باب ومن اللحانين البلغاء

خالد بن عبد اللَّه القَسْريّ، وخالد بن صفوان الأهتميُّ، وعيسى بن المُدَوَّر، وقال بعض النّسَّاك: أَعْربنا في كلامنا فما نلحن، ولحَنَّا في أعمالنا فما نُعربِ، وقال: أخبرني الرّبيع بن عبد الرحمن السُّلَميُّ قال: قلتُ لأعرابيّ: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذاً لرجل سَوْءٍ، قال: قلت: أفتجرُّ فِلَسطين؟ قال: إنّي إذاً لقويٌّ، كان هُشََيمِ يقول: حدثنا يَوْنِس عن الحسن، يقولها بفتح الياء وكسر النون، وكان عبد الأعلى بن عبد الأعلى السَّاميّ يقول: فأخَذِهِ فصرعِهِ فذبحِهِ فأكَلِهِ، بكسر هذا أجمع، وكان مهديّ بن هُلَيل يقول: حدثنا هشامْ، مجزومةً؛ ثم يقولُ ابنْ ويجزمه؛ ثم يقول حسّانْ ويجزمه؛ لأنّه حين لم يكن نحويّاً رأى السلامةَ في الوقف، وأمّا خالد بن الحارثِ، وبشر بن المفضَّلِ الفقيهان، فإنَّهما كانا لا يلحنان، وممَّن كان لا يلحن البتَّة حتّى كأنَّ لسانَه لسانُ أعرابيّ فصيح: أبو زيد النحويّ، وأبو سعيد المُعلّم، وقال خَلَفٌ: قلت لأعرابيّ: أُلقي عليك بيتاً؟ قال: عَلَى نفسك فأَلقِه وقال أبو الفَضْل العنبريُِّ لعليّ بن بشير إني التقطت كتاباً من الطريق فأُنبئتُ أن فيه شعراً أتريده حتى آتيكَ به؟ قال: نعمْ، إنْ كان مقيَّداً، قال: واللَّه ما أدري أَمُقَيَّدٌ هو أم مغلول، الأصمعيّ قال: قيل لأعرابي: أتهمز الرُّمْح؟ قال: نعم، قِيلَ له: فقلها مهموزة، فقالها مهموزة، قيل له: أتهمز التُّرْسَ؟ قال: نعم، فلم يَدَعْ سيفاً ولا تُرساً إلاّ هَمَزه، فقال له أخوه وهو يهزأ به: دعُوا أخي فإنّه يهمز السِّلاحَ أجمع،وقال بعضهم: ارتفع إلى زيادٍ رجلٌ وأخوه في ميراث، فقال: إنَّ أبونا مات، وإن أخينا وثَب على مال أبانا فأكله، فأمَّا زياد فقال: الذي أضَعْتَ من لسانك أضرُّ عليك مما أضعت من مالك، وأمَّا القاضي فقال: فلا رحم اللَّه أباك، ولا نَيَّحَ عَظْم أخيك؟ قُمْ في لعنة اللَّهِ، وقال أبو شَيبة قاضي واسط: أتيتمونا بعد أن أردنا أن نقُم،  قد ذكرنا - أكرمك اللَّه - في صَدْر هذا الكتاب من الجزء الأوَّل وفي بعض الجزء الثاني، كلاماً من كلام العقلاء البلغاء، ومذاهبَ من مذاهب الحكماء والعلماء، وقد روَيْنا نوادرَ من كلام الصِّبيان والمحرَّمِين من الأعرابِ، ونوادرَ كثيرةً من كلام المجانين وأهل المِرَّة من الموَسْوِسينِ، ومن كلام أهل الغفلةِ من النَّوْكَى، وأصحاب التكلّف من الحمقَى، فجعلنا بعضَها في باب الاتعاظ والاعتبار، وبعضَها في باب الهَزْل والفكاهة، ولكلّ جنسٍ من هذا موضعٌ يصلح له، ولا بد لمن استكدّهُ الجِدُّ، من الاستراحة إلى بعض الهزل، قال أبو عبيدة: أرسَل ابنٌ لعِجْل بن لُجَيمِ فرساً له في حَلْبَةٍ، فجاء سابقاً، فقال لأبيه: يا أَبَه، بأيِّ شيءٍ أُسَمّيه؟ فقال: افقَأْ إحدى عينيه، وسمِّه الأعور، وشعراء مُضَر يُحَمّقُون رجالَ الأزد ويستخفُّون أحلامهم، قال عمر بن لَجَأ:

تصطكُّ ألْحِيَها على دِلائها

 

تلاطُمَ الأزدِ على عطائها

وقال بشَّار:

وكأنَّ غَلْيَ دِنانِهم في دُروهم

 

لَغَطُ العَتيكِ على خِوَان زيادِِ

وقال الرَّاجز:

لَبَّيكَ بي أْرفُلُ في بِجَـادِي

 

حازِمَ حَقْوَيَّ وصدرِي بـادِ

أفرِّجُ الظَّلماءَ عن سـوادِي

 

أقْوَى لشَولٍ بَكَرتْ صَـوَادِ

كأنّما أصواتُهـا بـالـوادي

 

أصوات حِجٍّ عن عُمَانَ غادِِ

وقال الآخر في نحوِه:

فإذا سمعتَ هديلَهنَّ حَسِبتَـه

 

لَغَطَ المَقاولِ في بُيُوتِ هَدَادِِ

وبسبب هذا يُدْخِلُونَ في المعنى قبائلَ اليمانيَة، وقال ابنُ أحمر:

إخالُها سمِعت عَزْفاً فتحسبُه

 

إهابَة القَسْرِ ليلاً حين تَنتَشِرُ

وقال الكميت:

كأنَّ الغُطامطَ من غَلْيهـا

 

أراجيزُ أسْلَمَ تهجو غِفَارَا

فجعل الأراجيز، التي شبهَها في لفطها والتفافها بصوت غَليَان القدْر، لأسلَمَ دون غِفَار،