أخلاط من شعر ونوادر وأحاديث

قال هُبَيرةُ بنُ أبي وَهبٍ المخزومي:

وإنَّ مقال المرءِ في غير كُنِهِه

 

لكالنَّبِل تَهْوِي ليسَ فيها نصالُهَا

وقال الرّاجز:

والقولُ لا تَملكُهُ إذَا نـمـا

 

كالسَّهم لا يَرجِعُهُ رامٍ رَمى

وإلى هذا ذهب َ عامِرٌ الشَّعبيُّ حيث يَقُول: وإنّك على إيقاعِ ما لم تُوقع أقدَرُ مِنكَ عَلَى رَدِّ ما قد أوقَعت، وأنشد:

فداويتُهُ بالحِلم والـمـرءُ قـادِرٌ

 

عَلَى سَهمِه ما دامَ في كفِّهِ السَّهمُ

وقال الأنصاري:

وبَعضُ القولِ ليسَ له حَصَاةٌ

 

كمَخْضِ الماءِ ليس له إتاءُ

وبعضُ خلائق الأقـوام داءٌ

 

كداء الشيخ ليس لـه دَواءُ

وقال الآخر:

ومَوْلىً كداءِ البطن أمّا لقاؤهُ

 

فحِلمٌ وأما غيبُهُ فظَـنـونُ

وقال الآخرُ:

تُقَسَّمَ أولادُ المُلِمَّةِ مغنَـمِـي

 

جِهاراً، ولم يَغلبكَ مثل مُغلَّبِ

وقال الثِّلْبُ اليمانيُّ:

وهُنَّ شَرُّ غالبٍ لمن غُلِبْ

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كتب أحدُكُم فَليُتَرِّبْ كتابَه، فإنّ التُّرابَ مبارَك، وهو أنجح للحاجَةِ، وذكر اللَّه آدَمَ الذي هو أصلُ البَشر فقال: "إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ" آل عمران: 59، ولذلك كَنَّى النبي عليه السلام عليّاً أبَا تُرَاب، قالوا: وكانت أحَبَّ الكُنَى إليه، وقال الآخَر:

وإن جئت الأميرَ فقُـلْ سـلامٌ

 

عليك ورحمةُ اللَّهِ الـرحـيمِ

وأمَّا بعدَ ذاكَ فـلـى غَـريمٌ

 

من الأعرابِ قُبِّحَ من غـريمِ

له ألفٌ عليّ ونصـفُ ألـفٍ

 

ونِصفُ النصفِ في صَكٍّ قديم

دراهِمُ ما انتفَعتُ بها ولـكـن

 

وصَلتُ بها شُيوخَ بني تمـيمِ

وقال الكميت:

حَلفتُ بربِّ الناسِ: ما إمُّ خـالـدٍ

 

بأَمِّكَ إذْ أصواتُنا الهَلُ والـهَـبُ

ولا خالدٌ يستَطعِمُ المـاءَ قـائمـاً

 

بعِدْلِكَ والدَّاعي إلى الموت ينعَبُ

وقال ابن نَوْفلٍ:

تقُولُ لِمَا أصابكَ أطعمونـي

 

شَرَاباً ثمّ بُلْتَ على السَريرِ

لا عْلاَجٍ ثمـانـيةٍ وشـيخ

 

كبير السِّنِّ ذي بصَرٍ ضريرِ

وقال ابنُ هَرْمَة:

تراهُ إذا ما أبصَرَ الضَّيفَ كلبُهُ

 

يكلِّمُهُ من حُبِّهِ وهو أعـجَـمُ

قال: وقال المهلَّبُ: عجبت لمن يشتري المماليك بمالِهِ ولا يشتري الأحرارَ بمعروفه، وقال الشاعر:

رُزِقتُ لُبّاً ولم أُرزَقْ مُروُءَتَه

 

وما المُرُوءَة إلاّ كثرةُ المالِ

إذا أردتُ مُسَاماةً تَقَعَّـدنـي

 

عمَّا يُنَوِّهُ باسمي رقّةُ الحالِ

وقال الأحنف:

فلَوْ مُدَّ سَروْي بمالٍ كثير

 

لَجُدْتُ وكنْتُ لَهُ بـاذِلا

فإنّ المروّةَ لا تُسْتَطـاع

 

إذا لم يكُنْ مالُها فاضِلا

وقال جريرُ بن يزيدَ: من المنسرح

خيرٌ من البُخْلِ للفتى عَدَمُهْ

 

ومن بَنين أعِّقَّةٍ عَقَـمُـه

قال: ومشَى رجال من تميمٍ إلى عَتّاب بن ورقاءَ، ومحمد بن عُمَير، في عَشْرٍ دياتٍ فقال محمد بن عُمَير: عَلَيَّ ديَةٌ، فقال عتَّابٌ: عليَّ الباقيَة، فقال محمد: نِعم العَوْنُ على المروءةِ المال، وقال الآخر:

ولا خيرَ في وصلٍ إذا لم يكنْ له

 

على طول مرّ الحادثَاتِ بقـاءُ

وقال الآخر:

شفاءُ الحُبِّ تقبـيلٌ وضَـمٌّ

 

وجَرٌّ بالبُطُونِ على البُطُونِ

وأنشد:

واللِّهِ لا أرْضَى بطُول ضَمٍّ

 

ولا بتقْـبـيلٍ ولاَ بِـشَـمِّ

إلاّ بهَزهازٍ يُسَلّي هـمِّـي

 

يسقطُ مني فَتَخِي في كُمِّي

لمِثلِ هذا ولدتني أمِّي

         

وأنشد:

لا ينفَعُ الجاريَةَ الخِـضَـابُ

 

ولا الوشاحانِ ولاَ الجِلبـابُ

مِن دُونِ أن تَصْطَفِقَ الأركاب

 

وتلتَقِي الأسبابُ والأسـبـابُ

ويخرجَ الزُّبُّ له لـعـابُ

 

 

وقال الآخر:

ولقد بَدَا لي أنَّ قلبَكَ ذاهِـلُ

 

عنِّي وقلبي لو بدا لك أذهَلُ

كلٌّ يُجامِلُ وهو يُخفي بُغضَهُ

 

إنَّ الكريمَ على القِلَى يَتجمَّلُ

وقال الآخر:

وحظُّكَ زورة في كُـلِّ عـامٍ

 

موافقةً على ظَهر الطَّـريقِ

سَلاماً خالياً مـن كُـلِّ شـيءٍ

 

يعود به الصَّديق على الصَّديقِ

وقال الآخر:

وزعمتَ أنِّي قد كذبتُـكَ مَـرَّة

 

بعضَ الحديثِ فما صدقتُكَ أكثرُ

وقال الآخر:

أهينُوا مَطاياكُـم فـإنِّـي وجـدتُـه

 

يهُونُ على البرذَون موتُ الفتى النَّدْبِ

وقال الآخر:

لا يَحفِلُ البُردُ من يُبلِي حواشيَهُ

 

ولا تُبالي عَلَى مَن راحت الإبِلُ

وقال الآخر:

ألا لاَ يُبالي البُردُ مَن جَرَّ فَضْلَهُ

 

كما لا تُبالي مُهْرَةٌ مَنْ يقُودُها

وقال الآخر:

وإنّي لأرثي للكـريم إذا غـدَا

 

على حاجةٍ عند اللّئيمِ يُطالِبُـهْ

وأرثِي له من مَجلسٍ عند بابـه

 

كمَرْثِيَتِي للطِّرف والعِلجُ راكبُه

وقال الفرزدق:

أترجو رُبَيعٌ أن تجيءَ صغارُها

 

بخيرٍ وقد أعيا رُبَيْعاً كبارُهـا

وقال الشاعر:

ألم تَر أنّ سيْرَ الخير رَيثٌ

 

وأنّ الشَّر راكبهُ يَطـيرُ

وقال ابن يَسيرٍ:

تأتي المكارِهُ حينَ تأتي جُـمْـلةً

 

وترى السُّرورَ يَجي مع الفلَتَاتِ

قبل لبلاَلِ بن أبي بُرْدَة: لم لا تُوَلِّي أبا العَجُوزِ بن أبي شَيخ العَرّافَ - وكان بلالُ مسترضَعاً فيهم، وهو مِن بَلْهُجَيْم - قال: لأني رأيتُ منه ثلاثاً: رأيتُه يحتَجمُ في بُيوتِ إخوانه، ورأيتُ عليه مِظلّةً وهو في الظلِّ، ورأيتُه يُبادِرُ بَيضَ البُقَيْلة، وكان عندي شيخٌ عظيمُ البدَنِ جَهير الصّوتِ، يستَقصِي الإعراب، وقد ولَدَه رجلٌ من أهل الشُّورى، وكان بقُرْبي عبد أسوَدُ دقيق العَظم دَميم الوجهِ، ورآني أُكبِرُهُ، فقال لي حينَ نَهضَ ورأى عَظْماً: يا أبا عُثمان، لا واللَّهِ إنْ يُسَاوِي ذلك العَظْمَ البالي، بصُرَتْ عيني به في الحمامِ وتَناوَلَ قطعةً من فَخّارٍ فأعطاها رجُلاً وقالَ له: حُكَّ بها ظَهرِي أفتظنُّ هذا يا أبا عُثمانَ يُفلح أبداً، قال أبو الحسن: سأل الحجّاجُ غُلاماً فقال له: غُلامُ مَن أنت؟ قال: غلامُ سيِّدِ قيس، قال: ومَن ذاك؟ قال: زُرارةُ بنُ أوفَى، قال: وكيف يكون سيِّد قيس وفي دارِهِ التي ينزِلُ فيها سُكّان؟ قال: وقال رجل لابنه: إذا أردتَ أن تَعرِفَ عيبَك فخاصِمْ شيخاً من قُدماءِ جيرانِك، قال: يا أبَتِ لو كنتُ إذا خاصَمتُ جاري لم يَعرِفْ عيبِي غيري كانَ ذلك رأياً، ولكن جاري لا يُعرِّفُني عيبي حتى يُعرِّفه عدوِّي، وقد أخطأ الذي وَضَع هذا الحديث لأنّ أباه نهاه ولم يأمُرُه، وقال الآخر: من الرمل

اصْطَنِعني وأقِلْني عثرَتي

 

إنّها قد وقَعَت مني بقُـرّ

واعْلَمَنْ أن ليس ألفا دِرْهَمٍ

 

لمديحي وهجائي بخَطَر

يذهَبُ المالُ ويبقى مَنطقٌ

 

شائعٌ يأْثُِرُهُ أهل الخبَـرْ

ثمّ أرميكُمْ بوجـهٍ بـارزٍ

 

لست أمشي لعَدُوِّي بخمَرْ

وقال أشهَبُ بن رُمَيْلةَ يومَ صِفِّين: إلى أين يا بَني تميم؟ قالوا: قد ذهب الناسُ، قال: تَفِرُّونَ وتعتذرُون؟، قال: ونهض الحارث بن حَوطٍ اللَّيثيّ إلى عليّ بن أبي طالب، وهو على المنبر، فقال: أتظُن أنّا نظُنُّ أنّ طلحة والزُّبير كانا على ضَلال؟ قال: يا حَارِ، إنه ملبوسٌ عليكَ، إنّ الحقَّ لا يُعرفَ بالرّجال، فاعرف الحقَّ تَعرِفْ أهله، وقال عمر بنُ الخطّابِ رحمهُ اللَّه: لا أدركتُ أنا ولا أنتَ زماناً يتغايرُ الناس فيه على العِلم كما يتغايرونَ على الأزواج،قال: وبَعثَ قَسامةُ بن زُهَير العنبَريُّ إلى أهله بثلاثينَ شاةً ونِحْي صغير فيه سمنٌ، فسَرَقَ الرّسول شاةً، وأخذ من رأسِ النِّحْي شيئاً من السمنِ، فقال لهُم الرسولُ: ألكُم إليه حاجةٌ أُخبِرهُ بها؟ قالت له امرأتُه: أخبِرْه أنّ الشهرَ محاقٌ، وأنّ جَدْيَنا الذي كان يُطالِعنا وجدناهُ مرثوماً، فاستَرْجَعَ منه الشاةَ والسَّمن، قال عليّ بن سليمان لرؤبَةَ: ما بقيَ من باهِكَ يا أبا الجحّاف؟ قال: يمتَدُّ ولا يَشتَدُّ، وأستعينُ بيَدِي ثم لا أُورد، وأُطيلُ الظِّمْءَ ثم أقَصِّرُ، قال: ذاك الكِبَر، قال: لا، ولكنَّه طُولُ الرِّغاث، وقيل لأعرابيّ: أيُّ الدّوابِ آكَلُ؟ قال: بِرْذَوْنَةٌ رَغُوث، وقيل لغيره: لم صارَتِ اللَّبؤةُ أنْزَقَ، وعلى اللحم أحْرصَ؟ قال: هي الرَّغُوث، قال: وقال عُبَيدُ اللَّه بنُ عمر: اتّقُوا مَن تبغضُه قلوبكُمْ، وقال إسماعيل بن غَزوانَ: لا تُنفِقْ درهماً حتَّى تراه، ولا تَثِق بِشُكر من تُعطيهِ حتَّى تمنَعَه، فالصابرُ هو الذي يشكُر، والجازعُ هو الذي يكفُر، عامرِ بنُ يحيى بنُ أبي كثيرٍ قال: لا تشهَدْ لمن لا تَعرف، ولا تشهَدْ على مَن لا تَعرِف، ولا تشْهَدْ بما لا تَعرِف، أبو عبد الرحمن الضرير، عن علي بن زيد بن جُدعان، عن سعيد بن المُسَيَّبِ قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : رأسُ العقل بعد الإيمانِ باللَّه التَّودّد إلى الناس، وقالت عائشة: لا سمرَ إلاّ لثلاثة: مسافرٍ، ومُصَلٍّ، وعَرُوس، قال: وقال معاوية يوماً: مَن أفصَحُ الناس؟ فقال قائل: قوْم ارتفعوا عن لَخْلخانيَّةِ الفُراتِ، وتَيامَنُوا على عَنْعَنةِ تميمٍ وتَياسَرُوا عن كسكَسةِ بكرٍ، ليست لهم غَمغَمةُ قُضَاعَة ولا طُمْطُمانيَّة حِمْير، قال: مَن هم؟ قال: قُرَيْش، قال: ممّن أنتَ؟ قال: مِن جَرْم، قال: اجْلِسْ، وقال الرَّاجز:

إنّ تميماً أعطـيتْ تـمـامـا

 

وأعطِيَتْ مآثراً عِـظـامـا

وعدَداً وحَسباً قَـمْـقـامَـا

 

وباذِخاً من عِزِّهـا قُـدَّامـا

في الدهر أعيا الناسَ أن يُرَاما

 

إذا رَأيتَ منهُم الأجْسـامـا

والدَّلَّ والشِّيمة والـكـلاَمـا

 

وأذرُعاً وقَصَـراً وهَـامـا

عَرَفت أن لم يُخلَقُوا طَغَامـا

 

ولم يكُن أبُوهُمُ مِسـقَـامـا

لم تَرَ فِيمَن يأكُلُ الطّعَـامـا

 

أقَلّ مِنهمْ سـقَـطـاً وذامـا

تقولُ العَرَب: لو لم يكن في الإبلِ إلاّ أنَّها رَقوء الدّم، قاتل جَندَلُ بن صخرٍ، وكان عبداً مملوكاً:

وَمَا فَكَّ رِقِّي ذاتُ دَلٍّ خَبَـرْنـجٍ

 

ولا شَاقَ مالي صَدْقَةٌ وعُقُـولُ

ولكنْ نَماني كُلُّ أبيضَ خِضـرِمٍ

 

فأصبَحتُ أدرِي اليومَ كيفَ أقُولُ

وقال الفُقَيميُّ، وهو قاتلُ غالبٍ أبي الفرزدق:

وما كنتُ نوَّاماً ولـكـنّ ثـائراً

 

أنَاخَ قليلاً فوقَ ظَهرِ سـبـيلِ

وقد كنتُ مجرورَ اللِّسانِ ومُفحَماً

 

فأصبحتُ أدري اليومَ كيفَ أقولُ

قال المُغيرةُ بن شُعْبةَ: من دخَلَ في حاجةِ رجُلٍ فقد ضَمِنَها، وقال عُمرُ رِحمَه اللَّهُ: لكلِّ شيءٍ شَرَفٌ، وشرفُ المعروفِ تعجيلُه، وقال رجلٌ لإبراهيمَ النخعيّ: أَعِدُ الرّجُلَ المِيعادَ فَإلى متى؟ قال: إلى وقتِ الصلاة، قال: وقال لي بعضُ القُرشيِّينَ: من خافَ الكذِبَ أقلَّ من المواعيد، وقالوا: أمرَان لا يسلمَانِ من الكذب: كثرةُ المواعيدِ، وشِدَّةُ الاعتذار، وقال إبراهيم النَّظَّام: قُلتُ لخنجيركُون ممرورِ الزياديِّين: اقعد هاهُنا حتّى أرجعَ إليك، قال: أمّا حتّى ترجعَ إليّ فإنِّي لا أضمنُ لك ولكن أقعَد لك إلى اللَّيل،

هذه رسالة إبراهيم بن سَيابَة إلى يحيى بن خالد بن برمك

وبلغني أنَّ عامَّةَ أهلِ بغدادَ يحفظونها في تلك الأيام، وهي كما ترى، وأوّلُها: للأصْيَدِ الجواد، الوارِي الزِّنَاد، الماجد الأجداد، الوزير الفاضل، الأشمِّ الباذِل، اللُّباب الحُلاَحِل، من المُستكينِ المستجير، البائس الضَّرير، فإنِّي أحْمَدُ اللَّه ذا العِزَّةِ القدِيرَ، إليك وإلَى الصَّغير والكبير، بالرحمةِ العامّة، والبركةِ التامة، أمّا بعد فاغنَمْ واسلَم، واعلَمْ إن كنت تَعلم، أَنَّه مَن يرحَم يُرحَم، ومن يَحرِم يُحرَم، ومن يُحسِن يَغْنَم، ومَن يَصنع المعرُوفَ لا يَعدَم، وقد سبَقَ إليَّ تَغضُّبك عَليَّ، واطِّراحُكَ لي، وغَفلتُكَ عنِّي بما لا أقُوم له ولا أقعُد، ولا أنتَبهُ ولا أرقدُ، فلستُ بذي حياةٍ صَحيح، ولا بمَيْتٍ مُستَرِيح، فررتُ بعد اللَّه مِنكَ إليك، وتحمّلتُ بكَ عليك، ولذَلِك قُلت: من الخفيف

أسرعَتْ بي حثّاً إليك خِطائي

 

فأَناخَت بمُذْنـبٍ ذي رجـاءِ

راغبٍ راهبٍ إلـيك يُرجِّـي

 

مِنكَ عفواً عنه وفَضلَ عطاءِ

ولَعمرِي ما مَن أَصَرَّ ومن تا

 

بَ مُقِرّاً بذنـبـه بِـسـواءِ

فإنْ رأيتَ - أراكَ اللَّه ما تُحبُّ، وأبقاكَ في خَيرٍ - ألاّ تَزهد فيما ترى من تَضرُّعِي وتَخشُّعِي، وتذَلُّلِي وتضَعُّفِي، فإنَّ ذَلكَ ليسَ مِني بنحيزةٍ ولا طبيعَةٍ، ولا على وجهِ تصيُّدٍ وتَصنُّعٍ وتخدُّع، ولكنه تذلُّل وتخشُّع وتَضَرُّع، من غير ضَارع ولا مَهين ولا خاشعٍ لمن لا يستحق ذلك، إلاّ لمن التضَرُّعُ له عِزٌّ ورفعَةٌ وشرف، والسَّلام محمدُ بنُ حَربٍ الهلاليّ قال: دخل زُفَرُ بنُ الحارث على عبدِ الملك، بعد الصّلحِ فقال: ما بقِيَ من حُبّكَ لِلضّحّاك؟ فقال: ما لا ينفعُني ولا يضُرُّك، قال: شَدَّ ما أحببتُموهُ معاشِر قيس قال: أحببنَاهُ ولم نُوَاسِهِ، ولو كُنَّا آسيْناهُ لقد كُنَّا أدركْنا ما فاتَنَا منه، قال: فما منعَكَ من مواساتِه يوم المَرْج، قال: الذي مَنع أباكَ، من مُواسَاةِ عثمان يوم الدَّار، قال الشاعر:

لكُلّ كريمٍ مـن ألائِم قـومِـهِ

 

على كلِّ حالٍ حاسِدُونَ وكُشَّحُ

قال: وقال سليمان بن سعدٍ لو صَحِبَني رجُل فقال اشتَرطْ عَليَّ خَصلةً واحِدةً لا تزيدُ عليها لقُلتُ: لا تَكذِبْني، قال: كان يُقال: أربع خِصالٍ يسُودُ بها المرء: العلم، والأدب، والعِفَّة والأمانة، وقال الشّاعر:

لَئِن طبتَ نَفساً من ثنائي فـإنَّـنـي

 

لأطيَبُ نفساً عن نَداكَ على عُسرِي

فلستُ إلى جدواك أعظَـمَ حـاجةً

 

على شِدَّةِ الإعسارِ منك إلى شُكرِي

وقال الآخَر:

أأن سُمتَني ذُلاًّ فَعِفتُ حياضَـهُ

 

سَخِطتَ، ومَن يأْبَ المذلّة يُعذَرِ

فها أنَا مُسترضِيكَ لا مِن جنايةٍ

 

جنيتُ ولكِن من تجنِّيكَ فاغفـرِ

وقال إيَاسُ بن قَتادة:

وإنّ من السَّاداتِ من لو أطعمتَهُ

 

دعاكَ إلى نار يَفورُ سعيرُهـا

وقال الآخر:

عَزَمتُ على إقامَةِ ذي صَباحٍ

 

لأمرٍ ما يُسَوَّدُ مـن يَسُـودُ

وقال الهُذَلِيُّ:

وإنَّ سيادةَ الأقوامِ فاعلـمْ

 

لها صَعْدَاءُ مَطلبُها طويلُ

وقال حارثةُ بن بَدر:

إذا الهمُّ أمسَى وهو داءٌ فـأمْـضِـهِ

 

ولستَُ بممضيهِ وأنـت تُـعـادلُـه

ولا تُنزِلَنْ أمرَ الـشّـديدَةِ بـامـرئٍ

 

إذا رامَ أمراً عَوّقَـتـهُ عـواذِلُـه

وقُلْ للـفُـؤادِ إن نَـزا بـك نَـزْوَةً

 

من الرَّوْعِ أفرخْ، أكثر الرّوعِ باطِلُهْ

وقال الآخر:

وإنَّ بقومٍ سَوّدُوكَ لفـاقةً

 

إلى سَيِّدٍ لو يظفَرُونَ بِسَيِّدِ

وقال الآخر:

وما سُدْتَ فيهم أنّ فضلَك عمَّهُم

 

ولكنّ هذا الحظَّ في الناسِ يُقسَمُ

وقال حارثةُ بن بَدر:

خَلَتِ الدِّيارُ فَسُدْتُ غير مُسوّدِ

 

ومنَ الشَّقاءِ تفرُّدي بالسُّودَدِ

الفضل بنُ تميم قال: قال المغيرة: مَن لم يَغضَب لم يُعرَفْ حلمُه، وقال الشاعر:

ما بالُ ضَبْع ظلَّ يطلبُ دائباً

 

فريستَهُ بين الأسودِ الضّراغمِ

وقال الآخر:

ذَكَرتُ بها عهداً على الهجر والقِلَى

 

ولا بُدّ للمشـتـاقِ أن يَتَـذَكَّـرا

وقال الآخر:

إذا ما شفيتَ النفس أبلغتَ عُذرَها

 

ولا لوم في أمرٍ إذا بلغ العـذرُ

وقال الآخر:

لعَمرُك؛ ما الشكوَى بأمرِ حَـزَامَةٍ

 

ولا بُدّ من شكوَى إذا لم يكن صَبْرُ

وقال الآخر:من الرجز

لولا ثلاثٌ هنَّ عيشُ الدّهـرِ

 

الماء والنّومُ وأُمّ عـمـرو

لَمَا خشيتُ مِن مَضيق القبرِ

 

 

وقال لَقِيطُ بن زُرارة:

شَتَّانَ هذا والعِنـاقُ والـنّـوْمْ

 

والمشرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْمْ

وقال والبة: مجزوء الكامل

ما العَيشُ إلاّ في المُدَام

 

وفي اللِّزَامِ وفي القُبَلْ

وإدارةِ الظَّبي الغرِيرِ

 

تَسُومُهُ مـا لا يَحِـلّ

وقال شيخ من أهل المسجدِ: ما كنتُ أُريدُ أن أجْلِسَ إلى قوْم إلا وفيهم من يحَدِّثُ عن الحسَن، ويُنشِدُ للفرزدقَ، وقال أبو مُجيب: لا تَرَى امرأةً مُصَبَّرةَ العينِ، ولا امرأةً عليها طاق يَمْنَةٍ، ولا شَريفاً يهنَأُ بعيراً، وقال أبو بَراح: ذهب الفتيانُ فلا ترى فتىً مفرُوقَ الشعرِ بالدُّهن، مُعلِّقاً نعلَهُ، ولا دِيكَين في خِطارٍ، ولا صديقاً له صديقٌ إن قمَرَ ضَغَا، وإنْ عوقِبَ جَزِع، وإن خلا بصَدِيق فتىً خبَّبَه، وإن ضُرِبَ أقَرّ، وإن طال حَبسُه ضَجِرَ، ولا ترى فتًى يُحسِنُ أن يمشيَ في قيدِه ولا يُخاطِب أميرَه، وقال أبو الحسَن: قال أبو عَباية: ترى زُقاقَ بَراقشَ، وبَسَاتين هَزَارِ مَرْدَ ما كان يَسلكُهُ غُلاَمٌ إلاّ بخفير، وهُمُ اليوْمَ يخترقونَه، قُلتُ: هذا من صَلاحِ الفِتيان، قال: لا ولكن من فسادهِم، البقطَريُّ، قال: قِيلَ لطُفَيل العرائس: كم اثنان في اثنين؟ قال: أربعَةُ أرْغفة، وقال رَجُل لرجُل: انتظرتُك على الباب بقدر ما يأكلُ إنسانٌ جَرْدَقتين، عبدُ اللَّهِ بن مُصعَب قال: أرسلَ علي بن أبي طالب رحمه اللَّه عبد اللَّه بن عباسٍ، لما قَدِمَ البَصْرة فقال له: ايتِ الزبيرَ ولا تَأتِ طلحة، فإنّ الزبيرَ ألْيَن، وإنّك تجد طلحةَ كالثَّورِ عاقصاً قَرْنَه، يَرْكَبُ الصُّعُوبة ويقول: هي أسهل؛ فأقرئه السلامَ، وقل له: يقول لك ابنُ خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتَني بالعِراق، فما عَدَا مما بَدَا لك؟، قال: فأتيت الزبيرَ فقال: مرحباً يا ابنَ لُبابة أزائراً جئتَ أم سفيراً؟ قلت: كلَّ ذلك، وأبلغتُه ما قال عليّ، فقال الزبير: أبلغه السلامَ وقُل له: بيننا وبينَك عهدُ خليفةٍ ودمُ خليفة، واجتماعُ ثلاثةٍ وانفراد واحد، وأُمٌّ مبرورة، ومشاوَرَةُ العشيرة، ونشْرُ المصاحف، فنحِلُّ ما أحلَّتْ، ونُحرِّم ما حرَّمَت، فلما كان من الغدِ حَرَّشَ بين الناسِ غوغاؤهم، فقال الزبير: ما كنت أرى أنّ مثلَ ما جئنا له يكونُ فيه قِتال؟ قال: ومن جيِّدِ الشعر قولُ جَرير:

لئن عَمِرَتْ تَيمٌ زماناً بغِـرَّةٍ

 

لقد حُدِيتَ تَيمٌ حُدَاءً عَصَبْصبَا

فلا يَضْغَمنَّ الليْث ُ تَيماً بغرّةٍ

 

وتَيم يَشمُّونَ الفَريسَ المُنَيَّبَـا

وقال أعرابيٌّ: كحِّلْني بالمِيلِ الذي تُكحَلُ به العيونُ الدَّاءة وقال ابنُ أحمرَ :

بهَجْلٍ من قَساً ذَفِرِ الخُزَامَى

 

تَهادَى الجِربياءُ به الحنينـا

به تَتَزَخَّرُ القَلَعُ السَّوَاري

 

وجُنَّ الخازِبازِ بهِ جُنُـونـا

تكادُ الشمس تخشعُ حين تبدو

 

لهنَّ وما نزلن وما عَسِينـا

وقال الحَكم الْخُضْريُّ:

كُومٌ تظاهَرَ نَيُّها وتربَّعـتْ

 

بقْلاً بعَيْهَم والْحِمَى مجنُونا

والمجنونُ: المصروعُ، ومجنونُ بَني عامر، ومجنونُ بني جَعدة، وإذا فخر النباتُ قيل قد جُنَّ، وقال الشَّنْفَرى:

فدَقّت وَجَلَّت واسبكرَّت وأَنَضَرَت

 

فلو جُنَّ إنسانٌ من الْحُسن جُنَّتِ

قال: وسمع الحجّاجُ امرأةً من خلِف حائطٍ تُنَاغي طفلاً لها، فقال: مجنونةٌ أو أمُّ صَبَيّ وقال أبو ثُمامة بن عازِب:

وكُلهمُ قد ذاقنا فـكـأَنّـمـا

 

يرونَ علينا جلْدَ أجْرَب هامِلِ

وقال التَّغلَبي:  

يَرى الناسُ منَّا جلْدَ أسْودَ سالـخ

 

وفَرْوَةَ ضِرْغامٍ من الأُسْدِ ضَيْغَمِ

وأنشدنا الأصمعيُّ:

مُنْهَرِتُ الشِّدقَين عَودٌ قد كَمَل

 

كأنّما قُمِّص من لِيطِ جُعَـلْ

وقال نُصَيب لعُمَر بن عبد العزيز: إنّ لي بُنَيّةً ذَررتُ عليها من سوادِي، وقال عبد الملك للوليد: لا تَعزِل أخاكَ عبدَ اللَّه عن مصر، وانظُر عمَّك محمدَ بن مروان فأقِرَّهُ على الجزيرة، وأما الحجّاجُ فأنت أحوَجُ إليه منه إليك، وانظُر عليّ بنَ عبدَ اللَّه فاستَوْصِ به خيراً، فضَرَبَ عليّاً بالسِّياطِ، وعزَل أخاه وعَمَّه، قال أبو نُخَيلة:

أنَا ابنُ سَعدٍ وتوسَّطْتُ العجَمْ

 

فأنا فيما شيتُ من خالٍ وعمّ

وأنشد:

هُمُ وسَطٌ يرضى الإلهُ بحُكمهم

 

إذا طَرقَت إحدَى الليالي بمُعظمِ

يجعلُونَ ذلك من قولِ اللَّه تبارك وتعالى: "وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكْونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ ويكُونَ الرَّسُولُ عليكُمْ شَهيداً" البقرة: 143، وأنشد:

ولولا خُلَّةٌ سَبقَـتْ إلـيه

 

وأَخْوٌ كانَ من عَرَق المدَامِ

دَلَفتُ لهُ بأبيض مَشرَفِـيٍّ

 

كما يَدنو المصافِحُ بالسَّلاَم

وقال يَزيدُ بنُ ضَبَّة:

لا تُبدِيَنَّ مـقـالةً مـأثـورةً

 

لا تستطيع إذا مَضَتْ إدراكها

وقال ابنُ ميَّادَة:

يا أيُّها النّاسُ رَوُّوا القولَ واستَمِعُوا

 

وكلُّ قولٍ إذا ما قيلَ يُسْـتَـمَـعُ

وقال الآخر:

ما المُدلجُ الغادِي إليه بسُحرةٍ

 

إلاّ كآخرَ قاعدٍ لـم يَبـرَحِ

وقال العلاءُ بنُ مِنهالٍ الغنويّ في شَريك بن عبدِ اللَّه:

فَليتَ أبا شَريك كان حَـيّاً

 

فَيُقصِرَ عن مقالَتِه شريكُ

وَيترُكَ مِن تدرُّئِهِ علينـا

 

إذا قلنا لهُ هذا أبـوكـا

وقال طارقُ بن أُثَال الطائيُّ:

ما إنْ يزال ببغدَادٍ يزاحِمُـنـا

 

على البَراذِين أشباهُ البَـرَاذينِ

أعطاهُمُ اللَّهُ أموالاً ومنـزلةً

 

من الملوكِ بلا عَقلٍ ولا دِينِ

ما شِئتَ من بغلَةٍ سَفواء ناجيَةٍ

 

ومن أثاثٍ وقول غيرِ موزُونِ

وقال مُنقِذُ بنُ دِثَارٍ الهلاليُّ: من المنسرح

لا تترُكَنْ إن صَنيعَةٌ سَلَفَتْمنك وإن كنتَ لستَ تنكرُها

 

عند امرئ أن تقولَ إنْ ذُكِرَتيوماً من الدهر: لستُ أذكُرها

 

فإنَّ إحياءَها إماتتُها

 

وإنّ مَنّـاً بها يُكدِّرُهـا

وقال بعضُ الحكماء: صاحِبْ مَن ينسَى معروفَهُ عِندك، ويتذكّرُ حقوقَك عليه، وقال مِنْقَرُ بن فروةَ المِنْقريِّ:

وإن خفتَ من أمرٍ فواتـاً فَـوَلِّـهِ

 

سِواكَ وعن دَارِ الأذَى فتَـحَـوَّلِ

وما المرء إلاّ حيثُ يجعَلُ نفـسَـهُ

 

ففي صلاح الأخلاقِ نفسَكَ فاجعَلِ

ونظر أبو الحارث جُمَّين إلى برذَونٍ يُستَقى عليه الماءُ، فقال:

وما المرءُ إلاّ حيث يجعلُ نفسَهُ

لو هملَجَ هذا البِرذَونُ لم يُجعَل للرَّاوِيَة وأنشد:

لا خيرَ في كلِّ فتىً نَؤُومِ

 

لا يعتريهِ طارِقُ الهُمُوم

وأنشد:

اجعلْ أبا حَسَنٍ كمن لم تَعـرِفِ

 

واهجرْهُ مُعتزماً وإن لم يُخلفِ

آخِ الكرامَ المُنصِفينَ وصِلْهُـمُ

 

واقطَعْ مودَّةَ كلِّ من لم يُنصِف

وقال عُمارةُ بن عَقيل بن بلالِ بن جرير:

ما زال عِصيانُنا للَّه يُسْلِـمُـنـا

 

حَتَّى دُفِعنا إلى يَحيَى ودينـارِ

إلى عُلَيجَين لم تُقطَع ثمارُهمـا

 

قد طال ما سجدَا للشمسِ والنارِ

وشاتَم أعرابيٌّ أعرابيّاً فقال: إنَّكم لتعتَصرُونَ العطاءَ، وتُعيرونَ النِّساء، وتَبيعُون الماءَ، وقال أبو الأسْودِ الدؤليُّ:

لنا جِيرة سَدُّوا المَجَازةَ بـينـنـا

 

فإن ذكَّروكَ السَّدَّ فالسَّدُّ أكـيسُ

ومِن خير ما ألْصَقْتَ بالدارِ حائطٌ

 

تزِلُّ به صُقعُ الخطاطيفِ أملَسُ

وأنشد:

إذا لم يكُن للمرءِ بُدٌّ من الـرَّدَى

 

فأكرَمُ أسبابِ الردى سَبب الحُبِّ

وقال الآخر:

وإذا شَنِئْتُ فتىً شَنِئْتُ حديثَهُ

 

وإذا سَمِعتُ غِناءَهُ لم أطرَبِ

وأنشد المسرُوحيّ، لكامِل بن عِكرِمة:

لها كلَّ عامٍ موعِدٌ غَير مُنجَـزٍ

 

ووقتٌ إذا ما رَأسُ حولٍ تَجرَّمَا

فإنْ وَعَدَت شرّاً أتى دُون َ وقتِه

 

وإن وَعَدَت خيراً أراثَ وعَتَّما

وقال الآخر:

ألم تَرَ أنَّ سَيرَ الخبْر ريثٌ

 

وأنَّ الشرَّ راكبُهُ يطـيرُ

وقال محمدُ بنُ يَسير:

تَأتِي المكارهُ حين تَأتِي جـمـلةً

 

وترى السُّرورَ يَجيءُ في الفَلَتاتِ

وقال الآخر:

إذا ما بَرِيدُ الشامِ أقبَـلَ نـحـونـا

 

ببَعض الدّواهي المُفْظِعات فأَسرَعا

فإن كان شرّاً سـارَ يومـاً ولـيلةً

 

وإن كان خيراً قصَّد َ السَّيرَ أربَعا

وقال آخر:

وتُعجِبُنا الرُّؤيا فجُـلُّ حَـدِيثـنـا

 

إذا نحن أصبَحنَا الحديثُ عن الرُّؤيا

فإنْ حَسُنَت لم تَأتِ عجلَى وأبطأَت

 

وإن قَبُحَت لم تحتَبِس وأتت عَجلَى

وقال آخر:

وإذا نَهضَتُ فما النُّهوضُ بدائمٍ

 

وإذا نُكِبتُ توالَتِ النَكَـبـاتُ

قال: قيل لأعرابيًّ: ما أعددْتَ للشِّتاء؟ قال: جُلّةً رَبوضاً، وصيصيَةً سَلُوكاً، وشَملةً مَكُوداً، وقُرْمُوصاً دَفيئاً، وناقةً مُجَالِحة، وقيل لآخر: ما أعددتَ للشّتاءِ؟ قال: شِدَّةُ الرّّعدة، وقيل لآخر: كيف ليلكم؟ قال: شِدهَةُ الرِّعدة، وقيل لآخر: كيف ليلكم؟ قال: سَحَرٌ كلُّه، وقيل لآخَر: كيف البردُ عندكم؟ قال: ذَاك إلى الرِّيح، وقال مَعنُ بن أَوس:

فلاَ وَأبي حَـبـيبٌ مـا نَـفـاهُ

 

منَ أرضِ بني ربيعةَ من هوانِ

وكان هو الغَنيُّ إلـى غِـنـاهُ

 

وكانَ من العشيرة في مَكَـانِ

تكَنَّفَه ُ الوُشـاةُ فـأزعـجـوهُ

 

ودَسٌّ من فضـالة غـيرُ وانِ

فلـوْلا أنّ أُمَّ أبـيه أُمّـــي

 

وأنْ مَنْ قد هَجاهُ فقد هجانـي

وأنّ أبي أبـوه لـذاقَ مـنِّـي

 

مَرارةَ مِبردي ولكان شـانِـي

إذاً لأَصابه منِّي هـجـاءٌ يُمِـرُّ

 

به الرَّوِيُّ عـلـى لِـسَـانـي

أَعَلِّمُـه ُ الـرِمـاية كـلَّ يومٍ

 

فلا استَدّ سـاعِـدُه رمـانـي

وقال بعض اليهود:

ولَو كنتُ أرضى لا أبا لَك بِالـذي

 

به العائلُ الجثَّامُ في الخَفضِ قانِعُ

إذا قَصُرتْ عِندي الهمومُ وأصبحَتْ

 

عليَّ وعندِي للرِّجال صـنـائع

ذكر ما قالوا في المَهَالبة:

إنّ المَهالِبةَ الكِرامَ تحـمَّـلـوا

 

دَفْعَ المكارِهِ عن ذِوِي المكرُوهِ

زانوا قدِيمَهُم بحُسن حَديثِـهـم

 

وكَريمَ أخلاقٍ بحُسـنِ وجُـوهِ

وقال أبُو الجَهم العدَوِيُّ في معاوية بن أبي سُفيانَ:

نُقَلِّبُهُ لنَخْبُرَ حـالـتَـيهِ

 

فنَخبرُ مِنهُما كرماً ولِينا

نَميلُ على جوانِبِهِ كأنّـا

 

نَميلُ إذا نَمِيلُ على أبينا

وقال الآخرُ في هذا الشكل:

إنْ أَجْزِ علقمة بنَ سَيفٍ سعيَهُ

 

لا أَجْزِهِ ببـلاءِ يومٍ واحـدِ

لأحبَّني حُبَّ الصَّبِّي ورمَّنـي

 

رَمَّ الهديِّ إلى الغَنيّ الواجِدِ

ولقد شفيتُ غلِيلَتي فنقعتُـهـا

 

من آلِ مسعودٍ بمـاءٍ بـارِدِ

وقال بُكَيرُ بن الأخنَس:

نَزلتُ على آلِ المُهلَّب شاتـياً

 

فقيراً بعيدَ الدارِ في سَنَةٍ مَحْلِ

فما زالَ بي إلطافُهم وافتقادُهُم

 

وإكرامُهم حتى حَسِبتُهُمُ أهلي

وقال في كلمةٍ له أخرى:

وقد كنت شيخاً ذا تجارِبَ جَمَّةٍ

 

فأصبحت فيهِمْ كالصبيِّ المُدلَّلِ

ورأى المُهلَّبَ وهو غلامٌ فقال:

خُذُوني به إن لم يَسُدْ سَرَاوتِهم

 

ويبرعَ حتّى لا يكونَ له مِثْلُ

وقال الحَزِينُ؛ في طلحة بن عَبدِ اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصديق رضي اللَّه عنه؛ وأُمه عائشةُ بنتُ طلحةَ بن عُبيد اللَّه، من ولَدِ أبي بكرٍ الصّدِّيق رحمه اللَّه:

فإنّ تَكُ يا طَلحُ أعطيتَني

 

جُماليَةً تستَخِفُّ السِّفَارَا

فما كان نَفعُك لي مرّةً

 

ولا مَرَّتَين ولكن مِرارا

وقال أبو الطِّمَحان:

سأمدَحُ مالِكاً في كل ركـب

 

لقيتهم، وأتـركُ كـلّ رَذْلِ

فما أنا والبِكارَةَ مِنْ مَخَاضٍ

 

عِظَامٍ جِلَّةٍ سُـدُسٍ وَبُـزْلِ

وقد عَرفت كِلابُكم ثـيابـي

 

كأنِّي منكمُ ونسِيتُ أهـلِـي

نمتكُم من بني شَمْـخٍ زِنَـادٌ

 

لها ما شئِتَ مِن فرعٍ وأصلِ

وقال أبو الشَّغب :

ألا إنَّ خيرَ الناسِ قد تعلـمـونـه

 

أسيرُ ثقيفٍ مُوثَقاً في السـلاسـلِ

لَعَمري لئِنْ أعمرتُم السِّجنَ خـالـداً

 

وأوطأتُموهُ وطأَةَ المـتـثـاقـلِ

لقد كان نَهّاضـاً بِـكُـلِّ مُـلِـمَّةٍ

 

ومُعطِي اللُّهَى غَمراً كثير النوافِلِ

فإنّ تسجُنوا القَسريَّ لا تَسجنُوا اسمَهُ

 

ولا تسجنوا معروفَهُ في القـبـائِل

ومن هذا الباب قَولُ أعشََى هَمْدانَ، في خالِد بن عتّابِ بنِ ورقاءَ:

رأيت ثناءَ النّاس بالغَيب طيّبـاً

 

عليكَ وقالوا: ماجدٌ وابنُ ماجِِد

بني الحارثِ السّامِينَ للمجدِ إنَّكم

 

بَنيتُم بنـاءً ذِكـرهُ غـيرُ بـائِدِ

هنيئاً لِمَا أعطاكم اللَّهُ واعلَمـوا

 

بأنِّي سأُطْرِي خالِداً في القصائِد

فإنْ يَكُ عَتَّابٌ مَضَى لسبـيلـه

 

فما مَاتَ من يَبقَى له مِثلُ خالِدِ

ومن شكل هذا الشِّعرِ قولُ الحُسَين بن مُطَيرٍ الأسَدِيّ:

ألِمَّا على معـنٍ وقُـولا لـقـبـرِه

 

سقتكَ الغوادي مُربِعاً ثمّ مُـربِـعـا

فَيا قَبرَ معنٍ كُـنـتَ أوّلَ حُـفـرةٍ

 

من الأرضِ خُطَّت للسماحِ وموضِعا

ويا قبر معـن كـيف واريتَ جـودَه

 

وقد كان منه البَرُّ والبحرُ مُتـرَعـا

بلى قد وسِعت الجودَ والجـودُ مـيِّتٌ

 

ولو كان حيّاً ضقت حتى تصـدّعـا

فلمّا مضَى مَعنٌ مضى الجودُ والنَّدى

 

وأصبحَ عِرنينُ المكـارمِ أجـدعـا

فَتىً عِيشَ في مَعروفِهِ بعد مـوتـه

 

كما كان بَعدَ السّيلِ مَجراهُ مَرتَـعـا

تَعزَّ أبا العبـاس عـنـه ولا يكُـنْ

 

جَزَاؤُكَ من مَعنٍ بأنْ تتضَعضَـعَـا

فما ماتَ من كُنْتَ ابنَـه لا ولا الـذي

 

لهُ مثل مَا أسدَى أبوكَ وما سَـعَـى

تمنَّى أناسٌ شَأوَه مـن ضـلاَلِـهـم

 

فأضحَوا على الأذقانِ صَرعى وظُلَّعا

وهذا مِثلُ قولِ مسلمٍ بنِ الوليدِ، في يزيدَ بن مَزْيَد:

قَبرٌ ببرذَعَةَ استسرّ ضريحُـهُ

 

خَطَراً تقاصَرَ دونَهُ الأخطـارُ

أبقَى الزّمانُ على مَعَدٍّ بـعـدَه

 

حُزْناً كعُمر الدَّهر لَيسَ يُعـارُ

نَفَضَت به الآمالُ أحلاسَ الغِنَى

 

واسترجَعت نُزّاعَها الأمْصارُ

فاذهب كما ذَهَبت غَوادِي مزنَةٍ

 

أثنَى عليها السَّهلُ والأوْعـارُ