باب من الكلام المحذوف

ثم نرجع بعد ذلك إلى الكلام الأوَّل: هُشَيم، عن يونس، عن الحسن يرفعه، أنّ المهاجرين قالوا: يا رسول اللَّه، إنّ الأنصارقد فَضَلُونا بأنّهم آوَوْا ونصروا، وفعلُو وفعلوا، قال النبي عليه السلام: أتعرفون ذلك لهم؟ قالوا: نعم، قال: فإنّ ذاك، ليس في الحديث غيرهذا، يريد: إنّ ذاك شكرٌ ومكافأة، قال: وكلَّم رجلٌ من قيسٍ عمرَ بنَ عبد العزيز في حاجةٍ، وجعل يمتُّ بقرابةٍ، فقال عمر: فإنّ ذاك، ثم ذكر حاجتَه فقال: لعَلَّ ذاك، لم يزدْه على أن قال: فإنّ ذاك، ولعل ذاك، أي إنّ ذلك كما قلت، ولعلّ حاجتك تُقضَى، وقال: عَبْدُ اللَّه بن قيس: مجزوء الكامل

بكَرتْ علـيَّ عـواذلـي

 

يَلحَيْنَنِي وأَلُـومُـهُـنَّـهْ

ويَقُلْن: شـيب قـد عـلا

 

ك وقد كبرت، فقلت: إنَّهْ

وقال الأسدي لعبد اللَّه بن الزُّبير: لا حُمِلتْ ناقةٌ حَملتني إليك قال ابن الزبير: إنّ وراكبها، عبدالرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي هاشم القاسم بن كَثير، عن قيس الخارفي إنه سمع عليّاً يقول: سبق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصلّى أبو بكر، وثلَّث عمر، وخبَطتنا فتنةٌ فما شاء اللَّه، ليس في الحديث أكثرُ من هذا، ولما كتب أبو عبيدةَ إلى عمرَ جوَابَ كتابِ عمر في أمر الطّاعون، فقرأ عمرُ الكتابَ واستَرجَع، فقال له المسلمون: مات أبو عبيدة؟ قال: لا وكأنْ قد، وقال النابغة:

أزِف التَّرحُّلُ غيرَ أنَّ ركابنا

 

لمَّا تَزُلْ برحالنا وكأن قَـدِ

وأنشد ابنُ الأعرابي:

إذا قيل أعمَى قلت إنَّ، وربمَّا

 

أكونُ، وإنِّي من فَتىً لَبَصيرُ

إذا أبصر القلبُ المروءةَ والتقَى

 

فإن عمَى العينين ليس يَضـيرُ

وإنّ العمى أجرٌ وذُخرٌ وعِصْمَةٌ

 

وإنِّي إلى هذي الثَلاثِ فقـيرُ

ابن أبي الزِّناد قال: كنتُ كاتباً لعمر بن عبد العزيز، فكان يكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيُراجعه، فكتب إليه: إنه يُخَيَّلُ إليَّ أنِّي لو كتبت إليك أن تعطيَ رجُلاً شاةً لكتبتَ إليّ: أضأْنٌ أم ماعزٌ؟ وإنْ كتبتُ إليكَ بأحدهما كتبتَ إليّ: أذكرٌ أم أُنثى؟ وإن كتبتُ إليك بأحدهما كتبتَ إليّ: أصغيرٌ أم كبير؟ فإذا أتاك كتابي في مَظْلمةٍ فلا تراجعْني، والسلام، وقال عمر بن الخطاب رحمه اللَّه: إني لأستعينُ بالرّجل الذي فيه، ليس في الحديث غير هذا، ثمّ ابتدأ الكلام فقال: ثمّ أكون على قَفّانِه إذا كان أقوى من المؤمن الضعيف وأرَدَّ، وهو قول الأسديّ:

سَوَيدٌ فيه، فابغُونا سواه

 

أبَيناه وإنْ بَهَّاهُ تـاجُ

ولم يقُل: فيه كذا وفيه كذا، وقال الرّاجز:

بِتنَا بحسّـانَ ومِـعْـزَاهُ تـئطّ

 

في سَمَنٍ جَمٍّ وَتَـمْـرٍ وَأَقِـطْ

حتّى إذا كاد الظلام ينكَـشِـطْ

 

جاءَ بمَذْقٍ هل رأيتَ الذِّئبَ قطّ

وقيل للمنتجع بن نَبْهان، أو لأبي مهديَّة: ما النَّضْنَاضُ؟ فأخرج طرَفَ لسانِه وحرّكَه، وقيل له: ما الدَّلْنَظَى؟ فزَحَر وتقاعَسَ وفرَّجَ ما بين مَنْكِبَيْه، ومن الكلام كلامٌ يذهب السامع منه إلى معاني أهله، وإلى قَصْد صاحبه، كقول اللَّه تبارك وتعالى: "وتَرَى الناسَ سُكارَى وما همْ بِسكارَى" الحج: 2، وقال: "لا يُموتُ فيها ولا يَحيَا" طه: 74، وقال: "ويَأْتِيهِ الموْتُ منْ كلِّ مَكَانٍ وما هُوَ بميِّتِ" إبراهيم: 17، وسئل المفسِّر عن قوله: "لَهُمْ رِزْقُهُمْ فيها بُكْرَةً وَعَشيّاً" مريم: 62 فقال: ليس فيها بكرةٌ ولا عشِيٌّ، وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : "فإن كُنْتَ في شَكٍّ مِمَّا أنْزَلْنَا إليْك فَسَلِ الّذِينَ يَقْرَؤونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ" يونس: 94، قالوا: لم يشُكَّ ولم يَسَلْ، وقال عمر بن الخطاب رحمه اللَّه في جواب كلامٍ قد تقدّم وقولٍ قد سلف منه: مُتْعتَانِ كانتا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنا أَنهى عنهما وأَضرب عليهما، وهذا مِثل قائلٍ لو قال: أتضربُناعلى الكلام في الصَّلاة، وعلى التطبيق إذا ركعنا، فيقول: نعم أشدّ الضرب، إذا كان قد تقدّم منه إعلامه إياهم بحال الناسخ والمنسوخ، و قد سأل رجل بلالاً مولى أبي بكر رحمه اللَّه وقد أقبل من جهة الحلْبة، فقال له: من سَبَقَ؟ قال: سبَق المُقَرَّبون، قال: إنّما أسألك عن الخيل، قال: وأنا أجيبُك عن الخير، فترك بلالٌ جواب لفظه إلى خبَرٍ هو أنفعُ له، حدثني عبدُ الملك بن شَيبان، قال: حدثني يعقوب بن الفضل الهاشميّ، قال: كتب أبو جعفر إلى سَلْم يأمره بهدْمِ دُور مَن خرج مع إبراهيم، وعَقْرِ نخِلهم قال: فكتب إليه سَلْم: بأيِّ ذلك نبدأ؟ بالدُّور أم بالنَّخْل؟ قال: فكتب إليه أبو جعفر: أمَّا بعدُ فإنِّي لو كتبتُ إليك بإفساد تَمرِهم لكتبت إليَّ تستأذِنني بأيَّةٍ نبدأ بالبَرْنيّ أم بالشُّهريز؟، وعزله وولَّى محمدَ بنَ سليمان، وقال ابن مسعود: إنّ طُول الصّلاةِ وقِصرَ الخُطْبة مَئِنَّةٌ من فِقه الرّجُل، مَئنة كقولك: مَخلقةٌ ومَجدَرة ومَحْراة، قال الأصمعيّ: مَئِنَّة: علامة، وقال عبد اللَّه: عليكم بالعلم؛ فإنّ أحدكم لا يدري متى يُخْتلُّ إليه، ولما أقدم عمرُ بنُ الخطاب عَمرو بنَ العاص عليه من مصر قال له عُمَر: لقد سِرْت سَيْرَ عاشق، قال عمرو: إنِّي واللَّه ما تأبَّطتْني الإماء، ولا حَملَتْني البغايا في غُبَّرات المآلي، قال له عُمر: واللَّه ما هذا بجواب الكلام الذي سألتُك عنه، وإنّ الدّجاجة لتفحَصُ في الرّماد فتضعُ لغير الفَحْلِ، والبيضةُ منسوبةٌ إلى طَرْقِها، وقام عمر فدخل وقام عمرو فقال: لقد أفحشَ أميرُ المؤمنين علينا، وجاء في الأثر: لا يُمنع فضلُ الماء ليُمنَع به فَضل الكَلأ، قال الأعرابي: اللهم لا تُنْزلْني ماءَ سَوْءٍ فأكون أمرأ سَوْء، وقال بَلْعاء بن قيس:

وكم كان في آل المُلوَّح من فَتًى

 

مُنادىً مفدّىً حين تُبلَى سرائرُه

 

وكم كان في آل الملوَّح من فتىً

 

يُجيب خطيباً لا تُخاف عوائره

وقال الآخر:

ومُخَاصِمٍ قاومت في كَـبَـدٍ

 

مثلِ الدِّهان فصار لي العذرُ

وقال آخر:

وجهٌ قبيحٌ ولسان أبـكـمُ

 

ومِشفرٌ لا يتوارى أضْجَمُ

ولما رأى الفرزدق دُرُسْت بن رِبَاطٍ الفُقيميّ على المنبر - وكان أسود دميماً قصيراً - قال:

بكى المِنبرُ الشرقيُّ إذْ قام فوقَه

 

أميرٌ فُقَيميٌّ قصيرُ الـدَّوَارجِ

وقال:

بكى المنبر الشرقيُّ والناسُ إذ رأَوْا

 

عليه فُقَيميّاً قـصـير الـقـوائمِ

وإنما كان يعادي بني فُقَيم لأنَّهم قتلوا أباه غالباً، قال أبو عبيدة: قال رجل ليونس بن حبيب: إذا أخذتم في مذاكرة الحديث وقَع عليّ النعاس، قال: فاعلمْ أنك حمارٌ في مِسلاخ إنسان قال: ودخل عبد اللَّه بن خازم على عُبيد اللَّه بن زيادٍ وهو يَخْطِر في مشيته، فقال للمنذر بن الجارود: حرِّكه، فقال: يا ابن خازم، إنّك لتجُرُّ ثوَبك كما تجرُّ البَغِيُّ ذيلَها، قال: أمَا واللَّه إنِّي مع ذلك لأَنفُذُ بالسّريَّة، وأضربُ هامة البطل المُشِيح، ولو كنتَ وراء هذا الحائط لوضَعْت أكَثرَك شَعَراً، وقد كان قبض عطاءهُ فصبَّه بين أيديهم ثم قال: لعنَكِ اللَّه من دراهم، ما تَقُومين بمَؤُونة خيلنا، وقال عليُّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: خذ الحكمة أنّى أتتك؛ فإنّ الحكمة تكون في صدر المنافق فتتلجلج في صدره حتَّى تخرجَ فتسكنَ إلى صوَاحبها، وقال عمرو بن العاص لأهل الشام يوم صِفِّين: أقيمُوا صفوفَكم مثلَ قصِّ الشارب، وأعيرونا جماجَمكم ساعةً من النهار، فقد بلغ الحقّ مَقْطَعَه، وإنّما هو ظالمٌ أو مظلوم، وقال علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه يومئذ: عَضُّوا على النّواجذ من الأضراس، فإنَّه أنْبَى للسُّيوف عن الهام، وقال رجل: طِد رجلك إذا اعتصيت بالسَّيف والعصا، وأنت مخيَّرٌ في رَفْعِها ساعةَ المسالمة والموادعة، ولما أقاموا ابن قميئة بين العُقابين قال له أبوه: طد رجليك بالأرض، وأَصِرَّ إصرارَ الفَرَس، واذكر أحاديث غدٍ، وإيّاك وذكرَ اللَّه في هذا الموضع، فإنَّه من الفشل، قال: وقيل للحجاج: مَن أخطب الناس؟ قال: صاحب العمامة السوداء بين أخصاص البَصْرة، يعني الحسن، وقال الأحنف: قال عُمر: تفقّهوا قبل أن تُسَوَّدُوا، وقال عمر: احذرْ من فَلَتات الشَّباب كُلَّ ما أورثك النَّبز وأعْلَقَك اللَّقَب؛ فإنه إنْ يعظمْ بعدها شأنُك يَشتدَّ على ذلك نَدَمك، ولما بنى عُتبةُ بن غزوان وأصحابُه بالبصرة بناءَ اللّبِن، كتب إليهم عُمر: قد كنت أكره لكم ذلك، فإذْ فعلتم ما فعلتم فعرِّضوا الِحيطان، وارفعوا السَّمْكَ، وقاربوا بين الخُشُب، ولما بلغَه أنَّهم قد اتخذوا الضِّياع وعَمَّروا الأرض كتب إليهم: لا تَنهَكُوا وجه الأرض، فإنّ شحمتَها فيه، وقال عُمر: بِع الحيوانَ أحسنَ ما يكون في عينك: وقال: فرِّقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين، وقال: املِكُوا العجينَ فإنَّه أحذ الرَّيعَين، وقال: إذا اشتريت بعيراً فاجعله ضَخْماً؛ فإنّه إنْ أخطاك خُبْرٌ لم يخطْئك سُوق، وقال عمر: العمائم تيجان العرب، وقال: نعم المُسْتَنَد الاحتباء، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : الناس كالإبل، ترى المائة لا تجد فيها راحلة، وأنشدوا:

وكأنّ من زهر الخُزَامى والنّدَى

 

والأقحُوانِ عليه رَيطةَ بُرنُـسِ

فإذا تـرنَّـمَ حـولَـه ذِبّـانُـه

 

أصغَى تَسَمُّعَ خائفٍ مُتَوَجِّـسِ

خرجَت عليه من الضِّراء دواجنٌ

 

تَحتثُّ نحو مَـلاذِ وانٍ أشـوَسِ

يسعى ويمَثُل والصَّفِيرُ كلامُـهُ

 

وتَحِي يداه لهُنَّ وَحْيَ الأخرس

وقال الراعي:

أبا خالـدٍ لا تَـنـبِـذنَّ نَـصَـاحةً

 

كوَحي الصَّفا خُطَّتْ لكم في فؤاديا

وقال الشاعر: من مجزوء الخفيف

رُبَّ طَرْفٍ مُصَـرِّحٍ

 

عن ضَمِيرٍ بما هَجَسْ

وقال آخر:

بِلحنِ القَول والطَّرْف الفصيحِ

وقال المثقِّبُ العبديُّ، في استماع الثور وتوجُّسِهِ وجَمْعِ بالِه إذا أحسَّ بشيءِ من أسباب القانص، وذَكَرَ ناقةً: من السريع  

كأنّهـا أسْـفَـعُ ذو جُـدَّةٍ

 

يضُمُّه القَفْرُ ولـيل سَـدِ

كأنّما ينظرُ مـن بُـرقـعٍ

 

من تحت رَوقٍ سَلِبٍ مِذوَدِ

يُصيخ للنّبْـأة أسـمـاعُـه

 

إصاخة الناشدِ للمُـنـشِـدِ

ويُوجِس السَّمعَ لنَـكـرائهِ

 

من خشية القانص والمُؤسِدِ

وقال بعض العبيد شعراً يقع في ذكر الخطباء، وفي ذكر أشداقهم وتشادُقهم:

أغَرّك منِّي أنّ مـولاي مَـزْيداً

 

سريعٌ إلى داعي الطعام سَرُوطُ

غلامٌ أتاه الذُّلُّ مِن نحو شِـدْقِـه

 

له نَسبٌ في الواغِلينَ بـسـيطُ

له نحو دَوْرِ الكاس إمِّا دعوتَـه

 

لسانٌ كذَلْق الزَّاعبيّ سـلـيطُ

وقال الأوَّل:

إنّ سَليطاً كاسمه سليطُ

وقال بعض العبيد في بعض العبيد:

وقد كان مفتوقَ اللَّهاةِ وشاعـراً

 

وأشدَقَ يَفرِي حين لا أحدٌ يَفرِي

وقال مَورَقٌ العبدُ يتوْعد مولاه:

لولا عجوز قَـحـمَةٌ ودَرْدَقُ

 

وصاحِبٌ جَمُّ الحديثِ مُونِـقُ

كيف الفَوات والطلوب مَورَقُ

 

شيخٌ مَغيظ وسِنـانٌ يَبـرقُ

وحنجرٌ رَحبٌ وصوت مِصْلقُ

 

وشِدقُ ضرغامٍ ونابٌ محْرُقُ

وسأل رجلٌ عمر بن عبد العزيز عن الجمل وصِفّين فقال: تلك دماءٌ كف اللَّه يِدي عنها، فلا أحبُّ أن أغمس لساني فيها، ويقع في باب التطبيق:

لأنتمْ ببيع اللّحْـمِ أعـلـمُ مـنـكُـمُ

 

بَضرب السُّيوفِ المرهَفات القَواطِعِ

وقال عَمرو بن هُدّاب: إنّما كنَّا نعرف سؤدد سَلم بن قُتيبةَ أنه كان يركب وحدَه ويرجع في خمسين، قال الأصمعيّ: دخل حَبيب بن شَوذَبٍ الأسديّ على جعفر بن سليمانَ بالمدينة، فقال: أصلَحَ اللَّه الأمير، حبيبُ بن شَوذبٍ وادُّ الصَّدر، جميل الذِّكْر، يكره الزيارة الممِلّة، والقَعدة المُنْسِيَة، وفي الحديث: زُرْ غِبّاً تزْدد حُبّا، وقال بعضهم: عن الثّوري، عن محمد بن عَجلان، عن عِياض بن عبد اللَّه قال: إنّ الدَّيْنَ مَجْمعٌ لكلّ هَمٍّ، هَمٌّ بالليل وذُلٌّ بالنّهار، وراية اللَّه في أرضه، فإذا أراد اللَّه أن يُذلَّ عبداً جعله طَوْقاً في عُنقِه، عمر بن ذَرٍّ قال: الحمد للَّه الذي جعلنا من أُمّةٍ تُغفر لهم السيِّئات، ولا تُقبل من غيرهم الحسنات، ابن أبي الزِّناد قال: كنا لا نكتُب إلاّ سُنَّةً، وكان الزهري يكتب كلَّ شيء، فلما احتيج إليه عَرفتُ أنه أوعى الناس، قال: وقال فيروزُ حُصَيْن: إذا أراد اللَّه أن يُزيل عن عبد نعمة كان أوَّلُ ما يغيِّر منه عَقْلَهُ، وقيل لمحمّد بن كعب القُرَظيّ: ما علامة الخِذْلان؟ قال: أن يستقبح الرّجلُ ما كان عنده حسناً، ويستحسن ما كان عنده قبيحاً، وقال محمد بن حفص: كُنْ إلى الاستماع أسرعَ منك إلى القول، ومن خطأ القولِ أشدَّ حذراً من خطأ السّكوت، وقال الحسن: إذا جالستَ العلماء فكُن على أن تسمع أحرصَ منك على أن تقول، وتعلَّمْ حسن الاستماع كما تتعلّم حُسنَ القول، ولا تقطعْ على أحدٍ حديثَه، سفيان بن عُيينة، قال: كان يقال: العالِم مثل السِّراج، من مرّ به اقتبس منه، وقال الشاعر أبو دُهْمانَ الغَلاّبيّ:

لئن مصرُ فاتتني بماكنتُ أرتجِي

 

وأخلفَني منها الذي كنتُ آمُـلُ

فما كُلُّ ما يخشى الفتى بمصيبهِ

 

ولا كُلُّ ما يرجو الفتَى هو نائلُ

فما كان بين لو لقيتُك سالـمـاً

 

وبين الغِنَـى إلا لـيالٍ قـلائلُ

وقال الآخر:

وإنّ كلام المرء في غير كُنْهِهِ

 

لكالنَّبل تهوي ليس فيها نصالُها

وقال كعبٌ الأحبار: قرأت في بعض ما أنزل اللَّه على أنبيائه علهيم السلام: الهديَّةُ تفقأ عين الحكيم، وتُسَفّه عقل الحليم، قال: زَحَم رجُلٌ سالم بن عبد اللَّه فزحم سالمٌ الذي يليه، فقال له: يا شيخ، ما حسبتك إلاّ شيخَ سَوء قال سالم: ما أحسَبك أبعَدتَ، قال: وسأل رجل محمّد بن عمير بن عُطارد وعَتّاب بن ورقاء في عشر ديَاتٍ، فقال محمد: عليَّ دِيَةٌ: فقال عتّاب: الباقي عليَّ، فقال محمَّد: نعم العون على المروءة اليَسَارُ، وقال الأحنف:

فلو مُدّ سَرْوي بمالٍ كثيرٍ

 

لجُدتُ وكنتُ له بـاذلا

فإن المروءةَ لا تُستطاع

 

إذا لم يكن مالُها فَاضِلا

وقال يزيد بن حُجَيَّة، حين بلغه أن زياد بن خَصَفَة تَبعه ولم يلحق به:

أبلغ زِياداً أنني قـد كـفـيتُـه

 

أموري وخليتُ الذي هو غالبُه

وبابٍ شديدٍ داؤُه قد فـتـحـتُـه

 

عليكَ وقد أعيت عليك مذاهبُـه

هُبِلتَ فيما تَرجُو غَنَائِي ومَشْهدي

 

إذا كان يومٌ لا تَوارَى كَواكبُـه

وقال آخر:

ومنطق خُرِّق بالعواسِل

قال: تجرَّدت الحضرميّة لزوجها ثمّ قالت: هل تَرَى في خلق الرَّحمن من تفاوُت؟ قال: أرى فُطُوراً، وقال آخر: راوَدَت امرأةٌ شيخاً واستهدفتْ له، وأبطأ عليه الانتشارُ فلامته، فقال لها: إنّك تفتحين بيتاً وأنا أنشُرُ مَيْتاً عليّ بن محمد، عنِ عمر بن مُجَاشعٍ، أنّ عُمر كتب إلى أبي موسى الأشعريّ: أمّا بعد، فإنّ للناس نُفْرةً عن سُلطانهم، فأعوذ باللَّه أن تدركَني وإيّاكَ عمياءُ مجهولةٌ، وضغائنُ محمولة، وأهواءٌ مُتّبَعة، ودُنْيا مُؤثَرة، فأقِمِ الحدودَ ولو ساعةً من نهار، وإذا عَرَضَ لك أمرانِ أحدهُما للَّه والآخرُ للدُّنيا، فآثِرْ نصيبَك من الآخرة على نصيبك من الدُّنيا؛ فإنّ الدنيا تَنفَدُ، والآخرةُ تَبقَى، وكُن مِن خَشية اللَّه على وَجَلٍ، وأخِف الفُسّاقَ واجعلهم يداً يداً، ورِجلاً رِجلاً، وإذا كانت بين القبائل نائرة وتَدَاعَوْا: يالَ فلانٍ يالَ فلانٍ، فإنّما تلك نَجْوَى الشيْطان، فاضربْهم بالسَّيف حتى يَفِيئوا إلى أمر اللَّه، وتكونَ دعواهم إلى اللَّه وإلى الإمام،وقد بلغَ أميرَ المؤمنين أنَّ ضبَّةَ تدْعُو: يالَ ضَبَّةَ وإنِّي واللَّه ما أعلمُ أنّ ضَبَّةَ ساقَ اللَّه بها خيراً قطّ، ولا مَنَع بها من سوءٍ قطّ، فإذا جاءك كتابي هذا فانهَكْهُم عقوبةً حتّى يَفْرَقُوا إن لم يَفْقَهُوا، وأَلْصِقْ بغَيلانَ بن خَرشَة من بينهم، وعُدْ مَرضَى المسلمين، واشهَدْ جنائزَهم، وافتَحْ بابك، وباشرْ أمرهم بنفسِك، فإنّما أنت رجلٌ منهم، غيرَ أنّ اللَّه جعَلك أثقلَهم حِمْلاً، وقد بلغ أميرَ المؤمنين أنّه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئةٌ في لباسك ومَطعمك ومركبِك ليس للمسلمين مثلُها، فإيّاك يا عبد اللَّه أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرّتْ بوادٍ خَصِيب، فلم يكن لها هِمَّةٌ إلاّ السِّمَن، وإنّما حتْفها في السِّمَن، واعلم أنّ للعامل مَرَدّاً إلى اللَّه، فإذا زاغ العاملُ زاغت رعيَّتُه، وإنّ أشقَى الناس مَن شقِيَتْ به رعيّتُه، والسلام، عَوَانة، قال: قدم علينا أعرابي من كَلْبٍ، وكان يحدِّثنا الحديث فلا يكاد يقطعه، فقال له رجل: أمَا لحديثك هذا آخِر؟ قال: إذا عجَز وصَلْناه، قال: قال معاويةُ ليونس بن سعيد الثقفي: اتَّق أن أطيرَ بك طَيْرَةً بطيئاً وقوعُها، قال: أليس لِي ولك المرجِعُ بعَدُ إلى اللَّه؟ قال: بلى، فأَستغفِرُ اللّه، رقَبة بن مَصقْلَة قال: ما سمعتُ عمر بن ذَرٍّ يتكلّم إلاّ ذكرت النّفْخَ في الصُّور، ولا سمعت أحداً يحكيه إلاّ تمنّيت أن يُجلَد ثمانين، قال: وتكلّم عمرُ بن ذَرٍّ فَصاح بعض الزَّفََّانِين صَيْحَةً، فَلَطَمَه رَجُلٌ فقال عمرُ ابن ذَرّ: ما رأيتُ ظُلْماً قطُّ أوفقَ لي من هذا، قال: وقال طاوس: كنت عند محمد بن يوسف، فأبلغه رجلٌ عن بعض أعدائه كلاماً، فقال رجلٌ من القوم: سبحان اللَّه فقال طاوس: ما ظننت أنّ قولَ سبحانَ اللَّه معصيةٌ للَّه حتَّى كان اليومُ، كأنّه عنده إنما سَبَّح ليُظهِر استعظامَ الذي كان من الرّجُل، ليوقِعَ به، وقال الراجز:

لو كان غدَاك البَطيءُ المُسهَمُ

 

إذاً بدَا منك الذي لا يُكـتـمُ

وجهٌ قبيح ولـسـانٌ أبـكـمُ

 

ومِشْفَرٌ لا يتوارَى أضجَـمُ

وقال آخر:

يقعِّر القَولَ لكيما تَحْـسَـبَـهْ

 

من الرِّجال الفُصَحاء المُعرِبَهْ

وهو، إذا نسبتَه، من كَـرَبَـهْ

 

من نخلةٍ نابتةٍ فـي خَـرِبَةْ

قالت امرأةُ الحُطيئة للحطيئة، حين تحوَّل عن بني رِياحٍ إلى بني كُليب: بئس ما استبدلْتَ من بني رياحٍ بَعْرُ الكَبْش؛ لأنّهم متفرّقون، وكذلك بعر الكبش يقع متفرِّقاً، عليّ بن محمد، عن مَسلمة بن محارب، عن داود بن أبي هند، عن أبي حرب ابن أبي الأسود عن أبيه قال: بعثَني وعِمرانَ بنَ حُصَينٍ عثمانُ بن حُنَيفِ إلى عائشة فقال: يا أمَّ المؤمنين، أخبرينا عن مسيرِك، أهذا عَهدٌ عَهِدَهُ إليكِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أُمْ رأيٌّ رأيتِهِ؟ قالت: بَلَى، رأيٌ رأيتُه حينَ قُتِل عثمان، إنَّا نَقَمنا عليه ضَرْبَةَ السَّوطِ، وموقعَ السَّحابة المُحماة، وإمرةَ سعيدٍ والوليد، فعدوتم عليه فاستحللتم منه الحُرَمَ الثّلاث: حُرْمَةَ البلد، وحرمة الخِلافة، وحرمةَ الشهر الحرام، بعد أن مُصْناهُ كما يماصُ الإناء فاستَنْقَى، فركِبْتم هذه منه ظالمين، فغضبنا لكم من سوطِ عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيفكم؟، قلت: وما أنت وسيفَنا وسوطَ عثمان، وأنت حبيسُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، أمَرَكِ أن تَقَرِّي في بيتكِ فجئتِ تَضْرِبِينَ الناسَ بعضَهم ببعض، قالت: وهل أحدٌ يقاتلني أو يقول غير هذا؟ قلنا: نعم، قالت: ومن يفعل ذلك أزَنيمُ بني عامر؟ ثم قالت: هل أنت مبلغٌ عنِّي يا عِمران قال: لا، لست مُبْلغاً عنكِ خيراً ولا شرّاً، فقلت: لكنّي مبلغ عنك فهاتي ماشئت، فقالت: اللهمَّ اقتل مذمَّماً قِصاصاً بعثمان: تعنِي محمّدَ بنَ أبي بكر - وارمِ الأشتر بسهم من سهامك لا يُشْوي، وأدرِكْ عَمَّاراً بخَفْرته في عثمان، حدثنا يزيدُ بن هارون، قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن الحسن، أنَّ زياداً بعث الحكم بن عَمرٍو على خراسان، فأصابَ مغنماً، فكتب إليه زياد: إنَّ أمير المؤمنين معاويةَ كتب إليّ يأمرُني أن أصطفيَ له كلَّ صفراء َوبيضاء، فإذا أتاك كتابي هذا فانظُرْ ما كان من ذهب وفضّة فلا تَقسمْه، واقسِمْ ما سوى ذلك، فكتب إليه الحكمُ: إني وجدت كتابَ اللَّه قَبلَ كِتاب أمير المؤمنين، وواللَّه لو أنّ السموات والأرضَ كانتا رتقاً على عبدٍ فاتَّقى اللَّه لجعلَ اللَّه له منها مخرجاً، والسلام، ثم أمر المناديَ فنادى في الناس: أن اغْدُوا على غنائمكم، فغَدَوْا فقَسَمَها بينهم، قال: وقال خالدُ بن صفوان: ما رأينا أرضاً مثل الأُبُلّة أقربَ مَسافةً، ولا أطيَب نُطْفة،، ولا أوطأ مطيّةً، ولا أربََح لتاجر، ولا أخفى لعابد، قال الكِسائي: لقِيتُ أعرابيّاً فجعلتُ أسألُه عن الحَرف بعد الحَرف، والشيء بعدَ الشيء أقْرِنُهُ بغيره، فقال: تاللَّه ما رأيتُ رجلاً أقدَرَ على كلَمةٍ إلى جنب كلمة أشبه شيءٍ بها وأبعَدَ شيءٍ منها منك، ووصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: ذاك واللّه ممن ينفع سِلمهُ، ويتُوَاصَف حِلمُه، ولا يُستَمرأُ ظُلْمه، وقال آخر لخصمه: لئن هَمْلَجْتَ إلى الباطل إنّك لقَطوفٌ إلى الحقّ، قال: ورأى رقبةُ بن مصقْلة َالعبديُّ جاريةً عند العطّار، فقال له ما تصنع هذه عندك؟ قال: أكيل لها حِنّاءً، قال: أظنُّك واللَّه تكيل لها كيلاً لا يأجُرُك اللَّه عليه، محمد بن سعيد، عن إبراهيم بن حُويطب، قال: قال عمرو بن العاص لعبد اللَّه ابن عباس: إنّ هذا الأمر الذي نحنُ وأنتم فيه ليس بأوّلِ أمرٍ قاده البلاء، وقد بَلغَ الأمرُ بنا وبكم ما ترى، وما أَبقَتْ لنا هذه الحربُ حياءً ولا صبراً، لسنا نقول: ليتَ الحربَ عادت، ولكنا نقول: ليتها لم تكن كانت، فانظر فيما بقي بغير ما مضى؛ فإنّك رأسُ هذا الأمر بعدَ عليّ، وإنما هو أميرٌ مطاع، ومأمور مطيع، ومشاوَرٌ مأمون، وأنت هو، وقال عيسى بن طلحة، لعروة بن الزبير حين ابتُليَ في رجله فَقَطَعها: يا أبا عبد اللَّه، ذهَبَ أهْوَنُك علينا، وبقي أكثرك لنا، وقالت عائشة: لا سَمَر إلاّ لثلاثة: لمسافر، أو مُصَلٍّ، أو عروس، قال أبو الحسن: خطب الحجّاج يوم جُمُعة فأطال الخطبة، فقال رجل: إنّ الوقت لا ينتظرك، وإنّ الربَّ لا يَعذِرُك، فحبسه، فأتاهُ أهلُ الرجل وكلّموه فيه وقالوا: إنّه مجنون، قال: إنْ أقرَّ بالجنون خلّيتُ سبيلَه، فقيل له: أقرَّ بالجنون، قال: لا واللَّه، لا أزعُم أنّه ابتَلاني وقد عافاني،قالت أمُّ هشامٍ السَّلولية: ما ذَكر النّاسُ مذكوراً خيراً من الإبل: أحناه على أدٍ بخير، إنْ حَمَلَت أثقَلت، وإنْ مشت أَبعَدت، وإن نُحِرت أَشبعَت، وإن حُلِبت أرْوَت، حدَّثني سليمانُ بن أحمد الخَرْشَني، قال: حدثني عبد اللَّه بن محمد بن حبيب، قال: طلب زيادٌ رجلاً كان في الأمان الذي سأله الحسن بن علي لأصحابه، فكتب فيه الحسنُ إلى زياد: من الحسن بن علي إلى زياد، أمَّا بعد فقد علمتَ ما كُنّا أخذْنا لأصحابنا، وقد ذَكَرَ لي فلانٌ أنك عَرَضْتَ له، فأُحِبُّ أن لا تعرض له إلاّ بخير، فلمَّا أتاه الكتابُ ولم ينسبه الحسنُ إلى أبي سفيان غَضِب فكتب: من زيادِ ابن أبي سفيانَ إلى الحسن، أمَّا بعد فقد أتاني كتابك في فاسقٍ يؤويه الفُسَّاق من شيعتك وشيعة أبيك، وايمُ اللَّه لأَطْلُبنَّهم ولو بين جِلدِك ولحمك، وإنّ أحبّ الناس إليّ لحماً أنْ آكُلَهُ للحمٌ أنت منه، فلما وصل الكتابُ إلى الحسنِ وجّه به إلى معاوية، فلما قرأه معاويةٌ غضب وكتب: مِن معاويةَ بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان، أمَّا بعدُ فإنّ لك رأيين: رأياً من أبي سفيان ورأياً من سُمَيَّةَ، فأمَّا رأيك من أبي سفيان فحِلْم وحَزْم، وأمّا رأيك من سُميَّة فكما يكون رأيُ مِْثلها، وقد كتَبَ إليَّ الحسنُ بنُ عليٍّ أنّك عَرَضت لصاحبه، فلا تَعْرضنَّ له؛ فإنِّي لم أجعل لك إليه سبيلاً، وإن الحسنَ بن عليٍّ ممن لا يُرْمى به الرّجَوَان، والعجَب مِن كتابك إليه لا تنسُبُه إلى أبيه، أفإلى أمّه وكَلْتَه، وهو ابن فاطمةَ بنتِ محمّد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ فالآن حينَ اخْترتَ له، والسّلام، وقدِم مُصعبُ بنُ الزبير العراقَ فصعِد المنبر ثم قال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم: "طسم، تلك آيات الكتابِ المُبين، نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَبأ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الأرْض وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَستَحِيْي نِسَاءَهُمْ إنَّه كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ" القصص:1-4، وأشار بيده نحوَ الشَّام، "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْض وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينِ" القصص:5، وأشار نحو الحجاز، "وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ" القصص: 6، وأشار بيده نحوَ العراق، قال: كتب محمد بن كعب: القُرَظيّ، فقيل له: والأَنصاريُّ؟ فقال: أكره أن أمُنَّ على اللَّه بما لم أفعل، المدائني قال: قام عمرُو بن العاص بالموسم، فأطْرَى معاويةَ، وبني أميَّة، وتناوَلَ بني هاشم، ثم ذكر مشاهدَه بصِفِّينَ، فقال له ابنُ عبّاس: يا عمرو، إنّك بعتَ دينَك من معاوية فأعطيتَه ما في يدك، ومَنّاك ما في يد غيرِه، فكان الذي أخذ منك فوقَ الذي أعطاك، وكان الذي أَخذْتَ منه دونَ ما أعطيتَه، وكلٌّ راضٍ بما أخَذ وأعطى، فلمَّا صارت مصرُ في يدك تتبَّعكَ فيها بالعزل والتنقُّص حتى لو أنّ نفسَك فيها ألقيتَها إليه، وذكرت مَشاهِدَك بصِفّينَ فما ثقُلتْ علينا يومئذٍ وطأتُك، ولا نكَتْنَا فيها حربُك، وإنْ كنت فيها لَطويلَ اللِّسان، قصيرَ السِّنان، آخِرَ الحرب إذا أقبلَت، وَأوّلَها إذا أدبَرَتْ، لك يدان: يدٌ لا تَبسطها إلى خَيْر، ويدٌ لا تقبضها عن شرّ، ووجهان: وجهٌ مؤنِسٌ، ووجه مُوحِشٌ، ولَعمري إنّ مَن باع دينَه بدُنيا غيرِه لحرِيٌّ أن يطول حزنُه على ما بَاعَ واشترى، لك بيانٌ وفيك خَطَلٌ، ولك رأيٌ وفيك نكَدٌ، ولك قدرٌ وفيك حَسَدٌ، فأصغَرُ عيبٍ فيك أكبر عيبٍ في غيرك، فقال عمرو: أمَا واللَّه ما في قريش أحدٌ أثقلُ وطأةً عليّ منك، ولا لأحدٍ من قريش عندي مثلُ قدرك، قال: ورأى عمرو بنُ عتبةَ بنِ أبي سفيانَ رجلاً يشتم رجلاً، وآخرَ يستمع له، فقال للمستمع: نَزِّهْ سمعَك عن استماع الخَنَا، كما تُنزِّه لسانَك عن الكلام به؛ فإن السّامع شريكُ القائل، وإنّما نَظَر إلى شرّ ما في وعائه فأفرغَه في وعائك، ولو رُدَّت كلمةُ جاهلٍ في فيه لسِعدَ رادُّها، كما شَقِيَ قائلُها،  عَوانة قال: اختصم إلى زيادٍ رجلانِ في حقٍّ كان لأحدهما على الآخر، فقال المُدَّعَى عليه: أيُّها الأمير، إنّه ليسطو عليَّ بخاصَّةٍ ذَكر أنّها له منْك، فقال زيادٌ: صَدَقَ؛ وسأخبرُك بمنفعتها له: إنْ يكن الحقُّ له عليك أخذتُكَ به، وإن يكن لك عليه حكمتُ عليه ثمَّ قضيتُ عنه، قال: ولما تُوُفِّي أبو بكرٍ الصّدّيقُ رحمه اللَّه، قامت عائشةُ على قبره فقالت: نَضَّرَ اللَّه وجْهَك، وشَكَر لك صالحَ سَعيك، فلقد كنتَ للدُّنيا مُذِلاًّ بإدبارك عنها، وللآخرة مُعِزّاً بإقبالك عليها، وإنْ كان لأجَلَّ الأرزاء بَعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رُزْؤُك، ولأكبرَ المصائبِ فقدُك، وإنَّ كتابَ اللَّه ليَعِدُ بجميل العزاء عنك حُسْنَ العِوَض منك، فأنْتَجزُ من اللَّه موعودَه فيك بالصَّبر عنك، وأستخلصه بالاستغفار لك، وقامت فَرغانة بنت أوس بن حَجَرٍ على قبر الأحنف بن قيس وهي على راحلةٍ، فقالت: إنّا للَّه وإنا إليه راجعون، رحمك اللَّه أبا بحرٍ مِن مُجَنٍّ في جنَن، ومُدْرَجٍ في كَفنٍ؛ فوالذي ابتلانا بفقدك، وأبْلغَنَا يومَ موتِك، لقد عِشْتَ حميداً، ومُتَّ فقيداً؛ ولقد كنتَ عظيمَ الحِلم، فاضِلَ السِّلم، رفيعَ العماد، واريَ الزِّنَاد، منيعَ الحريم، سليم الأديم؛ وإنْ كنتَ في المحافل لَشريفاً، وعلى الأرامل لعَطوفاً، ومن الناس لقريباً، وفيهم لغريباً؛ وإنْ كُنتَ لمسوَّداً، وإلى الخلفاء لَمُوفَداً، وإن كانوا لقولك لمستمِعين، ولرأيك لَمتَّبِعين، ثم انصرفَتْ، أبو الحسن قال: قال عمرُو بن العاصِ: ما رأيتُ معاويةَ قطُّ متَّكِئاً على يساره، واضعاً إحدى رجلَيه على الأخرى، كاسراً إحدى عينيه للذي يكلِّمه: يا هَناهَ، إلا رحمتُ الذي يكلّمه، وقال عمرُ بنُ الخطّاب رحمه اللَّه: كونوا أوعية الكتَاب، وينابيعَ العلم، وسَلُوا اللَّه رزقَ يوم بيوم، ولا يضيرُكُم أَلاّ يُكْثِرَ لكم، وكتب مُعاويةُ إلى عائشة: أن اكتُبي إليَّ بشيءٍ سمعتِه من أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، فكتبتْ إليه: سمعتُ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: مَن عمِل بما يُسْخِطَ اللَّه عاد حاسَدُه من الناس له ذامّاً، أوصَى بعضُ العلماءِ ابنَه فقال: أُوصِيك بتَقوى اللَّه، ولْيَسَعْكَ بيتُك، وامْلِكْ عليك لسانَك، وابْك على خطيئتك، بكر بن أبي بكرٍ القُرشي قال: قال أعرابيّ: ما غُبِنْتُ قطُّ حتى يُغْبَنَ قومي، قيل: وكيف؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم، قيل لرجلٍ من عَبْس: ما أكثَر صوابَكم قال: نحنُ ألفُ رجلٍ، وفينا حازمٌ ونحن نطيعُه، فكأنّا ألفُ حازم، قال أبو الحسن: أوّلُ مَن أجْرَى في البحر السّفُنَ المقيَّرة المسمَّرة، غيرَ المخرَّزة المدهونة، وغير ذوات الجآجئ، وكان أوَّلَ من عمل المَحامِل: الحجَّاج، وقال بعضُ رُجَّاز الأكرياء:

أوّلُ عبدٍ عَمِلَ المَحَامـلا

 

أخزاهُ ربِّي عاجلاً وآجلا

وقال آخر:

شيَّبَ أصداغي فهُنّ بيضُ

 

محاملٌ لقِدّها نِـقـيضُ

قال الأصمعيّ: سمعتُ أعرابياً يقول: لو تَنَخَّل رجلٌ أخاً شقيقاً لم يأمل أن يبدوَ منه ما يبدو من الثَّوبِ ذي الحَرَقِ، فرحم اللَّه رجلاً أغضى على الأقذاء، واسمتع بالظّاهر، قال الأصمعيّ: سمعتُ أعرابيّاً يقول: مَن وَلَّد الخيرَ نُتِجَ له فِراخاً تطيرُ بالسرور، ومَن وَلّد الشرّ أنبت له نباتاً مُرّاً مذاقُه، قُضبانُه الغَيظ، وثمرهُ النَّدَم، وأنشد النَّضْرُ بن شُمَيل:

يحبُّ بَقائي المشفِقُون ومُدَّتـي

 

إلى أجلٍ، لو تعلمون، قـريبُ

وما أَرَبِي في أَرْذَلِ العُمرِ بعدما

 

لبِستُ شبابي قَبْلَه ومشـيبـي

وأنشد ابنُ الأعرابي:

يا ابنَ الزُّبيرِ جَزَاكَ الـلَّـه لائمةً

 

هَلاَّ انتهيتمْ وفي الأقوال تعتـيبُ

تَنزُو لتدركَ من كعب غـطـارفةً

 

لا تستوي بُسْرَةُ العُرجون والطِّيبُ

كما ترى فَرخ عُشٍّ لا حَراكَ بـه

 

وفوقَه من نُسال الرِّيش تزغـيبُ

ما فيكمُ قد عَلِمنا مِن محـافَـظَةٍ

 

يوم الحِفَاظِ ولا خَيرٌ لمنـكـوبِ

وأنتمُ تحـت أرواق الـبـيوت إذا

 

هبَّت شآمـيَةٌ دُرْنٌ طـحـاريبُ

أنتم مُناخ الخَنَى قُبحاً لخُلَّـتِـكـم

 

فكلُّكم يا بني البَلقاء مـقـشـوبُ

في ذمَّتي أن تَضِجُّوا من مصادَمَتي

 

كما تضجّ من الحَرِّ الجـنـاديبُ

وما بين أدبَسَ نـثّـاجٍ لـه ذَفَـرٌ

 

ومُقْصَدِ القَلب ذي سِتِّينَ مَعْصُوب

خالِي سَماعةُ فاعلم، لا خفـاءَ بـه

 

لقد هَوَى بك ياوَتِّينُ شُـنْـخـوبُ

صَعبٌ مناكبُه تَهْوي الكُمـاةُ بـه

 

خوفاً وتصطادهُمْ منه كـلالـيبُ

وأنشد ابن المُعذَّل:

تواعَدَ للبَين الخـلـيطُ لـينْـبَـتُّـوا

 

وقالوا لراعِي الظَّهْرِ: موعدُك السبتُ

ففاجأني بَغْتاً ولـم أخْـشَ بَـيْنَـهـم

 

وأَفْظَعُ شيءٍ حين يفجؤكُ البـغْـتُ

مضَى لسُليمَى منذُ مـا لـم ألاقِـهـا

 

سنُونَ توالَتْ بيننا خَـمـسٌ أوْ سـتُّ

وفي النّفسِ حاجاتٌ إليكـم كـثـيرةٌ

 

برُبَّانها في الحيِّ لو أُخِّرَ الـوقـتُ

تأيَّمتُ حتَّى لامنـي كـلُّ صـاحـبٍ

 

رجَاءً لسَلْمَى أن تَئِيَم كـمـا إمْـتُ

لئن بعت حظِّي منك يومـاً بـغـيره

 

لِبئسَ إذاً يومَ التغابُـنِ مـا بـعـتُ

تمنَّى رجالٌ أن أموتَ وعـهـدُهـم

 

بأن يتمـنَّـوا لـو حَـييتُ إذا مـتُّ

وقد علموا عند الـحـقـائق أنَّـنِـي

 

أخو ثـقةٍ مـا إنْ ونـيتُ ولا أُنْـتُ

وأَنّيَ قد سَيّرْت نَـبْـلِـي وأنّـنـي

 

كأنّي وقد وقّعتُ أنصالـهـا رِشـتُ

وقال أحمد بن المعذَّل: أنشدني أعرابيٌّ من طيّئٍ:

ولستُ بميّالٍ إلى جانب الغـنـى

 

إذا كانت العَلْياءُ في جانب الفَقْر

وإني لَصبّارٌ على ما ينـوبُـنـي

 

وحسبُكَ أنَّ اللَّهَ أثنَى على الصَّبرِ