خطبة معاوية رحمه الله

الهيثم بن عدي، عن أبي بكر بن عيَّاش، عن أشياخه قال: لما حضرَتْ معاويةَ الوفاةُ ويزيدُ غائب، دعا معاويةُ مُسْلِمَ بن عُقبةَ المُرّيّ، والضَّحَّاك بن قيس الفهريَّ، فقال : أبلغا عنِّي يزيدَ وقُولا له: انظُرْ إلى أهل الحجاز فهم أصلُك وعِترتُك، فمن أتاك منهم فأكرمْه، ومن قَعَدَ منهم عنكَ فتعهَّدْه، وانظُرْ إلى أهل العراق، فإنْ سألوك عزْلَ عاملٍ في كلّ يوم فاعزِلْه عنهم؛ فإنَّ عزْلَ عاملٍ في كلّ يومٍ أهوَنُ عليك من سَلِّ مائة ألف سيفٍ ثمّ لا تدري عَلامَ أنت عليه منهم، ثم انظُرْ إلى أهل الشَّام فاجعلهُم الشِّعارَ دون الدِّثار، فإنْ رابَكَ من عدوّك رَيبٌ فارمِهِ بهم، فإن أظفَرَك اللَّه بهم فاردُدْ أهلَ الشام إلى بلادهم، ولا يقيموا في غير ديارهم فيتأدَّبوا بغير أدبهم، لستُ أخاف عليك غير عبد اللَّه بن عُمَر، وعبدِ اللَّه بنِ الزُّبير، والحسينِ بنِ عليّ، فأمّا عبد اللَّه بن عمر فرجلٌ قد وقَذَه الوَرع، وأمَّا الحسين فإنِّي أرجو أن يكفِيَكَه اللَّه بمَن قتل أباه، وخَذَلَ أخاه، وأمّا ابنُ الزُّبير فإنه خَبٌّ ضَبٌّ، وفي غير هذه الرواية: فإن ظَفِرتَ بابن الزبير فقطّعه إرْباً إرْباً،فمات معاوية فقام الضحَّاك بن قيس خطيباً، فقال: إن أمير المؤمنين معاويةَ كان أنفَ العرب، وهذه أكفانُه ونحن مُدْرِجُوه فيها، ومُخَلُّون بينه وبين ربّه، فمن أراد حضورَه بعد الظهر فليحضُرْه، فصلّى عليه الضحّاك بن قيس، ثم قَدِم يزيدُ ولده، فلم يُقدِمْ أحدٌ على تعزيته حتَّى دخل عليه عبدُ اللَّه بن همَّامٍ السلَّوليُّ فأنشأ يقول:

اصبِرْ يزيدُ فقد فـارقْـتَ ذَا ثـقةٍ

 

واشكر حِبَاءَ الذي بالمُلْك حاباكـا

لا رُزْءَ أصبَحَ في الأقوام قد عَلِموا

 

كما رُزِئتَ ولا عُقْبَى كعُقْبـاكـا

أصبحتَ راعِيَ أهلِ الدِّينِ كلِّـهـمُ

 

فأنت ترعاهُمُ واللَّـه يرعـاكـا

وفي معاوية الباقي لنـا خَـلَـفٌ

 

إذا نُعيت ولا نَسْمَعْ بمَنْـعـاكـا

فانفتح الخطباء لِلكلام بعد ذلك،