كتاب المقدمات: الجزء الخامس

رياض الصــــالحين من كلام سيد المرسلين 

الإمام النووي 

الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقيّ المولود عام 631 هـ والمتوفى عام 676 هـ/ 1233م - 1277 م

 

كتاب المقدمات 

الجزء الخامس

57- باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة 

قال اللَّه تعالى:  { وما من دابة في الأرض إلا على اللَّه رزقها } .

وقال تعالى:  { للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللَّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً } .

وقال تعالى:  { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً } .

وقال تعالى:  { وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } .

وأما الأحاديث فتقدم معظمها في البابين السابقين. ومما لم يتقدم :

522- عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيس الغِنَي عَن كثْرَةِ العَرضِ ، وَلكِنَّ الغنِيَ غِنَي النَّفسِ » متفقٌ عليه .

« العَرَضُ » بفتح العين والراءِ : هُوَ المَالُ .

523- وعن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قَدْ أَفلَحَ مَنْ أَسَلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللَّه بما آتَاهُ » رواه مسلم .

524- وعن حَكيم بن حِزَام رضي اللَّه عنه قال : سَأَلْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَعطَاني ، ثم سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني ، ثم سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني ، ثم قال : « يا حَكيمُ ، إِنَّ هذا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفس بُوركَ لَهُ فِيه ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفْسٍ لَم يُبَارَكْ لهُ فيهِ ، وكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ، واليدُ العُلَيا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى » قال حَكيمٌ فقلتُ : يا رسول اللَّه وَالَّذِي بَعثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحداً بَعدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنيَا ، فَكَانَ أَبُو بكرٍ رضي اللَّه عنه يَدْعُو حَكيماً لِيُعطيَهُ العَطَاءَ ، فَيَأْبَى أن يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً . ثُمَّ إِنَّ عُمر رضي اللَّه عنه دَعَاهُ لِيُعطيهُ ، فَأَبَى أَن يَقْبلَهُ . فقال : يا مَعشَرَ المُسْلمينَ، أُشْهِدُكُم عَلى حَكيمٍ أَنِي أَعْرضُ عَلَيه حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللَّه لَهُ في هذا الْفيءِ ، فيَأْبَى أَن يَأْخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمُ أَحداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حَتَّى تُوُفي . متفقٌ عليه .

« يرْزَأُ » براءٍ ثم زاي ثم همزةٍ ، أي لم يأْخُذْ مِن أَحدٍ شَيْئاً ، وأَصلُ الرُّزْءِ : النُّقصَانُ ، أَي لَم ينْقُصْ أَحَداً شَيئاً بالأَخذِ مِنْهُ . و « إِشْرَافُ النَّفسِ » : تَطَلُّعُها وطَمعُهَا بالشَّيءِ . و « سَخَاوَةُ النَّفْسِ » : هيَ عدمُ الإِشَرَاف إِلى الشَّيءِ ، والطَّمَع فيه ، والمُبالاةِ بِهِ والشَّرهِ .

525- وعن أبي بُردَةَ عن أبي موسى الأشعَريِّ رضي اللّه عنه قال : خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في غَزوَةٍ ، ونحْن سِتَّةُ نَفَرٍ بيْنَنَا بَعِير نَعْتَقِبهُ ، فَنَقِبتْ أَقدامُنا ، وَنَقِبَتْ قَدَمِي ، وَسَقَطَتْ أَظْفاري ، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلى أَرْجُلِنا الخِرَقَ ، فَسُميت غَزوَةَ ذَاتِ الرِّقاعِ لِما كُنَّا نَعْصِبُ عَلى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ ، قالَ أَبو بُردَةَ : فَحَدَّثَ أَبو مُوسَى بِهَذا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِهَ ذلكَ، وقالَ : ما كنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرهُ ، قالَ : كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً مِنْ عَمَلِهِ أَفْشاهُ . متفقٌ عليه .

526- وعن عمرو بن تَغْلِب بفتح التاءِ المثناةِ فوقَ وإِسكان الغين المعجمة وكسر الَّلام رضي اللّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أُتِيَ بمالٍ أَوْ سبي فَقسَّمهُ ، فَأَعْطَى رجالاً ، وتَرَكَ رِجالاً، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتبُوا ، فَحَمِدَ اللَّه ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيهِ ، ثُمَّ قال : « أَمَا بَعدُ ، فَوَاللَّه إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ ، والَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي ، وَلكِنِّي إِنَّمَا أُعْطِي أَقوَاماً لِما أَرى في قُلُوبِهِمْ مِن الجَزعِ والهَلَعِ ، وَأَكِلُ أَقْواماً إِلى ما جعَلَ اللَّه في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِني والخَيْرِ ، مِنْهُمْ عَمْروُ بنُ تَغلِبَ » قال عمرُو بنُ تَغْلِبَ : فَواللَّهِ ما أُحِبُّ أَن لي بِكلِمةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حُمْرَ النَّعَمِ . رواه البخاري .

« الهلَعُ » : هُو أَشَدُّ الجَزَعِ ، وقِيل : الضَّجرُ .

527- وعن حَكيمِ بن حِزامٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « اليدُ العُليا خَيْرُ مِنَ اليَدِ السُّفْلى ، وابْدَأ بمنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كان عنْ ظَهْرِ غِني ، ومَنْ يَسْتعْففْ يُعفُّهُ اللَّه ، ومَنْ يَسْتغْن يُغْنِهِ اللَّه » متفقٌ عليه . وهذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم أَخصر.

528- وعن سفيانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تُلْحِفُوا في المسأَلَةِ، فوَاللَّه لا يَسْأَلُني أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً، فَتُخرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأَنا لَهُ كارِهٌ ، فَيُبَارَكَ لَهُ فيما أَعْطَيْتُهُ» رواه مسلم.

529 وعن أبي عبدِ الرحمنِ عَوف بن مالك الأَشْجَعِيِّ رضي اللَّه عنه قالَ : كُنَّا عِنْدَ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تِسَعْةً أَوْ ثمانيةً أَوْ سَبْعَةً ، فَقَال : أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وكُنَّا حَدِيثي عَهْدٍ بِبيْعَةٍ ، فَقُلْنا : قَدْ بايعْناكَ يا رسُولَ اللَّهِ ، ثم قال : « ألا تبايعون رسول الله ؟ » فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فَعَلاَم نَبَايِعُكَ ؟ قال : « على أَنْ تَعْبُدُوا اللَّه ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، والصَّلَوَاتِ الخَمْس وَتِطيعُوا » وَأَسرَّ كلمَة خَفِيةً : « وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسِ شَيْئاً » فَلَقَدْ رَأَيتُ بَعْضَ أُولِئكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحدِهِمْ فَما يَسْأَلُ أَحَداً يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ رواه مسلم .

530- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لاَ تَزَالُ المَسأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتى يَلْقى اللَّه تعالى ولَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعةُ لَحْمٍ » متفقٌ عليه .

« المُزْعَةُ » بضم الميمِ وإِسكانِ الزاي وبالعينِ المهملة : القِطْعَة .

531- وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال وهو على المِنبرِ ، وَذَكَرَ الصَّدقَةَ والتَّعَفُّفَ عَنِ المسأَلَةِ : « اليَد العلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى » وَاليَد العُليا هِيَ المُنْفِقة ، والسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَة. متفقٌ عليه .

532- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ سَأَلَ النَّاس تَكَثُّراً فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْراً ، فَلْيسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ » رواه مسلم .

533- وعن سمُرَةَ بنِ جُنْدبٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسَلَّم : « إِنَّ المَسأَلَةَ كَدُّ يكُدُّ بها الرَّجُلُ وجْهَهُ ، إِلاَّ أَنْ يَسأَلَ الرَّجُلُ سُلْطاناً أَوْ في أَمْر لابُدَّ مِنْهُ » رواهُ الترمذي وقال : حديث حسن صحيح « الكَدُّ » : الخَدشُ وَنحوُهُ .

534- وعن ابن مسعودٍ رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ أَصابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلها باللَّه ، فَيُوشِكُ اللَّه لَهُ بِرِزقٍ عاجِلٍ أَوْ آجِلِ » رواهُ أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن .

« يُوشكُ » بكسر الشين : أَي يُسرِعُ .

535- وعَنْ ثَوْبانَ رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ تَكَفَّلَ لي أَن لا يسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً ، وَأَتَكَفَّلُ له بالجَنَّة ؟ » فقلتُ : أَنا ، فَكَانَ لاَ يسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً ، رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح .

536- وعن أبي بِشْرٍ قَبِيصَةَ بن المُخَارِقِ رضي اللَّه عنه قال : تَحمَّلْت حمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَسْأَلُهُ فيها ، فقال : « أَقِمْ حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَةُ فَنأْمُرَ لكَ بِها » ثُمَّ قال : «ياَ قَبِيصَةُ إِنَّ المَسأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاثَةٍ : رَجُلٌ تَحَمَّلَ حمالَةً ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصيبَها ، ثُمَّ يُمْسِكُ . ورجُلٌ أَصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مالَهُ ، فَحَلَّتْ لهُ المَسأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عيْشٍ ، أَوْ قال : سِداداً مِنْ عَيْشٍ ، ورَجُلٌ أَصابَتْهُ فاقَة، حَتى يقُولَ ثلاثَةٌ مِنْ ذَوي الحِجَى مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ ، فحلَّتْ لَهُ المسْأَلةُ حتَّى يُصِيبَ قِواماً مِنْ عَيْشٍ ، أَوْ قالَ: سِداداً مِنْ عَيْشٍ . فَمَا سِواهُنَّ مِنَ المَسأَلَةِ يا قَبِيصَةُ سُحْتٌ ، يأَكُلُها صاحِبُها سُحْتاً » رواهُ مسلم.

« الحمالَةُ » بفتح الحاءِ : أَنْ يَقَعَ قِتَالٌ وَنحوُهُ بَين فَرِيقَينِ ، فَيُصلحُ إِنْسَانٌ بيْنهمْ عَلى مالٍ يَتَحَمَّلُهُ ويلْتَزِمُهُ عَلى نفسه . و « الجائِحَةُ » : الآفَةُ تُصِيبُ مالَ الإِنْسانِ . و « القَوامُ» بكسر القاف وفتحها: هوَ ما يقومُ بِهِ أَمْرُ الإِنْسانِ مِنْ مَالٍ ونحوِهِ و « السِّدادُ » بكسر السين : مَا يَســُــدُّ حاجةَ المُعْوِزِ ويَكْفِيهِ ، و « الفَاقَةُ » : الفَقْرُ . و « الحِجَى » : العقلُ.

537- وعن أبي هريرة رضيَ اللَّه عنه أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيْسِ المِسْكِينُ الَّذِي يطُوفُ عَلى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتانِ ، وَالتَّمْرَةُ والتَّمْرتَانِ ، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لا يجِـدُ غِنًى يُغنِيهِ ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ ، فَيُتَصدَّقَ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَقُومُ فَيسْأَلَ النَّاسَ » متفقٌ عليه . 

58- باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه

538- عَنْ سالمِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبيهِ عبدِ اللَّه بنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ رضي اللَّه عنهم قال: كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعْطِيني العطَاءَ ، فَأَقُولُ : أَعطهِ مَن هو أَفقَرُ إِلَيهِ مِنِّي، فقال : « خُذهُ ، إِذَا جاءَكَ مِن هذا المَالِ شَيءٌ ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ولا سَائِلٍ ، فَخُذْهُ فتَموَّلْهُ فَإِن شِئتَ كُلْهُ ، وإِن شِئْتَ تَصْدَقْ بِهِ ، وَمَا لا، فَلا تُتبِعْهُ نَفْسَكَ » قال سالمٌ : فَكَانَ عَبدُ اللَّه لا يسأَلُ أَحداً شَيْئاً ، وَلا يَرُدُّ شَيئاً أُعْطِيه . متفقٌ عليه .

« مشرفٌ » بالشين المعجمة : أَيْ : متَطَلِّعٌ إِلَيْه .

59- باب الحثَّ على الأكل من عمل يده والتعفف به من السؤال والتعرُّض للإعطاء 

قال اللَّه تعالى:  { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللَّه }  الآية.

539- وعنْ أبي عبدِ اللَّه الزُّبَيْرِ بنِ العوَّامِ رضي اللَّه عنه قالَ : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُم أَحبُلَهُ ثُمَّ يَأْتِيَ الجَبَلَ ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةٍ مِن حَطَبٍ عَلى ظَهِرِهِ فَيَبيعَهَا ، فَيَكُفَّ اللَّه بها وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يَسأَلَ النَّاسَ ، أَعطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ » رواه البخاري .

540- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لأَنْ يحتَطِبَ أَحَدُكُم حُزمَةً على ظَهرِه ، خَيْرٌ من أَنْ يَسأَل أَحَداً ، فَيُعُطيَه أَو يمنَعَهُ » متفقٌ عليه .

541- وعنه عنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « كان دَاوُدُ عليهِ السَّلامُ لا يَأْكُل إِلاَّ مِن عَملِ يَدِهِ » رواه البخاري .

542- وعنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « كَانَ زَكَرِيَّا عليه السَّلامُ نجَّاراً » رواه مسلم .

543- وعن المِقدَامِ بن مَعْدِ يكَربَ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً خَيْراً مِن أَنَ يَأْكُلَ مِن عمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبيَّ اللَّه دَاوُدَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كان يَأْكلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ » رواه البخاري .

60- باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى 

قال اللَّه تعالى:  { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } .

وقال تعالى:  { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللَّه، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } .

وقال تعالى:  { وما تنفقوا من خير فإن اللَّه به عليم } .

544- وعَنِ ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا حَسَدَ إِلاَّ في اثنتينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً ، فَسَلَّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاه اللَّه حِكْمَةً ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُها » متفقٌ عليه .

معناه : يَنَبِغِي أَن لا يُغبَطَ أَحَدٌ إِلاَّ على إحدَى هَاتَينِ الخَصْلَتَيْنِ .

545- وعنه قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِليه مِن مَالهِ ؟ » قالُوا : يا رَسولَ اللَّه. ما مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِليه . قال : « فَإِنَ مَالَه ما قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثهِ ما أَخَّرَ» رواه البخاري .

546- وعَن عَدِيِّ بنِ حاتم رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمَرةٍ » متفقٌ عليه .

547- وعن جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِل رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيئاً قَطُّ فقالَ : لا. متفقٌ عليه .

548- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلانِ ، فَيَقُولُ أَحَدَهُمَا : اللَّهُمَّ أَعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسكاً تَلَفاً » متفقٌ عليه .

549- وعنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قـال : « قال اللَّه تعالى : أنفِق يا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ » متفقٌ عليه .

550- وعن ْ عبد اللَّهِ بن عَمْرو بن العَاصِ رضي اللَّه عنهُما أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : أَيُّ الإِسلامِ خَيْرٌ ؟ قال : « تُطْعِمْ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لم تَعْرِفْ» متفقٌ عليه .

551- وعنه قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَرْبَعونَ خَصلَةً أَعلاهَا مَنِيحَةُ العَنْز ما مِن  عَاملٍ يعْملُ بخَصلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّه تعالى بِهَا الجَنَّةَ » رواه البخاري . وقد سبقَ بيان هذا الحديث في باب بَيَان كَثرَةِ طُرق الخَيْرِ .

552- عن أبي أُمَامَةَ صُدَيِّ بنِ عَجْلانَ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِن تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيرٌ لَكََ ، وإِن تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ ، وَلا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابْدأْ بِمَنْ تَعُولُ ، واليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى » رواه مسلم .

553- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِلَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى الإِسْلامِ شَيئاً إِلا أَعْطاه ، وَلَقَدَ جَاءَه رَجُلٌ فَأَعطَاه غَنَماً بَينَ جَبَلَينِ ، فَرَجَعَ إِلى قَومِهِ فَقَالَ : يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمداً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخْشَى الفَقْرَ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا ، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيه منَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا . رواه مسلم .

554- وعن عُمَرَ رضيَ اللَّه عنه قال : قَسَمَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَسْماً ، فَقُلتُ : يا رسولَ اللَّه لَغَيْرُ هَؤُلاَءِ كَانُوا أَحَقَّ بهِ مِنْهُم ؟ قال : « إِنَّهُمْ خَيَّرُوني أَن يَسأَلُوني بالْفُحشِ فَأُعْطيَهم أَوْ يُبَخِّلُوني ، وَلَستُ بِبَاخِلٍ » رواه مسلم .

555- وعن جُبَيْرِ بنِ مُطعِم رضيَ اللَّه عنه أَنه قال : بَيْنَمَا هُوَ يسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَقْفَلَهُ مِن حُنَيْنٍ ، فَعَلِقَهُ الأَعْرَابُ يسَأَلُونَهُ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : أَعْطُوني رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ لي عَـدَدُ هذِهِ العِضَاهِ نَعَماً ، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثم لا تَجِدُوني بَخِيلاً وَلا كَذَّاباً وَلا جَبَاناً » رواه البخاري .

« مَقْفَلَهُ » أَيْ حَال رُجُوعِهِ . وَ « السَّمُرَةُ » : شَجَرَةٌ . وَ « العِضَاهُ » : شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.

556- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ » رواه مسلم .

557- وعن أبي كَبشَةَ عُمرو بِنَ سَعدٍ الأَنمَاريِّ رضي اللَّه عنه أَنه سمَع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: « ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيهِنَّ وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزّاً، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ باب مَسأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ باب فَقْرٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا . وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ . قال إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَر:

عَبدٍ رَزَقَه اللَّه مَالاً وَعِلْماً ، فَهُو يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا فَهذَا بأَفضَل المَنازل .

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّه عِلْماً ، وَلَمْ يَرْزُقهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ : لَو أَنَّ لي مَالاً لَعمِلْتُ بِعَمَل فُلانٍ ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ .

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً ، وَلَمْ يرْزُقْهُ عِلْماً ، فهُوَ يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَير عِلمٍ ، لا يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ وَلا يَصِلُ رَحِمَهُ ، وَلا يَعلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا ، فَهَذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ .

وَعَبْدٍ لَمْ يرْزُقْهُ اللَّه مَالاً وَلا عِلْماً ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

558- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أَنَّهُمْ ذَبحُوا شَاةً ، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا بَقِيَ مِنها؟» قالت: ما بقي مِنها إِلاَّ كَتِفُهَا ، قال : « بَقِي كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا» رواه الترمذي وقال حديث صحيح .

ومعناه : تَصَدَّقُوا بها إلاَّ كَتِفَهَا فقال : بَقِيَتْ لَنا في الآخِرةِ إِلاَّ كَتفَهَا .

559- وعن أَسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصديق رضي اللَّه عنهما قالت : قال لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تُوكِي فَيوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » .

وفي روايةٍ « أَنفِقِي أَو أَنْفَحِي أَو أَنْضِحِي ، وَلا تُحْصي فَيُحْصِيَ اللَّه عَلَيكِ، وَلا تُوعِي فيوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » متفقٌ عليه .

وَ « انْفَحِي » بالحاءِ المهملة : هو بمعنى « أَنفِقِي » وكذلك : « أَنْضِحِي » .

560- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنه سَمِع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « مَثَلُ البَخِيلِ والمُنْفِقِ ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِن حَديد مِنْ ثْدِيِّهِما إِلى تَرَاقِيهمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ ، فَلا يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ ، أَوْ وَفَرَتْ على جِلدِهِ حتى تُخْفِيَ بَنَانَهُ ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا البَخِيلُ ، فَلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيئاً إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُو يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ » متفقٌ عليه .

وَ « الجُبَّةُ » الدِّرعُ ، وَمَعنَاهُ : أَن المُنْفِقَ كُلَّمَا أَنْفَقَ سَبَغَتْ ، وَطَالَتْ حتى تجُرَّ وَرَاءَهُ ، وَتُخْفِيَ رِجلَيهِ وأَثَرَ مَشيهِ وخُطُواتِهِ .

561- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّه يقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصَاحِبَها ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبلِ » . متفقٌ عليه .

« الفَلُوُّ » بفتحِ الفاءِ وضم اللام وتشديد الواو ، ويقال أَيضاً : بكسر الفاءِ وإِسكان اللام وتخفيف الواو : وهو المُهْرُ .

562- وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : بيْنَما رَجُلٌ يَمشِي بِفَلاةٍ مِن الأَرض ، فَسَمِعَ صَوتاً في سَحَابَةٍ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ ، فإِذا شرجة من تِلْكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوعَبَتْ ذلِكَ الماءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الماءَ ، فإِذا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بمِسحَاتِهِ ، فقال له : يا عَبْدَ اللَّهِ ما اسْمُكَ قال : فُلانٌ، للاسْمِ الَّذِي سَمِعَ في السَّحَابَةِ ، فقال له : يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَال : إني سَمِعْتُ صَوتاً في السَّحَابِ الذي هذَا مَاؤُهُ يقُولُ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لإسمِكَ ، فما تَصْنَعُ فِيها ؟ فقال : أَما إِذْ قُلْتَ هَذَا ، فَإني أَنْظُرُ إِلى ما يَخْرُجُ مِنها ، فَأَتَّصَدَّقُ بثُلُثِه ، وآكُلُ أَنا وعِيالي ثُلُثاً ، وأَردُّ فِيها ثُلثَهُ . رواه مسلم .

« الحَرَّةُ » الأَرضُ المُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَودَاءَ : « والشَّرجَةُ » بفتح الشين المعجمة وإِسكان الراءِ وبالجيم : هِيَ مسِيلُ الماءِ .

61- باب النهي عن البخل والشُّحِّ 

قال اللَّه تعالى:{ وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى}.

وقال تعالى:  { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .

وأما الأحاديث فتقدمت جملة منها في الباب السابق.

563- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلمَاتٌ يوْمَ القِيامَة ، واتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ منْ كانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُم على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهم واستحَلُّوا مَحَارِمَهُم» رواه مسلم .

62- باب الإيثار المواساة 

قال اللَّه تعالى:{ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }

وقال تعالى:  { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً }  إلى آخر الآيات.

564- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : إني مَجْهُودٌ ، فأَرسَلََ إِلى بَعضِ نِسائِهِ ، فَقَالت : والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما عِندِي إِلاَّ مَاءٌ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى أُخْرَى . فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حتَّى قُلْنَ كُلُّهنَّ مِثل ذَلِكَ : لا وَالذِي بعثَكَ بِالحَقِّ ما عِندِي إِلاَّ مَاءٌ . فقال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « من يُضِيفُ هَذا اللَّيْلَةَ ؟ » فقال رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلى رحْلِهِ ، فَقَال لامْرَأَتِهِ : أَكرِمِي : ضَيْفَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.

وفي رواية قال لامرَأَتِهِ : هل عِنْدَكِ شَيءٌ ؟ فَقَالَتْ : لا ، إِلاَّ قُوتَ صِبيانِي قال : عَلِّليهمْ بِشَيءٍ وإِذا أَرَادُوا العَشَاءَ ، فَنَوِّميهِم ، وإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا ، فَأَطفِئي السِّرَاجَ ، وأَريِهِ أَنَّا نَأْكُلُ ، فَقَعَدُوا وأَكَلَ الضَّيفُ وبَاتا طَاوِيَيْنِ ، فَلَمَّا أَصْبح ، غَدَا على النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : فقال: « لَقَد عَجِبَ اللَّه مِن صَنِيعِكُمَا بِضَيفِكُمَا اللَّيْلَةَ » متفقٌ عليه .

565- وعنه قالَ : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « طَعَامُ الاثْنَينِ كافي الثَّلاثَةِ ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كافي الأَربَعَةِ » متفقٌ عليه.

وفي رواية لمسلمٍ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « طَعَامُ الوَاحِد يَكفي الاثْنَيْنِ ، وطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفي الأربَعَةَ وطَعَامُ الأرْبعةِ يَكفي الثَّمَانِيَةَ » .

566- وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي اللَّهُ عنه قال : بينَمَا نَحْنُ في سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذ جَاءَ رَجُلٌ على رَاحِلَةٍ لَهُ ، فَجَعَلَ يَصْرفُ بَصَرَهُ يَمِيناً وَشِمَالاً ، فَقَال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَليَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ ، فَليَعُدْ بِهِ على مَن لا زَادَ لَهُ » فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ » رواه مسلم .

567- وعن سَهلِ بنِ سعدٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ امرَأَةً جَاءَت إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِبُردةٍ مَنسُوجَةٍ، فقالت : نَسَجتُها بِيَديَّ لأكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُحتَاجاً إِلَيهَا ، فَخَرَجَ إِلَينا وَإِنَّهَا لإزَارُهُ ، فقال فُلانٌ اكسُنِيهَا مَا أَحسَنَها ، فَقَالَ: « نَعَمْ » فَجلَس النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في المجلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَواهَا ، ثُمَّ أَرسَلَ بِهَا إِلَيْهِ : فَقَالَ لَهُ القَوْمُ : ما أَحسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُحْتَاجاً إِلَيها ، ثُمَّ سَأَلتَهُ ، وَعَلِمت أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً ، فَقَالَ : إني وَاللَّهِ ما سَأَلْتُهُ لألْبَسَها ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتكُونَ كَفَنِي . قال سَهْلٌ : فَكانت كَفَنَهُ . رواه البخاري .

568- وعن أبي موسى رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ الأشعَرِيين إِذَا أَرملُوا في الْغَزْوِ ، أَو قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِم بالمَدِينَةِ ، جَمَعُوا ما كَانَ عِندَهُم في ثَوبٍ وَاحدٍ، ثُمَّ اقتَسَمُوهُ بَيْنَهُم في إِنَاءٍ وَاحِدٍ بالسَّويَّةِ فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنهُم » متفقٌ عليه .

« أَرمَلُوا » : فَرَغَ زَادُهُم ، أَو قَارَبَ الفَرَاغَ .

63- باب التنافس في أمور الآخرة والاستكثار مما يُتَبَرَّكُ فيه 

قال اللَّه تعالى:  { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } .

569- وعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أُتِيَ بِشَرَابٍ ، فَشَرِبَ مِنهُ وَعَن يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَن يسارِهِ الأَشْيَاخُ ، فقال لِلْغُلام : « أَ تَأْذَنُ لي أَن أُعْطِيَ هُؤلاءِ؟ فَقَالَ الغُلامُ : لا وَاللَّهِ يا رسُولَ اللَّه لا أُوثِرُ بِنَصيبي مِنكَ أَحَداً ، فَتَلَّهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في يَدِهِ . متفقٌ عليه .

« تَلَّهُ » بالتاءِ المثناةِ فوق ، أَيْ : وَضَعَهُ ، وَهَذَا الغُلامُ هُوَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما.

570- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عَنِ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « بيْنَا أَيُّوبُ عليه السلام يَغتَسِلُ عُريَاناً ، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِن ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحِثي في ثَوبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجلَّ: يَا أَيُّوبُ ، أَلَم أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عمَّا تَرَى ؟، قال : بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلكِن لا غِنَى بي عَن بَرَكَتِكَ » رواه البخاري .

64- باب فضل الغني الشاكر وهو من آخذ المال من وجه وصرفه في وجوهه المأمور بها 

قال اللَّه تعالى:  { فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى } .

وقال تعالى:  { وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى } .

وقال تعالى:  { إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم، والله بما تعملون خبير } .

وقال تعالى:{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن اللَّه به عليم } . والآيات في فضل الإنفاق في الطاعات كثيرة معلومة.

571- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه قال : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا حَسَدَ إِلاَّ في اثَنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ على هَلكَتِهِ في الحَقِّ . ورَجُلٌ آتَاه اللَّهُ حِكْمَةً فُهو يَقضِي بِها وَيُعَلِّمُهَا » متفقٌ عليه وتقدم شرحه قريباً .

572- وعن ابْنِ عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا حَسَد إِلاَّ في اثنَتَين : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه القُرآنَ ، فهو يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيل وآنَاءَ النَّهارِ . وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً . فهوَ يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهارِ » متفقٌ عليه . « الآنَاءُ » السَّاعَاتُ .

573- وعَن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فقالوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجاتِ العُلَى . والنَّعِيمِ المُقِيمِ . فَقَال : « ومَا ذَاكَ ؟ » فَقَالُوا : يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي ، ويَصُومُونَ كمَا نَصُومُ . وَيَتَصَدَّقُونَ ولا نَتَصَدَّقُ ، ويَعتِقُونَ ولا نَعتقُ فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيئاً تُدرِكُونَ بِهِ مَنْ سبَقَكُمْ ، وتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُم إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثلَ ما صَنَعْتُم ؟ » قالوا : بَلَى يا رسولَ اللَّه ، قَالَ : « تُسبحُونَ ، وتحمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ ، دُبُر كُلِّ صَلاة ثَلاثاً وثَلاثِينَ مَرَّةً » فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالُوا : سمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَموَالِ بِمَا فَعلْنَا ، فَفَعَلوا مِثْلَهُ ؟ فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ذلك فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يشَاءُ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ روايةِ مسلم .

« الدُّثُورُ » : الأَموالُ الكَثِيرَةُ ، واللَّه أعلم .

65- باب ذكر الموت وقصر الأمل 

قال اللَّه تعالى:  { كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } .

وقال تعالى:  { وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت } .

وقال تعالى:  { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون } .

وقال تعالى:  { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللَّه، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر اللَّه نفساً إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعملون } .

وقال تعالى:  { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت. كلا إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون. فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح وجوههم النار، وهم فيها كالِحُون. ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون! }  إلى قوله تعالى  { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين. قال: إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون؟! } .

وقال تعالى:  { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللَّه وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون } . والآيات في الباب كثيرة معلومة.

574- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : أَخَذَ رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمنكِبِي فَقَالَ : «كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عابرُ سَبِيلٍ » وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما يقول : إِذا أَمسَيتَ، فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ ، فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وخذ مِن صِحَّتِكَ لَمَرَضِك وَمِن حَيَاتِكَ لمَوتِكَ » رواه البخاري .

575- وعنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما حَقُّ امْرِيءٍ مُسلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ . يبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ » متفقٌ عليه . هذا لفظ البخاري .

وفي روايةٍ لمسلمٍ : « يَبِيتُ ثَلاثَ لَيَالٍ » قال ابن عمر : مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنذُ سَمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال ذلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي .

576- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : خَطَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خُطُوطاً فقال : « هَذا الإِنسَانُ وَهَذا أَجَلُهُ . فَبَيْنَما هو كَذَلِكَ إِذ جَاءَ الخَطُّ الأَقْرَبُ » رواه البخاري .

577- وعن ابن مسعُودٍ رضيَ اللَّه عنه قال : خَطَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَطًّا مُرَبَّعاً ، وخَطَّ خَطًّا في الْوَسَطِ خَارِجاً منْهُ ، وَخَطَّ خُططاً صِغَاراً إِلى هَذَا الَّذِي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الوَسَطِ ، فَقَالَ : « هَذَا الإِنسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطاً بِهِ أو قَد أَحَاطَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الُخطَطُ الصِّغَارُ الأَعْراضُ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا ، نَهَشَهُ هَذا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا » رواه البخاري. وَهَذِهِ صُورَتَهُ : الأجل -الأعراض -الأمل

578- وعن أبي هريرة رضيَ اللَّه عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَل تَنْتَظِرُونَ إلاَّ فَقْراً مُنْسِياً ، أَو غِنَى مُطغِياً ، أَوْ مَرَضاً مُفسِداً ، أو هَرَماً مُفَنِّداً، أَو مَوتاً مُجْهزِاً ، أَو الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوِ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وأَمَرُّ ؟، » رواهُ الترمذي وقال :  حديثٌ حسنٌ .

579- وعنه قالَ : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ » يَعني المَوْتَ، رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

580- وعن أبي بن كعب رضي اللَّهُ عنه : كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذا ذَهَبَ ثُلثُ اللَّيْلِ، قامَ فقالَ: « يا أَيها النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّه جَاءَتِ الرَاجِفَةُ تَتْبَعُهُا الرَّادِفَةُ، جاءَ المَوْتُ بما فِيهِ ، جاءَ المَوْتُ بما فِيهِ » قلتُ : يا رَسُولَ اللَّهِ إني أكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أَجْعَلُ لكَ مِن صَلاتي ؟ قال: « ما شِئْتَ » قُلْتُ الرُّبُعَ ؟ قال : « ما شئْتَ ، فَإِنْ زِدتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ » قُلُتُ : فَالنِّصْفَ ؟ قالَ « ما شِئْتَ ، فإِنْ زِدْتَ فهو خَيرٌ لكَ » قُلْتُ : فَالثلثَينِ ؟ قالَ : « ما شِئْتَ ، فإِنْ زِدْتَ فهو خَيرٌ لكَ » قُلْتُ: أَجْعَلُ لكَ صَلاتي كُلَّها ؟ قال : إذاً تُكْفي هَمَّكَ، ويُغُفَرُ لكَ ذَنْبُكَ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

66- باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر

581- عن بُرَيْدَةَ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَة القُبُورِ فَزُوروها » رواهُ مسلم .

وفي رواية « فمن أراد أن يزور القبور فليزر فإنها تذكرنا بالآخرة » .

582- وعن عائشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت : كان رسُولُ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، كُلَّما كان لَيْلَتها منْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلى البَقِيعِ ، فَيَقُولُ : « السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤمِنينَ ، وأَتَاكُمْ ما تُوعَدُونَ ، غَداً مُؤَجَّلُونَ ، وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ » رواهُ مسلم.

583- وعن بُرَيْدَةَ رضي اللَّهُ عنهُ ، قال : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعَلِّمُهُمْ إِذا خَرَجُوا إِلى المَقابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُم: « السَّلامُ عَلَيكُمْ أَهْل الدِّيارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ ، أَسْأَلُ اللَّه لَنَا وَلَكُمُ العافِيَةَ » رواه مسلم .

584- وعن ابن عَبَّاسٍ ، رَضَيَ اللَّه عنهما ، قال : مَرَّ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِقُبورٍ بالمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بوَجْهِهِ فقالَ : « السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَهْلَ القُبُورِ ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ ، أَنْتُم سَلَفُنا ونحْنُ بالأَثَرِ » رواهُ الترمذي وقال :  حديثٌ حسن  .

67- باب كراهية تمني الموت بسبب ضرر نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين

585- عنْ أبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ إِمَا مُحسِناً ، فَلَعَلَّهُ يَزْدادُ ، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ » متفقٌ عليه، وهذا لفظ البخاري .

وفي روايةٍ لمسلم عن أبي هُريْرةَ رضي اللَّهُ عنه عَنْ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، إِنَّهُ إِذا ماتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإِنَّهُ لا يَزيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيراً » .

586- وعن أنسٍ رضي اللَّه عنه قال : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كانْ لابُدَّ فاعِلاَ ، فَلْيَقُل : اللَّهُمَّ أَحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لي ، وتَوَفَّني إِذا كانَتِ الوفاةُ خَيراً لي » متفقٌ عليه .

587- وعَنْ قَيسِ بنِ أبي حازمٍ قال : دَخَلْنَا عَلى خَباب بنِ الأَرَتِّ رضيَ اللَّهُ عنهُ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوى سَبْعَ كَيَّاتٍ فقال : إِنَّ أَصْحابنا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا ، ولَم تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا ، وإِنَّا أَصَبْنَا ما لا نجِدُ لَهُ مَوْضِعاً إِلاَّ الترابَ ولَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وهُوَ يَبْني حائطاً لَهُ ، فقال: إِنَّ المُسْلِمَ لَيُؤْجَرُ في كُلِّ شَيءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ في شَيءٍ يَجْعَلُهُ في هذا الترابِ . متفقٌ عليه ، وهذا لفظ رواية البخاري

68- باب الورع وترك الشبهات 

قال اللَّه تعالى:  { وتحسبونه هيناً وهو عند اللَّه عظيم } .

وقال تعالى:  { إن ربك لبالمرصاد } .

588- وعن النُّعمان بنِ بَشيرٍ رضيَ اللَّه عنهما قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: «إِنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وإِنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهما مُشْتَبِهاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهاتِ ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ في الشبُهاتِ ، وقَعَ في الحَرامِ ، كالرَّاعي يرْعى حَوْلَ الحِمى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَع فِيهِ ، أَلاَ وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمهُ ، أَلاَ وإِنَّ في الجسَدِ مُضغَةً إذا صلَحَت صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذا فَسَدَتْ فَسدَ الجَسَدُ كُلُّهُ : أَلاَ وَهِي القَلْبُ » متفقٌ عليه . ورَوَياه مِنْ طُرُقٍ بأَلْفاظٍ مُتَقارِبَةٍ .

589- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَجَدَ تَمْرَةً في الطَّرِيقِ ، فقالَ: « لَوْلاَ أَنِّي أَخافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُها » . متفقٌ عليه .

590- وعن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « البرُّ حُسنُ الخُلُقِ وَالإِثمُ ما حاكَ في نفْسِكَ ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ » رواه مسلم .

« حاكَ » بالحاءِ المهملة والكاف ، أَيْ تَرَدَّدَ فيهِ .

591- وعن وابصةَ بنِ مَعْبِدٍ رضيَ اللَّه عنه قال : أَتَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال: « جِئْتَ تسأَلُ عنِ البِرِّ ؟ » قلت : نعم ، فقال : « اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، البِرُّ : ما اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، واطْمَأَنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ ، والإِثمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ ، وإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوكَ » حديثٌ حسن ، رواهُ أحمدُ ، والدَّارَمِيُّ في « مُسْنَدَيْهِما » .

592- وعن أبي سِرْوَعَةَ بكسر السين المهملة وفتحها عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ رضي اللَّهُ عنهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأبي إِهاب بنِ عَزِيزٍ ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت : إِنِّي قَد أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالتي قَدْ تَزَوَّجَ بها ، فقال لَها عُقبةُ : ما أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرضَعْتِني وَلاَ أَخْبَرتِني ، فَرَكَبَ إِلى رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالمَدِينَةِ ، فَسَأَلَهُ ، فقال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كَيْفَ، وَقَدْ قِيلَ ؟، » ففَارقَهَا عُقْبَةُ ونكَحَتْ زَوْجاً غيرَهُ . رواهُ البخاري .

« إِهَابٌ » بكسرِ الهمزة ، وَ « عزِيزٌ » بفتح العين وبزاي مكرّرة .

593- وعن الحَسَنِ بن عَليٍّ رضّيَ اللَّهُ عنهما ، قال : حَفِظْتُ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «دَعْ ما يَرِيبُكَ إِلى مَا لا يرِيبُك » رواهُ الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

ومعناهُ : اتْرُكْ ما تَشُكُّ فِيهِ ، وخُذْ ما لا تَشُكَّ فِيهِ .

594- وعن عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها ، قالت : كانَ لأبي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ ، رضيَ اللَّهُ عنهُ غُلامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَراجَ وكانَ أَبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوماً بِشَيءٍ ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ : تَدْرِي مَا هَذا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ومَا هُوَ ؟ قَالَ : كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ في الجاهِلِيَّةِ ومَا أُحْسِن الكَهَانَةَ إِلاَّ أَنِّي خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيني ، فَأَعْطَاني بِذلكَ هَذَا الذي أَكَلْتَ مِنْهُ ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَه فَقَاءَ كُلَّ شَيءٍ في بَطْنِهِ ، رواه البخاري .

«الخَراجُ » : شَيءَ يَجْعَلُهُ السَّيِّدُ عَلى عَبْدِهِ يُؤدِّيهِ إلى السيِّد كُلّ يَومٍ ، وَبَاقي كَسبِهِ يَكُونُ للعَبْدِ .

595- وعن نافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَانَ فَرَضَ للْمُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَربَعَةَ آلافٍ، وفَرَضَ لابْنِهِ ثلاثةَ آلافٍ وخَمْسَمائةٍ ، فَقِيلَ لَهُ : هُوَ مِنَ المُهاجِرِينَ فَلِم نَقَصْتَهُ؟ فقال : إِنَّما هَاجَر بِهِ أَبُوه يَقُولُ : لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ. رواهُ البخاري .

596- وعن عطِيَّةَ بنِ عُرْوةَ السَّعْدِيِّ الصَّحَابِيِّ رضيَ اللَّه عنهُ قالَ . قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « لايبلغ العبدُ أَنْ يكون من المتقين حتى يَدَعَ مالا بَأْس بِهِ حَذراً مما بِهِ بَأْسٌ )).

رواهُ الترمذي وقال :  حديثٌ حسن  .

69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها 

قال اللَّه تعالى: { ففروا إلى اللَّه إن لكم منه نذير مبين } .

597- وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي اللَّه عنه ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُول: « إِنَّ اللَّه يحِبُّ العَبدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ » رواه مسلم .

والمُرَاد بــ « الغَنِيِّ » : غَنِيُّ النَّفْسِ . كما سَبَقَ في الحديث الصحيح .

598- وعن أبي سعيد الخُدريِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رَجُلُ أَيُّ النَّاسِ أفضَلُ يارسولَ اللَّه ؟ قال: « مُؤْمِنٌ مجَاهِدٌ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ في سبيل اللَّه » قال : ثم من ؟ قال : «ثم رَجُلٌ مُعتَزِلٌ في شِعْبٍ مِن الشِّعَاب يَعبُدُ رَبَّهِ » .

وفي روايةٍ « يتَّقِي اللَّه . ويَدَع النَّاسِ مِن شَرّْهِ » متفقٌ عليه .

599- وعنه قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُوشِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَال المُسْلِم غَنَمٌ يَتَّتبَّعُ بهَا شَعَفَ الجِبَال. وموَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدينِهِ من الفِتنِ » رواه البخاري .  

و « شَعَفَ الجِبَالِ » : أَعْلاَهَا .

600- وعنْ أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنْه . عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ » فَقَال أَصْحابُه : وَأَنْتَ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، كُنْت أَرْعَاهَا عَلى قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » رواه البخاري .

601- وعنه عَنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنه قال : « مِنْ خَير مَعَاشِ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرسِهِ في سَبِيلِ اللَّه ، يَطيرُ عَلى مَتنِهِ ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً ، طارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتلَ ، أَو المَوْتَ مظَانَّه ، أَوْ رَجُلٌ في غُنَيمَةٍ في رَأْسِ شَعَفَةٍ مِن هَذِهِ الشَّعَفِ ، أَوْ بَطنِ وادٍ مِن هَذِهِ الأَوديَةِ ، يُقِيم الصَّلاةَ ويُؤتي الزَّكاةَ ، ويَعْبُد رَبَّهُ حتَّى يَأْتِيَهُ اليَقِينُ ليَسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ في خَيْرٍ » رواه مسلم .

« يَطِيرُ » أَي يُسرع . « ومَتْنُهُ » : ظَهْرُهُ . « وَالهَيْعَةُ » : الصوتُ للحربِ . «وَالفَزَعَةُ»: نحوهُ . وَ « مَظَانُّ الشَّيءِ» : المواضع التي يُظَنُّ وجودُه فيها . « والغُنَيمَةُ » بضم الغين تصغير الغنم . « الشَّعْفَةُ » بفتح الشِّين والعين : هي أَعْلى الجبَل .

70- باب فضل الاختلاط بالناس 

وحضور جمعهم وجماعاتهم ومشاهد الخير ومجالس الذكر معهم وعيادة مريضهم وحضور جنائزهم ومواساة محتاجهم وإرشاد جاهلهم وغير ذلك من مصالحهم لمن قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقمع نفسه عن الإيذاء وصبر على الأذى.

اعْلم أَن الاخْتِلاط بالنَّاسِ على الوَجْهِ الذي ذَكَرْتُهُ هو المختار الذي كان عليه رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وسائِرُ الأَنبياءِ صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهم ، وكذلك الخُلفاءُ الرَّاشدونَ ، وَمَنْ بعدهُم من الصَّحَابةِ والتَّابعينَ ، ومَنْ بَعدَهُم من عُلَمَاءِ المسلمينَ وأَخْيارِهم ، وهو مَذْهَبُ أَكْثَرِ التَّابعينَ ومَنْ بعدَهُم ، وَبِهِ قَالَ الشَّافعيُّ وأَحْمَدُ ، وأَكْثَرُ الفُقَهَاءِ رضي اللَّه عنهم أَجمعين . قال تعالى:  {وتَعاونُوا عَلى البِرِ والتَّقْوَِى } [ المائدة : 2 ] والآيات في معنى ما ذكرته كثيرة معلومة.

71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين 

قال اللَّه تعالى:  { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } .

وقال تعالى:  { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اللَّه بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } .

وقال تعالى:  { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا؛ إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم } .

وقال تعالى:  { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } .

وقال تعالى:{ ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم اللَّه برحمة؟! ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.

602- وعن عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ » رواه مسلم .

603- وعَنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما نَقَصَتْ صَدقَةٌ من مالٍ، وما زاد اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلاَّ عِزّاً ، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ » رواه مسلم.

604- وعن أَنس رضي اللَّه عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم وقال : كان النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَفْعَلُهُ. متفقٌ عليه .

605- وعنه قال : إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِن إِمَاءِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ . رواه البخاري .

606- وعن الأسوَد بنِ يَزيدَ قال : سُئلَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللَّه عنها : ما كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَصنعُ في بَيْتِهِ ؟ قالت : كان يَكُون في مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَعني : خِدمَةِ أَهلِه فإِذا حَضَرَتِ الصَّلاة ، خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ ، رواه البخاري .

607- وعن أبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيدٍ رضي اللَّه عنه قال : انْتَهَيْتُ إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهو يَخْطُبُ . فقلتُ : يا رسولَ اللَّه ، رجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ لا يَدري مَا دِينُهُ ؟ فَأَقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وتَركَ خُطْبتهُ حتى انتَهَى إِليَّ، فَأُتى بِكُرسِيٍّ ، فَقَعَدَ عَلَيهِ، وجَعَلَ يُعَلِّمُني مِمَّا عَلَّمَه اللَّه ، ثم أَتَى خُطْبَتَهُ ، فأَتمَّ آخِرَهَا . رواه مسلم .

608- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كان إِذَا أَكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصابِعه الثلاثَ قال : وقال: « إِذَا سَقطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ ، فَلْيُمِطْ عَنْها الأَذى ، ولْيأْكُلْها ، وَلا يَدَعْها للشَّيْطَانِ » وَأَمَر أَنْ تُسْلَتَ القَصْعَةُ قالَ : «فَإِنَّكُمْ لا تدْرُونَ في أَيِّ طَعامِكُمُ البَركَةُ» رواه مسلم .

609- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما بعثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلاَّ رعى الغنَمَ » قالَ أَصحابه : وَأَنْتَ ؟ فقال : « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا على قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » رواهُ البخاري .

610- وعنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : لَوْ دُعِيتُ إِلى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لقبلتُ . وَلَوْ أُهْدى إِليَّ ذِراعٌ أَو كُراعٌ لَقَبِلْتُ » رواهُ البخاري .

611- وعن أَنسٍ رضي اللَّهُ عنه قال : كَانَتْ نَاقَةُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم العَضْبَاءُ لاَ تُسبَقُ، أو لا تكَادُ تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أَعْرابيٌّ عَلى قَعُودٍ لهُ ، فَسبقَها ، فَشَقَّ ذلك عَلى المُسْلمِينَ حَتَّى عَرفَهُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: «حَقٌّ عَلى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيء مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ» رواهُ البخاري.

72- باب تحريم الكِبْر والإِعجاب 

قال اللَّه تعالى:  { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين } .

وقال تعالى:  { ولا تمش في الأرض مرحاً } .

وقال تعالى:  { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً، إن اللَّه لا يحب كل مختال فخور } .

ومعنى  { تصعر خدك للناس } : أي تميله وتعرض به عن الناس تكبراً عليهم.

و { المرح } : التبختر.

وقال تعالى:  { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، إذ قال له قومه لا تفرح إن اللَّه لا يحب الفرحين }  إلى قوله تعالى:  { فخسفنا به وبداره الأرض }  الآيات.

612- وعن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ رضيَ اللَّهُ عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ » فقال رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حسناً ، ونعلهُ حسنا قال : « إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم .

بَطَرُ الحقِّ : دفْعُهُ وردُّهُ على قائِلِهِ . وغَمْطُ النَّاسِ : احْتِقَارُهُمْ .

613- وعنْ سلمةَ بنِ الأَكْوع رضي اللَّه عنه أَن رجُلاً أَكَل عِنْدَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بشِمالِهِ فقال : « كُلْ بِيَمِينِكَ » قالَ : لاَ أَسْتَطِيعُ ، قال : « لا اسْتَطَعْتَ » مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكبْرُ . قال: فما رَفَعها إِلى فِيهِ . رواه مسلم .

614- وعن حَارثَةَ بنِ وهْبٍ رضي اللَّه عنه قال : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ : كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ » متفقٌ عليه . وتقدَّم شرحُه في باب ضَعفَةِ المسلمينَ .   

615- وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللَّهُ عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فقالت النَّارُ : فيَّ الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ ، وقالَتِ الجنَّةُ : فيَّ ضُعَفاءُ النَّاسِ ومَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى اللَّه بيْنَهُمَا : إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتي ، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وإِنَّكِ النَّارُ عذَابي ، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها » رواهُ مسلم .

616- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يَنْظُرُ اللَّه يَوْم القِيامةِ إِلى مَنْ جَرَّ إِزارَه بَطَراً » متفقٌ عليه .

617- وعنه قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ثَلاثةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ القِيامَةِ ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زانٍ ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ ، وعائلٌ مُسْتَكْبِرٌ» رواهُ مسلم « العائِلُ » : الفَقِير.

618- وعنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « قال اللَّه عزَّ وجلَّ : العِزُّ إِزاري ، والكِبْرياءُ رِدَائِي ، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقدْ عذَّبتُه » رواه مسلم .

619- وعنْه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « بيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُه نفْسُه ، مرَجِّلٌ رأسَه، يَخْتَالُ في مَشْيَتِهِ ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فهو يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إلى يوْمِ القِيامةِ » متفقٌ عليه .

« مُرجِّلٌ رَأْسَهُ » أَي : مُمَشِّطُهُ . « يَتَجلْجَلُ » بالجيمين : أَيْ : يغُوصُ وينْزِلُ .

620- وعن سَلَمَة بنِ الأَكْوع رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللِّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا يزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ في الجَبَّارينَ ، فَيُصِيبُهُ ما أَصابَهمْ » رواهُ الترمذي وقال : حديث حسن .

« يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ » أَي : يَرْتَفعُ وَيَتَكَبَّرُ .

73- باب حسن الخلق 

قال اللَّه تعالى:  { وإنك لعلى خلق عظيم } .

وقال تعالى:  { والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس }  الآية.

621- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه قال :كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحْسنَ النَّاسِ خُلقاً .متفقٌ عليه.

622- وعنه قال : مَا مَسِسْتُ دِيباجاً ولاَ حَرِيراً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلاَ شَمَمْتُ رائحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِن رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عشْرَ سِنينَ ، فَما قالَ لي قَطُّ : أُفٍّ ، وَلا قالَ لِشَيْءٍ فَعلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَهُ؟  ولا لشيءٍ لَمْ افعَلْهُ: أَلاَ فَعَلْتَ كَذا ؟ متفقٌ عليه .

623- وعن الصَّعبِ بنِ جَثَّامَةَ رضيَ اللَّهُ عنه قال : أَهْدَيْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِمَاراً وَحْشِياً ، فَرَدُّهُ عليَّ ، فلمّا رأَى مَا في وَجْهي قالَ : « إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ لأَنَّا حُرُمٌ » متفقٌ عليه .

624- وعن النَّوَّاسِ بنِ سمعانَ رضي اللَّه عنه قال : سأَلتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عنِ البِرِّ والإِثمِ فقالَ : « البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ ، والإِثمُ : ما حاكَ في نَفْسِكَ ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلعَ عَلَيْهِ النَّاسُ » رواهُ مسلم .

625- وعن عبد اللَّهِ بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال : لم يكن رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَاحِشاً ولا مُتَفَحِّشاً . وكانَ يَقُولُ : « إِنَّ مِن خِيارِكُم أَحْسَنَكُم أَخْلاقاً » متفقٌ عليه.

626- وعن أبي الدرداءِ رضي اللَّه عنه : أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « ما من شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة من حُسْنِ الخُلُقِ . وإِنَّ اللَّه يُبغِضُ الفَاحِشَ البَذِيِّ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

« البِذيُّ » : هو الذي يَتَكَلَّم بالفُحْشِ . ورِديء الكلامِ .

627- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنه قال : سُئِلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخلُ النَّاس الجَنَّةَ ؟ قال: « تَقْوى اللَّهِ وَحُسنُ الخُلُق وَسُئِلَ عن أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: « الفَمُ وَالفَرْجُ » .

رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

628- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً ، وخيارُكُم خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ » .

رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

629- وعن عائشةَ رضيَ اللَّه عنها ، قالت سمعت رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « إِنَّ الُمؤْمِنَ لَيُدْركُ بِحُسنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القَائمِ » رواه أبو داود .

630- وعن أبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ . وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً ، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ ، وإِن كَانَ مازِحاً، وَببيتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ » حديث صحيح ، رواه أبو داود بإِسناد صحيح .

« الزَّعِيمُ » : الضَّامِنُ .

631- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِن مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلساً يَومَ القِيَامَةِ ، أَحَاسِنَكُم أَخلاقاً . وإِنَّ أَبَغَضَكُم إِليَّ وَأَبْعَدكُم مِنِّي يومَ الْقِيامةِ ، الثَّرْثَارُونَ والمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ » قالوا: يا رسول اللَّه قَدْ عَلِمْنَا الثَرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ ، فَمَا المُتَفيْهِقُونَ ؟ قال : « المُتَكَبِّروُنَ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

« الثَّرثَارُ » : هُوَ كَثِيرُ الكَلامِ تَكلُّفاً . « وَالمُتَشَدِّقُ » : المُتَطاوِلُ عَلى النَّاسِ بِكَلامِهِ ، وَيتَكَلَّمُ بِملءِ فيه تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لكلامِهِ ، « وَالمُتَفَيْهِقُ » : أَصلُهُ مِنَ الفَهْقِ ، وهُو الامْتِلاءُ ، وَهُوَ الذي يَمْلأ فَمَهُ بِالكَلامِ ، وَيَتَوَسَّعُ فيه ، وَيُغْرِب بِهِ تَكَبُّراً وَارتِفَاعاً ، وإِظْهَاراً للفَضِيلَةِ عَلى غيَرِهِ .

 وروى الترمذي عن عبد اللَّه بن المباركِ رحِمه اللَّه في تَفْسير حُسْنِ الخُلُقِ قال : هُوَ طَلاقَهُ الوجه. وبذلُ المَعرُوف ، وكَفُّ الأَذَى.

74- باب الحلم والأناة والرفق 

قال اللَّه تعالى:  { والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } .

وقال تعالى:  { خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين } .

وقال تعالى:  { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} .

وقال تعالى:  { ولمن صبر وغفر، إن ذلك من عزم الأمور } .

632- وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لأَشَجِّ عبْدِ الْقَيْس: « إِنَّ فيك خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الحِلْمُ وَالأَنَاة » رَواهُ مُسلم .

633- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأَمْرِ كُلِّه » متفقٌ عليه .

634- وعنها أَن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، وَيُعْطِي على الرِّفق مالا يُعطي عَلى العُنفِ وَما لا يُعْطِي عَلى ما سِوَاهُ » رواه مسلم .

635- وعنها أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الرِّفقُ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ » رواه مسلم .

636- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : بَال أَعْرَابيٌّ في المسجِد ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْه لِيَقَعُوا فِيهِ ، فقال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : دَعُوهُ وَأَرِيقُوا عَلى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِن مَاءٍ ، فَإِنَّما بُعِثتُم مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ » رواه البخاري .

« السَّجْلُ » بفتح السين المهملة وإسكان الجيم : وَهِيَ الدُّلوُ المُمْتَلِئَةُ ماء ، كَذلِكَ الذَّنُوبُ.

637- وعن أَنس رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يسِّرُوا وَلا تُعَسِّروا . وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا » متفقٌ عليه .

638- وعن جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ » رواه مسلم .

639- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً قال للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : أَوْصِني قال : « لا تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قال : « لا تَغْضَبْ » رواه البخاري .

640- وعن أبي يعلَى شدَّاد بن أَوسٍ رضي اللَّه عنه ، عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ اللَّه كَتَبَ الإِحسَان على كُلِّ شَيءٍ ، فإِذا قَتلتُم فَأَحسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبحْتُم فَأَحْسِنُوا الذِّبْحة وليُحِدَّ أَحَدُكُم شَفْرتَه وَليُرِحْ ذَبيحَتَهُ » رواه مسلم .

641- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : مَا خُيِّر رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَينَ أَمْرينِ قَطُّ إِلاَّ أَخذَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَم يَكُن إِثماً ، فإنْ كانَ إِثماً كَانَ أَبعد النَّاسِ مِنْهُ . ومَا انتَقَمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لِنَفْسِهِ في شَيءٍ قَطُّ ، إِلاَّ أَن تُنتَهكَ حُرْمَةُ اللَّهِ ، فَينتَقِم للَّهِ تعالى . متفقٌ عليه.

642- وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَلا أَخْبرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ تَحْرُمُ على كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ ليِّنٍ سَهْلٍ».

رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ . 

75- باب العفو والإِعراض عن الجاهلين 

قال اللَّه تعالى:  { خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين } .

وقال تعالى:  { فاصفح الصفح الجميل } .

وقال تعالى:  { وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر اللَّه لكم؟ } .

وقال تعالى:  { والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين } .

وقال تعالى:  { ولمن صبر وغفر، إن ذلك من عزم الأمور }  والآيات في الباب كثيرة معلومة.

643- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أَنها قالت للنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : هل أَتى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشدَّ مِنْ يوم أُحُدٍ ؟ قال : « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَومِكِ ، وكَان أَشدُّ ما لَقِيتُ مِنْهُمْ يوْم العقَبَةِ ، إِذْ عرَضتُْ نَفسِي على ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ ابنِ عبْدِ كُلال ، فلَمْ يُجبنِى إِلى ما أَردْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ على وَجْهِي ، فلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنا بقرنِ الثَّعالِبِ، فَرفَعْتُ رأْسِي ، فَإِذا أَنَا بِسحابَةٍ قَد أَظلَّتني ، فنَظَرتُ فَإِذا فِيها جِبريلُ عليه السلام ، فنَاداني فقال : إِنَّ اللَّه تعالى قَد سَمِع قَولَ قومِك لَكَ، وَما رَدُّوا عَلَيكَ ، وَقد بعثَ إِلَيك ملَكَ الجبالِ لِتأْمُرهُ بما شِئْتَ فِيهم فَنَادَانِي ملَكُ الجِبَالِ ، فَسلَّمَ عَليَّ ثُمَّ قال : يا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّه قَد سمعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ ، وأَنَا مَلَكُ الجِبالِ ، وقَدْ بَعَثَني رَبِّي إِلَيْكَ لِتأْمُرَني بِأَمْرِكَ ، فَمَا شئتَ : إِنْ شئْتَ : أَطْبَقْتُ عَلَيهمُ الأَخْشَبَيْن » فقال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّه مِنْ أَصْلابِهِم منْ يعْبُدُ اللَّه وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً » متفقٌ عليه .

« الأَخْشبان » : الجبلان المُحِيطَان بمكَّة .. والأَخْشَبُ : هو الجبل الغليظ .

644- وعنها قالت : ما ضرَبَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، ولا امْرأَةً ولا خادِماً، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيل اللَّهِ ، وما نِيل منْهُ شيء قَطُّ فَيَنتَقِم مِنْ صاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنتَهَكَ شَيء مِن مَحَارِمِ اللَّهِ تعالى : فَيَنْتَقِمَ للَّهِ تعالى . رواه مسلم .

645- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : كُنتُ أَمْشِي مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وعليه بُردٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ، فأَدركَهُ أَعْرَابيٌّ ، فَجبذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَة شَديدَةً ، فَنظرتُ إلى صفحة عاتِقِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وقَد أَثَّرَت بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبذَتِهِ ، ثُمَّ قال : يَا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مالِ اللَّهِ الذي عِندَكَ . فالتَفَتَ إِلَيْه ، فضحِكَ ، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ . متفقٌ عليه .

646- وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال : كأَنِّي أَنظُرُ إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يحْكِي نَبِيّاً مِن الأَنبياءِ ، صلوَاتُ اللَّهِ وَسلامُه عَلَيهم ، ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدموهُ ، وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجهِهِ ، ويقول : « اللَّهُمَّ اغفِرِ لِقَومي فَإِنَّهُم لا يَعْلَمُونَ » متفقٌ عليه .

647- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيس الشَّديدُ بِالصُّرعَةِ ، إِنَّما الشديدُ الذي يَملِكُ نفسهُ عِند الغضبِ » متفقٌ عليه .

76- باب احتمال الأذى 

قال اللَّه تعالى:  { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } .

وقال تعالى:  { ولمن صبر وغفر، إن ذلك من عزم الأمور } .

وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله.

648- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رجلاً قال : يا رسول اللَّه إِنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهم وَيَقطَعوني ، وَأُحسِنُ إِليهِم ويُسِيئُونَ إليَّ ، وأَحلُمُ عَنهم ويجهلُونَ عَلَيَّ ، فقال : « لَئِن كُنتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفَّهم الملَّ ولا يزَالُ معكَ من اللَّه تعالى ظَهيرٌ عَلَيهم ما دُمْتَ عَلى ذلك » رواه مسلم . وقد سَبَقَ شَرْحُه في « باب صلة الأرحام » .

77- باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع والانتصار لدين الله تعالى 

قال اللَّه تعالى:  { ومن يعظم حرمات اللَّه فهو خير له عند ربه } .

وقال تعالى:  { إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم } .

649- وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدريِّ رضي اللَّه عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقال : إنِّي لأتَأَخَّر عَن صَلاةِ الصُّبْحِ مِن أجْلِ فلانٍ مِما يُطِيل بِنَا ، فمَا رأيت النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  غَضِبَ في موعِظَةٍ قَطُّ أَشدَّ ممَّا غَضِبَ يَومئذٍ ، فقال : يَا أَيهَا النَّاس : إنَّ مِنكم مُنَفِّرين . فأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَليُوجِز ، فإنَّ مِنْ ورائِهِ الكَبيرَ والصَّغيرَ وذا الحَاجَةِ » متفق عليه.

650- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : قدِمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ سفَرٍ ، وقَد سَتَرْتُ سَهْوةً لي بقِرامٍ فَيهِ تَمَاثيلُ ، فَلمَّا رآهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  هتكَهُ وتَلَوَّنَ وجهُهُ وقال : « يَا عائِشَةُ : أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِند اللَّهِ يوم القيامةِ الَّذينَ يُضاهُونَ بِخَلقِ اللَّهِ » متفق عليه .

« السَّهْوَةُ » : كالصُّفَّة تكُونُ بين يدي البيت ... و « القِرام » بكسر القاف : ستر رقيق، و « هتكه»: أفسد الصورة التي فيه .

651- وعنها أَنَّ قريشاً أَهَمَّهُم شَأْنُ المرأةِ المَخزُومِية التي سَرقَت فقالوا : من يُكلِّمُ فيها رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ فقالوا : مَن يجتَرِيءُ عليهِ إلا أُسامةُ بنُ زيدٍ حِبُّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  ؟ فَكَلًَّمهُ أُسامةُ، فقالِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَتَشفعُ في حدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ تعالى؟،» ثم قامَ فَاخْتَطَبَ ثم قال : « إنما أهْلَكَ من قبلكُم أنَّهُم كانُوا إذَا سرقَ فِيهِم الشَّريفُ تَركُوهُ ، وإذا سرق فِيهمِ الضَّعِيفُ أَقامُوا عليهِ الحدَّ، وايْمُ اللَّه ، لو أنَّ فاطمَة بنت محمدٍ سرقَتْ لقَطَعْتُ يَدهَا» متفقٌ عليه .

652- وعن أنس رضي اللَّه عنه أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَأَى نُخامَةً في القِبلةِ . فشقَّ ذلكَ عَلَيهِ حتَّى رُؤِي في وجهِهِ ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بيَدِهِ فقال : « إن أحَدكم إذا قَام في صَلاتِه فَإنَّهُ يُنَاجِي ربَّه ، وإنَّ ربَّهُ بَينَهُ وبَينَ القِبْلَةِ ، فلا يَبْزُقَنَّ أَحدُكُم قِبلَ القِبْلَةِ ، ولكِن عَنْ يَسَارِهِ أوْ تحْتَ قدَمِهِ » ثُمَّ أخَذَ طرفَ رِدائِهِ فَبصقَ فِيهِ ، ثُمَّ ردَّ بَعْضَهُ على بعْضٍ فقال : « أَو يَفْعَلُ هكذا» متفقٌ عليه .

والأمرُ بالبُصاقِ عنْ يسَارِهِ أو تحتَ قَدمِهِ هُوَ فيما إذا كانَ في غَيْرِ المَسجِدِ ، فَأَمَّا في المسجِدِ فَلا يَبصُقْ إلاَّ في ثوبِهِ .

78- باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم 

قال اللَّه تعالى:  { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } .

وقال تعالى:  { إن اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون } .

653- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيتِهِ : الإمامُ راعٍ ومَسْؤُولٌ عَنْ رعِيَّتِهِ ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ وَمسؤولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرأَةُ راعيةٌ في بيتِ زَوجها وَمسؤولةًّ عَنْ رعِيَّتِها ، والخَادِمُ رَاعٍ في مال سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيتِهِ ، وكُلُّكُم راع ومسؤُولٌ عَنْ رعِيَّتِهِ » متفقٌ عليه .

654- وعن أبي يَعْلى مَعْقِل بن يَسَارٍ رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « ما مِن عبدٍ يسترعِيهِ اللَّه رعيَّةً ، يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ ، إلاَّ حَرَّمَ اللَّه علَيهِ الجَنَّةَ » متفقٌ عليه .

وفي روايةٍ : « فَلَم يَحُطهَا بِنُصْحهِ لم يجِد رَائحَةَ الجَنَّة » .

وفي روايةٍ لمسـلم : « ما مِن أَمِيرٍ يَلِي أُمورَ المُسلِمينَ ، ثُمَّ لا يَجهَدُ لَهُم ، ويَنْصحُ لهُم، إلاَّ لَم يَدخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ » .

655- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول في بيتي هذا : « اللهم من وَلي من أمر أُمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به » رواه مسلم .

656- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ ، كُلَّما هَلَكَ نبي خَلَفَهُ نبي ، وَإنَّهُ لا نبي بَعدي ، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ » قالوا : يَا رسول اللَّه فَما تَأْمُرُنَا ؟ قال : « أَوفُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ ، ثُمَّ أَعطُوهُم حَقَّهُم، وَاسأَلوا اللَّه الذي لَكُم ، فَإنَّ اللَّه سائِلُهم عمَّا استَرعاهُم » متفق عليه .

657- وعن عائِذ بن عمروٍ رضي اللَّه عنه أَنَّهُ دَخَلَ على عُبيدِ اللَّهِ ابن زِيادٍ ، فقال له : أَيْ بُنَيَّ ، إني سَمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « إنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الحُطَمةُ » فإيَّاكَ أن تَكُونَ مِنْهُم، متفقٌ عليه .

658- وعن أبي مريمَ الأَزدِيِّ رضي اللَّه عنه ، أَنه قَالَ لمعَاوِيةَ رضي اللَّه عنه : سَمِعتُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  يقول : « من ولاَّهُ اللَّه شَيئاً مِن أُمورِ المُسلِمينَ فَاحَتجَبَ دُونَ حَاجتهِمِ وخَلَّتِهم وفَقرِهم ، احتَجَب اللَّه دُونَ حَاجَتِه وخَلَّتِهِ وفَقرِهِ يومَ القِيامةِ » فَجعَل مُعَاوِيةُ رجُلا على حَوَائجِ الناسِ . رواه أبو داودَ ، والترمذي .

79- باب الوالي العادل 

قال اللَّه تعالى:  { إن اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى }  الآية.

وقال تعالى:  { وأقسطوا إن اللَّه يحب المقسطين } .

659- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّه في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ : إمَامٌ عادِلٌ ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى ، ورَجُلٌ مُعَلَّقٌ قَلبُهُ في المَسَاجِدِ ، ورجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه ، اجتَمعَا عليهِ ، وتَفرَّقَا علَيهِ ، ورجُلٌ دعَتهُ امرَأَةٌ  ذَاتُ مَنصِب وجمَالٍ ، فقَال : إنِّى أَخَافُ اللَّه ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصدقةٍ ، فَأَخْفَاها حَتَّى لا تَعلَمَ شِمالُهُ ما تُنفِقُ يميِنُهُ، ورَجُلٌ ذَكَر اللَّه خَالِياً فَفَاضَتْ عينَاهُ » متفقٌ عليه .

660- وعن عبد اللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّهُ عنهما قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « إنَّ المُقسِطينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلى مَنابِرَ مِنْ نورٍ : الَّذِينَ يعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهليهِمْ وما وُلُّوا » رواهُ مسلم .

661- وعَن عوفِ بن مالكٍ رضي اللَّه عنه قال : سمِعْتُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «خِيَارُ أَئمَتكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم ، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعُنونَهُمْ ويلعنونكم » قال : قُلْنا يا رسُول اللَّهِ ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ ؟ قالَ : « لا، ما أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ ، لا ، ما أَقَامُوا فيكُمُ الصَلاة » مسلم.

قوله : « تُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ » : تَدْعونَ لهُمْ .

662- وعَنْ عِيَاضِ بن حِمار رضي اللَّهُ عَنْهْ قالَ : سمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ : ذُو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ ، ورَجُلٌ رَحِيمٌ رَقيقٌ القَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ » رواهُ مسلم .

80- باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية

قال اللَّه تعالى:  { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم}.

663- وعن ابن عمر رضي اللَّهُ عنهما عَن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  قال : « عَلى المَرْءِ المُسْلِم السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أَحَبَّ وكِرَهَ ، إِلاَّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإذا أُمِر بِمعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلا طاعَةَ » متفقٌ عليه .

664- وعنه قال : كُنَّا إذا بايَعْنَا رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  عَلى السَّمْعِ والطَّاعةِ يقُولُ لَنَا : «فيما اسْتَطَعْتُمْ » متفقٌ عليه .

665- وعنهُ قال : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  يقول : « مَنْ خلَعَ يَداً منْ طَاعَةٍ لَقِى اللَّه يوْم القيامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ ماتَ وَلَيْس في عُنُقِهِ بيْعَةٌ مَاتَ مِيتةً جَاهِلًيَّةً » رواه مسلم .

وفي روايةٍ له : « ومَنْ ماتَ وَهُوَ مُفَارِقٌ للْجَماعةِ ، فَإنَّهُ يمُوت مِيتَةً جَاهِليَّةً » . « المِيتَةُ » بكسر الميم .

666- وعَن أنَسٍ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اسْمَعُوا وأطيعوا ، وإنِ اسْتُعْمِل علَيْكُمْ عبْدٌ حبشىٌّ ، كَأَنَّ رَأْسهُ زَبِيبَةٌ » رواه البخاري .

667- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « عليْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعةُ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ وَمنْشَطِكَ ومَكْرهِكَ وأَثَرَةٍ عَلَيْك » رواهُ مسلم .

668- وعن عبدِ اللَّهِ بن عَمرو رضي اللَّه عنهما قال : كُنَّا مَع رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  في سَفَرٍ ، فَنَزَلْنا منْزِلاً ، فَمِنَّا منْ يُصلحُ خِباءَهُ ، ومِنَّا منْ ينْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ، إذْ نادَى مُنَادي رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : الصَّلاة جامِعةٌ . فاجْتَمعْنَا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  فقال : « إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نبي قَبْلي إلاَّ كَانَ حَقا علَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلى خَيرِ ما يعْلَمُهُ لهُمْ ، ويُنذِرَهُم شَرَّ ما يعلَمُهُ لهُم ، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافيتُها في أَوَّلِها ، وسَيُصِيبُ آخِرَهَا بلاءٌ وأُمُورٌ تُنكِرُونَهَا، وتجيءُ فِتَنٌ يُرقِّقُ بَعضُها بَعْضاً ، وتجيء الفِتْنَةُ فَيقُولُ المؤمِنُ : هذِهِ مُهْلِكَتي ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وتجيءُ الفِتنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ : هذِهِ هذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ، ويُدْخَلَ الجنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ منيته وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ، ولَيَأْتِ إلى الناسِ الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤتَى إلَيْهِ .

ومَنْ بَايع إماماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يدِهِ ، وثمَرةَ قَلْبهِ . فَليُطعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ ، فَإنْ جَاءَ آخَرُ ينازعُهُ، فاضْربُوا عُنُقَ الآخَرِ »  رواهُ مسلم.

قَوْله : « ينْتَضِلُ » أي : يُسابِقُ بالرَّمْي بالنَّبْل والنُّشَّاب . « والجَشَرُ » بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراءِ : وهي الدَّوابُّ التي تَرْعَى وتَبيتُ مَكانَها . وقوله: « يُرقَّقُ بعْضُهَا بَعضاً » أي : يُصيِّرُ بعضَها بعضاً رقِيقاً ، أي : خَفِيفاً لِعِظَمِ مابعْدَهُ ، فالثَّاني يُرقَّقُ الأَوَّلَ . وقيلَ : معناهُ: يُشَوِّقُ بَعْضُهَا إلى بعْضٍ بتحْسينها وتسْويلها وقيلَ : يُشْبهُ بعضُها بَعْضاً .

669- وعن أبي هُنَيْدةَ وائِلِ بن حُجْرٍ رضي اللَّه عنه قالَ : شأَلَ سَلَمةُ بنُ يزيدَ الجُعْفيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقالَ : يا نبي اللَّهِ ، أرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ علَيْنَا أُمراءُ يَسأَلُونَا حقَّهُمْ ، ويمْنَعُونَا حقَّنا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأَعْرضَ عنه ، ثُمَّ سألَهُ ، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « اسْمَعُوا وأطِيعُوا ، فَإنَّما علَيْهِمْ ماحُمِّلُوا وعلَيْكُم ما حُمِّلْتُمْ » رواهُ مسلم .

670- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إنَّهَا ستَكُونُ بعْدِي أَثَرَةٌ ، وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، » قالوا : يا رسُولَ اللَّهِ ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْركَ مِنَّا ذلكَ ؟ قَالَ: « تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ ، وتَسْأَلُونَ اللَّه الذي لَكُمْ » متفقٌ عليه .

671- وعن أبي هريرة رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه ، وَمَنْ عَصَاني فَقَدْ عَصَى اللَّه ، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني ، ومَنْ يعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي » متفقٌ عليه .

672- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « من كَرِه مِنْ أَمِيرِهِ شيْئاً فَليَصبِر ، فإنَّهُ مَن خَرج مِنَ السُّلطَانِ شِبراً مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيةً » متفقٌ عليه .

673- وعن أبي بكر رضي اللَّه عنه قال : سمعت رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « مَن أهَانَ السُّلطَانَ أَهَانَهُ اللَّه » رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح ، وقد سبق بعضها في أبواب .

81- باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين عليه أو تَدْعُ حاجة إليه 

قال اللَّه تعالى:{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً،والعاقبة للمتقين}.

674- وعن أبي سعيد عبد الرحمنِ بن سَمُرةَ رضي اللَّه عنه ، قال : قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « يَا عَبدَ الرَّحمن بن سمُرَةَ : لا تَسأَل الإمارَةَ ، فَإنَّكَ إن أُعْطِيتَها عَن غَيْرِ مسأَلَةٍ أُعنتَ علَيها ، وإن أُعطِيتَها عَن مسأَلةٍ وُكِلتَ إلَيْها ، وإذَا حَلَفْتَ عَلى يَمِين ، فَرَأَيت غَيرها خَيراً مِنهَا ، فَأْتِ الذي هُو خيرٌ ، وكفِّر عَن يَمينِكَ » متفقٌ عليه .

675- وعن أبي ذرٍ رضي اللَّه عنه قال : قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يا أبا ذَر أَرَاك ضعِيفاً، وإني أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفسي، لا تَأَمَّرنَّ على اثْنيْن ولا تولِّيَنَّ مال يتِيمِ» رواه مسلم.

676- وعنه قال : قلت : يا رسول اللَّه ألا تَستعمِلُني ؟ فضَرب بِيدِهِ على منْكبِي ثُمَّ قال: « يا أبا ذَرٍّ إنَّكَ ضَعِيف ، وإنَّهَا أَمانة ، وإنَّها يوم القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ ، إلاَّ من أخَذها بِحقِّها ، وأدى الذي عليهِ فِيها » رواه مسلم .

677- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  قال : « إنَّكم ستحرِصون على الإمارةِ ، وستَكُونُ نَدَامَة يوْم القِيامَةِ » رواهُ البخاري .

82- باب حَثّ السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم

قال اللَّه تعالى:  { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } .

678- عن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا بَعَثَ اللَّهُ مِن نبي ، ولا استَخْلَف مِنْ خَليفَةٍ إلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانتَانِ : بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتحُضُّهُ عليه ، وبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وتحُضُّهُ عليهِ والمَعصُومُ من عَصَمَ اللَّهُ » رواه البخاري .

679- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  : « إذا أرَادَ اللَّه بالأمِيرِ خيراً ، جَعَلَ له وزيرَ صِدقٍ ، إن نَسي ذكَّرهُ ، وَإن ذَكَرَ أعَانَهُ ، وَإذا أَرَاد بهِ غَيرَ ذلك جعَلَ له وَزِيرَ سُوءٍ ، إن نَسي لم يُذَكِّره ، وَإن ذَكَرَ لم يُعِنْهُ». رواه أبو داود بإسناد جيدٍ على شرط مسلم .

83- باب النهي عن تولية الإِمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أو حرص عليها فعرّض بها

680- عن أبي موسى الأَشعريِّ رضي اللَّه عنه قال : دخَلتُ على النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنَا وَرَجُلانِ مِنْ بني عَمِّي، فقال أحَدُهُمَا : يا رسولَ اللَّه أمِّرنَا عَلى بعضِ مَا ولاَّكَ اللَّه ، عزَّ وجلَّ ، وقال الآخرُ مِثْلَ ذلكَ ، فقال : « إنَّا واللَّه لا نُوَلِّي هذَا العَمَلَ أحداً سَأَلَه ، أو أحَداً حَرَص عليه » .