قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية: اللهم علِّمه الكتاب والحساب، وقِهِ العذاب، وقال رجلٌ من بني أسد: مات لشيخٍ منا ابنٌ، فاشتدّ جزعُه عليه، فقام إليه شيخٌ منَّا فقال: اصبرْ أبا أُمامة؛ فإنّه فَرَطٌ افترطْتَه، وخيرٌ قدمته، ودُخرٌ أحرزْتَه، فقال مجيباً له: ولدٌ دَفنتُه، وثُكل تعجَّلتُه، وغيبٌ وُعِدتُه، واللَّهِ لئن لم أجزَعْ من النّقص لا أفرْح بالمزيد، الأصمعي قال: قال ابن أُقيصر: خير الخَيْل الذي إذا استدبرتَه جَنَا، وإذا استقبلتَه أقْعى، وإذا استعرضتَه استوى، وإذا مشى رَدَى، وإذا ردَى دحَا، ونظر ابن أُقيصِر إلى خيل عبد الرحمن بن أمِّ الحكم، فأشار إلى فرسٍ منها فقال: تجيءُ هذه سابقة، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: رأيتُها مشت فكتَفَتْ، وخَبَّت فوجَفَت، وعَدَت فنَسفَتْ، وذكرت أعرابية زوجها فقالت: ذهب ذَفَرُه، وأقبل بَخَرُه، وفتَر ذَكَرُه، وكان مالك بن الأخطل قد بعثَه أبوه ليسمع شعرَ جرير والفرزدق، فسأله أبوه عنهما فقال: جرير يغرِف من بحر، والفرزدق ينحِت من صَخر، فقال: الذي يغرف من بحرٍ أشعرهُما، قد ذكرنا من مقطَّعات الكلام وقصار الأحاديث، بقدر ما أسقطْنا به مَؤونة الخُطب الطِّوال، وسنذكر من الخطب المسنّدة إلى أربابها مقداراً لا يَستفرغ مجهودَ من قرأها، ثمّ نعود بعد ذلك إلى ما قصُرَ منها وخَفّ، وإلى أبواب قد تدخل في هذه الجملة وإن لم تكن مثلَ هذه بأعيانها، واللّه الموفّق، أبو الحسن، عن يحيى بن سعيد، عن ابن خَرَّبوذَ البكري، عن خالد بن صفوان، قال: دخل عبد اللَّه بنُ عبد اللَّه بن الأهتم، على عمر بن عبد العزيز مع العامّة، فلم يُفجَأ عمر إلاّ وهو ماثلٌ بن يديه يتكلّم، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنّ اللّه خلق الخلقَ غنيّاً عن طاعتهم، آمِناً لمعصيتهم، والناسُ يومئذ في المنازل والرَّأي مختلفون، والعرب بشرِّ تلك المنازل: أهلُ الوبر وأهل المدر، تُحتاز دونَهم طيِّباتُ الدنيا ورفَاغَة عيشِها: ميّتهم في النار وحَيُّهم أعمى، مع ما لا يُحصى من المرغوب عنه، والمزهود فيه، فلمّا أراد اللَّه أن ينشر فيهم رحمتَه، ويُسبغَ عليهم نعمته، بعث إليهم رسولاً منهم عزيزاً عليه ما عَنِتُوا، حريصاً عليهم، بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، فلم يمنعهم ذلك مِن أن جرحوه في جسمه، ولقّبوه في اسمه، ومعه كتابٌ من اللَّه ناطقٌ، وبرهانٌ من اللَّه صادق، لا يُرحَل إلاّ بأمره، ولا يُنزَل إلاّ بإذنه، واضطَرُّوه إلى بطن غارٍ، فلما أُمر بالعزم أسفَرَ لأمر اللَّه لونُه، فأفلَجَ اللَّه حُجَّتَه، وأعْلَى كلمته وأظهَرَ دعوتَه، ففارق الدنيا نقيّاً تقيّاً، مباركاً مرضيّاً، صلى الله عليه وسلم ، ثم قام بعده أبو بكرٍ رحمه اللَّه، سلَكَ سُنّتَه، وأَخذ بسبيله، وارتدّت العرب، فلم يَقبَل منهم بعد رسول اللَّه إلاّ الذي كان قابلاً منهم، فانتَضَى السُّيوفَ من أغمادها، وأوقد النِّيران من شُعَلها، ثمَّ ركب بأهل الحقّ أهلَ الباطل، فلم يبرحْ يُفصِّل أوصالَهم، ويسقي الأرض دماءَهم، حتّى أدخلَهم في الذي خرجُوا عنه، وقَرَّرهم بالذي نَفَروا منه، وقد كان أصاب من مال اللّه بَكراً يرتوي عليه، وحَبَشيّةً تُرضع وَلداً له، فرأى ذلك غُصَّةً عند مَوته في حلقه، فأدّى ذلك إلى الخليفة مِن بعده، وبَرئ إليهم منه، وفارَق الدّنيا نقيّاً تقيّاً، على مِنهاج صاحبه، رحمه اللّه، ثم قام من بعده عمر بن الخطاب رحمه اللَّه، فمصَّر الأمصار، خَلَط الشِّدَّة باللِّين، فحسَرَ عن ذراعيه، وشمّر عن ساقيه، وأعدَّ للأمور أقرانَها، وللحرب آلتَها، فلمّا أصابه فتى المغيرة بن شعبة، أمر ابنَ عبَّاس أنْ يسأل الناس هل يثبِتون قاتلَه، فلما قيل له: فَتَى المغيرةِ، استهلَّ بحمد اللَّه ألاّ يكون أصابه ذو حَقّ في الفيء فيستحلَّ دمه بما استحلَّ من حَقّه، وقد كان أصاب من مال اللَّه بضعاً وثمانين ألفاً، فكسَرَ رباعَهُ، وكره بها كفالة أهله وولدِه، فأدّى ذلك إلى الخليفة من بعده، وفارق الدُّنيا تَقيّاً نقياً، على منهاج صاحبيه، رحمه اللَّه، ثمّ إنا واللَّه ما اجتمعنا بعدهما إلاّ على ظُلَّع، ثم إنَّك يا عُمرُ ابنُ الدُّنيا، ولدتْكَ ملوكها، وألقمتك ثديَها، فلمَّا وَلِيتَها وضَعتَها حيث وضَعَها اللَّه، فالحمدُ للَّه الذي جَلا بك حَوْبَتَها، وكشف بك كُربَتَها، امض ولا تلتفتْ فإنّه لا يُغني مِن الحقِّ شيءٌ، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم، وللمؤمنين والمؤمنات، قال: ولمّا أن قال: ثمّ إنّا واللَّه ما اجتمعنا بعدهما إلاّ على ظُلَّعٍ، سكت الناس كلهم إلاّ هشاماً، فإنّه قال له: كذبت،