كتاب المقدمات: الجزء الرابع

رياض الصــــالحين من كلام سيد المرسلين 

الإمام النووي 

الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقيّ المولود عام 631 هـ والمتوفى عام 676 هـ/ 1233م - 1277 م

 

كتاب المقدمات 

الجزء الرابع

50- باب الخوف 

قال اللَّه تعالى:  { وإياي فارهبون } .

وقال تعالى:  { إن بطش ربك لشديد } .

وقال تعالى:  { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد، إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، وما نؤخره إلا لأجل معدود، يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق } .

وقال تعالى:  { ويحذركم اللَّه نفسه } .

وقال تعالى: { يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } .

وقال تعالى:  { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت،وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللَّه شديد} .

وقال تعالى:  { ولمن خاف مقام ربه جنتان }  الآيات.

وقال تعالى:  { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا: إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن اللَّه علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم }  والآيات في الباب كثيرة جداً معلومات، والغرض الإشارة إلى بعضها وقد حصل.

وأما الأحاديث فكثيرة جداً فنذكر منها طرفاً، وبالله التوفيق:

396- عن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : حدثنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وهو الصَّادِقُ المصدوقُ : « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرَّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ : بِكَتْبِ رِزقِةِ ، وَأَجلِهِ ، وَعمَلِهِ ، وَشَقيٌّ أَوْ سعِيدٌ . فَوَ الَّذِي لا إِله غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِلاَّ ذِراعٌ ، فَيَسْبقُ عَلَيْهِ الْكِتابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْل النَّارِ ، فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيََدْخُلُهَا » متفقٌ عليه .

397- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا » رواه مسلم .

398- وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول: « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدميْهِ جمْرَتَانِ يغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَا يَرى أَنَّ أَحداً أَشَدُّ مِنْه عَذَاباً ، وَإِنَّه لأَهْونُهُمْ عذَاباً » متفق عليه .

399- وعن سمُرةَ بنِ جُنْدبٍ ، رضي اللَّه عنه ، أَن نبيَّ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيهِ ، ومِنْهُمْ منْ تأْخُذُهُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى حُجْزتِهِ ، وِمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى تَرْقُوَتِهِ » رواه مسلم .

« الحُجْزَةُ » : مَعْقِدُ الإِزارِ تحْتَ السُّرَّةِ . و « التَّرْقُوَةُ » بفتحِ التاءِ وضم القاف : هِي العظْمُ الذِي عِندَ ثُغْرةِ النَّحْرِ ، وللإِنْسَانِ ترْقُوَتانِ في جَانِبَي النَّحْرِ.

400- وعن ابنِ عمر رضي اللَّه عنهما أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمِينَ حَتَّى يَغِيب أَحدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيه » متفقٌ عليه.

و « الرَّشْحُ » العرَقُ .

401- وعن أَنس ، رضي اللَّه عنه ، قال : خَطَبَنَا رَسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، خُطْبَةً ما سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، فقال : « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلا ولبَكيْتمْ كَثِيراً» فَغَطَّى أَصْحابُ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وجُوهَهمْ ، وَلهُمْ خَنينٌ . متفقٌ عليه .

وفي رواية : بَلَغَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَصْحابِهِ شَيءٌ فَخَطَبَ ، فقال : « عُرضَتْ عَلَيَّ الجنَّةُ والنَّارُ ، فَلَمْ أَر كَاليَوْمِ في الخَيْر وَالشَّرِّ ، ولَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعلَمُ لَضحِكْتُمْ قلِيلاً ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً » فَما أتَى عَلَى أَصْحَابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤُسهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ .

« الخَنِينُ » بِالخاءِ المعجمة : هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ وَانْتِشَاقُ الصَّوتِ مِنَ الأَنْفِ .

402- وعن المِقْدَاد ، رضيَ اللَّه عنه ، قال : سَمِعْتُ رسولَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « تُدْني الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل » قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عنْ المِقْدَاد: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي ما يَعْني بِالميلِ ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ المِيل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ « فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمالِهمْ في العَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ، ومِنْهُمْ منْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجاماً » وَأَشَارَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِيدِهِ إِلى فِيه . رواه مسلم .

403- وعن أبي هريرة ، رضيَ اللَّه عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعاً ، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ » متفقٌ عليه .

ومعنى « يَذْهَبُ في الأَرْضِ » : ينزِل ويغوص .

404- وعنه قال : كنا مع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فقال : « هَلْ تَدْرُونَ ما هذا؟» قُلْنَا : اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قال : هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفاً فَهُوَ يهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلى قَعْرِهَا ، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَهَا» رواه مسلم .

405- وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمنَ مِنْهُ ، فَلا يَرَى إِلاَّ ما قَدَّمَ ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ ، فَلا يَرَى إِلاَّ النَّارِ تِلْقَاءَ وَجهِهِ، فاتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » متفقٌ عليه .

406- وعن أبي ذَرٍّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنِّي أَرى مالا تَرَوْنَ ، أَطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا موْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ واضِعٌ جبهتهُ ساجِداً للَّهِ تَعَالى ، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ، لضَحِكْتمْ قَلِيلاً ، وَلَبكَيْتُمْ كَثِيراً ، وما تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسن .

 وَ « أَطَّتْ » بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، وَتَئِطُّ » بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة ، والأَطِيطُ : صَوْتُ الرَّحلِ وَالْقَتَبِ وشِبْهِهِمَا ، ومعْناهُ : أَنَّ كَثْرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ الْعابِدينَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا حَتَّى أَطَّتْ .

وَ « الصُّعُدَاتِ » بضم الصاد والعين : الطُّرُقَاتُ ، ومعنى « تَجأَرُونَ » : تَسْتَغِيثُونَ .

407- وعن أبي بَرْزَة بِراءٍ ثم زايٍ نَضْلَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

408- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه  ، قال :  قرأَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  :  {يوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَهَا } ثم قال : « أَتَدْرُونَ مَا أَخَبَارُهَا ؟ » قالوا : اللَّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال : «فَإِنَّ أَخْبَارَها أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا ، تَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وكذَا في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا ، فهَذِهِ أَخْبَارُهَا » رواه التِّرْمِذِي وقال :  حديثٌ حسنٌ  .

409- وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ » فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أَصْحَابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ لَهُمْ : « قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوكِيلُ » رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ .

« الْقَرْنُ » : هُوَ الصُّورُ الَّذِي قال اللَّه تعالى : { وَنُفِخَ في الصُّورِ }  كَذَا فَسَّرَهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم .

410- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» رواه الترمذي وقال:حديثٌ حسنٌ .

و « أَدْلَجَ » بِإِسْكان الدَّال ، ومعناه : سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ، وَالمُرَادُ : التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة . واللَّه أعلم.

411- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلاً » قُلْتُ : يا رسول اللَّه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ،؟ قال : « يا عَائِشَةُ الأَمرُ أَشَدُّ من أَنْ يُهِمَّهُم ذلكَ » .

وفي روايةٍ : « الأَمْرُ أَهَمُّ مِن أَن يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلى بَعْضٍ » متفقٌ عليه . « غُرلاً » بضَمِّ الغَيْنِ

51- باب الرجاء 

قال اللَّه تعالى :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إن اللَّه يغف الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم} .

وقال تعالى:  { وهل نجازي إلا الكفور } .

وقال تعالى:  { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } .

وقال تعالى:  { ورحمتي وسعت كل شيء } .

412- وعن عُبادَة بنِ الصامِتِ ، رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وأَنَّ مُحمَّداً عبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وأَنَّ عِيسى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلى ما كانَ مِنَ العمَلِ » متفقٌ عليه .

وفي رواية لمسلم : « مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسُولُ اللَّهِ ، حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِ النَّارَ» .

413- وعن أبي ذَرٍّ ، رضيَ اللَّهُ عنه ، قال : قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يقولُ اللَّهُ عزَّ وجَلّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزْيَدُ ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ، فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ . وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً ، ومنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وَمَنْ أَتاني يمشي ، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً ، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بمثْلِها مغْفِرَةً» رواه مسلم.

معنى الحديث : « مَنْ تَقَرَّبَ » إِلَيَّ بِطاعَتي « تَقَرَّبْتُ » إِلَيْهِ بِرحْمَتي ، وإِنْ زَادَ زِدْتُ، «فَإِنْ أَتاني يَمشي» وَأَسْرَعَ في طاعَتي « أَتَيْتُه هَرْوَلَةً » أَيْ : صَبَبْبُ علَيْهِ الرَّحْمَة ، وَسَبَقْتهُ بها ، ولَمْ أُحْوِجْهُ إِلى المَشْيِ الْكَثِيرِ في الوُصُولِ إِلى المَقْصُودِ ، « وَقُرَابُ الأَرْضِ» بضمِّ القافِ ويُقال بكسرها ، والضمّ أَصحّ ، وأَشهر ، ومعناه: ما يُقارِبُ مِلأَها ، واللَّه أعلم .

414- وعن جابر ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ، ما المُوجِبَتانِ ؟ فَقَالَ : « مَنْ مَات لاَ يُشرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، دَخَلَ النَّارَ » رواه مُسلم .

415- وَعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَمُعَاذٌ ردِيفُهُ عَلى الرَّحْلِ قَالَ: «يا مُعاذُ» قال : لَبيَّيْكَ يا رسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قالَ : « يا مُعَاذُ » قالَ : لَبَّيكَ يارَسُول اللَّهِ وَسَعْديْكَ . قالَ : « يَا مُعاذُ » قال : لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْديكَ ثلاثاً ، قالَ : « ما مِن عَبدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ على النَّارِ » قالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فيستبشروا ؟ قال : «إِذاً يَتَّكلُوا » فَأَخْبرَ بها مُعَـاذٌ عِنْد مَوْتِهِ تَأَثُّماً . متفقٌ عليه.

وقوله : « تَأَثماً » أَيْ : خَوْفاً مِنَ الإِثمِ في كَتْمِ هذا العِلْمِ .

416- وعنْ أبي هريرة أَوْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما : شَك الرَّاوِي ، وَلاَ يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي ، لأَنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ ، قال : لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَصابَ الناسَ مَجَاعَةٌ ، فَقالُوا : يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا ، فَأَكلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « افْعَلُوا » فَجَاءَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنهُ ، فقالَ : يا رَسولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُ اللَّهِ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نَعَمْ» فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزَاوَدِهِمْ ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ ، ويجيءُ الآخَرُ بِكِسرَةٍ حَتى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالبَرَكَةِ ، ثُمَّ قالَ « خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حتى ما تركُوا في العَسْكَرِ وِعاء إِلاَّ مَلأوهُ ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ ، فقالَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّه بهما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ ، فَيُحْجبَ عَنِ الجَنَّةِ» رواهُ مسلم .

417- وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، وهو مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً ، قال : كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمي بَني سالمٍ ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْني وَبينهُم وادٍ إِذَا جاءَتِ الأَمطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ ، فَجئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقلتُ له : إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي ، وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بيْني وَبَيْنَ قَوْمي يسِيلُ إِذَا جَاءَت الأَمْطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيازُهُ ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتي ، فَتُصَليِّ في بَيْتي مَكاناً أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فقال رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « سأَفْعَلُ » فَغَدا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ، رضي اللَّهُ عنه ، بَعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهَارُ ، وَاسْتَأْذَنَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَذِنْتُ لهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حتى قالَ : « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ » فَأَشَرْتُ لهُ إِلى المَكَانِ الَّذِي أُحبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فيه ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ ، فَصَلَّى رَكَعَتَيْن ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ ، فَحَبَسْتُهُ علَى خَزيرة تُصْنَعُ لَهُ ، فَسَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في بَيْتي ، فَثَابَ رِجَالٌ منهمْ حتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ لا أَرَاهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ: ذلك مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّه ورَسُولَهُ ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « لاَ تَقُلْ ذَلِكَ أَلاَ تَراهُ قالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعالى ؟،» . فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ ما نَرَى وُدَّهُ ، وَلاَ حَديثَهُ إِلاَّ إِلى المُنَافِقينَ ، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ على النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهِ اللَّهِ » متفقٌ عليه .

و « عِتْبَانِ » بكسر العين المهملة ، وإِسكان التاءِ المُثَنَّاةِ فَوْقُ وبَعْدهَا باءٌ مُوَحَّدَةٌ . و «الخَزِيرَةُ» بالخاءِ المُعْجمةِ ، وَالزَّاي : هِي دقِيقٌ يُطْبَخُ بِشَحْمٍ وقوله : « ثابَ رِجالٌ » بالثَّاءِ المِثَلَّثَةِ ، أَيْ : جَاءوا وَاجْتَمعُوا .

418- وعن عمرَ بنِ الخطاب ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى ، إِذْ وَجَدتْ صبيًّا في السبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها ، فَأَرْضَعَتْهُ ، فقال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ . فَقَالَ : «للَّهُ أَرْحمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِولَدِهَا » متفقٌ عليه.

419- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لما خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ ، كَتَبَ في كِتَابٍ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ : إِنَّ رَحْمتي تَغْلِبُ غَضَبِي » .

وفي روايةٍ : « غَلَبَتْ غَضَبِي » وفي روايةٍ « سَبَقَتْ غَضَبِي » متفقٌ عليه .

420- وعنه قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءَا واحِداً ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ الخَلائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ » .

وفي روايةٍ : « إِنَّ للَّهِ تَعَالى مائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإِنْسِ وَالبَهَائمِ وَالهَوامِّ ، فَبهَا يَتَعاطَفُونَ ، وبها يَتَراحَمُونَ ، وَبها تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلى وَلَدهَا ، وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعالى تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بها عِبَادهُ يَوْمَ القِيَامَةِ » متفقٌ عليه .

ورواهُ مسلم أَيضاً من روايةِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ للَّهِ تَعَالَى ماِئَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْها رَحْمَةٌ يَتَراحَمُ بها الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْع وَتِسْعُونَ لِيَوْم القِيامَةِ » .

وفي رواية « إِنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ ، فَجَعَلَ مِنها في الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِها تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُها عَلَى بَعْضٍ فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ ، أَكْمَلَها بهِذِهِ الرَّحْمَةِ » .

421- وعنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فِيمَا يَحكِى عَن ربِّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالى ، قال : « أَذنَب عبْدٌ ذَنباً ، فقالَ : اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى : أَذَنَبَ عبدِي ذنباً ، فَعلِم أَنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذَنَبَ، فقال : أَيْ ربِّ اغفِرْ لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أَذنبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلَمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ ، وَيَأخُذُ بِالذنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذنَبَ ، فقال : أَي رَبِّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال تَبَارَكَ وَتَعَالى : أَذنَبَ عَبدِي ذَنباً ، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، قدَ غَفَرْتُ لِعبدي .. فَلْيَفعَلْ ما شَاءَ » متفقٌ عليه.

وقـوله تعالى : « فَلْيَفْعلْ ما شَاءَ » أَي : مَا دَامَ يَفْعَلُ هَكَذا ، يُذْنِبُ وَيتُوبُ أَغْفِرُ لَهُ ، فإِنَّ التَّوبَةَ تَهِدِمُ ما قَبْلَهَا.

422- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذنِبُوا ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقوم يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تعالى ، فيَغْفرُ لَهُمْ رواه مسلم .

423- وعن أبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيد، رضي اللَّه عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: « لَوْلا أَنَّكُمْ تُذنبُونَ ، لخَلَقَ اللَّهُ خَلقاً يُذنِبونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ » رواه مسلم .

424- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : كُنَّا قُعوداً مَع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، مَعَنا أَبُو بكْر وَعُمَرُ ، رضي اللَّه عنهما في نَفَرٍ ، فَقَامَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بَيْن أَظْهُرنَا ، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَخَشَينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ، فَفَزَعْنا ، فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ ، فَخَرجتُ أَبْتَغِي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَتَّى أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ وَذَكَرَ الحديث بطُوله إِلى قوله : فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إلاَّ اللَّه ، مُسْتَيقِناً بهَا قَلَبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ » رواه مسلم .

425- وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاص ، رضي اللَّه عنهما ، أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَلا قَوَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في إِبراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي}  [إبراهيم: 36 ] ، وَقَوْلَ عيسى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :  {إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [ المائدة : 118 ] ، فَرَفَعَ يَدَيْه وقال « اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى ، فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : « يا جبريلُ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ،فسلْهُ مَا يُبكِيهِ؟» فَأَتَاهُ جبرِيلُ فَأَخبَرَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَا قال:وَهُو أَعْلَمُ ، فقال اللَّهُ تعالى:  { يا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ } رواه مسلم .

426- وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال كُنتُ رِدْفَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على حِمارٍ فقال : « يَا مُعَاذُ هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ  ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه ؟ قلت : اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لا يُعَدِّبَ مَنْ لا يُشِركُ بِهِ شَيْئاً، فقلت : يا رسولُ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قال : « لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا» متفقٌ عليه .

427- وعن البَرَاءِ بنِ عازبٍ ، رضي اللَّه عنهما ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبرِ يَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّه ، فذلك قولهُ تعالى :  {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ }  [ إبراهيم : 27 ] متفقٌ عليه .

428- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً ، أُطعِمَ بِهَا طُعمَةً مِنَ الدُّنيَا ، وَأَمَّا المُؤمِن ، فَإِنَّ اللَّه تعـالى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلى طَاعَتِهِ » .

    وفي روايةٍ : « إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ ، فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تعالى ، في الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا » رواه مسلم .

429- وعن جابرٍ ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ » رواه مسلم.

« الْغَمْرُ » الْكَثِيرُ .

430- وعن ابنِ عباسٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنازتِه أَرَبَعُونَ رَجُلاً لا يُشرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئاً إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فيه»رواه مسلم .

431- وعن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في قُبَّةٍ نَحواً مِنْ أَرَبعِينَ ، فقال : « أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا: نَعَم ، قال : «أَتَرضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا : نَعَم، قال: « وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة ، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدخُلُهَا إِلاَّ نَفسٌ مُسلِمَةٌ ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلاَّ كََالشَّعرَةِ البَيَضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسودِ ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ » متفقٌ عليه.

432- وعن أبي موسى الأَشعري ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُوديًّا أو نَصْرَانِيّآً فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ» .

وفي رواية عنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِين بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجبَالِ يَغفِرُهَا اللَّهُ لهمُ » رواه مسلم .

قوله : « دَفَعَ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يهودِيًّا أَوْ نَصرانِياً فَيَقُولُ : هَذا فكَاكُكَ مِنَ النَّارِ » معْنَاهُ مَا جَاءَ في حديث أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنهُ : « لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ ، ومَنزِلٌ في النَّارِ، فالمُؤْمِن إِذَا دَخَلَ الجنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ ، لأَنَّهُ مُسْتَحِق لذلكَ بكُفْرِه » وَمَعنى «فكَاكُكَ » : أَنَّكَ كُنْتَ مُعَرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ ، وَهَذا فِكَاكُكَ ، لأَنَّ اللَّه تعالى قَدَّرَ لِلنَّارِ عدَداً يَمْلَؤُهَا ، فإِذا دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهمْ وَكُفْرِهِمْ ، صَارُوا في مَعنى الفِكَاك لِلمُسلِمِينَ . واللَّه أَعلم .

433- وعن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِنُ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه ، فيقولُ: أَتَعرفُ ذنبَ كَذا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا ؟ فيقول: رَبِّ أَعْرِفُ ، قال : فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ، فَيُعطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته » متفقٌ عليه .

كَنَفُهُ : سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ .

434- وعن ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَة ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَخبره ، فأَنزل اللَّهُ تعالى :  { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرََفي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الَّليْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }  [ هود: 114 ] فقال الرجل : أَلي هذا يا رسولَ اللَّه ؟ قال : «لجَميعِ أُمَّتي كُلهِمْ » متفقٌ عليه .

435- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رسولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حدّاً ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، وَحَضَرتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة قال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حدًّا ، فأَقِمْ فيَّ كتَابَ اللَّهِ ، قال : « هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاَةَ ؟ » قال : نَعم:  قال«قد غُفِرَ لَكَ » متفقٌ عليه .

وقوله : « أَصَبْتُ حَدًّا » معناه : مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزير ، وَليس المُرَادُ الحَدَّ الشَّرْعِيَّ الْحقيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا والخمر وَغَيْرِهمَا ، فَإِنَّ هَذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بِالصلاةِ، ولا يجوزُ للإمام تَرْكُهَا .

436- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه لَيَرضي عن الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكلَةَ، فَيحْمَدُهُ عليها ، أَوْ يَشْربَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمدُهُ عَليها » رواه مسلم.

« الأَكْلَةُ » بفتح الهمزة وهي المرَّةُ الواحدةُ مِنَ الأَكلِ كَالْغَدْوةِ والْعَشْوَةِ ، واللَّه أعلم .

437- وعن أبي موسى ، رضي اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ اللَّه تعالى، بَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ لَيَتُوبَ مُسيِءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدهُ بِالنَّهارِ ليَتُوبَ مُسيءُ اللَّيلِ حتى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبَها » رواه مسلم.

438- وعن أبي نجيحٍ عَمرو بن عَبْسَةَ بفتح العين والباءِ السُّلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه قال : كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا على شيءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً ، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتي ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَخْفِياً جُرَءَاءُ عليهِ قَوْمُهُ ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّة، فَقُلْتُ له : ما أَنَتَ ؟ قال : « أَنا نَبي» قلتُ : وما نبي ؟ قال : « أَرْسَلِني اللَّه » قلت: وبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسلَكَ ؟ قال : « أَرْسَلني بِصِلَةِ الأَرْحامِ، وكسرِ الأَوْثان ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّه لايُشْرَكُ بِهِ شَيْء » قلت : فَمنْ مَعَكَ عَلى هَذا ؟ قال : « حُر وَعَبْدٌ» ومعهُ يوْمَئِذٍ أَبو بكر وبلالٌ رضي اللَّه عنهما . قلت : إِنِّي مُتَّبعُكَ ، قال إِنَّكَ لَنْ تَستطِيعَ ذلكَ يَوْمَكَ هَذا . أَلا تَرى حَالى وحالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلى أَهْلِكَ فَإِذا سمعْتَ بِي قد ظَهَرْتُ فَأْتِني » قال  فَذهبْتُ إِلى أَهْلي ، وَقَدِمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المَدينَةَ . وكنتُ في أَهْلي . فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حينَ قَدِمَ المدينة حَتَّى قَدِمَ نَفرٌ مِنْ أَهْلي المدينةَ ، فقلتُ : ما فَعَلَ هذا الرَّجُلُ الذي قدِم المدينةَ ؟ فقالوا : النَّاسُ إِليهِ سِراعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُه قَتْلَهُ ، فَلَمْ يَستْطَيِعُوا ذلِكَ ، فَقَدِمتُ المدينَةَ فَدَخَلتُ عليهِ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّه أَتَعرِفُني ؟ قال : «نَعم أَنتَ الَّذي لَقيتنَي بمكةَ » قال: فقلتُ : يا رسول اللَّه أَخْبرني عمَّا عَلَّمكَ اللَّه وَأَجْهَلُهُ، أَخبِرنْي عَنِ الصَّلاَةِ؟ قال : « صَلِّ صَلاَةَ الصُّبحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَرتفَعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حين تطلع بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ ، وَحِينئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكفَّارُ ، ثُمَّ صَل ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مشهودة محضورة . حتى يستقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ ، ثُمَّ اقْصُر عن الصَّلاةِ، فإِنه حينئذٍ تُسجَرُ جَهَنَّمُ ، فإِذا أَقبلَ الفَيء فصَلِّ ، فإِنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ محضورة حتى تُصَلِّيَ العصرَ ثم اقْصُر عن الصلاةِ حتى تَغْرُبَ الشمسُ ، فإِنها تُغرُبُ بين قَرنيْ شيطانٍ ، وحينئذٍ يَسْجُدُ لها الكُفَّارُ » .

قال : فقلت : يا نَبِيَّ اللَّه ، فالوضوءُ حدّثني عنه ؟ فقال : « ما منْكُمْ رجُل يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ ، فَيَتَمَضْمضُ ويستنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خطايَا وجههِ وفيهِ وخياشِيمِهِ . ثم إِذا غَسَلَ وجهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّه إِلاَّ خرّت خطايا وجهِهِ مِنْ أَطرافِ لحْيَتِهِ مع الماءِ . ثم يغسِل يديهِ إِلى المِرفَقَينِ إِلاَّ خرّت خطايا يديه من أَنامِلِهِ مع الماءِ ، ثم يَمْسحُ رَأْسَهُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ من أَطرافِ شَعْرهِ مع الماءِ ، ثم يَغْسِل قَدَمَيهِ إِلى الكَعْبَيْنِ ، إلاَّ خَرت خطايا رِجْلَيه من أَنَامِلِهِ مَع الماءِ ، فإِن هو قامَ فصلَّى ، فحمِدِ اللَّه تعالى ، وأَثْنَى عليهِ وَمجَّدَهُ بالذي هو له أَهل ،وَفَرَّغَ قلبه للَّه تعالى . إِلا انصَرَفَ من خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».

فحدّثَ عَمرو بنُ عَبسةَ بهذا الحديثَ أَبَا أُمَامَة صاحِبِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال له أبو أمامة: يا عَمْروُ بن عَبْسَةَ ، انظر ما تقولُ . في مقامٍ واحِدٍ يُعطى هذا الرَّجُلُ ؟ فقال عَمْرو : يا أَبَا أُمامةَ . فقد كِبرَتْ سِنِّي ، ورَقَّ عَظمِي ، وَاقْتَرَبَ أَجَلي ، وما بي حَاجة أَنْ أَكذِبَ على اللَّهِ تعالى، ولا على رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرْتَيْن أو ثلاثاً ، حَتَّى عَدَّ سبعَ مَراتٍ ، ما حَدَّثتُ أَبداً بِهِ ، ولكنِّي سمِعتُهُ أَكثَرَ من ذلك رواه مسلم.

قوله : « جُرَءَاءُ عليهِ قومُهُ » : هو بجيمٍ مضمومة وبالمد على وزنِ عُلماء ، أَي : جاسِرُونَ مُستَطِيلونَ غيرُ هائِبينَ . هذه الرواية المشهورةُ ، ورواه الحُمَيْدِي وغيرهُ : « حِراء» بكسر الحاءِ المهملة . وقال : معناه غِضَابُ ذُوُو غَمٍّ وهمٍّ ، قد عيلَ صبرُهُمْ بهِ ، حتى أَثَّرَ في أَجسامِهِم ، من قوَلِهم : حَرَىَ جِسمُهُ يَحْرَى، إِذَا نقصَ مِنْ أَلمٍ أَوْ غم ونحوه ، والصَّحيحُ أَنَهُ بالجيمِ .

وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بين قَرنَي شيطانٍ » أَيْ : ناحيتي رأسهِ . والمرادُ التَّمثِيلُ . معناهُ : أَنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطانُ وشيِعتهُ . وَيَتَسَلَّطُونَ .

وقوله : « يُقَرِّبُ وَضُوءَه » معناه : يُحْضِرُ الماءَ الذي يَتَوَضَّأُ بِه. وقوله :« إِلاَّ خَرّتْ خَطاياهُ » هو بالخاءِ المعجمة : أَيْ سقطَت . ورواه بعضُهُم . « جرتْ » بالجيم . والصحيح بالخاءِ ، وهو رواية الجُمهور .

وقوله : « فَيَنْتَثرُ » أَيْ : يَستَخرجُ ما في أَنفه مِنْ أَذَى ، والنَّثرَةُ : طرَفُ الأَنفِ .

439- وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «إِذا أَرادَ اللَّه تعالى، رحمةَ أُمَّةٍ ، قَبضَ نبيَّهَا قَبلَها ، فجعلَهُ لها فَرَطاً وسلَفاً بين يَدَيها ، وإذا أرادُ هَلَكةَ أُمَّةٍ  ، عذَّبها ونبيُّهَا حَيُّ ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيُّ ينظُرُ ، فَأَقَرَّ عينَهُ بِهلاكها حين كذَّبوهُ وعصَوا أَمْرَهُ » رواه مسلم .

المُعْجَمَةِ ، أَي : غَيْرَ مختُونِينَ .

52- باب فضل الرجاء 

قال اللَّه تعالى إخباراً عن العبد الصالح: { وأفوض أمري إلى اللَّه إن اللَّه بصير بالعباد، فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا } .

440- وعن أبي هريرة ، رضيَ اللَّه عنه ، عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قال : « قالَ اللَّه ، عَزَّ وَجلَّ ، أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي ، وأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُني ، وَاللَّهِ للَّهُ أَفْرَحُ بتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يجدُ ضالَّتَهُ بالْفَلاةِ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً ، تَقرَّبْتُ إِلَيْهُ ذِرَاعاً ، وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيَّ ذِراعاً ، تقَرَّبْتُ إليه بَاعاً ، وإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يمْشي ، أَقبلتُ إلَيه أُهَرْوِلُ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ إحدى رِوايات مسلم .

441- وعن جابِر بن عبدِ اللَّه ، رضي اللَّه عنهما ، أَنَّهُ سَمعَ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَبْلَ موْتِهِ بثلاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ : « لا يموتن أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّه عزَّ وَجَلَّ » رواه مسلم .

442- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « قال اللَّه تعالى : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعوْتَني وَرَجوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلى ما كَانَ مِنكَ ولا أُبَالِي ، يا ابن آدمَ ، لَوْ بَلغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم اسْتَغْفَرْتَني غَفَرتُ لَكَ ، يَا ابْنَ آدَم ، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَني بِقُرابٍ الأَرْضِ خطايا ، ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » رواه الترمذي . وقال : حديث حسن.

« عَنَانُ السماءِ » بفـتح العين ، قيل : هو مَا عن لَكَ منها ، أي : ظَهَرَ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ، وقيلَ : هو السَّحَابُ.

و « قُرابُ الأرض»بضم القاف ، وقيلَ بكسرِها ، والضم أصح وأشهر، وهو:ما يقارِبُ مِلأَهَا ،واللَّه أعلم .

53- باب الجمع بين الخوف والرجاء 

اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً راجياً، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يُمَحِّضُ الرجاء. وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك.

قال اللَّه تعالى:  { فلا يأمن مكر اللَّه إلا القوم الخاسرون } .

وقال تعالى:  { إنه لا ييأس من روح اللَّه إلا القوم الكافرون } .

وقال تعالى:  { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } .

وقال تعالى:  { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } .

وقال تعالى:  { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } .

وقال تعالى:  { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } . والآيات في هذا المعنى كثيرة. فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية.

443- وعن أبي هريرة . رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُـوبَةِ . ما طَمِعَ بجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِنَد اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنطَ مِنْ جنَّتِهِ أَحَدٌ » رواه مسلم .

444- وعن أبي سَعيد الخدرِيِّ ، رضي اللَّه عَنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إذا وُضِعتِ الجَنَازَةُ واحْتمَلَهَا النَّاسُ أَو الرِّجالُ عَلى أَعْنَاقِهمِ ، فَإِنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ : قَدِّمُوني قَدِّمُوني، وَإنْ كانَتْ غَير صالحةٍ ، قالَتْ : يا ويْلَهَا ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ بَها ؟ يَسْمَعُ صَوتَها كُلُّ شيءٍ إلاَّ الإِنْسَانُ ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ » رواه البخاري .

445- وعن ابن مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الجَنَّةُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك » رواه البخاري .

54- باب فضل البكاء خشية الله تعالى وشوقاً إليه 

قال اللَّه تعالى:  { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً } .

وقال تعالى:  { أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون! } .

446- وعَن أبي مَسعودٍ ، رضي اللَّه عنه . قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «اقْرَأْ علَّي القُرآنَ » قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟، قالَ : « إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي » فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً }  [ الآية : 41 ] قال : « حَسْبُكَ الآنَ » فَالْتَفَتَّ إِليْهِ . فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . متفقٌ عليه .

447- وعن أنس ، رضي اللَّه عنه ، قالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقالَ : « لَوْ تعْلمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كثيراً» قال : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . وُجُوهَهُمْ . ولهمْ خَنِينٌ . متفقٌ عليه . وَسَبَقَ بيَانُهُ في بابِ الخَوفِ .

448- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لاَيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .

449- وعنه قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ : إِمامٌ عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى . وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ . وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه . اجتَمَعا عَلَيهِ . وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ . فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه . ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ . ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» متفقٌ عليه .

450- وعَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير . رضي اللَّه عنه . قال : أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ .

حديث صحيح رواه أبو داود . والتِّرمذيُّ في الشَّمائِل بإِسنادٍ صحيحٍ .

451- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه . قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، لأَبِيِّ بنِ كَعْبٍ . رضي اللَّه عنه : « إِنَّ اللَّه ، عَزَّ وجَلَّ ، أَمْرَني أَنْ أَقْرَأَ علَيْكَ : لَمْ يَكُن الَّذِينَ كَفَرُوا » قَالَ : وَسَمَّاني ؟ قال : « نَعَمْ » فَبَكى أُبَيٌّ . متفقٌ عليه . وفي رواية: فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكي.

452- وعنه قالَ : قالَ أَبو بَكْرٍ لعمرَ ، رضي اللَّه عنهما . بعدَ وفاةِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : انْطَلِقْ بِنا إلى أُمِّ أَيمنَ . رضي اللَّه عنها . نَزُورُها كما كَانَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يَزُورُها . فَلَمَّا انْتَهَيا إِليْها بَكَتْ . فقَالا لها : ما يُبْكِيكِ ؟ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّه تعالى خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قالَتْ : إِني لاَ أَبْكِي ، أَنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ ما عنْدَ اللَّه خَيرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ولكِنِّي أَبْكِي أَنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ فَهَيَّجَتْهُما عَلى البُكاءِ ، فَجَعَلا يَبْكِيانِ مَعهَا رواهُ مسلم. وقد سبق في باب زيارَةِ أَهل الخير.

453- وعن ابن عَمَر ، رضي اللَّه عنهما ، قال : « لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَجَعُهُ قيلَ لَهُ في الصَّلاَةِ فقال : « مُرُوا أَبا بَكْرِ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ » فقالتْ عائشةُ ، رضي  اللَّه عنها: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقيقٌ إِذا قَرَأَ القُرآنَ غَلَبَهُ البُكاءُ » فقال : « مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ » .

وفي رواية عن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالَتْ : قلتُ : إِنَّ أَبا بَكْرٍ إِذا قَامَ مقامَكَ لَم يُسْمع النَّاس مِنَ البُكَاءِ . متفقٌ عليه.

454- وعن إِبراهيمَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ أَنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوْفٍ ، رَضيَ اللَّه عنهُ أُتِيَ بطَعامٍ وكانَ صائماً ، فقالَ : قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيرٍ ، رضيَ اللَّه عنه ، وهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، فَلَمْ يُوجَدْ لَه ما يُكَفَّنُ فيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ إِنْ غُطِّي بِها رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاُه ، وإِنْ غُطِّيَ بها رِجْلاه بَدَا رأْسُهُ ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا ما بُسِطَ أَوْ قالَ : أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيا مَا أُعْطِينَا قَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنا عُجِّلَتْ لَنا . ثُمَّ جَعَلَ يبْكي حَتَّى تَرَكَ الطَّعامَ . رواهُ البخاري .

455- وعن أبي أُمامة صُدَيِّ بْنِ عَجلانَ الباهِليِّ ، رضيَ اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « لَيْسَ شَيءٌ أَحَبَّ إِلى اللَّه تعالى من قَطْرَتَين . وأَثَرَيْنِ : قَطْرَةُ دُمُوعٍ من خَشيَةِ اللَّه وَقَطرَةُ دَمٍ تُهرَاقُ في سَبِيلِ اللَّه تعالى ، وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعـالى وَأَثَرٌ في فَرِيضَةٍ منْ فَرَائِضِ اللَّه تعالى » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

وفي البابِ أحاديثُ كثيرةٌ ، منها :

456- حديث العْرباض بنِ ساريةَ . رضي اللَّه عنه ، قال : وعَظَنَا رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ منها القُلُوبُ ، وذَرَفْت منْهَا العُيُونُ » . وقد سبق في باب النهي عن البدع.

55- باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منهاوفضل الفقر 

قال اللَّه تعالى:  { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّيَّنَتْ وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } .

وقال تعالى: { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح، وكان اللَّه على كل شيء مقتدراً. المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً } .

وقال تعالى:  { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفراً، ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد، ومغفرة من اللَّه ورضوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } .

وقال تعالى:  { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب } .

وقال تعالى:  { يا أيها الناس إن وعد اللَّه حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } .

وقال تعالى:  { ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، كلا لو تعلمون علم اليقين}.

وقال تعالى:  { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } . والآيات في الباب كثيرة مشهورة.

وأما الأحاديث فأكثر من أن تحصر فننبه بطرف منها على ما سواه:

457- عن عمرو بنِ عوفٍ الأَنْصاريِّ . رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَعَثَ أَبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ، رضي اللَّه عنه ، إلى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا فَقَدمَ بِمالٍ منَ البحْرَينِ ، فَسَمِعَت الأَنصَارُ بقُدومِ أبي عُبَيْدَةَ ، فوافَوْا صَلاةَ الفَجْرِ مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا صَلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، انْصَرَفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِينَ رَآهُمْ ، ثُمَّ قال : «أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيء مِنَ الْبَحْرَيْنِ » فقالوا : أَجَل يا رسول اللَّه ، فقــال: « أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ ، فواللَّه ما الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ . وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا . فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » متفقٌ عليه .

458- وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ ، رضيَ اللَّه عنه . قالَ : جَلَسَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى المِنْبَرِ ، وَجَلسْنَا حَوْلَهُ.فقال:« إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُم مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِن زَهْرَةِ الدُّنيَا وَزيَنتهَا » متفقٌ عيه.

459- عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّه تَعالى مُسْتَخْلِفكُم فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْملُونَ فاتَّقُوا الدُّنْيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ » رواه مسلم .

460- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه . أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ » متفقٌ عليه .

461- وعنهُ عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ : أَهْلُهُ وَمالُهُ وَعَمَلُهُ : فَيَرْجِعُ اثْنَانِ. وَيَبْقَى وَاحدٌ : يَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ » متفقٌ عليه .

462- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُؤْتِيَ بَأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خيراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ ؟ فيقول : لا واللَّه يارَبِّ. وَيُؤْتِى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةُ قَطُّ ؟ فيقولُ : لا ، وَاللَّه ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ » رواه مسلم .

463- وعن المُسْتَوْردِ بنِ شدَّادٍ رَضِيَ اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحدُكُمْ أُصْبُعَهُ في الْيَمِّ . فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟» رواه مسلم .

464- وعن جابرٍ ، رضِيَ اللَّه عنهُ أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّ بِالسُّوقِ وَالنَّاسُ كتفَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ ، فَأَخَذَ بَأُذُنِهِ ، ثُمَّ قال : « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقالوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثم قال : « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا : وَاللَّه لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْباً ، إِنَّهُ أَسَكُّ . فكَيْفَ وَهو مَيَّتٌ ، فقال : « فَوَ اللَّه للدُّنْيَا أَهْونُ عَلى اللَّه مِنْ هذا عَلَيْكُمْ » رواه مسلم.

قوله « كَتفَيْهِ » أَيْ : عن جانبيه . و « الأَسكُّ » الصغير الأُذُن .

465- وعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللَّه عنه ، قال : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، في حَرَّةٍ بالمدينة ، فَاسْتَقْبلَنَا أَحُدٌ فقال : « يا أَبَا ذَرٍّ » . قلت : لَبَّيْكَ يا رسول اللَّه . فقال : « مَا يَسُرُّني أَنَّ عِنْدِي مِثل أَحُدٍ هذا ذَهباً تَمْضِي عَلَيَّ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنِ ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ في عِبَاد اللَّه هكَذَا وَهَكَذا » عن يَمِينهِ وعن شماله ومن خلفه ، ثم سار فقال : « إِنَّ الأَكثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَومَ القيامةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكذَا وهكذا » عن يمينهِ ، وعن شمالهِ ، ومِنْ خَلفه « وَقَليلٌ مَا هُمْ » . ثم قال لي : « مَكَانَك لا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ » . ثم انْطَلَقَ في سَوَادِ اللَّيْلِ حتى تَوَارَى ، فسمِعْتُ صَوْتاً قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَرَضَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قوله: « لا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ » فلم أَبْرَحْ حَتَّى أَتَاني ، فَقُلْتُ : لقد سَمِعْتُ صَوتاً تَخَوَّفْتُ منه ، فَذَكَرْتُ له . فقال: « وَهَلْ سَمِعْتَهُ ؟ » قلت : نَعَم ، قال : « ذَاكَ جِبريلُ أَتاني فقال : مَن ماتَ مِنْ أُمتِكَ لايُشرِكُ باللَّه شَيئاً دَخَلَ الجَنَّةَ ، قلتُ : وَإِنْ زَنَي وَإِنْ سَرَقَ ؟ قال : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » متفقٌ عليه . وهذا لفظ البخاري .

466- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، عنْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لو كان لي مِثلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسرَّني أَنْ لا تَمُرَّ علَيَّ ثَلاثُ لَيَالٍ وَعِندِي منه شَيءٌ إلاَّ شَيءٌ أُرْصِدُه لِدَينٍ » متفقٌ عليه .

467- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : انْظُرُوا إلى منْ هَوَ أَسفَلُ منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إلى مَنْ فَوقَكُم فهُوَ أَجْدرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَليْكُمْ » متفقٌ عليه وهذا لفظ مسلمٍ .

وفي رواية البخاري ، « إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إلى مَنْ فُضلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْينْظُرْ إلى مَنْ هو أَسْفَلُ مِنْهُ » .

468- وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعطِيَ رضي، وَإِنْ لَمْ يُعطَ لَمْ يَرْضَ » رواه البخاري .

469- وعنه ، رضي اللَّه عنه ، قال : لقَدْ رَأَيْتُ سبعِين مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، ما منْهُم رَجُلٌ عليه رداءٌ، إِمَّا إِزَارٌ، وإِمَّا كِسَاءٌ، قدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهِمْ ، فَمنْهَا مَا يبْلُغُ نِصفَ السَّاقَيْن . ومنْهَا ما يَبْلُغُ الكَعْبينِ. فَيجْمَعُهُ بيدِه كراهِيَةَ أَنْ تُرَى عوْرتُه » رواه البخاري .

470- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وجنَّةُ الكَافِرِ» رواه مسلم .

471- وعن ابن عمر ، رضي اللَّه عنهما ، قال : أَخَذ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : « كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ » .

وَكَانَ ابنُ عمرَ ، رضي اللَّه عنهما ، يقول : إِذَا أَمْسيْتَ ، فَلا تَنْتظِرِ الصَّباحَ وإِذَا أَصْبحْت ، فَلا تنْتَظِرِ المَساءَ ، وخُذْ منْ صِحَّتِكَ لمرضِكَ ومِنْ حياتِك لِموتكَ . رواه البخاري .

قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تَركَن إلى الدُّنْيَا ولا تَتَّخِذْهَا وَطَناً ، ولا تُحدِّثْ نَفْسكَ بِطُول الْبقَاءِ فِيهَا، وَلا بالاعْتِنَاءِ بِهَا ، ولا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إلاَّ بِما يَتَعَلَّقُ بِه الْغَرِيبُ في غيْرِ وطَنِهِ ، ولا تَشْتَغِلْ فِيهَا بِما لا يشتَغِلُ بِهِ الْغرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهاب إلى أَهْلِهِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقٌ .

472- وعن أبي الْعبَّاس سَهْلِ بنِ سعْدٍ السَّاعديِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : فقالَ : يا رسول اللَّه دُلَّني عَلى عمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ أَحبَّني اللَّه ، وَأَحبَّني النَّاسُ ، فقال : « ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللَّه ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ » حديثٌ حسنٌ رواه ابن مَاجَه وغيره بأَسانيد حسنةٍ .

473- وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ ، رضيَ اللَّه عنهما ، قالَ : ذَكَر عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب ، رضي اللَّه عنه ، ما أصاب النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا ، فقال : لَقَدْ رَأَيْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوي ما يَجِدُ مِنَ الدَّقَل ما يمْلأُ بِهِ بطْنَهُ . رواه مسلم.

« الدَّقَلُ » بفتح الدال المهملة والقاف : رَدِئُ التَّمْرِ .

474- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : تُوفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  ، وما في بَيْتي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَال علَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عليه .

« شَطْرُ شَعيرٍ » أَي شَيْء مِنْ شَعيرٍ . كَذا فسَّرهُ التِّرمذيُّ .

475- وعن عمر بنِ الحارِث أَخي جُوَيْرِية بنْتِ الحَارثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : مَا تَرَكَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَاراً وَلا دِرْهَماً ، ولا عَبْداً ، وَلا أَمَةً ، وَلا شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتي كَان يَرْكَبُهَا ، وَسِلاحَهُ ، وَأَرْضاً جَعَلَهَا لابْنِ السَّبيِلِ صَدَقَةً » رواه البخاري .

476- وعن خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال هَاجَرْنَا مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَلْتَمِسُ وَجهَ اللَّه تعالى فَوَقَعَ أَجْرُنا عَلى اللَّه ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يأْكُلْ مِنْ أَجرِهِ شَيْئاً . مِنْهُم مُصْعَبُ بن عَمَيْر ، رضي اللَّه عنه ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنا بهَا رَأْسَهُ، بَدَتْ رجْلاهُ ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ ، بَدَا رَأْسُهُ ، فَأَمَرَنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلى رجْليهِ شَيْئاً مِنَ الإِذْخِرِ ، ومِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ . فَهُوَ يَهدبُهَا، متفقٌ عليه.

« النَّمِرَةُ » : كسَاء مُلَوَّنٌ منْ صُوفٍ . وقوله : « أينَعَت » أَيْ : نَضَجَتْ وَأَدْرَكَتْ . وقوله : « يَهْدِبُهَا » هو بفتح الباءِ وضم الدال وكسرها . لُغَتَان . أَيْ: يَقْطِفُهَا وَيجْتَنِيهَا وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لمَا فَتَحَ اللَّه تَعَالى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَكنُوا فيهَا .

477- وعن سَهْلِ بنِ سَعْد السَّاعديِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافراً منْها شَرْبَةَ مَاءٍ » رواه الترمذي . وقال حديث حسن  صحيح .

478- وعن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلعون مَا فيها ، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تعالى ، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً » .

رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

479- وعن عَبْدِ اللَّه بنِ مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيا » .

رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

480- وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهما ، قال : مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَنحنُ نُعالجُ خُصًّا لَنَا فقال : « ما هذا ؟ » فَقُلْنَا : قَدْ وَهِي ، فَنَحْنُ نُصْلِحُه ، فقال : « ما أَرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذلكَ » .

رواه أَبو داود ، والترمذيُّ بإِسناد البخاريِّ ومسلم ، وقال الترمذيُّ : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .

481- وعن كَعْبِ بنِ عِيَاضٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فتنةً ، فِتنَةُ أُمَّتي المَالُ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

482- وعن أبي عمرو ، ويقالُ : أَبو عبدِ اللَّه ، ويقال : أَبو لَيْلى عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رضي اللَّه عنه ، أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيْسَ لابْن آدَمَ حَقٌّ في سِوى هَذِهِ الخِصَال : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الخُبز ، وَالمَاءِ » رواه الترمذي وقال : حديث صحيح.

قال الترمذي : سمعتُ أَبَا داوُدَ سلَيمَانَ بنَ سَالمٍ البَلْخِيَّ يقول : سَمِعْتُ النَّضْر بْنَ شُمَيْلٍ يقولُ : الجلفُ : الخُبزُ لَيْس مَعَهُ إِدَامٌ . وقَالَ : غيرُهُ : هُوَ غَلِيظُ الخُبْزِ . وقَالَ الرَّاوِي : المُرَادُ بِهِ هُنَا وِعَاءُ الخُبزِ ، كالجَوَالِقِ وَالخُرْجِ ،  واللَّه أعلم .

483- وعنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ « بكسر الشين والخاءِ المشددةِ المعجمتين» رضي اللَّه عنه ، أَنَّهُ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهُوَ يَقْرَأُ : { أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قال: « يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي، مَالي ، وَهَل لَكَ يَا ابن آدمَ مِنْ مالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلت فَأَفْنيْتَ ، أو لبِستَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضيْتَ ؟» رواه مسلم .

484- وعن عبدِ اللَّه بن مُغَفَّلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رجُلٌ للنَّبِيِّ ص: يارسولَ اللَّه ، واللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، فقال : « انْظُرْ ماذا تَقُولُ ؟ » قال : وَاللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فقال : « إِنْ كُنْتَ تُحبُّني فَأَعِدَّ لَلفقْر تِجْفافاً، فإِنَّ الفَقْر أَسْرَعُ إلى من يُحِبُّني مِنَ السَّيْل إلى مُنْتَهَاهُ » رواه الترمذي وقال حديث حسن.

« التِّجْفَافُ » بكسرِ التاءِ المثناةِ فوقُ وإسكان الجيم وبالفاءِ المكررة ، وَهُوَ شَيْءُ يَلْبِسُهُ الفَرسُ ، لِيُتَّقَى بِهِ الأَذَى، وَقَدْ يَلْبَسُهُ الإِنْسَانُ .

485- وعن كَعبِ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَاذِئْبَان جَائعَانِ أُرْسِلا في غَنَم بأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ على المالِ وَالشـَّرفِ لِدِينهِ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

486- وعن عبدِ اللَّه بن مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه ، قال : نَامَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على حَصيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يا رَسُولَ الَّه لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً ، فقال : « مَالي وَلَلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا » .

رواه الترمذي وقال :  حديث حسن صحيح

487- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يَدْخُلُ الفُقَراءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمائَةِ عَامٍ » رواه الترمذي وقال : حديث صحيح .

488- وعن ابن عَبَّاسِ ، وعِمْرَانَ بن الحُصَيْن ، رضي اللَّه عنهم ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « آطَّلعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهلِهَا الفُقَراءَ . وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ » متفقٌ عليه . من رواية ابن عباس .

ورواه البخاري أيْضاً من روايةِ عِمْرَان بنِ الحُصَينِ ..

489- وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضيَ اللَّه عنهما ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قُمْتُ عَلى بَاب الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَساكينُ . وأَصَحَابُ الجِدِّ محبُوسُونَ ، غَيْرَ أَنَّ أَصحَابَ النَّار قَد أُمِرَ بِهمْ إلى النَّارِ » متفقٌ عليه .

و « الجَدُّ » الحَظُّ وَالغِنَى . وقد سبق بيان هذا الحديث في باب فضلِ الضَّعَفَةِ.

490- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ :

أَلا كُلُّ شيْءٍ ما خَلا اللهَ بَاطِلُ      متفقٌ عليه .

56- باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات 

قال اللَّه تعالى:  { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً}.

وقال تعالى:  { فخرج على قومه في زينته، قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم! ثواب اللَّه خير لمن آمن وعمل صالحاً } .

وقال تعالى:  { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } .

وقال تعالى: { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً } . والآيات في الباب كثيرة معلومة.

491- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : ما شَبعَ آلُ مُحمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ . متفقٌ عليه .

وفي رواية : مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُنْذُ قَـدِمَ المَدِينةَ مِنْ طَعامِ البرِّ ثَلاثَ لَيَال تِبَاعاً حَتَّى قُبِض .

492- وعن عُرْوَةَ عَنْ عائشة رضي اللَّه عنها ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ : وَاللَّه يا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلالِ ثمَّ الهِلالِ . ثُمَّ الهلالِ ثلاثةُ أَهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ . وَمَا أُوقِدَ في أَبْيَاتِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نارٌ . قُلْتُ : يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قالتْ : الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ وَالمَاءُ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جِيرانٌ مِنَ الأَنْصَـارِ . وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَايحُ وَكَانُوا يُرْسِلُونَ إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ أَلبانها فَيَسْقِينَا . متفقٌ عليه .

493- وعن أبي سعيدٍ المقْبُريِّ عَنْ أبي هُرَيرةَ رضي اللَّه عنه . أَنه مَرَّ بِقَوم بَيْنَ أَيْدِيهمْ شَاةٌ مَصْلِيةٌ. فَدَعَوْهُ فَأَبى أَنْ يَأْكُلَ ، وقال : خَرج رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم من الدنيا ولمْ يشْبعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ . رواه البخاري .

« مَصْلِيَّةٌ » بفتحِ الميم : أَيْ : مَشْوِيةٌ .

494- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه ، قال : لمْ يأْكُل النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على خِوَانٍ حَتَّى مَات، وَمَا أَكَلَ خُبزاً مرَقَّقاً حَتَّى مَاتَ . رواه البخاري.

وفي روايةٍ له : وَلا رَأَى شَاةَ سَمِيطاً بِعَيْنِهِ قطُّ .

495- وعن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي اللَّه عنهما قال : لقد رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وما يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ ما يَمْلأُ به بَطْنَهُ ، رواه مسلم .

الدَّقَلُ : تمْرٌ رَدِيءٌ .

496- وعن سهل بن سعدٍ رضي اللَّه عنه ، قال : ما رَأى رُسولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم النّقِيُّ منْ حِينَ ابْتعَثَهُ اللَّه تعالى حتَّى قَبَضَهُ اللَّه تعالى ، فقيل لَهُ هَلْ كَانَ لَكُمْ في عهْد رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَنَاخلُ ؟ قال: ما رأى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُنْخَلاَ مِنْ حِينَ ابْتَعثَهُ اللَّه تَعَالَى حَتَّى قَبَضُه اللَّه تعالى ، فَقِيلَ لهُ : كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غيرَ منْخُولٍ ؟ قال : كُنَّا نَطْحُنَهُ ونَنْفُخُهُ، فَيَطيرُ ما طارَ ، وما بَقِي ثَرَّيْناهُ . رواه البخاري .

قوله : « النَّقِيّ » : هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياءِ . وهُوَ الخُبْزُ الحُوَّارَى ، وَهُوَ : الدَّرْمَكُ ، قوله : « ثَرَّيْنَاهُ » هُو بثاءٍ مُثَلَّثَةٍ ، ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ ، ثُمَّ ياءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تحت ثُمَّ نون ، أَيْ : بَلَلْناهُ وعَجَنَّاهُ .

497- وعن أبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه قال : خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ ، فَإِذا هُوَ بِأَبي بكْرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما ، فقال : « ما أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُما هذِهِ السَّاعَةَ؟» قالا : الجُوعُ يا رَسولَ اللَّه . قالَ : « وَأَنا ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لأَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكُما . قُوما » فقَاما مَعَهُ ، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصارِ ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ في بيتهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ المرَأَةُ قالَتْ : مَرْحَباً وَأَهْلاً. فقال لها رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَيْنَ فُلانٌ » قالَتْ : ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الماءَ ، إِذْ جاءَ الأَنْصَاريُّ ، فَنَظَرَ إلى رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَصَاحِبَيْهِ ، ثُمَّ قالَ: الحَمْدُ للَّه ، ما أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيافاً مِنِّي فانْطَلقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ ، فقال : كُلُوا ، وَأَخَذَ المُدْيَةَ ، فقال لَهُ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِيَّاكَ وَالحَلُوبَ » فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذلكَ العِذْقِ وشَرِبُوا . فلمَّا أَنْ شَبعُوا وَرَوُوا قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لأَبي بكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هذَا النَّعيمِ يَوْمَ القِيامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ » رواه مسلم .

قَوْلُها : « يَسْتَعْذبُ » أَيْ : يَطْلبُ الماءَ العَذْبَ ، وهُوَ الطَّيبُ . و « العِذْقُ » بكسر العين وإسكان الذال المعجمة : وَهُو الكِباسَةُ ، وهِيَ الغُصْنُ . و « المُدْيةُ » بضم الميم وكسرِها : هي السِّكِّينُ . و « الحلُوبُ » ذاتُ اللبَن . وَالسؤالُ عَنْ هذا النعِيم سُؤالُ تَعدِيد النِّعَم لا سُؤالُ توْبيخٍ وتَعْذِيبٍ . واللَّهُ أَعْلَمُ وهذا الأنصارِيُّ الَّذِي أَتَوْهُ هُوَ أَبُو الهَيْثمِ بنُ التَّيِّهان رضي اللَّه عنه ،كَذا جاءَ مُبَيناً في روايةِ الترمذي وغيره .

498- وعن خالدِ بنِ عُمَرَ العَدَويِّ قال : خَطَبَنَا عُتْبَةُ بنُ غَزْوانَ ، وكانَ أَمِيراً عَلى البَصْرَةِ ، فَحمِدَ اللَّه وأَثْنى عليْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَا بعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا آذَنَتْ بصُرْمٍ ، ووَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَلَمْ يَبْقَ منها إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبابةِ الإِناءِ يتصابُّها صاحِبُها ، وإِنَكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْها إلى دارٍ لا زَوالَ لهَا ، فانْتَقِلُوا بِخَيْرِ ما بِحَضْرَتِكُم فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنا أَنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِير جَهَنَّمَ فَيهْوى فِيهَا سَبْعِينَ عاماً لا يُدْركُ لَها قَعْراً، واللَّهِ لَتُمْلأَنَّ .. أَفَعَجِبْتُمْ ،؟ ولَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ما بَيْنَ مِصْراعَيْنِ مِنْ مَصاريعِ الجَنَّةِ مَسيرةَ أَرْبَعِينَ عاماً ، وَلَيَأْتِينَّ عَلَيها يَوْمٌ وهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحامِ ، وَلَقَدْ رأَيتُني سابعَ سبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مالَنا طَعامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ ، حتى قَرِحَتْ أَشْداقُنا ، فالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فشَقَقْتُها بيْني وَبَينَ سَعْدِ بنِ مالكٍ فَاتَّزَرْتُ بنِصْفِها، وَاتَّزَر سَعْدٌ بنِصفِها ، فَمَا أَصْبَحَ اليَوْم مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ أَصْبَحَ أَمِيراً عَلى مِصْرٍ مِنْ الأَمْصَارِ . وإِني أَعُوذُ باللَّهِ أَنْ أَكْونَ في نَفْسي عَظِيماً . وعِنْدَ اللَّهِ صَغِيراً . رواهُ مسلم .

وله : « آذَنَتْ » هُوَ بَمدِّ الأَلِفِ ، أَيْ : أَعْلَمَتْ . وقوله :  « بِصُرْمٍ » : هو بضم الصاد . أي : بانْقطاعِها وَفَنائِها . وقوله « ووَلَّتْ حَذَّاءَ » هو بحاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ ، ثُمَّ ذال معجمة مشدَّدة ، ثُمَّ أَلف ممدودَة . أَيْ : سَريعَة وَ « الصُّبابةُ » بضم الصاد المهملة : وهِي البقِيَّةُ اليَسِيرَةُ . وقولُهُ : « يَتَصابُّها » هو بتشديد الباءِ. أَيْ : يجْمَعُها . و الكَظِيظُ : الكثيرُ المُمْتَلئُ . وقوله : « قَرِحَتْ » هو بفتحِ القاف وكسر الراءِ ، أَيْ : صارَتْ فِيهَا قُرُوحٌ .

499- وعن أبي موسى الأَشْعَريِّ رضي اللَّهُ عنه قال : أَخْرَجَتْ لَنا عائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها كِساء وَإِزاراً غَلِيظاً قالَتْ : قُبِضَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  في هذين . متفقٌ عليه.

500- وعنْ سَعد بن أبي وَقَّاصٍ . رضيَ اللَّه عنه قال : إِنِّي لأَوَّلُ العَربِ رَمَى بِسَهْمِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَقَدْ كُنا نَغْزُو مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ما لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الحُبْلَةِ . وَهذا السَّمَرُ . حَتى إِنْ كانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ كما تَضَعُ الشاةُ مالَهُ خَلْطٌ . متفقٌ عليه.

  « الحُبْلَةِ » بضم الحاءِ المهملة وإِسكانِ الباءِ الموحدةِ : وهي والسَّمُرُ ، نَوْعانِ مَعْروفانِ مِنْ شَجَرِ البَادِيَةِ .

501- وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه . قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً » متفقٌ عليه .

قال أَهْلُ اللُّغَة والْغَرِيبِ : معْنَى « قُوتاً » أَيْ مَا يَسدُّ الرَّمَقَ .

502- وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قال : واللَّه الذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ، إِنْ كُنْتُ لأعَتمِدُ بِكَبِدِي على الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإِنْ كُنْتُ لأشُدُّ الحجَرَ على بَطْني منَ الجُوعِ . وَلَقَدْ قَعَدْتُ يوْماً على طَرِيقهِمُ الذي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي ، وعَرَفَ ما في وجْهي ومَا في نَفْسِي ، ثُمَّ قال : « أَبا هِرٍّ،،» قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه، قال : «الحَقْ » ومَضَى ، فَاتَّبَعْتُهُ ، فدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ ، فَأُذِنَ لي فدَخَلْتُ ، فوَجَدَ لَبَناً في قَدحٍ فقال: « مِنْ أَيْنَ هذَا اللَّبَنُ ؟ » قالوا : أَهْداهُ لَكَ فُلانٌ أَو فُلانة قال : « أَبا هِرٍّ،،» قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسول اللَّه ، قال : « الحق إِلى أَهْل الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ لي». قال : وأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضيَافُ الإِسْلام ، لا يَأْوُون عَلى أَهْلٍ ، ولا مَالٍ ، ولا على أَحَدٍ، وكانَ إِذَا أَتَتْهُ صدقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ . ولَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئاً ، وإِذَا أَتَتْهُ هديَّةٌ أَرْسلَ إِلَيْهِمْ وأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فيها ، فسَاءَني ذلكَ فَقُلْتُ : وما هذَا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّةِ ؟ كُنْتَ  أَحَقَّ أَن أُصِيب منْ هذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذا جاءُوا أَمَرنِي ، فكُنْتُ أَنا أُعْطِيهِمْ ، وما عَسَى أَن يبْلُغَني منْ هذا اللَّبَنِ ، ولمْ يَكُنْ منْ طَاعَةِ اللَّه وطَاعَةِ رسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بدٌّ. فأَتيتُهُم فدَعَوْتُهُمْ ، فأَقْبَلُوا واسْتأْذَنوا ، فَأَذِنَ لهُمْ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قال : « يا أَبا هِرّ ،، » قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه ، قال : « خذْ فَأَعْطِهِمْ» قال : فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْت أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يردُّ عليَّ الْقَدَحَ ، فَأُعطيهِ الآخرَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يروَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَليَّ الْقَدحَ ، حتَّى انْتَهَيتُ إِلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وََقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ على يَدِهِ ، فَنَظَرَ إِليَّ فَتَبَسَّمَ ، فقال : « أَبا هِرّ » قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسول اللَّه قال : « بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ » قلتُ صَدَقْتَ يا رسولَ اللَّه ، قال : « اقْعُدْ فَاشْرَبْ » فَقَعَدْتُ فَشَربْتُ : فقال : « اشرَبْ » فشَربْت ، فما زال يَقُولُ : « اشْرَبْ » حَتَّى قُلْتُ : لا وَالَّذِي بعثكَ بالحَقِّ ما أَجِدُ لَهُ مسْلَكاً ، قال : « فَأَرِني » فأَعطيْتهُ الْقَدَحَ ، فحمِدَ اللَّه تعالى ، وَسمَّى وَشَربَ « الفَضَلَةَ» رواه البخاري .

503- وعن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ عن أبي هريرةَ ، رضي اللَّه عنه ، قال : لَقَدْ رأَيْتُني وإِنِيّ لأَخِرُّ فِيما بَيْنَ مِنْبَرِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى حُجْرَةِ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها مَغْشِيّاً عَلَيَّ ، فَيجِيءُُ الجَائي ، فيَضَعُ رِجْلَهُ عَلى عُنُقي ، وَيرَى أَنِّي مَجْنونٌ وما بي مِن جُنُونٍ ، وما بي إِلاَّ الجُوعُ . رواه البخاري .

504- وعن عائشةَ ، رضيَ اللَّه عنها ، قَالَتْ : تُوُفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ودِرْعُهُ مرْهُونَةٌ عِند يهودِيٍّ في ثَلاثِينَ صاعاً منْ شَعِيرٍ . متفقٌ عليه .

505- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : رَهَنَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دِرْعهُ بِشَعِيرٍ ، ومشيتُ إِلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِخُبْزِ شَعيرٍ ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ ، وَلَقَدْ سمِعْتُهُ يقُولُ : « ما أَصْبحَ لآلِ مُحَمَّدٍ صــاعٌ ولا أَمْسَى وَإِنَّهُم لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ» رواه البخاري .

« الإِهَالَةُ » بكسر الهمزة : الشَّحْمُ الذَّائِبُ . وَالسَّنِخَةُ » بِالنون والخاءِ المعجمة ، وَهِي: المُتَغَيِّرةُ .

506- وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه ، قال : لَقدْ رَأَيْتُ سبْعينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، ما مِنْهُم رَجلٌ عَلَيهِ رِدَاء ، إِمَّا إِزارٌ وإِمَّا كِسَاءٌ ، قَدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهم مِنهَا ما يَبْلُغُ نِصفَ السَّاقيْنِ ، وَمِنهَا ما يَبلُغُ الكَعْبَينِ ، فيجمعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أَن تُرَى عَوْرَتُهُ . رواه البخاري.

507- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالت : كَانَ فِرَاشُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِن أدَمٍ حشْوُهُ لِيف . رواه البخاري .

508- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : كُنَّا جُلُوساً مَعَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذْ جاءَ رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ، فسلَّم علَيهِ ، ثُمَّ أَدبرَ الأَنْصَارِيُّ ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يَا أَخَا الأَنْصَارِ ، كَيْفَ أَخِي سعْدُ بنُ عُبادةَ؟» فقال : صَالحٌ ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ يعُودُهُ مِنْكُمْ ؟ » فَقام وقُمْنا مَعَهُ ، ونَحْنُ بضْعَةَ عشَر ما علَينَا نِعالٌ وَلا خِفَافٌ ، وَلا قَلانِسُ، ولا قُمُصٌ نمشي في تلكَ السِّبَاخِ ، حَتَّى جِئْنَاهُ ، فاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حوله حتَّى دنَا رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَصْحابُهُ الَّذِين مَعهُ . رواه مسلم .

509- وعن عِمْرانَ بنِ الحُصَينِ رضي اللَّه عنهما ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنه قال : « خَيْرُكُمْ قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يلوُنَهم ، ثُمَّ الَّذِينَ يلُونَهُم » قال عِمرَانُ : فَمَا أَدري قال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّتَيْن أو ثَلاثاً « ثُمَّ يَكُونُ بَعدَهُمْ قَوْمٌ يشهدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهمْ السِّمَنُ» متفقٌ عليه.

510- وعن أبي أُمامة رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يا ابْنَ آدمَ : إِنَّكَ إِنْ تَبْذُل الفَضلَ خَيْرٌ لَكَ ، وَأَن تُمْسِكهُ شرٌّ لَكَ ، ولا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابدأ بِمنْ تَعُولُ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

511- وعن عُبَيد اللَّه بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ ، معافى في جَسدِه ، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها . رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

« سِرْبِهِ » بكسر السين المهملة ، أَي : نَفْسِهِ ، وقِيلَ : قَومِه .

512- وعن عبدِ اللَّه بن عمرو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهما ، أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قَدْ أَفَلَحَ مَن أَسلَمَ ، وكَانَ رِزقُهُ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللَّه بِمَا آتَاهُ » رواه مسلم.

513- وعن أبي مُحَمَّد فَضَالَةَ بنِ عُبَيْد الأَنْصَارِيِّ رضي اللَّه عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلى الإِْسلام ، وَكَانَ عَيْشهُ كَفَافاً ، وَقَنِعَ » رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن صحيح .

514- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَبِيتُ اللَّيَالِيَ المُتَتَابِعَةَ طَاوِياً ، وَأَهْلُهُ لا يَجِدُونَ عَشاءَ ، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْز الشَّعِيرِ. رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيح .

515- وعن فضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي اللَّه عنه ، أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاةِ مِنَ الخَصَاصةِ وَهُمْ أَصْحابُ الصُّفَّةِ حَتَّى يَقُولَ الأَعْرَابُ : هُؤُلاءِ مَجَانِينُ ، فَإِذَا صلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم انْصَرفِ إِلَيْهِمْ ، فقال : « لَوْ تَعْلَمُونَ ما لَكُمْ عِنْدَ اللَّه تعالى ، لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً» رواه الترمذي ، وقال حديثٌ صحيحٌ.

« الخَصاصَةُ » : الْفَاقَةُ والجُوعُ الشَّديدُ .

516- وعن أبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن معْدِ يكَرِب رضي اللَّه عنه قال : سمِعتُ رسول اللَّه  صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقَولُ : « مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطنِه ، بِحسْبِ ابن آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبُهُ ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ ، فَثلُثٌ لطَعَامِهِ ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».

رواه الترمذي وقال : حديث حسن . « أُكُلاتٌ » أَيْ : لُقمٌ .

517- وعن أبي أُمَامَةَ إِيَاسِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيِّ الحارثيِّ رضي اللَّه عنه قال : ذَكَرَ أَصْحابُ رَسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً عِنْدَهُ الدُّنْيَا ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَلا تَسْمَعُونَ ؟ أَلا تَسْمَعُونَ ؟ إِنَّ الْبَذَاذَة مِن الإِيمَان إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ» يعْني: التَّقَحُّلَ . رواه أبو داود .

« الْبَذَاذَةُ » : بِالْبَاءِ المُوَحَّدةِ وَالذَّالَينِ المُعْجمَتَيْنِ ، وَهِيَ رَثاثَةُ الهَيْئَةِ ، وَتَرْكُ فَاخِرِ اللِّبَاسِ وأَمَّا « التَّقَحُّلُّ » فَبِالْقَافِ والحاء ، قال أَهْلُ اللُّغَة : المُتَقَحِّل : هُوَ الرَّجُلُ الْيَابِسُ الجِلدِ مِنْ خُشُونَةَ الْعَيْشِ ، وَتَرْكِ التَّرَفَّهِ .

518- وعن أبي عبدِ اللَّه جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال : بَعَثَنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَمَّرَ  عَلَينَا أَبَا عُبَيْدَةَ رضي اللَّه عنه ، نتَلَقَّي عِيراً لِقُرَيْشٍ ، وَزَّودَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يجِدْ لَنَا غَيْرَهُ ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدةَ يُعْطِينَا تَمْرةً تَمْرَةً ، فَقِيل : كَيْف كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا ؟ قال : نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيهَا مِنَ المَاءِ ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلى اللَّيْلِ ، وكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصيِّنا الخَبَطَ ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالمَاءِ فَنَأْكُلُهُ. قال : وانْطَلَقْنَا على ساَحِلِ البَحْرِ ، فرُفعَ لنَا على ساحِلِ البَحْرِ كهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضخم ، فَأَتيْنَاهُ فَإِذا هِي دَابَّةٌ تُدْعى العَنْبَرَ ، فقال أَبُو عُبَيْدَةَ : مَيْتَةٌ ، ثُمَّ قال : لا ، بلْ نحْنُ رسُلُ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وفي سبيلِ اللَّه ، وقَدِ اضْطُرِرتمْ فَكلُوا ، فَأَقَمْنَا علَيْهِ شَهْراً ، وَنَحْنُ ثَلاثُمائَة ، حتَّى سَمِنَّا ، ولقَدْ رَأَيتُنَا نَغْتَرِفُ من وقْبِ عَيْنِهِ بالْقِلالِ الدُّهْنَ ونَقْطَعُ منْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَو كقَدْرِ الثَّوْرِ.

ولَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبيْدَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فأَقْعَدَهُم في وقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً منْ أَضْلاعِهِ فأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فمرّ منْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلمَّا قدِمنَا المديِنَةَ أَتَيْنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَذكْرَنَا ذلكَ له ، فقال : « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّه لَكُمْ ، فَهَلْ معَكمْ مِنْ لحْمِهِ شَيء فَتطْعِمُونَا ؟ » فَأَرْسلْنَا إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْهُ فَأَكَلَهُ . رواه مسلم .

« الجِرَابُ » : وِعاء مِنْ جِلْدٍ مَعْرُوف ، وَهُو بكَسِر الجيم وفتحِها ، والكسرُ أَفْصحُ . قوله : « نَمَصُّهَا» بفتح الميم « والخَبْطَ » وَرَقُ شَجَرٍ مَعْرُوف تَأْكُلُهُ الإِبلُ . « وَالكَثِيبُ » التَّلُّ مِنَ الرَّمْلِ ، « والوَقْبُ » : بفتحِ الواوِ وإِسكان القافِ وبعدهَا باء موحدةٌ ، وَهُو نقرة العيْن « وَالقِلالُ » الجِرَارُ . « والفِدَرُ » بكسرِ الفاءِ وفتح الدال : القِطعُ . « رَحَلَ البَعِيرَ » بتخفيفِ الحاءِ أيْ جعلَ عليه الرحْلَ. و « الْوَشَائق » بالشينِ المعجمةِ والقافِ: اللَّحْمُ الَّذي اقْتُطِعَ ليقَدَّدَ مِنْه ، واللَّه أعلم .

519- وعن أَسْمَاءَ بنْتِ يَزِيدَ رضي اللَّه عنها قالت : كانَ كُمُّ قمِيصِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلى الرُّصْغِ رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن .

« الرُّصْغُ » بالصادِ والرُّسْغُ بالسينِ أَيضاً : هوَ المُفْصِلُ بينْ الكَفِّ والسَّاعِدِ .

520- وعن جابر رضي اللَّه عنه قال : إِنَّا كُنَّا يَوْم الخَنْدَقِ نَحْفِرُ ، فَعَرضَتْ كُدْيَةٌ شَديدَةٌ فجاءُوا إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالوا : هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضتْ في الخَنْدَقِ . فقال: « أَنَا نَازِلٌ » ثُمَّ قَامَ وبَطْنُهُ معْصوبٌ بِحَجرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا نَذُوقُ ذَوَاقاً ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المِعْول ، فَضرَب فعاد كَثيباً أَهْيَلَ ، أَوْ أَهْيَمَ .

   فقلتَ : يا رسولَ اللَّه ائْذَن لي إِلى البيتِ ، فقلتُ لامْرَأَتي : رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً مافي ذلكَ صبْرٌ فِعِنْدَكَ شَيءٌ ؟ فقالت : عِندِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ ، فَذَبحْتُ العَنَاقَ ، وطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللحمَ في البُرْمَة ، ثُمَّ جِئْتُ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالعجِينُ قَدْ انْكَسَرَ والبُرْمَةُ بيْنَ الأَثَافِيِّ قَد كَادَتَ تَنْضِجُ .

فقلتُ : طُعَيِّمٌ لي فَقُمْ أَنْت يا رسولَ اللَّه وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ ، قال : « كَمْ هُوَ ؟» فَذَكَرتُ له فقال : « كثِير طيب، قُل لَهَا لا تَنْزِع البُرْمَةَ ، ولا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتيَ » فقال : « قُومُوا » فقام المُهَاجِرُون وَالأَنْصَارُ، فَدَخَلْتُ عليها فقلت : وَيْحَكِ جَاءَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالمُهَاجِرُونَ ، وَالأَنْصارُ وَمن مَعَهم ، قالت : هل سأَلَكَ ؟ قلتُ : نعم ، قال : « ادْخُلوا وَلا تَضَاغَطُوا » فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ ، وَيجْعَلُ عليهِ اللحمَ ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إِذا أَخَذَ مِنْهُ ، وَيُقَرِّبُ إِلى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ وَيَغْرفُ حَتَّى شَبِعُوا ، وَبَقِيَ مِنه ، فقال: « كُلِي هذَا وَأَهدي ، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ » متفقٌ عليه .

وفي روايةٍ : قال جابرٌ : لمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيتُ بِالنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَمَصاً ، فَانْكَفَأْتُ إِلى امْرَأَتي فقلت : هل عِنْدَكِ شَيْء ، فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَمَصاً شَدِيداً.

فَأَخْرَجَتْ إِليَّ جِراباً فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ ، داجِنٌ فَذَبحْتُهَا ، وَطَحنتِ الشَّعِير فَفَرَغَتْ إلى فَرَاغِي ، وَقَطَّعْتُهَا في بُرَمتِهَا ، ثُمَّ وَلَّيْتُ إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَتْ : لا تفضحْني برسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ومن معَهُ ، فجئْتُه فَسَارَرْتُهُ فقلتُ يا رسول اللَّه ، ذَبَحْنا بُهَيمَةً لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ ، فَتَعالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ ، فَصَاحَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : « يَا أَهْلَ الخَنْدَق : إِنَّ جابراً قدْ صنَع سُؤْراً فَحَيَّهَلاًّ بكُمْ » فقال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلا تَخْبِزُنَّ عجِينَكُمْ حَتَّى أَجيءَ » . فَجِئْتُ ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتي فقالتْ : بِك وَبِكَ ، فقلتُ : قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ . فَأَخْرَجَتْ عجيناً فَبسَقَ فِيهِ وبارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلى بُرْمَتِنا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قال : « ادْعُ خَابزَةً فلْتَخْبزْ مَعكِ ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُم وَلا تَنْزلُوها » وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّه لأَكَلُوا حَتَّى تَركُوهُ وَانَحرَفُوا ، وإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ ، وَأَنَّ عَجِينَنَا لَيخْبَز كَمَا هُوَ .

قَوْلُه : « عَرَضَت كُدْيَةٌ » : بضم الكاف وإِسكان الدال وبالياءِ المثناة تحت ، وَهِيَ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صُلْبَةٌ مِنَ الأَرْضِ لا يَعْمَلُ فيها الْفَأْسُ . « وَالْكَثِيبُ » أَصْلُهْ تَلُّ الرَّمْلِ ، والمُرَادُ هُنَا: صَارتْ تُراباً ناعِماً ، وَهُوَ مَعْنَى « أَهْيَلَ » . و «الأَثَافي » : الأَحْجَارُ الَّتي يَكُونُ عَلَيْهَا القِدرُ. و « تَضَاغَطُوا » : تَزَاحَمُوا . و « المَجاعَةُ » : الجُوعُ ، وهو بفتحِ الميم . و«الخَمصُ » بفتحِ الخاءِ المعجمة والميم : الجُوعُ . و « انْكَفَأْتُ » : انْقَلَبْتُ وَرَجَعْتُ . و«الْبُهَيمَةُ » بضم الباءِ: تَصغير بَهْمَة، وَهِيَ الْعنَاقُ بفتح العين و «الدَّاجِنُ » : هي الَّتي أَلِفَتِ الْبيْتَ . و«السُّؤْر » : الطَّعَام الَّذِي يُدْعَى النَّاسُ إَلَيْه وَهُوَ بُالْفارِسيَّةِ ، و«حَيَّهَلا» أي:تَعَالوا . وَقَوْلها « بكَ وَبكَ » أَي : خَاصَمَتْهُ وَسَبَّتْهُ ، لأَنَّهَا اعْتَقْدَت أَنَّ الَّذي عندهَا لا يَكفيهم ، فَاسْتَحْيَتْ وخفي علَيْهَا مَا أَكَرَم اللَّه سُبحانَهُ وتعالى بِهِ نَبِيَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ هذِهِ المُعْجِزَةِ الظَّاهِرةِ والآيَةِ الْبَاهِرَةِ . « بَسقَ » أَي : بصَقَ، وَيُقَالُ أَيضاً : بَزقَ ثَلاثُ لُغَاتٍ . و « عَمَد » بفتح الميم : قصَد. و « اقْدَحي » أَي : اغرِفي ، والمِقْدَحةُ : المِغْرفَةُ. و «تَغِطُّ » أَي لِغَلَيَانِهَا صَوْتٌ . واللَّه أعلم .

521- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : قال أَبو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْم : قَد سَمعتُ صَوتَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ضَعِيفاً أَعرِفُ فِيهِ الجُوعَ ، فَهَل عِندَكِ مِن شيءٍ ؟ فقالت : نَعَمْ ، فَأَخْرَجَتْ أَقَرَاصاً مِن شَعيرٍ ، ثُمَّ أَخَذَت خِمَاراً لَهَا فَلَفَّتِ الخُبزَ بِبَعضِه ، ثُمَّ دسَّتْهُ تَحْتَ ثَوبي وَرَدَّتْني بِبَعضِه ، ثُمَّ أَرْسلَتْنِي إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَذَهَبتُ بِهِ، فَوَجَدتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جالِساً في المَسْجِدِ ، ومَعَهُ النَّاسُ ، فَقُمتُ عَلَيهِمْ ، فقالَ لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ ؟ » فقلت : نَعم ، فقال: « أَلِطَعَام » فقلت : نَعَم ، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «قُومُوا » فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيديِهِم حَتَّى جِئتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخبَرتُهُ ، فقال أَبُو طَلْحَةَ : يا أُمِّ سُلَيمٍ : قَد جَاءَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا ما نُطْعِمُهُمْ ؟ فقالتْ : اللَّهُ وَرسُولُهُ أَعْلَمُ .

فَانطَلَقَ أَبُو طَلْحةَ حتَّى لَقِيَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فأَقبَلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَعَه حَتَّى دَخَلا ، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « هَلُمِّي ما عِندَكِ يا أُمِّ سُلَيْمٍ » فَأَتَتْ بِذلكَ الخُبْزِ ، فَأَمَرَ بِهِ رسولُ اللَّه ففُتَّ ، وعَصَرَت عَلَيه أُمُّ سُلَيمٍ عُكَّةً فَآدَمَتْهُ ، ثُمَّ قال فِيهِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ما شَاءَ اللَّه أَنْ يَقُولَ ، ثُمَّ قَالَ : « ائذَن لِعَشَرَةٍ » فَأَذِنَ لَهُم ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ، ثم قال : « ائذَن لِعَشَرَةٍ » فَأَذنَ لهم ، فَأَكَلُوا حتى شَبِعُوا ، ثم خَرَجوا ، ثُمَّ قال : « ائذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لهُم حتى أَكل القَوْمُ كُلُّهُم وَشَبِعُوا ، وَالْقَوْمُ سَبْعونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ . متفق عليه.

وفي روايةٍ : فما زال يَدخُلُ عشَرَةٌ وَيَخْرُجُ عَشَرَةٌ ، حتى لم يَبْقَ مِنهم أَحَدٌ إِلا دَخَلَ ، فَأَكَلَ حتى شَبِعَ ، ثم هَيَّأَهَا فَإِذَا هِي مِثلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنها .

وفي روايةٍ : فَأَكَلُوا عَشَرَةً عَشَرةً ، حتى فَعَلَ ذلكَ بثَمانِينَ رَجُلاً ثم أَكَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بعد ذلكَ وَأَهْلُ البَيت، وَتَركُوا سُؤراً .

وفي روايةٍ : ثمَّ أفضَلُوا ما بَلَغُوا جيرانَهُم .

وفي روايةٍ عن أَنسٍ قال : جِئتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً فَوَجَدتُهُ جَالِساً مع َأَصحابِهِ ، وَقد عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصابَةٍ ، فقلتُ لِبَعضِ أَصحَابِهِ : لِمَ عَصَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بطْنَهُ ؟ فقالوا : مِنَ الجُوعِ .

فَذَهَبْتُ إِلى أبي طَلحَةَ ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُليمٍ بنتِ مِلحَانَ ، فقلتُ : يَا أَبتَاه ، قد رَأَيْت رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَصبَ بطنَهُ بِعِصَابَةٍ ، فَسَأَلتُ بَعضَ أَصحَابِهِ ، فقالوا : مِنَ الجُوعِ . فَدَخل أَبُو طَلحَةَ على أُمِّي فقال : هَل مِن شَيءٍ ؟ قالت : نعم عِندِي كِسَرٌ مِنْ خُبزٍ وَتمرَاتٌ، فإِنْ جَاءَنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَحْدهُ أَشبَعنَاه ، وإِن جَاءَ آخَرُ معه قَلَّ عَنْهمْ ، وذَكَرَ تَمَامَ الحَديث.