خطبة قتيبة بن مسلم الباهلي

قام بخراسان خطيباً حين خلعَ فقال: أتَدرون من تُبايِعون؟ إنَّما تبايعون يزيدَ بن ثَرْوان - يعني هَبَنَّقَةَ القيسيّ كأنِّي بأميرٍ من حَاءٍ وحَكَم، قد أتاكم يحكُم في أموالكم وفُروجكم وأبْشاركم، ثم قال: الأعراب وما الأعراب، فلعنة اللَّه على الأعراب، جمعْتُكم كما يجتمعُ قَزَع الخريف، من منابت الشِّيح والقَيصوم، ومنابت القِلقِل، وجزيرة أبْرَكاوان تركبون البقَر، وتأكلون القَضْبَ، فحملتكم على الخيل، وألبستكم السلاح، حتى منعَ اللَّه بكم البلاد، وأفاء بكم الفيء، قالوا: مُرْنا بأمرك، قال: غُرُّوا غيري، وخطب مرة أخرى فقال: يا أهلَ العراق، ألستُ أعلَمَ النّاس بكم، أمّا هذا الحيُّ من أهل العالية فَنَعَمُ الصَّدَقةِ، وأمّا هذا الحيُّ من بكر بن وائل فعِلْجةٌ بظْراءُ لا تمنعُ رِجلَيها، وأمَّا هذا الحيُّ من عبد القيس فما ضَرَبَ العيرُ بذنَبه، وأَمّا هذا الحيُّ من الأزد، فعُلوجُ خَلْقِ اللَّه وأنباطُه، وايمُ اللَّهِ لو ملكتُ أَمْرَ النَّاسِ لنقشْتُ أَيديَهم، وأمَّا هذا الحيُّ من تميم فإنَّهم كانوا يُسمُّون الغَدْرَ في الجاهلية: كَيْسان، قال النمر بن تولب يهجو تميماً:

إذا ما دَعَوا كيسانَ كان كهولهـم

 

إلى الغَدر أدنَى من شَبَابِهم المُرْدِ

وخطب مرة أخرى فقال: يا أهل خُراسان، قد جرّبتم الوُلاَة قبلي: أتاكُم أُمَيّة فكان كاسمه أُمَيّةَ الرأي وأَُميَّةَ الدّين، فكتب إلى خليفته: إنّ خراجَ خراسانَ وسجستان لو كان في مِطبَخه لم يَكْفِه، ثم أَتاكم بعده أبو سعيد - يعني المهلّب بن أبي صُفْرة - فدوَّخَ بكم ثلاثاً، لا تدرون أفي طاعةٍ أنتم أم في معصيةٍ، ثمّ لم يَجْبِ فيئاً ولم يَنْكِ عدُوّاً، ثم أتاكم بنُوه بعدَه مثلَ أطْباء الكَلبةِ، منهم ابن الدَّحْمة حِصانٌ يضرِب في عانةٍ، ولقد كان أبُوه يخافه على أمَّهات أولاده، ثمَّ قد أصبحتم وقد فتح اللَّه عليكم البلاد، وأمَّن لكم السُّبُل، حتَّى إن الظَّعينة لَتَخرُج من مَرْوَ إلى سَمَرْقَندَ في غير جَوَاز،