باب من اللغز في الجواب

قالوا: كان الحُطيئة يرعَى غنماً له، وفي يده عصا، فمرّ به رجلٌ فقال: يا راعيَ الغنم، ما عندك؟ قال: عجراءُ من سَلَمٍ، يعني عَصَاهُ، قال: إنِّي ضيف، فقال الحطيئة: للضِّيفان أعددتُها، قال ابنُ سُلَيم: قال قيس بن سعد: اللهم ارزقْني حمداً ومجداً، فإنه لا حَمد إلاّ بِفَعال، ولا مجدَ إلاّ بمال، وقال خالد بن الوليد لأهل الحِيرة: أخرجُوا إليَّ رَجلاً من عقلائكم أسألْه عن بعض الأمور، فأخرجوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حَيّان بن بُقَيلة الغَسّاني، وهو الذي بني القَصر، وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فقال له خالد: مِن أين أقصَى أثرِك؟ قال: من صُلب أبي، قال: فمن أينَ خرجت؟ قال: مِن بطن أمِّي، قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض، قال: فيم أنت؟ قال: في ثيابي، قال: ما سنُّك؟ قال: عَظمٌ، قال: أتَعقِل، لا عَقَلتَ؟ قال: إي واللَّه وأُقيِّد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال: كم أتى عليك من الدهر؟ فقال: لو أتى عليّ شيءٌ لقتلني، قال: ما تزيدني مسألتك إلاّ غُمَّى؟ قال: ما أجبتُك إلاّ عن مسألتك، قال: أعرَبٌ أنتم أم نَبط؟ قال: عربٌ استنبطنا، ونبط استعربنا، قال: فحربٌ أنتم أم سَلم؟ قال: سَلم، قال: فما بال هذه الحصون؟ قال: بنيناها للسّفيه حتّى يجيءَ الحليم فينهاه، قال: كم أتت عليك سنةً؟ قال: خمسون وثلاثمائة، قال: فما أدركتَ؟ قال: أدركتُ سفنَ البحر تُرفَأُ إلينا في هذا الجُرْفِ، ورأيت المرأة من أهل الحِيرة تأخذ مِكتَلَها على رأسها ولا تتزوَّدُ إلاّ رغيفاً واحداً، فلا تزال في قُرىً مُخْصِبة متواترة حتّى تَرد الشام، ثم قد أصبَحتْ خراباً يَباباً، وذلك دأْبُ اللَّه في العباد والبلاد، قال: وأتى أزهَرَ بن عبد الحارث رجلٌ من بني يربوع، فقال: ألا أدخل؟ قال: وراءَك أوسَعُ لك، قال: أحرقت الشّمس رجليّ، قال: بُلْ عليهما تبرُدا، فقال: يا آل يربوع قال: ذليلاً دعوت، يا بني دُرَيْص، أطعمتكم عاماً أوَّلَ جُلَّةً، فأكلتم جُلَّتكم، وأغَرْتم على جُلّة الضِّيفان، وقال الحجَّاج لرجلٍ من الخوارج: أجَمَعْت القرآن؟ قال: أَمتفرِّقاً كان فأجمعَه، قال: أتقرؤه ظاهراً؟ قال: بل أقرؤه وأنا أنظر إليه، قال: أفتحفظُه؟ قال: أخشِيتُ فِراره فأحفظَه، قال: ما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: لعَنَه اللَّه ولعنَكَ معه، قال: إنّك مقتول فكيف تَلقَى اللَّه؟ قال: ألقَى اللَّه بعملِي وتلقاه أنت بدمي، وقال لقمان لابنه هو يعظُه: يا بُنَيّ، ازحَم العلماء برُكبتيك، ولا تجادلهم فيمقتوك، وخُذْ من الدُّنيا بلاغَك، وأبْق فُضُول كسبك لآخرتك، ولا ترفض الدُّنيا كلَّ الرفض فتكونَ عيالاً، وعلى أعناق الرجال كَلاًّ، وصمْ صوماً يكسِرُ شهوتك، ولا تصمْ صوماً يضرُّ بصَلاتك، فإنَّ الصلاةَ أفضل من الصوم، وكُن كالأب لليتيم، وكالزَّوج للأرمَلة، ولا تحابِ القريب، ولا تجالس السَّفيه، ولا تخالِطْ ذا الوجهين ألبتّة، وسمع الأحنفُ رجلاً يُطري يزيدَ عند معاوية، فلما خَرج من عنده اسْحَنْفَرَ في ذمِّهما، فقال له الأحنف: مَهْ؛ فإن ذا الوجهين لا يكون عند اللَّه وجيهاً، وقال سعيد بن أبي العَرُوبة: لأنْ يكون لي نصفُ وجهٍ ونصف لسان، على ما فيهما من قُبح المنظر وعَجْز المَخْبَر، أحبُّ إليَّ من أن أكون ذا وجهين وذا لسانين، وذا قولين مختلفين، وقال أيّوب السَّخْتياني: النَّمَّام ذو الوجهين أحسنَ الاستماع، وخالفَ في الإبلاغ، حفص بن صالح الأديّ عن عامرالشَّعبي؛ قال: كتب عمر إلى معاوية: أمّا بعد فإنِّي كتبتُ إليك بكتابٍ في القَضاء لم آلُكَ ونفسي فيه خيراً، الزَمْ خمسَ خصالٍ يسلمْ لك دينُك، وتأخُذْ فيه بأفضل حظَّك: إذا تقدَّم إليك خَصمان فعليك بالبّينة العادلة، أو اليمين القاطعة، وأَدْن الضعيف حتّى يشتدَّ قلبُه وينبسطَ لسانه، وتعهَّد الغريبَ، فإنّك إن لم تتعهّدْه ترك حقَّه، ورَجَع إلى أهله؛ وإنما ضيّع حقَّه من لم يرفُقْ به، وآس بينهم في لحظك وطرفك، وعليك بالصُّلح بين الناس ما لم يَستَبِنْ لك فَصل القضاء، أبو يوسف، عن العَرزميّ، عمَّن حدثه عن شُرَيح، أن عمر بن الخطاب رحمه اللَّه كتب إليه: لا تُشَارِ ولا تُمارِ ولا تُضَارّ، ولا تَبِعْ ولا تَبْتَع في مجلس القضاء، ولا تقضِ بين اثنين وأنت غضبان، وقال عمر بن عبد العزيز: إذا كان في القاضي خمس خصال فقد كمل: علمُ ما كان قبله، ونزاهةٌ عن الطمَع، وحِلْم عن الخصم، واقتداءٌ بالأئمّة، ومشاورة أهل الرأي، محمد بن حرب الهلالي قال: لما وَلَّى يزيد بن معاوية سَلْمَ بن زياد خراسان، قال له: إن أباك كَفَى أخاهُ عظيماً، وقد استكفَيتك صغيراً، فلا تتّكلَنَّ على عُذر منِّي لك، فقد اتَّكلت على كفايةٍ منك، وإيَّاك منِّي قبل أنْ أقول إيَّاي منك؛ فإنَّ الظنَّ إذا أخلَفَ منِّي فيك أخلَفَ منك فيَّ، وأنت في أدنى َحظِّك فاطلب أقصاه، وقد أتعَبَك أبوك، فلا تريحنَّ نفسَك، وكنْ لنفسك تكنْ لك، واذكرْ في يومك أحاديثَ غَدِك، تَسْعَد إنْ شاء اللَّه، ومما قالوا في التشديق وفي ذكر الأشداق قال المازنيّ:

مَن كان يعلم أن بِشراً مُلصَقٌ

 

فاللَّه يجزيه وربُّـك أعـلـمُ

يُنبيك ناظرُه وقلّةُ لـحـمـه

 

وتشادُقٌ فيه ولـونٌ أسـحـمُ

أنَّ الصّرِيحَ المحضَ فيه دلالةٌ

 

والعرقُ منكشِفٌ لمن يتَوسّـمُ

أمّا لسانُك واحتباؤك قـاعـداً

 

فزرارة العُدُسيّ عندك أعجم

إني لأرجو أن يكون مقالهـم

 

زُوراً وشانئك الحسودُ المرغَمُ

وفي مثل ذلك يقول مَوْرَقٌ العبد:

قد عَلِمَ الغربيّ والـمُـشَـرِّقُ

 

أنَّك في القوم صَميمٌ مُلصَـقُ

عُودَاك نبعٌ وهـشـيمٌ بَـرْوَقُ

 

وأنت جَدبٌ وربيعٌ مُـغْـدِق

وأنت ليلٌ ونهـار مُـشْـرِقُ

 

لولا عجوز قَـحْـمَةٌ ودَرْدَقُ

وصاحبٌ جَمُّ الحَديثِ مُـونِـقُ

 

كيف الفَواتُ والطَّلُوبُ مَوْرَقُ

شيخٌ مَغيظٌ وسِـنَـانٌ يَبْـرُق

 

وحَنْجَرٌ رَحبٌ وصَوتٌ مِصْلَقُ

وشِدْقُ ضرغامٍ ونابٌ يَحـرُق

 

وشاعرٌ باقي الوَسوم مُفْـلِـق