٍ . قَالَ عَبْدُ اللَّه : فَجَعَل يُوصِينِي بديْنِهِ وَيَقُول : يَا بُنَيَّ إِنْ عَجزْتَ عنْ شَيءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بموْلايَ . قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا دَريْتُ ما أرادَ حَتَّى قُلْتُ  يَا أَبَتِ مَنْ مَوْلاَكَ ؟ قَالَ : اللَّه . قال : فَواللَّهِ مَا وَقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزبَيْرِ اقض عَنْهُ دَيْنَهُ ، فَيَقْضِيَهُ . قَالَ : فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً إِلاَّ أَرَضِينَ ، مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشَرَةَ داراً بالْمَدِينَةِ . وداريْن بالْبَصْرَةِ ، وَدَارَاً بالْكُوفَة وَدَاراً بِمِصْرَ . قال : وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الذي كَانَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَأْتَيهِ بِالمالِ ، فَيَسْتَودِعُهُ إِيَّاهُ ، فَيَقُولُ الزُّبيْرُ: لا وَلَكنْ هُوَ سَلَفٌ إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعةَ . وَمَا ولِي إَمَارَةً قَطُّ وَلا جِبَايةً ولا خَراجاً ولا شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ في غَزْوٍ مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّه عنهم ، قَالَ عَبْدُ اللَّه : فَحَسَبْتُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمائَتَيْ أَلْفٍ، فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبدَ اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ ؟ فَكَتَمْتُهُ وَقُلْتُ : مِائَةُ أَلْفٍ . فَقَالَ : حَكيمٌ : وَاللَّه مَا أَرى أَمْوَالَكُمْ تَسعُ هَذِهِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَرَأَيْتُكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَي أَلْفٍ ؟ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ ؟ قَالَ : مَا أَرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا ، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَىْء مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي . قَالَ : وكَانَ الزُّبَيْرُ قدِ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ ومِائَة أَلْف، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأْلف ألفٍ وسِتِّمِائَةِ أَلْفَ، ثُمَّ قَامَ فَقالَ : مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ شَيْء فَلْيُوافِنَا بِالْغَابَةِ ، فأَتَاهُ عبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعفر ، وكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبعُمِائةِ أَلْفٍ ، فَقَالَ لعَبْدِ اللَّه : إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه : لا ، قال فَإِنْ شِئْتُمْ جعَلْتُمْوهَا فِيمَا تُؤخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ ، فقال عَبْدُ اللَّه : لا ، قال : فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً ، قال عبْدُ اللَّه : لَكَ مِنْ هاهُنا إِلَى هاهُنَا. فَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْهَا فَقَضَى عَنْهُ دَيْنَه ، وَوَفَّاهُ وَبَقِيَ منْهَا أَرْبَعةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ ، فَقَدم عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعَنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبيْرِ ، وَابْن زَمْعَةَ . فقال لَهُ مُعَاوِيَةُ : كَمْ قَوَّمَتِ الْغَابَةُ ؟ قال : كُلُّ سَهْمٍ بِمائَةِ أَلْفٍ قال: كَمْ بَقِي مِنْهَا ؟ قال : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ونِصْفٌ ، فقال الْمُنْذرُ بْنُ الزَّبَيْرِ : قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمائَةِ أَلْفٍ ، وقال عَمْرُو بنُ عُثْمان : قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمِائَةِ أَلْفٍ . وقال ابْن زمْعَةَ : قَدُ أَخَذْتُ مِنها سَهْماً بِمِائَةِ أَلْفٍ ، فَقَالَ مُعَاوِيةُ : كَمْ بَقِيَ مِنْهَا؟ قال : سَهْمٌ ونصْفُ سَهْمٍ ، قَالَ : قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمسينَ ومائَةِ ألف . قَالَ : وبَاعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ نصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَّا فَرغَ ابنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قََضاءِ ديْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبْيرِ : اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيراثَنَا. قَالَ : وَاللَّهِ لا أَقْسِمُ بيْنَكُمْ حَتَّى أَنَادِيَ بالموسم أَرْبَع سِنِين : أَلا مَنْ كان لَهُ عَلَى الزُّبَيَّرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ . فَجَعَلَ كُلُّ سَنَةٍ يُنَادِي في الْمَوسمِ ، فَلَمَّا مَضى أَرْبَعُ سِنينَ قَسم بَيْنَهُمْ ودَفَعَ الثُلث وكَان للزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوةٍ ، فَأَصاب كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ ومِائَتَا أَلْفٍ ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْف أَلْفٍ ومِائَتَا أَلْف. رواه البخاري .

26- باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم 

قال اللَّه تعالى:  { ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع }

وقال تعالى:  { وما للظالمين من نصير }

وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذر المتقدم (انظر الحديث رقم 111) في آخر باب المجاهدة.

203- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، واتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مـَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حملَهُمْ على أَنْ سفَكَوا دِماءَهُمْ واسْتَحلُّوا مَحارِمَهُمْ» رواه مسلم .

204- وعن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقيامَةِ حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاء مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاء » رواه مسلم .

205- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : كُنَّا نَتحدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَالنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَيْن أَظْهُرِنَا ، وَلاَ نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوداع ، حَتَّى حمِدَ اللَّه رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَأَثْنَى عَليْهِ ثُمَّ ذَكَر الْمسِيحَ الدَّجَالَ فَأَطْنَبَ في ذِكْرِهِ ، وَقَالَ : « ما بَعَثَ اللَّه مِنْ نَبيٍّ إلاَّ أَنْذَرَهُ أُمَّتهُ : أَنْذَرَهُ نوحٌ وَالنَّبِيُّون مِنْ بَعْدِهِ، وَإنَّهُ إنْ يَخْرُجْ فِيكُمْ فما خفِيَ عَليْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفِي عَلَيْكُمْ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيس بأَعْورَ ، وَإِنَّهُ أَعورُ عَيْن الْيُمْنَى، كَأَنَّ عيْنَهُ عِنبَةٌ طَافِيَةٌ . ألا إن اللَّه حرَّم علَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوالكُمْ ، كَحُرْمَةِ يوْمكُمْ هذا، في بلدِكُمْ هذا ، في شَهْرِكُم هذا ألاَ هل بلَّغْتُ ؟ » قَالُوا : نَعَمْ ، قال : « اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثاً ويْلَكُمْ أَوْ : ويحكُمْ ، انظُرُوا: لا ترْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضِ » رواه البخاري ، وروى مسلم بعضه .

206- وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأرْضِ طُوِّقَهُ منْ سَبْعِ أَرَضِينَ )) متفقٌ عليه .

207- وعن أَبي موسى رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ، ثُمَّ قَرَأَ :  { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَديدٌ }  .

208- وعن مُعاذٍ رضي اللَّه عنه قال : بعَثَنِي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : «إنَّكَ تَأْتِي قوْماً مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب ، فادْعُهُمْ إِلَى شَهَادة أَنْ لا إِلَهَ إلاَّ اللَّه ، وأَنِّي رسول اللَّه فإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذَلِكَ ، فَأَعْلِمهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْترضَ علَيْهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يومٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ ، فَأَعلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْتَرَضَ عَلَيهمْ صدَقَةً تُؤْخذُ مِنْ أَغنيائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرائهم ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فَإِيَّاكَ وكَرائِمَ أَمْوالِهم . واتَّقِ دعْوةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْس بينها وبيْنَ اللَّه حِجَابٌ » متفقٌ عليه .

209- وعن أَبِي حُميْد عبْدِ الرَّحْمن بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللَّه عنه قال : اسْتعْملَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَجُلاً مِن الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ : ابْـنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدقَةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ قـال : هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهدِيَ إِلَيَّ فَقَامَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على الْمِنبرِ ، فَحمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قال : « أَمَّا بعْدُ فَإِنِّي أَسْتعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ على الْعمَلِ مِمَّا ولاَّنِي اللَّه ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَت إِلَيَّ ، أَفَلا جلس في بيتِ أَبيهِ أَوْ أُمِّهِ حتَّى تأْتِيَهُ إِنْ كَانَ صادقاً، واللَّه لا يأْخُذُ أَحدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حقِّهِ إلاَّ لَقِيَ اللَّه تَعالَى ، يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، فَلا أَعْرفَنَّ أَحداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّه يَحْمِلُ بعِيراً لَهُ رغَاءٌ ، أَوْ بَقرة لَهَا خُوارٌ ، أَوْ شاةً تيْعَرُ ثُمَّ رفَعَ يَديْهِ حتَّى رُؤِيَ بَياضُ إبْطيْهِ فقال : « اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ » ثلاثاً ، متفقٌ عليه .

210- وعن أَبي هُرِيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ ، مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ ، فَلْيتَحَلَّلْه ِمنْه الْيوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ ، إنْ كَانَ لَهُ عَملٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقدْرِ مظْلمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ » رواه البخاري .

211- وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن الْعاص رضي اللَّه عنهما عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ ويَدِهِ ، والْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ ما نَهَى اللَّه عَنْهُ » متفق عليه .

212- وعنه رضي اللَّه عنه قال : كَانَ عَلَى ثَقَل النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرةُ ، فَمَاتَ فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « هُوَ في النَّارِ » فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فوَجَدُوا عَبَاءَة قَدْ غَلَّهَا. رواه البخاري.

213- وعن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ رضيَ اللَّه عنهُ عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّمواتِ والأَرْضَ : السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْراً ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ : ذُو الْقعْدة وَذو الْحِجَّةِ ، والْمُحرَّمُ ، وَرجُب الذي بَيْنَ جُمادَي وَشَعْبَانَ ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ » قلْنَا : اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَم ، فَسكَتَ حَتَّى ظنَنَّا أَنَّهُ سَيُسمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قال : أَليْس ذَا الْحِجَّةِ ؟ قُلْنَا : بلَى: قال : « فأَيُّ بلَدٍ هَذَا ؟ » قُلْنَا: اللَّه وَرسُولُهُ أَعلمُ ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سيُسمِّيهِ بغَيْر اسْمِهِ . قال : « أَلَيْسَ الْبلْدةَ الحرمَ ؟ » قُلْنا : بلَى . قال : « فَأَيُّ يَومٍ هذَا ؟ » قُلْنَا : اللَّه ورسُولُهُ أَعْلمُ ، فَسكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّه سيُسمِّيهِ بِغيْر اسمِهِ . قال : « أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْر ؟ » قُلْنَا : بَلَى . قال : « فإِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذا في شَهْرِكم هَذَا ، وَسَتَلْقَوْن ربَّكُم فَيَسْأْلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ ، أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ، أَلاَ لِيُبلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فلَعلَّ بعْض من يبْلغُه أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَه مِن بَعْضِ مَنْ سَمِعه » ثُمَّ قال: « أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ، أَلا هَلْ بلَّغْتُ ؟ » قُلْنا : نَعَمْ ، قال : « اللَّهُمْ اشْهدْ » متفقٌ عليه .

214- وعن أَبي أُمَامةَ إِيَاسِ بنِ ثعْلَبَةَ الْحَارِثِيِّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْريءٍ مُسْلمٍ بيَمِينِهِ فَقدْ أَوْجَبَ اللَّه لَه النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » فقال رجُلٌ : وإِنْ كَانَ شَيْئاً يسِيراً يا رسولَ اللَّه ؟ فقال: « وإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ » رواه مسلم .

215- وعن عَدِي بن عُمَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قال : سَمِعْتُ رسولَ اللَّه يَقُول : « مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَل، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ ، كَانَ غُلُولا يَأْتِي بِهِ يوْم الْقِيامَةِ » فقَام إَلْيهِ رجُلٌ أَسْودُ مِنَ الأَنْصَارِ ، كأَنِّي أَنْظرُ إِلَيْهِ ، فقال : يا رسول اللَّه اقْبل عني عملَكَ قال: « ومالكَ ؟ » قال : سَمِعْتُك تقُول كَذَا وَكَذَا ، قال : « وَأَنَا أَقُولُهُ الآن : من اسْتعْملْنَاهُ عَلَى عملٍ فلْيجِيء بقَلِيلهِ وَكِثيرِه ، فمَا أُوتِي مِنْهُ أَخَذَ ومَا نُهِِى عَنْهُ انْتَهَى » رواه مسلم .

216- وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عنه قال : لمَّا كان يوْمُ خيْبرَ أَقْبل نَفرٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالُوا : فُلانٌ شَهِيدٌ ، وفُلانٌ شهِيدٌ ، حتَّى مَرُّوا علَى رَجُلٍ فقالوا : فلانٌ شهِيد . فقال النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّها أَوْ عبَاءَةٍ » رواه مسلم .

217- وعن أَبي قَتَادَةَ الْحارثِ بنِ ربعي رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قَام فِيهمْ، فذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهادَ فِي سبِيلِ اللَّه ، وَالإِيمانَ بِاللَّه أَفْضلُ الأَعْمالِ، فَقَامَ رَجلٌ فقال: يا رسول اللَّه أَرَأَيْت إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّه ، تُكَفِّرُ عنِي خَطَايَاىَ؟ فقال لَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّه وأَنْتَ صَابر مُحْتَسِبٌ ، مُقْبِلٌ غيْرَ مُدْبرٍ » ثُمَّ قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كيْف قُلْتَ ؟ » قال : أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيل اللَّه ، أَتُكَفرُ عني خَطَاياي ؟ فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «نَعمْ وأَنْت صابِرٌ مُحْتَسِبٌ ، مُقبِلٌ غَيْرَ مُدْبِرٍ ، إِلاَّ الدَّيْن فَإِنَّ جِبْرِيلَ قال لِي ذلِكَ » رواه مسلم .

218- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه ، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «أَتَدْرُون من الْمُفْلِسُ ؟» قالُوا : الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ . فقال : « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ ، ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هذا ، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا ، وَضَرَبَ هذا ، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حسناته قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه ، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ» رواه مسلم .

219- وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها ، أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض ، فأَقْضِي لَهُ بِنحْو ما أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ » متفق عليه . «أَلْحَنَ » أَيْ : أَعْلَم .

220- وعن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَالَمْ يُصِبْ دَماً حَراماً » رواه البخاري .

221- وعن خَوْلَةَ بِنْتِ عامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ ، وَهِيَ امْرَأَةُ حمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه وعنها ، قالت : سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَـقٍّ فَلهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامةِ » رواه البخاري .

27- باب تعظيم حُرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم

قال اللَّه تعالى:  { ومن يعظم حرمات اللَّه فهو خير له عند ربه } .

وقال تعالى:  { ومن يعظم شعائر اللَّه فإنها من تقوى القلوب } .

وقال تعالى:  { واخفض جناحك للمؤمنين } .

وقال تعالى:  { من قتل نفساً تغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً } .

222- وعن أَبي موسى رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضاً » وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِه . متفق عليه .

223- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَن مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا ، أَوْ أَسْوَاقِنَا، ومَعَه نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ ، أَوْ لِيَقْبِضْ عَلَى نِصالِهَا بِكفِّهِ أَنْ يُصِيب أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ » متفق عليه .

224- وعن النُّعْمَانِ بنِ بشِيرٍ رضي اللَّه عنهما قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لهُ سائِرُ الْجسدِ بالسهَرِ والْحُمَّى » متفقٌ عليه .

225- وعن أَبي هُريْرَةَ رضي اللَّه عنه قال : قبَّل النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الْحسنَ ابن عَليٍّ رضي اللَّه عنهما ، وَعِنْدَهُ الأَقْرعُ بْنُ حَابِسٍ ، فقال الأَقْرَعُ : إِنَّ لِي عَشرةً مِنَ الْولَدِ ما قَبَّلتُ مِنْهُمْ أَحداً فنَظَر إِلَيْهِ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : «مَن لا يَرْحمْ لا يُرْحَمْ» متفقٌ عليه .

226- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالت : قدِم ناسٌ مِن الأَعْرابِ عَلَى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فقالوا : أَتُقبِّلونَ صِبيْانَكُمْ؟ فقال : « نَعَمْ » قالوا : لَكِنَّا واللَّه ما نُقَبِّلُ ، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّه نَزعَ مِنْ قُلُوبِكُمْ الرَّحمَةَ» متفقٌ عليه .

227- وعن جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ لا يرْحَم النَّاس لا يرْحمْهُ اللَّه » متفقٌ عليه .

228- وعن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِذا صلى أَحدُكُمْ للنَّاسِ فلْيُخَفِّفْ ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسقيمَ والْكَبِيرَ . وإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيطَوِّل ما شَاءَ» متفقٌ عليه .

وفي روايةٍ : « وذَا الْحاجَةِ » .

229- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ : إِنْ كَان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَيدعُ الْعَمَلَ ، وهُوَ يحِبُّ أَنَ يَعْملَ بِهِ، خَشْيةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ » متفقٌ عليه .

230- وعنْهَا رضي اللَّه عنها قالَتْ : نَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَن الْوِصال رَحْمةً لهُمْ ، فقالوا: إِنَّكَ تُواصلُ ؟ قال : « إِنِّي لَسْتُ كَهَيئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني » متفقٌ عليه مَعناهُ : يجعَلُ فيَّ قُوَّةَ مَنْ أَكَلَ وَشَرَبَ .

231- وعن أَبي قَتادَةَ الْحارِثِ بنِ ربْعي رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ، وَأُرِيدُ أَنْ أُطَوِّل فِيها ، فَأَسْمعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ ، فَأَتَجوَّزَ فِي صلاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» رواه البخاري .

232- وعن جُنْدِبِ بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:«منْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبحِ فَهُوَ فِي ذِمةِ اللَّه فَلا يطْلُبنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّهُ منْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدرِكْه ، ثُمَّ يكُبُّهُ عَلَى وجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّم » رواه مسلم .

233- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ، لا يظْلِمُه ، ولا يُسْلِمهُ ، منْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ ، ومَنْ فَرَّج عنْ مُسْلِمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يوْمَ الْقِيامَةِ ، ومَنْ ستر مُسْلِماً سَتَرهُ اللَّهُ يَوْم الْقِيَامَةِ » متفقٌ عليه .

234- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم لا يخُونُه ولا يكْذِبُهُ ولا يخْذُلُهُ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ عِرْضُهُ ومالُه ودمُهُ التَّقْوَى هَاهُنا ، بِحسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخاهُ المسلم» رواه الترمذيُّ وقال : حديث حسن .

235- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَحاسدُوا ولا تناجشُوا ولا تَباغَضُوا ولا تَدابرُوا ولا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْواناً. المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم لا يَظلِمُه ولا يَحْقِرُهُ ولا يَخْذُلُهُ . التَّقْوَى هَاهُنا     ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مرَّاتٍ     بِحسْبِ امْرِيءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المسلم . كُلَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ» رواه مسلم .

« النَّجَش » أَنْ يزِيدَ فِي ثَمنِ سلْعةٍ يُنَادِي عَلَيْهَا فِي السُّوقِ ونحْوهِ ، ولا رَغْبةَ لَه فِي شِرائهَا بَلْ يقْصِد أَنْ يَغُرَّ غَيْرهُ ، وهَذا حرامٌ. « والتَّدابُرُ » : أَنْ يُعرِض عنِ الإِنْسانِ ويهْجُرَهُ ويجعلَهُ كَالشَّيءِ الذي وراءَ الظهْر والدُّبُرِ.

236- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يُؤْمِنُ أَحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » متفقٌ عليه .

237- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً» فقَالَ رَجُلٌ: يَا رسول اللَّه أَنْصرهُ إِذَا كَانَ مَظلُوماً أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قال: « تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذلِك نَصْرُهْ » رواه البخاري .

238- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول الَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « حقُّ الْمُسْلمِِ عَلَى الْمُسْلِمِ خمسٌ : رَدُّ السَّلام، وَعِيَادَةُ الْمرِيضَ ، واتِّبَاعُ الْجنَائِزِ ، وإِجابة الدَّعوةِ ، وتَشمِيت العْاطِسِ » متفق عليه .

 وفي رواية لمسلمٍ : « حق الْمُسْلمِ سِتٌّ : إِذا لقِيتَهُ فسلِّم عليْهِ ، وإِذَا دَعاكَ فَأَجبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصحْ لهُ ، وإِذا عطَس فحمِد اللَّه فَشَمِّتْهُ . وَإِذَا مرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا ماتَ فاتْبعهُ».

239- وعن أَبي عُمارة الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنهما قال : أَمرنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسبْعٍ: أَمرنَا بِعِيادة الْمرِيضِ ، وَاتِّبَاعِ الْجنازةِ ، وتَشْمِيتِ الْعاطِس ، وَإِبْرارِ الْمُقْسِمِ ، ونَصْرِ المظْلُومِ ، وَإِجابَةِ الدَّاعِي، وإِفْشاءِ السَّلامِ. وَنَهانَا عَنْ خواتِيمَ أَوْ تَختُّمٍ بالذَّهبِ ، وَعنْ شُرْبٍ بالفَضَّةِ ، وعَنِ المياثِرِ الحُمْرِ ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ . متفق عليه .

وفي روايةٍ : وإِنْشَادِ الضَّالةِ فِي السَّبْعِ الأُولِ .

« المياثِرِ » بيَاء مُثَنَّاةٍ قبْلَ الأَلِفِ ، وَثَاء مثلثة بعْدَهَا ، وَهِيَ جمْعُ مَيْثِرةٍ ، وَهِي شَيْءٌ يتَّخَذُ مِنْ حرِيرٍ وَيُحْشَى قُطْناً أَوْ غَيْرَهُ ويُجْعلُ فِي السُّرُجِ وكُورِ الْبعِيرِ يجْلِسُ عَلَيْهِ الرَّاكِبُ «والقَسيُّ» بفتحِ القاف وكسر السينِ المهملة المشدَّدةِ : وَهِيَ ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ حَرِيرٍ وكَتَّانٍ مُخْتَلِطَيْنِ . « وإِنْشَادُ الضَّالَّةِ » : تَعرْيفُهَا .