الحمدُ للَّه كما هو أهلُه، والسلام على أنبيائه المقرَّبين الطيِّبين، أخي، لا تَغتَرَّنَّ بطُول السلامة مع تضييع الشُّكر، ولا تُعمِلنَّ نعمةَ اللَّه في معصيته، فإنَّ أقلَّ ما يجب لمهُديها أَلاّ تجعلَها ذريعةً في مخالفته، واعلم أن النِّعم نَوافِر، ولقلّما أقشَعَتْ نافرةٌ فرجعَتْ في نصابِها، فاستدعِ شاردَها بالتَّوبة، واستدِم الرَّاهِنَ منها بكرَم الجِوار، واستفتِحْ بابَ المزيد بحُسْن التّوكُّل، ولا تحسَبْ أنّ سُبوغَ سِتْر نعَمِ اللَّه عليك غيرُ متقلِّصٍ عمّا قريب إذا لم تَرْجُ للَّه وَقاراً وإني لأخشى أن يأتيَك أمرُ اللَّه بغتةً، أو الإملاءُ فهو أَوْبأ مَغَبَّة، وأثبت في الحجَّة ولأَنْ لا تعمل ولا تعلمَ خير من أن تعلَم ولا تعمل، إنَّ الجاهل لم يُؤتَ من سُوءِ نِيَّةٍ ولا استخفاف بربُوبيًَّةٍ، وليس كمن قهرته الحُجَّة وأعرب له الحقُّ مفْصِحاً عن نفسه، فآثَرَ الغفلة، والخسيسَ من الشَّهوة، على اللَّه عزّ وجلّ، فأسمَحَتْ نفسُه عن الجنَّة، وأسلَمَها لآبِدِ العقوبةُ، فاستشِرْ عقلَكَ وراجِع نفْسَك، وادرسْ نِعَم اللَّه عندك، وتذكَّرْ إحسانَه إليك؛ فإنه مَجْلَبَةٌ للحياء، ومَردعةٌ للشهوة، ومَشْحَذَةٌ على الطاعة؛ فقد أظَلّ البلاءُ أو كأنْ قَدْ، فكفكِفْ عنك غَرْبَ شؤبوبهُ، وجوائحَ سَطْوته، بسرعة النزوع، وطول التضرُّع، ثلاثٌ هي أسرَعُ في العقل من النار في يبيس العَرْفَج: إهمال الفكرة، وطولُ التَّمنِّي، والاستغرابُ في الضَّحك، إنَّ اللَّه لم يخلق النارَ عبَثاً، ولا الجنَّةَ هَمَلاً، ولا الإنسانَ سُدىً، فاعترفْ رقَّ العُبوديَّة، وعَجْزَ البَشَرِيَّة، فكلهُ زائدٍ ناقصٌ، وكلُّ قرينٍ مفارِقٌ قرينَه، وكلُّ غنِيّ محتاجٌ، وإنْ عصفَتْ به الخُيَلاءُ وأبْطَرَه العُجْب، وَصَاَل على الأقْران؛ فإنه مُذَالٌ مدبّر، ومقهور مُيَسَّر، إنْ جاع سَخِط المِحْنة، وإنْ شَبع بَطِرَ النِّعمة، تُرضِيه اللَّمحة فيستشري مَرَحاً، وتُغْضِبه الكلمةُ فيستطير شِقَقاُ، حتى تنفسخ لذلك مُنَّتُهُ، وتنقض مَرِيرتُهُ، وتضطرب فريصَته، وتنتشِر عليه حُجَّتُه، ولَلعجَبُ من لبيبٍ توبِقه الحِياطة، ويَسلَم مع الإضاعة، ويؤتَى من الثِّقة، ولا يشعُر بالعاقبة، إن أُهمِلَ عَمِيَ، وإنْ عُلِّمَ نَسي، كيف لم يتَّخذ الحقّ مَعْقِلاً يُنْجيه، والتّوكّل ذائداً يحميه، أعَمِيَ عن الدَّلالة، وعَنْ وُضوع الحجَّة، أم آثَرَ العاجَل الخسيس، على الآجِل النَّفيس؟ وكيف توجَد هذه الصِّفة مع صِحّة العُقْدةُ، واعتدال الفِطرة؟ وكيف يُشيرُ رائدُ العقل، بإيثار القليل الفاني على الكثير الباقي، وما أَظنُّ الذي أقْعَدَك عن تناوُل الحظّ، مع قُرْب مَجْنَاه، حتى صار لا يَثنيك زجرُ الوَعيد، ولا يكدح في عَزماتك فَوتُ الجنَّة، حتى ثقُلَتْ على سمعك الموعظة، ونَبَتْ عن قلبك العِبرةُ إلاّ طُولُ مجاوَرِةِ التقصير، واعتيادُ الراحة، والأُنْس بالهُوَينى، وإيثارُ الأخفِّ، وإلفُ قَرن السَّوء، فاذكر الموتَ وأدم الفكرةَ فيه؛ فإنّ من لم يعتبر بما يرى لم يَعتبر بما لا يرى، وإن كان ما يوجد بالعيان من مواقع العِبرة لا يكشفُ لك من قبيح ما أنت عليه، وهُجْنةِ ما أصبحتَ فيه، من إيثار باطلك على حقِّ اللَّه، واختيار الوَهْن على القوَّة، والتفريطِ على الحَزْم، والإسفاف إلى الدُّونُ، واصطناعِ العار، والتعرُّضِ للمقْت، وبسطِ لسانِ العائب - فمستنبطَاتُ الغَيب أحرَى بالعجْز عن تَحريكك، ونَقْلِكَ عن سُوء العادة التي آثرْتَها على ربِّك، فاستَحْي للُبِّك، واستبق ما أفضلَ الخذْلانُ من قُوَّتك، قبل أن يستوْلِيَ عليك الطَّبَع، ويشتدّ بك العجْز، أوَ ما علمتَ أنّ المعصية تُثْمِر المذلّة، وتَفُلّ غَرْبَ اللِّسان، مع السَّلاَطة، بل ما علمْتَ أن المستشعِر بذُلِّ الخطيئة، المخرجَ نفسَه من كَنَف العِصمة، المتحلِّيَ بدنَس الفاحشة، نطِفُ الثَّناءُ، زَمِرُ المروءةُ، قَصيُّ المجلس، لا يُشاوَر وهو ذو بَزْلاءُ، ولا يُصدَّر وهو جميل الرُّواءُ؛ يُسالم مَن كان يسطو عليه، ويَضْرَع لمن كان يرغَب إليه، يَجْذَلُ بحاله المبغِضُ الشانئُ، ويُثْلَبُ بقربه القريب الدانيُ، غامض الشَّخْص ضئيل الصوت، نَزْرُ الكلام متلجلج الحُجَّة، يتوقَّع الإسكاتَ عند كل كلمةٍ، وهو يَرى فضْلَ مَزيَّتِه وصريحَ لُبِّه،وحُسن فَضِيلَته، ولكنْ قطَعَهُ سوءُ ما جَنَى على نفسه، ولو لم تطَّلع عليه عيون الخليقة لهجست العقولُ بإدْهانهُ، وكيف يمتنع من سقوط القَدْر وظنِّ المتفرِّس، مَن عَرِيَ عن حِلْية التقوى، وسُلِبَ طابَعَ الهُدَى، ولو لم يَتغَشَّه ثوبُ سريرته، وقبيحُ ما احتجن إليه من مخالفته ربَّه، لأضرعَتْه الحجَّةُ، ولفسخَه وهْنُ الخطيئة، ولقطعه العِلمُ بقبيح ما قارفُ، عن اقتدارِ ذوي الطَّهارة في الكلام، وإدلالِ أهلِ البَراءة في النديِّ، هذه حالُ الخاطئ في عاجل الدُّنيا؛ فإذا كان يومُ الجزاء الأكبر فهو عانٍ لا يُفَكُّ، وأسيرٌ لا يُفَادَى، وعاريَّةٌ لا تُؤدَّى، فاحْذَرْ عادةَ العجز وإلف الفكاهة، وحبَّ الكفاية، وقلَّة الاكتراث للخطيئة، والتأسُّفَ على الفائت منها، ضعفَ النَّدم في أعقابها، أخي، أنعَى إليك القاسيَ، فإنه ميِّت وإن كان متحرِّكاً، وأعْمَى وإن كان رائياً، واحذر القَسْوَةَ فإنها رأسُ الخطايا، وأمارة الطَّبَعُ، وهي الشَّوهاء العاقر، والداهيةُ العُقام، وأراك ترتكض في حبائلهاُ، وتستقبِسُ من شَرَرها، ولا بأس أن يعظ المُقصِّرُ ما لم يكن هازلاً، ولن يَهلِك امرؤٌ عَرف قَدْرَه، ورُبَّ حامِل علمٍ إلى مَن هو أعلم منه، علّمنا اللَّه وإياكم ما فيه نجاتُنا، وأعاننا وإياكم على تأدية ما كُلِّفْنا، والسلام، قال: وقلت لِحُبَابِ: إنّكَ لتكْذِبُ في الحديث، قال: وما عليك إذا كان الذي أزيدُ فيه أحسنَ منه، فواللَّهِ ما ينفعُك صدقُه ولا يضرُّك كذبُه، وما يدور الأمرُ إلاّ على لفظٍ جيِّد ومعنىً حسن، ولكنَّك واللَّه لو أردتَ ذلك لَتَلَجْلَجَ لسانُك، ولَذهَب كلامك، وقال أبو الحسن: سَمِع أَعرابيٌّ مؤذِّناً يقول: أشهد أنّ محمداً رسولَ اللَّه، قال: يفعل ماذا؟ قال: وكان يقال: أوّل العلم الصَّمت، والثاني الاستماع، والثالث الحِفْظ، والرابع العمل به، والخامس نَشْرُهُ، أبو الحسن قال: قرأ رجلٌ في زمن عمر بن الخطاب رحمه اللَّه: "فإن زلَلَتم من بعد ما جاءتكم البيِّناتُ فاعلموا أنَّ اللَّه غفورٌ رحيمُ" البقرة: 209: فقال أعرابيٌّ: لا يكون، قال: ودخل على المهديّ صالحُ بن عبد الجليل، فسأله أن يأذن له في الكلام، فقال: تكلمْ، فقال: إنّا لمّا سهُلَ علينا ما توعَّر على غيرنا من الوصول إليك قمنا مَقام الأداءِ عنهم وعن رسول اللَّه ِصلى الله عليه وسلم ، بإظهار ما في أعناقنا من فريضة الأمر والنهي، عند انقطاع عُذْر الكتمان في التّقيَّة، ولا سيَّما حين اتَّسمْتَ بميسم التواضُع، وَوَعَدْتَ اللَّهَ وحَمَلَةَ كتابه إيثارَ الحقِّ على ما سواه، فجمَعَنا وإياك مَشهدٌ من مشاهد التمحيص، ليتمّ مُؤَدِّينا على موعود الأداء عنهم، وقابلنا على موعود القَبول، أو يُردَّنا تمحيصُ اللَّه إيّانا في اختلاف السّرّ والعلانية، ويحلِّينا تحلية الكاذبينُ؛ فقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولون: مَن حجب اللَّه عنه العِلم عذَّبه على الجهل، وأشدُّ منه عذاباً مَن أقبل عليه العلمُ وأدبَرَ عنه، ومَن أهدى اللَّه إليه علماً فلم يَعمل بهِ فقد رغب عن هديَّة اللَّه وقصَّرَ بها، فاقبَلْ ما أهدَى اللَّه إليك على أسنتنا قَبولَ تحقيقٍ وعمل، لا قَبولاً فيه سُمْعةٌ ورِيَاءُ؛ فإنه لا يُعْدِمُكَ منّا إعلامٌ بما تجهلُ، أو مُوَاطَأَة على ما تعلم، أو تذكيرٌ لك من غفلةٍ، فقد وَطّنَ اللَّه جلّ وعَزَّ، نَبيَّه عليه السلام على نزولها تعزيةً عمّا فات، وتحصيناً من التّمادِي، ودلالةً على المخْرج، فقال: "وَإما يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللهَِّ إنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَلِيمُ" فصلت: 36، فَأطْلِعِ اللَّهَ على قلبك بما يُنَوِّرُ به القلوب، من إيثار الحقِّ ومنابذة الأهواء؛ فإنّك إن لم تفعل ذلك يُرَ أَثَرك وأثرُ اللَّه عليك فيه، ولا حولَ ولاقوَّةَ إلاَّ باللَّه، قال: ودخَل رجلٌ على معاوية، وقد سقطت أسنانُه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الأعضاء يرثُ بعضها بعضاً، فالحمد للَّه الذي جعلك وارثَها ولم يجعلْها وارثتَك، وحدّثنا إسماعيلُ بن عُلَيّة قال: حدّثنا زياد بن أبي حسان، أنّه شهد عُمَرَ بنَ عبد العزيز رحمه اللّه حين دفن ابنَه عبد الملك، فلما سُوِّيَ عليه قبرُه بالأرض، وجعلوا على قبره خشبتَينِ من زيتونٍ، إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، ثم جَعل قبرَه بينه وبين القبلة، واستوى قائماً وأحاط به الناس، قال: رحمك اللَّه يا بُنَيَّ، فلقد كنتَ برّاً بأبيك، وما زلتُ مُذ وهبك اللَّه لي بك مسروراً، ولا واللَّه ما كنتُ قطُّ أشدَّ بك سروراً، ولا أرْجَى لحظّي من اللّه فيك، منِّي مُذْ وضعتُك في هذا الموضع الذي صَيَّرك اللَّه إليه، فغفر اللَّهُ ذنبَك، وجَزَاك بأحسن عَملِك، وتجاوَزَ عن سيِّئتك ورحم اللَّه كلَّ شافعٍ يشفع لك بخيرٍ من شاهدٍ أوْ غائب، رَضِينا بقضاء اللَّهِ، وسلّمْنا لأمره، فالحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين، ثم انصرف، وحدَّثني محمد بن عُبيد اللَّه بن عمرو قال: أخبرني طارق بن المبارك عن أبيه قال: قال لي عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة: جاءت هذه الدَّولة وأنا حديثُ السِّنِّ، كثيرُ العِيال، منتشِر الأموال، فكنتُ لا أكون في قبيلةٍ إلاّ شُهِرَ أمري، فلمَّا رأيتُ ذلك عزمتُ على أن أفِديَ حُرَمِي بنفسي، قال المبارك: فأرسَلَ إليّ: أن وافنِي عند باب الأمير سليمان بن عبد الملك، قال: فأتيته فإذا عليه طيلسانٌ أبيضُ مُطْبَقٌُ، وسراويلُ وشيء مسدولة، قال: فقلت: سبحان اللَّه، ما تَصنع الحداثة بأهلها، إن هذا لَيس لباس هذا اليوم، قال: لا واللَّه، ولكن ليس عندي ثوبٌ إلاَّ أشهرَ مما ترى، قال: فأعطيتُه طيلساني وأخذتُ طيلسانَه، ولويتُ سراويلَه إلى رُكبتَيه، قال: فدخل ثم خرجَ إليّ مسروراً، قال: قلت: حدِّثنا ما جرى بينك وبين الأمير، قال: دخلتُ عليه ولم يَرَني قبلَ ذلك، فقلت: أصلح اللَّه الأمير، لفظتني البلادُ إليك، ودلَّني فضلُك عليك، فإما قبلتَني غانماً، وإما رددتَني سالماً، قال: ومَن أنتَ أعرفْك، قال: فانتسبت له، فقال: اقعدْ فتكلَّمْ غانماً سالماً، ثمْ أقبَلَ عليّ فقال: حاجتَك يا ابنَ أخي قال: قلتُ: إن الْحُرَم اللاتي أنت أقربُ الناس إليهنَّ معنا وأولى الناس بهنَّ بعدنا، قد خِفْنَ بخَوْفِنا، ومَن خاف خِيف عليه، قال: فواللَّه ما أجابني إلاّ بدموعه على خدَّيه، قال: يا ابن أخي، يُحْقَن واللَّه دمُك، وتُحفَظ حرمُك، ويُوفَّر عليك مالُك، ولو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلْت، قال: فقلتُ: أكون مُتوارياً أو ظاهراً؟ قال: كن متوارياً كظاهر، فكنت واللَّهِ أكتبُ إليه كما يكتب الرَّجُل إلى أبيه وعمّه، قال: فلما فرغ من الحديث رددتُ إليه طيلسانَه، فقال:مهلاً، إنّ ثيابنا إذا فارقَتْنا لم تَرْجِعْ إلينا، ومن أحاديث النوكى حديث أبي سعيد الرفاعي: سُئل عن الدُّنيا والدائسةُُ، فقال: أمّا الدّنيا فهذه الذي أنتم فيها، وأما الدَّائسة فهي دارٌ أخرى بائنة من هذه الدَّار، لم يَسمع أهلُها بهذه الدَّار ولا بشيءٍ من أمرها، وكذلك نحنُ لم نسمع بشيء من أمرها، إلاّ أنّه قد صحّ عندنا أن بيوتَهم من قِثَّاء، وسقوفَهم من قِثَّاء، وأنعامَهم من قثّاء، وخيلَهم من قثّاء، وهم في أنفسهم من قثّاء، وقِثّاؤهم أيضاً من قثّاء، قالوا له: يا أبا سعيد، زعمتَ أنّ أهلَ تلك الدَّار لم يَسمَعوا بهذه الدار ولا بشيء من أمرها، وكذلك نحن لهم، وأراك تُخْبرنا عنهم بأخبارٍ كثيرة، قال: فمن ثَمَّ أنا أعجَبُ زيادةً، قالوا: ذَمّ رجلٌ عند الأحنف الكَمْأَةَ بالسَّمن، فقال الأحنف: رُبَّ مَلومٍ لا ذَنْبَ لهُ، عبد اللَّه بن مسلم، عن شَبَّةَ بن عِقَالٍ، أنّ رجلاً قال في مجلس عُبيد اللَّه بن زياد: ما أطيَبُ الأشياءِ؟ فقال رجلٌ: ما شَيْءٌ أطيبَ من تَمْرَة نِرْسِيانٍ كأنّها من آذان النَّوكى عَلَّيتَها بزُبْدةُ، وقال أوس بن جابرٍ لابن عامرُ:
ظلّت عُقَابُ النُّوك تَخفقُ فوقَه |
|
رِخْوٌ طَفاطفهُ قديمُ الملعـبِ |
قد ظلَّ يُوعدني وعـينُ وَزيرِه |
|
خضراءُ خاسفة كعَين العقربُ |
يعني بوزيره عبد اللَّه بن عُمير الليثيُ، وكان أخاه لأمِّه، أمُّهُما دَجاجة بنت أسماءَ السُّلَميَّةُ، وقال ابن مَنُاذر، في خالد بن عبد اللَّه بن طليق الخُزاعيّ، وكان المهديُّ استقضاه وعَزَل عُبيدَ اللَّه بن الحسن العنبريُّ:
أتَى دهرنَا والدّهرُ ليس بمُعْتِـب |
|
بآبدةٍ، والـدّهـرُ جَـمُّ الأوابـدِ |
بعَزْلِ عبيدِ اللَّه عنّـا فـيا لَـهُ |
|
خلافاً وباستعمال ذي النّوكِ خالدِ |
بِحَيرَانَ عن قَصْد الطريق، ترُدُّه |
|
خيانةُ سَـلاّمِ، ولـحـية فـايدِ |
أذلك من ريب الزّمان وصَرفِـهِ |
|
وأحداثه، أم نحن في حُلم راقِـدُ |
وقال أيضاً: من السريع
قُلْ لأمير المؤمـنـين الـذي |
|
مِن هاشمِ في سِرِّها واللُّبَابْ |
إنْ كنت للسَّخْطة عاقبـتـنـا |
|
بخالدٍ فهْـوَ أشـدّ الـعـذابْ |
أصمُّ أعمَى عن سبيل الهُـدَى |
|
قد ضَرَب الجهلُ عليه حجابْ |
يا عجباً مِن خـالـدٍ كـيف لا |
|
يُخطئ فينا مَرةً بالـصَّـوابُْ |
وقال: مجزوء الرمل
خالدٌ يحكم في النّاسِ بحكم الجاثَلـيقِ |
|
يا أبا الهيْثمِ ما كنْتَ لهذا بـخـلـيق |
لا ولا أنتَ لما حُمّلْتَ منه بمـطـيقِ |
|
أيُّ قاضٍ أنت للظُّلْمِ وتعطيلِ الحُقوقِ |
وقال: من السريع
يَقطع كفّ القاذف المفترِي |
|
ويجلد اللّص ثمـانـينـا |
سَقياً ورعياً لك من حاكـم |
|
يُحْيِي لنا السُّنْةَ والـدّينـا |
وقال زُهرَة الأهوازيّ: من السريع
يا قومِ مَن دَلّ عَلَى عالمٍ |
|
يعلم ما حَدُّ حِرٍ سارقُِ |
وقال آخر:
وإنِّى لمَضّاءٌ على الهوى واحداً |
|
ولو ظلَّ ينهاني أخيفشُ شاحجُ |
تُشَبَّهُ للنّوكَى أمـورٌ كـثـيرةٌ |
|
وفيها لأكياس الرّجالِ مَخَارجُ |
وقال آخر:
ولا يعرِفون الشَّرَّ حتى يصيبَهُمْ |
|
ولا يعرِفون الأمرَ إلاّ تدبُّـرَا |
وقال آخر:
إذا ظَعَنوا عن دار ضيمٍ تَعاذَلُوا |
|
عليها وردُّوا وفْدَهم يستقيلُهـا |
وقال النابغة:
ولا يَحسِبون الخيرَ لا شرّ بعـدَه |
|
ولا يحسبون الشَّرَّ ضربةَ لازبِ |
والعرب تقول: أخزَى اللَّه الرّأي الدَّبَرِيَّ، وقالوا: وجّه الحجاج إلى مطهَّر بن عمّار بن ياسرٍ، عبد الرحمن بنَ سُليم الكلبي، فلما كان بحُلوانَ أتْبعَه الحجّاجُ مَدَداً، وعَجَّل عليه بالكتاب مع تُخَيتِ الغَلَط - وإنَّما قيل له ذلك لكثرة غلطه - فمر تُخَيتٌ بالمََدَد وهم يُعرَضون بخانِقينُ فلما قدم على عبد الرحمن قال له: أين تركتَ مَدَدَنا؟ قال: تركتهم يُخْنَقُون بعارضِين، قال: أو يُعرَضُون بخانقين؟ قال: نَعَم، اللَّهمَّ لا تُخانِقْ في بارِكين، ولما ذهب يجلس ضَرَطَ، وكان عبد الرحمن أراد أن يقول له: ألا تَغَدَّى؟ فقال له: ألا تَضْرِط، قال: قد فعلتُ أصلحك اللَّه، قال: ما هذا أردتُ، قال: صدقتَ ولكن الأمير غَلِطَ كما غَلِطنا، فقال: أنا غَلطْتُ من فمي، وغَلِط هو من استه،