قصص جغرافية أغرب من الخيال

 

مقتطفات من:

كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب

ابن الوردي

موضوع الكتاب : الجغرافيا

جاء في الكتاب حديث طويل عن بحر الظلمات أي ما يسمى اليوم المحيط الأطلسي ويرد في كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب لإبن الوردي وهو كتاب في الجغرافيا مشهور ويُنسب  ا إلى ابن الوردي الشاعر المتوفى سنة ( 749 ه). وقصة الكتاب تسنحق أن تُروى.

 

قصة الكتاب

كتاب مشهور. كانت للمستشرقين. عناية به في النصف الأول من القرن ( 19 ). وفي نسبته إلى ابن الوردي شكوك. ألفه جامعه تلبية لأمر نائب السلطنة الشريفة بالقلعة المنصورة، وجعله شرحاً للخريطة التي رسمها له، بحيث يصعب الفصل بين الكتاب والخريطة. التي لا تزال مكتبة باريس محتفظة بأصلها. وأتبع ذلك بذكر ما تضمنته الخريطة من أسماء البلدان، وعجائبها وآثارها مرتبة حسب الأقاليم المرسومة، ثم البحار والجزر والآبار والأنهار والعيون، ثم الجبال والأحجار والنباتات والحيوانات. وختمه بأبواب شتى، منها: رسالة في أجوبة النبي (ص) على 1404 مسائل لليهود.وفصول في علامات الساعة، وأحوال القيامة. طبع الكتاب لأول مرة في مدينة لوند في أسوج سنة 1824 م مع ترجمةلاتينية بعناية هيلاندر، وطبع مابين ( 1835 و 1839 ) بعناية تورنبورغ في مجلدين. وطبع في القاهرة طبعات كثيرة، أولها: سنة 1292 ه ونشر (سيغفريد فرويند) الفصل الخاص بأحوال يوم القيامة في (برسلاو) سنة 1853 م. كانت للكتاب شهرة في نواحي اليمن كما يفهم من مراجعة تاريخ الكتاب. وقد ذكره العيدروس في (النور السافر) ونهج على منواله الضمدي كما سيأتي. ومعظم المتأخرين ينسبون الكتاب إلى ابن الوردي الشاعر المتوفى سنة ( 749 ه). وذهب البعض إلى أن مؤلف الكتاب رجل آخر، يدعى أيضاً ابن / أبي شنب(ت 1930 م) في دائرة المعارف الإسلامية ( 1 الوردي، ووفاته سنة ( 861 ) وتعقبه الزركلي في الأعلام بأن هذا هو الوروري: عمر بن عيسى، وليس الوردي. قال:(وبهذا يظل الإشكال في نسبة خريدة العجائب إلى ابن الوردي). وأفاد أنه رأى في الفاتيكان ( 1098 عربي) مخطوطة يمانية حديثة، كتبها يوسف بن المطهر الجرموزي سنة 1124 ه وعليها اسم المؤلف: عمر بن منصور بن محمد بن عمر الوردي السبكي). وعلى شاكلته ألف الضمدي، صاحب (العقيق اليماني) كتابه: (جواهر المغاص في معرفة الخواص) واستدرك فيه أشياء على ابن الوردي، منها أنه لم يذكر من بلدان التهائم سوى زبيد وعدن، قال: (وهو كثير عليه لبعد أرضه وعدم معرفته باليمن وأهله، فاستوفينا الكلام على اليمن...إلخ) انظر التعريف بكتاب الضمدي في مجلة العرب (س 23 ص 490 وس 30 ص 807 ). وقد رتب فيه باب الحيوان والنبات على حروف المعجم. ومن ميزاته: تسمية النباتات بأسمائها القديمة والحديثة، كقوله: ودم الأخوين هو العندم، والبقلة الحمراء هي الرجلة، والحمّص هو الصنبري، وحب الرشاد هو الحرف..إلخ.

 

بحر الظلمات

ويسمى المظلم، لكثرة أهواله وصعوبة متنه فلا يمكن أحداً من خلق الله أن يلج فيه، إنما يمر بطول الساحل لأن أمواجه كالجبال الرواسي وظلامه كدر، وريحه ذفر، ودوابه متسلطة، ولا يعلم ما خلفه إلا الله تعالى ولا وقف منه بشر على تحقيق خبر، وفي ساحل هذا البحر يوجد العنب الأشهب الجيد، وحجر البهت وهو حجر من حمله أقبل الخلق عليه بالمحبة والتعظم وفضيت حوائجه وسمع آلامه وانعقدت عنه ألسنة الأضداد. ويوجد أيضاً بساحله حجارة مختلفة الألوان يتنافس أهل تلك البلاد في أثمانها ويتوارثونها ويذكرون لها خواص عظيمة.

وفي البحر من الجزائر العامرة والخراب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد وصل الناس منها إلى سبع عشرة جزيرة. فمنها :

 

الخلدتان: وهما جزيرتان فيهما صنمان مبنيان بالحجر الصلد طول كل صنم مائة ذراع، وفوق كل صنم صورة من نحاس تشير بيدها إلى خلف، يعني: ارجع فما ورائي شيء. بناهما دو المنار الحميري من التبابعة، وهو ذو القرنين المذكور في القرآن. منها:

 

جزيرة العوس: بها أيضاً صنم وثيق البناء لا يمكن الصعود إليه بناه أيضاً ذو القرنين المذكور. وبهذه الجزيرة مات الباني وقبره بها في هيكل مبنى بالمرمر والزجاج الملون. وبهذه الجزيرة دواب هائلة تنكرها المسامع.

 

جزيرة السعالي: وهي جزيرة عظيمة بها خلق كالنساء إلا إن لهم أنياباً طوالاً بادية، وعيونهم كالبرق الخاطف ووجوههم كالأخشاب المحترقة، يتكلمون بكلام لا يفهم ولا فرق بين الرجال والنساء عندهم إلا بالذكر والفرج، ولباسهم ورق الشجر ويحاربون الدواب البحرية ويأكلونها.

 

وجزيرة حسرات: وهي جزيرة واسعة فيها جبل عال، وفي سفحه أناس سمر قصار لهم لحى طوال تبلغ ركبهم، وجوههم عراض ولهم آذان كبار وعيشتهم من الحشيش، وعندهم نهر صغير عذب.

 

وجزيرة العرر: وهي جزيرة طويلة عريضة، كثيرة الأعشاب والنباتات والأشجار والثمار.

 

جزيرة المستشكين: وتعرف بجزيرة التنين. وهي عظيمة بها أشجار وأنهار وثمار، وبها مدينة عظيمة، وكان بها التنين العظيم الذي قتله الاسكندر. وكان من حديثه أنه ظهر بها تنين عظيم، فكاد أن يهلك الجزيرة وما بها من السكان والحيوان، فاستغاث الناس منه إلى الإسكندر وكان الإسكندر قد قارب تلك الأرض، وشكوا إليه أن التنين قد أكل مواشيهم وأتلف أموالهم وقطع الطريق على الناس وأن له عليهم في كل يوم ثورين عظيمين ينصبونهما فيأتي إليهما كالسحابة السوداء وعيناه تتوقدان كالبرق الخاطف، والنار والدخان يخرجان من فيه فيبتلع الثورين ويرجع إلى مكانه.

فسار الإسكندر إلى المدينة وأمر بالثورين فسلخا وحشا جلودهما زفتاً وكبريتاً وزرنيخاً وكلساً ونفطاً وزئبقاً، وجعل مع ذلك كلاليب من حديد وأقامهما في المكان المعهود، فجاء التنين من الغد إليهما على العادة فابتلعها، فأضرمت النار في جوفه وتعلقت الكلاليب بأحشائه، وسرى الزئبق في جسده ورجع مضطرباً إلى مقره. فانتظروه من الغد فلم يأت ولم يخرج، فذهبوا إليه فإذا هو ميت وقد فتح فاه كأوسع قنطرة وأعلاها. ففرحوا وشكروا سعي الإسكندر إليهم وحملوا إليه هدايا عجيبة منها دابة عجيبة يقال لها المعراج مثل الأرنب، أصفر اللون وعلى رأسه قرن واحد أسود لم يرها شيء من السباع الضواري والوحوش الكاسرة إلا هرب منها.

 

جزيرة قلهات: وهي جزيرة كبيرة وبها خلق مثل خلق الإنسان، إلا أن وجوههم وجوه الدواب يغوصون في البحر فيخرجون ما يقدرون عليه من الدواب البحرية فيأكلونها.

 

جزيرة الأخوين الساحرين: أحدهما شرهام والآخر شبرام، وكانا بهذه الجزيرة يقطعان الطريق على التجار، فمسخا حجرين قائمين في البحر، وعمرت الجزيرة بعدهما.

 

جزيرة الطيور: ويقال إن فيها جنساً من الطيور في هيئة العقبان، حمر ذوات مخاليب تصيد دواب البحر. وبهذه الجزيرة ثمر يشبه التين، كله ينفع من جميع السموم. حكى الجواليقي أن ملكاً من ملوك فرنجة أخبر بذلك فوجه إليها مركباً ليجلب له من ذلك الثمر ويصطاد له من تلك الطيور، لأنه كان عالماً بمنافع تلك الطيور ودمها وأعضائها ومرائرها، فانكسرت المركب في البحر وهلكت السفينة ومن فيها ولم بعد إليه أحد.

 

جزيرة الصاصيل: طولها خمسة عشر يوماً في عرض عشرة. وآان بها ثلاث مدن مسكونه عامرة وآان التجار يسيرون إليها ويشترون منها الأغنام والأحجار الملونة المثمنة، فوقع الشر بين أهلها حتى فني غالبهم وبقي منهم قليل، فانتقلوا إلى بلاد الروم.

 

جزيرة لاقة: وهي جزيرة آبيرة وبها شجر العود آالحطب وليس له هناك قيمة ولا رائحة حتى يخرج من تلك الأرض فيكتسب الرائحة؛ وكانت عامرة مسكونة والآن قد خرجت فيها حيات كبار وتغلبت على أرضها فخربت بمثل ذلك.

 

جزيرة ثورية: بها أشجار وأنهار ولكنها خالية الديار، وبهذا البحر دواب عظيمة مختلفة الأشكال هائلة المنظر، يقال إن السمكة يمر رأسها كالجبل العظيم الشامخ ثم يمر ذنبها بعد مدة، ويقال إن مسافة ما بين رأسها وذنبها أربعة أشهر.

 

 

بحر الصين وجزائره وما به من العجائب والغرائب:

ويسمى هذا البحر بأسماء عديدة: بحر الصين وبحر الهند صنجي، وهو متصل بالمحيط من المشرق: وليس على وجه الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط، وهو كثير الموج عظيم الاضطراب بعيد القعر، فيه المد والجزر، كما في بحر فارس؛ ويستدل على هيجان هذا البحر بأن يطفو السمك على وجهه قبل هيجانه بيوم واحد،

ويستدل على سكونه ببيض طائر معروف يبيض على وجه الماء في مجتمع القذى، وهو طائر لا يأوي الأرض أبداً ولا يعرف إلا لجة البحر، في هذا البحر مغاص اللؤلؤ يطلع منه الحب الجيد الذي لا قيمة له، وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يعلمه إلا الله عدداً إلا أن بعضها مشهور يصل إليه الناس، قيل إن فيه اثني عشر ألف جزيرة عامرة مسكونة وبها عدة ملوك، وفي بعض جزائره ينبت الذهب ويكثر في بعض السنين ويقل في بعضها كالنبات.

 

فمن جزائره جزيرة زانج

وتشمل جزائر كثيرة في آخر حدود الصين وأقصى بلاد الهند، عامرة خصبة ليس فيها خراب، يسافرون فيها بلا ماء ولا زاد لكثرة الخصب والعمارة، وهي نحو مائة فرسخ. قال محمد بن زكريا: وملك هذه الجزيرة يسمى المهراج، وله جباية تقطع في كل يوم ثلاثمائة من الذهب، في كل من ستمائة درهم فيتحصل له في كل يوم ما يزيد على مائة ألف مثقال وخمسة وعشرين ألف مثقال، يتخذ منها لبناً ويطرحه في البحر وهو خزانته.

وقال ابن الفقيه: بهذه الجزيرة سكان تشبه الآدميين إلا أن أخلاقهم بالوحوش أشبه، ولهم كلام لا يفهم، وعندهم أشجار وهم يطيرون من شجرة إلى شجرة وبها نوع من السنانير الوحشية حمر منقطة ببياض، أذنابها كأذناب الظباء؛ وبها أيضاً نوع من السنانير المذكورة ولها أجنحة كأجنحة الخفاش، وبها أبقار وحشية حمر منقطة ببياض أيضاً ولحومها حامضة وبها دابة الزباد وهي كالهرة، وفأرة المسك، وبها جبل يقال له النصان مشهور به، وبه حيات عظام تبتلع الفيلة، وبه قردة كأمثال الجواميس والكباش الكبار؛ ومن القردة ما هو أبيض ومنها ما هو كالقرطاس، ومنها ما هو أبيض الظهر أسود البطن وبالعكس؛ ومنها ما هو أسود كالفأر. وبها من الببغاء وهي الدرة شيء كثير بيض وحمر وصفر وخضر، ويتكلمون مع الناس بأي لسان سمعوه منهم. وبها خلق على صورة الإنسان وهم بيض وسود وشقر وخضر يأكلون ويشربون ويتكلمون بكلام لا يفهم، ولهم أجنحة يطيرون بها.

حكى ابن السيرافي قال: كنت ببعض جزائر الزانج فرأيت ورداً آثيراً أحمر وأبيض وأزرق وأصفر وألواناً شتى، فأخذت ملاءة وجعلت فيها شيئاً من ذلك الورد الأزرق. فلما أردت حملها رأيت ناراً في الملاءة فأحرقت جميع ما كان فيها من الورد، ولم تحترق الملاءة، فسألت الناس عن ذلك فقالوا: إن في هذا الورد منافع كثيرة ولا يمكن اخراجه من هذه الغياض بوجه أبداً. وفي هذه الجزيرة شجر الكافور وهو شجر عظيم هائل تظل كل شجرة مائة انسان وأكثر. وفي هذه الجزيرة قوم يعرفون بالمخرمين، مخرمة أنوفهم. وفيها حلق بها سلاسل إذا جاءهم عدو لمحاربتهم قدموا أولئك المخرمين متسلحين، ويأخذ الرجل بطرف سلسلة من تلك الرجال المخرمة، يمنعه بها من التقدم إلى العدو، فإن انتظم صلح بين العدو وأهل الجزيرة فلا يفلتون من السلاسل وإن لم ينتظم صلح لفت تلك السلاسل في أعناقهم وأطلقوهم على العدو فيحطمون العدو حطمة واحدة ويأكلون منهم كل من وقعت أعينهم عليه، ولا يثبت لحطيمهم أحد أبداً.

 

جزيرة رامي: وهي جزيرة عظيمة طويلة عريضة طيبة التربة معتدلة الهواء أبداً، بها معاقل ومدن وقرى وطولها سبعمائة فرسخ. قال ابن الفقيه: بهذه الجزيرة عجائب كثيرة. منها أناس حفاة عراة، رجال ونساء، على أبدانهم شعور تغطي أحسامهم، ومآكلهم من الثمار، ويستوحشون من الناس وينفرون منهم إلى الغياض، وطول أحدهم أربعة أشبار، وبشعرهم زغب أحمر، وهم لا يلحقون لسرعة جريهم. وبساحل هذه الجزيرة قوم يلحقون المراكب في البحر سباحةً، وهي تجري في تيارها فيبيعونهم العنبر بالحديد، ويحملون الحديد في أفواههم ويرجعون إلى الجزيرة ولا يدرى ما يصنعون به.

 وحكى الجهاني: أن بهذه الجزيرة الكركند، وهو حيوان على شكل الحمار إلا أن على رأسه قرناً واحداً وهو منعقف. وفيه منافع كثيرة منها أنه يصنع منه أنصبة لسكاكين الملوك وتحط على المائدة، فإن كان الطعام مسموماً عرق ذلك النصاب واختلج، ويصنع منه حلية للمناطق تبلغ قيمة المنطقة المحلاة بقرن الكركند أربعة آلاف مثقال من الذهب. وأكثر هذه المناطق تعمل ببلاد الصين، وفي رقبة هذا الحيوان اعوجاج كاعوجاج رقبة الجمل أو دونه؛ وبهذه الجزيرة جواميس بغير أذناب؛ وبها شجر الكافور والبقر والخيزران وعرقه دواء من سم الحيات والأفاعي، وبها طيب عطر ومعادن آثيرة.

 

جزيرة الرخ: وهذا الرخ الذي تعرف به هذه الجزيرة طير عظيم غريب مهول الهيئة حتى قيل إن طول جناحه الواحد نحوعشرة آلاف باع؛ ذكر ذلك الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في كتابه المسمى بكتاب الحيوان، وكان قد وصل إليه رجل من أهل الغرب ممن سافر إلى الصين وأقام به وبجزائره مدة طويلة وحضر بأموال عظيمة وأحضر معه قصبة ريشة من جناح فرخ الرخ وهو في البيضة لم يخرج منها للوجود، فكانت تلك القصبة من ريش ذلك الفرخ تسع قربة ماء، وآان الناس يتعجبون لذلك، وكان هذا الرجل يعرف بالصيني لكثرة اقامته هناك، واسمه عبد الرحمن المغربي وكان يحدث بالغرائب، منها ما ذكر أنه سافر في بحر الصين فألقتهم الريح في جزيرة عظيمة كبيرة واسعة فخرج إليها أهل السفينة ليأخذوا الماء والحطب ومعهم القوس والحبال والقرب وهو معهم، فرأوا في الجزيرة قبة عظيمة بيضاء لماعة براقة أعلى من مائة ذراع، فقصدوها ودنوا منها فإذا هي بيضة الرخ فجعلوا يضربونها بالقوس والصخور والخشب حتى انشقت عن فرخ الرخ كأنه جبل راسخ فتعلقوا بريشة من جناحه ولم تكمل خلقة الريشة فقتلوه.

قال: وحملوا ما أمكنهم من لحمه وقطعوا أصل الريش من حد القصبة ورحلوا. وكان بعض من دخل الجزيرة قد طبخ من اللحم وأكل، وكان فيهم مشايخ بيض اللحى فلما أصبح المشايخ وجدوا لحاهم قد اسودت ولم يشب بعد ذلك أحد من القوم الذين أكلوا فكانوا يقولون إن العود الذي حركوا به ما في القدر من لحم فرخ الرخ كان من شجرة الشباب والله أعلم. قال: فلما طلعت الشمس والقوم في كالسفينة وهي سائرة بهم إذ أقبل الرخ يهوي كالسحابة العظيمة، وفي رجليه قطعة جبل كالبيت العظيم وأكبر من السفينة، فلما حاذى السفينة من الجو ألقى ذلك الحجر عليها وعلى من بها، وكانت السفينة مسرعة في الجري فسبقت الحجر فوقع الحجر في البحر، وكان لوقوعه هول عظيم في البحر، وكتب الله لنا السلامة ونجانا من الهلاك.

 

ومنها جزيرة القرود: وهي كبيرة وبها غياض، وقرود كثيرة، وللقرود ملك تنقاد إليه ويجعلونه على أكتافهم وأعناقهم، وهو يحكم عليهم حكماً لا يظلم به أحداً، ومن وصل إليهم في المراكب عذبوه بالعض والخمش والرجم، ويتحيل عليهم أهل جزيرة خرتان ومرتان فيصيدونها ويبيعونها بالثمن الغالي. وأهل اليمن يرغبون فيها ويتخذونها في حوانيتهم حرساً كالعبيد، وهم في غاية الذكاء.

 

وجزيرة البيمان: وهي جزيرة عامرة وبها مدينة كبيرة، وأهلها ذوو بأس وشدة؛ ومن سننهم أنه إذا خطب الرجل عندهم امرأة لا يزوجونه حتى يذهب فيأتيهم برأس مقطوع فحينئذ يزوجونه امرأة بغير صداق ولا مهر، وإن أتاهم برأسين زوجوه بامرأتين، وإن أتى بثلاث زوجوه ثلاثة، وإن أتى بعشرة فعشر، فيصير عندهم معظماً مهيباً جليلاً. وبها من شجرة البقم والخيزران وقصب السكر ما لا يوصف، وبها مياه جارية وأنهار عذبة وثمار مختلفة.

 

وجزيرة الواق واق: وهي جزيرة كبيرة، وعندهم ذهب كثير بلا وصف حتى إنهم يتخذون سلاسل الكلاب والدواب من الذهب، وأما أكابرهم فيصنعون لبناً من الذهب ويبنون به قصوراً أو بيوتاً باتقان وإحكام.

 

ومن جزائرها جزيرة البنات بها قوم عراة الأبدان بيض الألوان حسان الصور يأوون إلى رؤوس الأشجار ويتصيدون الناس فيأكلونهم، ووراء هذه الجزيرة جزيرتان عظيمتان فيهما أناس عظام الأجسام حسان الوجوه سود الألوان، شعورهم مسلسلة مختلفة وأقدامهم أطول من ذراع، لهم أخلاق صعبة عادية. وهذه الجزيرة متصلة بالزانج والمسير إليها بالنجوم، وهي ألف وسبعمائة جزيرة عامرة والذهب بها كثير.

وملكة هذه الجزائر امرأة تسمى دمهره، وتلبس حلة منسوجة بالذهب، ولها نعلان من ذهب، وليس يمشي في هذه الجزائر أحد بنعل غيرها. ومتى لبس غيرها نعلاً قطعت رجليه. وتركب في عبيدها وجيوشها بالفيلة والرايات والطبول والأبواق والجواري الحسان، ومسكنها جزيرة تسمى أنبونة، وأهل هذه الجزيرة حذاق بالصنائع حتى إنهم ينسجون القمصان قطعة واحدة بأكمامها وأبدانها، ويعملون السفن الكبار من العيدان الصغار ويعملون بيوتاً من الخشب تسير على وجه الماء. هذا ما نقله الجواليقي. وأما ما ذكره عيسى بن المبارك السيرافي فإنه قال: دخلت على هذه الملكة فرأيتها عريانة على سرير من الذهب، وعلى رأسها تاج من الذهب، وبين يديها أربعة آلاف وصيفة أبكار حسان، وهن على مذهب المجوس وهن مكشوفات، ومنهن من تتخذ الأمشاط، اثنين وثلاثة وأربعة إلى عشرين. ولهذه الملكة جبايات كثيرة تتصدق بها على صعاليك أرضها ويتحلون بالودع ويدخرونه عندهم وفي خزائنهم.

وبهذه الجزيرة شجر تحمل ثمراً كالنساء بصور وأجسام وعيون وأيد وأرجل وشعور وأثداء وفروج كفروج النساء، وهن حسان الوجوه، وهن معلقات بشعورهن، يخرجن من غلف كالأجربة الكبار، فإذا أحسسن بالهواء والشمس يصحن: واق واق، حتى تتقطع شعورهن فإذا انقطعت ماتت. وأهل هذه الجزيرة يفهمون هذا الصوت ويتطيرون منه. وفي كاب الحوالة أنه من تجاوز هؤلاء وقع على نساء يخرجن من الأشجار أعظم منهن قدوداً وأطول منهن شعوراً، وأكمل محاسن وأحسن أعجازاً وفروجاً، ولهن رائحة عطرة طيبة، فإذا انقطعت شعورها ووقعت من الشجرة عاشت يوماً أو بعض يوم وربما جامعها من يقطعها أو يحضر قطعها فيجد لها لذة عظيمة لا توجد في النساء. وأرضهن أطيب الأراضي وأآثرها عطراً وطيباً، وبها أنهار أحلى ماءً من العسل والسكر المذاب، وليس بها أنيس ولاعامر إلا الفيلة وربما بلغ ارتفاع الفيل في هذه الجزيرة أحد عشر ذراعاً. وبها من الطير شيء كثير. وليس يعلم ما وراء هذه الجزيرة إلا الله تعالى. ويخرج من بعض هذه الجزائر سيل عظيم يسيل كالقطرة يصب في البحر فيحرق السمك في البحر فيطفو على الماء.

 

وجزيرة جالوس: وهي جزيرة بها قوم مستوحشون عراة يأكلون الناس وليس لهم ملك ولا دين، وأكلهم الموز والنارجيل وقصب السكر. وفي هذه الجزيرة جبل ترابه فضة كالبرادة الناعمة.

 

وجزيرة الموجة: وهي جزيرة عظيمة وبها عدة ملوك. وأهلها بيض شقر مخرومون الآذان كاهل الصين، وعندهم الخيولة البحرية يركبونها. وعندهم دابة المسك ودابة الزباد؛ ونساؤهم أجمل النساء وأحسنهن خلقاً وخلقاً، وأرحامهن  كالحلقة لاصقة، وإذا وقفت المرأة الطويلة على قدمها ومشت تسحب شعرها خلفها على الأرض. وهذه النساء من أعظم النسا أعجازاً وأدقهن خصوراً، باديات الوجوه ساحبات الشعور، لا يستترن من أحد أصلاً.

 

وجزيرة السحاب: وهي جزيرة كبيرة سميت بهذا الاسم لأنه يطلع عليها سحاب أبيض ويعلو عن المراكب في البحر، ويخرج منه لسان طويل دقيق مع ريح عاصف حتى يلتصق ذلك اللسان بالبحر فيغلي البحر كالقدر الفائر ويضطرب كالزوبعة الهائلة، فإذا أدرك المراكب ابتلعها، وبهذه الجزيرة تلول إذا أضرمت فيها النار سالت منها الفضة الخالصة.

 

وجزيرة هلائي: وهي جزيرة كبيرة من أعظم الجزائر وأوسعها قطراً وأعظمها عمارة، وهي معترضة من المشرق إلى المغرب، ولأهلها قصور وبيوت يتخذونها من الخشب على وجه الماء وأرحاء تدور بالريح على الماء؛ وبها أنواع الطيب والعطر الفاخر وعندهم الموز والأرز والنارجيل وقصب السكر؛ وبها معدن الذهب والفيلة البيض والكركند؛ ولها ملك عظيم مهيب كثير الجيوش والجنود؛ وله المراكب البهية من الخيل والفيلة العجيبة.

 

 

جزيرة القمر: وهي جزيرة طويلة عريضة، طولها من المشرق أربعة أشهر؛ وبها مدينة تسمى: لان؛ وهي سكن الملك، وهي مخصبة؛ بها أشجار وثمار وأنهار وغياض؛ وبها النارجيل وقصب السكر؛ وبهذه الجزيرة تصنع ثياب الحشيش الغريبة النوع التي لا نظير لها في الدنيا ولا بهجة للحرير والديباج عندها، ويصنع بها نوع من الحصر المرقومة المنقوشة التي تأخذ بالأبصار وتذهب بالعقول حسناً وبهجة، تلبسها الملوك فوق البسط الحرير ويعمل بها مراكب منحوتة من قطعة واحدة وخشبة واحدة؛ وطول كل مركب ستون ذراعاً بالرشاشي، تحمل مائتي مقاتل وتسمى السفينات.

وحكى بعض التجار أنه رأى هناك مائدة يأكل عليها مائة وخمسون رجلاً وهي قطعة واحدة مستديرة. وملك هذه المدينة لا يقوم بخدمته إلا المخنثون ويلبسون الثياب النفيسة، ويتحلون مثل النساء واسمهم النتيانة. ويتزوجون بالرجال كالنساء؛ يخدمون الملك بالنهار ويرجعون إلى أزواجهم بالليل من غير أن يعارضوا في ذلك.

 

جزيرة السعالي: وهي جزيرة عظيمة بها شخوص مشوهة الخلق منكرة الصور لا يدرى ما هم، وزعم قوم أنها شياطين تتولد من الجن والإنس تأكل من وقع لهم من الإنس.

 

جزيرة التمسح: وهي جزيرة بها قوم أذنابهم  كالكلاب وأبدانهم كأبدان الإنسان، ولهم ملك منهم.

 

جزيرة أطوران: وهي كبيرة وبها أنواع من القردة آالحمر عظماً، وبها الكركند الكثير. ذكر أن مراكب الإسكندر وصلت إليهم وإلى جزيرة . ;أخرى بها قوم على أشكال أبدان الإنسان، ووجوههم ورؤوسهم آالسباع، فلما قربوا منهم غابوا عن أبصارهم ولم يعلموا كيف ذهبوا

 

جزيرة النساء: وهي جزيرة عظيمة وليس بها رجل أصلاً. ذكروا أنهن يلقحن ويحملن من الريح ويلدن نساء مثلهن. وقيل إن بأرض تلك الجزيرة نوعاً من الشجر فيأكلن منه فيحملن وإن الذهب في أرضها عروق كعروق الخيزران، وترابها كله ذهب ولا التفات للنساء إلى ذلك. وذكر بعضهم أن رجلاً ساقه الله إلى تلك الجزيرة فأردن قتله فرحمته امرأة منهن وحملته على خشبة وسيبته في البحر فلعبت به الأمواج فرمته في بعض بلاد الصين فأخبر ملك تلك الجزيرة بما رأى من النساء وآثرة الذهب، فوجه مراكب ورجالاً معه فأقاموا زمناً طويلاً في البحر يطوفون على تلك الجزيرة فلم يقعوا لها على أثر.

 

 

جزيرة سرنديب: وهي جزائرة كبيرة، وفي هذه الجزائر مدن كثيرة، وفيها الجبل الذي أهبط عليه آدم عليه السلام، ويسمى جبل الراهون وعليه أثر قدم آدم عليه السلام؛ وعلى القدم نور لماع يخطف البصر. وأسفل هذا الجبل توجد سائر الأحجار الثمينة النفيسة. ولهذه الجزائر بحر فيه مغاص اللؤلؤ الفاخر ويجلب منها الدر والياقوت والسنباذج والألماس والبلور وجميع أنواع العطر؛ وتسافر المراكب فيها الشهر والشهرين بين غياض ورياض.

ولملك هذه الجزائر صنم من الذهب مكلل بالجواهر وليس عند أحد من الملوك ما عنده من الدر والجواهر النفيسة لأن أصنافها كلها في بلاده وجباله، ويحمل إليه الخمس من كل ما يوجد ويستخرج من عراق العجم وفارس، ويقال إن بهذه الجزائر مساكن وقباباً بيضاً تلوح للناس من بعد فإذا قربوا منها تباعدت حتى ييأسوا منها.

 

وأما عجائب هذا البحر:

فمنها ما ذكروا أنه إذا كثرت أمواجه ظهرت أشخاص سود طول كل واحد منهم أربعة أشبار كأنهم أولاد الأحابيش، يصعدون إلى المراكب من غير ضرورة ولا أذى، وظهورهم يدل على خروج ريح مهلك يسمى الخب.

وحكي أيضاً أنهم يرون في هذا البحر طائراً يطير وهو من نور لا يستطيع أحد النظر إليه، فإذا ارتفع على صاري المركب سكنت الريح وهدأت أمواج البحر وهو دليل السلامة، ويفقدونه ولا يعلمون أين يذهب ؟.

ومن العجائب: أن طائراً في هذا البحر يسمى خرشنة أآبر من الحمام، ذآر في آتاب تحفة الغرائب أن هذا الطائر إذا طار يأتي طائر آخر يقال له آرآر ويطير فاتحاً فاه يتوقع ذرق خرشنة ليقع في فيه فيأآله، وليس له قوت سواه ولا يذرق خرشنة هذا إلا وهو طائر.

ومنها دابة المسك البحري، وهي دابة تخرج من البحر كل سنة في وقت معلوم بكثرة عظيمة، فتصاد وتذبح فيوجد المسك في سرتها كالدم، وهذا المسك هو أفخر الأنواع غير أنه في مكانه وبلده لا ريح له أبداً، فإذا خرج من حد بلاده ظهر ريحه وكلما بعد زاد ريحه. ومنها دابة تسمى ملكان تستوطن جزيرة هناك لها رؤوس كثيرة ووجوه مختلفة وأنياب معلقة ولها جناحات وهي تأكل دواب البحر، وقيل إنا تصادف برسم مراكب الملوك إذا ركب الملك قادوها أمام موكبه وألبسوها الجلال الحرير ويزينونها.

ومنها سمكة تزيد على خمسمائة ذراع توجد عند جزيرة واق واق المذآورة، إذا رفعت جناحها كانت كالجبل العظيم، يخاف على السفن منها، فإذا رأوها صاحوا وضربوا الطبول وأضرموا المكاحل النفطية حتى تهرب عنهم.

ومنها سلاحف كبار استدارة كل سلحفاة أربعون ذراعاً بذراعهم، تبيض كل واحدة ألف بيضة وظهرها الدبل الفاخر، وأهل اليمن يتخذون من ظهورها قصعاً كباراً وجفاناً هائلة لغسلهم ومأكلهم.

ومنها سمكة تسمى سيلان تقعد على البر يومين حتى تموت، فإذا جعلت في القدر وآكن رأس القدر مغطى نضجت واستوت، وإن كان رأس القدر مكشوفاً طارت منه وتختفي فلا يعلم أين تذهب.

ومنها سمكة تسمى الأطم ووجهها كوجه الخنزير، ولها فرج آفرج المرأة، ولها مكان الفلوس شعر، وهي طبقة لحم وطبقة شحم، ويرغبون في أكلها لطيب لحمها.

ومنها سرطانات قدر كل واحد كالترس الصغير، يخرج من الماء بسرعة، فإذا سار في البر انعقد حجراً في الحال.

ومنها حيات عظام تخرج من البحر فتبتلع الفيل العالي الهائل، وتنطوي على شجرة عظيمة تجذبها أو على صخرة فتنكسرعظام الفيل في بطنها وتسمع قعقعة ذلك على بعد.

ومنها سمكة تسمى هبير، من رأسها إلى صدرها مثل الترس، ولها عيون آثيرة تنظر بها وباقي بدنها طويل مثل الحية في مقدار ثلاثين ذراعاً، ولها أرجل كثيرة، ومن صدرها إلى ذنبها مثل أسنان المنشار كل سنة منها في طول شبر كالحديد في الصلابة أو الفولاذ في القطع، ولا تتصل بشيء من المراكب إلا شقته ولا تضرب شيئاً إلا قطعته نصفين ولا تنطوى على شيء إلا أهلكته وتسمى أيضاً القرش.

وفي هذا البحر الدردور، وهو إذا وقعت فيه سفينة لا تنجو منه.

حكى بعض التجار قال: ركبنا في هذا البحر ومعنا جمع من التجار فهبت علينا ريح عاصفة صرفت المركب عن القصد، وكان رئيس المركب شيخاً أعمى إلا أنه حاذق بالرياسة، وكان معه في السفينة حبال كثيرة فكان رجاله يقولون له: لو كان موضع هذه الحبال ركاب لانتفعنا بأجرتهم، وكان يسأل التجار في كل وقت ماذا ترون فيقولون: ما نرى شيئاً. ولم يزل كذلك حتى قالوا له: نرى طيوراً سوداً على وجه الماء، فصاح الشيخ ولطم وجهه وقال: هلكنا والله لا محالة؛ فلما سألناه عن السبب قال: سترون ذلك عياناً. فما كان مقدار ساعتين حتى وقعنا في الدردور، وإذا بالذي كنا نراه آالطيور السود مراكب وبها أناس موتى؛ قال: فتحيرنا وانقطع رجاؤنا من الخلاص والحياة؛ فقال الشيخ: هل لكم أن تجعلوا لي نصف أموالكم وأنا أتحيل في خلاصكم إن شاء الله تعالى ؟ فقلنا: نعم قد رضينا ! قال: فأعطانا قنينتين قد ملئتا بالدهن فأدليناهما في البحر فاجتمع عليهما من السمك ما لا يعد ولا يحصى ثم أمرنا أن نطرح تلك الموتى الذين في المراكب إلى البحر بعد شدهم بالحبال التي كانت عنده في المراكب ففعلنا ورمينا بهم وأطراف الحبال مشدودة بمركنا؛ فابتلع السمك الموتى ثم أمرنا بالصياح وضرب الطبول والصنوج والأخشاب ففعلنا ذلك فتفرقت الأسماك وأطراف الحبال في بطونها مشدود بها الموتى، وإذا بالمركب قد تحرك من مكانه وأقلع وجرى ولم يزل يجري حتى خرجنا من الدردور، فصاح الرئيس: اقطعوا الحبال عاجلاً فقطعناها ونجونا بقدرة الله من الهلاك، فقال الرئيس للجماعة: تلومونني على حمل هذه الحبال فانظروا كيف كانت سبباً لحياتكم وسلامتكم، فحمدنا الله تعالى وشكرنا الرئيس لنظره في العواقب.

 

ومنها بحر الهند:

وهو أعظم البحار وأوسعها وأآثرها خيراً ومالاً، ولا علم لأحد بكيفية اتصاله بالبحر المحيط لعظمته وسعته وخروجه عن تحصيل الأفكار، وليس هو كالبحر الغربي، فإن اتصال البحر الغربي بالمحيط ظاهر. ويتشعب من هذا البحر الهندي خليجان أعظمهما بحر فارس ثم بحر القلزم، فالآخذ نحو الشمال بحر فارس والآخذ نحو الجنوب بحر الزنج.

قال ابن الفقيه: بحر الهند مخالف لبحر فارس، وفي هذا جزائر كثيرة وقيل إنها تزيد على عشرين ألف جزيرة وفيها من الأمم ما لا يعلمه إلا الله تعالى فأما ما وصل إليه الناس فأقل قليل.

 

فمن جزائره جزيرة كله: وهي جزيرة عظيمة بها أشجار وأنهار وثمار، ويسكنها ملك بني جابة الهندي، وبها معادن القصدير وشجر الكافور وهو شبيه بالصفصاف وهي تظل مائة رجل وأكر، وبها الخيزران، وفي عجائب هذه الجزيرة ما يقع واصفها في حد التكذيب.

 

جزيرة جابة: وهي كبيرة وبها الموز والنارجيل والأرز والقصب السكري الفائق، وبها العود، ويسكنها قوم شقر وجوههم، على صدورهم شعورهم، وأبدانهم كالناس. وبها جبل عظيم يرى عليه في الليل نار عظيمة ترى من خمسة عشر فرسخاً وبالنهار دخان، ولا يدنو أحد من ذلك الجبل على خمسة فراسخ إلا هلك.

وملك هذه المدينة اسمه جابة، وهو يلبس من الحلل حلة الذهب وتاجاً من ذهب مكللاً بالدر والياقوت والجواهر النفيسة، ودراهمه ودنانيره مطبوعة على صورته وهيئته، وهو يعبد صنماً، وصلاتهم غناء وتلحين وتصفيق بالأكف واجتماع الجواري الحسان ولعبهن بأنواع من التكسر والتخلع بين يدي المصلي، والكنيسة التي فيها الصنم فيها جوار حسان راقصات متخلعات معدودة لذلك، وذلك إن المرأة إذا ولدت عندهم بنتاً حسنة أخذتها أمها إذا كبرت وألبستها أفخر الملابس والحلي وذهبت إلى الكنيسة وتصدقت بها على الصنم وحولها أهلها وأقاربها من النساء والرجال، ويسلمها الخدمة إلى أناس عارفين بالرقص، والتخلع والتكسر فيعلمونها. ولهذا الملك جزائر كثيرة منها جزيرة هريج وجزيرة سلاهط وجزيرة مايط.

 

فأما جزيرة هريج: فإن بها خسفة متسعة نحو عشرة أميال مستديرة لا يعرف أحد قعرها ولا وقف أحد على قرارها وهي من عجائب الدنيا.

 

وجزيرة سلاهط: يجلب منها الصندل والسنبل والكافور. وذكر المسافرون أن بجزائر الكافور قوماً يأكلون الناس ويأخذون قحوفهم فيجعلون فيها الكافور والطيب ويعلقونها في بيوتهم ويعبدونها، فإذا عزموا على أمر وقصد سجدوا لتلك القحوف وسألوها عما يريدون ويقصدون، فتخبرهم عن كل ما يسألونها عنه من خير أو شر. وبهذه الجزيرة عين يفور منها الماء وينزل في ثقب في الأرض فيطلع له رشاش فأي شيء وقع من ذلك الرشاش على وجه الأرض صار حجراً، فإن كان ليلاً صار حجراً أسود، أو بالنهار صار حجراً أبيض، وبآخر هذه الجزيرة خسفة أخرى كالبيكارة، دورها نحو الميل تتقد ناراً وتعلو نارها نحو مائة ذراع بالليل، ولها بالنهار دخان.

 

وجزيرة برطابيل: وهي قرية من جزائر الزنج وبها أقاوم وجوههم كالأترسة، وشعورهم كأذناب الخيل، وبها القرنفل الكثير وبها الكركند، وإن التجار إذا نزلوا بها وضعوا بضائعهم كوماً كوماً على الساحل ويعودون إلى المراكب فإذا أصبحوا جاؤوا إلى بضائعهم فيجدون إلى جانب كل بضاعة شيئاً من القرنفل، فإن رضي صاحب البضاعة أخذه وانصرف وإن لم يرتض ترك القرنفل والبضاعة وعاد في اليوم الثاني فيجده قد زيد فيه، فإن رضيه أخذه وإلا تركه وعاد من الغد أيضاً، ولا يزال كذلك حتى يرضى.

وذكر بعض التجار أنه صعد إلى هذه الجزيرة سراً فرأى بها قوماً صفر الوجوه وهي كوجوه التراك وآذانهم مخرمة، ولهم شعور كشعور النساء. فلما رآهم غابوا عنه وعن بصره. ثم إن التجار بعد أن ترددوا إلى تلك الجزيرة بالبضائع مدة طويلة فلم يأتهم شيء من القرنفل فعلموا أن ذلك بسبب الرجل الذي نظر إليهم ورآهم ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه من المعارضة بالقرنفل. وخاصية هذا القرنفل أن الإنسان إذا أكله رطباً لا يشيب ولا يهرم ولو بلغ مائة سنة.

ولباس هذه الأمة ورق شجر يقال له اللوف، وأكلهم من ثمره، ويأكلون السمك أيضاً والنارجيل. وبهذه الجزيرة جبال يسمع فيها طول الليل أصوات الطبول والصنوج والدفوف والمزامير المطربة والصياح المزعج وغير ذلك من الأصوات العجيبة. وقيل إن الدجال بها، وقيل إنه بغيرها. وسنذآكه إن شاء الله تعالى.

 

جزيرة القصر: وهو قصر عظيم مرتفع أبيض من بلور شفاف يظهر لمن في المراكب من مسافة بعيدة. فإذا شاهدوه تباشروا بالسلامة. ذكر قوم من الزنج أنه قصر مرتفع شاهق لا يدري ما داخله.

وحكي أن بعض الملوك وصل إلى هذه الجزيرة وشاهد القصر هو ومن معه من جنوده، فلما صاروا في الجزيرة أخذهم الخدران في مفاصلهم وغلب عليهم النوم، فبادر بعضهم إلى المراكب فنجوا وتأخر البعض فهلكوا.

وذكر أن أصحاب ذي القرنين رأوا في بعض هذه الجزائرة أمة رؤوسهم رؤوس الكلاب، ولهم أنياب خارجة من أفواههم حمر مثل الجمر، يخرجون إلى المراكب ويحاربونهم. ورأوا بجزيرة تلك الأمة نوراً ساطعاً فإذا هو القصر الأبيض البلوري، فأراد ذو القرنين التوجه إليها ورؤية القصر فمنعه بهرام الفيلسوف الهندي من ذلك وقال: يا ملك الزمان لا تفعل فإن من وصل إلى هذا القصر غلب عليه الخدران والنوم والثقل وقلة الحرآة فلا يقدر على الخروج ويهلك.

وذكر بهرام المذكور أن بهذه الجزيرة شجرة إذا أكلوا من ثمرها زال عنهم النوم والخدران، وإذا آان الليل ظهر لذلك القصر شرفات تسرج مثل المصابيح، الليل كله فإذا كان النهار خمدت.

 

وجزيرة الورد: ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى في كتاب الشفا في شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم أن بهذه الجزيرة ورداً أحمر مكتوباً عليه بالأبيض لا إله إلا الله محمد رسول الله، والكتابة بالقدرة الإلهية.

 

الجزائر الثلاث: قال صاحب تحفة الغرائب: هي ثلاث جزائر متجاورات، في احداهن برق الليل كله، وفي الأخرى تهب رياح شديدة، الليل كله، وفي الأخرى يمطر السحاب الليل كله صيفاً وشتاء على ممر الليالي والأيام أبداً.

ومنها جزيرة في هذا البحر بها أقوام أبدانهم أبدان الآدميين ورؤوسهم رؤوس الدواب يخوضون في البحر فيخرجون ما يقدرون عليه من البحر فيأكلونها.

 

وجزيرة صيدون الساحر: وكان صيدون ملكاً ساحراً، وطول هذه الجزيرة شهر في شهر، وبها عجائب كثيرة: ومنها: أن في وسطها قصراً عظيماً في عمد عظيمة من مرمر ملون، ومجلسه من ذهب مرصع بأنواع الجواهر العظيمة، يشرف على جميع تلك الجزيرة. قيل إن هذا الملك صيدون كان ساحراً ماهراً وكانت الجن تطيعه وتعمل الأعمال المعجزة العجيبة. فدل عليه بعض الجن نبي الله سليمان عليه السلام فغزاه وقتله وخرب بلده وقتل أهلها وأسر جماعة منهم.

وأما عجائب هذا البحر فكثيرة جداً: منها:

 

سمكة تخرج من البحر وتصعد إلى جزيرة سلاهط وتصعد إلى أشجارها فتمتص فواكهها وثمارها ثم تقع آالسكران فيأخذها الناس.

 

ومنها: سمكة خضراء رأسها آرأس الحية من أكل لحمها اعتصم من الطعام والشراب أياماً لا يشتهيه.

 

ومنها: سمكة مدورة يقال لها آرماهي، على ظهرها شبه عمود محدد الراس قائم لا تقوم لها سمكة في البحر إلا ضربتها

بذلك العمود وقتلتها.

 

ومنها: سمكة يقال لها الباقة، طولها مائة ذراع وعرضها عشرون ذراعاً وعلى ظهرها حجارة صدفية آالقرابيص، إذا تعرضت للسفينة آسرتها، وإذا طبخوا من لحمها في القدر يذوب حتى يصير كله دهناً. وأهل تلك النواحي يطلون بدهنها المراكب عوضاً عن الدهن.

 

ومنها: سمكة يقال لها العمدة، لها جناحان تفتحهما في الجو وتنشرهما وتحمل على السفينة فتقلبها في البحر في الحال، فإذا رأوها ضربوا الطبول والصنوج والزمور وصاحوا فتهرب.