ذكر القصاص

قَصَّ الأسودُ بنُ سريع، وهوالذي قال:

فإنْ تنجُ منها تَنجُ من ذي عظيمةٍ

 

وإلاّ فإني لا أخالُـك نـاجِـيا

وقصَّ الحسن وسعيدٌ ابنا أبي الحَسَن، وكان جَعْفرُ بنُ الحسن أوَّلَ مَن اتخذ في مسجد البصرة حلْقةً وأقرأ القرآن في مسجد البصرة، وقَصَّ إبراهيم التَّيميُّ، وقص عُبيد بن عُمير الليثيّ وجلس إليه عبد اللَّه بن عُمَر، حدَّثني بذلك عَمرو بن فائدة بإسناد له،  ومن القُصّاص: أبو بكر الهُذَليّ وهو عبد اللَّه بن سُلميّ، وكان بيِّناً خطيباً صاحبَ أخبار وآثار، وقصَّ مُطَرِّف بن عبد اللَّه بن الشِّخِّير في مكان أبيه، ومن كبار القُصَّاصِ ثم من هذيل: مُسلم بن جندب وكان قاصَّ مسجدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وكان إمامَهم وقارئهم، وفيه يقول عمر بن عبد العزيز: مَن سرَّه أن يسمعَ القرآن غَضّاً فليسمع قراءة مسلم بن جندب، ومن القُصَّاص: عبد اللَّه بن عَرادة بن عبداللَّه بن الوَضِين، وله مسجدٌ في بني شَيبان، ومن القُصَّاص: موسى بن سيّار الأُسواريّ، وكان من أعاجيب الدُّنيا، كانت فصاحتُه بالفارسية في وزن فصاحته بالعربيّة، وكان يجلِس في مجلسه المشهور به، فتقعد العربُ عن يمينه، والفُرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب اللَّه ويفسّرها للعرب بالعربية، ثم يحوِّل وجهَه إلى الفرس فيفسِّرها لهم بالفارسيَّة، فلا يُدرى بأي لسانٍ هو أبْيَنُ، واللُّغتانِ إذا التَقتَا في اللَّسان الواحد أدخلت كلُّ واحدةٍ منهما الضّيمَ على صاحبتها، إلاّ ما ذكرنا من لسان موسى بن سيّار الأسواريّ، ولم يكن في هذه الأمّة بعد أبي موسى الأشعريّ أقْرأَ في محراب من موسى بن سَيّار ثم عثمان بن سعيد بن أسعدَ، ثم يونس النحويّ، ثم المعلّى، ثم قصَّ في مسجده أبو عليّ الأُسواريّ، وهو عمرو بن فائدٍ، ستّاً وثلاثين سنة، فابتدأ لهم في تفسير سورة البقرة، فما خَتمَ القرآن حتَّى مات، لأنَّه كان حافظاً للسِّير، ولوجوه التأويلات فكان ربَّما فسَّر آيةً واحدة في عِدّة أسابيع، كأنّ الآية ذُكر فيها يوم بدر، وكان هو يحفظ مما يجوز أن يلحق في ذلك من الأحاديث كثيراً، وكان يقصّ في فنونٍ من القَصَص، ويجعل للقرآن نصيباً من ذلك، وكان يونسُ بن حبيب يسمع منه كلامَ العرب، ويحتجُّ به، وخصالُه المحمودةُ كثيرة، ثم قصَّ من بعده القاسم بن يحيى، وهو أبو العبَّاس الضَّرير، لم يُدرَك في القُصّاص مثله، وكان يقُصُّ معهما وبعدهما مالك بن عبد الحميد المكفوف، ويزعمون أنَّ أبا عليّ لم تُسمَع منه كلمةُ غِيبةٍ قط، ولا عارض أحداً قطُّ من المخالِفين والحُسّاد والبُغاة بشي ٍ من المكافأة، فأمَّا صالحٌ المُرّيّ، فكان يكنى أبا بِشْر، وكان صحيحَ الكلام رقيقَ المجلس، فذكرَ أصحابنا أنَّ سفيان بن حبيب، لَمَّا دخل البصرةَ وتوارَى عند مَرحومٍ العطّار قال له مَرحوم: هل لك أن تأتيَ قاصّاً عندنا هاهنا، فتَتفرَّجَ بالخروج والنّظر إلى النّاس، والاستماع منه؟ فأتاه على تكرُّهٍ، كأنّه ظنّه كبعض مَن يبلغه شأنُه، فلمَّا أتاه وسمِع منطقَه، وسمع تلاوتَه للقرآن، وسمعه يقول حدّثنا شُعْبة عن قَتَادة، وحدثنا قَتادة عن الحسن، رأى بياناً لم يحتسِبه، ومذهباً لم يكن يظُنُّه، فأقبل سفيانُ على مَرحومٍ فقال: ليس هذا قاصّاً، هذا نَذير،